عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (ب)

تكملة الجزء الرابع

الكثير من المفاهيم الخاطئة عند الناس عن أيُّوب

لم تكن المحنة التي تكبدّها أيُّوب هي عمل رسلٍ أرسلهم الله، ولا بسبب يد الله. ولكنها كانت بسبب الشيطان، عدو الله، شخصيًّا. ومن ثمَّ كان مستوى المحنة التي تكبدّها أيُّوب عميقًا. ولكن في هذه اللحظة، أظهر أيُّوب، دون تحفّظٍ، معرفته اليوميّة بالله في قلبه، ومبادئ أفعاله اليوميّة، وموقفه من الله – وهذه هي الحقيقة. إذا لم يكن أيُّوب قد تعرّض للتجربة، وإذا لم يكن الله قد حلّ بالتجارب على أيُّوب، لقلتَ إن أيُّوب منافق عندما قال: "يَهْوَه أَعْطَى ويَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا". لقد منحه الله الكثير من الأموال ولهذا بارك اسم يهوه الله بالطبع. إذا كان أيُّوب قد قال: "أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ، وَٱلشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟". قبل خضوعه للتجارب، لقلت إنه يبالغ، وإنه لن يُجدّف على اسم الله لأن يد الله كثيرًا ما أنعمت عليه. وإذا كان الله قد حلّ بالبلوى عليه، لكان بالتأكيد قد جدّف على اسم الله. ومع ذلك، عندما وجد أيوب نفسه في ظروفٍ لا يرغب فيها أحدٌ أو يتمنّى رؤيتها أو يرغب في أن تصيبه، ويخشى الناس من أن تصيبهم، وهي ظروفٌ لم يستطع الله نفسه تحمّل رؤيتها، كان أيُّوب لا يزال قادرًا على التمسّك بكماله: "يَهْوَه أَعْطَى ويَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا". و"أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ، وَٱلشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟". في مواجهة سلوك أيُّوب في هذا الوقت، فإن أولئك الذين يُحبّون التحدّث بكلماتٍ رنّانة ويُحبّون التكلّم بالحروف والمذاهب، يبقون صامتين. أولئك الذين لا يُمجّدون اسم الله إلا بالكلام، ولكنهم لم يقبلوا قط تجارب الله، مدانون بالكمال الذي تمسك به أيُّوب، وأولئك الذين لم يُصدّقوا قط أن الإنسان قادرٌ على التمسّك بطريق الله مدانون بشهادة أيُّوب. في مواجهة سلوك أيُّوب أثناء هذه التجارب والكلمات التي تكلّم بها، سوف يشعر بعض الناس بالارتباك، وسوف يشعر البعض بالحسد، وسوف يشعر البعض بالشكّ، وسوف يبدو على البعض اللامبالاة حتّى إنهم يزدرون شهادة أيُّوب لأنهم لا ينظرون العذاب الذي حلّ بأيُّوب أثناء التجارب ويقرأون الكلمات التي تكلّم بها أيُّوب وحسب، ولكنهم أيضًا ينظرون إلى "الضعف" البشريّ الذي أظهره أيُّوب عندما داهمته التجارب. يعتقدون أن هذا "الضعف" هو النقص المفترض في كمال أيُّوب، أي العيب الذي في إنسانٍ كان في نظر الله كاملًا. وهذا يعني أنه من المعتقد أن الكاملين لا عيب فيهم ولا شائبة، وأنهم لا يعانون من ضعفٍ، ولا معرفة لديهم بالألم، وأنهم لا يشعرون أبدًا بالتعاسة أو الكآبة، وأنهم بدون كراهيةٍ أو أيّ سلوكٍ جامح خارجيًّا. ونتيجةً لذلك، فإن الغالبية العظمى من الناس لا يعتقدون أن أيُّوب كان كاملًا حقًّا. لا يوافق الناس على الكثير من جوانب سلوكه خلال تجاربه. على سبيل المثال، عندما فقد أيُّوب ممتلكاته وأولاده، لم ينفجر في البكاء مثلما كان يتصوّر الناس. إن "تصرفه غير الملائم" يدفع الناس للاعتقاد أنه بارد المشاعر لأنه كان بلا دموعٍ، أو أنه لم يكن يحّب عائلته. هذا هو الانطباع السيئ الذي يكونه الناس أولًا عن أيُّوب. كما أنهم يجدون سلوكه بعد ذلك أكثر إرباكًا: فسر الناس عبارة "مَزَّقَ جُبَّتَهُ" على أنها عدم احترامٍ لله، كما أنهم يفهمون بالخطأ أن عبارة "جَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ" يعني تجديف أيُّوب على الله ومعارضته له. بصرف النظر عن كلمات أيُّوب: "يَهْوَه أَعْطَى ويَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا"، لا يُدرِك الناس أيًّا من جوانب برّ أيُّوب الذي امتدحه الله، ولهذا فإن تقييم أيُّوب لدى الغالبية العظمى منهم ليس أكثر من عدم فهمٍ وسوء فهمٍ وشكٍّ وإدانةٍ واستحسان من الناحية النظريّة فقط. لا يمكن لأحدٍ منهم أن يفهم كلمات يهوه الله حقًّا ويُقدّرها بأن أيُّوب كان رجلًا كاملًا مستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشرّ.

استنادًا إلى انطباع الناس عن أيُّوب كما ورد أعلاه، فإن لديهم المزيد من الشكوك فيما يتعلّق ببرّه، لأن تصرّفات أيُّوب وسلوكه المُسجّل في الكتاب المُقدّس لم تكن مُؤثّرة تأثيرًا بالغًا كما تصوّر الناس. لم يقتصر الأمر على عدم أدائه أيّة أعمالٍ عظيمة، ولكنه أيضًا أخذ لنفسه شقفةً ليحتكّ بها وهو جالسٌ في وسط الرماد. هذا العمل أيضًا يُحيّر الناس ويدفعهم للشكّ في برّ أيُّوب – وحتّى إنكاره – لأنه بينما كان أيُّوب يحكّ جسمه لم يكن يُصلّي إلى الله أو يعد الله، وإضافة إلى ذلك، لم ينظره أحد وهو يمسح دموع الألم. في هذا الوقت، لا يرى الناس سوى ضعف أيُّوب ولا شيء سواه، وهكذا حتّى عندما يسمعون أيُّوب يقول: "أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ، وَٱلشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟". فإنهم لا يُبدون أيّة مبالاة، أو يقفون موقف الحيرة، ولا يزالون غير قادرين على تمييز برّ أيُّوب من كلماته. الانطباع الأساسيّ الذي تركه أيُّوب عند الناس أثناء عذاب تجاربه هو أنه لم يكن مُتذلّلًا ولا متكبّرًا. لا يرى الناس القصة وراء سلوكه التي كانت تدور أحداثها في أعماق قلبه، ولا يرون اتّقاء الله في قلبه أو التمسّك بمبدأ طريق الحيدان عن الشرّ. يجعل اتّزانه الناس يعتقدون أن كماله واستقامته لم يكونا سوى كلمات فارغة، وأن اتّقاءه الله كان مُجرّد إشاعة؛ كما أن "الضعف" الذي كشف عنه خارجيًّا يترك في الوقت نفسه انطباعًا عميقًا عليهم ويمنحهم "منظورًا جديدًا" وحتّى "فهمًا جديدًا" تجاه الرجل الذي يصفه الله بأنه كاملٌ ومستقيم. يتبرهن هذا "المنظور الجديد" و"الفهم الجديد" عندما فتح أيُّوب فمه ولعن اليوم الذي وُلِدَ فيه.

مع أن مستوى العذاب الذي تحمّله أيُّوب لا يمكن لأيّ إنسانٍ أن يتصوّره ويفهمه، إلا أنه لم ينطق بأيّة بدعةٍ، ولكنه خفّف من ألم جسده بوسائله الخاصة. وكما هو مُسجّلٌ في الكتاب المُقدّس، قال: "لَيْتَهُ هَلَكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَٱللَّيْلُ ٱلَّذِي قَالَ: قَدْ حُبِلَ بِرَجُلٍ" (أيوب 3: 3). ربّما لم يُفكّر أحدٌ في أهمّيّة هذه الكلمات على الإطلاق، ورّبما يوُجد من اهتمّوا بها. من وجهة نظركم، هل تقصدون أن أيُّوب عارض الله؟ هل هذه الكلمات شكوى ضد الله؟ أعلم أن كثيرين منكم لديهم أفكارٌ مُعيّنة حول هذه الكلمات التي تحدّث بها أيُّوب ويعتقدون أنه إذا كان أيُّوب كاملًا ومستقيمًا لما كان ينبغي عليه أن يظهر أيّ ضعفٍ أو حزنٍ، ولكان بدلًا من ذلك قد واجه أيّ هجومٍ من الشيطان مواجهة إيجابيّة وابتسم حتّى في وجه إغواء الشيطان. كان يجب ألا يصدر عنه أدنى ردّ فعلٍ تجاه أيٍّ من العذابات الذي جلبها الشيطان على جسده، وكان يجب ألا يكشف عن أيٍّ من المشاعر التي بداخل قلبه. كان يجب عليه حتّى أن يطلب من الله أن يجعل هذه التجارب أشدّ. هذا ما يجب أن يكشفه ويتّسم به شخصٌ راسخ يتّقي الله حقًّا ويحيد عن الشرّ. وسط هذا العذاب الشديد، لم يصدر عن أيُّوب سوى أنه لعن يوم ولادته. لم يشتكِ من الله، بل ولم تكن لديه أيّة نيّةٍ لمعارضة الله. إن قول هذا أسهل بكثيرٍ من فعله، لأنه منذ العصور القديمة وحتّى اليوم، لم يمرّ أحدٌ بمثل هذه التجارب ولم يحتمل ما تحمّله أيُّوب. ولماذا لم يتعرّض أيّ شخصٍ مطلقًا لنفس تجربة أيُّوب؟ لأنه، كما يرى الله، لا أحد يمكنه تحمّل مثل هذه المسؤولية أو التكليف، ولا أحد يمكنه أن يفعل ما فعله أيُّوب، وإضافة إلى ذلك، لا يكن ممكنًا لأحد، بصرف النظر عن لعن يوم ولادته، ألا يتخلى عن اسم الله، ويستمرّ في مباركة اسم يهوه الله، كما فعل أيُّوب عندما حلّ به مثل هذا العذاب. هل كان يمكن لأيّ شخصٍ أن يفعل هذا؟ عندما نقول هذا عن أيُّوب، هل نمدح سلوكه؟ لقد كان رجلاً كاملًا واستطاع الشهادة لله وتمكّن من طرد الشيطان مذعورًا فلم يعد يقف مرة أخرى أمام الله ليتّهم أيُّوب، فما الخطأ في مدحه؟ هل يمكن القول بأن لديكم معايير أعلى من الله؟ هل يمكن القول إن بإمكانكم التصرّف بطريقة أفضل من أيُّوب عندما تداهمكم التجارب؟ امتدح الله أيُّوب، فما الاعتراضات التي قد تكون لديكم؟

أيُّوب يلعن يوم ولادته لأنه لا يريد أن يتألّم الله بسببه

كثيرًا ما أقول إن الله ينظر إلى قلوب الناس من الداخل، أما الناس فينظرون إلى مظهر الآخرين الخارجيّ. نظرًا لأن الله ينظر قلوب الناس من الداخل، فإنه يفهم جوهرهم، في حين يُحدّد الناس جوهر بعضهم البعض بناءً على مظهرهم الخارجيّ. عندما فتح أيُّوب فمه ولعن يوم ولادته، أذهل هذا التصرّف جميع الكائنات الروحيّة، بما في ذلك أصدقاء أيُّوب الثلاثة. جاء الإنسان من لدن الله، ويجب أن يكون شاكرًا من أجل الحياة والجسد، وكذلك يوم ولادته الذي منحه إياه الله، ويجب ألا يلعنه. هذا أمرٌ يمكن لمعظم الناس فهمه وتصورّه. ولأيّ أحدٍ يتبع الله، فإن هذا الفهم مُقدّسٌ ومصون، وهو حقيقةٌ لا يمكن أن تتغيّر أبدًا. ولكن أيُّوب، من ناحيةٍ أخرى، كسر القواعد: لقد لعن يوم ولادته. هذا تصرّفٌ يعتبره معظم الناس تجاوزًا إلى منطقةٍ محظورة. فالأمر لا يقتصر على أنه لا يستحقّ تفهم الناس له وتعاطفهم معه فحسب، ولكنه لا يستحقّ أيضًا غفران الله. في الوقت نفسه، يشكّ عددٌ أكبر من الناس حتّى في برّ أيُّوب، لأنه يبدو أن فضل الله عليه جعله منغمسًا في ملذّاته ووقحًا ومتهوّرًا لدرجة أنه لم يشكر الله على مباركته إياه ورعايته خلال حياته فحسب، ولكنه أيضًا لعن يوم ولادته، طالبًا هلاك هذا اليوم. كيف يمكن وصف هذا سوى بأنه معارضة لله؟ تُقدّم مثل هذه الأمور السطحيّة للناس الدليل على إدانة تصرّف أيُّوب هذا، ولكن مَنْ يستطيع أن يعرف كيف كان أيُّوب يُفكّر في ذلك الوقت؟ ومَنْ يستطيع معرفة سبب تصرّف أيُّوب بهذه الطريقة؟ الله وحده وأيُّوب نفسه يعرفان القصة والأسباب.

عندما مدّ الشيطان يده لإيذاء عظام أيُّوب، سقط أيُّوب في براثنه، ولم تكن لديه الوسيلة للهروب أو القوّة للمقاومة. تحمّل جسده وروحه آلامًا مُبرّحة، وجعله هذا الألم على وعي تام بعدم قيمة الإنسان الذي يعيش في الجسد وضعفه وعجزه. وفي الوقت نفسه، اكتسب أيضًا فهمًا عميقًا عن سبب رعاية الله للإنسان وعنايته به. أدرك أيُّوب، وهو في براثن الشيطان، أن الإنسان، الذي هو من لحمٍ ودمٍ، هو في الواقع عاجزٌ جدًّا وضعيف. عندما سقط على ركبتيه وصلّى لله، شعر وكأن الله كان يحجب وجهه مختبئًا، لأن الله وضعه بالكامل في يد الشيطان. وفي الوقت نفسه، بكى الله عليه، بل وتحسّر عليه. تألّم الله بسبب ألمه وجُرِحَ بسبب جرحه... شعر أيُّوب بألم الله، إذ كان الأمر لا يُطاق عند الله... لم يرغب أيُّوب في أن يتسبّب في المزيد من الحزن لله، ولم يرد من الله أن ينتحب عليه، فضلاً عن أنه لم يرغب في أن يرى الله يتألّم بسببه. في هذه اللحظة، لم يرد أيُّوب سوى أن يخلع نفسه من جسده ويكفّ عن تحمّل الألم الذي ينهش في هذا الجسد، لأن هذا سوف يوقف عذاب الله على ألمه. ومع ذلك، لم يستطع ذلك، وكان عليه أن يتحمّل ليس فقط آلام الجسد ولكن أيضًا عذاب عدم الرغبة في أن يُسبّب القلق لله. هذان الألمان – ألم الجسد وألم الروح – تسبّبا في ألمٍ مُبّرح يُمزّق القلب عند أيُّوب، وجعله يشعر كيف أن محدوديّة الإنسان المكوّن من لحمٍ ودمٍ يمكن أن تجعل المرء يشعر بالإحباط والعجز. في هذه الظروف، ازداد شوقه إلى الله كثيرًا، وتعمّق كرهه للشيطان. في هذا الوقت، فضّل أيُّوب ألا يكون قد وُلِدَ في عالم البشر، وألا يكون قد وُجِدَ من الأساس، عن أن يرى الله يبكي دموعًا أو يشعر بالألم من أجله. بدأ يكره جسده كرهًا شديدًا، ويلفظ نفسه ويسأم منها ومن يوم ولادته وحتّى من كل ما كان يرتبط به. لم يرغب في أن يُوجد أي ذكرٍ آخر ليوم ولادته أو أي شيءٍ له علاقة به، ولذلك فتح فمه ولعن يوم ولادته: "لَيْتَهُ هَلَكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَٱللَّيْلُ ٱلَّذِي قَالَ: قَدْ حُبِلَ بِرَجُلٍ. لِيَكُنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ظَلَامًا. لَا يَعْتَنِ بِهِ ٱللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلَا يُشْرِقْ عَلَيْهِ نَهَارٌ" (أيوب 3: 3-4). تحمل كلمات أيُّوب لفظه لنفسه: "لَيْتَهُ هَلَكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ، وَٱللَّيْلُ ٱلَّذِي قَالَ: قَدْ حُبِلَ بِرَجُلٍ". وكذلك تأنيبه لنفسه وإحساسه بالذنب لأنه تسبّب في شعور الله بالألم: "لِيَكُنْ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ظَلَامًا. لَا يَعْتَنِ بِهِ ٱللهُ مِنْ فَوْقُ، وَلَا يُشْرِقْ عَلَيْهِ نَهَارٌ". هذان المقطعان هما التعبير النهائيّ عن شعور أيُّوب في ذلك الوقت، وهما يُظهِران كماله واستقامته للجميع. وفي الوقت نفسه، مثلما تمنّى أيُّوب، سما إيمانه بالله وطاعته إياه وكذلك اتّقاؤه إياه. وبالطبع، فإن هذا السمو هو بالضبط النتيجة التي توقّعها الله.

أيُّوب يهزم الشيطان ويصبح رجلًا حقيقيًّا في نظر الله

عندما خضع أيُّوب لأول مرةٍ للتجارب، حُرِمَ من جميع ممتلكاته وجميع أولاده، لكنه لم يسقط ولم يتفوّه بأي خطيّة ضدّ الله نتيجةً لذلك. لقد تغلّب على إغواء الشيطان، وتمالك نفسه فيما يخصّ ممتلكاته الماديّة ونسله، وتغلّب على تجربة فقدان جميع ممتلكاته الدنيويّة، أي أنه تمكّن من طاعة الله رغم كلّ ما أخذه منه وتقديم الشكر والحمد لله بسبب ذلك. كان هذا هو سلوك أيُّوب أثناء الإغواء الأول من الشيطان، وكان أيضًا شهادة أيُّوب أثناء التجربة الأولى من الله. في التجربة الثانية، مدّ الشيطان يده لإيذاء أيُّوب، ومع أن أيُّوب اختبر ألمًا أشدّ مما شعر به من قبل، إلا أن شهادته كانت كافية لترك الناس في حالة ذهولٍ. لقد استخدم ثباته وقناعته وطاعته لله، وكذلك اتّقاءه الله، لهزيمة الشيطان مرةً أخرى، كما أن سلوكه وشهادته كانا مصدر قبولٍ واستحسان من الله. خلال هذا الإغواء، استخدم أيُّوب سلوكه الفعليّ ليُصرّح للشيطان بأن ألم الجسد لا يستطيع أن يُغيّر إيمانه وطاعته لله، أو ينزع أمانته لله واتّقاءه إياه. إنه لن يُجدّف على الله أو يتخلّى عن كماله واستقامته لأنه واجه الموت. عزيمة أيُّوب جعلت الشيطان جبانًا، وإيمانه جعل الشيطان مرعوبًا مرتعدًا، كما أن قوّة معركته الفاصلة بين الحياة والموت مع الشيطان ولّدت في الشيطان كراهيةٌ واستياء عميقين، وكماله واستقامته لم يتركا للشيطان أيّ شيءٍ آخر يمكن أن يفعله معه، ولهذا تخلّى الشيطان عن هجماته عليه وعن اتّهاماته ضدّه أمام يهوه الله. وهذا يعني أن أيُّوب تغلّب على العالم، وتغلّب على الجسد، وتغلّب على الشيطان، وتغلّب على الموت. لقد كان واحدًا من رجال الله بمعنى الكلمة. خلال هاتين التجربتين، ثبت أيُّوب في شهادته وعاش في الواقع بحسب كماله واستقامته، ووسّع نطاق مبادئ عيشه لاتّقاء الله والحيدان عن الشرّ. بعد أن خضع أيُّوب لهاتين التجربتين، تولّدت فيه تجربةٌ أكثر ثراءً، وجعلته هذه التجربة أكثر نضجًا وحنكة وأشدّ قوّة وأكثر إيمانًا وثقةً في برّ الاستقامة التي تمسّك بها واستحقاقها. منحت تجارب يهوه الله أيُّوب فهمًا عميقًا وشعورًا باهتمام الله بالإنسان، وسمحت له بإدراك عظمة محبّة الله، والتي منها أُضيف احترامه لله ومحبّته له إلى اتّقائه الله. لم تتسبب تجارب يهوه الله في عدم إبعاد أيُّوب عنه فحسب، ولكنها جعلت قلبه أقرب إلى الله. عندما بلغ الألم الجسديّ الذي تحمّله أيُّوب ذروته، فإن القلق الذي شعر به من يهوه الله لم يترك له أيّ خيارٍ سوى أن يلعن يوم ولادته. لم يكن هذا السلوك مُخطّطًا له منذ فترةٍ طويلة، ولكنه إعلانٌ طبيعيّ عن احترامه لله ومحبّته له من داخل قلبه، كان إعلانًا طبيعيًّا نتج عن احترامه لله ومحبّته له. وبعبارة أخرى، لأن أيُّوب لفظ نفسه، ولم يكن راغبًا في مضايقة الله، ولم يكن قادراً على ذلك، فإن احترامه ومحبّته وصلا إلى نقطة إنكار الذات. في هذا الوقت، سما أيُّوب بتعبّده طويل الأمد لله وحنينه إليه وتكريسه له إلى مستوى الاحترام والمحّبة. وفي الوقت نفسه، سما أيضًا بإيمانه وطاعته لله واتّقائه إياه إلى مستوى الاحترام والمحبّة. لم يسمح لنفسه بفعل أيّ شيءٍ من شأنه أن يضرّ الله، ولم يسمح لنفسه بأيّ تصرّفٍ من شأنه أن يؤلم الله، ولم يسمح لنفسه بأن يجلب أيّ حزنٍ أو أسف أو حتّى تعاسة على الله لأسبابه الخاصة. في نظر الله، مع أن أيُّوب ظل هو أيوب نفسه كما كان سابقًا، إلا أن إيمانه بالله وطاعته له واتّقاءه إياه جلبت الرضا والسرور الكاملين لقلب الله. كان أيُّوب في هذا الوقت قد بلغ الكمال الذي توقّعه الله إذ أصبح شخصًا يستحقّ حقًّا أن يُدعى "كاملًا ومستقيمًا" في نظر الله. وسمحت له أعماله الصالحة بالتغلّب على الشيطان والثبات في شهادته لله. وكذلك جعلته أعماله الصالحة كاملًا، وسمحت بسموّ قيمة حياته وسموّه أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وجعلته أول شخصٍ لا يتعرّض لهجوم وإغواء الشيطان فيما بعد. لأن أيُّوب كان مستقيمًا، اتّهمه الشيطان وأغواه. ولأن أيُّوب كان بارًا، سُلّمَ إلى الشيطان، ولأن أيُّوب كان بارًا، تغلّب على الشيطان وهزمه وثبت في شهادته. وبذلك أصبح أيُّوب الرجل الأول الذي لن يُسلّم مرةً أخرى إلى الشيطان، ومَثَل حقًّا أمام عرش الله، وعاش في النور في ظلّ بركات الله دون تجسّس الشيطان أو تخريبه... أصبح رجلًا حقيقيًّا في نظر الله وتحرّر...

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة