النجاح أو الفشل يعتمدان على الطريق الذي يسير الإنسان فيه (الجزء الثاني)

كُمِّل بطرس من خلال اختبار التعامل والتنقية، وكان لسان حاله يقول: "يجب أن ألبي رغبة الله دائمًا، ولا أنشد في كل ما أفعله إلا تلبية رغبة الله، وسواء وبِّختُ أو أُدنِتُ، فسأظل أفعل ذلك بسرور". لقد أعطى بطرس نفسه بالكلية لله، وكان عمله وكلامه وحياته كلها من أجل محبة الله. كان بطرس إنسانًا ينشد القداسة، وكلما كثرت اختباراته، كانت محبته لله أكثر عمقًا في قلبه. أما بولس، فلم يقم إلا بالعمل الخارجي، ورغم أنه عمل جاهدًا، إلا أن كدحه لم يكن إلا من أجل أن يقوم بعمله بصورة سليمة، ومن ثمَّ يفوز بالجعالة. لو كان يعرف أنه لن يفوز بأي جعالة، لكان قد تخلى عن عمله. ما كان يهتم به بطرس هو المحبة الحقيقية داخل قلبه، المحبة العملية التي يمكن بلوغها. لم يهتم بطرس بما إذا كان سوف ينال جعالة من عدمه، لكن ما كان يهمه ما إذا كان بالإمكان تغيير شخصيته. اهتم بولس بأن يعمل بأكثر جدٍّ، فقد كان اهتمامه بالعمل الخارجي والتكريس وبالعقائد التي لا يختبرها عوام الناس، لكنه لم يهتم مطلقًا بالتغيرات في أعماق نفسه وبحبٍ حقيقيٍّ لله. كانت اختبارات بطرس ترمي إلى بلوغ حب حقيقي ومعرفة حقيقية، وكانت تهدف إلى الفوز بعلاقة أوثق بالله وأن يحيا حياة عملية. أما عمل بولس فكان لإتمام العمل الذي أوكله إليه يسوع، ومن أجل الحصول على الأشياء التي كان يصبو إليها التي لم تكن لها علاقة بمعرفته بنفسه وبالله. كان عمله فقط من أجل الإفلات من التوبيخ والدينونة. ما سعى إليه بطرس كان حبًا خالصًا، أما ما سعى إليه بولس فكان إكليل البر. ظل بطرس لسنوات كثيرة يختبر عمل الروح القدس، وكانت له معرفة عملية بالمسيح، وأيضًا معرفة عميقة بنفسه؛ لذلك كانت محبته لله خالصة، وخضوعه للتنقية لسنوات كثيرة ارتقى بمعرفته بيسوع وبالحياة، فأصبح حبه حبًا غير مشروط وحبًا تلقائيًا، ولم يطلب بطرس شيئًا في المقابل ولا تطلع إلى أي مميزات. أما بولس، فقد عمل لسنوات كثيرة، لكنه لم يمتلك معرفة كبيرة بالمسيح، وكان عمله والطريق الذي ركض فيه من أجل الحصول على الإكليل في النهاية. ما سعى إليه كان أرفع إكليل وليس أنقى حب. لم يكن سعيه بهمة بل كان بتقاعس شديد. لم يكن يؤدي واجبه، بل كان مُجبرًا في سعيه بعد أن استولى عمل الروح القدس عليه؛ لذلك لم يُثْبت سعيه أنه من مخلوقات الله المؤهلة، بعكس بطرس الذي كان من مخلوقات الله المؤهلة الذي قام بواجبه. يظن الإنسان أن كل أولئك الذين يقدمون مساهمة لله لا بد وأن يحصلوا على مكافأة، وأنه كلما زادت المساهمة، زاد التسليم بحتمية فوزهم باستحسان الله. إن جوهر نظرة الإنسان يعتمد على فكرة الصفقة، وأنه لا يسعى بهمة إلى القيام بواجبه كخليقة الله. أما بالنسبة لله، فكلما زاد سعي الناس نحو حب حقيقي لله وطاعة كاملة له، وهو ما يعني أيضًا سعيهم نحو القيام بواجبهم كخليقة الله، زادت قدرتهم على الفوز بتزكية الله. رؤية الله هي طلب استعادة الإنسان لمهمته ومكانته الأصليتين. الإنسان خليقة الله، لذلك يجب ألا يتجاوز الإنسان حدوده بأن يطلب أي طلبات من الله، وعليه ألا يفعل شيئًا أكثر من أن يقوم بواجبه كخليقة الله. إن مصيرَيْ بولس وبطرس قد قيسا وفقًا لما إذا كان بوسعهما أن يقوما بواجبهما كخليقة الله أم لا، وليس وفقًا لحجم مساهمتهما. لقد تحدد مصيرهما وفقًا لما سعيا إليه من البداية، وليس وفقًا لمقدار العمل الذي بذلاه أو وفقًا لتقدير الناس الآخرين لهما. لذلك، فإن سعي المرء إلى القيام بواجبه بهمة كخليقة الله هو الطريق إلى النجاح، والسعي نحو طريق الحب الحقيقي لله هو أصح الطرق، والسعي نحو تغيير شخصية المرء القديمة والحق النقي لله هو طريق النجاح. إن طريقًا كهذا إلى النجاح هو طريق استعادة المهمة الأصلية والمظهر الأصلي للمرء بوصفه خليقة الله. إنه طريق الاستعادة، وهو أيضًا الهدف لكل عمل الله من البداية إلى النهاية. أما إذا شاب سعي الإنسان الكثير من المطالب الشخصية والأشواق غير الرشيدة، فإن ما يتحقق من تأثير لن يكون تغييرات في شخصية الإنسان؛ فهذا يتعارض مع عمل الاستعادة، وهو – من دون شك – ليس عملاً قام به الروح القدس؛ لذلك فإنه يثبت أن سعيًا من هذا النوع لا يُزكَّى من الله. فما أهمية سعي لا يزكيه الله؟

كان العمل الذي قام به بولس ظاهرًا أمام الناس، لكن ماذا عن نقاء حبه لله ومقدار عمق حبه لله في قلبه، تلك أمور لا يمكن للناس أن تطلع عليها. ليس بوسع الناس أن ترى إلا العمل الذي قام به، ومنه يعرف الناس يقينًا أن الروح القدس استخدمه، لذلك يظن الناس أن بولس كان أفضل من بطرس، وأن عمله كان أعظم، ذلك لأنه تمكن من تدبير الكنائس. لم يلتفت بطرس إلا إلى اختباراته الشخصية، ولم يربح إلا نفرًا قليلاً من الناس أثناء عمله العارض، ولم يكتب إلا رسائل قليلة غير مشهورة، لكن مَنْ يدري عِظَم عمق محبة الله في قلبه؟ ظل بولس يومًا بعد يوم يعمل من أجل الله، وطالما وُجِدَ عملٌ مطلوب إنجازه، كان يعمله. لقد شعر بولس أنه بهذه الطريقة سوف يتمكن من الفوز بالإكليل ويرضي الله، لكنه لم يبحث عن طرق لتغيير ذاته من خلال عمله. كان أي شيء في حياة بطرس لا يحقق رغبة الله كفيلاً بأن يجعله يشعر بعدم الراحة. فكان يشعر بالندم لو لم يحقق رغبة الله، ويبحث عن طريقة مناسبة يستطيع من خلالها إرضاء قلب الله. بل إنه حتى في أدق جوانب حياته وأقلها أهمية كان يُلزِم نفسه بتحقيق رغبة الله. كان مُدقِّقًا جدًا فيما يتعلق بشخصيته القديمة، وكان أشد صرامة فيما يُطالب نفسه به من التعمُّق أكثر في الحق. لم ينشد بولس إلا صيتًا ومكانة خارجيين، وسعى إلى الاستظهار أمام الناس دونما السعي إلى إحراز أي تقدم عميق في مدخل الحياة. ما كان يهتم به هو العقيدة وليس الواقعية. يقول البعض إن بولس قام بعملٍ كثير من أجل الله، فلماذا لم يخلد الله ذكراه؟ وبطرس، لم يقم إلا بعملٍ قليل من أجل الله، ولم يقدم مساهمة كبيرة للكنائس، فلماذا كُمِّلَ؟ بطرس أحب الله إلى مستوى معين، وهو المستوى الذي طلبه الله، ووحدهم أناس كهؤلاء لديهم الشهادة. لكن ماذا عن بولس؟ إلى أي درجة أحب بولس الله، هل تدري؟ أي عمل لبولس كان من أجل الله؟ أي عمل لبطرس كان من أجل الله؟ لم يقم بطرس بعملٍ كثير، لكن هل تدري ما كان في أعماق قلبه من الداخل؟ كان عمل بولس يتعلق بتدبير الكنائس ودعمها، أما ما اختبره بطرس فقد كان تغييرات في شخصيته. لقد اختبر محبة الله. الآن، وبعد أن عرفتَ الفروق بين جوهرهما، أصبح بوسعك أن ترى مَنْ منهما – في النهاية – آمن حقًا بالله، ومَنْ منهما لم يؤمن حقًا بالله. أحدهما أحب الله بصدق، والآخر لم يحبه بصدق، أحدهما خضع لتغيير في شخصيته، والآخر لم يخضع، أحدهما عبده الناس وكانت صورته عظيمة، والآخر خدم بتواضع ولم يلحظه الناس بسهولة، أحدهما بحث عن القداسة والآخر لم يبحث عنها وكان يظن أنه غير نقي ولا يملك حبًا نقيًا، أحدهما امتلك إنسانية حقيقية والآخر لم يمتلكها، أحدهما امتلك الشعور بأنه خليقة الله والآخر لا. تلك هي الفروق في الجوهر بين بولس وبطرس. كان الطريق الذي سلكه بطرس هو طريق النجاح، وهو أيضًا طريق استعادة الإنسانية الطبيعية وواجب خليقة الله. يمثل بطرس كل الناجحين. هذا، بينما كان الطريق الذي سلكه بولس هو طريق الفشل، وهو يمثل كل الذين يخضعون ويبذلون ذواتهم لكن بطريقة سطحية لكنهم لا يحبون الله حبًا حقيقيًا. يمثل بولس كل الذين لا يملكون الحق. كان بطرس – في إيمانه بالله – ينشد إرضاء الله في كل شيء وإطاعة كل ما جاء من الله، وكان قادرًا على أن يقبل – دون أدنى تذمر – التوبيخ والدينونة، بل والتنقية والضيق والنقص في حياته أيضًا، ولم يستطع أيٌّ من ذلك أن يبدل من محبته لله. أليس هذا هو الحب الأسمى لله؟ أليس هذا إتمام واجب خليقة الله؟ سواء أكنت في التوبيخ أم الدينونة أم الضيقة، فإنك قادر دائمًا على بلوغ الطاعة حتى الموت، إذا استطاع الإنسان أن يبلغ هذا، فهو إذًا خليقة مؤهَّلَة، وليس أفضل من ذلك يحقق رغبة الخالق. تخيل أنه بوسعك أن تعمل من أجل الله لكنك لا تطيعه ولا تستطيع أن تحبه محبة حقيقية. إنك بهذه الطريقة لن تتمكن فحسب من تحقيق واجبك كخليقة الله، لكنك سوف تُدان أيضًا من الله، ذلك لأنك لا تملك الحق وغير قادر على إطاعة الله وتعصاه. إنك لا تهتم إلا بالعمل من أجل الله، ولا تهتم بأن تمارس الحق أو أن تعرف نفسك. إنك لا تفهم الخالق أو تعرفه، ولا تطيع الخالق أو تحبه. إنك شخصٌ عاصٍ لله بالفطرة؛ لذلك يوجد كثيرون غير محبوبين من الخالق.

يقول البعض: "لقد قام بولس بعملٍ هائل، وتحمل أعباء جسيمة من أجل الكنائس وقدم مساهمات كثيرة لها. ظلت رسائل بولس الثلاث عشرة صامدة طوال 2000 عام من عصر النعمة، ولا يسبقها في الأهمية إلا الأناجيل الأربعة. مَنْ ذا الذي يُقارَن به؟ في الوقت الذي لا يستطيع فيه أحدٌ أن يسبر أغوار رؤيا يوحنا، تقدم رسائل بولس الحياة، والعمل الذي قام به نَفَعَ الكنائس. مَنْ غيره كان بوسعه أن ينجز أشياءً كهذه؟ وما العمل الذي قام به بطرس؟" عندما يقيس الإنسان آخرين، فإنه يقيسهم بحسب مساهماتهم. لكن عندما يقيس الله الإنسان، يكون قياسه بحسب طبيعة الإنسان. من بين الذين ينشدون الحياة، كان بولس شخصًا لا يعرف جوهره، ولم يكن متواضعًا أو مطيعًا على الإطلاق، ولم يكن يعرف جوهره الذي كان معارضًا لله؛ لذلك كان شخصًا لم يمر باختبارات تفصيلية ولم يمارس الحق. أما بطرس فقد كان مختلفًا؛ فقد كان يعرف عيوبه وضعفاته وشخصيته الفاسدة كخليقة الله، وكان يسير في طريق الممارسة الذي يغيِّر من خلاله شخصيته. لم يكن بطرس واحدًا من أولئك الذين لا يملكون إلا العقائد دون أي واقعية. الذين يتغيرون يصبحون أناسًا جديدة مُخلَّصَة، إنهم أولئك المؤهلون لطلب الحق. أما أولئك الذين لا يتغيرون فينتمون إلى الناس القديمة بطبيعتها، وهم الذين لم يُخلَّصوا، أي أنهم أولئك الذين مقتهم الله ورفضهم، الذين لن يخلد الله ذكراهم مهما كان عملهم عظيمًا. عندما تقارن هذا بسعيك، فسوف يتضح بشكلٍ جلي ما إذا كنتَ في النهاية شخصًا من نوعية بطرس أم بولس. لو ظل ما تنشده خاليًا من الحق، وإذا كنتَ لا تزال حتى اليوم متعجرفًا ومتغطرسًا مثل بولس تُمجِّد ذاتك خارجيًا كما كان هو، فأنت – من دون شك – شخص فاسد يفشل. أما إذا كنتَ تنشد ما كان ينشده بطرس، إذا كنتَ تنشد ممارساتٍ وتغييرًا حقيقيًا، ولم تكن متكبرًا أو عنيدًا، لكنك تنشد القيام بواجبك، حينئذٍ سوف تكون خليقة الله القادرة على تحقيق نصر. لم يكن بولس يعرف جوهره أو فساد نفسه، ولم يكن بالأحرى يعرف عصيانها، ولم يذكر قط مقاومته الحقيرة للمسيح، ولم يشعر قط بندمٍ مُفرِط، كل ما هنالك أنه قدم تبريرًا مقتضبًا فحسب، لكنه في أعماق قلبه لم يخضع بالكلية لله. رغم أنه سقط في الطريق إلى دمشق، إلا أنه لم ينظر إلى أعماق نفسه، وكان راضيًا بمجرد مواصلة العمل، لكنه لم ينظر إلى مسألة معرفة ذاته وتغيير شخصيته القديمة بوصفها أهم المسائل، وكان راضيًا بمجرد الحديث عن الحق، وبخدمة الآخرين كخادم من أجل ضميره، وبأنه لم يعد يضطهد تلاميذ المسيح حتى يعزي نفسه ويسامحها على خطاياها السالفة. لم يكن الهدف الذي سعى إليه أكثر من مجرد إكليل مستقبلي وعمل زائل. كان هدفه الذي سعى إليه هو النعمة الجزيلة. لكنه لم ينشد الحق الكافي أو التعمق في الحق الذي لم يفهمه من قبل؛ لذلك يمكن القول عن معرفته بنفسه إنها كاذبة، وإنه لم يقبل توبيخًا أو دينونة. إن مقدرته على العمل لا تعني معرفته بطبيعة ذاته أو بجوهرها؛ فقد كان اهتمامه بالممارسات الخارجية فقط. الأكثر من ذلك أن ما كان يصبو إليه هو المعرفة وليس التغيير. كان عمله بالكامل نتيجة ظهور يسوع له في الطريق إلى دمشق، وليس أمرًا عقد العزم على أن يقوم به في الأصل أو عملاً قام به بعد أن قَبِلَ تهذيب شخصيته القديمة. إن شخصيته، وبغض النظر عن الطريقة التي عمل بها، لم تتغير، وكذلك عمله لم يكفر عن خطاياه السالفة، لكنه فحسب اضطلع بدورٍ معين بين الكنائس في ذلك الوقت. بالنسبة لشخص كهذا لم تتغير شخصيته القديمة – بمعنى أنه لم يفُز بالخلاص، بل والأكثر من ذلك أنه كان خاليًا من الحق – لم يكن بوسعه مطلقًا أن يصبح واحدًا ممَنْ قبلهم الرب يسوع. لم يكن شخصًا قد امتلأ بالمحبة والتوقير ليسوع المسيح أو شخصًا متمرسًا في البحث عن الحق، وبالتأكيد لم يكن شخصًا يبحث عن سر التجسد، لكنه كان مجرد شخص ضليع في السفسطة، ولا يخضع لمَنْ هو أعلى منه أو لمَنْ امتلك الحق. كان يحقد على الناس أو الحقائق التي تناقضه أو تعاديه، ويُفضِّل الناس الموهوبين الذين يقدمون صورة رائعة ويملكون معرفة عميقة. لم يكن يحب التعامل مع الفقراء الذين كانوا يبحثون عن الطريق الحقيقي ولا يهتمون إلا بالحق، لكنه – بدلاً من ذلك – شغل نفسه بالعظماء في المؤسسات الدينية الذين لا يتحدثون إلا في العقائد، وكان مولعًا بالمعرفة الفياضة. لم تكن فيه أي محبة لعمل الروح القدس الجديد، ولم يهتم بحركة هذا العمل، لكنه كان يفضل – بدلاً من ذلك – الشرائع والعقائد التي كانت أعلى من الحقائق العامة. في جوهره الفطري وفي سعيه برمته، لم يستحق أن يُدعى مسيحيًا يسعى إلى الحق، ناهيك عن أن يُدعى خادمًا أمينًا في بيت الله، فرياؤه كان كثيرًا، وعصيانه كان عظيمًا جدًا. رغم أنه يُعرَف بخادم الرب يسوع، لم يكن يصلح مطلقًا للدخول من بوابة ملكوت السموات، لأن أفعاله من البداية إلى النهاية لا يمكن أن تُسمى صالحة. يمكن ببساطة النظر إليه كشخصٍ منافق لا يسلك ببر، لكنه في الوقت ذاته يعمل من أجل المسيح. رغم أنه لا يمكن أن يُدعى شريرًا، يمكن أن يُدعى بأريحية رجلاً لا يسلك ببر. رغم أنه عَمِلَ عملاً كثيرًا، لكن ينبغي ألا يُحكَم عليه استنادًا إلى كمية العمل الذي قام به، وإنما بجودته وجوهره فحسب. بهذه الطريقة فقط يمكن إدراك هذا الأمر على حقيقته. كان إيمانه دائمًا: أنا قادر على العمل، أنا أفضل من غالبية الناس؛ فأنا أهتم بعبء الرب كما لم يهتم به أحد غيري، ولا أحد يتوب توبة عميقة مثلي، فالنور العظيم أبرق عليَّ، ورأيتُ النور العظيم، لذلك فإن توبتي أعظم من أي أحد آخر. كان هذا ما فكر فيه في قلبه حينذاك. قال بولس في نهاية عمله: "جاهدتُ الجهاد، أكملتُ السعي، ووضِعَ لي إكليل البر". كان جهاده وعمله وسعيه كلهم من أجل إكليل البر، لكنه لم يتقدم بهمة. رغم أنه لم يكن غير متحمس في عمله، لكن يمكن القول إن عمله كان لمجرد التعويض عن أخطائه والتعويض عن تأنيب ضميره. كان أمله الوحيد أن ينهي عمله ويكمل السعي ويجاهد جهاده بأسرع ما يمكن لعله يفوز بإكليل البر الذي طالما اشتاق إليه في أقرب وقتٍ ممكن. لم يكن اشتياقه مقابلة الرب يسوع باختباراته ومعرفته الحقيقية، بل الانتهاء من عمله بأسرع ما يمكن لعله ينال المكافآت التي يستحقها عن عمله عندما يلاقي الرب يسوع. لقد استخدم عمله في إراحة نفسه، وفي إبرام صفقة في المقابل من أجل إكليل مستقبلي. لم يكن ما سعى من أجله هو الحق أو الله، لكنه الإكليل فحسب. كيف لسعْيٍ كهذا أن يرقى إلى المستوى؟ دوافعه وعمله والثمن الذي دفعه وكل جهوده، كلها تخللتها خيالاته الرائعة، وقد عمل بالكلية بحسب رغباته. لم يكن في عمله كله أدنى رضا بالثمن الذي دفعه؛ فهو كان ضالعًا في صفقة ليس إلا، ولم يكن يبذل جهوده راضيًا من أجل أن يؤدي واجبه، بل كان يبذلها راضيًا ليحقق هدف الصفقة. هل لجهودٍ كهذه أي قيمة؟ مَنْ ذا الذي يمدح جهوده غير النقية؟ مَنْ يهتم بتلك الجهود؟ كان عمله يمتلئ بالأحلام للمستقبل والخطط الرائعة لكنه كان خاليًا من أي طريق لتغيير شخصية الإنسان. الكثير من عمله الخيري كان رياءً؛ فعمله لم يقدم حياة، بل كان لطفًا مُصطنعًا، فقد كان إتمامًا لصفقة. كيف يستطيع عمل كهذا أن يرشد الإنسان إلى طريق استعادة مهمته الأصلية؟

كان سعي بطرس كله بحسب قلب الله؛ فقد كان ينشد تحقيق رغبة الله، وظل رغم المعاناة والشدائد راغبًا في تحقيق رغبة الله. لا يوجد لشخصٍ آمن بالله سعي أعظم من هذا. أما ما سعى بولس إليه فقد كان مشوبًا بجسده وتصوراته الشخصية وخططه ومشاريعه. لم يكن على الإطلاق خليقة مُؤهَّلَة أو شخصًا يسعى إلى تحقيق رغبة الله. كان بطرس يسعى للخضوع لترتيبات الله، ورغم أن العمل الذي قام به لم يكن عظيمًا، لكن الدافع من وراء سعيه والطريق الذي سلكه كانا صحيحيْن؛ فمع أنه لم يتمكن من أن يربح كثيرين، لكنه تمكن من السعي في أثر طريق الحق؛ لهذا يمكن القول إنه كان خليقة مؤهلة. اليوم، حتى ولو لم تكن عاملاً، فلا بد أن تكون قادرًا على القيام بواجب خليقة الله، وأن تسعى للخضوع لكل ترتيبات الله. يجب أن تكون قادرًا على إطاعة كل ما يقوله الله، وأن تختبر كل صنوف المحن والتنقية، أن تظل قادرًا رغم ضعفك على أن تحب الله في قلبك. إن أولئك الذين يتولون المسؤولية عن حياتهم يرغبون في القيام بواجب خليقة الله، وتكون وجهة نظرهم نحو السعي هي وجهة النظر الصحيحة، والله يريد مثل هؤلاء. إذا قمتَ بعملٍ كثير، وتلقى الآخرون تعاليمك، لكنك أنت نفسك لم تتغير ولم تحمل أي شهادة أو لم يكن لك أي اختبارٍ حقيقي، كأن يظل عند نهاية حياتك أيٌّ مما قمت به لا يحمل أي شهادة، فهل تكون شخصًا قد تغير؟ هل أنت شخص ينشد الحق؟ إن الروح القدس في ذلك الوقت يكون قد استخدمك، لكنه في استخدامه لك لم يستخدم إلا ذلك الجزء منك الذي استطاع أن يعمل، ولم يستخدم الجزء الذي لم يستطع أن يعمل. إذا طلبتَ الحق، فسوف تُكمَّل رويدًا رويدًا في الوقت الذي تُستخدَم فيه. لكنَّ الروح القدس لن يكون مسؤولاً عما إذا كنتَ سوف تُقتنى في النهاية أم لا؛ فهذا إنما يعتمد عن أسلوبك في السعي. إذا ظلت شخصيتك دون أي تغيير، فليس هذا إلا لأن رؤيتك للسعي خاطئة. إن لم تُمنَح أي مكافأة، فهذه مشكلتك وحدك، وليس ذلك إلا لأنك أنت لم تمارس الحق وليس بوسعك أن تحقق رغبة الله. لذلك، لا شيء أهم من اختباراتك الشخصية، ولا شيء أكثر حسمًا من مدخلك الشخصي! ينتهي المطاف بالبعض قائلين: "لقد قمتُ بعملٍ كثير من أجلك، ورغم أنه ربما لا توجد إنجازات بارزة، لكنني كنتُ مثابرًا في جهودي. أما تدعني أدخل السماء فحسب لآكل من ثمرة الحياة؟" يجب أن تعرف النوعية التي أرغب فيها من الناس؛ فليس مسموحًا لغير الأنقياء بدخول الملكوت، وليس مسموحًا لغير الأنقياء بتلويث الأرض المقدسة. مع أنك ربما تكون قد قمتَ بالكثير من العمل، وظللت تعمل لسنواتٍ كثيرة، لكنك في النهاية إذا ظللتَ دنسًا بائسًا، فمن غير المقبول بحسب قانون السماء أن ترغب في دخول ملكوتي! منذ تأسيس العالم وحتى اليوم، لم أقدم مطلقًا مدخلاً سهلاً إلى ملكوتي لأولئك الذين يتملقوني؛ فتلك قاعدة سماوية، ولا يستطيع أحد أن يكسرها! يجب أن تَسْعَى نحو الحياة. إن الذين سوف يُكمَّلون اليوم هم أولئك الذين من نفس نوعية بطرس؛ إنهم أولئك الذين ينشدون تغييرات في شخصيتهم، ويرغبون في الشهادة لله والاضطلاع بواجبهم بوصفهم خليقته. لن يُكمَّل إلا أناس كأولئك. إذا كنتَ فقط تتطلع إلى مكافآتٍ، ولا تنشد تغيير شخصية حياتك، فسوف تذهب كل جهودك سُدى، وهذه حقيقة راسخة!

ينبغي أن تفهم من الفارق في الجوهر بين بطرس وبولس أن جميع الذين لا ينشدون الحياة يكدحون عبثًا! أنت تؤمن بالله وتتبعه، لذلك يجب أن تحب الله في قلبك، وأن تنحي جانبًا شخصيتك الفاسدة، وأن تسعى نحو تحقيق رغبة الله، وأن تقوم بواجب خليقة الله. حيث إنك تؤمن بالله وتتبعه، فلا بد أن تقدم له كل شيء، وألا تكون لك اختيارات أو طلبات شخصية، وأن تبلغ تحقيق رغبة الله. حيث إنك قد خُلِقتَ، فلا بد أن تطيع الرب الذي خلقك، لأنك في ذاتك ليس لك سلطان على نفسك، وليست لك قدرة على التحكم في مصيرك. حيث إنك شخص يؤمن بالله، فيجب أن تنشد القداسة والتغيير. حيث إنك خليقة الله، فيجب أن تتمسك بواجبك، وأن تلزم مقامك، وألا تتجاوز واجبك. ليس هذا تقييدًا أو قمعًا لك من خلال العقيدة، لكنه الطريق الذي تستطيع من خلاله أن تقوم بواجبك، ويستطيع كل الذين يفعلون البر أن يحققوه، بل ويلتزمون بتحقيقه. إذا ما قارنتَ جوهر بطرس وبولس، فسوف تعرف كيف يجب عليك أن تسعى. من بين الطريقين اللذين سلكهما بطرس وبولس، أحدهما طريق التكميل، والآخر طريق الرفض. إن كلاً من بطرس وبولس يمثل طريقًا مختلفًا؛ فرغم أن كل واحد منهما نال عمل الروح القدس، ونال استنارة الروح القدس والإضاءة منه، وقَبِلَ ما استأمنه عليه الرب يسوع، لكنَّ الثمرة التي أينعت في كلٍّ منهما لم تكن واحدة؛ فأحدهما أينعت فيه ثمرة حقيقية، أما الآخر فلم تونِع فيه ثمرة. يجب أن تدرك من جوهرهما ومن العمل الذي قاما به الذي عبَّرَا عنه ظاهريًا ومن نهايتهما أي الطريقين ينبغي أن تسلك وأي الطريقين ينبغي أن تختار أن تسلكه. لقد سلكا طريقين مختلفين بوضوح. لقد كان كلٌّ من بطرس وبولس عنوانًا كلٍّ لطريقه؛ لذلك رفِعَ كلٌّ منهما رمزًا لهذين الطريقين. ما أهم النقاط في اختبارات بولس، ولماذا لم ينجح؟ وما أهم النقاط في اختبارات بطرس، وكيف اختبر أن يُكمَّل؟ إذا ما قارنت اهتمامات كل منهما، فسوف تعرف بالضبط نوع الشخص الذي يريده الله، وإرادة الله وشخصيته، ونوع الشخص الذي سوف يُكمَّل في النهاية، وشخصية أولئك الذين سوف يُكمَّلون، وشخصية أولئك الذين لن يُكمَّلوا. تتضح كل هذه المسائل الجوهرية في اختبارات بطرس وبولس. خلق الله كل الأشياء، وهكذا جعل كل الخليقة تحت سيادته وخاضعة له، إنه يهيمن على كل الأشياء، حتى أنَّ كل الأشياء في قبضة يده. كل خليقة الله، بما في ذلك الحيوان والنبات والبشر والجبال والأنهار والبحيرات، الكل يجب أن يخضع لسيادته. كل ما في السموات وما على الأرض يجب أن يخضع لسيادته. ليس لها أي خيار، ولا بد أن تخضع لتدابيره. هذا ما شرعه الله وما في سلطانه. إن الله يهيمن على كل شيء، ويأمر كل شيء، ويضع كل شيء في مرتبته، ويُصنِّف كل شيء بحسب نوعه ويحدد لكل شيء مكانته، وذلك بحسب إرادته. مهما علت الأشياء، فلا شيء يعلو فوق الله، وكل الأشياء في خدمة البشرية التي خلقها الله، ولا شيء يجرؤ على أن يخالف الله أو أن يطلب منه شيئًا. وهكذا، ينبغي على الإنسان أيضًا – بوصفه خليقة الله – أن يقوم بواجب الإنسان. إن الإنسان، وبغض النظر عن كونه سيد كل الأشياء أو المتسلط عليها، ومهما علت مكانته بين الأشياء كافة، يظل مجرد كائن بشري صغير خاضع لسيادة الله، وليس إلا كائناً بشرياً ضئيلاً، مجرد مخلوق من مخلوقات الله، ولن يعلو مطلقًا فوق الله. على الإنسان – كأحد مخلوقات الله – أن ينشد القيام بواجبه كخليقة الله، وأن يسعى نحو محبة الله دون أن يتخذ أي خيارات أخرى، فالله يستحق محبة الإنسان. ينبغي على الساعين نحو محبة الله ألا ينشدوا أي منافع شخصية أو أي منافع يشتاقون إليها بصفة شخصية؛ فهذا أصح وسائل السعي. إذا كان ما تنشده هو الحق، وما تمارسه هو الحق، وما تحرزه هو تغيير في شخصيتك، فإن الطريق الذي تسلكه هو الطريق الصحيح. أما إذا كان ما تنشده هو بركات الجسد، وما تمارسه هو الحق وفقًا لتصوراتك، وإن لم يطرأ أي تغيير على شخصيتك، وكنتَ غير مطيعٍ لله في الجسد مطلقًا، وكنت لا تزال تعيش في حالة من الغموض، فإن ما تنشده سوف يأخذك لا محال إلى الجحيم، لأن الطريق الذي تسلكه هو طريق الفشل. سواء أكنتَ ستُكمَّل أم تُستنار فإن الأمر يتوقف على سعيك، وهذا أيضًا يعني أن النجاح أو الفشل يتوقف على الطريق الذي يسلكه الإنسان.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة