ماذا يعني السعي إلى الحق (2) الجزء الأول

عقدنا في اجتماعنا الأخير شركة عن ماذا يعني السعي إلى الحق. لنبدأ بمراجعة: ماذا يعني السعي إلى الحق؟ هل لديك إجابة عن هذا السؤال؟ هل تفكرتم فيه بعد أن عقدنا شركتنا السابقة؟ بعد أن ننتهي من عقد الشركة حول موضوعات معينة، سوف تحتاجون إلى التفكير فيها ثم اختبارها ومراجعتها عمليًا في حياتكم الواقعية. وعندئذٍ فقط سوف تستطيع ربح المعرفة الحقيقية، وعندئذٍ فقط ستتمكن من فهم تلك الموضوعات التي كنت تفكر فيها وتقديرها، وعندئذٍ فقط سوف تتمكن من تقديم الاختبار والمعرفة الحقيقيين. أليس كذلك؟ (بلى). ولذلك، هل فكرتم في السؤال؟ ماذا يعني السعي إلى الحق؟ ما العناصر التي ينطوي عليها السعي إلى الحق؟ ما الأشياء الرئيسية التي ينطوي عليها؟ هل لخصتم هذه الأشياء؟ (في المرَّة السابقة، بدأ الله بعقد شركة حول مختلف الأفكار والآراء والمواقف الخاطئة التي لدى الإنسان فيما يتعلق بالسعي إلى الحق، ثم عقد الله شركة تفصيلية حول الخطوات الخمس للسعي إلى الحق). كان يوجد في الأساس جزءان رئيسيان في شركتنا الأخيرة: بعض الحالات السلبية أو الآراء الخاطئة التي لدى أناس كثيرين فيما يخص السعي إلى الحق، وسوء فهم الإنسان بخصوص السعي إلى الحق، بالإضافة إلى الأعذار والمبررات التي يُقدِّمها الناس لعدم السعي إلى الحق، وكان ذلك هو الجزء الرئيسي الأول. أما الجزء الرئيسي الثاني فهو عقد الشركة عن كيفية السعي إلى الحق، وقد تكوَّن من خمس خطوات. على الرغم من وجود جزئين فقط، فقد تطرقنا إلى الكثير من التفاصيل والحذافير داخل كل منهما. لقد كشفت عن قدر من معرفة الإنسان واستيعابه المحرفين بخصوص السعي إلى الحق، كما كشفت عن العديد من الصعوبات لدى الإنسان في السعي إلى الحق، بالإضافة إلى بعض الأعذار والمبررات والذرائع التي يُقدِّمها أولئك الذين ينفرون من الحق لعدم السعي إليه. تتطابق المواقف والإدراكات السلبية والخاملة التي يُظهرها الناس عندما يتعلق الأمر بالسعي إلى الحق مع أنماط الحياة والمساعي التي يتمسكون بها في حياتهم الواقعية، بالإضافة إلى المواقف التي يضمرونها تجاه الحق، وهي جميعها مرتبطة بسلوكيات الناس المحددة وتدفقاتهم المحددة. ومن ثم، بناءً على سلوكيات الإنسان المختلفة، قدَّمت القليل من الطرق المحددة وخطوات الممارسة فيما يخص مسار السعي إلى الحق. هل كل هذا يتضح لك؟ (نعم). هل يتضح فعلًا؟ لماذا لا تقول شيئًا إذًا؟ يبدو أنه لا يزال غير واضح لك وأنه يوجد المزيد الذي نحتاج إلى عقد شركة بخصوصه.

السعي إلى الحق هو أروع الأشياء في الإيمان بالله. ماذا يعني السعي إلى الحق؟ عندما يتعلق الأمر بمسألة السعي إلى الحق، فإن جميع إظهارات الناس تكشف العديد من مشكلاتهم وصعوباتهم، ويمتلك الناس جميع أنواع التبريرات والأعذار لعدم السعي إلى الحق، فالعوائق هائلة للغاية. نظرًا للصعوبات المختلفة لدى الناس، فإنهم يبدون مضغوطين ومنزعجين للغاية عندما يتعلق الأمر بالسعي إلى الحق، ويعتقدون أنه في غاية الصعوبة. أما السؤال نفسه "ماذا يعني السعي إلى الحق؟" فهو في الواقع سؤال تسهل الإجابة عنه، فلماذا لا يستطيع الناس السعي إلى الحق؟ ما السبب؟ يتفاخر كل واحد بالضمير والإدراك، وبإيمانه الحقيقي بالله، وبقدرته على أداء واجبه، وباستعداده للمعاناة ودفع الثمن. فكيف يعجزون عن الانطلاق في طريق السعي إلى الحق مع وجود هذه السلوكيات الجيدة أساسًا لهم؟ إنهم يتمتعون بمثل هذه الإنسانية والنزاهة الصالحتين والسمعة الطيبة، ولديهم إرادتهم وتطلعاتهم ورغباتهم في سعيهم، ولديهم مجهوداتهم الذاتية ورغبتهم في تحمُّل المشاق وموقف دفع الثمن، ولديهم موقفهم النشط والإيجابي والمتفائل المتمثل في التوق إلى قبول الحق. ومع وجود هذه الأشياء كأساس لهم، فكيف لا يكونون مؤهلين للسعي إلى الحق؟ لماذا لا يستطيعون تحقيق السعي إلى الحق؟ أين يكمن أصل المشكلة؟ (الإنسان لا يحب الحق وينفر منه بطبيعته). تلك إجابة دقيقة. السبب الأساسي هو أن الناس لديهم شخصيات فاسدة. وشخصية الإنسان الفاسدة تأتي من الشيطان، وأي شيء من الشيطان يعادي الله والحق. ولذلك، فإن مطالبة الناس بالسعي إلى الحق تعادل مطالبتهم بالتمرد على حياتهم وسماتهم الفطرية وطريقتهم الفطرية في سعيهم ونظرتهم إلى الحياة. إنهم يجدون صعوبة في التخلي عن هذه الأشياء الخاطئة والتمرد على تفضيلاتهم الجسدية، وفي المقابل السعي إلى كلام الله والحق وممارسته. هذا ما لا تحبه أجسادهم، فهم يفتقرون إليه، بل ويحتقرونه ويزدرونه. إن مطالبتك بالسعي إلى الحق تعادل مطالبتك بالتخلي عن حياتك الفطرية. أليس ذلك هو نفسه مطالبتك بالتضحية بحياتك؟ (بلى). إنه قيامك بالتضحية بحياتك. هل يضحي الناس بحياتهم طواعيةً؟ (كلا). إنهم يقولون في أعماق قلوبهم: "لن أفعل ذلك" مئات وآلاف المرَّات، بل وعشرات آلاف المرَّات. "لن أفعل ذلك". مهما كان الأمر، يصعب على الناس التخلي عن الأشياء الشيطانية الفطرية التي يمتلكونها. هذه حقيقة، وقد اختبرتموها اختبارًا عميقًا وفعليًا. لا يرغب الناس من أعماق قلوبهم في التمرد على الجسد أو التمرد على حياتهم، فطبيعة جوهر حياتهم هو من الشيطان، ولا يرغب الناس في التمرد على صفاتهم الشيطانية الفطرية أو طبيعتهم الشيطانية للسعي إلى الحق. ولذلك، فيما يخص أولئك الذين لديهم طبائع شيطانية ويعيشون وفقًا لشخصيات شيطانية، فإن محبة الحق والسعي إليه يتعارضان مع إرادتهم، وهم مترددون في فعل ذلك. ما السبب الجذري لهذا؟ لأن الصفات الموجودة داخل الإنسان هي صفات الشيطان، وهم في جوهرهم معادون لله. ولذلك، بعد أن يكون الناس قد سمعوا الحق وفهموه، فإن أولئك الذين يحبون الحق وعلى استعداد للسعي إليه ودفع الثمن ولديهم هذه الإرادة والطموح والرغبة هم وحدهم القادرون على ممارسة الحق بمجرد أن يفهموه. إنهم وحدهم القادرون على العيش بالحق وعيش واقعه. يوجد أناس كثيرون على استعداد لممارسة الحق، لكن طبائعهم وشخصياتهم الشيطانية تعوقهم. إنهم عاجزون عن ممارسة الحق على الرغم من أنهم قد يرغبون في ذلك. والحقيقة هي أن في الحياة الواقعية ممارسة الحق أمر صعب للغاية. من السهل مطالبتك بالتخلي عن ملابسك ومجوهراتك المفضلة أو الأشياء التي تستمتع بها أو الوظيفة والمهنة اللتين تحبهما أو نقاط قوتك وهواياتك أو أي شيء من هذا القبيل. يمكنك التمرد على أي منها، فمن السهل التخلي عنها. أما مطالبتك بالتمرد على جسدك وشخصيتك الشيطانية، وأن تتوصل إلى ممارسة الحق والخضوع لله فهو أمر أصعب بكثير. ولدواعي التبسيط، فإن الأمر أشبه بإجبار بطة على عدم الحركة أو إجبار ثور على تسلُّق شجرة، فهذه الأشياء شاقة عليهما للغاية. من السهل على سنور أن يتسلق شجرة، فهذا طبيعي له. ولكن من المستحيل تمامًا أن تجعل السنور يأكل التبن بدلًا من اللحم. إذا طلبت من شخص ما أن يعاني قليلًا ويدفع قدرًا من الثمن ويعيش متواضعًا لبقية حياته، فذلك شيء يمكن أن يحققه أي شخص يملك الإرادة لفعل ذلك. وفي الواقع، لا تشكّل أي صعوبة جسدية مشكلة كبيرة لشخص يؤمن حقًا بالله ويتوق إلى الحق. مثال ذلك، عدم الانغماس في الملذات الجسدية، أو تقليل عدد ساعات النوم كل يوم، أو العيش في ظروف قاسية لمدة عشرة أعوام متتالية، أو الاكتفاء بأدنى أنواع المأكل والملبس والمسكن والمواصلات. يمكن لأي شخص تحمُّل هذه المشاق والأثمان ما دامت لديه الإرادة لفعل ذلك وكان مستعدًا للسعي إلى الحق وكان يتمتع بقدر من ضبط النفس. ولكن إذا طلبت من شخص ما التمرد على الجسد والشيطان، والتصرف تمامًا وفقًا لمتطلبات الله وعلى أساس كلامه، والممارسة وفقًا للحق وبالتالي تحقيق الخضوع لله، فإن أي شخص سيجد ذلك صعبًا، فذلك هو مكمن الصعوبات التي يواجهها الإنسان. ولذا، لا تبدو مسألة السعي إلى الحق كما لو كان بإمكان الناس اتخاذ قرار وتجربته، أو ممارسة ضبط النفس واتباع القواعد ثم التمكن من ممارسة الحق وامتلاكه، فالسعي إلى الحق هو الشيء الأكثر صعوبة وتعقيدًا للإنسانية الفاسدة. من أين ينشأ جذر هذه المشكلة؟ (ينشأ من شخصية الشيطان). ذلك صحيح، فشخصية الشيطان هي أعظم تحدٍ للإنسان. قد يتمتع المرء بمستوى قدرات ضئيل أو يكون حاد الطباع أو الشخصية، وقد لا يملك أي نقاط قوة أو مواهب أو ملكات يتحدث عنها، ولن يُشكِّل أي من هذه الأشياء تحديًا كبيرًا له. ففي النهاية، تنشأ المشكلة من شخصية الإنسان الفاسدة. فالشخصية الفاسدة تُبقي أيادي الناس وأقدامهم، وعقولهم وأفكارهم، وخواطرهم، وطريقة تفكيرهم، وأعماق أرواحهم في قبضة الموت وتحت سيطرتها، بحيث يصعب عليهم أن يسلكوا كل شبر على طريق السعي إلى الحق. قد يؤمن المرء بالله لمدة ثلاثة أو خمسة أعوام من دون أن يربح شيئًا، بل ويوجد بعض الناس الذين آمنوا لمدة عشرة أعوام أو عشرين أو ثلاثين عامًا ولم يربحوا منه إلا القليل. والبعض منهم لم يربح شيئًا على الإطلاق. يا لأولئك الناس صفر اليدين من مساكين وبؤساء! لقد آمنوا بالله لمدة ثلاثين عامًا لكنهم يظلون مساكين وعميانًا ولم يربحوا منه شيئًا. عندما يقعون في السلبية، فإنهم لا يعرفون كيفية الخروج منها؛ وعندما يكون لديهم سوء فهم عن الله، فإنهم لا يعرفون كيفية تبديده؛ وعندما تداهمهم الشدائد، فإنهم لا يعرفون كيفية مواجهتها ولا كيفية علاج ذلك النوع من المشقة. هل يمكن علاج المشكلات باستخدام قوة الإرادة الذاتية وحدها ليكبح المرء جماح نفسه أو الاتكال على صبره للمثابرة إلى ما لا نهاية؟ ربما يخوض الناس المواقف خطوة بخطوة حتى يجتازوا ذلك، لكن شخصياتهم الفاسدة لا تزال قائمة من دون علاج. ومهما كان عدد مرَّات معاناتهم من السلبية أو سوء الفهم عن الله أو كانت لديهم مفاهيم عن الله، أو فشلوا وسقطوا وشعروا بالضعف، فإنهم لا يزالون إلى يومنا هذا عاجزين عن تقديم أقل قدر من الشهادة الاختبارية، ولا يمكنهم أن يقولوا كلمة واحدة عن معرفتهم بكلام الله أو اختباره، فقلوبهم فارغة، وأعماق نفوسهم فارغة. لا يملكون فهمًا اختباريًا للحق، وليست لديهم معرفة حقيقية بكلام الله، وما أبعدهم عن معرفة عمله وشخصيته. أليسوا مساكين وعميانًا وبؤساء؟ (بلى). إذا كان الشخص لا يسعى إلى الحق، فإن إيمانه بالله لا معنى له مهما كان عدد سنوات إيمانه به. لماذا يسمح الشخص لنفسه إذًا بالوصول إلى هذه المرحلة؟ أين يكمن السبب؟ تنشأ المشكلة هنا أيضًا من شخصية الإنسان الفاسدة. فهذا هو السبب الموضوعي.

لقد أوضحنا بالفعل السبب الموضوعي لعدم سعي الناس إلى الحق. والآن سنتحدث قليلًا عن السبب الذاتي. والسبب الذاتي هو أنه على الرغم من أن الناس ربما عرفوا من عمل الله وجميع كلامه أو حياتهم الفعلية أن لديهم شخصية فاسدة، فإنهم لا يقارنون أنفسهم أبدًا مقابل كلام الله والحق، بحيث يربحون معرفة عن شخصياتهم الفاسدة، ولا يتمردون أبدًا على شخصياتهم الفاسدة ولا يمارسون أبدًا وفقًا لكلام الله. وعلى الرغم من أن الناس قد يبذلون وينفقون الكثير على طريق الإيمان بالله، وعلى الرغم من أنهم قد يعملون بكل جدية ويعانون كثيرًا ويدفعون أثمانًا كثيرة عليه، فإن هذه جميعها مجرد سلوكيات ظاهرية. إنها لا تثبت أن المرء قد انطلق في طريق السعي إلى الحق، فالناس الذين عانوا بالأكثر هم أولئك الذين بدأوا في اتباع الله في أوائل حياتهم، وأخذوا واجباتهم على عاتقهم عندما كانوا في سن العشرين تقريبًا. والآن يبلغ عمر هؤلاء الأشخاص نحو خمسين عامًا ولا يزالون غير متزوجين. يمكنك القول إنهم كرسوا شبابهم لإيمانهم بالله وتخلوا عن العائلة والزواج، فهل ذلك ثمن عظيم؟ (نعم). لقد تخلوا عن شبابهم وضحوا بحياتهم كلها، وماذا ينتج عن ذلك؟ كان الثمن الذي دفعوه عظيمًا، لكن ما يربحونه في النهاية لا يساوي إنفاقهم أو يتوافق معه. ما المشكلة هنا؟ بناءً على الموقف والعزيمة اللذين يدفعون بهما ثمنًا ما، ومدة إنفاقهم ومقداره ودرجته، يبدو الأمر كما لو أنه ينبغي أن يفهموا الحق ويتمكنوا من ممارسته. تعتقد أنه ينبغي أن تكون لديهم شهادة وقلوب تتقي الله، وأن تكون لديهم معرفة بالله، وأن يكونوا قد انطلقوا بالفعل في طريق اتقاء الله والحيدان عن الشر، وأن يكونوا قد دخلوا بالفعل في واقع الحق. لكن هذا مجرد استنتاج في الحقيقة، فهذان الشيئان لهما علاقة منطقية فحسب، ولا يتوافقان مع الحقائق أو مع ما يعيشه هؤلاء الناس. ما المشكلة هنا؟ ألا ينبغي إخضاعها للتحقيق والنقاش؟ أليست هذه مشكلة تستحق التفكير العميق؟ (بلى). من بين أولئك الذين قبلوا هذه المرحلة من عمل الله لمدة عامين أو ثلاثة، فإن الناس ذوي الاختبار والشهادة ليسوا قليلين. إنهم يشهدون على كيفية تغيير كلام الله لهم وجعلهم أناسًا صادقين، وأن كلام الله جعلهم يفهمون الحق على طريق السعي إليه، وأن كلام الله عالج شخصياتهم الفاسدة وتكبُّرهم وخداعهم وعصيانهم وتوقهم إلى المكانة وطموحاتهم ورغباتهم وما إلى ذلك. يستطيع هؤلاء الناس أن يتمتعوا بالاختبار والشهادة بعد مجرد عامين أو ثلاثة من الإيمان بالله، ولديهم فهم اختباري عميق لكلام الله، ويمكنهم أن يشعروا بصدق كلامه. لماذا آمن بعض الناس بالله إذًا لمدة عشرين أو ثلاثين عامًا ودفعوا أثمانًا باهظة وعانوا كثيرًا وفعلوا الكثير لكن أعماق قلوبهم وعوالمهم الروحية تظل فارغة وجوفاء؟ غالبًا ما يشعر أناس كثيرون في مثل هذا النوع من الحالات بالتيهان. إنهم يقولون دائمًا: "أنا تائه للغاية". أما أنا فأقول: "لقد آمنتَ بالله لمدة عشرين أو ثلاثين عامًا الآن، فكيف لا تزال تائهًا؟ من الواضح أنك لم تربح شيئًا". وإلى يومنا هذا، لا يزال بعض الناس سلبيين وضعفاء. إنهم يقولون: "لقد آمنت بالله لأعوام عديدة، فماذا ربحت؟" وغالبًا عندما يكونون سلبيين وضعفاء أو عندما يُحرَمون من مكانتهم ومنافعهم أو عندما لا يُرضَى غرورهم، فإنهم يلومون الله ويندمون على إيمانهم به لأعوام عديدة. إنهم يندمون على الإيمان بكلامه في المقام الأول، ويندمون على التخلي بحزم عن عملهم وعن الزواج والعائلة، وعن فرصتهم في الالتحاق بالكلية، لاتباع الله. بل ويفكر البعض منهم في ترك الكنيسة. إنهم ممتلئون للغاية بمشاعر الندم على إيمانهم الآن، فلماذا تكبدوا عناء ذلك من الأساس؟ لقد آمنوا بالله لمدة عشرين أو ثلاثين عامًا، وسمعوا الكثير من الحقائق، واختبروا الكثير من عمل الله، ومع ذلك لا تزال أعماق قلوبهم فارغة، وغالبًا ما يغرقون في حالات الفوضى والارتباك والندم والتردد بل وعدم اليقين بشأن مستقبلهم، فما الذي يُسبِّب هذا؟ هل أمثال هؤلاء الناس يستحقون الشفقة؟ (كلا). عندما أرى هؤلاء الناس، وكلما سمعت أخبارًا عنهم وعلمت بآخر أحوالهم، راودني هاجس بشأنهم وراودتني خاطرة عنهم. كيف تبدو حالتهم وعوالمهم الداخلية مألوفة جدًا لي؟ إنهم يبقون إلى الآن في بيت الله يؤدون واجباتهم. فما الذي يتكلون عليه؟ هل يتكلون على عقلية الخلاص بالنعمة؟ هل يتكلون على عقلية الخلاص الحتمي إذا اتبع المرء الله إلى النهاية؟ أم يتكلون على عقلية تستند على الحظ والصدفة؟ لا واحدة من هذه. ما هي إذًا؟ إنها أشبه تمامًا بما قاله بولس: "قَدْ جَاهَدْتُ ٱلْجِهَادَ ٱلْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ ٱلسَّعْيَ، حَفِظْتُ ٱلْإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ ٱلْبِرِّ" (2 تيموثاوس 4: 7-8). لتحليل هذا المقطع وللتعبير عنه ببساطة، فإن هذه الكلمات تتسم بإجراء تعاملات، وتنطوي على موقف وفكرة وخطة لإبرام صفقة، وتنبع من الرغبة والطموح. ما الحقيقة التي تراها في هذه الكلمات؟ ما الذي يسعى إليه الناس في إيمانهم بالله؟ (الإكليل والبركات). نعم. إنهم يسعون إلى البركات وإلى غاية صالحة. وبماذا سيقايضون مقابل هذه الغاية الصالحة والبركات؟ بماذا سيبادلون مثل تلك الأشياء؟ (كدحهم وعملهم وتضحياتهم ونفقاتهم ومعاناتهم ودفع الثمن). باستخدام كلمات بولس، فقد جاهدوا الجهاد الحسن وأكملوا السعي. إنهم يؤمنون أنهم فعلوا كل شيء كان من المفترض أن يفعلوه، وأنهم بالتالي ينبغي أن يربحوا الغاية الصالحة والبركات التي أعدها الله للبشر. إنهم يعتقدون أنه من نافلة القول إن هذا هو ما ينبغي أن يفعله الله – وما يجب أن يفعله – وإنه إذا لم يفعل ذلك فلن يكون هو الله. من الواضح أنه لا يوجد خضوع تجاه الله في هذا، ولا موقف السعي إلى الحق، ولا موقف أو خطة لتتميم واجب الكائن المخلوق. إنها مجرد رغبة في مقايضة بعض الأشياء التي يمكنهم فعلها مقابل البركات التي وعد بها الله البشر. ولذلك، فإن الناس الذين تحدثنا عنهم للتو يشعرون غالبًا بفراغ في عوالمهم الداخلية، وأنه ليس لديهم ما يتكلون عليه في أعماق قلوبهم، ومع ذلك فإنهم يواصلون فعل ما كانوا يفعلونه دائمًا من جهة دفع مثل هذه الأثمان والمعاناة الشديدة مثابرين في الجهاد الحسن وإكمال السعي. على ماذا يتكلون؟ إن أقوال بولس تلك التي يتمسكون بها ويؤمنون بها جُزافًا هي التي تدعم "إيمانهم". إنهم يتكلون على طموحاتهم ورغبتهم في المكافأة ونيل الإكليل. يتكلون على أحلامهم في استخدام تبادل المعاملات للحصول على بركات عظيمة. إنهم لا يتكلون على فهم عمل الله أو الاختبار والمعرفة اللذين رُبحا من السعي إلى الحق بينما يبذلون أنفسهم لله، فذلك ليس هو ما يتكلون عليه.

بالنظر إلى ما عقدنا عنه الشركة للتو، يمكن للمرء أن يرى أنه على الرغم من وجود تحديات عملية كثيرة على طريق السعي إلى الحق، بالإضافة إلى أغلال الشخصيات الفاسدة وقيودها والعديد من الصعوبات والعقبات، فإنه ينبغي على المرء أن يؤمن أنه ما دام لديه إيمان حقيقي، سوف يتمكن تمامًا من الانطلاق في طريق السعي إلى الحق عند الاتكال على إرشاد كلام الله وعمل الروح القدس. وبطرس سابقة لهذا. لا يركز أناس كثيرون في إيمانهم بالله إلا على العمل من أجل الله، ويكتفون بمجرد المعاناة ودفع الثمن، لكنهم لا يطلبون الحق أبدًا. ونتيجةً لذلك، فإنهم يفتقرون إلى المعرفة الحقيقية بعمل الله بعد إيمانهم به لمدة عشرة أعوام أو عشرين عامًا أو ثلاثين عامًا، ولا يمكنهم التحدث عن أي اختبار أو معرفة بالحق أو بكلام الله. وأثناء الاجتماعات، عندما يحاولون التحدث قليلًا عن شهادتهم الاختبارية، لا يكون لديهم ما يقولونه، كما أنهم يجهلون تمامًا ما إذا كانوا سينالون الخلاص أم لا. ما المشكلة هنا؟ هذا هو الحال مع الأشخاص الذين لا يطلبون الحق. بصرف النظر عن عدد أعوام إيمانهم، فإنهم غير قادرين على فهم الحق، فضلًا عن ممارسته. فكيف يمكن لشخص لا يقبل الحق على الإطلاق أن يدخل إلى الواقع؟ يوجد البعض ممن لا يمكنهم رؤية هذه المشكلة. إنهم يعتقدون أنه إذا كان الناس الذين يرددون كلام وتعاليم مثل الببغاوات يمارسون الإيمان، فيمكنهم الدخول إلى واقع الحق أيضًا. هل هذا صحيح؟ الناس الذين يرددون كلام وتعاليم مثل الببغاوات لا يفهمون الحق بالفطرة – فكيف يمكنهم ممارسته؟ إن ما يمارسونه يبدو أنه لا يخالف الحق، ويبدو أعمالًا صالحة وسلوكيات جيدة، ولكن كيف يمكن تسمية تلك الأعمال الصالحة والسلوكيات الجيدة واقع الحق؟ إن الأشخاص الذين لا يفهمون الحق لا يعرفون واقع الحق؛ فهم يعتبرون أن أعمال الناس الصالحة وسلوكياتهم الجيدة هي ممارسة الحق. هذا أمر سخيف، أليس كذلك؟ كيف يختلف هذا عن أفكار المتدينين وأراءهم؟ وكيف يمكن حل مثل هذه المشكلات للفهم المحرّف؟ ينبغي على الناس أولًا أن يفهموا مقاصد الله من كلامه، وينبغي أن يعرفوا معنى فهم الحق وممارسته حتى يمكنهم معرفة الآخرين وتمييزهم على حقيقتهم، وحتى يمكنهم معرفة ما إذا كانَ لديهم واقع الحق أم لا. إن عمل الله وخلاصه للإنسان يُراد به جعل الناس يفهمون الحق ويمارسونه؛ فعندئذٍ فقط سوف يتمكن الناس من التخلص من شخصياتهم الفاسدة والتصرف وفقًا للمبادئ والدخول إلى واقع الحق. إن لم تطلب الحق واكتفيت فحسب بالتضحية والمعاناة ودفع الثمن لأجل الله وفقًا لمفاهيمك وتصوراتك، فهل سيُمثِّل كل شيء تفعله ممارستك للحق وخضوعك لله؟ هل سيثبت أنك غيَّرت شخصيتك الحياتية؟ هل سيُمثِّل امتلاكك للمعرفة الحقيقية عن الله؟ لا. ما الذي سيُمثِّله كل شيء تفعله إذًا؟ لا يمكن أن يُمثِّل إلا تفضيلاتك وفهمك الشخصيين وتفكيرك الحالم. وفي الأساس لن يكون إلا الأشياء التي تحب فعلها وترغب في فعلها؛ فكل شيء تفعله يرضي رغباتك وقراراتك ومُثُلك العليا فحسب. ومن الواضح أن ذلك لا يعني طلب الحق. فلا شيء من أفعالك أو سلوكياتك له علاقة بالحق أو بمتطلبات الله. وجميع أفعالك وسلوكياتك هي لنفسك؛ فأنت لا تعمل وتقاتل وتسعى إلا من أجل مُثُلك العليا وسمعتك ومكانتك. وهذا لا يجعلك مختلفًا عن بولس الذي لم يكدح ويعمل طوال حياته إلا من أجل المكافأة ونيل الإكليل ودخول ملكوت السماوات. وهذا يدل بوضوح على أنك تسير في طريق بولس. يقول البعض: "أنا أكدح وأعمل عن طيب خاطر. لم أحاول إبرام صفقة مع الله". لا يهم ما إذا كنت قد حاولت بطريقة أو بأخرى إبرام صفقة مع الله، وما إذا كانت لديك في ذهنك أو موقفك نية صريحة لإبرام صفقة مع الله. فإن كانت لديك مثل هذه الخطة والهدف أم لا، فإنك تحاول مقايضة كدحك وعملك ومصاعبك والأثمان التي دفعتها مقابل المكافآت وإكليل ملكوت السماوات. يتمثل جوهر هذه المشكلة في أنك تحاول إبرام صفقة مع الله، لكنك لست على دراية بأنك تفعل ذلك. وبصرف النظر عن ذلك، ما دام الشخص يعاني المصاعب ويدفع الأثمان لربح البركات، فإن جوهر سعيه هو نفسه جوهر سعي بولس. بأي طريقة يتماثلان؟ كلاهما محاولتان لمقايضة سلوكيات الفرد الجيدة، أي عمله والمصاعب التي يمر بها والأثمان التي يدفعها وما إلى ذلك، مقابل بركات الله والبركات التي يعد بها البشر. أليست هذه الأشياء في جوهرها هي نفسها؟ (بلى). إنها نفسها في الجوهر، ولا يوجد اختلاف حقيقي. إذا كنت لا ترغب في السير في طريق بولس، بل في طريق بطرس، وكنت ترغب في ربح استحسان الله، فكيف ينبغي أن تمارس؟ لا يوجد شك: يجب أن تتعلم السعي إلى الحق. يجب أن تتمكن من قبول الحق، وكذلك دينونة الله وتوبيخه، وتهذيبك. يجب أن تركز على معرفة نفسك وإحداث تغيير في شخصيتك والسعي لممارسة محبة الله. ذلك هو معنى السير في طريق السعي إلى الحق والانطلاق في طريق بطرس. للسير في طريق بطرس، يجب أن تفهم أولًا ما يتطلبه الله من الإنسان والطريق الذي أشار إليه الله للإنسان. يجب أن تتمكن من تمييز طريق الإيمان بالله الذي يؤدي إلى الخلاص من الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك والدمار. عليك أن تتأمل حقًا سبب قدرتك على السير في طريق بولس وتتأكد من نوع الشخصية التي تأمرك بالسير في ذلك الطريق. ينبغي أن تُميِّز أبرز الأشياء وأوضحها التي في شخصياتك الفاسدة مثل التكبُّر أو الخداع أو الشر. وبدءًا بهذه الشخصيات الفاسدة، تأمل نفسك وشرّحها واربح معرفة عنها. إذا تمكنت من تحقيق معرفة حقيقية بنفسك ومن كراهية نفسك، فسوف يسهل عليك التخلص من شخصياتك الفاسدة، وسوف يسهل عليك ممارسة الحق. كيف يجب إذًا ممارسة هذا على وجه التحديد؟ دعونا نعقد شركة ببساطة عن هذا الأمر مستخدمين مثال الشخصية المتكبرة. يجب أن تركز في حياتك اليومية في جميع الأوقات على فحص نوع الشخصية المتكبرة التي تتدفق منك عندما تتحدث وتتصرف وتتعامل مع الأمور وتؤدي واجبك وتعقد الشركة مع الآخرين وما إلى ذلك، ومهما كان الأمر المطروح أو مكان وجودك أو نوعية الظروف. يجب أن تتفحص جميع التدفقات والخواطر والأفكار التي تأتي من شخصيتك المتكبرة التي تعيها ويمكنك إدراكها، بالإضافة إلى نواياك وأهدافك، وعلى وجه الخصوص، رغبتك الدائمة في إلقاء محاضرات على الآخرين باستعلاء، وعدم طاعة أحد، واعتبار نفسك أفضل من الآخرين، ورفض ما يقوله الآخرون مهما كان مدى صوابهم، ومطالبة الآخرين بقبول ما تقوله والخضوع له حتى عندما تكون مخطئًا، وميلك الدائم لقيادة الآخرين، وعدم الامتثال وتقديم تبريرات عندما يهذبك القادة والعاملون، وإدانتك لهم على أنهم كذبة، والإدانة الدائمة للآخرين وإعلاء نفسك، والتفكير الدائم بأنك أفضل من أي شخص آخر، والرغبة الدائمة في أن تكون شخصًا بارزًا مشهورًا، والحب الدائم للتباهي بحيث يبجلك الآخرون ويهيمون بك.... يمكنك معرفة مدى قبح شخصيتك المتكبرة من خلال ممارسة التأمل في تدفقات الفساد هذه وتشريحها، ويمكنك أن تمقت نفسك وتبغضها وتكره شخصيتك المتكبرة أكثر. ومن ثم، سوف تكون على استعداد للتأمل فيما إذا كانت قد تدفقت منك شخصية متكبرة في جميع الأمور أم لا. جزء من هذا هو التأمل فيما يتدفق من الشخصيات المتكبرة والبارة ذاتيًا في كلامك، أي الكلام المتباهي المتكبر الأخرق الذي تقوله. والجزء الآخر هو التأمل في الأشياء السخيفة الخرقاء التي تفعلها أثناء التصرف وفقًا لمفاهيمك وتصوراتك وطموحاتك ورغباتك، فهذا النوع وحده من تأمل الذات يمكنه أن ينتج معرفة عن الذات. بمجرد أن تكون قد ربحت معرفة حقيقية عن نفسك، ينبغي أن تطلب مسارات ومبادئ الممارسة لتكون شخصًا صادقًا في كلام الله، وحينها تمارس وتؤدي واجبك وتتعرف إلى الآخرين وتتعامل معهم وفقًا للمسارات والمبادئ المشار إليها في كلام الله. عندما تكون قد مارست بهذه الطريقة لفترة ربما تكون شهرًا أو شهرين، سوف تشعر بغبطة في قلبك حيال ذلك، وسوف تكون قد ربحت منه شيئًا، وتذوقت طعم النجاح. سوف تشعر أن لديك طريقًا لتصبح شخصًا صادقًا وعاقلًا، وسوف تشعر أنك أكثر ثباتًا. على الرغم من أنك لن تتمكن بعد من التحدث عن معرفة عميقة بالحق على وجه التحديد، فإنك ستكون قد ربحت قدرًا من المعرفة الإدراكية عنه، بالإضافة إلى مسار للممارسة. على الرغم من أنك لن تتمكن من التعبير عنه بوضوح في صورة كلمات، فإنك سوف تتمتع بشيء من التمييز عن الضرر الذي تلحقه الشخصية المتكبرة بالناس وكيفية تشويهها لإنسانيتهم. مثال ذلك، غالبًا ما يقول الناس المتكبرون والمغرورون كلامًا متباهيًا متهورًا ويقولون كلامًا شيطانيًا لخداع الآخرين. إنهم يتكلمون كلامًا رنانًا ويهتفون بالشعارات ويخطبون خُطبًا سامية. أليست هذه مظاهر مختلفة للشخصية المتكبرة؟ أليس من العبث المطبق تدفق هذه الشخصيات المتكبرة؟ إذا استطعت أن تفهم حقًا أنه كي تتدفق منك مثل هذه الشخصيات المتكبرة فلا بد أن تكون قد فقدت عقلك البشري الطبيعي، وأن العيش ضمن شخصية متكبرة يعني أنك تعيش الشيطانية بدلًا من الإنسانية، فعندئذٍ ستكون قد أدركت حقًا أن الشخصية الفاسدة شخصية شيطانية، وسوف تتمكن من كره الشيطان وكره الشخصيات الفاسدة من قلبك. وفي غضون ستة أشهر أو عام من هذا الاختبار، سوف تستطيع معرفة نفسك الحقيقية. وإذا تدفقت منك شخصية متكبرة مرَّة أخرى، فستكون على دراية بها فورًا، وستتمكن من التمرد عليها ونبذها. سوف تكون قد بدأت في التغيير، وسوف تتمكن من التخلص تدريجيًا من شخصيتك المتكبرة والتعايش بشكل طبيعي مع الآخرين. سوف تستطيع التحدث بصدق ومن القلب، ولن تعود تتفوه بالأكاذيب أو كلام التكبُّر. ألن تمتلك حينها قدرًا من العقل وقدرًا من الشبه بالشخص الصادق؟ ألن تكون قد ربحت ذلك الدخول؟ هذا هو الوقت الذي سوف تبدأ فيه في ربح شيء ما. عندما تمارس الصدق بهذه الطريقة، سوف تستطيع طلب الحق والتأمل في نفسك مهما كان نوع الشخصية المتكبرة التي تتدفق منك، وبعد اختبار كونك شخصًا صادقًا بهذه الطريقة لبعض الوقت، سوف تتمكن من أن تفهم تلقائيًا وتدريجيًا الحقائق وكلمات الله ذات الصلة عن كونك شخصًا صادقًا. وعندما تستخدم تلك الحقائق لتشريح شخصيتك المتكبرة، سوف توجد في أعماق قلبك استنارة وإضاءة كلام الله، وسوف يبدأ قلبك في الشعور بمزيد من الإشراق. سوف ترى بوضوح الفساد الذي تجلبه الشخصية المتكبرة للناس والقبح الذي يجعلهم يعيشونه، وسوف تستطيع تمييز كل حالة من الحالات الفاسدة التي يجد الناس أنفسهم فيها عندما تتدفق منهم شخصية متكبرة. وبالمزيد من التشريح، سوف ترى قبح الشيطان بشكل أوضح، وسوف تكره الشيطان أكثر. ومن ثم، سوف يسهل عليك التخلص من شخصيتك المتكبرة. عندما تصل معرفتك إلى هذا الحد، ستستوعب الحق ذو الصلة في كلام الله بشفافية، وسوف تعرف أن كل ما يطلبه الله من الإنسان هو ما يجب أن يمتلكه الناس ذوي الإنسانية الطبيعية ويعيشونه. وعندئذٍ، لن تعود تشعر بأن ممارسة الحق صعبة عليك. وبدلًا من ذلك، سوف تؤمن أن ممارسة الحق طبيعية ومبررة تمامًا، وأنها الطريقة التي ينبغي أن يعيش بها الإنسان. في تلك المرحلة، سوف تكون ممارستك لكلام الله والحق تلقائية وإيجابية واستباقية تمامًا، وفي الوقت نفسه سوف تحب الحق أكثر. سوف يزداد عدد الأشياء الإيجابية في قلبك، وسوف تنشأ فيه تدريجيًا معرفة حقيقية بالله. وهذا هو معنى أن تفهم الحق بصدق. سوف تكون لديك وجهة نظر ومنظور صحيحين عن جميع الأمور، وسوف تتأصل في قلبك هذه المعرفة الحقيقية وهذه الآراء الصحيحة تدريجيًا. وذلك هو معنى الدخول إلى واقع الحق، فهو شيء لا يمكن لأحد أن يحرمك منه أو يسلبك إياه. بعد أن تكون قد جمعت هذه الأشياء الإيجابية شيئًا فشيئًا، سوف تشعر بالإثراء الشديد في أعماق قلبك. لن تشعر بعد الآن بأنه لا فائدة من الإيمان بالله، وسوف يتبدد الشعور بالخواء في قلبك. سوف ينشأ فيك الإيمان الحقيقي عندما تكون قد شعرت بمدى روعة فهم الحق ورؤية نور الحياة البشرية. وعندما تملك الإيمان لتختبر عمل الله وترى مدى واقعية السعي إلى الحق وتحقق الخلاص وعمليتهما، سوف تمارس كلام الله وتختبره بإيجابية واستباقية. سوف تعقد شركة عن اختبارك ومعرفتك الحقيقيين، وبالتالي تشهد لله وتساعد المزيد من الناس على معرفة قوة كلام الله والفوائد التي يجلبها الحق للإنسان. وحينها سوف يكون لديك المزيد من الإيمان لممارسة الحق وأداء واجبك جيدًا، وبذلك تكون قد خضعت حقًا لله. سوف يشرق قلبك أكثر عندما تتحدث عن شهادتك الاختبارية الحقيقية. سوف تشعر أن لديك طريقًا أكثر لممارسة الحق، وفي الوقت نفسه سوف ترى أن لديك الكثير من النقائص وأنه توجد حقائق كثيرة ينبغي عليك ممارستها. هذه الشهادة الاختبارية ليست مفيدة وتنويرية للآخرين فحسب، بل ستشعر أيضًا أنك قد ربحت شيئًا في سعيك إلى الحق، وأنك نلت بركات الله حقًا. عندما يختبر الشخص عمل الله بهذه الطريقة إلى أن يتمكن من الشهادة له، لن يؤدي هذا الاختبار فقط إلى معرفة المزيد من الناس بشخصياتهم الفاسدة، والتخلُّص من أغلال تلك الشخصيات وقيودها ومعاناتها، وتمكُّنهم من الانعتاق من قوة الشيطان، بل يمكنه أيضًا أن يمنح ذلك الشخص المزيد والمزيد من الإيمان للسير في طريق السعي إلى الحق وجعله كاملًا. ألا يصبح مثل هذا الاختبار شهادة حقيقية؟ تلك هي الشهادة الحقيقية. هل يشعر الشخص القادر على تقديم مثل هذه الشهادة لله أن الإيمان به ممل أو تافه أو أجوف؟ بالطبع لا. عندما يستطيع الإنسان أن يشهد لله وتكون لديه معرفة حقيقية به، تمتلئ أعماق قلبه بالسلام والفرح، ويشعر بالإثراء والرسوخ بدرجة مذهلة. عندما يعيش المرء في مثل هذه الحالة وهذا المجال، فمن الطبيعي ألا يجبر نفسه على المعاناة ودفع ثمن وكبح جماح نفسه. لن يجبر نفسه على قمع جسده والتمرد على الجسد. وما سيكثر من فعله هو ربح المعرفة بشكل إيجابي عن شخصياته الفاسدة. سوف يسعى أيضًا إلى معرفة شخصية الله وما لدى الله ومن هو الله، وسوف يفهم ما ينبغي على المرء أن يفعله للخضوع لله وإرضائه. وبذلك سوف يفهم مقاصد الله وسط كلامه، ويجد مبادئ ممارسة الحق بدلًا من التركيز على المشاعر العابرة في داخله. مثال ذلك، عدم القدرة على كبح جماح نفسه عند حدوث الأشياء، أو حدة الطباع، أو سوء المزاج، أو الشعور بالغضب مرَّة أخرى، أو فعل شيء سيئ أو دون المستوى المثالي مرَّة أخرى، أو أي أمر تافه كهذا. لا داعي للقلق بشأن هذه الأشياء ما دامت لا تعيق ممارستك للحق. ينبغي أن تستمر في التركيز على علاج شخصياتك الفاسدة والسعي إلى كيفية الممارسة بطريقة تُرضي الله وتتوافق مع مقاصده. مارس الحق هكذا وسوف تحرز تقدمًا سريعًا في الحياة، وسوف تكون قد انطلقت في طريق السعي إلى الحق وتحقيق الكمال. لن يكون قلبك أجوف فيما بعد، وسوف يكون لديك إيمان حقيقي بالله، وسوف تكون مهتمًا أكثر بكلام الله والحق، وسوف تعتز بهما أكثر من ذي قبل. سوف تفهم المزيد والمزيد عن مقاصد الله ومتطلباته. عندما يصل المرء إلى هذا المستوى، يكون قد دخل بالكامل في كلام الله وواقع الحق.

إن ما يمارسه أناس كثيرون ويدخلون فيه الآن ليس واقع الحق، لكنهم يدخلون إلى نوع من الحالات يُظهرون فيها سلوكيات ظاهرية جيدة ويكونون على استعداد لدفع ثمن والمعاناة وبذل كل شيء. ومع ذلك، فإن أعماق قلوبهم تظل خاوية، وليس لديهم ما يدعمهم في عوالمهم الداخلية. لماذا ليس لديهم ما يدعمهم؟ لأنهم يفتقرون إلى طريق عندما يصيبهم أي شيء، ويعتمدون على التمنيات، وليست لديهم مبادئ ممارسة الحق. عندما تتدفق منهم شخصية فاسدة، لا يمكنهم إلا ممارسة ضبط النفس ولا يمكنهم طلب الحق لعلاجها. ومن حسن حظ الناس، فإن جسدهم العتيق يتمتع بقدرة فطرية وهي قدرته على المعاناة. يوجد قول مأثور بين غير المؤمنين نصه: "لا توجد معاناة تستعصي على التحمُّل، ولكن توجد بركات لا يمكن التمتع بها". يتمتع جسد الإنسان بقدرة فطرية غريزية: فهو لا يستطيع التمتع بالكثير من البركات، لكنه يستطيع معاناة أي شيء وتحمُّله وكبح جماح نفسه. هل هذا شيء جيد؟ هل هي نقطة قوة أم عيب أو نقص؟ هل مقولتهم تلك هي الحق؟ (كلا). إنه ليس كذلك، وإذا لم يكن الشيء هو الحق، فهو هراء. تلك المقولة مجرد كلمات جوفاء، ولا يمكنها علاج أي من مشكلاتك، ولا يمكنها علاج صعوباتك العملية. ولتحري الدقة، لا يمكنها علاج شخصياتك الفاسدة. ولذلك، لا فائدة من قولها. على الرغم من أنك قد تملك قدرًا من المعرفة بها وقد تكون على دراية بها واختبرتها بعمق، فإنها لا تزال غير مفيدة. توجد لدى غير المؤمنين مقولات أخرى أيضًا مثل: "لست خائفًا من الموت، فلماذا أخاف من العيش؟" و"حلول الشتاء يؤذن باقتراب الربيع". هذه عبارات سامية للغاية، أليس كذلك؟ إنها ملهمة وفلسفية تمامًا، أليست كذلك؟ يُسمِّي غير المؤمنين هذه المقولات "غذاء الروح". هل تحبون هذه الأنواع من المقولات؟ (لا). لمَ لا؟ قد يقول البعض: "نحن لا نحبها فحسب، فهي ما يقوله غير المؤمنين. نحن نحب كلام الله". أي جزء من كلام الله تحبه إذًا؟ ما العبارة التي تعتبر أنها الحق؟ ما العبارة التي اختبرتها ومارستها ودخلت فيها وربحتها؟ لا جدوى من مجرد كره مقولات غير المؤمنين هذه. ربما لا تحبها، ولكن لا يمكنك تمييز جوهرها بوضوح. هل هذه المقولات صحيحة؟ (كلا). سواء كان كلام غير المؤمنين صحيحًا أم لا، فإنه لا علاقة له بالحق. وحتى لو اعتبره الناس كلامًا جيدًا وصحيحًا، فإنه لا يتوافق مع الحق ولا يمكنه الارتقاء إلى مستوى الحق. إنه في مجمله يخالف الحق ويعاديه. غير المؤمنين لا يقبلون الحق، فلا داعي للتجادل معهم بخصوص الصواب والخطأ. فكل ما يمكننا فعله هو التعامل مع كلامهم على أنه هراء مشوش وعدم شغل أنفسنا بهم. ماذا تعني كلمة "هراء"؟ إنها تعني الكلام الذي لا يُمثِّل على الإطلاق أي بنيان أو قيمة للناس أو لحياتهم أو للطرق التي يسلكونها أو لخلاصهم. فكل هذا الكلام هراء، ويمكن تسميته أيضًا بالكلام الفارغ. لا علاقة له بحياة الإنسان وموته أو بالطرق التي يسلكها، وهو هراء ليست له أي فائدة إيجابية بتاتًا. يسمع الناس مثل هذه العبارة ويعيشون حياتهم كما يحلو لهم كعادتهم، ومثل هذه العبارة لن تُغيِّر أي حقائق لأنها ليست الحق، فالحق وحده يبني الإنسان ويتمتع بقيمة لا حدود لها. لماذا أقول هذا؟ لأن الحق يمكن أن يُغيِّر مصائر الناس وأفكارهم ووجهات نظرهم وعوالمهم الداخلية. والأهم من ذلك، يمكن للحق تبديد شخصيات الإنسان الفاسدة، وتغيير صفات الشخص وتحويل صفاته الشيطانية إلى صفات للحق. ويمكنه أن يُحوِّل الشخص الذي يعيش بشخصياته الفاسدة إلى شخص يعيش بالحق وبكلام الله. عندما يعيش المرء واقع الحق ويكون كلام الله أساسًا له، ألا تتغير حياته بهذه الطريقة؟ وعندما تتغير حياة المرء، فهذا يعني أن أفكاره ووجهات نظره قد تغيَّرت، وأن نظرته ومواقفه وآرائه بخصوص الناس والأشياء قد تغيَّرت، ويعني أن موقفه ووجهات نظره بخصوص الأحداث والأشياء أصبحت مختلفة عن ذي قبل. إن مقولات غير المؤمنين تلك كلها كلام فارغ وهراء، ولا يمكنها علاج أي مشكلات. أليس القول الذي ذكرته للتو: "لا توجد معاناة تستعصي على التحمُّل، ولكن توجد بركات لا يمكن التمتع بها" كلامًا فارغًا لا معنى له؟ (بلى). يمكنك أن تعاني، فماذا في ذلك؟ أنت لا تعاني لربح الحق، بل تعاني للتمتع بالهيبة والمكانة، ومعاناتك ليست لها قيمة أو أهمية على الإطلاق. انظر إلى الحقائق: لقد عانيت الكثير ودفعت ثمنًا باهظًا، ومع ذلك ما زلت لا تعرف نفسك ولا تستطيع حتى فهم الخواطر والأفكار التي تنشأ من شخصيتك الفاسدة، ولا يمكنك علاجها. هل تعتقد أنه يمكن أن يكون لديك دخول إلى الحياة إذًا؟ هل لمعاناتك قيمة؟ ليست لها قيمة بتاتًا. أما معاناة بعض الناس فلها قيمة، فالمعاناة التي يمر بها الناس لربح الحق مثلًا لها قيمة: عندما يكون المرء قد ربح الحق، يمكنه بنيان الآخرين وإعالتهم. يعاني الكثير من الناس ويدفعون الثمن لنشر الإنجيل والمساعدة في توسيع عمل الكنيسة وبيت الله ونشر إنجيل ملكوت السماوات. يمكننا أن نرى من هذا أن من يتألم ويدفع ثمنًا لربح الحق وإرضاء الله سوف يربح شيئًا من ذلك. وهؤلاء الناس سوف ينالون استحسان الله. ولكن يوجد من لا يسعون إلى الحق، وعلى الرغم من أنهم قد يبذلون أنفسهم ويعانون من أجل الله ويتلقون رحمته، فإن تلك الرحمة لا تتعدى كونها شفقة الله وتسامحه وانعكاسًا للفضل الذي يُظهره للإنسان، كما أنه النعمة التي يمنحها للإنسان. أي نوع من النعمة؟ القليل من البركات المادية، وليس أكثر من ذلك. هل ذلك هو ما تريده؟ هل ذلك هو هدفك النهائي من الإيمان بالله؟ لا أعتقد ذلك. فمنذ اليوم الذي آمنت فيه بالله، هل اكتفيت بتمني رحمته وحمايته والقليل من البركات المادية التي يمنحها؟ هل تلك هي الأشياء التي تريدها؟ هل هي ما تسعى إليه في إيمانك؟ (كلا). هل يمكن لهذه الأشياء علاج مسألة خلاصك؟ (كلا). يبدو أنكم تفكرون بوضوح تام. فأنتم تفهمون ما هو حيوي وما هو مهم، وأنتم غير مرتبكين. أنتم تعرفون ما يتمتع بالأهمية وما هو ليس كذلك. ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكانكم الانطلاق في طريق السعي إلى الحق.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.