لا يدل السلوك الحسن على تغير الشخصية (الجزء الثاني)

يتطلب السعي إلى تغيير الشخصية أولًا أن نفهم ما هي الأشياء التي لا علاقة لها بتغيير الشخصية، ولا تقع ضمن نطاق تغيير الشخصية، بل هي بدلًا من ذلك مجرد سلوكيات ظاهرية حسنة، كما يتطلب أن نفهم ما الذي يشير إليه تغيير الشخصية الذي يتحدث الله عنه، وما الذي يريده الله أن يتغير في الإنسان – على الناس أن يفهموا هذه الأمور. ما يعتقده الإنسان تغييرًا في الشخصية هو مجرد تغيير في السلوك، وهذا شيء مختلف وطريق مختلف عن تغيير الشخصية الذي يتحدث الله عنه. هل يمكن لما يعتقده الإنسان تغييرًا في الشخصية أن يضمن أن الناس لن يتمردوا على الله أو يقاوموه أو يخونوه؟ هل يمكن أن يجعلهم ذلك في النهاية يتمسكون بشهاداتهم ويرضون مقاصد الله؟ إن تغيير الشخصية الذي يتحدث عنه الله يعني أنه من خلال ممارسة الناس للحق، واختبارهم لدينونة الله وتوبيخه، ومن خلال تهذيب الله وتجربته وتنقيته لهم، يحققون فهمًا لمقاصد الله ولمبادئ الحق، ويتوصلون إلى امتلاك الخضوع وقلب يتقي الله، ومن ثم يعيشون وفقًا لمبادئ الحق، حيث ينالون قلوبًا تخضع لله وتتقيه، دون أي سوء فهم له، ويمتلكون معرفة وعبادة حقيقيتين لله. ما يتحدث عنه الله هو تغيير في شخصية الإنسان، ولكن إلامَ يشير تغيير الشخصية الذي يتحدث عنه الإنسان؟ إنه يشير إلى تحسين السلوك، وإلى الظهور بمظهر حُسن التصرف والهدوء، وإلى عدم التكبر، ويعني التحدث بأسلوب مهذب ومنضبط، وألا يكون بذيئًا ومؤذيًا، كما يشير إلى أن يتحلى المرء بالضمير والعقل والمعايير الأخلاقية في حديثه وسلوكه. هل هناك أيّ فرق بين تغيير الشخصية الذي يتحدث عنه الإنسان وتغيير الشخصية الذي يطلبه الله؟ ماهو الفرق؟ إن تغيير الشخصية الذي يتحدث عنه الإنسان هو تغيير في السلوك الظاهري، وهو تغيير يتوافق مع المفاهيم والتصورات البشرية. أما تغيير الشخصية الذي يطلبه الله فهو يعني أن يتخلص الإنسان من شخصيته الفاسدة، وهو تغيير في الشخصية الحياتية ينجم عن فهم الحق، كما أنه تغيير في نظرة الإنسان إلى الأشياء، وفي نظرته إلى الحياة وفي قِيَمه. إذًا هناك فرق. سواء كنت تتعامل مع أشخاص أو مع أشياء، يجب أن تكون دوافعك ومبادئ أفعالك ومعيار تقييمك جميعها متوافقة مع الحق، وعليك أن تسعى إلى مبادئ الحق؛ فهذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق تغيير في الشخصية. إذا كنت دائمًا تقيس نفسك بمعايير سلوكية، وإذا كنت دائمًا تركز على التغييرات في سلوكك الظاهري، وتعتقد أنك تحيا بحسب شبه الإنسان، وتحظى باستحسان الله لمجرد أنك تتمتع بالقليل من السلوك الحسن، فهذا خطأ تمامًا؛ إذ نظرًا لأنك تمتلك شخصيات فاسدة، ويمكنك معارضة الله، ولأنك معرض لخيانة الله، فمهما كان مدى حسن سلوكك الظاهري، فإنك لن تكون قادرًا على تحقيق الخضوع الحقيقي لله، ولن تتمكن من اتقاء الله والحيدان عن الشر إذا لم تسعَ إلى الحق لإيجاد حل لشخصيتك الفاسدة. هل يستطيع السلوك الظاهري الحسن فحسب أن ينتج قلبًا يتقي الله؟ هل يمكنه أن يجعل الإنسان يتقي الله ويحيد عن الشر؟ إذا لم يكن الناس قادرين على اتقاء الله والحيدان عن الشر، فلا يدل أي قدر من السلوك الحسن لديهم على أنهم يمتلكون خضوعًا حقيقيًا لله؛ وبالتالي، لا يدل أي قدر من السلوك الجيد على تغيير في الشخصية. يتحدث بعض الناس بطريقة مهذبة للغاية، ولا يستخدمون لغة بذيئة أبدًا، وهم كالعلماء، تتدفق الكلمات من أفواههم وكأنها مكتوبة بأقلام خبراء الكتابة مثل الكُتَّاب أو الخطباء. لا يمكن رؤية أي مشاكل بالنظر إلى هذه السلوكيات والمظاهر السطحية، ولكن كيف يمكنك أن تكتشف ما إذا كانت هناك مشاكل في شخصياتهم؟ كيف يمكنك قياس ما إذا كان قد حدث أي تغيير في شخصياتهم؟ من خلال ماذا يمكننا معرفة ذلك؟ (من خلال النظر إلى موقفهم تجاه الحق). فهذا أحد المؤشرات لقياس ذلك. هل هناك أي مؤشرات أخرى؟ (انظر إلى مبادئهم في فعل الأشياء، وآرائهم في الأشياء). يتعلق ذلك بلبّ الموضوع. عليك ألا تنظر إلى ما إذا كان أسلوب كلامهم أنيقًا أو مبتذلًا، أو كان بمستوى لغة المثقفين – لا تنظر إلى الأمور السطحية. يتحدث بعض الناس بطريقة مُسهبة للغاية، ولا يعرفون كيف يعبرون عن أنفسهم، ويتململون عندما يشعرون بالقلق، فهل يرتبط هذا بشخصياتهم؟ (لا). هذا مجرد سلوك ظاهري، وهو يتعلق على الأكثر بصفاتهم الشخصية أو بتربيتهم العائلية، ولا يتعلق بشخصياتهم. إذًا كيف يمكنك أن ترى نوع الشخصية الذي لديهم، وما إذا كانت شخصيتهم قد تغيرت، وما إذا كانوا أشخاصًا يمارسون الحق؟ من خلال النظر إلى محتوى كلامهم؛ إنْ كانت كل كلماتهم صادقة، ونابعة من أعماق قلوبهم، دون أي رغبة أو طموح، ولم يُخفوا أي نوايا من وراء كلامهم، وإذا كانوا يقولون كلمات صريحة وصادقة فحسب، وكانوا قادرين على مصارحة الآخرين بالصعوبات التي يواجهونها وبضعفهم، وقادرين على عقد الشركة مع الآخرين ومشاركتهم الضوء والاستنارة التي يتلقونها، وصادقين بشأن كل ما يريدون القيام به، ويكشفون عن أنفسهم بالكامل وينفتحون، ألا يكون هؤلاء الأشخاص إذًا ساعين إلى الحق؟ دعونا لا نتحدث الآن عما إذا كانت شخصيتهم قد تغيرت أم لا، أو عن مقدار تغيرها، ولكن بناء على هذه الإعلانات والمظاهر، فهؤلاء أشخاص يمارسون الحق. والآن دعونا نلقي نظرة على الطريقة التي يعاملون بها الآخرين. إنهم قادرون على معاملة الناس بإنصاف وعلى عدم قمعهم، وهم يدعمون الإخوة والأخوات الضعفاء ويساعدونهم، ولا يسخرون منهم. وعلاوة على ذلك، هم مخلصون ومراعون لمقاصد الله في واجباتهم، ولا يستسلمون أيًّا كانت الصعوبات التي يواجهونها، كما أنهم قادرون على الدفاع عن مصالح بيت الله. أليست هذه مظاهر الأشخاص الذين يمارسون الحق؟ (بلى). مثل هؤلاء الأشخاص مستقيمون نسبيًا ويحبون الحق بدرجة عالية نسبيًا. قد يتحدث شخص ما بطريقة مهذبة جدًا، ويرتدي ملابس لائقة جدًا، ويبدو متدينًا جدًا ظاهريًّا، ولكن ما هو محتوى كلامه؟ ويقول: "لقد كنت أعمل مع القائد فلان، وكان يعاني من خلل في النطق، لذلك كان عليّ أن أتحدث أكثر منه أثناء الشركة في الاجتماعات، فعلى الشخص القادر أن يقوم بالمزيد من العمل دائمًا، أليس كذلك؟ ونتيجةً لذلك، بدأ الإخوة والأخوات يحبونني حتى العبادة، ولم أستطع منعهم من فعل ذلك، وكان عليّ مواصلة الشركة. وبعد أن سقيت العديد من الإخوة والأخوات بنفسي، أصبحوا مقربين جدًا مني، لذا عندما كان أي منهم يواجه مشكلة، كنت عادةً ما أستطيع حلها. وعندما أصيب بعض الأشخاص بالضعف، كان عليّ أن أشارك معهم، واستعادوا قوتهم. عيبي الأكبر هو قلبي الرقيق، ولا عيوب أخرى لديّ؛ إذ لا يمكنني رؤية الآخرين يعانون؛ فعندما يعاني أي شخص أشعر بالقلق، وأتمنى أن أعاني أنا بدلًا منه". ما معنى هذا الكلام؟ لا يبدو هذا الكلام إشكاليًّا، لكن هل هناك مشكلة في دوافع كلامه؟ (نعم، إنه يمجد نفسه ويشهد لها). ما هي شخصية مثل هذا الشخص؟ شخصيته متغطرسة ومخادعة، وهو يريد استخدام هذا الأسلوب وكل هذا الكلام لإحداث تأثير، وللإشارة ضمنًا إلى شيء آخر، لجعل الآخرين يتطلعون إليه ويعبدونه، وهذا هو القصد والغرض من وراء كلامه. وسوف يستمع إليه الأشخاص المشوشون الذين يفتقرون إلى التمييز ويفكرون: "هذا الشخص عظيم حقًا، ولا عجب أنه قائد، إنه أفضل منا، وهو يصلح للقيادة". هذا هو تفكير الشخص المشوش الذي لا يمكنه رؤية حقيقة الأشياء، لكن من يميزون سيفهمون ويقولون لأنفسهم: "لقد تحدث كثيرًا عن مدى براعته واجتهاده في العمل وعن الخدمات التي قدمها، وكيف أنه أفاد الإخوة والأخوات وساعدهم حتى يتطلع الناس إليه، مع أنه يقول طوال الوقت إنه لا يريد أن يتطلع الناس إليه، لكنه في الواقع يعمل بهمة وبلا كلل حتى يتطلع الناس إليه ويعبدوه، إنه ليس متغطرسًا فحسب، بل مخادعًا جدًا أيضًا! إنه يريد كسب قلوب الناس، والتنافس مع الله على المكانة، ويستخدم هذا الأسلوب لتضليل الناس. أليس هو مثل بولس؟ إنه إبليس! لقد تكلم مطولًا دون أن يذكر أيًا من أخطائه أو عيوبه، كما لو أنه ليست لديه شخصيات فاسدة، والعيوب التي تحدث عنها تجعل الناس يحسدونه ويعجبون به بشدة، ويشعرون بالنقص. على الرغم من أنه لا يجعل الناس يعبدونه ويمجدونه بشكل مباشر، إلا أن تأثير كلماته هو جعل الناس يمجدونه ويعبدونه؛ فهو يفتن الناس ويسرق قلوبهم، ويُضلل المشوشين والجهلاء وذوي القامات غير الناضجة. أليس هذا تضليلًا للناس؟ الدوافع وراء كلماته خبيثة وشريرة للغاية! يندرج هذا الشخص ضمن فئة أضداد المسيح، ومن السهل تمييز ذلك". هناك فرق واضح بين هذين النوعين من الأشخاص؛ إذ يتحدث نوع من الأشخاص بطريقة واضحة وعادية للغاية، لكنهم صادقون، ويتحدثون بصدق ومن القلب، ولن يعبدهم الناس مهما كان ما يقولونه، بل سيفضلونهم فقط في قلوبهم. هذا النوع من الأشخاص لن يسرق قلوب الناس أو يشغل مساحة في قلوبهم، ويمكنه أن يعامل الناس على أنهم متساوون معه؛ ولن يشعر الناس بأنه يقيدهم، أو يتلاعب بهم، أو يسيطر عليهم؛ هذا شخص صالح جدًّا. لا يوجد شيء في كلامه أو في سلوكه أو في تعامله مع الأمور يكشف عن أي طموحات أو رغبات، أو يظهر أنه يرغب في السيطرة على الناس أو في احتلال مساحة في قلوبهم؛ ليست لديه تلك الشخصية، بل هو شخص لديه إنسانية. أما الأشرار، الذين هم دائمًا طموحون ويريدون السيطرة على الآخرين، فيقدسون السلطة والمكانة حقًّا، لذلك غالبًا ما يقولون أشياء للتباهي والشهادة لأنفسهم، ويفعلون أشياء لتضليل الناس والسيطرة عليهم. من الواضح أن هذه شخصية شيطانية؛ فهؤلاء الأشخاص بلا إنسانية. بعض الناس لا موهبة ولا نقاط قوة ولا قدرات لديهم، ويبدون حَسَني التصرف وبسطاء ظاهريًا، ويبدو أنهم يتعرضون للتنمر، ومنبوذون ضمن مجموعات من الناس، ويعملون بجد وفي عزلة. هل يعني هذا أنهم ساعون إلى الحق؟ هل لديهم طموحات؟ (نعم). لماذا نقول إن هذا النوع من الأشخاص لديه طموحات أيضًا؟ (لأن جميع الناس لديهم شخصيات فاسدة). هذا صحيح، لديهم شخصية فاسدة، لذلك لديهم طموحات، لكن ببساطة لا مكان لديهم لتحقيق تلك الطموحات؛ فلا أحد يمنحهم الفرصة، وهم لا يستطيعون إيجاد فرصة، ولذا فطموحاتهم مخفية. وبمجرد أن يحصل هذا النوع من الأشخاص على الفرصة لتحقيق طموحاته، في سياق مناسب، وفي وقت مناسب، سوف تنكشف طموحاته. آنذاك ستكتشف أن هذا الشخص البسيط وحسن السلوك، والذي بالكاد يستطيع قول أي شيء بوضوح، لا يخلو من شخصية فاسدة. وسترى أنه لا يخلو من طموح، فضلًا عن أن يتصف بإنسانية صالحة أو يكون أقل فسادًا. لو لم ألقِ الضوء على هذا الأمر، لظل هذا النوع من الأشخاص يفكر قائلًا لنفسه: "أنا شخص صالح، ولست بحاجة إلى تغيير شخصيتي. أنا أفهم الحق، وأنا شخص يخضع لله. أنا أملك واقع الحق منذ فترة طويلة بالفعل. أنتم جميعًا لديكم شخصيات فاسدة، ويجب إدانتكم وتوبيخكم وتهذيبكم لأنكم فاسدون للغاية، وجميعكم تمتلكون المقدرة، ومتعجرفون للغاية". أليس هذا هو المبرر الذي يعتبرونه محرَّفًا؟ وهذا نوع آخر من الغطرسة. لدى الناس شخصيات فاسدة، وتظهر الغطرسة بطرق وأشكال عديدة ومختلفة، مما يجعل من الصعب على الناس تمييزها، ويكاد يكون من المستحيل عليهم الحذر منها. أليست لدى هؤلاء الأشخاص التافهين وبطيئي الفهم شخصيات متغطرسة؟ أليست لديهم شخصيات فاسدة؟ لديهم أيضًا هذه الشخصيات؛ فحتى الحمقى متعجرفون. أولئك الذين لا يملكون إلا القليل من المعرفة ليسوا متعجرفين فحسب، بل إنهم تعلموا أيضًا كيفية التنكر، وهم أكثر براعةً في تضليل الناس، وليس من السهل تمييز هذا. عندما يميز غير المؤمنين الآخرين، فإنهم يميزون فقط بين الأشخاص الطيبين والأشرار وفقًا لمعايير الثقافة التقليدية الأخلاقية، ويصدرون أحكامًا بشأن هذا فقط على أساس سلوك الشخص وما يظهره. هل يسمح لهم هذا برؤية جوهر طبيعة ذلك الشخص؟ (لا). إذًا، كيف يمكنك تمييز الأشخاص بدقة؟ وعلى أي أساس يمكنك تمييز الأشخاص وإدراك حقيقتهم بدقة؟ لا شك في أنه لا يمكن تمييز الناس بدقة إلا بناءً على الحق وكلمة الله، وهذا أمر مؤكد تمامًا. بعض الناس لا يميزون الآخرين إلا من خلال مقارنة سلوكهم بالمفاهيم والتخيلات البشرية والأخلاق التقليدية، فهل من الممكن أن ندرك حقيقة الناس بهذه الطريقة؟ بالطبع لا. من الضروري ملاحظة الأفكار ووجهات النظر والنوايا التي يكشف عنها الناس بناءً على كلمة الله، ومن الضروري أن ننظر إلى الدوافع والأغراض من وراء كلمات الناس وأفعالهم، فهذه هي الطريقة الوحيدة لاكتشاف حقيقة شخصياتهم وطبيعتهم الفاسدة. بغض النظر عمن يكون الشخص، ما دام يكشف عن العديد من وجهات النظر حول الأشياء، ويمكنه التعبير عن آرائه الخاصة في جميع الأمور، فمن السهل جدًا تمييز شخصيته الفاسدة وجوهر طبيعته. وإذا كانت وجهات نظره وآراؤه تتعارض تمامًا مع الحق، أفلا تنكشف شخصيته الفاسدة وطبيعته الشيطانية تمامًا؟ لذلك، ما دمت تميز الناس وفقًا لكلمة الله والحق، ستكون قادرًا على أن ترى أن جميع الناس لديهم شخصيات فاسدة وطبيعة شيطانية، وأنهم جميعًا في حاجة إلى خلاص الله.

أولئك الذين يفهمون الحق يمكنهم بسهولة إدراك حقيقة الأشياء وتمييز الناس. هل تعرفون كيف تميزون الناس؟ هل تعرفون كيف تلاحظون جميع أنواع الناس والأحداث والأشياء في حياتكم؟ إذا كنت لا تعرف، فهذا يدل على أنك مازلت لا تفهم الحق في واقع الأمر. لكي تكون قادرًا على تمييز الناس، عليك أولاً أن تكون قادرًا على تمييز ما إذا كان ما تقوله يتوافق مع الحق، وما إذا كان ما تفعله له مبادئ. عندما تعرف كيف تميز كلماتك وأفعالك، وتتمكن من إدراك المشكلات وحلها، ستكون قادرًا على تمييز الأشخاص. معرفة كيفية تمييز جميع أنواع الناس والأحداث والأشياء ليس بالأمر السهل؛ فهو ليس شيئًا يمكن تحقيقه بمجرد معرفة كيفية قول بضع كلمات وتعاليم. عليك اختبار أشياء كثيرة، واختبار العديد من الإخفاقات والنكسات على الأقل، وعندها فقط ستكون قادرًا على معرفة نفسك. ابدأ الممارسة من خلال معرفة نفسك، وستتعلم تدريجيًّا كيفية تمييز جميع أنواع الناس والأحداث والأشياء. يعني امتلاك التمييز أن تتعلم أولًا كيفية تمييز نفسك، وتكون قادرًا على تمييز سلوكك وشخصيتك الفاسدة بوضوح، وكذلك انحرافاتك وحالاتك وأوجه قصورك، وأن تكون قادرًا على إدراك جوهر هذه الأشياء. إذا كنت قادرًا على تمييز نفسك بدقة، فستكون قادرًا أيضًا على تمييز الآخرين، وإذا لم تتمكن من تمييز أمورك الخاصة بدقة، فلن يكون تمييزك للآخرين دقيقًا بالضرورة. يستطيع بعض الأشخاص تمييز مشاكل الآخرين بوضوح شديد، لكنهم لا يعترفون بأن لديهم مشاكل عندما يرتكبون الأخطاء نفسها. ما المشكلة هنا؟ أليست هذه مشكلة في شخصياتهم؟ في الظروف العادية، يعدّ تمييز الآخرين في الواقع مماثلًا لتمييز نفسك. إذا كان بإمكانك تمييز الآخرين بدقة ولكنك لا تتأمل في نفسك وتعرفها، بل وتعتقد أنك أقوى من الآخرين، فأنت في مشكلة – إذ لديك نوايا غير سليمة، ولديك مشكلة في شخصيتك. بعض الأشخاص بارعون في تمييز الآخرين، وكل ما يقولونه واضح ومنطقي، لكنهم لا يستطيعون تمييز مشاكلهم الخاصة. هل هذا صحيح؟ هذه واجهة، وهذا خداع. في الواقع، ليس الأمر أن هؤلاء الأشخاص يفتقرون إلى المقدرة؛ فلديهم تمييز لأنفسهم، لكنهم لا يتحدثون عنه بصدق. إنهم يعرفون في قلوبهم ما يحدث، لكنهم لا يعبرون عنه بالكلمات. هذا النوع من الأشخاص ذو لسانين وغير صادق أبدًا؛ من يقول الأكاذيب ليس إنسانًا صادقًا، بل هو إنسانٌ مُعوجٌّ ومخادعٌ، بل وكاذب. إذا كان بإمكان شخص ما أن يميز نفسه بوضوح، ويستطيع أن يُشرِّح نفسه ويكشفها ليفيد الآخرين، فهو شخص يفهم الحق فعلًا، وشخصيته مستقيمة وصادقة، وينفتح بطريقة نقية. هذه ليست بالمسألة البسيطة؛ إذ يمكن لهذا النوع من الأشخاص أن يمارس الحق بمجرد أن يفهمه، وهو بالتأكيد شخص يسعى إلى الحق ويسعَدُ الله به. من أجل أن تمارس الحق بمجرد أن تفهمه، يجب أولاً أن تكون صفاتك حسنة، وأن تكون إنسانًا صادقًا. على الرغم من أن الجميع راغبون في السعي إلى الحق، فإن دخول واقع الحق ليس بالأمر البسيط؛ والمفتاح هو التركيز على البحث عن الحق ووضع الحق موضع التنفيذ. فعليك أن تتأمل هذه الأمور في قلبك كل يوم، ومهما تكن المشكلات أو المصاعب التي تواجهك، فلا تتخلَّ عن ممارسة الحق. عليك أن تتعلم كيف تطلب الحق وتتأمل في نفسك، وفي نهاية المطاف، تمارس الحق. هذا أهم الأمور جميعًا. يجب ألّا تحاول مطلقًا أن تحمي مصالحك، وإن جعلت لمصالحك الأولوية فلن تستطيع ممارسة الحق. انظر إلى أولئك الأشخاص الانتهازيين: من منهم يستطيع أن يمارس الحق؟ لا أحد منهم. فالذين يمارسون الحق هم جميعًا أناس صادقون، محبون للحق وطيبو القلب. إنهم جميعًا أناس ذوو ضمير وعقل، ويستطيعون التخلي عن مصالحهم وخُيلائهم وكبريائهم، وكذلك التمرد على الجسد. هؤلاء هم الأشخاص الذين يمكنهم ممارسة الحق. من أجل ممارسة الحق، أول شيء عليك أن تحله هو مشكلة أنانيتك وشخصيتك الانتهازية؛ فبمجرد حل هذه المشكلة، لن تواجه أي صعوبات كبيرة. ما دام بإمكانك قبول الحق، ومعرفة شخصيتك الفاسدة، والسعي إلى الحق لمعالجتها، فسوف تكون قادرًا على ممارسة الحق. وإذا لم تقبل الحق، فلن تتمكن من حل مشكلة شخصيتك الفاسدة، وبهذه الطريقة، لن تتمكن من ممارسة الحق. تتمثل الصعوبة الكبرى أمام ممارسة الحق في امتلاك شخصية فاسدة، شخصية أنانية وممقوتة وانتهازية في الأساس. وإذا تم حل مشكلة شخصيتك الفاسدة، فلن تشكل الصعوبات الأخرى أي مشكلة لك على الإطلاق. بالطبع، السبب وراء عدم قدرة بعض الناس على ممارسة الحق هو أن نوعًا من الشخصيات الفاسدة لا يزال موجودًا في داخلهم، وهي الشخصية المتغطرسة والتي لديها بِرٌّ ذاتي. إن كون الأشخاص مغرورين دائمًا، ويعتقدون دائمًا أن وجهات نظرهم صحيحة، ويريدون دائمًا القيام بالأشياء بطريقتهم الخاصة، يعني أنهم متغطرسون وأنَّ لديهم برًّا ذاتيًّا وأنهم عاجزون عن قبول الحق. هذه هي الصعوبة الكبرى التي يواجهها هؤلاء الناس في ممارسة الحق. إذا تمكنوا من السعي إلى الحق لحل هذه الصعوبة، فلن يواجهوا مشاكل كبيرة في ممارسة الحق. أما بالنسبة إلى المشاكل الأخرى، فيمكنهم حل أي مشكلة بسهولة إذا امتلكوا القدرة على التأمل في أنفسهم، ومعرفة حالاتهم، والسعي إلى الحق، والعثور على بعض المقاطع ذات الصلة من كلمة الله للتأمل فيها والشركة عنها. يجب على من يسعون إلى الحق أن يتأملوا ويسعوا إلى الحق يوميًّا لحل مشاكلهم، إذ يمكن أن يواجه الناس يوميًّا العديد من المسائل المتعلقة مباشرة بممارسة الحق بصرف النظر عن قيامهم بواجباتهم، ويمكن أن يتطرقوا إلى بعض المسائل المتعلقة بممارسة الحق حتى لو لم يخرجوا أو يتواصلوا مع أشخاص آخرين. على سبيل المثال، كيف تعيش في أحد تلك الأيام، وما الذي يجب أن تركز عليه بشكل رئيسي في حياتك في ذلك اليوم، وكيف يجب أن ترتبه، وما الواجبات التي عليك تأديتها، وكيف يجب أن تسعى إلى الحق لحل الصعوبات التي تواجهها في واجبك، وما الأشياء الفاسدة الموجودة في قلبك والتي تحتاج إلى التأمل فيها وفهمها وحلها – كل هذه الأشياء تمس جوانب من الحق، وإذا لم تسعَ إلى الحق لحلها، فقد لا تكون قادرًا على أداء واجبك بشكل جيد في ذلك اليوم، أليست هذه مشكلة حقيقية؟ إذا كان كل ما تفكر فيه خلال الساعات المتاحة لك يوميًّا يتعلق بكيفية حل مشكلة شخصيتك الفاسدة، وبكيفية ممارسة الحق وفهم مبادئ الحق، فسوف تتعلم استخدام الحق لحل مشاكلك وفقًا لكلام الله، وبذلك ستربح القدرة على العيش بشكل مستقل، وسيكون لديك دخول في الحياة، ولن تواجه أي صعوبات كبيرة في اتباع الله، وستدخل تدريجيًا إلى واقع الحق. إن كنت لا تزال تركز في قلبك على الجاه والمكانة، وتنشغل بالتباهي وكسب إعجاب الآخرين، فأنت إذًا امرؤٌ لا يسعى إلى الحق، بل إنك تسلك الطريق الخطأ. ما تسعى إليه ليس هو الحق، ولا هو الحياة، بل هو الأمور التي تهواها، إنه الشهرة والربح والمكانة؛ وفي هذه الحالة، لا يمتّ أي شيء تفعله إلى الحق، بل يُعتبر كله فعلًا شريرًا وعملًا. إذا كنت تحب الحق في قلبك، وتسعى دائمًا من أجله، وإذا كنت تسعى إلى تغيير شخصيتك، وكنت قادرًا على تحقيق خضوع حقيقي لله، ويمكنك أن تتقي الله وتحيد عن الشر، وإذا كنت منضبطًا في كل ما تفعله، وقادرًا على قبول تمحيص الله، فستستمر حالتك في التحسن، وستكون شخصًا يعيش أمام الله. إن الذين يحبون الحق يسلكون سبيلًا مختلفة عن أولئك الذين لا يحبونه؛ فالأشخاص الذين لا يحبون الحق يركزون دائمًا على العيش بحسب فلسفات الشيطان، وترضيهم مجرد المظاهر الخارجية للسلوك الحسن والتقوى المصطنعة، أما قلوبهم فلا تزال تنطوي على مطامح ورغبات، ولا يزالون يسعون وراء الشهرة والربح والمكانة، كما لا يزالون يتمنون نيل البركات ودخول الملكوت، غير أنهم ما داموا لا يسعون إلى الحق، ولم يتم التخلي عن شخصياتهم الفاسدة، فهم يعيشون دومًا تحت سلطة الشيطان. إن الذين يحبون الحق يسعون إليه في كل شيء، ويتأملون في أنفسهم، ويحاولون أن يعرفوا أنفسهم، ويركزون على ممارسة الحق، ولديهم دائمًا قلوب خاضعة لله وتتقيه. وإن ظهرت فيهم أي مفاهيم أو سوء فهم عن الله، فإنهم يبادرون إلى الصلاة إليه على الفور، ويطلبون الحق لمعالجتها. إنهم يركزون على أداء واجباتهم بشكل جيد، بحيث يرضي ذلك مقاصد الله، ويسعون إلى الحق، كما يسعون لمعرفة الله وأن تكون لديهم قلوب تتقي الله، ونبذ أفعال الشر قاطبة. هؤلاء هم الأشخاص الذين يعيشون دائمًا في حضرة الله.

1 شباط/فبراير، 2018

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.