الله ذاته، الفريد (ط)

الله مصدر الحياة لجميع الأشياء (ج) الجزء الأول

تحدَّثنا خلال هذه الفترة الزمنيَّة عن أمورٍ كثيرة تتعلَّق بمعرفة الله، وقد تحدَّثنا مُؤخَّرًا عن شيءٍ مُهمّ جدًّا في هذا الشأن. ما الموضوع؟ (الله مصدر الحياة لجميع الأشياء). يبدو أن الأمور والموضوع الذي تحدثت عنهما تركا انطباعًا واضحًا على الجميع. تحدَّثنا في المرَّة الأخيرة عن القليل من جوانب بيئة البقاء التي خلقها الله للبشر، بالإضافة إلى إعداد الله لجميع أنواع القوت الضروريّ للناس في حياتهم. إن ما يفعله الله في الواقع ليس مُجرَّد تهيئة البيئة لبقاء الناس، وليس مُجرَّد إعداد قوتهم اليوميّ، بل استكمال جوانب مُتنوِّعة من القدر الهائل من العمل السرّيّ والضروريّ من أجل بقاء الناس ومن أجل حياة البشر. هذه كُلّها أعمال الله. لا تقتصر أعمال الله هذه على إعداده لبيئةٍ من أجل بقاء الناس وقوتهم اليوميّ – فهي لديها نطاقٌ أوسع من ذلك بكثيرٍ. بالإضافة إلى هذين النوعين من العمل، فإنه يُعدّ أيضًا العديد من البيئات وظروف البقاء الضروريَّة لحياة الإنسان. هذا موضوعٌ آخر سوف نناقشه اليوم. وهو يرتبط أيضًا بأفعال الله؛ وبخلاف ذلك، سوف يكون الحديث عنه هنا لا معنى له. إذا كان الناس يريدون معرفة الله ولم يكن لديهم سوى فهمٍ حرفيّ "لله"، أو لتلك الكلمة، أو لجميع جوانب ما لدى الله ومن هو الله، فذلك ليس فهمًا حقيقيًّا. ما هو السبيل لمعرفة الله إذًا؟ إنه معرفته ومعرفة كُلّ جانبٍ منه من خلال أعماله. ينبغي لنا إذًا بعد ذلك أن تكون لنا شركةٌ عن أعمال الله عندما خلق جميع الأشياء.

منذ أن خلق الله جميع الأشياء، بناءً على النواميس التي حدَّدها، كانت جميعها تعمل وتستمرّ في التطوُّر بانتظامٍ. كانت جميع الأشياء تتطوَّر بانتظامٍ تحت نظره وتحت حُكمه جنبًا إلى جنبٍ مع بقاء البشر. لا يستطيع شيءٌ واحد تغيير هذه النواميس، ولا يستطيع شيءٌ واحد هدم هذه النواميس. تستطيع جميع الكائنات أن تتكاثر بفضل حكم الله، وبفضل حكمه وتدبيره تستطيع جميع الكائنات البقاء. يعني هذا أنه تحت حُكم الله توجد جميع الكائنات وتزدهر وتختفي وتُعاود التجسُّد بطريقةٍ مُنظَّمة. عند قدوم الربيع، يجلب المطر الخفيف هذا الشعور بالربيع ويُرطِّب الأرض. تبدأ الأرض في الذوبان وينبت العشب ويشقّ طريقه عبر التربة وتتحوَّل الأشجار تدريجيًّا إلى اللون الأخضر. تجلب جميع هذه الأشياء الحيَّة حيويَّةً جديدة إلى الأرض. هذا هو منظر جميع الكائنات التي تأتي إلى الوجود وتزدهر. تخرج جميع أنواع الحيوانات أيضًا من جحورها لتشعر بدفء الربيع ولتبدأ سنةً جديدةً. تنعم جميع الكائنات بالحرارة خلال الصيف وتتمتَّع بالدفء الذي يتَّسم به ذلك الفصل. إنها تنمو بسرعةٍ؛ تنمو الأشجار والأعشاب وجميع أنواع النباتات بسرعةٍ كبيرة، ثم تتفتَّح وتطرح ثمارها. تكون جميع الكائنات مشغولةً جدَّا خلال الصيف، بما في ذلك البشر. وفي الخريف، تجلب الأمطار برودة الخريف وتبدأ جميع أنواع الكائنات الحيَّة بالإحساس بقدوم موسم الحصاد. تؤتي جميع الكائنات ثمارها، ويبدأ البشر أيضًا في حصاد جميع أنواع الأشياء بفضل إنتاج هذه الكائنات في الخريف، من أجل إعداد الطعام للشتاء. تبدأ جميع الكائنات في الشتاء بالتدريج في أن تستريح في البرد، وأن تصبح هادئةً، كما يأخذ الناس أيضًا استراحةً خلال هذا الفصل. هذه التحوُّلات من الربيع إلى الصيف إلى الخريف وإلى الشتاء – تحدث جميع هذه التغييرات وفقًا للنواميس التي وضعها الله. إنه يقود جميع الكائنات والبشر باستخدام هذه النواميس، وقد وضع للبشر طريقةً للحياة ثريَّةً ونابضة بالحيويَّة، وأعدَّ بيئةً للبقاء لها درجات حرارةٍ مختلفة وفصول مختلفة. في ظلّ هذه البيئات المُنظَّمة من أجل البقاء، يمكن للبشر أيضًا البقاء والتكاثر بطريقةٍ مُنظَّمة. لا يستطيع البشر تغيير هذه النواميس ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ كسرها. على الرغم من حدوث تغيرات لا تحصى – حيث تحولت البحار إلى حقول، والحقول إلى بحار – لا تزال هذه النواميس قائمة، وهي موجودةٌ لأن الله موجودٌ. يعود الفضل في هذا إلى حُكم الله وتدبيره. وبهذا النوع من البيئة المُنظَّمة والأوسع تتقدَّم حياة الناس إلى الأمام في إطار هذه النواميس والقواعد. هذَّبت هذه النواميس جيلاً بعد جيلٍ من الناس، وقد بقى جيلٌ بعد جيلٍ من الناس في سياق هذه النواميس. لقد استمتع الناس بهذه البيئة المُنظَّمة من أجل البقاء التي خلقها الله لجيلٍ بعد جيل من البشريَّة. على الرغم من أن الناس يشعرون أن هذه الأنواع من النواميس فطريًّة، وعلى الرغم من أنهم يرفضونها رفضًا تامًّا، وعلى الرغم من أنهم لا يستطيعون الشعور بأن الله يُنظِّم هذه النواميس أو أن الله يحكمها، فإن الله مشاركٌ دائمًا في هذا العمل غير المُتغيِّر. وهدفه من هذا العمل غير المُتغيِّر هو بقاء البشر واستمرار وجودهم.

الله يضع حدودًا لجميع الأشياء لرعاية جميع البشر

سوف أتحدَّث اليوم عن موضوع الكيفيَّة التي تعمل بها هذه الأنواع من النواميس التي وضعها الله لجميع الكائنات من أجل رعاية جميع البشر. هذا موضوعٌ ضخم، ولذلك يمكننا تقسيمه إلى عِدَّة أجزاءٍ ومناقشة كُلّ جزءٍ في وقته بحيث يمكن وصفه بوضوحٍ لكم. وبهذه الطريقة سيسهل عليكم استيعابه وفهمه تدريجيًّا.

أوَّلاً، عندما خلق الله جميع الأشياء، رسم حدودًا للجبال والسهول والصحاري والتلال والأنهار والبحيرات. توجد على الأرض جبالٌ وسهولٌ وصحاري وتلالٌ، بالإضافة إلى مُسطَّحاتٍ مائيَّة مُتنوِّعة. أليست هذه تضاريس مختلفة؟ رسم الله حدودًا بين جميع هذه الأنواع المختلفة من التضاريس. عندما نتحدَّث عن رسم الحدود، يعني هذا أن الجبال لها ترسيماتها، والسهول لها ترسيماتها، والصحاري لها نطاقٌ مُعيَّن، والتلال لها منطقةٌ ثابتة. يوجد أيضًا مقدارٌ ثابت من المُسطَّحات المائيَّة مثل الأنهار والبحيرات. يعني هذا أنه عندما خلق الله جميع الأشياء فإنه قسَّم كُلّ شيءٍ بوضوحٍ شديد. لقد حدَّد الله بالفعل مقدار نصف قُطر كُلّ جبلٍ بالكيلومترات وعيّن نطاقه. وقد حدَّد أيضًا مقدار نصف قُطر كُلّ سهلٍ بالكيلومترات وعيّن نطاقه. عندما خلق الله جميع الكائنات، حدَّد أيضًا نطاق الصحراء ونطاق التلال ونِسَبَها، وما يحدُّها – حدَّد أيضًا هذا كُلّه. حدَّد نطاق الأنهار والبحيرات عندما كان يخلقها – وكُلّها لها حدودها. ما المقصود إذًا عندما نقول "الحدود"؟ تحدَّثنا للتوّ عن الكيفيَّة التي يحكم الله جميع الأشياء بوضع نواميس لها. يعني هذا أن نطاق الجبال وحدودها لن تتسِّع أو تنقص بسبب دوران الأرض أو مرور الزمن. هذا ثابتٌ: وهذا "الثابت" هو حُكم الله. أمَّا بالنسبة لمناطق السهول ونطاقها وما يحدُّها، فقد ثبَّتها الله. لها حَدٌّ، ولن يظهر نتوءٌ ظهورًا اعتباطيًا وسط أحد السهول. لن يتحوَّل السهل فجأةً إلى جبلٍ – لن يحدث هذا. تشير النواميس والحدود التي تحدَّثنا عنها للتوّ إلى هذا. أمَّا بالنسبة للصحراء، فلن نذكر أدوار الصحراء أو أيّة تضاريسٍ أخرى أو موقعًا جغرافيًّا هنا، بل حدودها فقط. لن يتسِّع نطاق الصحراء أيضًا تحت حُكم الله. يعود السبب في هذا إلى أن الله قد أعطاها ناموسها ونطاقها. مدى اتّساعها ودورها وحدودها ومكانها – هذه قد عيَّنها الله بالفعل. لن تتجاوز نطاقها ولن يتغيِّر موقعها ولن تَتّسع منطقتها اعتباطًا. على الرغم من أن تدفُّقات المياه مثل الأنهار والبحيرات كُلّها مُنظَّمةٌ ومُستمرَّة، فإنها لم تخرج قطّ عن نطاقها ولم تتجاوز حدودها. إنها تتدفَّق جميعًا في اتّجاهٍ واحد بطريقةٍ مُنظَّمة، مُتدفَّقةً في الاتّجاه المُفترَض لها. ولذلك تحت نواميس حُكم الله لن يجفّ نهرٌ أو بحيرةٌ اعتباطًا، أو يُغيِّر اتّجاهَ أو مقدارَ تدفُّقه اعتباطًا بسبب دوران الأرض أو مرور الزمان. هذا كُلّه في قبضة الله. يعني هذا أن جميع الكائنات التي خلقها الله في وسط هذه البشريَّة لها أماكنها ومناطقها ونطاقاتها الثابتة. يعني هذا أنه عندما خلق الله جميع الكائنات، فإن حدودها قد تأسَّست ولا يمكن تبديلها أو تجديدها أو تغييرها اعتباطًا. ما الذي تشير إليه كلمة "اعتباطًا"؟ إنها تعني أنها لن تنقل أو توسع أو تغير شكلها الأصليّ عشوائيًّا بسبب الطقس أو درجة الحرارة أو سرعة دوران الأرض. على سبيل المثال، الجبل له ارتفاعٌ مُعيَّن وقاعدته لها مساحةٌ مُعيَّنة وله ارتفاعٌ مُعيَّن وبه قدرٌ مُعيَّن من الغطاء النباتيّ. هذا كُلّه خطَّط له الله وحسبه ولن يتغيَّر ارتفاعه أو مساحته اعتباطًا. أمَّا بالنسبة للسهول، فإن غالبيَّة البشر يقيمون في السهول، ولن تُؤثِّر أيَّة تغيُّراتٍ في المناخ على مناطقهم أو على مقدار وجودهم. كما أن ما هو موجودٌ حتَّى في هذه التضاريس المُتنوِّعة والبيئات الجغرافيَّة التي خلقها الله لن يتغيَّر اعتباطًا. على سبيل المثال، إن مُكوِّنات الصحراء والرواسب المعدنيَّة تحت الأرض وكمية الرمال التي تحتوي عليها ولون الرمل وسماكته – هذه لن تتغيَّر اعتباطًا. لماذا لن تتغيَّر اعتباطًا؟ بسبب حُكم الله وتدبيره. يُدبِّر الله كُلّ شيءٍ بطريقةٍ مُخطَّطة ومُنظَّمة ضمن جميع هذه التضاريس والبيئات الجغرافيَّة المختلفة التي خلقها. ولذلك فإن جميع هذه البيئات الجغرافيَّة لا تزال موجودة منذ آلاف السنين، وبعد عشرات الآلاف من السنين من خلق الله لها. ما زال كُلٌ منها يُؤدِّي دوره. على الرغم من أن البراكين تثور خلال فتراتٍ مُعيَّنة، وتقع الزلازل خلال فتراتٍ مُعيَّنة، وتحدث تغيُّراتٌ كبيرة في الأرض، فإن الله لن يسمح مطلقًا لأيّ نوعٍ من التضاريس بأن يفقد وظيفته الأصليَّة. لا يمكن لهذا كُلّه – هذا كُلّه الذي يتمتَّع به البشر ويرونه – أن يبقى على الأرض بطريقةٍ مُنظَّمة إلَّا بفضل تدبير الله وحُكمه على هذه النواميس وتَمكُّنه منها. لماذا يُدبِّر الله إذًا جميع هذه التضاريس المُتنوِّعة الموجودة على الأرض بهذه الطريقة؟ الهدف من ذلك هو أن تنعم جميع الكائنات الحيَّة التي تبقى على قيد الحياة في بيئاتٍ جغرافيَّة مُتنوِّعة ببيئةٍ مُستقرَّة وأن تكون قادرةً على الاستمرار في العيش والتكاثر في تلك البيئة المُستقرَّة. إن جميع هذه الكائنات – المُتحرِّك منها والساكن، التي تتنفس من أنوفها والتي لا تُشكِّل بيئةً فريدة لبقاء البشر. وهذا النوع من البيئة هو وحده القادر على رعاية جيلٍ بعد جيل من البشر، وهو وحده أيضًا القادر على السماح للبشر بالاستمرار في البقاء على قيد الحياة في سلامٍ جيلاً بعد جيلٍ.

إن ما تحدَّثتُ عنه للتوّ موضوعٌ كبير نوعًا ما، ولذا ربَّما يبدو بعيدًا حقًّا عنكم، ولكن يمكنكم فهمه، أليس كذلك؟ يعني هذا أن نواميس الله في سيادته على جميع الأشياء مُهمَّةٌ جدًّا – مُهمَّةٌ جدًّا بالفعل! ما الشرط المُسبَق لجميع الكائنات التي تنمو في سياق هذه النواميس؟ إنه بفضل حُكم الله. فبسبب حُكم الله، تُؤدِّي جميع الكائنات مهامها الخاصَّة في سياق حُكمه. على سبيل المثال، فإن الجبال ترعى الغابات، ثم تعمل الغابات بدورها على رعاية وحماية الطيور والوحوش المُتنوِّعة التي تعيش داخلها. السهول مرحلةٌ مُعدَّة للبشر لزراعة المحاصيل وكذلك لمختلف الطيور والوحوش. إنها تسمح لغالبيَّة البشر بالعيش على أرضٍ مستوية وتُوفِّر الراحة في حياة الناس. تشمل السهول أيضًا المراعي – وهي مساحاتٌ شاسعة من الأراضي العُشبيَّة. المراعي هي الغطاء النباتيّ للأرض. إنها تحمي التربة وترعى الماشية والأغنام والخيول التي تعيش في المراعي. تُؤدِّي الصحراء أيضًا مُهمَّتها الخاصَّة. إنها ليست مكانًا لعيش البشر؛ يتمثَّل دورها في جعل الأجواء الرطبة أكثر جفافًا. إن تدفُّقات الأنهار والبحيرات توفر مياهًا صالحة لشرب الناس. فأينما تدفَّقت سوف يجد الناس مياهًا للشرب، كما تسهل هذه التدفقات تلبية الاحتياجات المائية لجميع الكائنات. هذه هي الحدود التي رسمها الله للتضاريس المُتنوِّعة.

بسبب هذه الحدود التي رسمها الله، أنتجت التضاريس المُتنوِّعة بيئات مختلفة للبقاء، وقد كانت هذه البيئات من أجل البقاء ملائمة للأنواع المُتنوِّعة من الطيور والوحوش، كما أتاحت مساحةً للبقاء. ومن هذا تطوَّرت حدود البيئات لبقاء الكائنات الحيَّة المُتنوِّعة. هذه هي النقطة الثانية التي سنتحدَّث عنها فيما يلي. أوَّلاً، أين تعيش الطيور والوحوش والحشرات؟ هل تعيش في الغابات والبساتين؟ هذه هي أوطانها. وهكذا، بغضّ النظر عن وضع حدودٍ للبيئات الجغرافيَّة المُتنوِّعة، رسم الله أيضًا حدودًا للطيور والوحوش والأسماك والحشرات المُتنوِّعة ولجميع النباتات. وسنّ أيضًا النواميس. بسبب الاختلافات بين البيئات الجغرافيَّة المُتنوِّعة وبسبب وجود بيئات جغرافيَّة مختلفة، فإن الأنواع المختلفة من الطيور والوحوش والأسماك والحشرات والنباتات لها بيئاتٌ مختلفة للبقاء. تعيش الطيور والوحوش والحشرات بين النباتات المُتنوِّعة، وتعيش الأسماك في الماء، وتنمو النباتات في الأرض. تشمل الأرض مناطق مُتنوِّعة مثل الجبال والسهول والتلال. ولذلك، بمُجرَّد أن تكون للطيور والوحوش أوطانٌ ثابتة خاصَّة بها، فإنها لن تتجوَّل في المكان كُلّه. إن أوطانها هي الغابات والجبال. وإذا تهدَّمت أوطانها يومًا ما، فسوف يتحوَّل النظام إلى فوضى. وبمُجرَّد أن يتحوَّل هذا النظام إلى فوضى، ما العواقب؟ من أوَّل من يتأذَّى؟ (البشر). إنهم البشر. ضمن هذه النواميس والقيود التي حدَّدها الله، هل رأيتم أيَّة ظواهر غريبة؟ على سبيل المثال، أفيال تتجول عفويًا في الصحراء. هل سبق ورأيتَ ذلك؟ ولو أنه حدث، فسوف تكون ظاهرة غريبة جدًّا لأن الأفيال تعيش في الغابة وهي بيئة البقاء التي أعدَّها الله لها. لديها بيئتها الخاصَّة للبقاء وموطنها الثابت الخاصّ بها، فلماذا تذهب للتجوال بعيدًا عنه؟ هل رأى أحدٌ أسودًا أو نمورًا تتجوَّل بالقرب من المحيط؟ لم يرَ أحدٌ هذا، أليس كذلك؟ موطن الأسود والنمور هو الغابة والجبال. هل رأى أحدٌ الحيتان أو أسماك القرش من المحيط تتجوَّل في الصحراء؟ لم يرَ أحدٌ ذلك، أليس كذلك؟ فالحيتان وأسماك القرش موطنها في المحيط. في البيئة المعيشيَّة للإنسان، هل يعيش أشخاصٌ جنبًا إلى جنبٍ مع الدِبَبة البُنيَّة؟ هل يوجد أشخاصٌ محاطون دائمًا بالطواويس أو بالطيور الأخرى، داخل منازلهم وخارجها؟ هل رأى أحدٌ النسور أو الإوزّ البريّ يلعب مع القرود؟ (لا). سوف تكون هذه كُلّها ظواهر غريبة. سبب حديثي عن هذه الأشياء التي تبدو لأسماعكم ظواهر غريبة هو أن أجعلكم تفهمون أن جميع الكائنات التي خلقها الله – بغضّ النظر عمَّا إذا كانت ثابتة في مكانٍ واحد أو يمكنها أن تتنفَّس من خلال أنوفها – كُلّها لديها نواميسها الخاصَّة للبقاء. قبل أن يخلق الله هذه الكائنات الحيَّة بوقتٍ طويل كان قد أعدَّ لها أوطانها وبيئاتها الخاصَّة من أجل البقاء. كانت لهذه الكائنات الحيَّة بيئاتها الثابتة الخاصَّة للبقاء وطعامها الخاصّ وأوطانها وأماكنها الثابتة الخاصَّة التي تناسب بقائها وبدرجات حرارة تناسب هذا البقاء. وبهذه الطريقة لن تتجوَّل أو تُقوِّض بقاء البشر أو تُؤثِّر على حياتهم. هكذا يُدبِّر الله جميع الكائنات: حيث يوفر للبشر أفضل بيئةٍ للبقاء. كُلّ كائنٍ من الكائنات الحيَّة له طعامٌ يُبقيه حيًّا داخل بيئاته الخاصَّة من أجل البقاء. وبذلك الطعام تكون ثابتة في بيئتها الأصليَّة من أجل البقاء. في ذلك النوع من البيئة لا تزال تعيش وتتكاثر وتستمرّ وفقًا للنواميس التي وضعها الله لها. وبفضل هذه الأنواع من النواميس، وبفضل قضاء الله المسبق، تعيش جميع الكائنات في انسجام مع البشر، كما يتعايش البشر مع بعضهم في اعتماد متبادل مع جميع الكائنات.

خلق الله جميع الكائنات ووضع لها حدودًا، وفي سياق ذلك وفّر الغذاء لجميع أنواع الكائنات الحيَّة. وفي معرض ذلك، أعدَّ أيضًا وسائل مختلفة لبقاء البشر، ولذلك يمكنك أن ترى أن البشر ليست لديهم طريقةٌ واحدة فقط للبقاء، وليس لديهم أيضًا نوعٌ واحد من البيئة للبقاء. تحدَّثنا من قبل عن إعداد الله لأنواعٍ مُتنوِّعة من مصادر الطعام والماء للبشر، وهو أمرٌ حاسم للسماح باستمرار حياة البشر في الجسد. ومع ذلك، من بين هذا الجنس البشريّ، لا يعيش جميع الناس على الحبوب. فالناس لديهم وسائل مختلفة للبقاء بسبب الاختلافات في البيئات الجغرافيَّة والتضاريس. وقد أعدَّ الله جميع هذه الوسائل للبقاء. ولهذا لا يعمل جميع البشر في المقام الأوَّل في الزراعة. يعني هذا أنه لا يحصل جميع الناس على طعامهم من زراعة المحاصيل. هذه هي النقطة الثالثة التي سوف نتحدَّث عنها: لقد تطوَّرت الحدود من أنماط الحياة المُتنوِّعة للبشر. ما هي إذًا أنواع الأنماط الأخرى للحياة لدى البشر؟ ما هي الأنواع المختلفة الأخرى من الناس فيما يتعلق بمصادر الطعام المختلفة؟ توجد عدة أنواعٌ أساسيَّة:

النمط الأوَّل هو نمط حياة القنص. يعرف الجميع هذا، أليس كذلك؟ ما الذي يأكله الناس الذين يعيشون على القنص؟ (فريسة). يأكلون الطيور ووحوش الغابة. "فريسة" كلمةٌ حديثة. لا يُفكِّر القنَّاصون فيها كفريسةٍ بل يُفكِّرون فيها كطعامٍ، أي قوتهم اليوميّ. على سبيل المثال، يحصلون على غزالةٍ. وعندما يحصلون على هذه الغزالة يكون الأمر أشبه بحصول المزارع على المحاصيل من التربة. يحصل المزارع على المحاصيل من التربة، وعندما يرى محاصيله يشعر بالسعادة والراحة. لن تكون العائلة جائعةً مع وجود محاصيل يمكن تناولها. يكون قلبه مرتاحًا ويشعر بالرضا. يشعر القنَّاص أيضًا بالراحة والرضا عندما يرى ما اقتنصه لأنه لا يوجد ما يدعوه للقلق بشأن الطعام فيما بعد. يوجد شيءٌ يمكن أن يتناوله في الوجبة التالية، ولا توجد حاجةٌ للجوع. هذا شخصٌ يقتنص للحصول على لقمة العيش. يعيش معظم من يعتمدون على القنص في الغابات الجبليَّة. إنهم لا يفلحون الأرض. ليس من السهل العثور على أراضي صالحة للزراعة هناك، ولذلك فإنهم يقتاتون على كائناتٍ حيَّة مُتنوِّعة وأنواعٍ مُتنوِّعة من الفرائس. هذا هو النوع الأوَّل من نمط الحياة الذي يختلف عن نمط حياة الأشخاص العاديّين.

النوع الثاني هو نمط حياة الرعي. هل يقوم أولئك الذين يمتهنون الرعي للحصول على لقمة العيش بفلاحة الأرض؟ (لا). فماذا يفعلون إذًا؟ إذا كان يوجد أيّ شخصٍ هنا بينكم من العِرق المنغوليّ، فيمكنكم التحدُّث قليلاً عن نمط حياتكم البدويّ. (في أغلب الأحوال، نحصل على معيشتنا من تربية الماشية والأغنام، وليس من فلاحة الأرض، وفي الشتاء نذبح ماشيتنا ونأكلها. يتكوَّن طعامنا من لحم البقر ولحم الضأن في المقام الأوَّل، ونشرب الشاي بالحليب. على الرغم من أن الرعاة مشغولون في الفصول الأربعة، فإنهم يأكلون جيِّدًا. إنهم لا يفتقرون إلى الحليب أو منتجات الألبان أو اللحوم). يأكل المنغوليّون لحم البقر ولحم الضأن في المقام الأوَّل ويشربون حليب الأغنام وحليب الأبقار، ويركبون الثيران والخيول لرعي ماشيتهم في الحقل بينما يداعب النسيم شعرهم وتسطع الشمس على وجوههم. لا يعانون من ضغوط الحياة الحديثة. لا يرون طوال اليوم سوى مساحاتٍ واسعة من السماء الزرقاء والسهول العشبيَّة. غالبيَّة الناس الذين يمتهنون رعي القطعان يعيشون على الأراضي العشبيَّة وقادرون على الاستمرار في نمط حياتهم البدويّ جيلاً بعد جيلٍ. على الرغم من أن الحياة في المراعي تبعث على الوحدة قليلاً، فإنها أيضًا حياةٌ سعيدة جدًّا. إنه ليس نمط حياةٍ سيِّئ!

النوع الثالث هو نمط حياة الصيد. يعيش قسمٌ صغير من البشر على المحيط أو على الجُزر الصغيرة. إنهم محاطون بالمياه ويواجهون المحيط. هؤلاء الناس يصيدون للحصول على لقمة العيش. ما مصدر الطعام لأولئك الذين يصيدون للحصول على لقمة العيش؟ إنه جميع أنواع الأسماك والمأكولات البحريَّة والمنتجات البحريَّة، أليس كذلك؟ عندما كانت هونغ كونغ مُجرَّد قرية صيدٍ صغيرة، كان الناس الذين يعيشون هناك يصيدون للحصول على لقمة العيش. لم يكونوا يفلحون الأرض بل كانوا يذهبون للصيد كُلّ يومٍ. كان طعامهم الأساسيّ أنواعًا مُتنوِّعة من الأسماك والمأكولات البحريَّة. كانوا يتقايضون هذه الأشياء عادةً بالأرز والدقيق والضروريَّات اليوميَّة. هذا نمط حياةٍ مختلف للناس الذين يعيشون بالقرب من المياه. يعتمد أولئك الذين يعيشون بالقرب من المياه عليه للحصول على طعامهم، وصيد الأسماك هو مصدر رزقهم. إنه مصدر رزقهم وكذلك مصدر طعامهم.

بالإضافة إلى أولئك الذين يفلحون الأرض من أجل الحصول على لقمة العيش، توجد في المقام الأوَّل أنماط الحياة الثلاثة المختلفة المذكورة أعلاه. وبالإضافة إلى أولئك الذين يعتمدون على الرعي والصيد والقنص، فإن أغلبيَّة الناس يزرعون للحصول على لقمة العيش. وما الذي يحتاج إليه الناس الذين يزرعون للحصول على لقمة العيش؟ إنهم يحتاجون إلى التربة. إنهم يعتمدون على زراعة المحاصيل لأجيالٍ. إنهم يحصلون على غذائهم وحاجاتهم اليوميَّة من الأرض سواء كانوا يزرعون الخضروات أو الفاكهة أو الحبوب.

ما الشروط الأساسيَّة لأنماط الحياة البشريَّة المختلفة هذه؟ ألا تحتاج إلى صيانةٍ أساسيَّة لبقاء بيئاتها؟ يعني هذا أنه إذا كان القنَّاصون سيخسرون الغابات الجبليَّة أو الطيور والوحوش فلن يكون لديهم مصدر رزقٍ فيما بعد. إذا فَقَدَ الناس الذين يقتاتون على القنص الغابات الجبليَّة ولم تعد لديهم الطيور والوحوش، إذا لم يعد لديهم مصدر رزقٍ، فإن مستقبلهم سيصبح غامضًا، ومن الممكن حتَّى أن يختفوا من وجه الأرض. ما الذي يعتمد عليه إذًا أولئك الذين يمتهنون الرعي مصدرًا لرزقهم؟ إنهم لا يعتمدون حقًّا على ماشيتهم بل على البيئة التي تعيش فيها ماشيتهم – المراعي. إذا لم تكن هناك مراعٍ، فأين كانوا سيرعون ماشيتهم؟ ما الذي كانت ستأكله الماشية والأغنام؟ لن تتوافر للشعوب البدوية معيشة من دون الماشية. إلى أين كانت ستذهب هذه الشعوب دون مصدرٍ لرزقها؟ كان استمرار البقاء سيصبح صعبًا جدَّا؛ لن يكون لها مستقبلٌ. ودون مصادر المياه كانت الأنهار والبحيرات ستجفّ. هل كانت جميع تلك الأسماك التي تعتمد على المياه في حياتها ستظل موجودة؟ لما وُجِدت تلك الأسماك. هل كان أولئك الناس الذين يعتمدون على المياه والأسماك مصدرًا لرزقهم سيواصلون البقاء؟ إذا لم تكن هذه الشعوب لديها طعامٌ، وإذا لم يكن لديها مصدرٌ للرزق، لما تمكَّنت من الاستمرار في البقاء. يعني هذا أنه إذا كانت توجد مشكلةٌ في معيشتها أو بقائها لما استمرَّت على قيد الحياة ولكان بالإمكان أن تختفي وتُمحى من على وجه الأرض. وإذا كان أولئك الذين يفلحون الأرض من أجل رزقهم قد فقدوا تربتهم، وإذا لم يتمكَّنوا من زرع الأشياء والحصول على طعامهم من النباتات المُتنوِّعة، فماذا كانت ستكون النتيجة؟ ألم يكن الناس سيموتون جوعًا بدون الطعام؟ وإذا مات الناس جوعًا، ألم يكن من الممكن أن يُمحى ذلك النوع من البشر؟ ولذلك فإن هذا هدف الله من الحفاظ على بيئاتٍ مُتنوِّعة. يوجد هدفٌ واحد فقط لله من الحفاظ على بيئاتٍ ونُظم بيئيَّة مُتنوِّعة والحفاظ على الكائنات الحيَّة المختلفة في كُلّ بيئةٍ – وهو رعاية جميع أنواع الناس ورعاية الناس بالعيش في بيئاتٍ جغرافيَّة مختلفة.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة