عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (ب)

الجزء الثالث

منذ البداية وحتّى اليوم، كان الإنسان وحده قادرًا على التحدّث مع الله. وهذا يعني أنه من بين جميع الكائنات الحيّة ومخلوقات الله، لم يتمكّن سوى الإنسان من التحدّث مع الله. للإنسان آذانٌ تُمكّنه من السمع، وعيونٌ تُمكّنه من الرؤية، ولديه لغته وأفكاره الخاصة وإرادته الحرّة. إنه يمتلك كل ما هو مطلوبٌ لسماع ما يقوله الله وفهم إرادته وقبول تكليفه، وهكذا يمنح الله جميع أمانيه للإنسان، ويريد أن يجعل الإنسان رفيقًا منسجمًا معه ويمكنه السير معه. منذ بداية تدبير الله، كان ينتظر من الإنسان أن يُسلّم له قلبه، وأن يدعوه لتطهيره وتجهيزه، وأن يكون مُرضيًا أمامه ومحبوبًا لديه، وأن يتّقيه ويحيد عن الشرّ. لطالما تطلّع الله إلى هذه النتيجة وانتظرها. هل يُوجد مثل هؤلاء الأشخاص في قصص الكتاب المُقدّس؟ أي، هل يُوجد أيّ أشخاصٍ في الكتاب المقُدّس يمكنهم تسليم قلوبهم لله؟ هل تُوجد أيّة واقعة سابقةٍ قبل هذا العصر؟ دعونا نواصل اليوم قراءة قصص الكتاب المُقدّس ونلقي نظرةً على ما إذا كان ما فعله هذا الشخص – أيُّوب – له أيّة صلةٍ بموضوع "تسليم قلبك لله" الذي نتحدّث عنه اليوم. دعونا نرى ما إذا كان أيُّوب مُرضيًا لله ومحبوبًا لديه.

ما انطباعكم عن أيُّوب؟ نقلًا عن النصّ الأصليّ، يقول بعض الناس إن أيُّوب كان "يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ". "يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ": هذا هو التقييم الأصليّ لأيُّوب كما هو مُسجّل في الكتاب المُقدّس. إذا استخدمتم كلماتكم الخاصة، كيف ستصفون أيُّوب؟ يقول بعض الناس إن أيُّوب كان رجلًا صالحًا وراشدًا؛ ويقول البعض إنه كان لديه إيمانٌ حقيقيّ بالله. يقول البعض إن أيُّوب كان رجلًا صالحًا وخيّرًا. لقد رأيتم إيمان أيُّوب، وهذا يعني أنه في قلوبكم تولون إيمان أيُّوب أهمّيّة كبيرة وتحسدونه عليه. دعونا اليوم إذًا نلقي نظرةً على ما كان يمتلكه أيُّوب ويسّر الله. وبعد ذلك، دعونا نقرأ الآيات الكتابيّة أدناه.

ج. أيُّوب

1. تقييم الله والكتاب المُقدّس لأيُّوب

(أيوب 1: 1) "كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ ٱسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا ٱلرَّجُلُ كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ".

(أيوب 1: 5) "وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ ٱلْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لِأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: "رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى ٱللهِ فِي قُلُوبِهِمْ". هَكَذَا كَانَ أَيُّوب يَفْعَلُ كُلَّ ٱلأَيَّامِ".

(أيوب 1: 8) "فَقَالَ يَهْوَه لِلشَّيْطَانِ: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ".

ما النقطة الأساسيّة التي ترونها في هذه الفقرات؟ تتعلّق هذه المقتطفات الثلاثة المختصرة من الكتاب المُقدّس كلها بأيُّوب. ومع أنها قصيرة، إلا أنها تكشف بوضوحٍ نوع شخصيّته. من خلال وصفها لسلوك أيُّوب اليوميّ وتصرّفه، فإنها تُخبِر الجميع أن تقييم الله لأيُّوب لم يكن بلا أساسٍ بل كان قائم على أساس صحيح. تُخبِرنا أنه سواء كان تقييم الإنسان لأيُّوب (أيوب 1: 1) أو تقييم الله لأيُّوب (أيوب 1: 8)، فكلاهما نتاجٌ لأفعال أيُّوب أمام الله والإنسان (أيوب 1: 5).

أولًا، دعونا نقرأ الآية الأولى: كَانَ رَجُلٌ فِي أَرْضِ عَوْصَ ٱسْمُهُ أَيُّوبُ. وَكَانَ هَذَا ٱلرَّجُلُ كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ". هذه الآية هي التقييم الأول لأيُّوب في الكتاب المُقدّس، وهي تقييم الكاتب لأيُّوب. وبطبيعة الحال، فإنها تُمثّل أيضًا تقييم الإنسان لأيُّوب: "وَكَانَ هَذَا ٱلرَّجُلُ كَامِلًا وَمُسْتَقِيمًا، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ". دعونا بعد ذلك نقرأ تقييم الله لأيُّوب: "لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ" (أيوب 1: 8). من بين التقييمين، جاء تقييمٌ من الإنسان وجاء التقييم الآخر من الله. هذان التقييمان لهما المحتوى نفسه. يمكن أن نرى، إذًا، أن سلوك أيُّوب وتصرّفه كانا معروفين للإنسان، كما كانا موضع مدح من الله. وهذا يعني أن سلوك أيُّوب أمام الإنسان وسلوكه أمام الله هما السلوك نفسه. لقد وضع سلوكه ودافعه أمام الله في جميع الأوقات، بحيث يمكن أن يلاحظهما الله، كما أنه كان يتّقي الله ويحيد عن الشرّ. وهكذا، في نظر الله، لم يكن سوى أيُّوب من بين الناس على وجه الأرض مَنْ كان كاملًا ومستقيمًا ومَنْ كان يتّقي الله ويحيد عن الشرّ.

مظاهر مُحدّدة من اتّقاء أيُّوب الله وحيدانه عن الشرّ في حياته اليوميّة

دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على مظاهر مُحدّدة لاتّقاء أيُّوب الله وحيدانه عن الشرّ. بالإضافة إلى المقاطع السابقة واللاحقة، دعونا أيضًا نقرأ أيُّوب 1: 5، وهي أحد المظاهر المُحدّدة لاتّقاء أيُّوب الله وحيدانه عن الشرّ. إنها تتعلّق بكيفيّة اتّقاء أيُّوب الله وحيدانه عن الشرّ في حياته اليوميّة؛ وأكثر هذه الأمور وضوحًا أنه لم يكتفِ بعمل ما كان يجب عمله نتيجة اتّقاءه الله وحيدانه عن الشرّ، بل إنه كان يُصعِد بانتظامٍ محرقات أمام الله عن أبنائه. كان يخشى من أن يكون أبناؤه "رُبَّمَا أَخْطَأَوا... وَجَدَّفُوا عَلَى اللهِ فِي قُلُوبِهِمْ" في أيام الوليمة. وكيف ظهر هذا الخوف عند أيُّوب؟ يُقدّم النصّ الأصليّ الرواية التالية: "وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ ٱلْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ". يُبيّن لنا تصرّف أيُّوب أن اتّقاءه الله، بدلاً من كونه متجلّيًا في سلوكه الخارجيّ، كان نابعًا من داخل قلبه، واتّقاء الله هذا يمكن إيجاده في كل جانبٍ من جوانب حياته اليوميّة، وفي جميع الأوقات، لأنه لم يكن يحيد عن الشرّ فحسب، بل كان كثيرًا ما يُصعِد محرقات عن أبنائه. وهذا يعني أن أيُّوب لم يكن خائفًا خوفًا شديدًا من الخطيّة أمام الله والتجديف على الله في قلبه، ولكنه كان مهمومًا أيضًا من أن يكون أبناؤه قد أخطأوا أمام الله وجدّفوا عليه في قلوبهم. يمكن أن نرى من هذا أن حقيقة اتّقاء أيُّوب الله تصمد أمام الفحص الدقيق، وأبعد من شكّ أيّ إنسانٍ. هل كان يفعل ذلك في قليلٍ أم كثيرٍ من الأحيان؟ تقول الجملة الأخيرة من النصّ: "هَكَذَا كَانَ أَيُّوب يَفْعَلُ كُلَّ ٱلأَيَّامِ". هذه الكلمات تعني أن أيُّوب لم يكن يذهب ويتفقد أبناءه من حينٍ لآخر، أو عندما كان يروق له الأمر، ولم يكن يعترف لله من خلال الصلاة. بدلًا من ذلك، كان يُرسِل بانتظامٍ ويُقدّس أبناءه ويُصعِد محرقات عنهم. لا يعني تعبير "كُلَّ الأَيَّامِ" هنا أنه فعل ذلك لمدة يومٍ أو يومين، أو للحظاتٍ. ولكنه يعني أن إظهار اتّقاء أيُّوب الله لم يكن مُؤقّتًا، ولم يتوقّف عند المعرفة أو الكلام المنطوق؛ بل كان طريق اتّقاءه الله وحيدانه عن الشرّ يُوجّه قلبه ويُملي عليه سلوكه، وكان، في قلبه، جذر وجوده. كان ما يعمله كل الأيام يُظهِر أنه، في قلبه، كان يخشى في كثيرٍ من الأحيان أن يكون هو نفسه قد أخطأ أمام الله، كما كان يخشى أن يكون أبناؤه وبناته قد أخطأوا أمام الله. إنها تُمثّل مدى تطبّع قلبه بطريق اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ. كان يفعل هذا كل الأيام لأنه، في قلبه، كان مرتعدًا وخائفًا من أن يكون قد صنع الشرّ وأخطأ أمام الله، ومن أن يكون قد حاد عن طريق الله وبذلك لم يكن بإمكانه إرضاء الله. وفي الوقت نفسه، كان مهمومًا بشأن أبنائه وبناته، خوفًا من أن يكونوا قد أخطأوا أمام الله. كان هذا هو سلوك أيُّوب الطبيعيّ في حياته اليوميّة. وهذا السلوك الطبيعيّ هو بالضبط ما يُبرهِن على أن اتّقاء أيُّوب الله وحيدانه عن الشرّ ليسا كلمات فارغة، وأن أيُّوب عاش بالفعل مثل هذا الواقع. "هَكَذَا كَانَ أَيُّوب يَفْعَلُ كُلَّ ٱلأَيَّامِ": تُخبِرنا هذه الكلمات بأفعال أيُّوب اليوميّة أمام الله. عندما كان يعمل ذلك كل الأيام، هل وصل سلوكه وقلبه أمام الله؟ أيّ هل كان الله راضيًا في كثيرٍ من الأحيان عن قلبه وسلوكه؟ وبعد ذلك، في أيّة حالةٍ وفي أيّ سياقٍ كان أيُّوب يعمل ذلك كل الأيام؟ يقول بعض الناس إن السبب وراء ذلك هو أن الله كان يتراءى لأيُّوب في كثيرٍ من الأحيان؛ ويقول البعض إنه كان يفعل ذلك كل الأيام لأنه كان يحيد عن الشرّ؛ ويقول البعض إنه ربّما اعتقد أن ثروته لم تأتِ بسهولةٍ، وكان يعلم أن الله منحه إياها، ولذلك كان يخشى بشدّةٍ من فقدان ممتلكاته نتيجة الخطيّة أمام الله أو التجديف عليه. هل أيٌّ من هذه الادعاءات صحيحٌ؟ كلا بالطبع. لأنه في نظر الله، أكثر ما كان يقبله الله ويُقدّره في قلبه تجاه أيُّوب ليس أنه كان يفعل ذلك كل الأيام فحسب، ولكن بالأحرى سلوكه أمام الله والإنسان والشيطان عندما أُسلم للشيطان لتجربته. تُقدّم الأقسام أدناه أكثر الأدلة إقناعًا، وهو الدليل الذي يُبيّن لنا حقيقة تقييم الله لأيُّوب. وبعد ذلك، دعونا نقرأ المقاطع التالية من الكتاب المُقدّس.

2. الشيطان يُجرّب أيُّوب للمرة الأولى (سرقة ماشيته والبلوى التي تحلّ بأبنائه)

أ. الكلمات التي تكلّم بها الله

(أيُّوب 1: 8) "فَقَالَ يَهْوَه لِلشَّيْطَانِ: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ".

(أيُّوب 1: 12) "فَقَالَ يَهْوَه لِلشَّيْطَانِ: "هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لَا تَمُدَّ يَدَكَ". ثمَّ خَرَجَ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ أَمَامِ وَجْهِ يَهْوَه".

ب. ردّ الشيطان

(أيُّوب 1: 9-11) "فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ يَهْوَه وَقَالَ: "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ ٱللهَ؟ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَٱنْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي ٱلْأَرْضِ. وَلَكِنِ ٱبْسِطْ يَدَكَ ٱلْآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ".

الله يسمح للشيطان بتجربة أيُّوب حتّى يتكمّل إيمان أيُّوب

أيُّوب 1: 8 هو أول تسجيل نراه في الكتاب المُقدّس للحوار بين يهوه الله والشيطان. ماذا قال الله؟ يُقدّم النصّ الأصليّ الرواية التالية: "فَقَالَ يًهْوًه لِلشَّيْطَانِ: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ". كان هذا تقييم الله لأيُّوب أمام الشيطان؛ قال الله إن أيُّوب كان رجلًا كاملًا مستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشرّ. قبل هذه الكلمات بين الله والشيطان، كان الله قد قرّر أنه سيستخدم الشيطان لتجربة أيُّوب، أي أنه سوف يُسلّم أيُّوب إلى الشيطان. من ناحية، سوف يُثبِت هذا أن ملاحظة الله وتقييمه لأيُّوب كانا دقيقين وبدون أيّ خطأ، ومن شأنهما فضح الشيطان من خلال شهادة أيُّوب. ومن ناحية أخرى، سوف يُكمّل إيمان أيُّوب واتّقاءه الله. وهكذا، عندما جاء الشيطان أمام الله لم يراوغه الله. تكلّم مباشرةً وسأل الشيطان: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي ٱلْأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي ٱللهَ وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ". يكمن المعنى التالي في سؤال الله: عرف الله أن الشيطان قد جال جميع الأماكن، وكثيرًا ما تجسّس على أيُّوب، الذي كان خادمًا لله. غالبًا ما جرّب الشيطان أيُّوب وهاجمه، محاولًا العثور على طريقةٍ لتخريب حياته وإثبات أن إيمانه بالله واتّقاءه إياه لا يمكنهما الصمود. سعى الشيطان أيضًا بسهولةٍ وراء فرصٍ لإهلاك أيُّوب لعلّه يجدّف على الله مما يسمح للشيطان التسلّط عليه من يد الله. ومع ذلك، نظر الله في قلب أيُّوب ورأى أنه كاملٌ ومستقيم، وأنه يتّقي الله ويحيد عن الشرّ. استخدم الله سؤالاً لإخبار الشيطان بأن أيُّوب كان كاملًا ومستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشرّ، وأن أيُّوب لن يُجدّف أبدًا على الله ويتبع الشيطان. بعد أن سمع الشيطان تقييم الله لأيُّوب، اغتاظ غيظًا نابعًا من الإذلال، وأصبح أكثر غضبًا، ولم يعد يطيق صبرًا لاختطاف أيُّوب، لأن الشيطان لم يعتقد قط أن شخصًا ما يمكنه أن يكون كاملًا ومستقيمًا أو أن يتّقي الله ويحيد عن الشرّ. في الوقت نفسه، كان الشيطان يكره كمال الإنسان واستقامته، ويكره الناس الذين يتّقون الله ويحيدون عن الشرّ. وهكذا يرد في أيُّوب 1: 9-11: "فَأَجَابَ ٱلشَّيْطَانُ يَهْوَه وَقَالَ: "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ ٱللهَ؟ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَٱنْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي ٱلْأَرْضِ. وَلَكِنِ ٱبْسِطْ يَدَكَ ٱلْآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ". كان الله على درايةٍ تامة بطبيعة الشيطان الشريرة، وكان يعرف جيّدًا أن الشيطان كان يعتزم منذ فترةٍ طويلة إهلاك أيُّوب، وهكذا تمنّى الله في هذا، من خلال إخبار الشيطان مرةً أخرى أن أيُّوب كان كاملًا ومستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشرّ، أن يُدخل الشيطان في الأمر فيكشف الشيطان عن وجهه الحقيقيّ بأن يهاجم أيُّوب ويُجرّبه. وهذا يعني أن الله أكّد عمدًا على أن أيُّوب كان كاملًا ومستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشرّ، وبهذه الطريقة جعل الشيطان يهاجم أيُّوب بسبب كراهية الشيطان وحقده تجاه حقيقة أن أيُّوب كان كاملًا ومستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشرّ. ونتيجةً لذلك، كان الله سيجلب العار على الشيطان من خلال حقيقة أن أيُّوب كان كاملًا ومستقيمًا يتّقي الله ويحيد عن الشرّ، وسوف يُترك الشيطان مهانًا ومهزومًا تمامًا. بعد ذلك، لم يعد الشيطان يشكّ أو يُوجّه اتّهامات بخصوص كمال أيُّوب أو استقامته أو اتّقائه الله أو حيدانه عن الشرّ. بهذه الطريقة، كانت تجربة الله وإغواء الشيطان حتميّين تقريبًا. كان الشخص الوحيد القادر على احتمال تجربة الله وإغواء الشيطان هو أيُّوب. حصل الشيطان بعد هذا الحوار على الإذن بإغواء أيُّوب. وهكذا بدأت جولة الشيطان الأولى من الهجمات. كان الهدف من هذه الهجمات هو ممتلكات أيُّوب، لأن الشيطان كان قد قدّم الاتّهام التالي ضد أيُّوب: "هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ ٱللهَ؟... بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَٱنْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي ٱلْأَرْضِ". ونتيجةً لذلك، سمح الله للشيطان بأن يأخذ كل ما كان لدى أيُّوب – وهو الهدف الوحيد من حديث الله مع الشيطان. ومع ذلك، طلب الله من الشيطان طلبًا واحدًا: "هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لَا تَمُدَّ يَدَكَ" (أيُّوب 1: 12). كان هذا هو الشرط الذي قدّمه الله بعد أن سمح للشيطان بإغواء أيُّوب وبعد أن وضع أيُّوب في يد الشيطان، وكان هو الحدّ الذي وضعه للشيطان: أمر الله الشيطان بألا يؤذي أيُّوب. لأن الله كان يعرف أن أيُّوب رجلٌ كاملٌ مستقيمٌ، وكان واثقًا من أن كمال أيُّوب واستقامته أمامه لا شكّ فيهما ويمكنهما اجتياز الاختبار، فمن ثمَّ سمح الله للشيطان بإغواء أيُّوب، لكنه فرض قيدًا على الشيطان: سُمِح للشيطان بأن يأخذ جميع ممتلكات أيُّوب، لكنه لم يُسمح له بأن يمسّ شعرة منه. ماذا يعني هذا؟ يعني أن الله لم يُسلّم أيُّوب تمامًا إلى الشيطان حينها. كان يمكن للشيطان إغواء أيُّوب بأيّة طريقةٍ أرادها، ولكن لم يكن بإمكانه أن يؤذي أيُّوب نفسه، ولا حتّى شعرة واحدة من شعر رأسه، لأن الله يتحكّم بكل ما في الإنسان، ويقرّر ما إذا كان الإنسان يعيش أو يموت، أمّا الشيطان فليس لديه هذا الامتياز. بعد أن قال الله هذه الكلمات إلى الشيطان، لم يسع الشيطان الانتظار حتّى يبدأ. استعمل كل وسيلةٍ لإغواء أيُّوب، وسرعان ما فقد أيُّوب أغنامه وثيرانه وجميع ممتلكاته التي منحها الله إياه... هكذا جاءت تجارب الله عليه.

مع أن الكتاب المُقدّس يخبرنا عن أصول تجربة أيُّوب، هل كان أيُّوب نفسه، الشخص الذي تعرّض لهذا الإغواء، مدركًا لما كان يحدث؟ كان أيُّوب مُجرّد إنسان، وبالطبع لم يكن يعرف شيئًا عن القصة التي تتكشّف من ورائه. ومع ذلك، فإن اتّقاءه الله وكماله واستقامته جعله يُدرِك أن تجارب الله قد حلّت عليه. لم يكن يعرف ما حدث في العالم الروحيّ، ولا أن نوايا الله وراء هذه التجارب. لكنه كان يعلم أنه بغضّ النظر عما حدث له، فإنه يجب أن يظل صادقًا في كماله واستقامته، وأن يلتزم بطريق اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ. كان موقف أيُّوب وردّ فعله تجاه هذه الأمور واضحين أمام الله. وماذا رأى الله؟ رأى قلب أيُّوب الذي يتّقي الله، لأنه من البداية لحين تجربة أيُّوب، بقي قلب أيُّوب مفتوحًا لله ومنبسطًا أمام الله، ولم يتخلّ أيُّوب عن كماله أو استقامته، ولم يحد أو يبتعد عن طريق اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ – ولم يُوجد شيءٌ أكثر من ذلك يمكن أن يكون مُرضيًا لله. بعد ذلك، سوف ننظر إلى ماهية التجارب التي تعرّض لها أيُّوب وكيف تعامل معها. دعونا نقرأ الكتاب المُقدّس.

ج. ردّ فعل أيُّوب

(أيُّوب 1: 20-21) "فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ، وَقَالَ: "عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. يَهْوَه أَعْطَى ويَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا".

قرار أيُّوب بإعادة كل ما يملكه نابعٌ من اتّقائه الله

بعد أن قال الله للشيطان: "هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لَا تَمُدَّ يَدَكَ"، غادر الشيطان، وبعدها بفترةٍ وجيزة تعرّض أيُّوب لهجومٍ مفاجئ وشرس: أولًا، نُهِبَت ثيرانه وحميره وقُتِلَ عبيده؛ وبعد ذلك، أُحرقت خرافه وعبيده لحدّ الدمار؛ وبعد ذلك، أُخذت جِماله وقُتِلَ عبيده؛ وأخيرًا، مات أبناؤه وبناته. كانت هذه السلسلة من الهجمات هي العذاب الذي عانى منه أيُّوب أثناء الإغواء الأول. وبحسب أمر الله، لم يستهدف الشيطان خلال هذه الهجمات سوى ممتلكات أيُّوب وأولاده، ولم يؤذِ أيُّوب نفسه. ومع ذلك، تحوّل أيُّوب على الفور من رجلٍ غنيّ يمتلك ثروة عظيمة إلى شخصٍ لم يكن لديه أيّ شيءٍ. لم يكن بمقدور أحدٍ أن يقاوم هذه الضربة المفاجئة المذهلة أو التعامل معها تعاملًا صحيحًا، إلا أن أيُّوب أظهر جانبه الاستثنائيّ. يُقدّم الكتاب المُقدّس الوصف التالي: "فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ". كان هذا أول ردّ فعلٍ لأيُّوب بعد سماعه أنه فقد أبناءه وجميع ممتلكاته. في الأساس، لم يبدُ متفاجئًا أو مصابًا بالذعر، فضلاً عن أنه لم يُعبّر عن غضبه أو كراهيته. ترى، إذًا، أنه أدرك بالفعل في قلبه أن هذه الكوارث لم تحدث بالمصادفة أو تسبّبت بها يد الإنسان، وبالطبع لم تكن نتيجة جزاءٍ أو عقاب. بل حلّت عليه تجارب يهوه الله؛ كان يهوه الله هو من أراد أخذ ممتلكاته وأولاده. كان أيُّوب هادئًا جدًّا وصافي الذهن في ذلك الوقت. مكّنته شخصيّته الكاملة المستقيمة من اتّخاذ أحكامٍ وقرارات دقيقة بصورةٍ عقلانيّة وطبيعيّة بخصوص المصائب التي حلّت به، ونتيجةً لذلك، تصرّف بهدوءٍ غير عاديّ: "فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ". "مَزَّقَ جُبَّتَهُ" تعني أنه كان عريانًا ولا يملك أيّ شيءٍ؛ و"جَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ" تعني أنه عاد أمام الله مثل طفلٍ حديث الولادة؛ و"خَرَّ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ" تعني أنه جاء إلى العالم عريانًا وما زال ليس لديه أيّ شيءٍ اليوم وأنه عاد إلى الله مثل طفلٍ حديث الولادة. لم يكن من الممكن لأيّ مخلوقٍ من مخلوقات الله أن يكون له موقف أيُّوب تجاه كل ما أصابه. إيمانه بيَهْوَه الله تجاوز عالم الإيمان؛ كان هذا اتّقاؤه الله وطاعته إياه، ولم يكن بمقدوره شكر الله على ما يعطيه فحسب، بل أيضًا على ما يأخذه منه. والأهمّ من ذلك أنه تمكّن من أن يأخذ على عاتقه إعادة كل ما يملكه، بما في ذلك حياته.

اتّقاء أيُّوب الله وطاعته إياه مثالٌ للجنس البشريّ، كما أن كماله واستقامته كانا ذروة المثال الإنسانيّ الذي يجب أن يتّسم به الإنسان. مع أنه لم يرَ الله، إلا أنه أدرك أنه موجودٌ بالفعل، وبسبب هذا الإدراك كان يتّقي الله – وبسبب اتقائه الله، استطاع أن يطيعه. سمح لله بأن يأخذ كل ما لديه، ولكنه لم يكن يشتكي، كما أنه سجد أمام الله وأخبره أنه في هذه اللحظة حتّى لو أخذ الله جسده فسوف يسرّه أن يسمح له بذلك دون شكوى. كان سلوكه كله يرجع لشخصيّته الكاملة المستقيمة. وهذا يعني أنه نتيجة لبراءة أيُّوب وأمانته ولطفه، فإنه كان راسخًا في إدراكه واختباره لوجود الله، وعلى هذا الأساس أخضع نفسه ووحّد تفكيره وسلوكه وتصرّفه ومبادئ أعماله أمام الله وفقًا لإرشاد الله له وأعمال الله التي رآها بين جميع الأشياء. ومع مرور الوقت، ولّدت اختباراته فيه اتّقاءً حقيقيًا وفعليًا لله وجعلته يحيد عن الشرّ. كان هذا هو مصدر الاستقامة التي تمسّك بها أيُّوب. كان أيُّوب يتّسم بشخصيّةٍ مستقيمة وبريئة وطيّبة، وكان لديه اختبارٌ فعليّ في اتّقاء الله وطاعته والحيدان عن الشرّ، بالإضافة إلى معرفة أن "يَهْوَه أَعْطَى ويَهْوَه أَخَذَ". وبفضل هذه السمات وحدها استطاع الثبات والشهادة وسط هجمات الشيطان الشريرة هذه، وبفضلها وحدها لم يُخيّب أمل الله بل قدّم إجابة مُرضية لله عندما حلّت به تجارب الله. ومع أن سلوك أيُّوب أثناء الإغواء الأول كان واضحًا جدًا، إلا أن الأجيال اللاحقة لم تتمكّن من بلوغ هذا القدر من الوضوح حتّى بعد مجهودٍ طويل الأمد، كما أنها لم تكن بالضرورة تتّسم بسلوك أيُّوب الموصوف أعلاه. واليوم، بمواجهة سلوك أيُّوب الصريح، وبمقارنته مع صرخات وصيحات "الطاعة المطلقة والولاء حتّى الموت" التي يُظهِرها لله أولئك الذين يدّعون الإيمان به واتّباعه، هل تشعرون بالخجل الشديد أم لا؟

عندما تقرأ في الكتاب المُقدّس عن كل ما عاناه أيُّوب وعائلته، ما ردّ فعلك؟ هل تتوه في أفكارك؟ هل تشعر بالذهول؟ هل يمكن وصف التجارب التي أصابت أيُّوب بأنها "مرعبة"؟ هذا يعني أنه من المُروّع بما فيه الكفاية قراءة تجارب أيُّوب كما هي موصوفةٌ في الكتاب المُقدّس وعدم وصف كيفيّة حدوثها في الواقع. ترى، إذًا، أن ما أصاب أيُّوب لم يكن "تدريبًا عمليًا" بل "معركة" حقيقيّة تتضمّن "مسدّسات" و"رصاصات" حقيقيّة. ولكن بيَدِ مَنْ خضع لهذه التجارب؟ لقد نفّذها بالطبع الشيطان، لقد نفّذها بالطبع الشيطان شخصيًّا، ولكن بسماح من الله. هل أخبر الله الشيطان بأيّة طرقٍ يُجرّب أيُّوب؟ لم يفعل ذلك. أعطاه الله شرطًا واحدًا فحسب، وبعد ذلك تعرّض أيُّوب للتجربة. عندما تعرّض أيُّوب للتجربة، شعر الناس بشرّ الشيطان وبشاعته، وبخبثه وكراهيته للإنسان، وبعدائه لله. نرى في هذا أن الكلمات لا يمكنها وصف مدى قسوة هذه التجربة. يمكن القول إن الطبيعة الشريرة التي أساء بها الشيطان للإنسان ووجهه القبيح انكشفا بالكامل في هذه اللحظة. استخدم الشيطان هذه الفرصة، الفرصة التي أتاحها سماح الله، لإخضاع أيُّوب للإساءة الشديدة الضارية التي لا يمكن للناس اليوم تصوّر أو تحمّل طريقة ومستوى وحشيّتها. بدلًا من القول بأن أيُّوب جرّبه الشيطان وظلّ ثابتًا في شهادته خلال هذه التجربة، من الأفضل القول بأنه في التجارب التي قرّرها الله لأيُّوب، انبرى أيُّوب في منافسةٍ مع الشيطان لحماية كماله واستقامته، وللدفاع عن طريقه في اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ. فقد أيُّوب في هذه المنافسة آلاف الأغنام والماشية، وخسر جميع ممتلكاته، وفقد أبناءه وبناته، ولكنه لم يتخلّ عن كماله أو استقامته أو اتّقائه الله. وهذا يعني أنه في هذه المنافسة مع الشيطان فضّل أن يكون محرومًا من ممتلكاته وأولاده عن أن يفقد كماله واستقامته واتّقائه الله. لقد فضّل التمّسك بجذر رجولته. يُقدّم الكتاب المُقدّس وصفًا موجزًا للعمليّة بأكملها التي فقد بها أيُّوب أمواله، كما يُوثّق سلوك أيُّوب وموقفه. هذه الأوصاف المقتضبة الموجزة تُشعِرك بأن أيُّوب كان أشبه بكونه مسترخيًا في مواجهة هذه التجربة، ولكن في حال إعادة عمل ما حدث بالفعل، إضافة إلى الطبيعة الخبيثة للشيطان، فلن تكون الأمور بسيطة أو سهلة كما تصفها هذه العبارات. كان الواقع أشدّ قسوةٍ. هذا هو مستوى الخراب والكراهية الذي يعامل به الشيطان الجنس البشريّ وجميع من يقبلهم الله. إذا لم يكن الله قد طلب من الشيطان عدم إيذاء أيُّوب، لكان الشيطان قد قتل أيُّوب دون شكٍّ دون أيّ ندمٍ. فالشيطان لا يريد أحدًا يعبد الله، ولا يتمنّى من أولئك الذين هم أبرارٌ في نظر الله وكاملون ومستقيمون أن يستمرّوا في اتّقائهم الله وحيدانهم عن الشرّ. أن يتّقي الناس الله ويحيدوا عن الشرّ معناه أنهم يتجنّبون الشيطان ويتركونه، وهكذا استفاد الشيطان من سماح الله فصبّ جام غضبه وكراهيته على أيُّوب بلا رحمةٍ. ترى، إذًا، مدى شدّة العذاب الذي عاناه أيُّوب، في عقله وجسده، ومن الخارج والداخل. لا نرى اليوم كيف كان الأمر في ذلك الوقت، ولكن يمكننا من روايات الكتاب المُقدّس أن ننظر بلمحةٍ موجزة مشاعر أيُّوب عندما تعرّض للعذاب في ذلك الوقت.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة