كيفية السعي إلى الحق (13) الجزء الثالث

ماذا أعطتك عائلتك إلى جانب تربيتك وتوفير المأكل والملبس والتعليم لك؟ لم تقدم لك سوى المتاعب، أليس كذلك؟ (بلى). لو لم تكن قد ولدت في مثل هذه العائلة، لما وُجِدت كل التأثيرات التكييفية المختلفة التي وضعتها عائلتك فيك. لم يكن تكييف عائلتك ليوجد، لكن التأثيرات التكييفية للمجتمع كانت ستظل موجودة – لا يمكنك الهروب منها. أيًا يكن المنظور الذي تنظر به إلى الأمر، سواء كانت هذه التأثيرات التكييفية، تأتي من الأسرة أو من المجتمع، فإنَّ هذه الأفكار والآراء تنشأ أساسًا من الشيطان. كل ما في الأمر أن كل عائلة تتقبل مختلف هذه المقولات من المجتمع بدرجات متفاوتة من الاقتناع والتركيز على نقاط مختلفة. بعد ذلك، يستخدمون من الأساليب ما يتوافق مع كل منها، لتثقيف الجيل القادم من عائلتهم وتكييفه. كل شخص يتلقى جميع أنواع التكييف بدرجات متفاوتة، بناءً على العائلة التي ينحدر منها، لكن الواقع أنَّ هذه التأثيرات التكييفية تنشأ من المجتمع ومن الشيطان. كل ما في الأمر أن هذه التأثيرات التكييفية تُغرس في أذهان الناس بعمق من خلال وسيط هو كلمات الآباء والأمهات وأفعالهم الملموسة بدرجة أكبر، وباستخدام أساليب مباشرة بدرجة أكبر تجعل الناس أكثر استعدادًا لها، بحيث يتقبل الناس هذا التكييف، ويصبح مبادئهم وطرق تعاملهم مع العالم، ويصبح أيضًا الأساس الذي يرون به الناس والأشياء ويتصرفون ويفعلون. على سبيل المثال، الفكرة ووجهة النظر التي تحدثنا عنها للتو: "عندما يضرب شخص ما جرسًا، استمع إلى رنينه، وعندما يتحدث شخص ما، استمع إلى ما يقوله" – هي أيضًا تأثير تكييفي مستمد من عائلتك. وبغض النظر عن نوع التأثير التكييفي الذي تمارسه العائلة على الناس، فإنهم يرونه من منظور أفراد العائلة، ومن ثم يقبلونه كأمر إيجابي، وكتعويذة شخصية خاصة بهم، يستخدمونها لحماية أنفسهم. وذلك لأن الناس يعتقدون أن كل ما يأتيهم من آبائهم هو نتيجة لممارسة آبائهم وخبرتهم. ومن بين كل الناس في العالم، آباؤهم وأمهاتهم فقط هم الذين لن يؤذوهم، وهم وحدهم من يريدون لهم حياة أفضل ويريدون حمايتهم. لذلك، يقبل الناس مختلف الأفكار والآراء من والديهم دون أي تمييز. وبهذه الطريقة، يقبلون بطبيعة الحال تكييف هذه الأفكار والآراء المختلفة لهم. وفور تكييف مختلف هذه الأفكار والآراء للناس، فإنهم لا يشكّون فيها أبدًا أو يميزونها على حقيقتها، لأنهم غالبًا ما يسمعون آباءهم يقولون مثل هذه الأشياء. على سبيل المثال، "الوالدان دائمًا على حق". ماذا تعني هذه المقولة؟ إنها تعني أنه بغض النظر عما إذا كان والداك على صواب أو خطأ، فكل ما يفعلانه هو الصواب بالنسبة إليك، وهذا بالأساس لأنهما أنجباك وربياك. لا يمكنك الحكم على ما إذا كانا مصيبين أم مخطئين، ولا يمكنك رفضهما، ناهيك عن مقاومتهما. هذا يسمى البر بالوالدين. حتى لو كان والداك قد أخطآ، وحتى لو كانت بعض أفكارهما وآرائهما قديمة أو خاطئة، أو كانت طريقة تعليمهما لك وأفكارهما وآرائهما التي يربيانك عليها ليست صحيحة أو إيجابية، فلا يجب عليك التشكيك فيها أو رفضها، لأن هناك مقولة بشأن ذلك وهي: "الوالدان دائمًا على حق". عندما يتعلق الأمر بالوالدين، لا يجب عليك أبدًا أن تميّز أو تقيّم ما إذا كانا على صواب أو خطأ، لأن حياة الأبناء وكل ما يملكونه تأتي من والديهم. لا أحد يعلو على والديك، لذلك إذا كان لديك ضمير، فلا يجب أن تنتقدهما. مهما يكن والداك مخطئين أو ليسا على صواب أو غير مثاليين، فهما يظلان والداك. هما أقرب الناس إليك، وهما من ربياك، وهما أفضل من يعاملك، وهما من أعطياك الحياة. ألا يقبل الجميع هذه المقولة؟ وبسبب وجود هذه العقلية تحديدًا، يعتقد والداك أن بإمكانهما أن يعاملاك بلا ضمير، وأن يستخدما أساليب مختلفة لتوجيهك نحو القيام بجميع أنواع الأشياء، ويغرسان فيك أفكارًا مختلفة. يعتقدان من وجهة نظرهما: "دوافعي صحيحة، وهذا من أجل مصلحتك. كل ما لديك أخذته مني. لقد أنجبتك وربيتك، لذا لا يمكن أن أكون مخطئًا أيًا كانت الطريقة التي أعاملك بها، لأن كل ما أفعله لمصلحتك ولن أؤذيك أو أضرك". من وجهة نظر الأبناء، هل من الصواب أن يكون موقفهم تجاه والديهم مبنيًا على هذه المقولة: "الوالدان دائمًا على حق"؟ (لا، هذا خطأ). إنه بالتأكيد خطأ. إذن، كيف ينبغي لك تمييز هذا القول؟ من كم جانب يمكننا أن نشرِّح عدم صحة هذه المقولة؟ إذا نظرنا إليها من منظور الأبناء، فإن حياتهم وأجسادهم تأتي من والديهم اللذان – بسبب عطفهم – يربونهم ويعلمونهم أيضًا، لذلك يجب على الأبناء أن يطيعوا كل كلمة من والديهم، وأن يفوا بالتزامهم البنوي، وألا يعيبوا في والديهم. الدلالة الخفية لهذه الكلمات هو أنك ينبغي عليك ألا تميز والديك على حقيقتهما. إذا حللنا الأمر من هذا المنظور، فهل هذا الرأي صحيح؟ (لا، إنه خاطئ). كيف يجب أن نتعامل مع هذا الأمر وفقًا للحق؟ ما هي الطريقة الصحيحة لصياغة الأمر؟ هل أجساد الأطفال وأرواحهم هبة من آبائهم وأمهاتهم؟ (لا). يولد جسد الإنسان من والديه، ولكن من أين تأتي قدرة الوالدين على إنجاب الأطفال؟ (إنها معطاة من الله وتأتي من الله). ماذا عن نفس الإنسان؟ من أين تأتي؟ هي أيضًا تأتي من الله. إذن، في الأصل، الله هو مَن خلق الناس، وكل هذا قدره الله مسبقًا. الله هو الذي قدَّر مسبقًا لك أن تولد في هذه العائلة. أرسل الله نفسًا إلى هذه العائلة، ثم وُلدتَ أنت من هذه العائلة، ولديك هذه العلاقة المُقدَّرة مسبقًا مع والديك – كان هذا مُقدَّرًا من الله. تمكَّن والداك من إنجابك وولدت لهذه العائلة بسبب سيادة الله وتقديره المسبق. هكذا تكون رؤية الأمر من الجذور. لكن ماذا لو لم يكن الله قد قدَّر الأمور مسبقًا بهذه الطريقة؟ لم يكن والداك سينجبانك أبدًا، ولما وُجِدَت هذه العلاقة الأبوية – البنوية بينك وبينهما. لم تكن لتوجد صلة دم، ولا عاطفة أسرية، ولا صلة على الإطلاق. لذلك، من الخطأ أن نقول إن حياة الشخص تُمنح له من والديه. ثمة جانب آخر هو أنه، برؤية الأمر من منظور الطفل، فإن والديه أكبر منه بجيل. لكن فيما يتعلق بجميع البشر، فالآباء والأمهات مثل أي شخص آخر، أي إنهم جميعًا أفراد من الجنس البشري الفاسد، وجميعهم لديهم شخصيات الشيطان الفاسدة. إنهما لا يختلفان عن أي شخص آخر، ولا يختلفان عنك. على الرغم من أنهما أنجباك جسديًا، ومن حيث علاقة الجسد والدم، فهما أكبر منك بجيل، ومع ذلك من حيث جوهر الشخصية البشرية، فإنكم تعيشون جميعًا تحت سيطرة الشيطان، وقد أفسدكم الشيطان جميعًا ولديكم شخصيات فاسدة وشيطانية. وبالنظر إلى حقيقة أن جميع الناس لديهم شخصيات فاسدة وشيطانية، فإن جواهر جميع الناس متشابهة. وبغض النظر عن الاختلافات في الأقدمية أو عمر المرء، أو مدى تبكير مجيئه إلى هذا العالم أو تأخره، فإن الناس في الأساس لديهم جوهر الشخصية الفاسدة نفسه، فهم جميعًا بشر أفسدهم الشيطان، ولا يختلفون في هذا الصدد. وبغض النظر عما إذا كانت إنسانيتهم جيدة أم سيئة، فلأن شخصياتهم فاسدة، هم يتبنون نفس وجهات النظر والمواقف في رؤية الناس والأمور وفي التعامل مع الحق. لا يوجد فرق بينهم من هذا المنطلق، كما أن كل من يعيش وسط هذا الجنس البشري الشرير يتقبل مختلف الأفكار والآراء التي تكثر في هذا العالم الشرير، سواء من حيث الكلمات أو الأفكار، أو سواء من حيث الشكل أو الأيديولوجية، ويتقبل كل أنواع الأفكار من الشيطان، سواء من خلال التعليم الحكومي أو تكييف الأعراف الاجتماعية. هذه الأشياء لا تتماشى مع الحق إطلاقًا. ليس ثمة حق فيها، والناس بالتأكيد لا يفهمون ما هو الحق. من وجهة النظر هذه، الوالدان وأبناؤهم متساوون ولديهم الأفكار والآراء نفسها. كل ما في الأمر أن والديك قد تقبلا هذه الأفكار والآراء قبل 20 أو 30 عامًا، بينما تقبلتها أنت بعد ذلك بقليل. معنى هذا أنه – نظرًا إلى أنَّ لديك الخلفية الاجتماعية نفسها – ما دمت شخصًا عاديًا، فإنك ووالديك قد قبلتم الفساد نفسه من الشيطان، وتكييف الأعراف الاجتماعية، والأفكار والآراء نفسها التي تنبع من مختلف الاتجاهات الشريرة في المجتمع. من وجهة النظر هذه، الأبناء من نوع والديهم نفسه. ومن وجهة نظر الله، وبغض النظر عن الفرضية القائلة بأن الله هو الذي يعيِّن ويقدِّر سلفًا ويختار، فإن كلًا من الوالدين وأبنائهم متشابهون في نظر الله من حيث إنهم كائنات مخلوقة، وسواء كانوا كائنات مخلوقة تعبد الله أم لا، فإنهم جميعًا في مجموعهم معروفون بأنهم كائنات مخلوقة، وكلهم يقبلون سيادة الله وتنظيماته وترتيباته. من وجهة النظر هذه، يتمتع الآباء وأبناؤهم في الواقع بمكانة متساوية في نظر الله، ويقبلون جميعًا سيادة الله وترتيباته بشكل متشابه ومتساوٍ. هذه حقيقة موضوعية. إذا كانوا جميعًا مختارين من الله، فكلهم لديه فرص متساوية للسعي إلى الحق. ولديهم أيضًا بالطبع فرص متساوية لقبول توبيخ الله ودينونته، وفرص متساوية للخلاص. بخلاف أوجه التشابه المذكورة أعلاه، ثمة فرق واحد فقط بين الآباء وأبنائهم، وهو أن ترتيب الآباء فيما يسمى بالتسلسل الهرمي العائلي أكبر من ترتيب أبنائهم. ما المقصود بترتيبهم في التسلسل الهرمي للعائلة؟ المقصود أنهم يكبرونهم بجيل واحد، بمقدار 20 أو 30 عامًا؛ وليس ذلك أكثر من فارق كبير في العمر. وبسبب المكانة الخاصة للوالدين، يجب على الأبناء أن يكونوا بارين بوالديهم وأن يفوا بالتزاماتهم تجاه والديهم. هذه هي المسؤولية الوحيدة التي تقع على عاتق الشخص تجاه والديه. ولكن نظرًا لأن الأبناء والآباء كلهم جزء من الجنس البشري الفاسد نفسه، فإن الآباء ليسوا نماذج أخلاقية لأبنائهم، ولا هم معيارًا أو قدوة لأبنائهم في سعيهم إلى الحق، ولا هم قدوة لأبنائهم في العبادة والخضوع لله. وليس الآباء تجسيدًا للحق بالطبع، فالناس ليسوا ملزمين باعتبار والديهم قدوة أخلاقية وشخصيات يجب طاعتها دون شرط، ولا هم مسؤولين عن ذلك. يجب ألا يخشى الأبناء من تمييز سلوك والديهم وأفعالهم وجوهر تصرفاتهم؛ بمعنى أنه عندما يتعلق الأمر بتعامل الناس مع والديهم، يجب ألا يلتزموا بأفكار وآراء مثل "الوالدان دائمًا على حق". تستند هذه النظرة إلى حقيقة أنَّ الوالدين يتمتعان بمكانة خاصة، من حيث إنهما أنجباك بتعيين من الله، وأنهما يكبرانك بعشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين أو خمسين عامًا. ومن منظور علاقة اللحم والدم هذه وحدها، يختلفان عن أبنائهما من حيث وضعهما وترتيبهما في التسلسل الهرمي للعائلة. ولكن بسبب هذا الاختلاف، يعتبر الناس أن آباءهم ليس لديهم أخطاء على الإطلاق. هل هذا صحيح؟ هذا خطأ وغير منطقي ولا يتفق مع الحق. يتساءل بعض الناس كيف ينبغي على المرء أن يعامل والديه، بالنظر إلى أن الآباء والأبناء تربطهم هذه العلاقة من لحم ودم. إذا كان الوالدان مؤمنين بالله، فيجب معاملتهما وفقًا لذلك، كمؤمنين، وإذا كانا غير مؤمنين بالله، فيجب معاملتهما وفقًا لذلك، كغير مؤمنين. أيًا كان نوع الوالدين، فيجب أن يُعاملوا وفقًا لمبادئ الحق المقابلة. إن كانا إبليسين، فيجب أن تقول إنهما إبليسان. إذا لم تكن لديهما إنسانية، فيجب أن تقول إنهما ليس لديهما إنسانية. إذا كانت الأفكار والآراء التي يعلمونك إياها لا تتماشى مع الحق، فلا يجب عليك الاستماع إليها أو قبولها، ويمكنك تمييزها على حقيقتها وفضحها. إذا قال والداك: "أنا أفعل ذلك من أجل مصلحتك"، وثارا في نوبة غضب وأثارا ضجة، فهل ستهتم؟ (لا، لن أهتم). إذا كان والداك غير مؤمنين، فلا تعيرهما أي اهتمام، واترك الأمر عند هذا الحد. إذا أثارا ضجة كبيرة، فسترى أنهما إبليسان ولا شيء أقل من ذلك. هذه الحقائق المتعلقة بالإيمان بالله هي الأفكار والآراء التي يحتاج الناس إلى قبولها أكثر من غيرها. إذا كانوا لا يستطيعون قبولها أو الاقتناع بها، فأي نوع من الأشياء هم؟ إنهم لا يفهمون كلام الله، لذا فهم دون البشر، أليس كذلك؟ عليكم أن تفكروا هكذا: "على الرغم من أنكما والداي، فأنتما لا تملكان الإنسانية. أشعر بالخزي حقًا لكونكما أبواي! الآن يمكنني أن أميزكما على حقيقتكما. أنتما لا تملكان روحًا إنسانية في داخلكما، أنتما لا تفهمان الحق، لا تستطيعان حتى الاستماع إلى مثل هذه التعاليم الواضحة والبسيطة، ومع ذلك ما زلتما تطلقان تعليقات طائشة وتقولان افتراءات. أنا أفهم ذلك الآن، وقد قاطعتكما في قلبي تمامًا. لكن في الظاهر، لا يزال عليّ أن أجاريكما، ولا يزال عليّ أن أفي ببعض مسؤولياتي والتزاماتي بوصفي ابنكما. سأشتري لكما بعض منتجات الرعاية الصحية إذا كانت لدي الوسائل للقيام بذلك، ولكن إذا لم تكن لدي الوسائل، فسآتي لزيارتكما، وهذا كل شيء. لن أدحض آراءكما، مهما قلتما. أنتما أحمقان، وسأترككما على هذا النحو. ماذا يمكنني أن أقول لإبليسين مثلكما، لا يقبلان العقل؟ مراعاةً لحقيقة أنكما أنجبتماني وكل السنوات التي قضيتماها في تربيتي، سأستمر في زيارتكما والاهتمام بكما. لولا ذلك ما اهتممت بكِما على الإطلاق، ولما رغبت في رؤيتكما ما حييت". لماذا لا ترغب في رؤيتهما مرة أخرى أو أن تكون لك بهما أي علاقة؟ لأنك تفهم الحق، ورأيت حقيقة جوهرهما، ورأيت حقيقة كل الأفكار والآراء الباطلة المختلفة التي لديهما، ومن هذه الأفكار والآراء الباطلة تدرك غبائهما وتعنتهما وشرهما، وترى بوضوح أنهما إبليسان، ولذلك تشعر بالنفور منهما والاشمئزاز منهما، ولا تريد رؤيتهما. وفقط بسبب ذلك القدر الضئيل من الضمير الموجود بداخلك تشعر بأنك مضطر إلى الوفاء ببعض مسؤولياتك وواجباتك البنوية كابن أو ابنة، فتزورهما في رأس السنة وفي عطلات المصارف، وتكتفي بهذا. ما داما لم يعوقاك عن الإيمان بالله أو القيام بواجبك، فاذهب لزيارتهما عندما يتاح لك الوقت. إذا كنت لا ترغب حقًا في رؤيتهما، فقط اتصل بهما للسؤال عن أحوالهما، وأرسل لهما بعض المال عبر البريد بين الحين والآخر، واشترِ لهما بعض الأشياء المفيدة. سواء كان ذلك من خلال الاعتناء بهما، أو زيارتهما، أو شراء الملابس لهما، أو إظهار الاهتمام برفاههما، أو رعايتهما عندما يمرضان – كل هذا مجرد وفاء بالتزامات البر بالوالدين وإشباع احتياجات المرء الخاصة من حيث المشاعر والضمير. هذا كل ما في الأمر، ولا يعتبر ممارسة للحق. مهما كان مدى اشمئزازك منهما، أو مدى قدرتك على رؤية حقيقة جوهرهما، ما داما على قيد الحياة، فيجب عليك الوفاء بالتزاماتك الضرورية كابن أو ابنة، وعليك تحمل المسؤوليات الضرورية. لقد اعتنى بك والداك عندما كنت صغيرًا، وعندما يكبران في السن، يجب عليك أن تعتني بهما ما دامت لديك القدرة على ذلك. دعهما يزعجانك إذا أرادا ذلك. ما دمت لا تستمع إلى الأفكار والآراء التي يحاولان غرسها فيك، ولا تقبل ما يقولانه، ولست تتركهما يزعجانك أو يقيّدانك، فلا بأس بذلك إطلاقًا، وهو يثبت أنك قد نموت في القامة وأنك بالفعل متمسك بشهادتك أمام الله. لن يدينك الله لأنك تهتم بهما ولن يقول: "لماذا أنت عاطفي جدًا؟ لقد قبلت الحق وتسعى إليه، فكيف لا تزال تعتني بهما؟". هذه هي المسؤولية الأساسية والالتزام الأساسي الذي يجب أن تسلك بحسبهما: الوفاء بالتزاماتك ما دامت الظروف تسمح. هذا لا يعني أنك عاطفي، ولن يدينك الله بسبب ذلك. بالطبع، في هذا العالم، بخلاف والديك – وهما الشخصان اللذان يجب أن تفي بالتزاماتك ومسؤولياتك تجاههما – ليس لديك أي مسؤوليات والتزامات تجاه أي شخص آخر؛ لا تجاه إخوتك ولا رفاقك ولا مختلف أعمامك وعماتك. ليس لديك أي التزام أو مسؤولية لفعل أي شيء لإرضائهم، أو التودد إليهم، أو مساعدتهم. أليس كذلك؟ (بلى).

هل كنت واضحًا فيما قلته عن الادعاء بأن "الوالدين دائمًا على حق"؟ (نعم). من هما الوالدان؟ (بشر فاسدون). هذا صحيح، الوالدان بشر فاسدون. إذا كنت تفتقد والديك في بعض الأحيان، وتفكر قائلًا: "كيف كان حال والديّ في السنتين الماضيتين؟ هل افتقداني؟ هل تقاعدا؟ هل يواجهان أي صعوبات في الحياة؟ هل لديهما من يعتني بهما عندما يمرضان؟" لنفترض أنك تفكر في هذه الأشياء وتفكر أيضًا: "الوالدان دائمًا على حق. اعتاد والداي على ضربي وتوبيخي لأنهما كانا غاضبين لأنني لم أكن أستطيع أن أرتقي لمستوى توقعاتهما، ولأنهما كانا يحبانني حبًا جمًا. والداي أفضل من أي شخص آخر، فهما أكثر من يحبني في العالم. والآن بينما أفكر في صفات والديّ السيئة، لم أعد أراها صفات سيئة، لأن الوالدين دائمًا على حق". وكلما أمعنت التفكير في هذا الأمر، زادت رغبتك في رؤيتهما. هل من الجيد التفكير بهذه الطريقة؟ (كلا، ليس جيدًا). كلا، ليس جيدًا. كيف ينبغي أن تفكر إذن؟ تأمل في الأمر: "كان والداي يضرباني ويوبخاني ويهزان تقديري لذاتي عندما كنت طفلًا. لم يقولا لي كلمة طيبة أو يشجعاني أبدًا. كانا يجبرانني على الدراسة، وأجبراني أيضًا على تعلم الرقص والغناء، والدراسة من أجل مسابقة الرياضيات؛ كلها أشياء لا أحبها. كان والداي مزعجين حقًا. والآن أنا مؤمن بالله وقد تحررت. تركت المنزل لأداء واجبي قبل حتى أن أنهي دراستي الجامعية. إن الله وحده هو الصالح. أنا لا أفتقد والديّ. لقد منعاني من الإيمان بالله. والداي شيطانان". ثم تأمل مرة أخرى ما يلي: "هذا ليس صحيحًا. الوالدان دائمًا على حق. والداي هما أقرب الناس إليّ، لذلك من الصواب تمامًا أن أفتقدهما". هل هذا التفكير صحيح؟ (كلا، إنه خاطئ). إذن ما هي الطريقة الصحيحة للتفكير؟ (لقد اعتدنا أن نفكر أنه مهما فعل والدينا فإنهما يفعلان ذلك بدافع الاهتمام بنا، وأنهما يحسنان إلينا في كل ما يفعلانه، وأنهما لن يؤذيانا أبدًا. لقد جعلتني الشركة مع الله الآن أدرك أن والديّ هما أيضًا بشر فاسدان، وأنهما قبلا أفكارًا وآراءً مختلفة من الشيطان. لقد غرس والدانا الكثير من الآراء الشيطانية فينا دون قصد، مما جعلنا ننحرف كثيرًا عن الحق في سلوكياتنا وأفعالنا، ونعيش وفق فلسفات شيطانية. والآن بعد أن أصبح لديّ بعض التمييز لما في قلبي والديّ، سأفتقدهما وأفكر فيهما أقل كثيرًا عن ذي قبل). في تعاملك مع والديك، عليك أولًا أن تخرج بعقلانية من علاقة الدم هذه وتميّز والديك في ضوء الحقائق التي قبلتها وفهمتها بالفعل. ميّز والديك بناءً على أفكارهما وآرائهما ودوافعهما فيما يتعلق بالسلوك، وبناء على مبادئهما وتصرفاتهما، وهذا سيؤكد أنهما أيضًا أناس أفسدهما الشيطان. انظر إلى والديك وميّزهما من منظور الحق، بدلًا من أن تظن دائمًا أنهما جليلان ساميان وكريمان وعطوفان عليك، فإذا نظرت إليهما بهذه الطريقة، فلن تكتشف أبدًا المشكلات التي يعانيان منها. لا تنظر إلى والديك من منظور روابطك العائلية أو دورك كابن أو ابنة. اخرج من هذه الدائرة وانظر إلى كيفية تعاملهما مع العالم، ومع الحق، ومع الناس، والأمور والأشياء. وأيضًا، وبشكل أكثر تحديدًا، انظر إلى الأفكار والآراء التي كيّفك والداك عليها فيما يتعلق بالطريقة التي يجب أن ترى بها الناس والأشياء، وكيف يجب أن تسلك وتتصرف؛ هكذا يجب أن تعرفهما وتميزهما. بهذه الطريقة، ستتضح شيئًا فشيئًا صفاتهما البشرية وحقيقة أن الشيطان قد أفسدهما. أي نوع من الناس هما؟ إذا لم يكونا مؤمنين، فما هو موقفهما تجاه المؤمنين بالله؟ وإذا كانا مؤمنين، فما هو موقفهما تجاه الحق؟ هل هما من الأشخاص الذين يسعون إلى الحق؟ هل يحبان الحق؟ هل يحبان الأشياء الإيجابية؟ ما هي نظرتهما إلى الحياة والعالم؟ وهكذا. إذا استطعت أن تميّز والديك في ضوء هذه الأمور، فستكون لديك فكرة واضحة. وبمجرد أن تتضح هذه الأمور، ستتغير مكانة والديك السامية والنبيلة التي لا تتزعزع في ذهنك، وعندما تتغير مكانتهما، لن تعود المحبة الأمومية والأبوية التي أظهرها والداك – إلى جانب كلماتهما وأفعالهما المحددة، وتلك الصور السامية التي تحملها عنهما – مطبوعة بعمق في ذهنك. سيتوقف نكران الذات وعظمة محبة والديك لك، وكذلك تفانيهما في رعايتك وحمايتك وحتى عطفهما عليك، عن احتلال مكانة مهمة في ذهنك دون أن تشعر. كثيرًا ما يقول الناس: "والداي يحباني كثيرًا. عندما أكون بعيدًا عن المنزل، تسألني أمي دائمًا: "هل أكلت؟ هل تأكل في أوقات منتظمة؟" ويسألني أبي دائمًا: "هل لديك ما يكفي من المال؟ إذا لم يكن لديك مال، سأرسل لك المزيد من المال". فأقول: "لديّ مال، لا داعي لذلك"، فيرد أبي: "لا، هذا لن يفلح معي، على الرغم من أنك تقول إن لديك المال، سأرسل لك بعض المال على أي حال". والحقيقة هي أن والديك يعيشان مقتصدين ويعزفان عن إنفاق المال على نفسيهما. إنهما يستخدمان أموالهما لدعمك، بحيث يكون لديك المزيد من المال للإنفاق عندما تكون بعيدًا عن المنزل. يقول والدك ووالدتك دائمًا: "كن مقتصدًا في المنزل، ولكن احمل معك بعض المال الإضافي أثناء السفر. خذ معك المزيد عندما تكون خارج المنزل. إذا لم يكن لديك ما يكفي من المال، فقط أخبرني وسأرسل لك بعض المال أو أضيفه إلى بطاقتك". سيظل اهتمام والديك وعنايتهما ورعايتهما الخالية من الأنانية وحتى احتضانهما وتدليلهما لك علامة لا تمحى من عينيك على تفانيهما في الإيثار. وقد أصبح هذا التفاني الإيثاري شعورًا قويًا ودافئًا في أعماق قلبك يوثّق العلاقة بينك وبينهما. إنه يجعلك غير قادر على التخلي عنهما، ويجعلك قلقًا عليهما، ويجعلك تظل مشغولًا بهما، وتفتقدهما باستمرار، بل ويجعلك راغبًا باستمرار في أن تكون محاصرًا في هذا الشعور وخاضعًا لابتزاز عواطفهما. ما هذه الظاهرة بالضبط؟ إن محبة والديك لك إيثارية بالفعل. لكن بغض النظر عن مدى اهتمام والديك بك، وبغض النظر عن تقطيرهما على نفسيهما وادخارهما فقط لإعطائك المال لتنفقه، أو شرائهما لك كل ما تحتاج إليه، فقد يكون ذلك نعمة لك الآن، ولكنه لن يكون شيئًا جيدًا على المدى البعيد. وكلما زاد إيثارهما لك، وكلما زاد حسن معاملتهما لك، وكلما زاد اهتمامهما بك، قلت قدرتك على الانفصال عن هذه المودة والتخلي عنها أو نسيانها، وزاد اشتياقك إليهما. وعندما تعجز عن القيام بواجب الابن تجاه والديك أو الوفاء بأي التزامات تجاههما، ستشعر بالمزيد من الأسف تجاههما. وفي ظل هذه الظروف، لا تملك الشجاعة اللازمة لتمييزهما، أو لنسيان محبتهما وتفانيهما وكل ما قاما به من أجلك، أو لاعتبار كل ذلك غير جدير بالذكر؛ وهذا هو تأثير ضميرك. فهل ضميرك يمثل الحق؟ (كلا، لا يمثله). لماذا يعاملك والداك بهذه الطريقة؟ لأن لديهما عواطف تجاهك. فهل يمكن لعطفهما تجاهك أن يمثل جوهر إنسانيتهما؟ هل يمكن أن يمثل موقفهما تجاه الحق؟ كلا، لا يمكن ذلك. الأمر يشبه تمامًا الأمهات اللاتي يقلن دائمًا: "أنت من لحمي ودمي، لقد ربيتك بكدي وبشقائي، فكيف لا أعرف ما تفكر به في أعماق قلبك؟" إنهما يحسنان معاملتك بسبب هذه الروابط العائلية الوثيقة وهذه العلاقة التي تربطهما بك من لحم ودم، ولكن هل حقًا يعاملانك معاملة طيبة؟ هل هذا هو وجههما الحقيقي بالفعل؟ هل هو تعبير حقيقي عن جوهرهما الإنساني؟ ليس بالضرورة. فنظرًا لأنه تربطك بهما صلة دم، فهما يعتقدان أنهما يجب أن يحسنا معاملتك بدافع الشعور بالواجب. لكنك أنت، بصفتك ابنهما، تعتقد أنهما يحسنان إليك بدافع اللطف والكرم، وتشعر بعدم القدرة على رد إحسانهما على الإطلاق. وإذا لم تستطع ردّ إحسانهما بالكامل، أو حتى جزء يسير منه، فسيدينك ضميرك. هل يتفق الشعور الذي ينتابك عندما يدينك ضميرك مع الحق؟ بعبارة أخرى، إذا لم يكونا والديك، بل كانا شخصين عاديين يتفاعلان معك بشكل طبيعي ضمن مجموعة، هل كانا سيعاملانك بهذه الطريقة؟ (كلا). لن يفعلا ذلك بالتأكيد. لو لم يكونا والديك ولم تكن تربطهما بك علاقة دم، فإن أسلوبهما وموقفهما تجاهك كان ليختلف بعدة طرق. ما كانا بالتأكيد ليهتما بك، أو يحميانك، أو يغمراك بحبهما، أو يعتنيان بك، أو يكرسان أي شيء لك بإيثار ونكران ذات. كيف كانا سيعاملانك إذن؟ ربما كانا سيتنمران عليك لأنك صغير السن وليس لديك خبرة اجتماعية؛ أو ربما كانا سيميزان ضدك بسبب تدني مكانتك ووضعك، ويتحدثان معك دائمًا بلهجة بيروقراطية ويحاولان تثقيفك والتعالي عليك؛ أو ربما كانا سيعتقدان أن مظهرك عادي، وإذا تحدثت معهما، فلن يعيراك أي انتباه، ويعتقدان أنك لا تستطيع الوصول إلى مستواهما؛ أو ربما كان سيريان أنك بلا فائدة، ولن يختلطا بك ولن تكون لهما أي علاقة بك؛ أو ربما ظنا أنك عديم الحيلة، فإذا أرادا معرفة أمر ما، سيبدآن دائمًا بسؤالك أو ربما يحاولان الحصول على إجابات منك؛ أو ربما أرادا استغلالك بطريقة غير عادلة، مثلًا عندما تحاول إبرام صفقة ما، ويرغبان دائمًا في أن تشاركها معهما، أو أرادا أخذ شيء منها؛ أو ربما عندما تسقط في الشارع وتحتاج إلى مساعدتهما لك على النهوض، لن ينظرا إليك حتى، وبدلًا من ذلك يركلانك؛ أو ربما عندما تركب الحافلة، إذا لم تتخلَّ عن مقعدك لهما، سيقولان لك: "أنا عجوز جدًا، لماذا لا تتخل عن مقعدك لي؟ لماذا أنت شاب جاهل؟ ألم يعلمك والداك أي أخلاق!". بل إنهما قد يوبخانك. إذا كانت هذه هي الحال، فأنت بحاجة إلى استكشاف ما إذا كانت محبتك لأبيك وأمك المخفية في أعماق قلبك هي ما يكشف إنسانيتهما كشفًا حقيقيًا أم لا. إنك غالبًا ما تتأثر بإخلاصهما لك بإيثار، وحبهما الأمومي والأبوي العظيم، وتتعلق بهما بشدة، وتفتقدهما، وتريد دائمًا أن تردّ لهما الجميل بحياتك. ما سبب ذلك؟ إذا كان الأمر نابعًا من الضمير فحسب، فالمشكلة ليست عميقة ويمكن علاجها. لكن إذا كان الأمر نابعًا من عاطفة تجاههما، فستكون هذه مشكلة مزعجة للغاية. ستعلق فيها بشكل أعمق وأعمق ولن تكون قادرًا على إخراج نفسك منها. غالبًا ما ستعلق في هذه العاطفة وتفتقد والديك، بل وأحيانًا ستخون الله في سبيل ردّ الجميل لوالديك. على سبيل المثال، ماذا ستفعل لو سمعت أن والديك مريضين بشدة في المستشفى، أو أن أمرًا خطيرًا قد أصابهما وكانا في مشكلة ما لا يستطيعان الخروج منها وكانا في كرب وكسرة قلب، أو إذا سمعت خبرًا بأن والديك على وشك الموت؟ في ذلك الوقت، لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت عواطفك ستسيطر على ضميرك، أو ما إذا كان الحق وكلام الله الذي علّمك إياه سيقودان ضميرك إلى اتخاذ قرار ما. تعتمد نتيجة هذه الأمور على كيفية نظرتك إلى العلاقة بين الوالدين والأبناء، ومدى دخولك إلى الحق بشأن كيفية معاملة الوالدين، ومدى قدرتك على رؤية حقيقتهما، ومدى فهمك لطبيعة جوهر البشرية، ومدى فهمك لجوهر شخصية والديك وجوهر إنسانيتهما، وكذلك شخصياتهما الفاسدة. والأهم من كل ذلك أن نتيجة هذه الأمور تعتمد على كيفية تعاملك مع العلاقات على مستوى العائلة، وعلى وجهات النظر الصحيحة التي يجب أن تتبناها؛ وتلك هي الحقائق المختلفة التي يجب أن تسلح نفسك بها قبل أن يحل بك أي من هذه الأمور. أما الآخرون جميعًا – الأقارب والأصدقاء، والخالات والعمات والأخوال والأعمام، والأجداد وغيرهم من الغرباء – فيمكن التخلي عنهم بسهولة، لأنهم لا يحتلون مكانة مهمة في عواطف المرء. يمكن التخلي عن هؤلاء الأشخاص بسهولة، لكن الوالدين هما الاستثناء. الوالدان وحدهما يُعتبران هما أقرب أقرباء المرء في العالم. إنهما الشخصان اللذان يلعبان دورًا مهمًا في حياة المرء ولهما تأثير كبير خلال حياته، لذا ليس من السهل التخلي عنهما. إذا كنت قد اكتسبت اليوم بعض الفهم الواضح لمختلف الأفكار التي يولدها تكييف عائلتك لك، فقد يساعدك ذلك على التخلي عن عواطفك تجاه والديك، لأن التأثيرات التكييفية التي تمارسها عليك عائلتك ككل لا تتعدى كونها ادعاءات غير ملموسة، في حين أن التكييف الأكثر تحديدًا يأتي في الواقع من الوالدين. فجملة واحدة من والديك، أو موقفهما تجاه فعل شيء ما، أو الطرق والوسائل التي يتعاملان بها مع شيء ما؛ تلك هي الوسائل الأكثر دقة لوصف طريقة تكييفك. وبمجرد أن تميّز وتدرك الأفكار والأفعال والأقوال التي كيفك عليها والداك بطريقة مختلفة ومحددة؛ سيكون لديك تقييم ومعرفة دقيقين بجوهر دور والديك، وشخصيتيهما ونظرتهما للحياة، وطرق تعاملهما مع الأشياء. وبمجرد أن يكون لديك هذا التقييم والمعرفة الدقيقين، سيتغير إدراكك لدور والديك بشكل غير محسوس من إيجابي إلى سلبي في ذهنك. وبمجرد إدراكك لدور والديك على أنه سلبي تمامًا، عندها يمكنك أن تتخلى تدريجيًا عن دعاماتك العاطفية، وتعلقك الروحي، ومختلف أنواع الحب الكبير الذي يكنانه لك. وبحلول ذلك الوقت، ستشعر أن الصورة التي كانت لديك عن والديك في أعماق قلبك كانت في غاية السمو، مثل تلك التي وردت في مقال "ظهر أبي" الذي درسته في كتابك المدرسي، وكذلك في تلك الأغنية الشعبية التي كانت شائعة منذ سنوات عديدة مضت: "أمي هي الأفضل في العالم"، والتي كانت أغنية فيلم تايواني وانتشرت في جميع أنحاء المجتمع الناطق بالصينية؛ هذه هي الطرق التي يربي بها المجتمع والعالم البشرية. عندما لا تدرك الجوهر أو الوجه الحقيقي وراء هذه الأشياء، تشعر أن هذه الأساليب في التعليم إيجابية. واستنادًا إلى إنسانيتك الأكيدة، فإنها تمنحك إدراكًا أكبر وإيمانًا بعظمة محبة والديك لك، وبالتالي تترك انطباعًا عميقًا في قلبك بأن حب والديك إيثاري، وعظيم، ومقدس. لذا، مهما كان والداك سيئين، يظل حبهما لك إيثاريًا وعظيمًا. هذه حقيقة لا جدال فيها بالنسبة إليك ولا يمكن لأحد أن ينكرها، ولا يمكن لأحد أن يقول كلمة سيئة عن والديك. وبناءً على ذلك، أنت لا تريد تمييزهما أو كشفهما، وفي الوقت ذاته، تريد أيضًا أن تحتفظ لهما بمكانة معينة في أعماق قلبك، لأنك تؤمن بأن محبة الوالدين فوق كل شيء إلى الأبد، لا تشوبها شائبة وعظيمة ومقدسة، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك. هذا هو خط الأساس لضميرك وسلوكك. إذا قال شخص ما إن الحب الأبوي ليس عظيمًا أو لا تشوبه شائبة، ستخوض معركة مستميتة ضده؛ وهذا أمر غير عقلاني. قبل أن يفهم الناس الحق، سيدفعهم تأثير ضميرهم إلى التمسك ببعض الأفكار والآراء التقليدية، أو سيؤدي أيضًا إلى ظهور بعض الأفكار والآراء الجديدة. لكن بالنظر إلى هذه الأفكار والآراء من منظور الحق، غالبًا ما تكون غير عقلانية. وبمجرد فهمك للحق، يمكنك التعامل مع هذه الأشياء في نطاق العقلانية الطبيعية. لذلك تمتلك الإنسانية الضمير والعقل معًا، فإذا لم يكن الضمير قادرًا على الوصول إلى هذه الأشياء أو بلوغ مستواها، أو لم تكن هذه الأشياء منظمة أو إيجابية تحت تأثير الضمير، فيمكن للناس استخدام العقلانية لتنظيمها وتصحيحها. كيف يكتسب الناس العقلانية إذن؟ على الناس أن يفهموا الحق. وبمجرد أن يفهم الناس الحق، سيتعاملون مع كل شيء، ويختارون كل شيء، ويميزون كل شيء بمزيد من الدقة والتحديد، وهكذا سيحققون العقلانية الحقيقية، ويصلون إلى النقطة التي يتجاوز فيها العقل الضمير. هذا مظهر من مظاهر ما يحدث بعد أن يدخل الإنسان إلى واقع الحق. قد لا تفهمون حقًا هذه الكلمات الآن، ولكنك ستفهمها عندما تكون لديك خبرة حقيقية وتفهم الحق. هل تنبع مقولة "الوالدان دائمًا على حق" من العقلانية أم من الضمير؟ إنها ليست عقلانية، وإنما تنبع من عواطف المرء تحت تأثير الضمير. إذن هل هذه المقولة عقلانية؟ كلا، إنها ليست عقلانية. لماذا هي غير عقلانية؟ لأنها تنبع من عواطف المرء، ولا تتوافق مع الحق. إذن، في أي مرحلةٍ يمكنك أن تنظر إلى الوالدين وتعاملهما بعقلانية؟ عندما تفهم الحق وتكون قد رأيت حقيقة جوهر هذه المسألة وجذرها. وبمجرد أن تفعل ذلك، لن تعامل والديك وفقًا لتأثير الضمير بعد ذلك، ولن تلعب العواطف دورًا، ولن يلعب الضمير دورًا أيضًا، وستتمكن من النظر إلى والديك ومعاملتهما وفقًا للحق؛ هذه هي العقلانية.

هل كنت واضحًا في الشركة حول مشكلة كيفية معاملة الوالدين؟ (نعم). هذه مسألة مهمة. يقول أفراد الأسرة جميعًا: "الوالدان دائمًا على حق"، وأنت لا تعرف ما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا، لذلك تقبله فحسب. ومن ثم، كلما فعل والداك شيئًا خارجًا عن نطاق الصواب، تتأمل وتفكر قائلًا لنفسك: "يقول الناس "الوالدان دائمًا على حق"، فكيف يمكنني أن أقول إن والديّ ليسا على حق؟ ما يحدث في العائلة يبقى في العائلة، لا تخبر الآخرين به، فقط تحمله". بالإضافة إلى الآثار التكييفية لهذه المقولة الخاطئة – "الوالدان دائمًا على حق" – هناك مقولة أخرى: "ما يحدث في العائلة يبقى في العائلة". لذلك تفكر: "من عساه يلوم والديّ؟ لا أستطيع أن أخبر الغرباء عن هذا الأمر المخزي. يجب أن أبقي الأمر طي الكتمان. ما الفائدة من أن أكون جادًا مع والديّ؟" هذه الآثار التكييفية من الأسرة موجودة دائمًا في حياة الناس اليومية، وفي مسار حياتهم، وفي مسار وجودهم. قبل أن يفهم الناس الحق ويربحوا الحق، يرون الناس والأشياء، ويسلكون ويتصرفون بناءً على هذه الأفكار والآراء المختلفة التي كيفتهم عائلاتهم عليها. غالبًا ما يكونون متأثرين، ومضطربين، ومقيدين، ومكبلين تمامًا بهذه الأفكار. بل إنهم يسترشدون بهذه الأفكار، وغالبًا ما يسيئون الحكم على الناس ويفعلون أشياء خاطئة، وكثيرًا ما يخالفون كلام الله والحق. فحتى لو كان الناس قد استمعوا إلى الكثير من كلام الله، وحتى لو كانوا كثيرًا ما يقرؤون في صلاتهم كلام الله ويعقدون شركة حوله، فبسبب أن هذه الآراء التي كيفتهم عائلاتهم عليها مغروسة بعمق في أفكارهم وفي قلوبهم، فليس لديهم أي تمييز لها، ولا أي قدرة على مقاومتها. فحتى بينما يتلقون تعاليم كلام الله وأحكامه، يظلون متأثرين بهذه الأفكار التي توجه أيضًا أقوالهم وأعمالهم وطريقة حياتهم. لذا، تحت التوجيه اللاواعي لهذه الأفكار التي كيفتهم عائلاتهم عليها، لا يستطيع الناس في كثير من الأحيان أن يمنعوا أنفسهم من انتهاك كلام الله ومبادئ الحق. ومع ذلك فإنهم يظلون يعتقدون أنهم يمارسون الحق ويسعون إلى الحق. إنهم لا يعلمون أن هذه الأقوال المختلفة التي كيفتهم عائلاتهم عليها ببساطة لا تتفق مع الحق. والأخطر من ذلك هو أن هذه الأقوال التي تكيَّف العائلات الناس عليها تقودهم إلى طريق انتهاك الحق مرارًا وتكرارًا، ومع ذلك فهم حتى لا يدركون الأمر. لذا، إذا كنت تريد أن تسعى إلى الحق وتدخل إلى واقع الحق، فعليك أولًا أن تميز بوضوح الآثار التكييفية العديدة التي تأتيك من عائلتك وتتعرف عليها، ثم تبذل جهدًا لتخليص نفسك من هذه الأفكار المختلفة التي كيفتك عائلتك عليها. بالطبع يمكن القول إنه يجب عليك بالتأكيد التخلص من تكييف عائلتك لك. لا تظن أنه بسبب انتمائك إلى تلك العائلة، فعليك أن تفعل هذا أو أن تعيش بهذه الطريقة. أنت لست مسؤولًا عن وراثة تقاليد عائلتك أو وراثة طرقها ووسائلها المختلفة في التصرف والقيام بالأشياء أو ملزمًا بذلك. إن حياتك تأتي من الله. ولقد اختارك الله اليوم، والهدف الذي تريد السعي إليه هو الخلاص، لذلك لا يمكنك استخدام الأفكار المختلفة التي كيفتك عائلتك عليها كأساس لآرائك في الناس والأشياء وسلوكك وتصرفاتك. وعوضًا عن ذلك، يجب عليك أن تنظر للناس والأشياء، وأن تسلك وتتصرف بناءً على كلام الله وتعاليمه المختلفة. بهذه الطريقة وحدها يمكنك تحقيق الخلاص في النهاية. وبالطبع، لا تقتصر الآثار التكييفية التي تمارسها العائلة على تلك المذكورة هنا. لقد ذكرت القليل منها فحسب. هناك أنواع كثيرة مختلفة من التربية العائلية التي تأتي من عائلات مختلفة، وعشائر مختلفة، ومجتمعات مختلفة، وأعراق مختلفة، وأديان مختلفة، والتي تكيِّف أفكار البشر بكافة الطرق. وبغض النظر عن العرق أو الثقافة الدينية التي تأتي منها هذه التكييفات الفكرية المتنوعة، فما دامت لا تتفق مع الحق، وما دامت لا تأتي من عند الله، بل من عند الناس، فيجب التخلي عنها ويجب أن يبتعد الناس عنها. ينبغي ألا يتمسكوا بها، فضلًا عن توريثها. هذه الأشياء كلها أشياء يجب على الناس نبذها والتخلص منها. وبهذه الطريقة فقط، يمكن للناس أن يشرعوا حقًا في طريق السعي إلى الحق ودخول واقع الحق.

هذه الأقوال التي قدمنا حولها شركة، والتي تأتي من تكييف عائلة المرء له هي أقوال تمثيلية من جهة، ومن جهة أخرى يكثر الحديث عنها بين الناس. أما بخصوص بعض الأقوال الخاصة وغير التمثيلية فلن نتحدث عنها الآن. ما رأيكم في شركتنا حول موضوع العائلة؟ هل كانت مفيدة بطريقة ما؟ (نعم، لقد كانت مفيدة). هل من الضروري عقد شركة حول هذا الموضوع؟ (نعم). كل شخص لديه عائلة وقد كيفته عائلته. إن الأشياء التي تغرسها العائلة فيك كلها سموم ومخدرات روحية، وتجعلك تعاني بمرارة شديدة. عندما غرس والداك هذه الأشياء فيك، شعرتَ بشعور رائع في ذلك الوقت، كما لو كنت تتعاطى المخدرات. شعرتَ براحة شديدة، كما لو كنت قد دخلت في عالم من النعيم. لكن بعد فترة من الوقت زال تأثيرها، لذا كان عليك أن تستمر في البحث عن هذا النوع من التحفيز. هذه المخدرات الروحية لا تضع نهاية للتعب والاضطراب. وحتى يومنا هذا، من الصعب حقًا التخلص منها، وهي ليست شيئًا يمكن التخلص منه في وقت قصير. إذا أراد الناس أن يتخلوا عن هذه الأفكار والآراء التكييفية، فيجب عليهم أن يقضوا بعض الوقت ويبذلوا بعض الطاقة في تحديدها، وإزالة طبقاتها للتعرف عليها بوضوح ورؤية حقيقتها. وبعد ذلك، كلما ظهرت أمور ذات صلة، يجب أن يكونوا قادرين على التخلي عن هذه الأشياء، والتمرد عليها، وعدم التصرف وفقًا لمبادئ هذه الأفكار والآراء، بل يجب أن يمارسوا الأمور ويفعلوها وفقًا للطريقة التي يُعلمها الله للناس. قد تبدو هذه الكلمات القليلة بسيطة، لكنها قد تستغرق 20 أو 30 عامًا، أو حتى عمرًا كاملًا، لكي يمارسها الناس. قد تقضي عمرك كله في محاربة الأفكار والآراء التي أنتجتها تلك الأقوال التي غرستها فيك عائلتك، وتُبعد نفسك عن هذه الأفكار والآراء وتنبذها. ولكي تفعل ذلك، لا بد أن تبذل مشاعرك وطاقتك، وأن تتعرض أيضًا لبعض المتاعب الجسدية. يجب أن تكون لديك أيضًا رغبة عارمة تجاه الله وإرادة متعطشة للحق وتسعى إليه. وفقط من خلال امتلاك هذه الأشياء يمكنك تحقيق التغيير تدريجيًا والدخول تدريجيًا إلى واقع الحق. هذا هو مدى صعوبة ربح الحق والحياة. عندما يستمع الناس إلى العديد من العظات، يفهمون بعض التعاليم المتعلقة بالإيمان بالله، لكن ليس من السهل عليهم أن يصلوا إلى فهم الحق حقًا وأن يكونوا قادرين على تمييز الآثار التكييفية للعائلة وأفكار وآراء غير المؤمنين. وحتى إذا استطعت أن تفهم الحق بعد الاستماع إلى المواعظ، فإن الدخول إلى واقع الحق هو أمر لا يحدث بين عشية وضحاها، أليس كذلك؟ (صحيح). حسنًا، هنا تنتهي شركتنا لهذا اليوم. إلى اللقاء!

25 فبراير 2023

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.