5. ربح البركة من خلال البليّة

يقول الله القدير، "عندما ينظر المرء مرة أخرى إلى الطريق الذي سلكه، وعندما يتذكّر كل مرحلةٍ من مراحل رحلته، يرى أنه في كل خطوةٍ، سواء كان طريقه شاقًّا أو سلسًا، كان الله يُوجّه مساره ويُخطّطه. كانت ترتيبات الله الدقيقة وتخطيطه الدقيق يقود المرء، دون علمه، إلى هذا اليوم. يا لنعمة أن تكون قادرًا على قبول سيادة الخالق ونوال خلاصه! ... عندما يكون المرء بلا إلهٍ ولا يستطيع أن يراه ولا يستطيع أن يعترف بوضوحٍ بسيادته، يكون كل يومٍ بلا معنى وبلا قيمةٍ وبائسًا. أينما كان المرء، ومهما كانت وظيفته، فإن طريقة عيشه وسعيه لتحقيق أهدافه لا يجلب له سوى الحزن الدائم والمعاناة التي لا تُطاق بحيث لا يحتمل النظر إلى الوراء. فقط عندما يقبل المرء سيادة الخالق، ويخضع لتنظيماته وترتيباته، ويبحث عن الحياة الإنسانيّة الحقيقيّة، فسوف يتحرّر بالتدريج من الحسرة والمعاناة كلها ويتخلّص من كل خواء الحياة" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (3)]. إن كلمات الله هذه تحرّك مشاعري حقًّا، إذ تصوّر حياتي الخاصة بدقة.

ولدت في أسرة ريفية فقيرة، وكان الناس ينظرون إليّ باستصغار طوال حياتي. كانت عائلتي فقيرة، لذا لم أكن أعرف أحيانًا من أين كانت وجبة الطعام المقبلة ستأتي، ولطالما كنت أرتدي ما يفضل عن أختي من ثياب. وكانت تلك الثياب تبدو فضفاضة عليّ. سخر جميع زملائي في الصف مني، وكانوا يرفضون مصاحبتي. لقد عشت طفولة أليمة بالفعل. ومنذ ذلك الوقت، قررت أنني عندما أكبر، سأسعى حتمًا إلى كسب الكثير من المال، وعيش حياة رغيدة، ولن يزدريني أحد مجددًا في المستقبل. وبما أن عائلتي كانت فقيرة جدًّا، تعيّن عليّ أن أنقطع عن المدرسة قبل انتهاء المرحلة المتوسّطة من أجل التوجه إلى العمل في مصنع أدوية المقاطعة. لطالما كنت أعمل ساعات إضافية فأبقى في العمل حتى الساعة العاشرة مساءً، حتى أتمكن من الحصول على زيادة طفيفة على الأجر. سمعت لاحقًا أن شقيقتي الكبرى تكسب من بيع الخضروات في خمسة أيام فقط ما يعادل أجري الشهري بأكمله. لذا استقلت من عملي فورًا في مصنع الأدوية، للبدء ببيع الخضروات. بعد زواجي، افتتحنا، أنا وزوجي، مطعمًا. اعتقدت أنني سأجني مالاً أكثر من خلال إدارة مطعم، فيمكنني بعدئذ عيش حياة مرفّهة وكريمة، يحسدني عليها الآخرون ويبجلونني لأجلها. ولكن المنافسة في ذلك القطاع كانت ضارية، ولم نوظِّف سوى نادل واحد لتوفير المال. كنت أقوم بكل شيء بنفسي، مهرولة بين المطبخ ومنطقة تناول الطعام. أحيانًا كنت أتعب كثيرًا لدرجة أنني لا أستطيع البقاء واقفة على رجليّ. كان بعض مسؤولي الحكومة يمرّون بنا دون أن يدفعوا إطلاقًا، بينما يتعين علينا دفع جميع أنواع الغرامات والضرائب. أحيانًا كانوا يختلقون أعذارًا واهية لتغريمنا وأخذ إيرادات يوم كامل. كان ذلك يثير غضبي حقًّا لكن في الصين لا يمكن للمرء فعل أي شيء في هذا الشأن، بل ينبغي عليه تجنّب المواجهة فحسب. ورغم اجتهادنا في العمل قدر الإمكان، لم نستطع جني الكثير من المال. بدأت أشعر بالقلق بعد مضيّ فترة من الزمن على عملنا في هذا القطاع، وأتساءل: "متى سأتمكن من عيش الحياة الرغيدة التي أتنعم فيها بالكثير من المال؟".

عام 2008، أخبرتني صديقة أن باستطاعة المرء أن يكسب من عمل يوم واحد في اليابان ما يكسبه من العمل لعشرة أيام في الصين. فاض قلبي فرحًا لسماع ذلك. واعتقدت أن الفرصة الجيدة لجني بعض المال سنحت لي أخيرًا. تعيّن دفع رسوم مرتفعة للوسيط من أجل السفر إلى اليابان، لكنني فكّرت بأن "لا فائدة بدون مشقة. فبمجرد أن نحصل على وظائف في اليابان، سنتمكن من استعادة المبلغ الذي سندفعه بسرعة كبيرة". قررنا، أنا وزوجي، التوجه إلى اليابان على الفور سعيًا لتحقيق ذلك الحلم. عندما وصلنا إلى هناك، كان ينبغي علينا العمل من 13 إلى 14 ساعة كل يوم. كنّا متعبين للغاية. وجلّ ما كنا نريده بعد انتهاء العمل هو الاستلقاء وأخذ قسط من الراحة. ولم نرغب حتى في تناول أي شيء. كنت أشعر بألم متواصل أسفل ظهري، وبما أنني لم أكن قادرة على دفع تكاليف زيارة الطبيب، كنت أتناول المسكّنات فحسب لتساعدني على التحمل. وقعت فريسة للألم، بل وكنت أتعرض أيضًا لتوبيخ مديري وتنمر زملائي في العمل. ارتكبت مرة خطأ بسيطًا عندما كنت حديثة العهد في العمل. فتعرّضت إلى هجوم عنيف من مديري واستأت كثيرًا لدرجة أنني بكيت. لكن ما الذي كنت أستطيع القيام به سوى ذلك؟ كان يتعيّن عليّ كبح مشاعري فحسب لأتمكن من الاستمرار في جمع المال. لطالما كنت أقول لنفسي، "الوضع صعب الآن، لكن ما إن أجني بعض المال، سأصبح قادرة على الوقوف منتصبة والنظر في أعين الناس. عليّ أن أصبر". وهكذا، استمررت في دفع نفسي إلى العمل كل يوم، كآلة لصنع النقود. وبصورة غير متوقعة عام 2015، أصبت بوعكة صحية نتيجة الإرهاق والعمل الشاق. ذهبت إلى المستشفى لإجراء الفحوصات اللازمة فأخبرني الطبيب أن لديّ انزلاق غضروفيّ يضغط على أحد الأعصاب، وأنني سأصبح طريحة الفراش وغير قادرة حتّى على الاهتمام بنفسي إذا استمررت في العمل. أصبت بصدمة شديدة بعد سماعي ذلك، وشعرت فجأة بالضعف التام. كانت الظروف قد بدأت بالتحسّن في حياتي، وكان حلمي يقترب من التحقيق. لكن بدلًا من هذا، انتهى بي المطاف مصابة. لم يكن بوسعي تقبّل ذلك، وفكّرت: "لا زلت شابة. إذا صبرت قليلًا فحسب، سأكون قادرة على تجاوز المشكلة. إذا لم أتمكن من جمع بعض المال الآن، وعدت إلى الصين خالية الوفاض، ألن يكون ذلك مذلًا بالنسبة لي؟". وهكذا، صررت أسناني واستمررت في جرّ جسدي المصاب إلى العمل. عندما كان الألم يشتد، كنت أكتفي بوضع لصقة طبية لأكمل عملي. كنت أعمل بدوام كامل طوال النهار، فكان الألم يشتدّ عليّ في الليل ويمنعني من النوم. حتّى أنني بالكاد كنت أستطيع التقلب على فراشي. بعد بضعة أيام فقط، ساءت حالتي لدرجة أنني ما عدت قادرة حتى على النهوض من السرير.

وبينما كنت مستلقية في السرير، شعرت بالعجز والوحدة الشديدين، وتساءلت "كيف يحدث أن أجد نفسي في هذا الوضع في سن مبكّرة كهذه؟ وهل سأصبح طريحة الفراش حقًّا؟". شعرت بنوع من الأسى الذي لا يمكنني التعبير عنه، وتعيّن عليّ أن أسأل نفسي "لِم يعيش المرء في الأساس؟ وهل يعيش حقًّا لجمع المال والتميّز عن الآخرين؟ وهل المال حقًّا مرادف للسعادة؟ وهل يستحق المال أن يرهق المرء نفسه في العمل من أجل الحصول عليه؟". على مدى أكثر من ثلاثين عامًا من العمل الشاق، عملت في مصنع للأدوية، وبعت الخضروات، وأدرت مطعمًا، وأتيت إلى اليابان للعمل. لقد كسبت بعض المال على مدى كل تلك السنوات، لكن ذلك لم يكن إلا مقابل الكثير من المعاناة. في البداية، اعتقدت أنني سأحقق حلمي بمجيئي إلى اليابان، وأنني سأصبح غنية بين ليلة وضحاها، وسأعيش حياة أُحسد عليها. لكن بدلًا من ذلك، أصبحت أسيرة الفراش، حتى أنني قد أمضي بقية سنوات حياتي على كرسي متحرك. عندما راودتني هذه الفكرة، تأسفت تحديدًا على استعدادي لإجهاد نفسي في العمل من أجل جمع بعض المال والتميّز عن الآخرين. وشعرت بالغبن والبؤس والحزن، ولم يكن بوسعي سوى البكاء. صرخت في داخل قلبي: "أيتها السماوات، خلصيني! لِم حياتي مرهقة وشاقة جدًا هكذا؟".

وفي اللحظة التي كنت أشعر فيها بالعجز والألم أتى إليّ خلاص الله في الأيام الأخيرة. التقيت بأختين آمنتا بالله عن طريق الصدفة. ومن خلال قراءة كلمات الله معهما والاستماع إلى شركتهما عن الحق، فهمت أن الله خلق جميع الأشياء، وأنه يحكم الكون بأسره، وأن مصير جميع البشر بين يديه. لقد أرشد الله الجنس البشري وأعاله باستمرار، وهو يعتني دائمًا بالجنس البشري ويحميه. لكن كان لا يزال هناك أمر ما يحيّرني. إن الله يتحكم بمصيرنا، ولطالما كان الله يقودنا ويحمينا طوال الوقت، لذا ينبغي أن نكون سعداء. فلماذا إذًا لا نزال نعاني من المرض والألم؟ ولِم الحياة شاقة هكذا؟ ومن أين يأتي فعلًا كل هذا الألم؟ سألت الأختين عن ذلك.

فقرأت لي الأخت "كين" بعضًا من كلمات الله القدير: "ماهو مصدر معاناة الولادة والموت والمرض والشيخوخة التي يتحملها الإنسان طوال حياته؟ وما السبب في إصابة الناس بهذه الأشياء؟ لم يصب بها البشر عندما خُلِقوا في البداية، أليس كذلك؟ فمن أين إذًا جاءت هذه الأمور؟ جاءت بعد غواية الشيطان للإنسان وبعد أن أصبح جسده فاسدًا. لم يأتِ ألم جسد الإنسان وشدائده والفراغ الذي يحس به الجسد، وكذلك شؤون العالم الإنساني الشديدة البؤس إلا بعد أن أفسد الشيطان البشر، وبعد ذلك بدأ الشيطان يعذبهم. ونتيجةً لذلك، أصبح الإنسان أكثر انحطاطًا شيئًا فشيئًا، وغدت أمراض البشر أكثر فأكثر حِدَّةً، وتفاقمت معاناته أكثر فأكثر. وشعر البشر على نحو متزايد بفراغ عالم الإنسان ومأساته، وبالعجز عن الاستمرار في الحياة هناك، وقلَّ رجاؤه في العالم تدريجيًا. وبالتالي جلب الشيطان هذه المعاناة على البشر" (من "معنى أن يختبر الله ألم العالم" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). بعدئذ شاركت هذه الشركة: "عندما خلق الله الإنسان، كان يحظى بمرافقة الله وعنايته وحمايته. لم يكن هناك ميلاد ولا شيخوخة ولا مرض ولا موت ولا هموم ولا منغّصات. عاش الإنسان خليّ البال تمامًا في جنة عدن، متمتعًا بجميع الأشياء التي يمكن التمتع بها التي وهبه إياها الله. وعاش البشر سعداء وفرحين تحت إرشاد الله. لكن عندها خدع الشيطان البشر وأفسدهم. لقد صدقوا أكاذيبه، وخطئوا إلى الله وخانوه، فخسروا عناية الله وحمايته. لقد عشنا تحت مُلك الشيطان منذ ذلك الحين وسقطنا في الظلمة. فبِتنا نعيش حياة ملؤها الكدح والهمّ والألم والحزن. على مدى آلاف السنين، استخدم الشيطان باستمرار الهرطقات والمغالطات كالمادية والإلحاد والتطور، وأيضًا الأمثال التي نشرتها الشخصيات الشهيرة والعظيمة لتضليل الآخرين وإلحاق الأذى بهم، مثل "لا يوجد إله في العالم"، و"مصير المرء بيديه"، و"اللهم نفسي، وليبحث كل مرء عن مصلحته فقط،" و"يميِّز المرء نفسه ويجلب الشرف لأجداده،" و"سيفعل الإنسان أي شيء ليصبح ثريًّا،" و"المال يدير العالم،" إلى آخره. وبعد قبول هذه المغالطات الشيطانية، أنكر الناس وجود الله وحكمه، مبتعدين عن الله وخائنين عهده. وأصبح الإنسان أكثر تكبّرًا وغرورًا، وأكثر أنانية ومكرًا وخبثًا. بات الناس ينخرطون في التآمر والقتال والقتل في سبيل الشهرة والمكانة والغنى. يخون الأزواج والزوجات والأصدقاء ويخدعون أحدهم الآخر، وحتى الآباء والبنون ينقلبون أحدهم ضد الآخر، ويهاجم الأخ أخاه. لقد فقدنا تمامًا طبيعتنا البشرية السليمة، وبتنا نعيش كوحوش أكثر مما نعيش كبشر". "لقد أضرّت مغالطات الشيطان بالكثير من الناس، الذين، باعتقادهم أنهم يستطيعون التحكم بمصيرهم الشخصيّ أو تغييره، يحاربون ضدّ هذا المصير. يحاربون طوال حياتهم، ويفشلون في تغيير مصائرهم، بل ويدمّرون أنفسهم أثناء المحاولة". "لقد ضلل الشيطان الجنس البشري وأفسده. نحن نكدح طوال اليوم، معذّبين في الجسد والعقل. إن جميع أشكال الأمراض والمعاناة تتزايد. وهذه الآلام والمخاوف تجعلنا نشعر أن حياة الإنسان في هذا العالم شاقة ومتعبة جدًا. لقد حدث كل ذلك بعد أن أفسد الشيطان الإنسان، إنه الشيطان الذي يؤذينا، كما أن ذلك يُعدّ الثمرة المُرّة لإنكار الجنس البشري لله وخيانته له".

لقد بيّنت لي شركة الأخت كين أن أمراض الإنسان جاءت أساسًا من الشيطان. بعد أن أفسد الشيطان الإنسان، خسرنا عناية الله وحمايته، وأصبنا بجميع أنواع المرض والألم. قالت الأخت عندها ما يلي: "الله لا يستطيع تحمل رؤية الجنس البشري ضحية لعبث الشيطان وتعذيبه، لذا تجسّد مرتين لافتداء الجنس البشري وتخليصه. في المرة الأولى، تجسّد بوصفه الرب يسوع، مصلوبًا كذبيحة خطية عن الجنس البشري، ليفتدينا من الخطية. لقد غُفرت خطايانا بإيماننا بالرب يسوع ولكن طبيعتنا الآثمة تبقى كما أننا لم نتحرر من الخطية بشكل تام". "لقد تجسّد الله من جديد بين البشر في الأيام الأخيرة للتعبير عن الحق والقيام بعمل الدينونة والتطهير بحيث يمكننا أن نُخلّص خلاصًا تامًا من الشيطان، وننبذ الخطية، ونتطهّر، إلى أن ننقاد في النهاية إلى ملكوت الله". "من خلال قراءة المزيد من كلمات الله، يمكننا أن نفهم الحقّ ونتمتع بالتمييز. سنفهم تمامًا كيف يفسد الشيطان الإنسان، ونرى حقيقة جوهره الشرير. ونتمكن بعدئذ من رفض الشيطان والإفلات من نفوذه، فلا يستطيع العبث بنا أو أذيّتنا بعد ذلك". سرّني جدًا سماع أن الله أتى شخصيًّا ليخلّصنا. لم أكن حقَّا أريد أن يستمر الشيطان في الإضرار بي بهذا الشكل لكن لم أكن أدرك بالضبط كيف كان يضرّ بي، لذا سألت الأخوات: "لقد عملت بجدّ كبير للتفوّق على الآخرين والتميّز عنهم، لكن ذلك أصابني بألم لا يطاق. هل الشيطان هو من فعل بي ذلك؟".

قرأت الأخت تشانغ بعدئذ بعضًا من كلمات الله القدير المتعلقة بسؤالي. "يستخدم الشيطان نوعًا دقيقًا جدًّا من الطرق، وهي طريقةٌ تتوافق إلى حد كبير مع مفاهيم الناس؛ وهي ليست متطرفة على الإطلاق، ومن خلالها يجعلُ الناس يقبلون -دون وعي منهم- طريقة عيش الشيطان وقواعده للعيش ويُحدِّدون أهداف الحياة ووجهتهم في الحياة، وعند قيامهم ذلك تصبح لديهم أيضًا طموحات في الحياة دون دراية منهم. بغضّ النظر عن مدى سموّ هذه الطموحات الحياتية، فهي ترتبط ارتباطًا وثيقًا 'بالشهرة' و'الربح'. كل شيء يتبعه أيّ شخصٍ عظيم أو مشهور، أو جميع الناس في الحياة يتعلَّق بكلمتين فقط: 'الشهرة' و'الربح'. يعتقد الناس أنه بمُجرَّد حصولهم على الشهرة والربح يمكنهم حينها الاستفادة منهما للتمتع بالمكانة العالية والثروة الكبيرة والاستمتاع بالحياة، ويعتقدون أن الشهرة والربح هما نوع من رأس المال الذي يمكنهم الاستفادة منه للحصول على حياة قائمة على البحث عن اللذة والمتعة الجسدية المفرطة. يسلِّم الناس عن طيب خاطرٍ، وإن كان دون درايةٍ، أجسادهم وعقولهم وكلّ ما لديهم ومستقبلهم ومصائرهم إلى الشيطان لتحقيق الشهرة والربح اللذين يرغبون فيهما. يفعل الناس هذا فعلًا دون تردُّدٍ للحظةٍ واحدة ويجهلون دائمًا الحاجة إلى استعادة كلّ شيءٍ سلَّموه. هل يمكن للناس أن يتحكَّموا بأنفسهم بمُجرَّد أن يلجأوا إلى الشيطان بهذه الطريقة ويصبحوا مخلصين له بهذه الطريقة؟ لا بالتأكيد. فالشيطان يتحكَّم بهم تمامًا وبمعنى الكلمة. كما أنهم قد غرقوا تمامًا وبمعنى الكلمة في مستنقعٍ وهم عاجزون عن تحرير أنفسهم. بمُجرَّد أن يتورَّط شخصٌ ما في الشهرة والربح، فإنه لا يعود يبحث عمّا هو مُشرِقٌ أو ما هو بارٌّ أو تلك الأشياء الجميلة والصالحة. يعود السبب في هذا إلى أن القوّة المُغرية التي تملكها الشهرة والربح على الناس هائلةٌ للغاية، وتصبح أشياءً يتبعها الناس طيلة حياتهم وحتَّى إلى الأبد بلا نهايةٍ. أليس هذا صحيحًا؟...يستخدم الشيطان إذًا الشهرة والربح للتحكُّم بأفكار الإنسان حتى يصبح كلّ ما يُفكِّر فيه هما الشهرة والربح. إنهم يناضلون من أجل الشهرة والربح، ويعانون من مشقّاتٍ في سبيل الشهرة والربح، ويتحمَّلون الإذلال من أجل الشهرة والربح، ويُضحّون بكلّ ما لديهم من أجل الشهرة والربح، وسوف يتّخذون أيّ حُكمٍ أو قرارٍ من أجل الشهرة والربح. وبهذه الطريقة، يربط الشيطان الناس بأغلالٍ غير مرئيّةٍ، ولا يملكون القوّة ولا الشجاعة للتخلُّص منها. ولذلك، من دون معرفة، يحمل الناس هذه الأغلال ويمشون بخطى متثاقلة باستمرارٍ بصعوبةٍ كبيرة" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (6)].

بعد قراءة كلمات الله، شاركت عن الحقّ بشأن كيفية استخدام الشيطان للشهرة والكسب لإفساد الإنسان. عندها فقط أدركت كم أن الشيطان كريه! يستخدم الشيطان التعليم الرسمي والتأثيرات الاجتماعية ليغرس في أذهاننا قواعده للحياة، مثل "ما من ربح بلا ألم،" و "إذا أردت أن تبدو كريمًا عندما ينظر إليك الآخرون، فعليك تحمُّل المعاناة عندما لا ينظرون،" و "المال يدير العالم". وبسبب انخداعهم بقواعد الحياة هذه، يشعر الناس أنهم غير قادرين على العيش من دون مال، وأن الآخرين سيبجلّونهم وسيتمتعون بالكرامة ما أن يصبحوا أغنياء، وأن كون المرء فقيرًا يعني أنه لا قيمة له. ولذلك يناضل الناس طوال حياتهم من أجل المال والشهرة والربح، حتّى أنهم قد يفعلون أي شيء للحصول عليهم، بصرف النظر عن العواقب. يصبح الناس أكثر فسادًا، وتضحي حياتهم أكثر إيلامًا. هذا صفد الشيطان الذي وضعه علينا، وهذه أيضًا حيلته لإفسادنا. عن طريق إجهاد النفس للتميّز عن الآخرين، وكسب المزيد من المال ليبجّلني الآخرون، تحوّلت إلى آلة لصنع النقود. نمت رغباتي، ولم أكن أرضى أبدًا، وقد اضطررت إلى التوقف فقط عندما دمرت صحتي. تحوّلت إلى عبدة للمال والشهرة والكسب. إن السعي وراء الشهرة والكسب جعل حياتي شاقة ومرهقة حقًّا! بسبب سعيي وراء ذلك على امتداد كل تلك السنوات، أصبحت ضحية الألم وأصابني المرض في النهاية. كل تلك المعاناة نتجت عن تعرضي للأذية والإفساد من الشيطان! من دون رؤى كلمات الله لم أكن لأعلم إطلاقًا أن الشيطان يستخدم المال والشهرة والكسب لإفساد الناس، وأن الشهرة والكسب يعدّان بمثابة الصفد الذي يقيّد به الشيطان الإنسان.

بعدئذ، أتت الأخت كين عدة مرات لتتشارك معي. ومع مرور الوقت، بدأت أدرك التكتيكات التي يستخدمها الشيطان لإفساد الإنسان. توصّلت كذلك إلى فهم ما هو أكثر أهمية، مثل قراءة كلمات الله، السعي وراء الحق، والخضوع لسلطان الله وترتيباته. هذه هي الطريقة الأكثر جدوى وسعادة للعيش، والطريقة الوحيدة التي يثني عليها الله!

ذات يوم، عرفت أن زميلة لي أتت إلى اليابان برفقة زوجها من أجل جمع المال. ورغم أنهما تمكنا من كسب بعض المال، إلا أن صحة زوجها تدهورت لاحقًا، ما اضطره إلى العودة إلى الصين لتلقي العلاج. وتم تشخيص إصابته في النهاية بمرحلة متقدمة من السرطان. عاشت عائلتهما في خوف وحزن. ومن خلال مصيبتها، شعرت على نحو عميق بهشاشتنا وبالقيمة النفيسة للحياة. من دون الحياة، ما الفائدة من جني المزيد من المال؟ وهل يمكن شراء الحياة بالمال؟ بعدئذ، قرأت هذا في كلمة الله القدير: "يقضي الناس حياتهم في مطاردة المال والشهرة؛ يتشبّثون بهذا القشّ معتقدين أنه وسيلة دعمهم الوحيدة وكأن بامتلاكه يمكنهم الاستمرار في العيش وإعفاء أنفسهم من الموت. ولكن فقط عندما يقتربون من الموت يُدرِكون مدى ابتعاد هذه الأشياء عنهم ومدى ضعفهم في مواجهة الموت ومدى سهولة انكسارهم ومدى وحدتهم وعجزهم وعدم وجود مكان يلجأون إليه. يُدرِكون أن الحياة لا يمكن شراؤها بالمال أو الشهرة، وأنه بغضّ النظر عن مدى ثراء الشخص، وبغض النظر عن رِفعة مكانته، فإن جميع الناس يكونون على القدر نفسه من الفقر وعدم الأهمية في مواجهة الموت. يُدرِكون أن المال لا يمكنه شراء الحياة وأن الشهرة لا يمكنها محو الموت، وأنه لا المال ولا الشهرة يمكنهما إطالة حياة الشخص دقيقة واحدة أو ثانية واحدة" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (3)]. أتاحت لي كلمات الله أن أرى بشكل أفضل أننا إذا كنا لا نؤمن بالله ولا نفهم الحق، لا يمكننا أن نرى مخططات الشيطان على حقيقتها، كما لا يمكننا أن نرى أن الشيطان يستخدم المال والشهرة لإفساد الناس. نعلق في تلك الدوامة التي لا يمكننا الخروج منها. ننخدع ونتضرر من الشيطان رغمًا عنا، حتّى أننا ندمّر حياتنا الخاصة. هذا مفجع للغاية. بفضل إيماني وقراءتي للكثير من كلمات الله، توصّلت في النهاية إلى فهم هذه الأمور. لو لم يكن لديّ إيمان ولو لم أكن ملمّة بكلمات الله لم أكن لأستطيع إطلاقًا التخلص من فساد الشيطان. كنت لأكافح وسط الظلمة والألم دون أية إمكانية لإيجاد مخرج.

أثناء إصابتي تفقدتني أخوات من الكنيسة مرارًا، وساعدن على التخفيف من ألمي. كذلك قمن بالأعمال المنزلية واعتنين بي كما لو كنت واحدة من أفراد أسرتهن. وأنا في بلد غريب، تأثّرت بعمق بمدى العناية التي أولتها الأخوات لي، بل وشعرت بالمزيد من الامتنان تجاه لله القدير. ومن خلال عناية الله وحمايته، تحسنت بسرعة.

قرأت هذا لاحقًا في كلمة الله القدير: "عندما ينظر المرء مرة أخرى إلى الطريق الذي سلكه، وعندما يتذكّر كل مرحلةٍ من مراحل رحلته، يرى أنه في كل خطوةٍ، سواء كان طريقه شاقًّا أو سلسًا، كان الله يُوجّه مساره ويُخطّطه. كانت ترتيبات الله الدقيقة وتخطيطه الدقيق يقود المرء، دون علمه، إلى هذا اليوم. يا لنعمة أن تكون قادرًا على قبول سيادة الخالق ونوال خلاصه! إذا كان موقف الشخص من المصير سلبيًّا، فهذا دليلٌ على أنه يقاوم كل ما رتبّه الله له وأنه ليس خاضعًا. وإذا كان موقف المرء تجاه سيادة الله على مصير الإنسان إيجابيًّا، فعندما ينظر المرء إلى رحلته ويتواجه فعلًا مع سيادة الله، فإنه يرغب بشدّةٍ في الخضوع لكل ما رتبّه الله وسوف يشتدّ عزمه وثقته من أجل السماح لله بتنظيم مصيره ويتوقّف عن التمرّد على الله. يرى المرء أنه عندما لا يفهم المصير أو سيادة الله وعندما يتلمّس طريقه عن عمدٍ متهاويًا مترنّحًا، عبر الضباب، تكون الرحلة صعبة ومُفجِعة للغاية. ولذلك عندما يُدرِك الناس سيادة الله على مصير الإنسان، يختار الأذكياء معرفتها وقبولها وتوديع الأيام المؤلمة عندما حاولوا بناء حياة جيّدة بأيديهم، بدلًا من الاستمرار في الصراع ضد المصير والسعي وراء ما يُسمّى بأهداف حياتهم على طريقتهم الخاصة. عندما يكون المرء بلا إلهٍ ولا يستطيع أن يراه ولا يستطيع أن يعترف بوضوحٍ بسيادته، يكون كل يومٍ بلا معنى وبلا قيمةٍ وبائسًا. أينما كان المرء، ومهما كانت وظيفته، فإن طريقة عيشه وسعيه لتحقيق أهدافه لا يجلب له سوى الحزن الدائم والمعاناة التي لا تُطاق بحيث لا يحتمل النظر إلى الوراء. فقط عندما يقبل المرء سيادة الخالق، ويخضع لتنظيماته وترتيباته، ويبحث عن الحياة الإنسانيّة الحقيقيّة، فسوف يتحرّر بالتدريج من الحسرة والمعاناة كلها ويتخلّص من كل خواء الحياة" [الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (3)]. إن كلمة الله عملية جدًا، وكل جملة فيها تخاطب أعماق قلبي. أفهم من كلمة الله أن الله هو الخالق ونحن مخلوقاته. إن حياة كل شخص بين يديّ الله، وتحت سلطته وترتيبه. كل ما نحصل عليه في الحياة خاضع لتحكّم الله ومقدّر منه. إن العمل بلا هوادة لا يشكّل حتمًا عاملًا حاسمًا. فما يهبنا الله هو ما نحصل عليه. إذا لم يهبنا الله أمرًا، فمهما اجتهدنا في العمل لن نستطيع الحصول عليه. تمامًا كالمقولتين: "الإنسان يزرع البذور، لكن السماء تقرر بشأن الحصاد" و "الإنسان يخطط، والله يقرر النتيجة". ينبغي علينا الخضوع لسلطان الخالق وترتيباته في حياتنا. هذا هو سر السعادة في الحياة! أدركت أيضًا أن المال والمنصب ممتلكات زمنية. إذا كرّس المرء حياته للسعي وراء الشهرة والكسب، لا يحصل في المحصّلة سوى على الفراغ والألم. في النهاية، يصبح المرء مُستنزفًا من الشيطان. تذكّرت كيف كنت أعيش بحسب فلسفات شيطانية مثل "ما من ربح بلا ألم،" وكيف كنت أسعى وراء المال والشهرة. ظننت أن ذلك سيمكنني من عيش حياة سعيدة، وأن الآخرين سيبجّلونني ويحسدونني لأجل ذلك، لكن لم أتوقع أن ما سأحصل عليه بدلًا من ذلك هو الألم والمرارة، ولم أتمتع بأي سلام أو سعادة. الآن وقد قرأت كلمات الله، بتّ أفهم مشيئته. لم أعد أريد أن أحارب مصيري، ولا أريد إطلاقًا أن أتقصّى الشهرة والكسب. هذه ليست الحياة التي أريدها بعد الآن. قررت أن أسلك طريقًا مختلفًا في الحياة، وجلّ ما أريده هو أن أضع بقية حياتي بين يديّ الله ليرّتبها، لأجتهد في سبيل إطاعة الله والقيام بواجبي.

ولكي أكرّس المزيد من الوقت لإيماني وأحضر الاجتماعات، استقلت من عملي السابق وحصلت على عمل جديد أكثر سهولة. غالبًا ما أقرأ كلمة الله عندما لا أكون في العمل، وكلما قرأت المزيد، أشرق قلبي أكثر. تعلّمت كذلك مصدر خطيئة الإنسان، وصرت أفهم كيف يخلّص الله الجنس البشري خطوة بخطوة، وما الذي ينبغي أن يعيش الإنسان من أجله، وكيف ينبغي عليه أن يعيش حياة ذات مغزى. أجتمع غالبًا بالإخوة والأخوات لنتشارك خبراتنا ونتعلم إنشاد ترانيم كلمات الله. حياتي سعيدة جدًا الآن. أكسب الآن أقل مما كنت أتقاضى في السابق، لكنني أشعر بالسلام والاستقرار كما لم يسبق لي أن فعلت من قبل. عند تفكيري في ذلك الآن، أجد أنني ربحت البركة من خلال البلية! هذا حقًّا خلاص الله لي!

السابق: 4. محاكمة نسل مؤاب

التالي: 6. الشهرة والثروة جلبا لي المعاناة

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

27. تقويم دوافعي في واجبي

انتخبتُ قائدة للكنيسة في يونيو الماضي. في ذلك الوقت، شعرت بسعادة غامرة وشعرت أن الإخوة والأخوات لا بد أنهم يظنون بي حسنًا، وأن تصويت الكثير...

4. محاكمة نسل مؤاب

يقول الله القدير، "الهدف من كل العمل الذي يتم في الوقت الحاضر هو أن يصير الإنسان نقيًّا ويتغير؛ من خلال الدينونة والتوبيخ بالكلمة، وأيضًا...

69. العودة إلى الطريق الصحيح

يقول الله القدير، "خدمة الله ليست بالمهمة اليسيرة. إن أولئك الذين لا تزال شخصيتهم الفاسدة كما هي دون تغيير لا يمكنهم أن يخدموا الله أبدًا....

54. معركة روحية

يقول الله القدير، "أخفى الناس الكثير من الدوافع الخاطئة من وقت إيمانهم بالله حتى يومنا هذا. عندما لا تمارس الحق تشعر أن جميع دوافعك صحيحة،...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب