كيفية السعي إلى الحق (19)
هل تربطون عادةً بين الترانيم التي تستمعون إليها وبين حالاتكم واختباراتكم الخاصة؟ هل تستمع إلى بعض الكلمات والموضوعات التي تتعلق باختباراتك وفهمك أو التي يمكنك الوصول إليها وتتأملها بعناية؟ (في بعض الأحيان، يا الله، عندما أمر بأمور معينة، أربط الترانيم التي أسمعها بحالتي الخاصة، بينما في أحيان أخرى أؤدي شكليًا فحسب). في كثير من الأحيان، أنت تؤدي شكليًا فحسب، أليس كذلك؟ إذا كنتم، في 95 بالمائة من الوقت الذي تستمعون فيه إلى الترانيم، تستمعون روتينيًا وشكليًا فحسب، فهل لهذا الاستماع أي أهمية؟ ما هو الغرض من الاستماع إلى الترانيم؟ على أقل تقدير، يسمح للناس أن يهدؤوا ويبتعدوا بقلوبهم عن مختلف الأمور والأفكار المعقدة، وأن يكونوا هادئين أمام الله، ويأتوا أمام كلام الله ليستمعوا بعناية ويتأملوا في كل جملة وفقرة. هل أنتم الآن مشغولون جدًا بالمهام لدرجة أنكم تفتقرون إلى الوقت للإصغاء وإلى الطاقة للتأمل، أم أنكم ببساطة لا تعرفون كيف تقرأون مصليين كلام الله، وكيف تتأملون في الحق وتهدئون أنفسكم أمام الله؟ أنتم تنهمكون فحسب في أداء واجبكم كل يوم؛ على الرغم من أنه قد يكون شاقًا ومتعبًا، فإنكم تعتقدون أن كل يوم مليء بالأعمال، ولا تشعرون بالفراغ أو بالعجز الروحي. أنت تشعر أن اليوم لم يضع هباءً، بل له قيمة. العيش بلا هدف كل يوم يُسمى بـ "التخبط". أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). أخبروني، إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فهل سيكون لديكم أي نتيجة بارزة لتظهروها بعد ثلاث سنوات أخرى أو خمس أو ثماني أو عشر؟ (كلا). إذا لم تقابلكم أي أحداث خاصة أو أي ظروف خاصة رتبها الله، وإذا لم يكن هناك إرشاد شخصي وقيادة من الأعلى، ليعقد معكم اجتماعات وشركة، ويشرِّح لكم جوهر مختلف الأشخاص والأحداث والأشياء، ويأخذ بيدكم ويعلمكم، فإنكم تضيعون في الواقع الكثير من الوقت كل يوم، ويكون تقدمكم بطيئًا، ولا تربحون شيئًا تقريبًا من جهة دخولكم في الحياة. لذا، متى حدث شيء ما، لا تزداد قدرتكم على التمييز، ولا تتقدم خبرتكم وفهمكم للحق، وتفشلون أيضًا في اختبار إيمانكم بالله وخضوعكم له وفي أن تتقدموا في هذا الإيمان. عندما تواجهون شيئًا ما في المرة التالية، تظلون لا تعرفون كيف تتعاملون معه وفقًا لمبادئ الحق. وفي أثناء قيامكم بواجبكم واختباركم لأشياء مختلفة، تظلون غير قادرين على طلب المبادئ بنشاط والممارسة وفقًا لمبادئ الحق. هذا إهدار للوقت. ما العواقب النهائية التي يؤدي إليها إهدار الوقت؟ يضيع وقتك وطاقتك، ويذهب ثمن جهودك المضنية سدى. الطريق الذي سرت فيه كل هذه السنوات هو كطريق بولس. إذا كنت قائدًا أو عاملًا لسنوات عديدة لكن دخولك في الحياة ضحل، وقامتك ضئيلة، ولا تفهم أيًا من مبادئ الحق، فأنت غير مناسب لهذا الدور، وغير قادر على إكمال مهمة بشكل مستقل. القادة والعاملون غير مناسبين لأدوارهم، ولا يستطيع الإخوة والأخوات العاديون أن يعيشوا حياة الكنيسة باستقلالية، ولا يستطيعون أن يأكلوا ويشربوا كلام الله باستقلالية، ولا يعرفون كيف يختبرون عمل الله، وليس لديهم دخول في الحياة. إذا لم يشرف عليهم أو يرشدهم أحد، فقد يضلون، وإذا لم يكن هناك من يشرف على القادة والعاملين أو يوجههم في عملهم، فقد ينحرفون ويؤسسون مملكة مستقلة، ويضلَّلون على يد أضداد المسيح، بل يمكن حتى أن يتبعوا أضداد المسيح دون أن يعوا ذلك، ويظلون يعتقدون أنهم يبذلون أنفسهم من أجل الله. أليس هذا مثيرًا للشفقة؟ (بلى). إن وضعكم الحالي هو بالضبط هكذا: ضعيف ومثير للشفقة على حدٍ سواء. عندما تواجهكم المواقف، فأنتم عاجزون وليس لديكم طريق تتخذونه. عندما يتعلق الأمر بالمشكلات الفعلية والمحتوى الفعلي للعمل، لا تعرفون كيف تتصرفون أو ماذا تفعلون؛ الأشياء كلها متشابكة وليس لديكم أي فكرة عن كيفية تفكيكها. تشعرون بسعادة كبيرة لانشغالكم كل يوم، وتشعرون بالإرهاق الجسدي وبكثير من الضغط الذهني، لكن نتائج عملكم ليست جيدة جدًا. إن مبادئ كل حق ومسارات الممارسة قد بُيِّنت لكم بوضوح من خلال ترتيبات العمل في بيت الله، لكنكم ليس لديكم أي مسار في عملكم، ولا يمكنكم العثور على المبادئ، وتدخلون في حالة من التخبط عندما تواجهكم المواقف، ولا تعرفون كيف تتصرفون، وكل عملكم فوضى. أليست هذه حالة يرثى لها؟ (بلى). إنها بالفعل حالة يرثى لها.
يقول البعض: "إنني أؤمنُ بالله منذ أكثر من عشر سنوات؛ أنا مؤمن محنَّك". ويقول البعض: "أنا أؤمن بالله منذ عشرين عامًا". ويقول آخرون: "ما عشرون عامًا من الإيمان؟ إنني أؤمنُ بالله منذ أكثر من ثلاثين عامًا". لقد آمنتم بالله منذ عدة سنوات، بل إن بعضكم خدموا بصفتهم قادة أو عاملين لسنوات عديدة ولديهم قدر لا بأس به من الاختبار. لكن كيف حال دخولكم في الحياة؟ ما مدى استيعابكم لمبادئ الحق؟ لقد خدمت بصفتك قائدًا أو عاملًا لسنوات عديدة واكتسبت قدرًا من الاختبار في عملك، لكن هل ستؤسس ممارستك على مبادئ الحق عندما تواجه جميع أنواع المهام والناس والأشياء؟ هل ستعْضُد اسم الله؟ هل ستحمي مصالح بيت الله؟ هل ستصون عمل الله؟ هل يمكنك أن تتمسك بشهادتك؟ عندما تواجه تعطيلات واضطرابات في عمل الكنيسة يسببها أضداد المسيح والأشرار، هل سيكون لديك الثقة والقوة لمحاربتهم؟ هل يمكنك أن تحمي شعب الله المختار وتعْضُد عمل بيت الله، وتدافع عن مصالح بيت الله من أن يلحق بها العار وعن اسمه كذلك؟ هل تستطيع القيام بذلك؟ مما أراه، لا يمكنكم القيام بذلك، ولم تفعلوا ذلك. أنتم مشغولون جدًا كل يوم؛ ماذا كان يشغلكم؟ لقد ضحيتم طوال هذه السنوات بأسركم وحياتكم المهنية، وتحملتم المعاناة، ودفعتم الثمن، واستثمرتم الكثير من الجهد، ولكنكم لم تربحوا سوى القليل، بل إن بعض القادة والعاملين واجهوا أحداثًا وأشخاصًا وظروفًا مشابهة مرات عديدة، ورغم ذلك يواصلون ارتكاب الأخطاء نفسها، ويخلفون التعديات نفسها وراءهم. ألا يدل هذا على نقص النمو في حيواتهم؟ ألا يعني هذا أنهم لم يربحوا الحق؟ (بلى). ألا يدل هذا على أنهم لا يزالون تحت سيطرة الشيطان في ظل سلطته الظلامية ولم ينالوا الخلاص؟ (بلى). عندما تنشأ كل أنواع الأحداث المختلفة وتتكشف حولك في الكنيسة في أوقات مختلفة، فأنت عاجز عن فعل أي شيء. خاصةً عندما تواجهون أضداد المسيح والأشرار الذين يتسببون في تعطيلات واضطرابات في عمل الكنيسة، لا تعرفون كيف تتعاملون مع هذا. أنتم فقط تدعون الأمور تمر، أو في أفضل الأحوال، تغضبون وتهذبون أولئك الذين يسببون الاضطراب، لكن المشكلة تظل بلا حل، وليس لديكم خطة عمل بديلة. بل إن البعض يفكرون: "لقد بذلت في الأمر كل قوتي وكل قلبي؛ ألم يقل الله إنه ينبغي علينا أن نبذل هذين الاثنين؟ لقد بذلت كل ما في وسعي، وإذا لم تكن ثمة نتائج رغم ذلك، فهذا ليس خطأي. الأمر فحسب أنَّ الناس سيئون للغاية: إنهم لا يستمعون حتى عندما تعقد معهم شركة حول الحق". تقول إنك بذلت كل قوتك وكل قلبك، لكن العمل لم يحقق أي نتائج. أنت لم تعضد عمل الكنيسة أو تحمي مصالح بيت الله، وتركت الأشرار يسيطرون على الكنيسة. لقد سمحت للشيطان أن يعيث فسادًا ويلحق العار باسم الله، بينما كنت تشاهد من الخطوط الجانبية، غير قادر على فعل أي شيء، وغير قادر على التعامل مع أي شيء حتى في ظل السلطة التي كانت لديك. لم تستطع أن تتمسك بشهادتك لله، ورغم ذلك تعتقد أنك فهمت الحق وبذلت كل قلبك وقوتك. هل هذا هو معنى أن تكون وكيلًا صالحًا؟ (لا، ليس هذا هو المعنى). عندما يظهر جميع أنواع الأشرار وعديمو الإيمان ويلعبون مختلف الأدوار كأبالسة وشياطين، ويخالفون ترتيبات العمل ويفعلون شيئًا مختلفًا تمامًا، ويكذبون ويخدعون بيت الله؛ وعندما يزعجون عمل الله ويعطلونه، ويفعلون أشياء تلحق العار باسم الله وتشوِّه بيت الله – الكنيسة – لا تفعل أنت أي شيء سوى أن تغضب عندما ترى ذلك، ومع ذلك لا يمكنك أن تنهض لتقيم العدل، وتفضح الأشرار، وتعْضُد عمل الكنيسة، وتتصدى لهؤلاء الأشرار وتتعامل معهم، وتمنعهم من إزعاج عمل الكنيسة وتشويه بيت الله: الكنيسة. بعدم قيامك بهذه الأشياء، تكون قد فشلت في تقديم الشهادة. يقول البعض: "أنا لا أجرؤ على القيام بهذه الأشياء، أخشى إن تعاملت مع الكثير من الناس أن أغضبهم، وإن اجتمعوا عليَّ لمعاقبتي وعزلي من منصبي، فماذا سأفعل"؟ أخبرني، هل هم جبناء وهيَّابون، هل هم لا يملكون الحق ولا يستطيعون تمييز الناس أو رؤية حقيقة إزعاج الشيطان، أم أنهم غير مخلصين في أداء واجبهم، ويحاولون حماية أنفسهم فحسب؟ ما المشكلة الحقيقية هنا؟ هل فكرت يومًا في هذا الأمر؟ إذا كنت أنت بطبيعتك هيَّابًا وهشًا وجبانًا وخائفًا؛ لكن بعد سنوات عديدة من الإيمان بالله، نما لديك إيمان حقيقي به بناءً على فهم بعض الحقائق، ألن تكون قادرًا على التغلب على بعض ضعفك البشري وتهيُّبك وهشاشتك وألا تعود خائفًا من الأشرار؟ (بلى). إذن ما هو أصل عدم قدرتكم على التعامل مع الأشرار والتصدي لهم؟ هل هو أن إنسانيتكم بطبيعتها جبانة وهيَّابة وخوافة؟ ليس هذا هو السبب الجذري للمشكلة ولا جوهرها. إن جوهر المشكلة هو أن الناس ليسوا مخلصين لله؛ فهم يحمون أنفسهم وسلامتهم الشخصية وسمعتهم ومكانتهم ومخرجهم. يتجلى عدم إخلاصهم في كيف أنهم يحمون أنفسهم دائمًا، ويختبئون كما تختبئ السلحفاة في قوقعتها متى واجهوا أي شيء، وينتظرون حتى يزول قبل أن يخرجوا رؤوسهم مرة أخرى. مهما يكن ما يواجهونه، فهم دائمًا حذرون للغاية ولديهم الكثير من القلق والهم والتخوف، ويعجزون عن النهوض والدفاع عن عمل الكنيسة. ما المشكلة هنا؟ أليست المشكلة هي نقص الإيمان؟ أنت ليس لديك إيمان حقيقي بالله، ولا تؤمن بأن لله السيادة على كل الأشياء، ولا تؤمن بأن حياتك وكل ما لديك بين يدي الله. أنت لا تؤمن بما يقوله الله: "بدون إذن من الله، لا يجرؤ الشيطان على تحريك شعرة واحدة في جسدك". أنت تعتمد على عينيك وتحكم على الحقائق، وتحكم على الأشياء بناءً على حساباتك الخاصة، وتحمي نفسك دائمًا. أنت لا تؤمن بأن مصير الإنسان بيد الله؛ وأنت تخاف من الشيطان، وتخاف من قوى الشر والأشرار. أليس هذا افتقارًا إلى الإيمان الحقيقي بالله؟ (بلى). لماذا لا يوجد إيمان حقيقي بالله؟ هل لأن اختبارات الناس ضحلة للغاية ولا يستطيعون رؤية حقيقة هذه الأشياء، أم لأنهم لا يفهمون سوى القليل جدًا من الحق؟ ما السبب؟ هل للأمر علاقة بشخصيات الناس الفاسدة؟ هل لأن الناس ماكرين للغاية؟ (نعم). أيًا يكن عدد الأشياء التي يختبرونها، وأيًا يكن عدد الحقائق التي توضع أمامهم، فإنهم لا يؤمنون بأن هذا عمل الله، أو أن مصير الإنسان بيد الله. هذا جانب؛ وثمة مشكلة أخرى مميتة هي أن الناس يهتمون كثيرًا بشأن أنفسهم. إنهم ليسوا على استعداد لدفع أي ثمن أو تقديم أي تضحية من أجل الله، أو من أجل عمله، أو من أجل مصالح بيت الله، أو من أجل اسمه، أو من أجل مجده. إنهم ليسوا على استعداد لفعل أي شيء ينطوي على أدنى خطر. الناس يهتمون كثيرًا بأنفسهم! بسبب خوفهم من الموت، ومن الإذلال، ومن الوقوع في مكائد الأشرار، ومن الوقوع في أي نوع من المآزق، يبذل الناس جهودًا كبيرة للحفاظ على جسدهم، ويجتهدون حتى لا يدخلوا في أي مواقف خطرة. يُظهر هذا السلوك، من ناحية، أن الناس في غاية المكر، بينما يكشف من ناحية أخرى عن حفاظهم على أنفسهم وأنانيتهم. أنت غير راغب في تسليم نفسك لله، وعندما تقول إنك على استعداد لبذل نفسك من أجل الله، فليس هذا أكثر من مجرد رغبة. عندما يتعلق الأمر بالتقدم فعليًا وتقديم الشهادة لله، ومحاربة الشيطان، ومواجهة الخطر والموت ومختلف الصعوبات والمشقات، فإنك لا تعود راغبًا. تتداعى رغبتك الضئيلة، وتفعل كل ما في وسعك لحماية نفسك أولاً، وبعد ذلك تقوم ببعض الأعمال السطحية التي عليك القيام بها، وهي الأعمال التي تكون مرئية للجميع. لا يزال عقل الإنسان أذكى من عقل الآلة: فهو يعرف كيف يتكيف، وعندما يواجه مواقف معينة، يعرف أي الأعمال يساهم في تحقيق مصالحه الذاتية وأيها لا يساهم في تحقيقها، ويسارع إلى استخدام كل وسيلة متاحة له. ولهذا، عندما تواجه أمورًا معينة، فإن ثقتك الضعيفة في الله تعجز عن الثبات. أنت تتصرف بمكر مع الله، وتنخرط في تكتيكات ضده، وتتحايل عليه، وهذا يكشف عن عدم ثقتك الحقيقية بالله. أنت تعتقد أن الله غير جدير بالثقة، وأنه قد لا يكون قادرًا على حمايتك أو ضمان سلامتك، وأن الله قد يتركك حتى تموت. أنت تشعر أن الله لا يمكن الاعتماد عليه، وأنك لا يمكنك أن تتيقن إلا بالاعتماد على نفسك. ماذا يحدث في النهاية؟ مهما تكن الظروف أو الأمور التي تواجهها، فإنك تتعامل معها باستخدام هذه الأساليب والتكتيكات والاستراتيجيات، وتعجز عن التمسك بشهادتك لله. تعجز – أيًا كانت الظروف – عن أن تكون قائدًا أو عاملًا مؤهلًا، ولا تقدر على إظهار صفات الوكيل أو تصرفاته، ولا تقدر على إظهار الولاء الكامل، ومن ثمَّ تفقد شهادتك. وبصرف النظر عن عدد الأمور التي تواجهها، فأنت غير قادر على الاعتماد على إيمانك بالله لتحقيق الولاء وتنفيذ مسؤوليتك. وبالتالي، فإن النتيجة النهائية هي أنك لا تربح شيئًا. في كل ظرف رتبه لك الله، وعندما حاربت ضد الشيطان، كان خيارك دائمًا هو الانسحاب والهروب. أنت لم تتبع المسار الذي عينه الله أو حدده لك لتختبره. لذا، في خضم هذه المعركة يفوتك الحق والفهم والاختبارات التي كان يجب أن تكتسبها. في كل مرة تجد نفسك في ظروف رتبها الله لك، تمر بها بالطريقة نفسها، وتنهيها بالطريقة نفسها. في النهاية، يكون التعليم والدروس التي تستخلصها هي نفسها دائمًا. ليس لديك أي فهم حقيقي، وأنت لم تستوعب سوى بعض الاختبارات والدروس، مثل: "يجب ألا أفعل هذا في المستقبل. عندما أواجه مواقف مماثلة يجب أن أكون حذرًا بشأن ذلك، ويجب أن أذكر نفسي بهذا، يجب أن أكون حذرًا مع هذا النوع من الأشخاص، وأن أتجنب هذا النوع، وأن أكون على حذر من هذا النوع". هذا كل شيء. ما الذي ربحته؟ أهي الفطنة والبصيرة، أم الاختبار والدروس؟ إذا لم يكن لما ربحته علاقة بالحق، فأنت لم تربح شيئًا؛ لم تربح شيئًا كان ينبغي حقًا أن تربحه. وهكذا، قد خذلت الله في الظروف التي رتبها، ولم تحصل على ما قصده لك، لذا فقد خذلت الله بالتأكيد. في هذه التجربة التي رتبها الله أو الظرف الذي رتبه، لم تحصل على الحق الذي أرادك الله أن تحصل عليه. لم ينم قلبك الذي يتقي الله، ولا تزال الحقائق التي يجب أن تفهمها غير واضحة، ولا تزال تفتقر إلى الفهم في المجالات التي تحتاج فيها إلى الفهم بشأن نفسك، ولم تكتسب الدروس التي كان يجب أن تكون قد استوعبتها، واستعصت عليك مبادئ الحق التي كان يجب أن تتبعها. وفي الوقت نفسه، لم ينم إيمانك بالله كذلك، بل لا يزال حيث بدأ. أنت تمشي في مكانك. ما الذي زاد إذن؟ ربما تفهم الآن بعض التعاليم التي لم تكن تعرفها من قبل، أو رأيت الجانب القبيح لنوع معين من الأشخاص لم تكن تفهمه من قبل. لكنَّ أصغر ذرة تتعلق بالحق لا تزال غير مرئية بالنسبة إليك وغير مفهومة وغير مُدركة وغير مختَبَرة. وبينما تستمر في عملك أو في أداء الواجب، فإنك لا تزال لا تفهم المبادئ التي يجب أن تتبعها أو لا تعرفها. هذا مخيب جدًا لآمال الله. على أقل تقدير، في هذا الظرف المحدد، أنت لم تزد من الولاء لله الذي كان ينبغي أن يزداد على نحو متأصل بداخلك أو من الإيمان. لم تحقق أيًا من الأمرين، وهو أمر مثير حقًا للشفقة! قد يقول البعض: "أنت تزعم أنني لم أكسب شيئًا، لكن هذا ليس صحيحًا. على أقل تقدير، اكتسبت معرفة بالذات وفهمًا للناس والأحداث والأشياء من حولي. أصبح لدي فهم أوضح للإنسانية ولنفسي". هل يُعتبر فهم هذه الأشياء تقدمًا حقيقيًا؟ حتى لو لم تكن تؤمن بالله، فعندما تعيش حتى سن الأربعين أو الخمسين ستكون على دراية بهذه الأمور بشكل أو بآخر. يمكن للأشخاص ذوي مستوى القدرات الضعيف أو المتوسط أن يحققوا ذلك؛ يمكن أن يكون لديهم فهم لأنفسهم، ولمزايا إنسانيتهم وعيوبها، ونقاط القوة والضعف فيها، وكذلك ما يجيدونه وما لا يجيدونه. وبحلول الوقت الذي يبلغون فيه الأربعينات أو الخمسينات من العمر، يجب أن يكون لديهم بشكل أو بآخر فهم لإنسانية مختلف أنواع الأشخاص الذين يتفاعلون معهم بشكل متكرر. ينبغي أن يعرفوا أي أنواع الناس يصلح أن يتفاعلوا معهم وأيها لا يصلح لذلك، وأن يعرفوا أي أنواع الناس يصلح أن يخالطوهم وأيها لا يصلح لذلك، وأن يعرفوا أي أنواع الناس يجب أن يبتعدوا عنهم وأي أنواع الناس يجب أن يقتربوا منهم؛ هم قادرون على فهم كل هذه الأشياء بشكل أو بآخر. أما إذا كان الشخص مشوش الذهن، أو كان مستوى قدراته ضعيفًا للغاية، أو كان أحمق أو معاقًا ذهنيًا، فلن يملك هذا الفهم. إذا كنت قد آمنت بالله لسنوات عديدة، وسمعت الكثير من الحق، واختبرت الكثير من مختلف الظروف، ولم تربح سوى في مجال إنسانية الناس، أو في تمييز الناس أو فهم بعض الأمور البسيطة، فهل يمكن اعتبار هذا ربحًا حقيقيًا؟ (كلا، لا يمكن). إذن، ما هو الربح الحقيقي؟ إنه مرتبط بقامتك. إذا ربحت شيئًا ما، فستتقدم، وإن لم تربح شيئًا حقيقيًا، فلن تنمو قامتك. إذن، ما الذي يشير إليه هذا الربح؟ إنه، على أقل تقدير، يرتبط بالحق؛ وبشكل أكثر تحديدًا، بمبادئ الحق. عندما تفهم مبادئ الحق التي يجب اتباعها في أثناء التعامل مع مختلف الأمور والأشخاص، وتستطيع اتباعها وممارستها، وتصبح هذه هي المبادئ والمعايير التي تتبعها في تصرفك، فهذا ربح حقيقي. عندما تصبح مبادئ الحق هذه هي المبادئ والمعايير التي يجب أن تتبعها في تصرفك، فإنها تصبح جزءًا من حياتك. عندما يترسخ هذا الجانب من الحق فيك، فإنه يصبح حياتك، وحينئذٍ تنمو حياتك. إذا كنت لم تدرك بعد مبادئ الحق المتعلقة بهذه الأنواع من الأمور، ولا تعرف بعد كيف تتعامل معها عندما تقابلها، فأنت لم تربح الحق بعد في هذا الصدد. من الواضح أن هذا الجانب من الحق ليس حياتك، وأن حياتك لم تنم. لا فائدة من أن تكون ماهرًا في التحدث؛ فكل هذه تعاليم على أي حال. هل تستطيع قياس هذا؟ (نعم، أستطيع). هل أحرزتم تقدمًا خلال هذا الوقت؟ (لا، أنا لم أحرز). لقد استخدمتَ إرادتك وفكرك البشريين فحسب لتلخيص بعض الاختبارات، مثل أن تقول: "لقد تعلمت هذه المرة أنواع الأشياء التي لن أقولها أو أفعلها بعد الآن، والأشياء التي سأفعلها أكثر أو أقل، وما لن أفعله بالتأكيد". هل هذه علامة على النمو في حياتك؟ (لا، ليست كذلك). هذه علامة على أنك تفتقر بشدة إلى الفهم الروحي. كل ما يمكنك القيام به هو تلخيص القواعد والكلمات والشعارات، والتي لا علاقة لها بالحق. أليس هذا ما تفعلونه؟ (بلى). في كل مرة تختبرون فيها أمرًا ما، وبعد كل حدث مهم، تنذرون أنفسكم قائلين: "يا إلهي، في المستقبل يجب أن أفعل ذلك على هذا النحو أو ذاك". لكن في المرة التالية التي ينشأ فيها موقف مماثل، ينتهي الأمر بالفشل، ويصيبك الإحباط، وتقول: "لماذا أنا هكذا؟" تغضب من نفسك، معتقدًا أنك فشلت في تلبية توقعاتك الخاصة. هل هذا مفيد؟ الأمر ليس أنك فشلت في تلبية توقعاتك الخاصة، أو أنك أحمق، أو أن الظروف التي رتبها الله خاطئة، ولا هو بالتأكيد أن الله يعامل الناس بطريقة غير عادلة. المسألة هي أنك لا تسعى إلى الحق أو تطلبه، وأنك لا تتصرف بما يتوافق مع كلام الله، وأنك لا تستمع إلى كلام الله. أنت دائمًا ما تُقحم الإرادة البشرية في الأمر؛ أنت سيد نفسك، ولا تدع كلام الله يتولى الزمام. أنت تفضل الاستماع إلى الآخرين على الاستماع إلى كلام الله. أليس هذا هو الحال؟ (بلى، هو كذلك). هل تعتقد أنك قد أحرزت تقدمًا من خلال أنك راكمت بعض الاختبارات والدروس من حدث واحد أو في ظرف معين؟ إذا كنت قد أحرزت تقدمًا حقيقيًا، فعندما يمتحنك الله في المرة القادمة، ستكون قادرًا على الدفاع عن اسم الله، وحماية مصالح بيت الله وعمله، وضمان أنَّ العمل يسير بسلاسة، وعدم تعرضه لأي اضطراب أو عرقلة. ستضمن أن يبقى اسم الله غير مشوَّه ولا تشوبه شائبة، وألا يتعرض نمو حياة إخوتك وأخواتك للخسارة، وأنَّ تقدمات الله محمية. هذا يعني أنك قد أحرزت تقدمًا، وأنك مناسب للاستخدام، وأنك تملك دخول في الحياة. أنتم حاليًا لم تصلوا بعد؛ على الرغم من أن عقولكم صغيرة، فإنها مليئة بالكثير من الأشياء، وأنتم لستم بسطاء. على الرغم من أنكم ربما تملكون الإخلاص لبذل أنفسكم من أجل الله والرغبة في ترك كل شيء والتخلي عنه من أجله، فعندما تواجهون الأمور، لا تستطيعون التمرد على مختلف رغباتكم ونواياكم وخططكم. كلما زاد ما يقابل بيت الله وعمل الله من صعوبات متنوعة، زاد تراجعكم إلى الوراء، وأصبحتم غير مرئيين بدرجة أكبر، وقلَّت احتمالية أن تنهضوا وتتولوا زمام ذلك العمل، وأن تحموا مصالح بيت الله وعمل الله. ماذا حدث إذن لإخلاصك في بذل نفسك من أجل الله؟ لماذا هذا القدر القليل من الإخلاص هش وضعيف للغاية؟ ما الذي حدث لاستعدادك الضئيل لتقديم كل شيء لله ونبذه كله من أجله؟ لماذا هو غير قادر على الثبات؟ ما الذي يجعله ضعيفًا للغاية؟ ماذا يثبت هذا؟ إنه يثبت أنك تفتقر إلى القامة الحقيقية، وأن قامتك صغيرة بشكل يرثى له، ويمكن لإبليس صغير أن يربكك بسهولة: بقدر قليل من التعطيل، ستتحول لتتبع هذا الشيطان الصغير. حتى لو كان لديك بعض القامة، فإنها تقتصر على اختبارك لبعض الأمور السطحية التي لا علاقة لها بمصالحك، ولا تزال غير قادر على حماية مصالح بيت الله والقيام ببعض الأمور الصغيرة التي تشعر أنك تستطيع تحقيقها وأنها في حدود قدراتك إلا بصعوبة. عندما يتعلق الأمر حقًا بالتمسك بشهادتك، عندما تواجه الكنيسة حملة قمع كبيرة وإزعاجات الأشرار وأضداد المسيح، أين تكون؟ ماذا تفعل؟ فيم تفكر؟ هذا يجسد المشكلة بوضوح، أليس كذلك؟ إن قام أحد أضداد المسيح – في أثناء قيامه بواجبه – بخداع مَن هم فوقه ومَن هم دونه، وتصرف بتهور، وعرقل عمل الكنيسة وعطله، وبدَّد التقدمات، وضلل الإخوة والأخوات ليتبعوه، ولست تعجز فحسب عن تمييزه، أو تثبيط جهوده أو الإبلاغ عنه، بل إنك ترافق ضد المسيح وتساعده على تحقيق النتائج التي يتمناها من فعل كل هذه الأشياء، فخبرني إذن؛ ما تأثير عزمك القليل على بذل نفسك حقًا من أجل الله؟ أليست هذه قامتك الحقيقية؟ عندما يأتي أضداد المسيح والأشرار وجميع أنواع عديمي الإيمان لعرقلة عمل بيت الله وتدميره، خاصةً عندما يشوهون الكنيسة ويلحقون العار باسم الله، ماذا تفعل أنت؟ هل نهضت للدفاع عن عمل بيت الله؟ هل نهضت لتثبيط جهودهم أو تقييدها؟ أنت لم تتقاعس فحسب عن الوقوف أمام أضداد المسيح ومنعهم، بل رافقتهم في فعل الشر، وساعدتهم وحرضتهم، وعملت أداةً لهم وتابعًا. علاوةً على ذلك، عندما يكتب أحدهم رسالة للإبلاغ عن مشكلة مع أضداد المسيح، فإنك تتجاهل الرسالة وتختار عدم التعامل مع الأمر. إذن، في هذه اللحظة الحاسمة، هل كان لعزيمتك ورغبتك في نبذ كل شيء من أجل بذل نفسك بإخلاص لله أي تأثير على الإطلاق؟ إذا لم يكن لهما أي تأثير، فمن الواضح تمامًا أن هذه الرغبة وهذه العزيمة المزعومتان ليستا قامتك الحقيقية، وليستا ما اكتسبته من الإيمان بالله لسنوات عديدة لا يمكنهما أن يحلا محل الحق؛ إنهما ليسا الحق وليسا الدخول في الحياة. إنهما ليستا رمزًا لامتلاك الإنسان للحياة، بل مجرد نوع من التفكير القائم على التمني، وهما شوق وتوق لدى الناس إلى شيء جميل؛ لا علاقة لهما بالحق. لذلك، عليكم أن تستيقظوا وتروا قامتكم الحقيقية بوضوح. لا تظنوا أنه لمجرد أن لديكم شيئًا قليلًا من مستوى القدرات، وأنكم نبذتم أشياء كثيرة مثل التعليم والحياة المهنية والعائلة والزواج وآفاق الجسد، فإن قامتكم عظيمة نوعًا ما. بعض الناس كانوا حتى قادة أو عاملين منذ أن وضعوا أساسًا في إيمانهم المبدئي بالله. وعلى مر السنين، تراكمت لديهم اختبارات ودروس معينة، ويمكنهم الوعظ ببعض الكلمات والتعاليم. وبسبب هذا، يشعرون أن قامتهم أكبر من الآخرين، وأن لديهم دخول في الحياة، وأنهم أعمدة ودعائم في بيت الله وهم من يكمِّلهم الله. هذا غير صحيح. لا تظنوا أنفسكم صالحين؛ فأنتم ما تزالون بعيدين عن هذا! لستم قادرين حتى على تمييز أضداد المسيح؛ فلا قامة حقيقية لديكم. على الرغم من أنك كنت تخدم بصفتك قائدًا أو عاملًا لسنوات عديدة، لا يوجد حتى الآن مجال يمكنك أن تكون مناسبًا فيه وأنت غير قادر على القيام بكثير من العمل الحقيقي، ولا يمكن استخدامك إلا على مضض. أنت لست شخصًا ذا موهبة كبيرة. إذا كان لدى أي منكم روح العمل الجاد وتحمُّل المشقة، فأنتم على أكثر تقدير عاملون حمولون. أنتم لستم مناسبين. بعض الناس يصبحون قادة أو عاملين لمجرد أنهم متحمسون، لأنهم يمتلكون أساسًا تعليميًا ويمتلكون مستوى قدرات معين. علاوة على ذلك، تعجز بعض الكنائس عن العثور على الشخص المثالي لتولي المسؤولية، لذلك يترقى هؤلاء الأشخاص كاستثناءات للقاعدة ويخضعون للتدريب. من بين هؤلاء الأفراد، استُبدِل بعضهم تدريجيًا واستُبعِدوا خلال عملية كشف مختلف أنواع الناس. على الرغم من أن بعض الذين استمروا في الاتباع حتى الآن لا يزالون باقين، فهم لا يزالون غير قادرين على تمييز أي شيء. لقد تمكنوا من البقاء فقط لأنهم لم يفعلوا أي شيء شرير. ثم إنَّ السبب الذي يجعلهم قادرين على القيام ببعض الأعمال يعود بالكامل إلى ترتيبات العمل التي تأتي من الأعلى مع التوجيه المباشر والإشراف والاستفسار والمتابعة والمراقبة والتهذيب؛ هذا لا يعني أنهم أفراد مناسبون. ذلك لأنكم غالبًا ما تعبدون غيركم وتتبعونهم وتضلون وتفعلون أشياء خاطئة وتُدخَلون في دوامات من الحيرة بسبب بعض البدع والمغالطات، فتفقدون حس التوجيه الذي لديكم ولا تعرفون بمن تؤمنون حقًا في النهاية. هذه هي قامتكم الفعلية. لو قلتُ إنه ليس لديكم أي دخول في الحياة على الإطلاق، لكان هذا ظلمًا لكم. يمكنني فحسب أن أقول إن نطاق اختباراتكم محدود للغاية. لا يكون لديكم قدر من الدخول إلا بعد تهذيبكم وتأديبكم بجدٍ، لكن فيما يتعلق بالأشياء التي تنطوي على مبادئ مهمة، خاصةً عندما تواجهون أضداد المسيح والقادة الكذبة الذين يضللون الناس ويسببون الإزعاج، فليس لديكم أي شيء تقدمونه، وأنتم تفتقرون إلى أي شهادة. من حيث اختبارات الحياة والدخول في الحياة، فإن اختباراتكم ضحلة للغاية، وتفتقرون إلى الفهم الحقيقي لله. ما تزالون ليس لديكم أي شيء تقدمونه في هذا الصدد. فيما يتعلق بالعمل الكنسي الفعلي، أنتم لا تعرفون كيفية عقد شركة حول الحق وعلاج المشكلات؛ وهنا أيضًا ليس لديكم أي شيء تقدمونه. في هذه الجوانب، ليس لديكم أي شيء تقدمونه. لذلك، أنتم لستم مناسبين لأدوار القائد والعامل. رغم ذلك، فإن معظمكم – كمؤمنين عاديين – لديكم قدر قليل من الدخول في الحياة، وإن كان قليلًا جدًا ولا يرقى إلى واقع الحق. لم يتجل بعد ما إذا كنتم قادرين على الصمود أمام الامتحانات. فقط عندما تنشأ بالفعل تجارب كبرى أو غواية كبيرة أو توبيخ ودينونة جادين ومباشرين من الله، يمكن لذلك أن يمتحن ما إذا كان لديك قامة حقيقية وواقع الحق، وما إذا كنت تستطيع التمسك بشهادتك، وما ستكون الإجابات على ورقة الامتحان الخاصة بك، وما إذا كنت تلبي متطلبات الله؛ حينئذٍ ستُكشَف قامتك الحقيقية. في الوقت الراهن، لا يزال القول بأنك لديك قامة سابق لأوانه. فيما يتعلق بدور القائد والعامل، ليس لديكم أي قامة حقيقية. عندما تواجهون الأمور، تصبحون مرتبكين، وعندما تواجهون إزعاجات الأشرار أو أضداد المسيح تنهزمون. لا يمكنكم إكمال أي مهام مهمة بمفردكم؛ بل تحتاجون دائمًا إلى شخص ما للإشراف عليكم وإرشادكم والتعاون معكم لإنجاز المهمة. بعبارة أخرى، لا يمكنكم قيادة السفينة. سواء لعبتم دورًا قياديًا أو دورًا مساندًا، لا يمكنكم أن تضطلعوا بالأمر بأنفسكم أو أن تكملوا مهمة ما بمفردكم؛ فأنتم عاجزون تمامًا عن إنجاز مهمة ما بشكل جيد دون إشراف واهتمام من الأعلى. إذا أظهرت مراجعة عملكم في النهاية أنكم قد أحسنتم في جميع الجوانب، وأنكم قمتم بكل جزء من أجزاء العمل بإخلاص، وأنكم فعلتم كل شيء جيدًا وتعاملتم مع كل شيء بشكل صحيح ووفقًا لمبادئ الحق، وأنكم عملتم على أساس فهم واضح للحق وطلب مبادئ الحق، بحيث تكونون قادرين على علاج المشكلات والقيام بعملكم جيدًا، فأنتم مناسبون. رغم ذلك، حتى هذه النقطة، وبناءً على كل ما اختبرتموه، فإنكم غير مناسبين. المشكلة الرئيسية في مدى مناسبتكم هي أنكم لا تستطيعون إكمال المهام الموكلة إليكم بشكل مستقل؛ هذا جانب. ومن جانب آخر، إذا لم يكن ثمة إشراف من الأعلى، فإنكم قد تضللون الناس أو تتسببون في نبذهم للطريق الصحيح. لا يمكنكم أن تقودوهم أمام الله أو أن تجلبوا الإخوة والأخوات في الكنيسة إلى واقع الحق أو إلى الطريق الصحيح للإيمان بالله، حتى يتمكن جميع شعب الله المختار من أداء واجبهم. لا يمكنك تحقيق أي من هذا. إذا كانت هناك فترة من الوقت دون استفسار من الأعلى، فدائمًا ما توجد العديد من الانحرافات والعيوب في نطاق العمل الذي أنتم مسؤولون عنه، وكذلك مشكلات من كل شكل وحجم؛ وإذا لم يقم الأعلى بتصحيحها أو الإشراف عليها أو التعامل معها شخصيًا، فمن يدري إلى أي مدى ستصل هذه الانحرافات أو متى ستتوقف. هذه هي قامتكم الحقيقية. لهذا السبب أقول إنكم غير مناسبين تمامًا. هل تريدون سماع هذا؟ ألا يشعركم سماع هذا بالسلبية؟ (يا الله، نشعر في قلوبنا بكثير من عدم الارتياح، لكن ما يعقد الله شركة حوله هو في الواقع حقيقة. ليس لدينا أدنى قدر من القامة أو واقع الحق. عندما يظهر أضداد المسيح لن نكون قادرين على تمييزهم). يجب أن أوضح لكم هذه الأمور؛ وإلا ستشعرون بالظلم وسوء المعاملة طوال الوقت. أنتم لا تفهمون الحق؛ أنتم لا تعرفون سوى الحديث عن بعض الكلمات والتعاليم. خلال الاجتماعات، فإنكم حتى لم تعودوا في المعتاد تجهزون مسودة للكلام عن التعاليم، ولم تعودوا تعانون من رهبة التحدث إلى جمهور، ولذلك تظنون أن لديكم قامة. إذا كانت لديك القامة فلماذا أنت غير مناسب؟ لماذا لا تستطيع عقد شركة حول الحق ومعالجة المشكلات؟ أنت تعرف فقط كيف تتحدث عن الكلام والتعاليم لتجعل إخوتك وأخواتك يستحسنونك. هذا لا يرضي الله، ولا يجعلك مناسبًا. لا يمكن لقدرتك على التحدث عن هذه الكلمات والتعاليم أن تحل أي مشكلات فعلية. يرتب الله موقفًا صغيرًا يكشفك، ويتضح مدى ضآلة قامتك، وأنك لا تفهم الحق على الإطلاق، وأنك لا تستطيع رؤية حقيقة أي شيء؛ ويكشف أنك مسكين ومثير للشفقة وأعمى وجاهل. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). إذا كنتم تستطيعون قبول هذه الأشياء، فهذا جيد، وإن لم تستطيعوا، فخذوا وقتكم وفكروا فيها. فكروا فيما أقوله: هل هو منطقي، هل يستند إلى الواقع؟ هل ينطبق عليكم؟ حتى لو كان ينطبق عليكم، لا تصبحوا سلبيين. كونكم سلبيين لن يساعدكم في حل أي مشكلات. بصفتك مؤمنًا بالله، إذا أردتَ أن تؤدي واجبك وأن تكون قائدًا أو عاملًا، فلا يمكنك أن تستسلم عندما تواجه عثرات وإخفاقات. يجب أن تنهض مجددًا وتستمر في المضي قدمًا. تحتاج إلى التركيز على تزويد نفسك بجوانب معينة من الحق في المجالات التي تعاني فيها من نقص أو قصور، وحيثما تواجه مشكلات خطيرة. لن تحل السلبية أو الجمود أي شيء. عندما تواجهك أمور، توقف عن استحضار الكلمات والتعاليم ومختلف أنواع التفكير الموضوعي؛ فهذه لن تساعدك. عندما يمتحنك الله، وتقول: "في ذلك الوقت لم تكن صحتي جيدة جدًا، وكنت شابًا، ولم يكن محيطي مسالمًا جدًا"، هل سيستمع الله إلى هذا؟ سيسألك الله: "هل سمعت الحق عندما عُقدت معك شركة عنه؟" إذا قلتَ: "نعم، لقد سمعته"، فسيسألك: "هل لديك ترتيبات العمل التي نُقِلَت إليك؟" عندها ستقول أنت: "نعم، لديَّ"، وسيواصل قائلًا: "إذن لماذا لم تتبعها؟ لماذا فشلت فشلاً ذريعًا؟ لماذا لم تستطع التمسك بشهادتك؟" أي سبب موضوعي تؤكد عليه لا يصمد. الله ليس مهتمًا بأعذارك أو تبريرك. إنه لا ينظر إلى مقدار ما تستطيع التحدث به من التعاليم أو مدى براعتك في الدفاع عن نفسك. ما يريده الله هو قامتك الحقيقية وأن تنمو حياتك. مهما يكن الموعد الذي تصبح فيه قائدًا، ومهما يكن مستوى القائد الذي تصبح فيه، أو مدى ارتفاع مكانتك، فلا تنسَ أبدًا مَن أنت وما أنت أمام الله. مهما بلغ مقدار ما تستطيع التحدث به من التعاليم، ومهما كان مدى تمرسك في التحدث بالتعاليم، ومهما كان ما فعلته أو ما قدمته من إسهامات لبيت الله، فإن أيًا من هذه الأشياء لا يدل على أنك تمتلك قامة حقيقية، ولا هي علامات على امتلاكك الحياة. عندما تدخل إلى واقع الحق، وتستوعب مبادئ الحق، وتتمسك بشهادتك عند مواجهة الأمور، وتكون قادرًا على إكمال المهام بشكل مستقل، وتكون صالحًا للاستخدام، عندئذٍ ستكون لك قامة حقيقية. حسنًا، لنختتم هذه المناقشة هنا وننتقل إلى الموضوع الرئيسي لشركتنا.
أين توقفنا في شركتنا في الاجتماع الأخير؟ (في الاجتماع الأخير، عقد الله شركة عن "تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من عائلته". أحد جوانب هذا هو التخلي عن توقعات المرء من أبنائه. شرح الله لنا هذا على مرحلتين: إحداهما تتعلق بسلوك الآباء والأمهات بينما لا يزال أولادهم قاصرين، وتتعلق الأخرى بسلوكهم عندما يصبح أولادهم راشدين. وأيًا كان عمر أبنائهم، سواء كانوا راشدين أم لا، فإن سلوك الآباء وتصرفاتهم في الواقع يتعارضان مع سيادة الله وترتيباته. يرغب الوالدان دائمًا في التحكم في قدر أبنائهم والتدخل في حياتهم، لكن لا يمكن لهم تحديد الطريق الذي يختاره الأبناء والمساعي التي تكون لديهم. لا يمكن للوالدين التحكم في أقدار الأبناء. كما أشار الله إلى وجهة النظر الصحيحة التي يجب أن ننظر من خلالها إلى الأمور: أيًا كانت مرحلة حياة الطفل، يكفي أن يتمم الوالدان مسؤولياتهما، ويتعلق الباقي بالخضوع لسيادة الله وترتيباته وما قدره مسبقًا). لقد عقدنا شركة في المرة الماضية عن حقيقة أن الناس يجب أن يتخلوا عن توقعات الوالدين لأبنائهم. بالطبع، هذه التوقعات مدفوعة بإرادة الإنسان وفكره، وهي لا تتماشى مع حقيقة أن الله يرتب قدر الإنسان. هذه التوقعات ليست جزءًا من مسؤولية الإنسان، بل هي شيء يجب على الناس التخلي عنه. مهما كان مدى عظمة توقعات الآباء لأبنائهم، ومهما كان الآباء يظنون أن توقعاتهم لأبنائهم صائبة وملائمة، فما دامت هذه التوقعات تتعارض مع حقيقة أن الله هو صاحب السيادة على قدر الإنسان، فهي شيء يجب على الناس التخلي عنه. ويمكن القول إن هذا أيضًا أمر سلبي؛ فهو ليس ملائمًا ولا إيجابيًا، ويتنافى مع مسؤوليات الوالدين ويتجاوز نطاق تلك المسؤوليات، ويشكّل توقعات ومطالب غير واقعية تتنافى مع الإنسانية. وقد عقدنا شركة في المرة السابقة حول بعض التصرفات والسلوكيات غير السوية، وبعض السلوكيات المتطرفة التي يقوم بها الآباء تجاه أبنائهم الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، والتي تؤدي إلى كافة أنواع التأثيرات والضغوط السلبية على أبنائهم، مما يدمر سلامتهم الجسدية، والعقلية، والروحية. تشير هذه الأمور إلى أن ما يفعله الآباء غير لائق وغير مناسب. هذه هي الأفكار والأفعال التي يجب على الأشخاص الذين يسعون إلى الحق أن يتخلوا عنها، لأنها، من وجهة النظر الإنسانية، طريقة قاسية وغير إنسانية لتدمير سلامة الطفل الجسدية والعقلية. لذا فإن ما يجب على الآباء والأمهات القيام به تجاه أبنائهم الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد هو الوفاء بمسؤولياتهم، وليس التخطيط لمستقبلهم ومصيرهم والتحكم فيهما أو الترتيب لهما أو تحديدهما. ألم نذكر جانبين رئيسيين من جوانب وفاء الوالدين بمسؤولياتهما تجاه أطفالهما القاصرين في المرة السابقة؟ (بلى، لقد فعلنا). إذا جرى تنفيذ هذين الجانبين، ستكون قد أتممت مسؤوليتك. أما إذا لم يتم تنفيذهما، فحتى لو ربيت أبناءك ليصبحوا فنانين أو موهوبين، ستظل مسؤوليتك غير مكتملة. فمهما بذل الآباء والأمهات من جهد في تربية أبنائهم، سواء كان ذلك يعني أن يشيبوا من القلق، أو أن يصبحوا منهكين إلى حد المرض، ومهما كان الثمن الذي دفعوه كبيرًا، أو مهما بذلوا من جهد، أو بذلوا من مال، فلا يمكن اعتبار أي من ذلك وفاءً بالمسؤولية. إذن، ماذا يعني قولي إن على الوالدين الوفاء بمسؤولياتهما تجاه أطفالهما الصغار؟ ما هما الجانبان الرئيسيان؟ من يتذكرهما؟ (في المرة السابقة عقد الله شركة حول مسؤوليتين. إحداهما هي العناية بصحة الطفل البدنية، والأخرى توجيهه وتعليمه ومساعدته في صحته الذهنية). الأمر بسيط للغاية. في الواقع، إن العناية بصحة الطفل البدنية أمر سهل؛ فقط لا تدعه يصاب بالكثير من الصدمات، أو الكدمات، أو يأكل أشياء ضارة، ولا تفعل أي شيء يؤثر سلبًا على نموه، وعلى الوالدين أن يحرصا قدر المستطاع على أن يحصل على ما يكفي من الطعام، وأن يأكل جيدًا وبصورة صحية، وأن يحصل على الراحة المناسبة، وأن يبقى خاليًا من المرض أو لا يمرض إلا في أحيان قليلة، وأن يحصل على العلاج في الوقت المناسب عندما يمرض. هل يمكن لمعظم الآباء تحقيق هذه المعايير؟ (نعم). هذا شيء يمكن للبشر تحقيقه، فالمهام التي يكلف الله بها الناس سهلة. لأن الحيوانات يمكنها تحقيق هذه المعايير أيضًا، فإذا كان البشر غير قادرين على تحقيقها، ألا يكونون أسوأ من الحيوانات؟ (بلى، يكونون كذلك). إذا كانت الحيوانات تستطيع تحقيق هذه الأشياء، ولكن البشر لا يستطيعون ذلك، فهم حقًا مثيرون للشفقة. هذه هي المسؤولية التي تقع على عاتق الآباء تجاه صحة الأبناء الجسدية. وفيما يتعلق بالصحة الذهنية للأبناء، فإن هذه أيضًا إحدى المسؤوليات التي يجب على الآباء والأمهات تتميمها أثناء تربية الأطفال الصغار. فبعد أن يكون أطفالهم أصحاء جسديًا، يجب على الوالدين أيضًا تعزيز صحتهم الذهنية وصحة أفكارهم، والتأكد من أنهم يفكرون في المشكلات بطرق واتجاهات إيجابية ونشطة ومتفائلة، حتى يتمكنوا من عيش حياة أفضل ولا يكونوا متطرفين أو عرضة للانحرافات أو عدائيين. وماذا أيضًا؟ يجب أن يكونوا قادرين على أن يكبروا ليكونوا طبيعيين، وأصحاء، وسعداء. على سبيل المثال، عندما يبدأ الأطفال في فهم ما يقوله آباؤهم ويمكنهم إجراء محادثات بسيطة وطبيعية معهم، وعندما يبدؤون في إظهار اهتمامهم بأشياء جديدة، يمكن للآباء أن يقصوا عليهم قصص الكتاب المقدس أو مشاركة قصص بسيطة عن كيفية التصرف لإرشادهم. بهذه الطريقة، يمكن للأطفال أن يفهموا ما تعنيه كيفية التصرف وما يجب فعله ليكونوا أطفالًا صالحين وأشخاصًا صالحين. هذا شكل من أشكال التوجيه العقلي للأطفال. لا ينبغي أن يخبرهم الآباء والأمهات بأن عليهم أن يربحوا الكثير من المال عندما يكبرون أو أن يصبحوا مسؤولين رفيعي المستوى، مما يمنحهم ثروة لا نهاية لها ويمنعهم من المعاناة أو القيام بالأعمال اليدوية الشاقة، ويمنحهم السلطة والمكانة ليتسلطوا على الآخرين. يجب عليهم ألا يغرسوا مثل هذه الأمور السلبية في أطفالهم، بل يجب أن يشاركوا معهم الأمور الإيجابية. أو عليهم أن يحكوا لأطفالهم قصصًا تتناسب مع أعمارهم وتحمل رسالة تربوية إيجابية. على سبيل المثال، تعليمهم ألا يكذبوا وألا يكونوا أطفالًا كاذبين، وإفهامهم أن على المرء أن يتحمل عواقب الكذب، وتوضيح موقفهم من الكذب، والتأكيد على أن الأطفال الذين يكذبون هم أطفال سيئون، وأن الناس لا يحبون مثل هؤلاء الأطفال. على أقل تقدير، يجب أن يعلموا أطفالهم أن عليهم أن يكونوا صادقين. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الآباء والأمهات منع أطفالهم من تطوير أفكار أصولية أو متطرفة. كيف يمكن منع ذلك؟ يجب على الآباء أن يعلموا أطفالهم أن يكونوا متسامحين تجاه الآخرين، وأن يتحلوا بالصبر والمغفرة، وألا يكونوا عنيدين أو أنانيين عندما تطرأ الأمور، وأن يتعلموا أن يكونوا لطفاء ومتناغمين في تعاملهم مع الآخرين؛ فإذا واجهوا أشخاصًا أشرارًا أو سيئين يحاولون إيذاءهم، يجب أن يتعلموا الانسحاب بدلًا من معالجة الموقف بالمواجهة والعنف. يجب على الوالدين تجنب زرع بذور أو أفكار الميول العنيفة في عقول أطفالهم الصغار. يجب أن يوضحوا لهم أن العنف ليس من الأمور التي يحبها الآباء، وأن الأطفال الذين يميلون إلى العنف ليسوا أطفالًا صالحين. إذا كان لدى الناس ميول عنيفة، فقد يتحولوا في نهاية المطاف إلى ارتكاب الجرائم ويواجهوا الزجر المجتمعي والعقاب وفقًا للقانون. الأشخاص ذوو الميول العنيفة ليسوا أشخاصًا صالحين، وليسوا أشخاصًا يحظون باحترام المجتمع. ومن ناحية أخرى، يجب على الآباء والأمهات تعليم أطفالهم الاعتماد على أنفسهم. لا ينبغي أن يتوقع الأطفال أن يأتيهم الطعام والملبس، بل يجب أن يتعلموا أن يقوموا بالأشياء بأنفسهم كلما كانوا قادرين أو يعرفون كيف يفعلونها، وتجنب عقلية الكسل المستمرة. يجب على الآباء والأمهات توجيه أطفالهم بطرق مختلفة لفهم هذه الأمور الإيجابية والصحيحة. وبالطبع، عندما يرى الوالدان أشياء سلبية تحدث أو تنشأ، يجب عليهم ببساطة أن يخبروا أطفالهم أن هذا السلوك ليس جيدًا، وأن هذا ليس من شيم الأطفال الصالحين، وأنهم هم أنفسهم لا يحبون مثل هذا السلوك، وأن الأطفال الذين يفعلون ذلك قد يواجهون عقوبة قانونية والجزاء والقصاص في المستقبل. باختصار، يجب على الآباء والأمهات أن ينقلوا لأبنائهم المبادئ الأساسية والأكثر بساطة لكيفية التصرف والسلوك. على أقل تقدير، يجب أن يتعلم الصغار، وهم لم يبلغوا سن الرشد بعد، ممارسة التمييز، والتفريق بين الخير والشر، ومعرفة الأفعال التي تحدد الشخص الصالح مقابل الشخص السيئ، وما هي الأشياء التي تدل على سلوك الشخص الصالح، والأفعال التي تعتبر شريرة وتدل على سلوك الشخص السيئ. هذه هي الأشياء الأساسية التي يجب أن يتعلموها. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يفهم الأطفال أن بعض السلوكيات محتقرة من الآخرين، مثل السرقة أو أخذ ممتلكات الآخرين دون إذن، واستخدام ممتلكاتهم دون موافقة، ونشر الإشاعات، وزرع الفتنة بين الناس. هذه الأفعال وما شابهها كلها تدل على سلوك شخص سيئ، وهي أمور سلبية ولا ترضي الله. وعندما يكبر الأطفال قليلًا، يجب تعليمهم ألا يكونوا عنيدين في أي شيء يفعلونه، وألا يفقدوا الاهتمام بسرعة، وألا يكونوا متهورين أو متسرعين. يجب أن يفكروا في عواقب أي عمل قد يقومون به، وإذا علموا أن هذه العواقب قد تكون غير مواتية أو كارثية، فعليهم أن يكفوا أيديهم، وألا يسمحوا للمكاسب أو الرغبات أن تتحكم في عقولهم. يجب على الآباء والأمهات أيضًا تعليم أطفالهم بشأن الكلمات والأفعال النمطية للأشخاص السيئين، وتزويدهم بفهم أساسي للأشخاص السيئين والمعايير التي يمكن قياسهم عليها. يجب أن يتعلموا ألا يثقوا في الغرباء أو وعودهم بسهولة كبيرة، وألا يقبلوا الأشياء من الغرباء دون حذر. يجب تعليمهم كل هذه الأشياء، لأن العالم والمجتمع شريرين ومليئين بالمكائد. لا ينبغي أن يضع الأطفال ثقتهم في أي شخص بسهولة، وينبغي تعليمهم أن يميزوا الأشرار والسيئين، وأن يحذروا من الأشرار ويبتعدوا عنهم، حتى يتجنبوا الوقوع في فخهم أو الانخداع بهم. يجب على الآباء والأمهات أن يرشدوا أطفالهم ويوجهوهم بمنظور إيجابي خلال سنوات تكوينهم فيما يتعلق بهذه الدروس الأساسية. من ناحية، ينبغي عليهم أن يسعوا جاهدين لضمان أن ينمو أطفالهم ليكونوا بصحة جيدة وأقوياء أثناء تنشئتهم، ومن ناحية أخرى، ينبغي عليهم تعزيز النمو العقلي السليم لأطفالهم. ما هي علامات العقل السليم؟ هي أن يكون لدى الشخص المنظور الصحيح للحياة ويمكنه أن يسلك الطريق الصحيح. حتى وإن لم يؤمن بالله، لا يزال يتجنب اتباع الاتجاهات الشريرة خلال سنوات تكوينه. وإذا لاحظ الآباء والأمهات أي انحراف لدى أبنائهم، فعليهم أن يسارعوا إلى مراجعة سلوكهم وتقويمه، وتوجيه أبنائهم التوجيه الصحيح. على سبيل المثال، إذا تعرض الأبناء في سنواتهم الأولى لأمور معينة تحدث بوصفها جزءًا من الاتجاهات الشريرة أو بعض الحجج أو الأفكار والآراء الخاطئة في سنواتهم الأولى، فقد يتبعونها أو يقلدونها إن لم يكن لديهم تمييز. يجب على الوالدين اكتشاف هذه الأمور في وقت مبكر وتقديم التصحيح الفوري والتوجيه الدقيق. هذه مسؤوليتهم أيضًا. الهدف باختصار هو ضمان أن يكون لدى الأطفال اتجاه أساسي وإيجابي وصحيح للنمو في أفكارهم، وتصرفاتهم، ومعاملتهم للآخرين، وإدراكهم لمختلف الأشخاص والأحداث والأشياء، حتى يتطوروا في اتجاه بنّاء وليس في اتجاه شرير. على سبيل المثال، غالبًا ما يقول غير المؤمنين: "الحياة والموت مقدران سلفًا، والثروة والشرف تقررهما السماء". إن مقدار المعاناة والمتعة التي يجب أن يختبرها الإنسان في الحياة مقدر مسبقًا من الله ولا يمكن لبشر تغييره. من ناحية، يجب على الآباء والأمهات أن يطلعوا أبناءهم على هذه الحقائق الموضوعية، ومن ناحية أخرى، أن يعلموهم أن الحياة ليست مجرد احتياجات جسدية فقط، وبالتأكيد ليست متعة. هناك أشياء أكثر أهمية للناس في هذه الحياة من الأكل والشرب والسعي وراء الترفيه؛ يجب أن يؤمنوا بالله، ويسعوا إلى الحق، ويسعوا إلى تخليص الله لهم. إذا كان الناس يعيشون فقط من أجل المتعة والأكل والشرب والسعي وراء متعة الجسد، فهم مثل الموتى الأحياء، وحياتهم لا قيمة لها على الإطلاق. إنهم لا ينتجون أي قيمة إيجابية أو ذات معنى، ولا يستحقون أن يعيشوا أو حتى أن يكونوا بشرًا. حتى لو كان الطفل لا يؤمن بالله، فعلى الأقل فليكن شخصًا صالحًا وشخصًا يقوم بواجبه الصحيح. بالطبع، إذا اختاره الله وكان على استعداد للمشاركة في الحياة الكنسية والقيام بواجبه الخاص عندما يكبر، فهذا أفضل. إذا كان أولادهم هكذا، فعلى الآباء والأمهات أن يقوموا بمسؤولياتهم تجاه أولادهم القاصرين استنادًا بشكل أكبر إلى المبادئ التي أوصى الله بها الناس. إذا كنت لا تعرف ما إذا كانوا سيؤمنون بالله أو إن كان الله سيختارهم، فعلى الأقل يجب عليك الوفاء بمسؤولياتك تجاه أطفالك خلال سنوات تكوينهم. وحتى لو كنت لا تعرف هذه الأشياء أو كنت غير قادر على فهمها، فينبغي عليك مع ذلك القيام بهذه المسؤوليات. يجب أن تبذل قصارى جهدك للقيام بما يتوجب عليك من التزامات ومسؤوليات، ومشاركة ما تعرفه من أفكار إيجابية وأشياء إيجابية مع أطفالك. على أقل تقدير، تأكد من أن نموهم الروحي يسير في اتجاه بنّاء، وأن عقولهم نظيفة وسليمة. لا تجعلهم يتعلمون كل أنواع المهارات والمعارف منذ الصغر في إطار توقعاتك وتربيتك أو حتى قهرك. بل والأخطر من ذلك أن بعض الآباء والأمهات يرافقون أبناءهم عند مشاركتهم في عروض المواهب المختلفة والمسابقات الأكاديمية أو الرياضية، ويتابعون كل أنواع التوجهات الاجتماعية ويذهبون إلى المناسبات مثل جلسات الاستماع الصحفية والتوقيعات والجلسات الدراسية، وحضور ما يشاءون من مسابقات وخطابات القبول في حفلات توزيع الجوائز وغيرها. كآباء، على أقل تقدير يجب ألا يسمحوا لأبنائهم باتباع خطاهم بالقيام بهذه الأشياء بأنفسهم. إذا أحضر الوالدان أطفالهما إلى مثل هذه الأنشطة، فمن الواضح من ناحية أنهما لم يفيا بمسؤولياتهما كوالدين؛ ومن ناحية أخرى، فإنهما يقودان أطفالهما علانية إلى طريق اللاعودة، ويعيقان نموهم العقلي البنّاء. إلى أين قاد هؤلاء الآباء أطفالهم؟ لقد قادوهم إلى اتجاهات شريرة. هذا شيء لا ينبغي أن يفعله الآباء. وعلاوة على ذلك، فيما يتعلق بالمسارات المستقبلية التي سيسلكها أبناؤهم والمهن التي سيسعون إليها، يجب على الآباء ألا يغرسوا أشياء مثل: "انظروا إلى فلان، إنه عازف بيانو بدأ العزف على البيانو في سن الرابعة أو الخامسة. لم ينغمس في اللعب، ولم يكن لديه أصدقاء أو ألعاب، وكان يتدرب على عزف البيانو كل يوم. كان والداه يرافقانه إلى دروس البيانو، واستشاروا العديد من المعلمين، وأشركوه في مسابقات البيانو. انظروا إلى ما هو عليه الآن من شهرة؛ فهو الآن يأكل جيدًا، ويرتدي ملابس أنيقة، وتحيطه هالة من النور ويحظى بالاحترام أينما ذهب". هل هذا هو نوع التعليم الذي يعزز النمو الصحي لعقل الطفل؟ (لا، ليس كذلك). أي نوع من التعليم هو إذن؟ إنه تعليم الشيطان. هذا النوع من التعليم يضر بعقل أي صغير. إنه يشجعه على التطلع إلى الشهرة، والطمع في مختلف هالات الشهرة والأوسمة والمناصب والمتع. إنه يجعله يتوق إلى هذه الأشياء ويسعى وراءها منذ صغره، ويدفعه إلى القلق والتخوف الشديد، بل ويجعله يدفع كل ثمن للحصول عليها، فيستيقظ مبكرًا ويعمل لوقت متأخر لمراجعة واجباته المدرسية ودراسة المهارات المختلفة، ويضيع سنوات طفولته، ويستبدل تلك السنوات الثمينة بهذه الأشياء. وفيما يتعلق بما تروج له الاتجاهات الشريرة، فإن الأطفال دون السن القانونية لا يملكون القدرة على مقاومتها أو تمييزها. لذا، يجب على الآباء والأمهات باعتبارهم أوصياء على أبنائهم القاصرين الوفاء بهذه المسؤولية من خلال مساعدتهم على تمييز وجهات النظر المختلفة التي تأتي من الاتجاهات الشريرة في العالم وكل الأشياء السلبية ومقاومتها. يجب عليهم توفير التوجيه والتعليم الإيجابيين. بالطبع، لكل شخص تطلعاته الخاصة، وقد يظل بعض الأطفال الصغار يرغبون في بعض المساعي المعينة حتى لو لم يشجعهم آباؤهم عليها. دعهم يتمنون ما يريدون، وعلى الوالدين الوفاء بمسؤولياتهما. وبصفتك أب أو أم، يقع على عاتقك التزام ومسؤولية تنظيم أفكار أطفالك وتوجيههم في اتجاه إيجابي وبنّاء. أما من جهة اختيارهم أن يستمعوا إليك أو إذا ما أرادوا أن يتصرفوا وفقًا لتعاليمك عندما يكبرون، فهذا خيارهم الشخصي، الذي لا يمكنك التدخل فيه أو التحكم فيه. باختصار، تقع على عاتق الوالدين خلال سنوات تكوين أطفالهم مسؤولية والتزام بغرس مختلف الأفكار ووجهات النظر وأهداف الحياة الصحية والسليمة والإيجابية في عقول أبنائهم. هذه هي مسؤولية الوالدين.
يقول بعض الآباء: "لا أعرف حتى كيف أعلّم أبنائي. لقد كنت مشوشًا منذ كنت طفلًا، أفعل كل ما يأمرني به والداي دون أن أميز بين الصواب والخطأ. وحتى الآن، لا زلت لا أعرف كيف أعلّم الأطفال". لا تقلق بشأن عدم المعرفة؛ فهذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا. الأسوأ هو عندما تعرف بالفعل، ولكنك لا تطبق على أرض الواقع، وتظل تعلم أولادك فقط من أجل التفوق، وتقول: "لم أعد بارعًا، ولكنني أريد أن يتفوق أولادي عليَّ. إن الجيل الأصغر سنًا ينعمون بخير من هم أكبر منهم سنًا، ويجب أن يتفوقوا عليهم. أنا أشغل حاليًا منصب رئيس قسم؛ لذلك يجب أن يكون ابني عمدة أو محافظًا أو حتى يرتقي إلى مستويات حكومية أعلى أو يصبح رئيسًا". ليست هناك حاجة إلى قول أي شيء آخر لمثل هؤلاء الناس. نحن لا نتعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص. المسؤولية الأبوية التي نتحدث عنها هي مسؤولية إيجابية واستباقية وتتعلق بالحق. للباحثين عن الحق، إذا كنت ترغب في الوفاء بمسؤوليتك تجاه أطفالك، ولكنك غير متأكد من كيفية الوفاء بهذه المسؤولية، فابدأ بالتعلم من البداية؛ الأمر سهل. تعليم الكبار ليس بالأمر السهل، لكن تعليم الأطفال سهل، أليس كذلك؟ تعلّم وعلّم في الوقت نفسه، وعلّم ما تعلمته للتو. أليس هذا سهلًا؟ تعليم أطفالك سهل. والأفضل من ذلك أن تفي بمسؤوليتك فيما يتعلق بصحة أطفالك الذهنية. حتى لو لم تتمكن من القيام بذلك على أكمل وجه، فهو أفضل من عدم تعليمهم على الإطلاق. الأطفال صغار وسذج، فإذا تركتهم يستقون معلوماتهم من التلفاز ومختلف المصادر، ويسعون إلى ما يحلو لهم، ويفكرون ويتصرفون كما يحلو لهم دون تعليم أو تنظيم، فأنت لم تؤد مسؤوليتك كأب أو أم. لقد أخفقت في واجبك، ولم تضطلع بمسؤوليتك والتزامك. إذا كان على الآباء والأمهات أن يفوا بمسؤوليتهم تجاه أبنائهم، فلا يمكن أن يكونوا سلبيين، بل عليهم أن ينشطوا في دراسة بعض المعارف والتعلم، التي يمكن أن تساعد في رعاية الصحة الذهنية لأبنائهم أو بعض المبادئ الأساسية المتعلقة بالحق، منذ البداية. هذه كلها أمور ينبغي على الوالدين القيام بها: إنها تسمى الوفاء بالمسؤولية. وبالطبع، لن يكون تعلمك عبثًا. فخلال عملية التعلم وتعليم أطفالك، ستربح أنت أيضًا شيئًا ما. لأنه أثناء تعليمك لأطفالك كيف ينمون صحتهم الذهنية في اتجاه بنّاء، ستتصل حتمًا كشخص راشد ببعض الأفكار الإيجابية وتتعرف عليها. وعندما تقارب هذه الأفكار أو المبادئ والمعايير الإيجابية الخاصة بالسلوك والتصرف بدقة وجدية، ستربح دون وعي شيئًا ما؛ لن يذهب الأمر هباءً. إن الوفاء بمسؤوليتك تجاه أبنائك ليس أمرًا تقوم به من أجل الآخرين، بل ينبغي أن تقوم به بسبب علاقتك العاطفية بهم وصلة الدم. حتى لو تصرف أطفالك أو سلكوا بطريقة لا تلبي توقعاتك بعد قيامك بذلك، فعلى الأقل ستكون قد ربحت شيئًا ما. أنت تعرف ما يعنيه تعليم أطفالك والوفاء بمسؤوليتك تجاههم. لقد أوفيت بمسؤوليتك بالفعل. أما بالنسبة إلى المسارات التي سيختار أبناؤك اتباعها فيما بعد، وكيف سيختارون أن يتصرفوا، والأقدار التي تنتظرهم في الحياة، فهذا لم يعد من شأنك. عندما يصلون إلى مرحلة الرشد، لا يسعك إلا أن تقف متفرجًا وتراقب كيف تتكشف حياتهم وقدرهم. لم يعد لديك التزام أو مسؤولية للمشاركة. إذا لم تقدم لهم الإرشاد والتعليم والحدود في أمور معينة عندما كانوا قاصرين في الوقت المناسب، فقد تندم على ذلك عندما يقولون أو يفعلون أشياء غير متوقعة أو يظهرون أفكارًا وسلوكيات لم تتوقعها عندما يكبرون. على سبيل المثال، عندما كانوا صغارًا، كنتَ تقوم بتعليمهم باستمرار، قائلًا: "ادرسوا بجد، التحقوا بالكلية، اسعوا إلى الدراسات العليا أو الدكتوراه، اعثروا على وظيفة جيدة، اعثروا على شريك جيد للزواج وتكوين أسرة، وبعد ذلك ستكون الحياة جيدة". من خلال تعليمك وتشجيعك ومختلف صور الضغط، عاشوا واتبعوا المسار الذي حددته لهم وحققوا ما كنت تتوقعه كما تمنيت، والآن هم غير قادرين على العودة إلى الوراء. إذا كنت قد فهمت بعض الحقائق ومقاصد الله بسبب إيمانك، وبعد أن اكتسبت أفكارًا ووجهات نظر صحيحة، تحاول الآن أن تخبرهم ألا يسعوا وراء هذه الأشياء بعد الآن، فمن المحتمل أن يردوا عليك قائلين: "ألست أفعل ما أردته تمامًا؟ ألم تعلمني هذه الأشياء عندما كنت صغيرًا؟ ألم تطلب مني هذا؟ لماذا تمنعني الآن؟ هل ما أفعله خطأ؟ لقد حققت هذه الأشياء وأنا قادر على الاستمتاع بها الآن؛ ينبغي أن تشعر بالسعادة والرضا والفخر بي، أليس كذلك؟" كيف ستشعر عند سماع هذا؟ هل ينبغي أن تكون سعيدًا أم باكيًا؟ ألن تشعر بالندم؟ (بلى). لا يمكنك استعادتهم الآن. إذا لم تكن قد علَّمتهم بهذه الطريقة عندما كانوا صغارًا، إذا كنت قد منحتهم طفولة سعيدة دون أي ضغط، دون أن تعلمهم أن يكونوا متفوقين على البقية، أو أن يتقلدوا منصبًا رفيعًا أو يجنوا الكثير من المال، أو أن يسعوا وراء الشهرة والربح والمكانة، لو كنت قد تركتهم لمجرد أن يكونوا صالحين، أناسًا عاديين، دون أن تطلب منهم أن يكسبوا الكثير من المال، أو أن يستمتعوا بالكثير، أو أن يعيدوا إليك الكثير، ولا تطلب منهم سوى أن يكونوا أصحاء وسعداء، أن يكونوا أفرادًا بسطاء وسعداء، فربما كانوا سيتقبلون بعض الأفكار ووجهات النظر التي أصبحت تحملها بعد الإيمان بالله. حينئذ، ربما كانت حياتهم ستكون سعيدة الآن، مع ضغط أقل من الحياة والمجتمع. وعلى الرغم من أنهم لم يربحوا الشهرة والمكسب، كانت قلوبهم على الأقل ستشعر بالسعادة، والهدوء، والسلام. لكن خلال سنوات نموهم، وبسبب تحريضك وحثك المتكرر، وتحت ضغطك، سعوا بلا هوادة وراء المعرفة، والمال، والشهرة، والربح. وفي نهاية الأمر، اكتسبوا الشهرة والربح والمكانة، وتحسنت حياتهم، واستمتعوا بالمزيد، وكسبوا المزيد من المال، لكن حياتهم مرهقة. في كل مرة تراهم فيها، ترتسم على وجوههم نظرة متعبة. ولا يجرؤون على خلع أقنعتهم والاعتراف بأنهم متعبون ويريدون الراحة إلا عندما يعودون إلى المنزل، ويعودون إليك. ولكن بمجرد أن يخرجوا من المنزل، لا يعودون كما كانوا، بل يرتدون القناع مرة أخرى. تنظر إلى تعابير وجوههم المتعبة والمثيرة للشفقة، وترثي لحالهم، لكنك لا تقوى على جعلهم يتراجعون. لم يعد هذا بإمكانهم. كيف حدث هذا؟ ألا يتعلق الأمر بتربيتك لهم؟ (بلى). لم يكن أي من هذا شيئًا عرفوه بشكل طبيعي أو سعوا إليه منذ صغرهم؛ فله علاقة أكيدة بتربيتك لهم. ألا تشعر بالضيق عندما ترى وجوههم، وعندما ترى حياتهم في هذه الحالة؟ (بلى). لكنك عاجز؛ كل ما تبقى هو الأسف والحزن. قد تشعر أن الشيطان استولى تمامًا على ابنك، وأنه غير قادر على العودة، وليس لديكَ أي قوة لإنقاذه. هذا لأنك لم تفي بمسؤوليتك كوالد. أنت الذي أضررت به، أنت الذي ضللته بتعليمك وتوجيهك الأيديولوجي المعيب. لا يمكنه العودة أبدًا، وفي النهاية لا يبقى لك سوى الندم. أنت تنظر بلا حول ولا قوة بينما يعاني ابنك الذي أفسده هذا المجتمع الشرير، وأرهقته ضغوط الحياة، وليس لديك أي وسيلة لمساعدته. كل ما يمكنك قوله هو: "تعال إلى المنزل كثيرًا، وسأطبخ لك شيئًا لذيذًا". ما هي المشكلات التي يمكن لوجبة طعام أن تحلها؟ لا يمكن أن تحل أي شيء. لقد نضجت أفكاره وتبلورت بالفعل، وهو ليس على استعداد للتخلي عن الشهرة والمكانة التي حققها. لا يمكنه سوى المضي قدمًا وعدم العودة إلى الوراء أبدًا. هذه هي النتيجة الخبيثة لتوجيه الآباء والأمهات التوجيه الخاطئ وغرس الأفكار الخاطئة في أبنائهم خلال سنوات تكوينهم. لذا، يجب على الآباء والأمهات خلال هذه السنوات أن يوفوا بمسؤوليتهم ويوجهوا الصحة الذهنية لأبنائهم ويوجهوا أفكارهم وأفعالهم في اتجاه بنّاء. هذه مسألة في غاية الأهمية. قد تقول: "أنا لا أعرف الكثير عن تعليم الأطفال"، ولكن ألا يمكنك حتى الوفاء بمسؤوليتك؟ إذا كنت تفهم حقًا العالم وهذا المجتمع، وإذا كنت تدرك حقًا ما هي الشهرة والربح، وإذا كنت تستطيع حقًا التخلي عن الشهرة الدنيوية والربح، فينبغي عليك حماية أطفالك وعدم السماح لهم بتقبل هذه الأفكار الخاطئة من المجتمع بسرعة كبيرة خلال سنوات تكوينهم. على سبيل المثال، عندما يدخل بعض الأطفال المرحلة الإعدادية، يبدؤون في ملاحظة أشياء مثل الأصول التي يمتلكها أحد أباطرة الأعمال التجارية التي تساوي مليارات الدولارات، ونوع السيارات الفارهة التي يمتلكها أغنى شخص في المنطقة، والمنصب الذي يشغله شخص آخر، ومقدار ما لديه من أموال، وعدد السيارات التي يوقفها أمام منزله، وأنواع الأشياء التي يستمتع بها. تبدأ عقولهم في التساؤل: "أنا في المرحلة الإعدادية الآن. ماذا لو لم أجد وظيفة جيدة بعد الجامعة؟ بدون وظيفة، ماذا سأفعل إذا لم أستطع شراء قصر وسيارات فارهة؟ كيف يمكنني أن أصبح استثنائيًا بدون مال؟". يبدأ في القلق والحسد لأولئك الذين يتمتعون بالوجاهة في المجتمع والذين يعيشون حياة البذخ والترف. وعندما يصبح الأطفال على دراية بهذه الأمور، يبدؤون في تلقي مختلف المعلومات والأحداث والظواهر من المجتمع، ويبدؤون في عقولهم الصغيرة في الشعور بالضغط والقلق، القلق على مستقبلهم والتخطيط له. في مثل هذه الحالة، ألا يجب على الآباء والأمهات أن يفوا بمسؤوليتهم ويوفروا لهم الراحة والتوجيه، ويساعدوهم على فهم كيفية النظر إلى هذه الأمور والتعامل معها بشكل صحيح؟ عليهم أن يحرصوا على ألا ينشغل أطفالهم بهذه الأمور منذ صغرهم، حتى يتمكنوا من تكوين وجهة النظر الصحيحة تجاهها. أخبرني، كيف يجب على الآباء والأمهات التعامل مع هذه الأمور مع أطفالهم؟ ألا يتعرض الأطفال في الوقت الحاضر للعديد من جوانب المجتمع في سن مبكرة جدًا؟ (بلى). ألا يعرف الأطفال الكثير هذه الأيام عن المطربين، ونجوم السينما، ونجوم الرياضة، وكذلك مشاهير الإنترنت، وأباطرة الأعمال، والأثرياء، وأصحاب الملايين؛ كم يكسبون من المال، وماذا يرتدون، وما الذي يستمتعون به، وكم عدد السيارات الفارهة التي يمتلكونها، وما إلى ذلك؟ (بلى). لذلك، يجب على الآباء والأمهات في هذا المجتمع المعقد أن يفوا بمسؤوليتهم الأبوية، وأن يحموا أطفالهم ويوفروا لهم عقلًا سليمًا. عندما يصبح الأطفال على دراية بهذه الأمور أو يسمعون أي معلومات غير صحية ويتلقونها، ينبغي على الآباء والأمهات تعليمهم تنمية الأفكار ووجهات النظر الصحيحة حتى يتمكنوا من الابتعاد عن هذه الأمور في الوقت المناسب. على أقل تقدير، يجب على الوالدين أن يلقنوهم تعليمًا بسيطًا: "أنت لا تزال صغيرًا، وفي سنك هذه، مسؤوليتك هي أن تستذكر دروسك جيدًا وتتعلم ما تحتاج إلى تعلمه. لست بحاجة إلى التفكير في أشياء أخرى؛ أما كم ستكسب من المال أو ما ستشتريه، فلا يجب أن تهتم بهذه الأمور؛ فهي أمور لما بعد أن تكبر. في الوقت الراهن، ركز على أداء واجباتك المدرسية، وإنجاز الواجبات التي يكلفك بها معلموك، وتدبير أمور حياتك الخاصة. لست بحاجة إلى التفكير كثيرًا في أي شيء آخر. لن يكون قد فات الأوان للتفكير في هذه الأمور بعد دخولك إلى المجتمع والاحتكاك بها. الأمور التي تحدث الآن في المجتمع تخص الكبار. أنت لست راشدًا، لذا لا ينبغي لك أن تفكر فيها أو تشارك فيها. ركز الآن على أداء واجباتك المدرسية بشكل جيد، واستمع إلى ما نقوله لك. نحن كبار ونعرف أكثر منك، لذا ينبغي أن تستمع إلينا وإلى كل ما نقوله. إذا تعلمت عن تلك الأمور في المجتمع، واتبعتها وقلدتها، فلن يكون ذلك مفيدًا لدراستك وواجباتك المدرسية؛ فقد يؤثر ذلك على تعليمك. أما نوع الشخص الذي ستصبحه فيما بعد أو نوع المهنة التي ستحصل عليها، فهذه أمور يجب التفكير فيها لاحقًا. أما الآن، فمهمتك هي الاهتمام بدراستك. إذا لم تتفوّق في دراستك، فلن تنجح في تعليمك، ولن تكون طفلًا صالحًا. لا تفكر في الأمور الأخرى؛ فهي ليست ذات صلة بك. عندما تكبر، ستفهم هذه الأمور". أليس هذا أهم تعليم يجب أن يفهمه الناس؟ (بلى). فليعلم الأطفال هذا: "مهمتك الآن هي الاستذكار، وليس الأكل والشرب واللهو. إذا لم تستذكر، ستضيع وقتك وتهمل تعليمك. الأمور في المجتمع المتعلقة بالأكل والشرب والسعي وراء اللهو وأمور أخرى متنوعة كلها أمور تخص الكبار. يجب ألا ينخرط أولئك الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد في تلك الأنشطة". هل هذه الكلمات سهلة القبول بالنسبة إلى الأطفال؟ (نعم). أنت لا تحرمهم من حقهم في معرفة هذه الأمور أو الشعور بالحسد تجاهها. في الوقت نفسه، أنت تشير إلى ما ينبغي عليهم القيام به. هل هذه طريقة جيدة لتعليم الأطفال؟ (نعم). هل هي طريقة بسيطة؟ (نعم). يجب على الآباء والأمهات أن يتعلموا أن يفعلوا ذلك، وأن يدرسوا بقدر ما يستطيعون كيفية تربية أولادهم القاصرين ورعايتهم حسب قدرتهم، وظروفهم، ومستوى قدراتهم، وعليهم أن يفوا بمسؤوليتهم تجاههم، وأن يقوموا بكل ذلك على قدر استطاعتهم. لا توجد معايير صارمة أو جامدة لهذا الأمر؛ فهو يختلف من شخص لآخر. تختلف الظروف العائلية لكل شخص عن الآخر، ويختلف مستوى قدرات كل شخص عن غيره. لذلك، عندما يتعلق الأمر بالوفاء بمسؤولية تعليم الأبناء، فلكل شخص طريقته الخاصة. ينبغي عليك القيام بكل ما هو فعال، وما يحقق النتائج المرجوة. ينبغي أن تتكيف مع شخصية أطفالك وعمرهم وجنسهم: قد يحتاج البعض إلى المزيد من الصرامة، بينما قد يحتاج البعض الآخر إلى أسلوب ألطف. قد يستفيد البعض من أسلوب أكثر تطلبًا، بينما قد يزدهر البعض الآخر في بيئة مريحة. ينبغي على الآباء تعديل أساليبهم بناءً على حالة أطفالهم الفردية. وعلى أي حال، فإن الهدف الأسمى هو ضمان صحتهم الذهنية وتوجيههم توجيهًا بنّاءً في أفكارهم ومعايير تصرفاتهم. لا تفرض أي شيء قد يتنافى مع الإنسانية، أو أي شيء يتعارض مع قوانين النمو الطبيعي أو يتجاوز ما يستطيعون تحقيقه في مرحلتهم العمرية الحالية أو حجم مستوى قدراتهم. عندما يتمكن الوالدان من القيام بكل هذا، سيكونان قد أتما مسؤوليتهما بالفعل. هل هذا صعب التحقيق؟ إنها ليست مسألة معقدة.
تنطوي توقعات الوالدين لأبنائهم على جانبين: الجانب الأول يتعلق بالتوقعات خلال السنوات التي يتشكل فيها أبناؤهم، والجانب الآخر يتعلق بالتوقعات عندما يصبح أبناؤهم راشدين. في المرة الماضية، تطرقت شركتنا بإيجاز إلى التوقعات عندما يصبح الأبناء راشدين. عمَّ عقدنا الشركة؟ (يا الله، في المرة الماضية عقدنا الشركة عن توقعات الوالدين بأن يحظى أبناؤهم الراشدون ببيئة عمل سلسة وزواج سعيد ومُرضٍ وحياة مهنية ناجحة). هذا تقريبًا ما عقدنا الشركة عنه. بعد أن يربي الآباء أبناءهم حتى سن الرشد، يصبح أبناؤهم راشدين، ويواجهون ظروفًا تتعلق بالعمل والحياة المهنية والزواج والأسرة والعيش بمفردهم على نحو مستقل، وحتى بتربية أبنائهم. هم سيتركون آباءهم وأمهاتهم ويستقلون بأنفسهم، ويواجهون كل مشكلة قد تواجههم في الحياة بمفردهم. لم يعد الآباء والأمهات يتحملون مسؤولية رعاية صحة أبنائهم الجسدية أو ينخرطون مباشرةً في حياتهم وعملهم وزواجهم وأسرهم وما إلى ذلك، لأن أبناءهم قد كبروا الآن. وبالطبع، بسبب الروابط العاطفية والعائلية، يمكن للوالدين تقديم رعاية سطحية، أو إسداء النصيحة من حين لآخر، أو تقديم بعض الاقتراحات أو المساعدة انطلاقًا من دور شخص ذي خبرة، أو تقديم الرعاية اللازمة بشكل مؤقت. باختصار، حالما يصبح الأبناء راشدين، يكون الوالدان قد تمما في الغالب مسؤولياتهما تجاه أبنائهما. لذلك، فإن بعض ما قد يكون لدى الوالدين من توقعات من أبنائهم الراشدين، على الأقل من وجهة نظري، غير ضرورية. لماذا هي غير ضرورية؟ لأنه، بصرف النظر عما يتوقع الآباء من الأبناء أن يصبحوا عليه – أو نوع الزواج الذي يتوقعون أن يحظوا به أو نوع الأسرة أو العمل أو المهنة، أو ما إذا كانوا سيصبحون أغنياء أم فقراء، أو أيًا ما قد تكون عليه توقعات الآباء – فهذه ليست أكثر من توقعات، وحياة أولادهم كراشدين في نهاية المطاف في أيديهم. بالطبع، من حيث الأساس، فإن قدر حياة ابنهم بأكملها – أو ابنتهم – وما إذا كان غنيًا أم فقيرًا، كل ذلك مقدَّر من الله. لا تقع على الوالدين أي مسؤولية أو التزام بالإشراف على هذه الأمور، ولا يحق لهما التدخل. ومن ثمَّ، فإن توقعات الوالدين هي مجرد نوع من التمنيات الطيبة القائمة على عواطفهم. ليس ثمة من الوالدين مَن يرغب في أن يكون ابنه فقيرًا، أو غير متزوج، أو مطلقًا، أو أن تكون أسرته مفككة، أو أن يعاني من صعوبات في العمل. لا أحد يتوقع هذه الأمور لابنه؛ فهم بلا شك يتوقعون الأفضل لأبنائهم. ورغم ذلك، إذا تعارضت توقعات الآباء مع واقع حياة أبنائهم، أو إذا خالف هذا الواقع توقعاتهم، فكيف ينبغي أن يتعاملوا مع هذا الأمر؟ هذا ما نحتاج إلى أن نعقد الشركة عنه. فيما يتعلق بالموقف الذي يجب أن يتبناه الوالدان تجاه أبنائهم الراشدين، مهما يكن نوع المعيشة التي يعيشها الأبناء، أو نوع قدرهم أو حياتهم فإنه – بخلاف مباركتهم في صمت ووجود توقعات جيدة لهم – لا يسع الوالدان سوى أن يتركا الأمر يحدث. لا يمكن لأي أب أو أم تغيير أي من هذا، ولا يمكن لأي منهم التحكم فيه. رغم أنك أنجبت أولادك وربيتهم، كما ناقشنا من قبل، فالآباء ليسوا سادة أقدار أولادهم. فالآباء والأمهات ينجبون الجسد المادي لأبنائهم ويربونهم حتى سن الرشد، لكن بخصوص نوع القدر الذي سيكون لدى أبنائهم، فليس هذا شيئًا يمنحه الوالدان أو يختارانه، ولا يقررانه بالتأكيد. أنت تتمنى لأبنائك أن يبلوا بلاءً حسنًا، لكن هل التمني يضمن لهم ذلك؟ أنت ترجو لهم ألا يصادفوا البَلية وسوء الحظ وكل أنواع الأحداث المؤسفة، ولكن هل هذا يعني أنهم سيتمكنون من تجنبها؟ بصرف النظر عما يواجهه أبناؤك، فإن أيًا من تلك الأمور لا يخضع لإرادة البشر، ولا يتحدد أي منها حسب احتياجاتك أو توقعاتك. بمَ يخبرك هذا إذن؟ بما أن الأبناء قد أصبحوا راشدين، وهم قادرون على الاعتناء بأنفسهم، وأن تكون لديهم أفكار وآراء مستقلة عن الأشياء، ومبادئ للتصرف، ونظرة إلى الحياة، ولم يعودوا تحت تأثير والديهم، أو سيطرتهما أو تقييدهما أو إدارتهما، فهم راشدون حقًا. ماذا يعني أنهم أصبحوا راشدين؟ يعني أنه ينبغي على والديهم التخلي. في اللغة المكتوبة، يسمى هذا بـ "التخلي"، وهو السماح للأبناء بالاستكشاف بشكل مستقل واتخاذ مسارهم الخاص في الحياة. ماذا نقول في اللغة المنطوقة؟ "تنح جانبًا". بعبارة أخرى، يجب على الآباء التوقف عن إعطاء الأوامر لأبنائهم الراشدين، وقول أشياء مثل: "ينبغي أن تبحث عن هذه الوظيفة، ينبغي أن تعمل في هذا المجال. لا تفعل ذلك، فهو محفوف بالمخاطر!". هل من اللائق أن يأمر الوالدان أبناءهم الراشدين؟ (لا، ليس من اللائق). إنهم يرغبون دائمًا في إبقاء حياة أبنائهم الراشدين وعملهم وزواجهم وأسرتهم تحت سيطرتهم وضمن نطاق رؤيتهم، فيشعرون بالقلق والهم والخوف ويصبحون منشغلي البال إذا لم يعلموا بأمر ما أو لم يستطيعوا السيطرة عليه، قائلين: "ماذا لو لم يدرس ابني هذا الأمر بعناية؟ هل يمكن أن يقع في مشكلة قانونية؟ ليس لدي المال الكافي لدعوى قضائية! إذا قوضي ولم يكن هناك مال، هل يمكن أن ينتهي به الأمر في السجن؟ إذا دخل السجن، فهل يمكن أن يتهمه الأشرار زورًا، ويُسجن لمدة ثماني سنوات أو عشر؟ هل ستهجره زوجته؟ من سيعتني بالأطفال؟" كلما زاد تفكيرهم في الأمر، زاد ما يصيبهم بالهم. "عمل ابنتي لا يسير على ما يرام: الناس يسيئون معاملتها دائمًا، ورئيسها في العمل لا يحسن معاملتها كذلك. ماذا يمكننا أن نفعل؟ هل ينبغي أن نجد لها وظيفة أخرى؟ هل نستخدم بعض النفوذ ونجري بعض الاتصالات وننفق بعض المال ونحصل لها على وظيفة في دائرة حكومية، حيث يمكنها أن تحمل عبئًا خفيفًا كل يوم كموظفة حكومية؟ رغم أن الراتب ليس مرتفعًا، فلن تُساء معاملتها على الأقل. لم نكن نستطيع أن نحمل أنفسنا على ضربها عندما كانت صغيرة وكنا ندللها كأميرة، أما الآن فهي تتعرض لسوء المعاملة من الآخرين. ماذا ينبغي أن نفعل؟" يصيبهما الهم إلى درجة أنهما لا يستطيعان الأكل أو النوم، وتتقرح أفواههما من القلق. متى واجه أبناؤهما أي شيء، يصبحان قلقين وينزعجان بشدة، ويريدان أن يتدخلا في كل شيء، وأن يحلا محلهما في كل موقف. متى يمرض أبناؤهما أو يواجهون بعض الصعوبات، يشعران بالألم والبؤس ويقولان: "أريدك أن تكون بخير فحسب. لماذا لست بخير؟ أريد أن يسير كل شيء بسلاسة لك، أريد أن يسير كل شيء كما تتمنى، وكما خططت له. أريدك أن تستمتع بالنجاح، لا أن تكون سيئ الحظ، أو أن تُغَش، أو أن تُلفَق لك تهمة وتواجه مشكلات قانونية!" بعض الأبناء يأخذون رهنًا عقاريًا على منزل، وقد يستمر الرهن العقاري لمدة ثلاثين عامًا أو حتى خمسين. يبدأ آباؤهم في القلق: "متى ستُسدَّد كل هذه القروض؟ أليس هو هكذا عبدًا للرهن؟ لم يكن جيلنا بحاجة إلى رهن عقاري لشراء منزل. كنا نعيش في شقق توفرها شركات وندفع الإيجار بضعة دولارات كل شهر. كنا نشعر أنَّ وضعنا المعيشي مريح للغاية. في الوقت الحاضر، الأمر صعب حقًا بالنسبة إلى هؤلاء الشباب؛ الأمر ليس سهلاً عليهم بالفعل. إنهم يُضطَرُّون إلى الحصول على رهن عقاري، ورغم أنهم يعيشون حياة جيدة، فإنهم يعملون بجد كل يوم؛ إنهم منهكون! غالبًا ما يسهرون لوقت متأخر ليعملوا ساعات إضافية، ومواعيد أكلهم ونومهم غير منتظمة، ودائمًا ما يتناولون الوجبات الجاهزة. تعاني معدتهم وكذلك صحتهم. يجب أن أطهو لهم وأنظف منزلهم. وعليَّ أن أرتب لهم المنزل لأنهم لا يملكون الوقت؛ فحياتهم في فوضى. أنا الآن سيدة عجوز وعظامي بالية، ولا يمكنني فعل الكثير، لذا سأصبح خادمتهم. إذا استأجروا خادمة حقيقية، فسيتعين عليهم إنفاق المال، وقد لا تكون جديرة بالثقة. لذا، سأكون خادمتهم مجانًا". وهكذا تصبح خادمة تنظف منزل أبنائها كل يوم، وترتب البيت، وتطبخ عندما يحين وقت الطعام، وتشتري الخضروات والحبوب، وتتحمل مسؤوليات لا حصر لها. تنتقل من كونها والدة إلى خادمة عجوز، وصيفة. عندما يعود أبناؤها إلى المنزل وليسوا في مزاج جيد، يتعين عليها أن تراقب تعبيرات وجوههم وتتحدث بحذر إلى أن يصبح أبناؤها سعداء مجددًا، وحينها فقط يمكنها أن تكون سعيدة. تسعد عندما يكون أبناؤها سعداء، وتقلق عندما يكون أبناؤها قلقين. هل هذه طريقة قيِّمة للعيش؟ إنها لا تختلف عن أن يفقد المرء ذاته.
هل من الممكن أن يتحمل الآباء والأمهات تكلفة أقدار أبنائهم؟ الأبناء على استعداد لتحمل أي مشاق تعترض طريقهم من أجل السعي وراء الشهرة والربح والملذات الدنيوية. علاوةً على ذلك، هل من المقبول لهم – بوصفهم راشدين – أن يواجهوا أي مشاق ضرورية لبقائهم على قيد الحياة؟ بقدر ما يستمتعون بقدر ما يجب أن يكونوا أيضًا مستعدين للمعاناة، فهذا أمر طبيعي. لقد تمم آباؤهم مسؤولياتهم، فلا ينبغي أن يتحملوا الفاتورة بصرف النظر عما يريد الأبناء الاستمتاع به. مهما يكن مدى جودة الحياة التي يريد الوالدان لأبنائهم أن يحظوا بها، إذا أراد الأبناء الاستمتاع بالأشياء الطيبة، فعليهم أن يتحملوا كل الضغوط والمعاناة بأنفسهم، لا أن يتحملها والداهم. لذلك، إذا كان الآباء والأمهات يريدون دائمًا أن يفعلوا كل شيء من أجل أبنائهم وأن يتحملوا تكلفة مشاقهم، وأن يصبحوا – طواعية – عبيدًا لهم، أليس هذا إفراطًا؟ إنه غير ضروري لأنه يتجاوز ما يجب أن يُنتظر من الوالدين القيام به. وثمة سبب رئيسي آخر هو أنه مهما تفعل من أجل أولادك أو مهما يبلغ مقداره، فلا يمكنك تغيير قدرهم أو تخفيف معاناتهم. كل شخص يحاول أن يتدبر أمره في المجتمع، سواء كان يسعى إلى الشهرة والمكسب أو يسلك الطريق الصحيح في الحياة، فيجب عليه بوصفه راشدًا أن يتحمل المسؤولية عن رغباته ومُثُله، ويجب أن يدفع ثمنها بنفسه. لا ينبغي لأحد أن يتحمل أي شيء نيابة عنه؛ ولا حتى والداه؛ مَن أنجباه وربياه، والأشخاص الأقرب إليه، ليسوا ملزمين بدفع تكاليفه أو مشاركته في معاناته. لا يختلف الآباء والأمهات في هذا الصدد لأنهم لا يستطيعون تغيير أي شيء. ولذلك، فإن أي شيء تفعله من أجل أولادك هو سُدى. ولأنه سُدى، يجب أن تتخلى عن هذا المسلك. رغم أن الوالدين قد يكونان كبيرين في السن وقد تمَّما بالفعل مسؤولياتهما والتزاماتهما تجاه أولادهما، ورغم أن أي شيء يفعله الوالدان لا أهمية له في نظر أولادهما، فلا يزال ينبغي أن يكون لهما كرامتهما الخاصة، ومساعيهما الخاصة، وإرساليتهما الخاصة التي يجب أن يتمماها. يجب عليك بصفتك شخصًا يؤمن بالله ويسعى إلى الحق والخلاص أن تنفق ما تبقى لك من طاقة ووقت في حياتك في أداء واجبك وفي كل ما ائتمنك الله عليه، ولا يجب أن تنفق أي وقت على أولادك. حياتك ليست ملكًا لأولادك، ولا ينبغي أن تستهلكها من أجل حياتهم أو بقائهم، ولا في إرضاء توقعاتك منهم. يجب بدلاً من ذلك أن تكون مكرسة للواجب والمهمة المؤتمَنة التي أعطاها الله لك، وكذلك الإرسالية التي يجب أن تتممها بوصفك كائنًا مخلوقًا. هنا تكمن قيمة حياتك ومعناها. إذا كنت راغبًا في أن تفقد كرامتك وتصبح عبدًا لأبنائك وتقلق عليهم وتفعل أي شيء من أجلهم، من أجل إرضاء توقعاتك لهم، فكل هذا لا معنى له وخالٍ من القيمة، ولن يُذكر. إذا أصررت على ذلك ولم تتخلَّ عن هذه الأفكار والأفعال، فلا يمكن أن يعني هذا سوى أنك لست شخصًا يسعى إلى الحق، وأنك لست كائنًا مخلوقًا مؤهلًا، وأنك متمرد إلى حد كبير. أنت لا تعتز بالحياة ولا بالوقت اللذين منحك الله إياهما. إذا كانت حياتك وأوقاتك تُنفقان فقط من أجل جسدك وعواطفك، وليس من أجل الواجب الذي أعطاك الله إياه، فإن حياتك غير ضرورية وخالية من القيمة. أنت لا تستحق أن تعيش، أنت لا تستحق أن تستمتع بالحياة التي أعطاك الله إياها، ولا تستحق أن تستمتع بكل ما أعطاك الله إياه. لقد منحك الله الأبناء لتستمتع بعملية تربيتهم فحسب، ولتكتسب منها اختبار الحياة والمعرفة بوصفك والدًا، وليسمح لك بتجربة شيء مميز وغير عادي في الحياة البشرية، ثم ليسمح لذريتك بالتكاثر...وهو بالطبع، من أجل تتميم مسؤولية الكائن المخلوق بوصفك والدًا. إنها المسؤولية التي قدَّر الله لك أن تتممها تجاه الجيل القادم، وكذلك الدور الذي تقوم به بوصفك والدًا للجيل القادم. هذا، من ناحية، لكي تمر بهذه العملية الاستثنائية المتمثلة في تربية الأبناء، ومن ناحية أخرى، لكي تلعب دورًا في تكاثر الجيل القادم. فور أن يُتَمَّمَ هذا الالتزام، ويكبر أطفالك ويصبحوا راشدين، سواء أصبحوا ناجحين للغاية أو ظلوا أفرادًا غير بارزين وعاديين وبسطاء، فليس لهذا علاقة بك، لأنك لست من يحدد مصيرهم، ولا هو اختيارك، وأنت بالتأكيد لم تعطهم إياه؛ إنما هو مقدَّر من الله. وبما أنه مُقدَّر من الله، يجب ألا تتدخل أو تقحم أنفك في حياتهم أو في بقائهم. إن عاداتهم، وروتينهم اليومي، وموقفهم تجاه الحياة، وأيًا كانت استراتيجيات البقاء التي لديهم، وأيًا كانت نظرتهم للحياة، وأيًا كان موقفهم تجاه العالم؛ هذه كلها خياراتهم الخاصة، وهي ليست من شأنك. ليس عليك التزام بتصحيحها أو بتحمل أي معاناة نيابة عنهم لضمان أن يكونوا سعداء كل يوم. كل هذه الأمور غير ضرورية. إن قدر كل شخص يحدده الله؛ لذا، فإن مقدار البركة أو المعاناة التي يختبرها في الحياة، ونوع الأسرة والزواج والأطفال، والاختبارات التي يمر بها في المجتمع، والأحداث التي يختبرها في الحياة، هو نفسه لا يستطيع التنبؤ بمثل هذه الأشياء أو تغييرها، وقدرة الوالدين على تغييرها أقل حتى من قدرته. لذلك، إذا واجه الأبناء أي صعوبات، فيجب على الوالدين المساعدة بشكل إيجابي واستباقي إذا كانت لديهم القدرة على القيام بذلك. وإذا لم تكن لديهم القدرة، فمن الأفضل للوالدين الاسترخاء ورؤية هذه الأمور من منظور الكائنات المخلوقة، ومعاملة أبنائهم على قدم المساواة بصفتهم كائنات مخلوقة. فالمعاناة التي تختبرها أنت، لا بد أن يختبروها هم أيضًا؛ والحياة التي تعيشها أنت، لا بد أن يعيشوها هم أيضًا؛ والعملية التي مررت بها في تربية أطفال صغار، سيمرون بها أيضًا؛ والتقلبات والمنعطفات التي اختبرتها في المجتمع وبين الناس والغش والخداع، والتشابكات العاطفية والصراعات بين الأشخاص، وكل شيء مماثل مررت به، هم أيضًا سيمرون به. إنهم – مثلك – جميعهم بشر فاسدون، وجميعهم تجرفهم تيارات الشر بعيدًا، ويفسدهم الشيطان؛ لا يمكنك الهروب من ذلك، ولا هم أيضًا. ولذلك، فإن الرغبة في مساعدتهم على تجنب كل المعاناة والتمتع بكل البركات الموجودة في العالم هو وهم سخيف وفكرة حمقاء. مهما اتسعت أجنحة النسر، فلا يمكنها أن تحمي النسر الصغير طوال حياته. سيصل النسر الصغير في النهاية إلى مرحلة لا بد فيها أن يكبر ويطير بمفرده. عندما يختار النسر الصغير أن يطير بمفرده، لا أحد يعرف حيثما قد تكون رقعته من السماء، أو أين سيختار الطيران. ولذلك، فإن الموقف الأكثر عقلانية للآباء والأمهات بعد أن يكبر أبنائهم هو أن يتخلوا عنهم، وأن يتركوهم يختبرون الحياة بمفردهم، وأن يتركوهم يعيشون مستقلين، ويواجهون مختلف التحديات في الحياة ويتعاملون معها ويحلونها بشكل مستقل. إذا طلبوا المساعدة منك وكانت لديك القدرة والظروف للقيام بذلك، فيمكنك بالطبع أن تمد يد العون وتقدم المساعدة اللازمة. رغم ذلك، فإن الشرط الأساسي هو أنه مهما تكن المساعدة التي تقدمها، سواء كانت مساعدة مالية أو نفسية، فإنها ستكون مؤقتة فقط ولا يمكنها تغيير أي مشكلات جوهرية. يجب عليهم أن يشقوا طريقهم في الحياة بأنفسهم، ولست ملزمًا بتحمل أي من شؤونهم أو تبعاتهم. هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه الآباء والأمهات تجاه أبنائهم الراشدين.
بعد أن فهمنا الموقف الذي ينبغي أن يتخذه الآباء تجاه أبنائهم الراشدين، هل ينبغي على الآباء أيضًا أن يتخلوا عن توقعاتهم لأبنائهم الراشدين؟ بعض الآباء الجهلاء لا يستطيعون استيعاب الحياة أو القدر، ولا يدركون سيادة الله، وغالبًا ما يقومون بأشياء تتسم بالجهل عندما يتعلق الأمر بأبنائهم. على سبيل المثال، قد يواجه أبناؤهم، بعد أن يصبحوا مستقلين، بعض الأوضاع الخاصة أو المشاق أو الحوادث الكبيرة؛ بعضهم يواجهون الأمراض، وبعضهم يتورطون في دعاوى قضائية، وبعضهم يُطلَّقون، وبعضهم يُخدعون ويُحتال عليهم، وبعضهم يُختطفون أو يتعرضون للأذى أو يُضربون ضربًا مبرحًا أو يواجهون الموت. يوجد حتى مَن يسقطون في هوة تعاطي المخدرات، وما إلى ذلك. ماذا يجب أن يفعل الآباء في هذه المواقف الخاصة والمهمة؟ ما هو رد الفعل النموذجي لمعظم الآباء والأمهات؟ هل يفعلون ما يتعين عليهم فعله بوصفهم كائنات مخلوقة لها هوية الأب والأم؟ نادرًا ما يحدث أن يسمع الآباء والأمهات مثل هذه الأخبار ويتفاعلون معها كما لو كان الأمر قد حدث لشخص غريب. معظم الآباء والأمهات يسهرون طوال الليل حتى يشيب شعرهم، ويجافيهم النوم ليلة تلو الليلة، وتنعدم شهيتهم في أثناء اليوم، ويمعنون في التفكير، بل إن بعضهم يبكون بمرارة حتى تحمر عيونهم وتجف دموعهم. إنهم يصلون بحرارة إلى الله أن يراعي إيمانهم ويحمي أولادهم ويُنعم عليهم ويباركهم ويرحمهم وينقذ حياتهم. بوصفهم آباءً وأمهات في مثل هذا الوضع، تُكشَف جميع نقاط ضعفهم وجوانب هشاشتهم ومشاعرهم البشرية تجاه أبنائهم. ما الذي يُكشَف أيضًا؟ تمردهم على الله. إنهم يتضرعون إلى الله ويصلون إليه، متوسلين إليه أن يحفظ أولادهم من المصائب. حتى لو حدثت كارثة، فإنهم يصلون من أجل ألا يموت أولادهم، وأن ينجوا من الخطر، وألا يؤذيهم الأشرار، وألا تزداد أمراضهم وطأة، بل تتحسن، وهكذا. ما الذي يصلون من أجله حقًا؟ (يا الله، إنهم بهذه الصلوات يطلبون مطالب من الله بنبرة تذمر). من ناحية، هم غير راضين تمامًا عن محنة أولادهم، ويشتكون من أنه ما كان ينبغي أن يسمح الله بحدوث مثل هذه الأشياء لأولادهم. يمتزج عدم رضاهم بالشكوى، ويطلبون من الله أن يعدل عن رأيه، وألا يتصرف هكذا، وأن ينجي أولادهم من الخطر، ويحفظهم في أمان، ويشفي أمراضهم، ويساعدهم على الهروب من الدعاوى القضائية، ويجنبهم المصائب عند حدوثها، وهكذا؛ باختصار، أن يجعل كل شيء يسير على ما يرام. بالصلاة على هذا النحو، هم من ناحية يشتكون إلى الله، ومن ناحية أخرى يطلبون منه بعض المطالب. أليس هذا مظهرًا من مظاهر التمرد؟ (بلى). إنهم يقولون ضمنيًا إن ما يفعله الله ليس صحيحًا أو صالحًا، وإنه ينبغي ألا يتصرف هكذا. لأن هؤلاء أبناؤهم وهم مؤمنون، فهم يعتقدون أن الله لا ينبغي أن يسمح بحدوث مثل هذه الأشياء لأبنائهم. أبناؤهم مختلفون عن الآخرين، ويجب أن يتلقوا بركات تفضيلية من الله. بسبب إيمانهم بالله، يتعين على الله أن يبارك أطفالهم؛ وإن لم يفعل، يصيبهم الضيق ويبكون ويصابون بنوبة غضب ولا يعودوا يريدون أن يتبعوا الله. وإذا مات طفلهم، يشعرون بأنهم هم أيضًا لا يستطيعون الاستمرار في الحياة. هل هذا هو الشعور الذي يدور في خاطرهم؟ (نعم). أليس هذا شكل من أشكال الاحتجاج على الله؟ (إنه كذلك). هذا احتجاج على الله. إنه مثل الكلاب التي تطالب بإطعامها في وقت الطعام، وتنتابها نوبة غضب إذا تأخر ولو قليلاً. يمسكون الوعاء في أفواههم ويضربون به الأرض؛ أليس هذا غير معقول؟ (بلى). في بعض الأحيان، إذا أعطيتها اللحم لبضعة أيام متتالية لكن فَوَّتَّ يومًا واحدًا دون لحم، فقد تقوم الكلاب في مزاجها الحيواني بإلقاء طعامها على الأرض، أو تأخذ الوعاء في فمها وتضرب به الأرض، وهي بذلك تخبرك أنها تريد أن تُعطيها اللحم، وأن اللحم هو ما تعتقد أنه يجب أن تعطيها إياه، وأن عدم إعطائها اللحم غير مقبول. يمكن أن يكون الناس على القدر نفسه من عدم المعقولية. عندما يواجه أبناؤهم متاعب، فإنهم يشتكون إلى الله ويطلبون منه ويحتجون عليه. أليس هذا هو سلوك الحيوانات بشكل أو بآخر؟ (بلى). الحيوانات لا تفهم الحق أو ما يسمى بتعاليم الناس ومشاعرهم الإنسانية. عندما تنتابها نوبات غضب أو تتصرف على نحو غير ملائم، فهذا أمر مفهوم إلى حد ما. لكن عندما يحتج الناس على الله بهذه الطريقة؛ هل هم يتصرفون بمعقولية؟ هل يمكن مسامحتهم؟ إذا تصرَّفت الحيوانات بهذه الطريقة، فقد يقول الناس: "هذا الصغير حاد المزاج. إنه حتى يعرف كيف يحتج؛ هذه براعة منه. أعتقد أنه يجدر بنا ألا نستهين به". هم يجدون الأمر مسليًا، ويعتقدون أن هذا الحيوان بعيد كل البعد عن البساطة. لذا، عندما تنتاب حيوان ما نوبة غضب، فإن الناس ينظرون إليه نظرة أكثر تقديرًا. إذا احتج شخص ما على الله، فهل ينبغي أن ينظر إليه الله بنفس النظرة ويقول: "هذا الشخص يأتي بمثل هذه المطالب، فهو بعيد كل البعد عن البساطة!" هل سيقدِّرك الله بهذا الشكل؟ (كلا). إذن، كيف يعرِّف الله هذا السلوك؟ أليس هذا تمردًا؟ (إنه كذلك). ألا يعرف الناس الذين يؤمنون بالله أن هذا السلوك خاطئ؟ ألم يمضِ عهد "إيمان الشخص بالرب يجلب البركات على الأسرة بالكامل" منذ زمنٍ طويل؟ (بلى، لقد مضى). إذن لماذا لا يزال الناس يصومون ويصلون هكذا، ويتوسلون إلى الله بوقاحة أن يحمي أبناءهم ويباركهم؟ لماذا لا يزالون يتجرؤون على الاحتجاج على الله ومخاصمته قائلين: "إذا لم تفعل هكذا، فسأستمر في الصلاة؛ وسأصوم!" ماذا يعني الصوم؟ إنه يعني الإضراب عن الطعام، وهو بمعنى آخر تصرف بوقاحة والدخول في نوبة غضب. عندما يتصرف الناس تجاه الآخرين بوقاحة، قد يضربون الأرض بأقدامهم قائلين: "أواه، لقد رحل طفلي؛ لا أريد أن أعيش بعد الآن، لا أستطيع الاستمرار!". هم لا يفعلون هذا عندما يقفون أمام الله؛ إنما يتحدثون بتأدب شديد قائلين: "يا الله، أتوسل إليك أن تحمي طفلي وتشفي مرضه. يا الله، أنت أعظم طبيب يخلِّص الناس؛ أنت قادر على كل شيء. أتوسل إليك أن ترعاه وتحميه. روحك في كل مكان؛ أنت بارٌّ؛ أنت إله رحيم بالناس. أنت تعتني بهم وتعزهم". ما المقصود بهذا؟ لا شيء مما يقولونه خاطئ، لكن ليس هذا هو الوقت المناسب لقول مثل هذه الأشياء. المعنى الضمني هو أنه إذا لم يحفظ الله طفلك ويحميه، وإذا لم يحقق رغباتك، فهو ليس إلهًا محبًا، وهو خالٍ من المحبة، وليس إلهًا رحيمًا، وليس إلهًا. أليس هذا هو الحال؟ أليس هذا تصرُّفًا وقحًا؟ (بلى). هل الناس الذين يتصرَّفون بلا حياءٍ يبجِّلون الله بصفته عظيمًا؟ هل لديهم قلوب تتقي الله؟ (كلا). الناس الذين يتصرَّفون بلا حياء هم كالأوغاد تمامًا؛ إنهم يفتقرون إلى قلوب تتقي الله. إنهم يتجرؤون على مخاصمة الله والاحتجاج عليه، بل إنهم يتصرفون بطريقة غير معقولة. أليس هذا هو الشيء نفسه مثل البحث عن الموت؟ (بلى). لماذا أولادك مميزون للغاية؟ عندما يرتب الله مصير شخص آخر أو يحكمه، فأنت تعتقد أنه لا بأس بذلك ما دام لا يمت لك بصلة. لكنك تعتقد أنه لا ينبغي أن يكون قادرًا على أن يحكم مصير أولادك؟ في عينيِّ الله، البشرية كلها تحت سيادة الله، ولا يمكن لأحد أن يفلت من سيادة الله والترتيبات التي وضعها بيديه. لماذا ينبغي أن يكون أولادك استثناءً؟ إن سيادة الله مُقدَّرة ومخطَّط لها منه. هل يجوز لك أن ترغب في تغييرها؟ (كلا، لا يجوز). لا يجوز. لذلك، يجب ألا يفعل الناس أشياء حمقاء أو غير معقولة. كل ما يفعله الله يستند إلى أسباب وآثار من الحيوات السابقة؛ فما علاقة ذلك بك؟ إذا قاومت سيادة الله، فأنت تبحث عن الموت. إذا كنت لا تريد أن يختبر أولادك هذه الأشياء، فهذا نابع من المودة، وليس من العدل أو الرحمة أو العطف؛ إنه بسبب تأثير مودتك فحسب. المودة هي المتحدث باسم الأنانية. هذه المودة التي لديك لا تستحق التباهي بها؛ فأنت لا تستطيع حتى أن تبررها لنفسك، ورغم ذلك لا تزال ترغب في استخدامها لابتزاز الله. البعض حتى يقولوا: "ابني مريض، وإذا مات، فلن أستمر في الحياة!" أتملك حقاً الجرأة على الموت؟ جرب أن تموت إذن! هل إيمان مثل هؤلاء الناس حقيقي؟ هل ستتوقف حقًا عن الإيمان بالله إذا مات ابنك؟ ما الذي يمكن أن يغيره موته؟ إذا لم تؤمن بالله، فلن تتغير هويته ولا مكانته. سيظل الله هو الله. إنه ليس الله لأنك تؤمن به، ولن يتوقف عن كونه الله بسبب عدم إيمانك به. حتى لو لم تؤمن البشرية كلها بالله، ستبقى هوية الله وجوهره دون تغيير. ستبقى مكانته دون تغيير. سيظل دائمًا هو مَن له السيادة على مصير البشرية جمعاء وعلى العالم الكوني. لا علاقة للأمر بما إذا كنت تؤمن أو لا. إذا آمنت، فسينعم عليك، وإذا لم تؤمن فلن تكون لديك فرصة الخلاص، ولن تناله. أنت تحب أولادك وتحميهم، وتكِنُّ لهم المودة، ولا يمكنك التخلي عنهم، ولذلك لا تسمح لله بعمل أي شيء. هل هذا منطقي؟ هل يتماشى هذا مع الحق أو مع الأخلاق أو مع الإنسانية؟ إنه لا يتماشى مع أي شيء، ولا حتى مع الأخلاق، أليس هذا صحيحًا؟ أنت لا تعتز بأطفالك، أنت تقيهم؛ أنت تحت تأثير مودتك. أنت حتى تقول إنه إن مات طفلك، فلن تواصل الحياة. بما أنك غير مسؤول تجاه حياتك ولا تعتز بالحياة التي وهبك الله إياها، إذا كنت ترغب في العيش من أجل أولادك، فامض قدمًا ومت معهم. ألن يكون ذلك سهلاً؟ بعد أن تموت وتصل إلى عالم الروح، يمكنك أن تتحقق وترى: هل أنت وأولادك أرواح من النوع نفسه؟ هل لا زالت بينكما العلاقة الجسدية نفسها؟ هل لا زالت بينكما مودة تجاه أحدكما الآخر؟ عندما تعود إلى العالم الآخر، ستتغير. أليس هذا حقيقيًا؟ (بلى). عندما ينظر الناس إلى الأشياء بأعينهم ويحكمون على ما إذا كانت جيدة أو سيئة، أو على طبيعتها، علام يعتمدون؟ يعتمدون على أفكارهم. بمجرد النظر إلى الأشياء بأعينهم، لا يمكنهم رؤية ما وراء العالم المادي؛ لا يمكنهم رؤية العالم الروحي. في أي شيء سيفكر الناس في أذهانهم؟ "في هذا العالم، مَن أنجباني وربياني هما الأقرب والأعز إليَّ. أنا أيضًا أحب من أنجباني وربياني. وبغض النظر عن الزمان، فإن طفلي هو الأقرب إليَّ دائمًا، وطفلي هو أكثر مَن أعتز به دائمًا". هذا هو مدى المشهد الذهني وأفقه لديهم؛ هذا هو مدى "اتساع" المشهد الذهني لديهم. هل هذا قول أحمق أم لا؟ (إنه أحمق). أليس طفوليًا؟ (إنه طفولي). طفولي جدًا! لا يرتبط بك أولادك في هذه الحياة سوى بالدم؛ ماذا عن حياتهم الماضية، كيف كانوا يرتبطون بك آنذاك؟ أين سيذهبون بعد أن يموتوا؟ حالما يموتون، يلفظ جسدهم أنفاسه الأخيرة، وتخرج نفسهم، ويودعونك تمامًا. لن يعودوا يتعرفون عليك، ولن يبقوا حتى لثانية واحدة، سيعودون ببساطة إلى العالم الآخر. عندما يعودون إلى ذلك العالم الآخر، تبكي، وتفتقدهم وتشعر بالبؤس والعذاب، وتقول: "آه، لقد رحل ولدي، ولن أتمكن من رؤيته مرة أخرى أبدًا!" هل للشخص الميت أي وعي؟ ليس لديه أي وعي بك، ولا يفتقدك على الإطلاق. حالما يغادر روحه جسده، يصبح على الفور طرفًا ثالثًا، ولا تعود تربطه بك أي علاقة. كيف ينظر إليك؟ يقول: "تلك السيدة العجوز؛ ذلك الرجل العجوز – على من يبكيان؟ إنهما يبكيان على جسد. أشعر أنني انفصلت للتو عن ذلك الجسد: لم أعد ثقيلًا جدًّا الآن، ولم أعد أشعر بألم المرض؛ أنا حر". هذا ما يشعر به. بعد أن يموت ويغادر جسده، يستمر في الوجود في العالم الآخر؛ يظهر في شكل مختلف، ولا تعود له أي علاقة بك. أنت تبكي وتشتاق إليه هنا، وتتألم من أجله، لكنه لا يشعر بأي شيء، ولا يعرف شيئًا. بعد سنوات عديدة، وبسبب المصير أو المصادفة، قد يصبح زميلك في العمل، أو أحد أبناء بلدك، أو قد يعيش بعيدًا عنك. رغم أنكما تعيشان في العالم نفسه، ستكونان شخصين مختلفين لا صلة بينكما. حتى وإن أدرك بعض الناس بسبب ظروف خاصة أو بسبب شيء خاص قيل لهم أنهم كانوا فلانًا في الحياة السابقة، فإنهم لا يشعرون بشيء عندما يرونك، ولا تشعر أنت بشيء عندما تراهم. حتى لو كان هذا الشخص ولدك في الحياة السابقة، فأنت الآن لا تشعر حياله بأي شيء؛ أنت لا تفكر إلا في ولدك المتوفى. وهو أيضًا لا يشعر بأي شيء حيالك: لديه أب وأم وعائلة، وله لقب مختلف؛ لا تربطه بك أي صلة. ولكنك ما تزال هناك تفتقده؛ ما الذي تفتقده؟ أنت لا تفتقد سوى الجسد المادي والاسم الذي كان ذات وقت تربطك به صلة دم؛ إنه مجرد صورة، ظل باقٍ في أفكارك أو عقلك؛ ليس له قيمة فعلية. لقد تجسد من جديد، وتحول إلى إنسان أو أي كائن حي آخر؛ لا تربطه بك صلة. لذلك، عندما يقول بعض الآباء والأمهات: "إذا مات ولدي، فأنا أيضًا لن أستمر في الحياة!"؛ فإنَّ هذا جهل صريح فحسب! لقد وصلت حياته إلى نهايتها، لكن لماذا يجب عليك التوقف عن الحياة؟ لماذا تتكلم بهذا الاستهتار؟ لقد وصلت حياته إلى نهايتها، وقد انطفأ فتيله، ولديه مهمة أخرى؛ ما شأنك أنت بهذا الأمر؟ إذا كانت لديك مهمة أخرى، فسيطفئ الله فتيلك أيضًا؛ لكن هذا لم يحدث بعد، لذا عليك الاستمرار في الحياة. إذا أراد الله لك الحياة فلا يمكن أن تموت. سواء تعلق الأمر بالوالدين أو الأولاد أو غيرهم من الأقارب أو الذين تربطك بهم صلة دم في حياتهم، فيما يتعلق بالمودة، ينبغي أن يكون لدى الناس الرأي والفهم التاليان: بخصوص المودة الموجودة بين الناس، إذا كانت مرتبطة بصلة دم، فإن تتميم المرء لمسؤوليته يكفي. وبخلاف تتميم الناس لمسؤولياتهم، ليس لديهم التزام لتغيير أي شيء ولا قدرة على ذلك. لهذا، من عدم المسؤولية أن يقول الآباء والأمهات: "إذا رحل أبناؤنا؛ إذا كان علينا كآباء أن ندفن أبناءنا، فلن نستمر في الحياة". إذا دفن الآباء أبناءهم فعلًا، فلا يمكن قول إلا إنَّ ساعتهم في هذا العالم قد حانت، وكان عليهم أن يرحلوا. لكن آباءهم لا يزالون هنا، لذا يجب أن يستمروا في الحياة بشكل جيد. بالطبع، من الطبيعي للناس، وفقًا لإنسانيتهم، أن يفكروا في أبنائهم، لكن لا ينبغي أن يضيعوا ما تبقى لهم من وقت في اشتياقهم لأبنائهم المتوفين. هذه حماقة. لذلك عند التعامل مع هذا الأمر، يجب على الناس من ناحية أن يتحملوا مسؤولية حياتهم الخاصة، ويجب، من ناحية أخرى، أن يستوعبوا العلاقات الأسرية استيعابًا كاملًا. إن العلاقة الموجودة حقًا بين الناس ليست قائمة على روابط اللحم والدم، بل هي علاقة بين كائن حي وآخر خلقهما الله. لا ينطوي هذا النوع من العلاقات على روابط اللحم والدم؛ بل هي علاقة بين كائنين حيين مستقلين فحسب. إذا فكرتم في الأمر من هذه الزاوية، فعليكم كآباء وأمهات عندما يحالف سوء الحظ أطفالكم ويمرضون أو تتعرض حياتهم للخطر، أن تواجهوا هذه الأمور بشكل صحيح. لا ينبغي أن تتخلوا عن الوقت المتبقي لكم، أو الطريق الذي يجب أن تسلكوه، أو المسؤوليات والالتزامات التي يجب أن تتمموها، بسبب مصائب أبنائكم أو وفاتهم؛ يجب أن تواجهوا هذا الأمر بشكل صحيح. إذا كانت لديكم الأفكار ووجهات النظر الصحيحة واستطعتم رؤية حقيقة هذه الأمور، فستتمكنون بسرعة من التغلب على اليأس والحزن والشوق. ولكن ماذا لو لم تستطيعوا رؤيتها على حقيقتها؟ حينئذٍ، قد تطاردك لبقية حياتك، حتى يوم مماتك. رغم ذلك، إذا استطعت أن ترى حقيقة هذا الظرف، فسيكون هناك حد لهذا الفصل من حياتك. لن يستمر إلى الأبد، ولن يرافقك في الجزء الأخير من حياتك. إذا كان بإمكانك أن ترى حقيقة هذا، فيمكنك أن تتخلى عن جزء منه، وهو أمر جيد لك. لكن إذا لم تستطع أن ترى حقيقة الروابط العائلية المشتركة مع أبنائك، فلن تستطيع التخلي عنها، وسيكون هذا أمرًا قاسيًا بالنسبة إليك. لا يخلو أي والدين من المشاعر عند وفاة أبنائهم. عندما يختبر أي والدين الاضطرار إلى دفن أبنائهم، أو عندما يشاهدون أبناءهم في موقف مؤسف، سيقضون بقية حياتهم يفكرون فيهم ويقلقون بشأنهم، والألم يعتصرهم. لا أحد يستطيع الهروب من هذا: إنه ندبة وعلامة لا تُمحى من النفس. ليس من السهل على الناس أن يتخلوا عن هذا التعلق العاطفي وهم يعيشون في الجسد، لذلك يعانون بسببه. على الرغم من ذلك، إذا استطعت أن ترى هذا التعلق العاطفي بأبنائك على حقيقته، فسيصبح أقل حدة بكثير. بالطبع، ستعاني بدرجة أقل كثيرًا؛ من المستحيل ألا تعاني على الإطلاق، لكن معاناتك ستقل كثيرًا. إذا لم تستطع أن ترى حقيقته، فإنَّ هذا الأمر سيرافقك بقسوة. وإذا استطعت، فسيصبح اختبارًا خاصًا سبب لك صدمة عاطفية شديدة، ويمنحك تقديرًا وفهمًا أعمق للحياة والروابط العائلية وللإنسانية، ويثري اختبارك الحياتي. بالطبع، هذا النوع المحدد من الإثراء هو أمر لا يرغب أحد في امتلاكه أو مقابلته. لا أحد يرغب في مواجهته، ولكن إذا طرأ هذا الأمر فعليك أن تتعامل معه بشكل صحيح. لتجنب القسوة على نفسك، ينبغي عليك أن تتخلى عن أفكارك ووجهات نظرك التقليدية والفاسدة والمغلوطة التي كنت تتبناها سابقًا. ينبغي أن تواجه روابطك العاطفية وصلات الدم بالطريقة الصحيحة، وأن تنظر إلى وفاة أبنائك بطريقة صحيحة. حالما تستوعب هذا الأمر حقًا، ستتمكن من التخلي عنه تمامًا، ولن يعود هذا الأمر يعذبك. أنت تفهمني، أليس كذلك؟ (نعم، أفهمك).
يقول البعض: "الأبناء أصول يهبها الله للوالدين، لذا فهم بمثابة ملكية خاصة للوالدين". هل هذه المقولة صحيحة؟ (لا، ليست صحيحة). يقول بعض الآباء عند سماع ذلك: "هذه مقولة صحيحة. لا شيء آخر يخصنا سوى أولادنا الذين هم من لحمنا ودمنا. إنهم أعز ما لدينا". هل هذه المقولة صحيحة؟ (كلا). ما الخطأ فيها؟ يُرجى توضيح تعليلكم. هل من اللائق معاملة الأبناء على أنهم ملكية خاصة للمرء؟ (لا، هذا ليس من اللائق). لماذا ليس من اللائق؟ (لأن الملكية الخاصة تخص الشخص نفسه وليس الآخرين، لكن العلاقة بين الأبناء والآباء ليست في الواقع أكثر من علاقة جسدية. تأتي الحياة البشرية من الله، إنها النَفَس الذي منحه الله. إذا كان ثمة من يعتقد أنه منح أولاده الحياة، فإن وجهة نظره وموقفه غير صحيحين، وهو لا يؤمن على الإطلاق بسيادة الله وترتيبه). أليس هذا هو الحال؟ بخلاف العلاقة الجسدية، فإن حياة الأبناء والآباء مستقلة في عينيِّ الله. لا ينتمي أحدهم للآخر، ولا تربطهما علاقة هرمية. وبالطبع هي ليست علاقة أنهم يملكون ولا أنهم مملوكين. حياتهم من الله، والله هو مَن له السيادةَ على أقدارهم. الأمر ببساطة أن الأبناء يولدون من آبائهم، والآباء أكبر من أبنائهم، والأبناء أصغر من آبائهم، رغم ذلك، فبناءً على هذه العلاقة، هذه الظاهرة السطحية، يعتقد الناس أن الأبناء هم ملحقات الوالدين وملكيتهم الخاصة. هذه النظرة لا تتناول الأمر من جذوره، بل هي لا تنظر إليه إلا على المستوى السطحي، وعلى مستوى الجسد، وعلى مستوى عواطف الشخص. لذلك، فإن طريقة النظر هذه هي نفسها خاطئة، وهذا المنظور خاطئ. أليس كذلك؟ (بلى). بما أن الأطفال ليسوا ملحقات الوالدين أو ملكية خاصة لهم، بل أشخاصًا مستقلين، فإنه بغض النظر عن شكل توقعات الوالدين لأبنائهم بعد أن يكبروا، لا بد أن تظل هذه التوقعات أفكارًا في أذهانهم؛ لا يمكن أن تتحول إلى واقع. بطبيعة الحال، حتى لو كان لدى الوالدين توقعات لأبنائهم البالغين، فلا ينبغي أن يحاولوا تحقيقها، ولا ينبغي أن يستخدموا أبناءهم للوفاء بوعودهم أو لجعلهم يقدمون من أجلهم أي تضحيات أو ليدفعوا أي ثمن. فماذا ينبغي على الوالدين أن يفعلوا؟ ينبغي عليهم أن يختاروا التخلي بعد أن يصبح لأبنائهم البالغين حياة مستقلة وقدرة على البقاء على قيد الحياة؛ التخلي هو الطريقة الحقيقية الوحيدة لإظهار الاحترام لهم وتحمل المسؤولية تجاههم. إن هيمنة الوالدين الدائمة على أبنائهم أو السيطرة عليهم أو الرغبة في التدخل في حياتهم وبقائهم على قيد الحياة والمشاركة فيهما هو سلوك جاهل من جانب الوالدين ويفتقر إلى الإدراك، وهي طريقة طفولية في القيام بالأمور. مهما علت التوقعات التي يضعها الآباء والأمهات لأبنائهم، فإنها لا يمكن أن تغير أي شيء ومحالٌ أن تصبح واقعًا. لذا، إذا كان الآباء والأمهات حكماء فعليهم أن يتخلوا عن كل هذه التوقعات الواقعية أو غير الواقعية، وأن يتبنوا منظورًا وموقفًا صحيحًا يتعاملون من خلاله مع علاقتهم بأبنائهم ويتناولون به كل تصرف يصدر من أبنائهم البالغين أو أي حدث يقع لهم. هذا هو المبدأ. هل هو ملائم؟ (نعم، إنه ملائم). إذا استطعت تحقيقه، فهذا يثبت أنك تقبل هذه الحقائق. إذا لم تستطع ذلك، وأصررت على القيام بالأمور على طريقتك الخاصة، ظانًّا أنَّ المودة العائلية هي الشيء الأعظم والأهم في العالم والأبرز، كما لو أنك تستطيع الإشراف على مصير أبنائك والإمساك بأقدارهم بين يديك، فلتتفضل وتجرب ذلك، وانظر ماذا ستكون النتيجة النهائية. غنيٌ عن القول إن ذلك لا يمكن إلا أن ينتهي بهزيمة بائسة، دون عاقبة جيدة.
إضافةً إلى وجود هذه التوقعات للأبناء البالغين، فإن الآباء والأمهات لديهم أيضًا متطلبات لأبنائهم مشتركة بين جميع الآباء والأمهات في العالم، وهي أنهم يأملون أن يكونوا أبناءً بارين بوالديهم وأن يحسنوا معاملة والديهم. بالطبع، لدى بعض المجموعات العرقية والمناطق المحددة متطلبات أكثر تحديدًا من أبنائهم. على سبيل المثال، إضافةً إلى أن يكونوا بارين بوالديهم، يجب عليهم أيضًا أن يعتنوا بوالديهم حتى الموت وترتيب جنازاتهم، وأن يعيشوا مع والديهم بعد بلوغهم سن الرشد، وأن يتحملوا مسؤولية معيشة والديهم. هذا هو الجانب الأخير من توقعات الوالدين تجاه أبنائهم، وهو الجانب الذي سنناقشه الآن: مطالبة الوالدين أن يكون الأبناء بارين بهم وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم. أليس هذا هو مقصد جميع الآباء والأمهات الأصلي من إنجاب الأبناء، كما أنه مطلب أساسي من أبنائهم؟ (بلى، هو كذلك). يسأل الوالدان أطفالهم وهم لا يزالون صغارًا ولا يفهمون الأمور: "عندما تكبر وتكسب المال، على من ستنفقه؟ هل ستنفقه على أمك وأبيك؟" "نعم". "هل ستنفقه على والدي أبيك؟" "نعم". "هل ستنفقه على والدي أمك؟" "نعم". كم من المال يمكن للابن الواحد أن يكسب إجمالاً؟ عليه أن يعول والديه، وجديه من جهة الأم ومن جهة الأب، وحتى الأقارب البعيدين. أخبرني، أليس هذا عبء ثقيل على الابن، أليس سيء الحظ؟ (بلى). على الرغم من أنهم يتحدثون بالطريقة البريئة والساذجة التي يتحدث بها الأطفال، ولا يعرفون ما يقولونه فعليًا، فإن هذا يعكس حقيقة معينة، وهي أن الآباء والأمهات يربون أطفالهم لغرض ما، وليس هذا الغرض نقيًا ولا بسيطًا. عندما يكون الأبناء لا يزالون صغارًا جدًا، يبدأ الوالدان بالفعل في فرض مطالبهم ويمتحنونهم دائمًا بالسؤال: "عندما تكبر، هل ستعول أمك وأبيك؟" "نعم". "هل ستعول والدي أبيك؟" "نعم". "هل ستعول والدي أمك؟" "نعم". "من تحب أكثر؟" "أحب أمي أكثر". عندئذٍ يشعر الأب بالغيرة؛ "ماذا عن أبيك؟" "أنا أحب أبي أكثر". فتشعر الأم بالغيرة؛ "من تحب أكثر حقًا؟" "أمي وأبي". حينئذٍ يرضى الوالدان كلاهما. إنهما يسعيان جاهدين من أجل أن يكون أبناءهما بارين بهما منذ أن يكونوا قد بدأوا للتو في تعلم الكلام، ويأملان أن يحسن أولادهما معاملتهما عندما يكبران. على الرغم من أن هؤلاء الأطفال الصغار لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بوضوح ولا يفهمون الكثير، فإنَّ الآباء والأمهات يظلون راغبين في سماع وعد في إجابات أطفالهم. وفي الوقت نفسه، يريدون أيضًا أن يروا مستقبلهم في أطفالهم ويأملون ألا يكون الأطفال الذين يربونهم عاقين، بل أطفالًا بارين بهم سيتحملون المسؤولية تجاههم، وأكثر حتى من ذلك، أن يكونوا قادرين على الاعتماد عليهم، وأن يعولوهم في شيخوختهم. على الرغم من أنهم كانوا يطرحون هذه الأسئلة منذ أن كان أطفالهم صغارًا، فإنها ليست أسئلة بسيطة. إنها، بصورة تامة، متطلبات وآمال نابعة من أعماق قلوب هؤلاء الآباء، متطلبات حقيقية جدًا وآمال حقيقية جدًا. لذا، حالما يبدأ الأبناء في فهم الأمور، يأمل الآباء والأمهات أن يظهروا قلقهم عندما يمرض آباؤهم وأمهاتهم وأن يجلسوا بجوار فراش مرضهم ويعتنوا بهم، حتى وإن لم يكن ذلك إلا بصب الماء لهم ليشربوا. على الرغم من أن أبناءهم لا يستطيعون فعل الكثير، ولا يستطيعون تقديم المساعدة المالية أو المزيد من المساعدة العملية، فيجب على الأقل أن يُظهروا هذا القدر من بر الوالدين. يريد الآباء والأمهات أن يكونوا قادرين على رؤية هذا البر بالوالدين بينما لا يزال أبناؤهم صغارًا، والتحقق منه من وقت لآخر. على سبيل المثال، عندما لا يكون الوالدان على ما يرام أو يكونان متعبين من العمل، فإنهم يتطلعون إلى معرفة ما إذا كان أطفالهم يعرفون أن يحضروا لهم المشروبات أو أحذيتهم أو يغسلوا ملابسهم أو يعدوا لهم وجبة بسيطة، حتى لو كانت البيض المخفوق مع الأرز، أو ما إذا كانوا سيسألون والديهم: "هل أنت متعب؟ إذا كنت متعبًا، فسأعد لك شيئًا لتأكله". بعض الآباء والأمهات يخرجون في العطلات ويتعمدون عدم العودة في أوقات تناول الوجبات لإعداد الطعام، وهم لا يفعلون ذلك إلا ليروا إن كان أولادهم قد كبروا وأصبحوا متعقلين، وما إذا كانوا يعرفون أن يطبخوا لهم، وما إذا كانوا يعرفون أن يكونوا بارين ومراعين لهم، وإن كانوا يستطيعون مشاركتهم في مشاقهم، أو ما إذا كانوا قساة القلب ناكرين للجميل، وما إذا كانت تربيتهم لهم بلا طائل. بينما يكبر الأبناء، وحتى في أثناء مرحلة الرشد، يختبرهم آباؤهم وأمهاتهم باستمرار ويتدخلون في هذا الأمر، وفي الوقت نفسه، يطالبون أبناءهم باستمرار: "لا ينبغي أن تكون عاقًا قاسي القلب. لماذا ربيناك نحن والداك أصلًا؟ لكي تعتني بنا عندما نكبر في السن. هل ربيناك هباءً؟ لا ينبغي لك أن تتحدانا. لم تكن تربيتك سهلة علينا. كانت عملًا شاقًا. ينبغي أن تكون مراعيًا وتعرف هذه الأمور". لا سيما خلال ما يسمى بمرحلة التمرد، أي الانتقال من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد، فإن بعض الأطفال لا يكونون متعقِّلين جدًا أو قادرين على التمييز، وغالبًا ما يتحدون آبائهم ويتسببون في المشكلات. يبكي آباؤهم ويثيرون ضجة ويقرِّعونهم قائلين: "أنت لا تعرف كم عانينا من أجل رعايتك عندما كنت صغيرًا! لم نكن نتوقع أن تكبر لتصبح هكذا، غير بار بوالديك على الإطلاق، جاهلًا بكيفية تقاسم عبء الأعمال المنزلية أو مشاقنا. أنت لا تعرف مدى صعوبة كل هذا علينا. أنت غير بار بوالديك، أنت كثير التحدي، أنت لست شخصًا صالحًا!" إلى جانب غضبهم على أولادهم بسبب عصيانهم أو سلوكهم المتطرف في دراستهم أو في حياتهم اليومية، ثمة سبب آخر لغضبهم وهو أنهم لا يرون مستقبلهم في أولادهم، أو أنهم يرون أن أولادهم لن يكونوا بارين بوالديهم في المستقبل، وأنهم لا يراعون والديهم ولا يشعرون بالأسف عليهم، وأنهم لا يحملون والديهم في قلوبهم، أو بمعنى أدق، أنهم لا يعرفون أن يكونوا بارين بوالديهم. لذا، يرى آباؤهم وأمهاتهم أنهم لا يستطيعون وضع آمالهم في مثل هؤلاء الأبناء: قد يكونون جاحدين أو متحدين، فيصبح آباؤهم وأمهاتهم منكسري القلب ويشعرون أن ما استثمروه وما أنفقوه من أموال من أجل أولادهم كان هباءً، وأنهم عقدوا صفقة فاشلة، ولم تكن تستحق، وأنهم نادمون ويشعرون بالحزن والضيق والحسرة، لكنهم غير قادرين على استرداد ما أنفقوه، وكلما زاد عجزهم عن استرداد ما أنفقوه، زاد شعورهم بالندم، وزادت رغبتهم في أن يطالبوا أولادهم بأن يكونوا بارين بآبائهم، قائلين: "ألا يمكنك أن تكون أكثر برًا بوالديك؟ ألا يمكنك أن تكون أكثر تعقلًا؟ ألا يمكننا الاعتماد عليك عندما تكبر؟". على سبيل المثال، هب أن الوالدين يحتاجان إلى المال، ولا يصرحان بذلك، لكن الأبناء يجلبون هذا المال إلى المنزل من أجلهما. هب أن الآباء والأمهات يرغبون في تناول اللحم أو أي شيء لذيذ ومغذٍّ، ولا يقولون أي شيء عن ذلك، لكن أولادهم يجلبون لهم هذا الطعام إلى المنزل. هؤلاء الأبناء يراعون آباءهم وأمهاتهم بشكل خاص؛ مهما كان مدى انشغالهم بالعمل أو مدى ثقل أعباء أسرهم، فهم دائمًا ما يضعون آباءهم وأمهاتهم في الاعتبار. حينئذٍ سيفكر آباؤهم وأمهاتهم: "حسنًا، ولدي يمكن الاعتماد عليه، لقد كبر أخيرًا، كل الطاقة التي أُنفقت في تربيته كانت تستحق العناء، والأموال التي أنفقت عليه كانت تستحق العناء، لقد رأينا عائدًا على استثمارنا". ولكن إذا فعل الأبناء أي شيء أقل ولو قليلًا مما يتوقعه آباؤهم، فسيحكمون عليه بناءً على مدى برهم بالوالدين، ويقررون أنهم غير بارين بوالديهم ولا يُعتمد عليهم وناكرين للجميل، وأنهم ربوهم سُدى.
ثمة بعض الآباء والأمهات أيضًا الذين ينشغلون أحيانًا بالعمل أو قضاء بعض المهام، فيعودون إلى المنزل متأخرين قليلًا ليجدوا أن أطفالهم قد أعدوا العشاء دون أن يدخروا شيئًا لهم. لم يصل هؤلاء الصغار إلى تلك السن بعد، وقد لا يفكرون في ذلك الأمر أو قد لا تكون لديهم عادة القيام بذلك، أو قد يفتقر البعض ببساطة إلى تلك الإنسانية، ولا يستطيعون إظهار الاعتبار للآخرين أو الاهتمام بهم. وقد يكونون أيضًا متأثرين بوالديهم، أو قد تكون إنسانيتهم أنانية على نحو متأصل، فيطبخون ويأكلون دون أن يتركوا شيئًا لوالديهم أو أن يصنعوا كمية إضافية من الطعام. عندما يعود الوالدان إلى المنزل ويريان هذا الأمر، يتأذيان من هذا وينزعجان. لماذا ينزعجان؟ لأنهما يعتقدان أن أولادهما ليسوا بارين بهما ولا متعقلين، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالأمهات غير المتزوجات: إن رؤية أطفالهن يتصرفون هكذا تجعلهن أكثر انزعاجًا. فيبدؤون في البكاء والصراخ: "هل تظن أنه كان من السهل عليَّ أن أربيك طوال هذه السنوات؟ لقد كنت أبًا وأمًا لك، وربيتك طوال هذا الوقت. أعمل بجد، وعندما أعود للمنزل، لا تطبخ لي حتى وجبة طعام. حتى لو لم تكن سوى وعاء من العصيدة، حتى وإن لم تكن ساخنة، فستظل لفتة لطيفة للتعبير عن محبتك. كيف لا تفهم ذلك وأنت في هذا العمر؟" إنهم لا يتفهمون ولا يتصرفون بشكل ملائم، ولكن إذا لم يكن لديكِ هذا التوقع منهم، هل كنتِ ستغضبين إلى هذا الحد؟ هل كنت ستأخذين هذا الأمر على محمل الجد بهذه الطريقة؟ هل كنتِ ستعتبريه معيارًا للبر بالوالدين؟ إذا لم يطبخوا لكِ، فلا يزال بوسعكِ أن تطبخي لنفسك. إذا لم يكونوا موجودين، ألن يظل يتعين عليكِ الاستمرار في الحياة؟ إذا لم يكونوا بارين بك، ألم يكن يجدر بك ألا تنجبيهم فحسب؟ إذا لم يتعلموا حقًا كيف يعتزون بكِ ويعتنون بكِ طوال حياتهم، فماذا ينبغي لك أن تفعلي؟ هل ينبغي عليك التعامل مع هذا الأمر بشكل صحيح أم تغضبي وتنزعجي وتندمي على ذلك، وأن تكوني دائمًا في خصومة معهم؟ ما هو التصرف السليم؟ (التعامل مع الأمر بشكل صحيح). في كل الأحوال، ما تزالين لا تعرفين كيف تتصرفين. في النهاية تقولين للناس: "لا تنجبوا أطفالاً. ستندم على كل طفل أنجبته. لا خير في إنجاب الأطفال ولا في تربيتهم أيضًا، فهم دائمًا ما يكبرون ليصبحوا ناكري جميل قساة القلب! من الأفضل أن تحسن إلى نفسك وألا تضع آمالك على أي شخص. لا أحد يمكن الاعتماد عليه! يقول الجميع إنه يمكن الاعتماد على الأبناء، ولكن على ماذا يمكنك الاعتماد؟ الأرجح أنهم يستطيعون الاعتماد عليك. أنت تحسن معاملتهم بمئات الطرق المختلفة، لكنهم في المقابل يعتقدون أن معاملتهم لك بالقليل من اللطف هو عطف كبير منهم، وأن ذلك يعد قيامًا منهم بواجبهم حيالك". هل هذه العبارة خاطئة؟ أهي نوع من الرأي، نوع من الأفكار ووجهات النظر الموجودة في المجتمع؟ (نعم، إنها كذلك). "يقول الجميع إن تربية الأطفال تساعد على إعالتك في سن الشيخوخة. ليس من السهل أن تجعلهم يعدون لك وجبة، فضلًا عن إعالتك في سن الشيخوخة. لا تعتمد على ذلك!" ما هذا الكلام؟ أليس هذا تذمر كثير فحسب؟ (بلى، إنه كذلك). لم ينشأ هذا التذمر؟ أليس لأن توقعات الآباء والأمهات من أبنائهم مرتفعة للغاية؟ لديهم معايير ومتطلبات منهم، إذ يطالبونهم بأن يكونوا بارين بهم ومراعين ومطيعين لكل كلمة يقولونها بعد أن يكبروا، وأن يفعلوا كل ما يلزم ليكونوا بارين بالوالدين وأن يفعلوا ما يجب على الأبناء فعله. حالما تضع هذه المطالب والمعايير يستحيل على أبنائك تلبيتها مهما فعلوا، وستمتلئ بالتذمر والكثير من الشكاوى. ومهما يفعل أبناؤك، فستندم على إنجابهم، وستشعر أن الخسائر تفوق المكاسب، وأنه لا يوجد عائد على استثمارك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). أليس هذا بسبب أن هدفك في تربية الأطفال خاطئ؟ (بلى). هل إحداث مثل هذه العواقب صواب أم خطأ؟ (إنه خطأ). إن إحداث مثل هذه العواقب خطأ، ومن الواضح أن هدفكم الأولي من تربية الأطفال كان خاطئًا أيضًا. تربية الأطفال هي في حد ذاتها مسؤولية والتزام على البشر. لقد كانت في الأصل غريزة بشرية، ثم أصبحت فيما بعد التزامًا ومسؤولية. لا يلزم على الأبناء أن يكونوا بارين بوالديهم أو أن يعولوا والديهم في شيخوختهم، وليس الأمر كما لو كان الناس لا ينبغي أن ينجبوا أبناءً إلا إذا كانوا بارين بوالديهم. إن أصل هذا الهدف في حد ذاته غير نقي، لذا فهو يقود الناس في النهاية إلى التعبير عن هذا النوع من الأفكار ووجهات النظر الخاطئة: "يا إلهي، لا تربي أبناءً مهما يكن من أمر". وبما أن الهدف غير نقي، فإن الأفكار ووجهات النظر الناتجة عنه غير صحيحة كذلك. لذا، ألا يجب تصحيحها والتخلي عنها؟ (بلى). كيف يجب التخلي عنها وتصحيحها؟ ما نوع الهدف النقي الذي يجب أن يكون لديك؟ ما النوع الصحيح من الأفكار ووجهات النظر؟ بعبارة أخرى، ما الطريقة الصحيحة للتعامل مع علاقة المرء بأولاده؟ أولاً وقبل كل شيء، تربية الأولاد هي اختيارك، فقد أنجبتهم بإرادتك، ولم يكن لهم دور في ولادتهم. وبخلاف المهمة والمسؤولية التي أوكلها الله للبشر في إنجاب الذرية، وبخلاف تعيين الله، فإن السبب الذاتي ونقطة البداية بالنسبة لأولئك الذين هم آباء وأمهات هو أنهم كانوا راغبين في إنجاب أطفالهم. إذا كنتم راغبين في إنجاب الأطفال، فعليكم تربيتهم وتنشئتهم حتى يصبحوا راشدين، والسماح لهم بأن يصبحوا مستقلين. أنت على استعداد لإنجاب الأطفال، وقد ربحت الكثير من تربيتهم، فقد استفدت كثيرًا. أولاً وقبل كل شيء، استمتعت بوقت ممتع في العيش مع أطفالك، واستمتعت أيضًا بعملية تربيتهم. ورغم أن هذه العملية كانت لها تقلباتها، فقد كانت في الغالب مليئة بسعادة مرافقتك لأطفالك ومرافقتهم لك، وهي عملية ضرورية للإنسانية. لقد استمتعت بهذه الأشياء، واكتسبت الكثير بالفعل من أبنائك، أليس هذا صحيحًا؟ فالأطفال يجلبون السعادة والرفقة لوالديهم، وبالنسبة إلى الآباء والأمهات، فهم الذين يتسنى لهم، من خلال دفع الثمن واستثمار وقتهم وطاقتهم، مشاهدة هذه الحيوات الصغيرة وهي تنمو تدريجياً إلى أن يصبحوا كبارًا. يبدأ الأبناء بوصفهم حيوات صغيرة جاهلة لا يعرفون أي شيء على الإطلاق، وتدريجيًا يتعلمون الكلام، ويكتسبون القدرة على وضع الكلمات معًا، ويتعلمون أنواع المعرفة المختلفة ويفرقون بينها، ويتحدثون ويتواصلون مع والديهم، وينظرون إلى الأمور من منطلق متساوٍ. هذا هو نوع العملية التي يمر بها الآباء والأمهات. لا يمكن بالنسبة إليهم أن يحل محل هذه العملية أي حدث أو دور آخر. لقد استمتع الآباء والأمهات بالفعل بهذه الأمور وربحوها من أبنائهم، وهو ما يمثل راحة ومكافأة كبيرة لهم. الواقع أنك حقًا قد اكتسبت الكثير من فعل إنجاب الأطفال وتربيتهم فحسب. أما ما إذا كان أولادك سيكونون بارين بك، وما إذا كنت تستطيع الاعتماد عليهم قبل أن تموت، وما يمكنك الحصول عليه منهم، فهذه الأمور تعتمد على ما إذا كان مقدَّرًا لكم أن تعيشوا معًا، والأمر يتوقف على تعيين الله. ومن ناحية أخرى، فإن نوع البيئة التي يعيش فيها أولادك، وظروفهم المعيشية، وما إذا كانت لديهم الظروف التي تمكنهم من رعايتك، وما إذا كانوا مستريحين ماديًا، وما إذا كان لديهم مال إضافي يوفر لك المتعة المادية والمساعدة – كلها أيضًا أمور تعتمد على تعيين الله. علاوةً على ذلك، من الناحية الذاتية كآباء وأمهات، ما إذا كان مصيرك هو الاستمتاع بالأشياء المادية التي يمنحك أولادك إياها أو المال أو الراحة العاطفية، يعتمد أيضًا على تعيين الله. أليس كذلك؟ (بلى). هذه ليست أشياء يمكن للبشر التماسها. مثلما ترى، بعض الأبناء لا يحبهم آباؤهم وأمهاتهم، ولا يرغبون في العيش معهم، لكن الله قد عيَّن لهم أن يعيشوا مع آبائهم، لذلك لا يستطيعون السفر بعيدًا أو ترك آبائهم. إنهم عالقون مع آبائهم وأمهاتهم طوال حياتهم؛ لن تستطيع إبعادهم وإن حاولت. من الناحية الأخرى، بعض الأبناء لديهم آباء وأمهات يرغبون بشدة في أن يكونوا معهم، فهم لا يفترقون عن بعضهم بعضًا، ويشتاقون دائمًا إلى بعضهم بعضًا، ولكن لأسباب مختلفة، لا يستطيعون الإقامة في المدينة نفسها التي يقيم فيها آباؤهم وأمهاتهم، أو حتى في البلد نفسه. من الصعب عليهم رؤية وجوه بعضهم بعضًا والتحدث بعضهم مع بعض؛ على الرغم من أن وسائل الاتصال أصبحت متطورة جدًا، وأصبحت الدردشة عبر الفيديو ممكنة، فإن الأمر لا يزال مختلفًا عن العيش معًا يومًا بعد يوم. فالأبناء يسافرون إلى الخارج لأي سبب من الأسباب أو يعملون في مكان آخر بعد زواجهم أو يعيشون في مكان آخر وهكذا، وتفصلهم عن آبائهم مسافة طويلة جدًا. ليس من السهل أن يلتقوا ولو لمرة واحدة، ويعتمد إجراء مكالمة هاتفية أو مكالمة فيديو على الوقت. وبسبب فارق التوقيت أو غيره من المعوقات الأخرى، لا يستطيعون التواصل مع آبائهم وأمهاتهم في كثير من الأحيان. بماذا ترتبط هذه الجوانب الرئيسية؟ أليست كلها مرتبطة بتعيين الله؟ (بلى). إنه ليس أمرًا يمكن أن تقرره الرغبات الذاتية للآباء والأمهات ولا للأبناء، بل إن الأمر يعتمد في المقام الأول على ما عينه الله. ومن ناحية أخرى، فإن الآباء والأمهات يقلقون بشأن ما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على أبنائهم في المستقبل. لأي سبب تريدون الاعتماد عليهم؟ لإحضار الشاي وسكب الماء؟ أي نوع من الاعتماد هذا؟ ألا تستطيع القيام بذلك بنفسك؟ إذا كنت بصحة جيدة وقادرًا على الحركة والاعتناء بنفسك، والقيام بكل شيء بمفردك، أليس هذا رائعًا؟ لماذا عليك الاعتماد على الآخرين لخدمتك؟ هل من السعادة حقًا أن تستمتع برعاية أبنائك ورفقتهم وخدمتهم لك على مائدة العشاء وبعيدًا عنها؟ ليس بالضرورة. إذا كنت غير قادر على الحركة، وكان عليهم بالفعل خدمتك على المائدة وبعيدًا عنها على حد سواء، فهل هذا يشكل سعادة لك؟ إذا خُيِّرتَ، فهل كنت ستختار أن تكون بصحة جيدة ولا تحتاج إلى رعاية أولادك لك، أم ستختار أن تكون مشلولاً طريح الفراش وأولادك إلى جانبك؟ أيهما تختار؟ (أن أكون بصحة جيدة). من الأفضل بكثير أن تكون بصحة جيدة. سواء كنت ستعيش حتى الثمانين عام أو التسعين أو حتى المائة، فيمكنك أن تستمر في الاعتناء بنفسك. هذه نوعية حياة جيدة. رغم أنك قد تكبر في السن، وقد تتأخر قدراتك العقلية، وقد تضعف ذاكرتك، وقد تأكل أقل، وتقوم بالأشياء ببطء أكثر وبكفاءة أقل، ولا يعود الخروج مريحاً بالقدر نفسه، فإنه يظل من الرائع أنك قادر على الاعتناء باحتياجاتك الأساسية. يكفي أن تتلقى من حين لآخر مكالمة هاتفية من أولادك لإلقاء التحية عليك أو أن يعودوا إلى المنزل ويقيموا معك خلال العطلات. لماذا تطلب منهم المزيد؟ أنت تعتمد دائمًا على أولادك، ألن تسعد إلا عندما يصبحون عبيدًا لك؟ أليس من الأنانية أن تفكر بهذه الطريقة؟ أنت تطالب دائمًا بأن يكون أبناؤك بارين بك وأن تكون قادرًا على الاعتماد عليهم؛ ماذا هنالك لتعتمد عليه؟ هل كان والداك يعتمدان عليك؟ إذا كان والداك لم يعتمدا عليك، فلماذا تعتقد أنه يجب أن تعتمد على أولادك؟ أليس هذا غير معقول؟ (بلى).
فيما يتعلق بمسألة توقع الآباء والأمهات أن يكون الأبناء بارين بهم، يجب على الآباء والأمهات، من ناحية، أن يعلموا أن كل شيء من ترتيب الله ويعتمد على تعيينه. ومن ناحية أخرى، يجب على الناس أن يكونوا عاقلين؛ إن الآباء والأمهات بإنجابهم لأولادهم، يختبرون بصورة متأصلة شيئًا مميزًا في الحياة. لقد اكتسبوا الكثير بالفعل من أطفالهم وأصبحوا يقدرون أحزان الأبوة والأمومة وأفراحهما. هذه العملية اختبار ثري في حياتهم، وهو بالطبع اختبار لا يُنسى أيضًا، فهو يعوضهم عما يوجد في إنسانيتهم من نقائص وجهل. وبوصفهم آباء وأمهات، فقد ربحوا بالفعل ما يجب أن يربحوه من تربية أطفالهم. إذا لم يقنعوا بهذا وطالبوا أولادهم بخدمتهم كخدم أو عبيد، وتوقعوا من أولادهم أن يكافئوهم على تربيتهم بإظهار بر الوالدين لهم، ورعايتهم في شيخوختهم، وتوديعهم في مراسم دفن، ووضعهم في تابوت، وحفظ جثثهم من التعفن في البيت، والبكاء المرير عليهم عند وفاتهم، والدخول في حداد والحزن عليهم لمدة ثلاث سنوات، وما إلى ذلك، راغبين من أولادهم أن يستخدموا هذه الأشياء لتسديد دينهم، فإن هذا يصبح غير معقول وغير إنساني. كما ترى، فيما يتعلق بكيفية تعليم الله للناس أن يعاملوا والديهم، فهو لا يطلب منهم سوى بر الوالدين، ولا يطلب على الإطلاق أن يعول الأبناء والديهم حتى الموت. لا يكلف الله الناس بهذه المسؤولية وهذا الالتزام؛ لم يقل الله قط شيئًا من هذا القبيل. لا ينصح الله الأبناء سوى بأن يكونوا بارين بوالديهم. إظهار بر الوالدين عبارة عامة فضفاضة. إن تحدثنا عنها اليوم بعبارات محددة، فهي تعني تتميم مسؤولياتك في حدود قدرتك وظروفك؛ هذا يكفي. الأمر بتلك البساطة، وهذا هو المطلب الوحيد للأبناء. إذًا، كيف ينبغي للآباء أن يفهموا هذا؟ لا يطلب الله أن "على الأبناء أن يكونوا بارين بوالديهم، وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم، وأن يودعوهم". لذلك، يجب على أولئك الآباء والأمهات أن يتخلوا عن أنانيتهم وألا يتوقعوا أن يدور كل شيء لدى أولادهم حولهم لمجرد أنهم أنجبوهم. إذا كان الأبناء لا يدورون في فلك آبائهم وأمهاتهم ولا يعتبروهم محور حياتهم، فليس من الصواب أن يقرِّعهم الآباء والأمهات باستمرار ويؤنبون ضمائرهم ويقولون لهم أشياء مثل: "أنت عاق وغير بار بوالديك وغير مطيع، وحتى بعد تربيتك لفترة طويلة لم أزل غير قادر على الاعتماد عليك"؛ مقرِّعين أبناءهم هكذا على الدوام ومثقِّلين كواهلهم بالأعباء. إن مطالبة الآباء بأن يبرهم أبناؤهم ويرافقونهم، ويراعونهم في سن الشيخوخة ويدفنونهم، ويفكرون فيهم باستمرار أينما ذهبوا، هو مسار عمل خاطئ على نحو متأصل وخاطر وفكرة غير إنسانيين. قد يكون هذا النوع من التفكير موجودًا بدرجة أكبر أو أقل في بلدان مختلفة أو بين مجموعات عرقية مختلفة، ولكن بالنظر إلى الثقافة الصينية التقليدية، فإن الشعب الصيني يركز بشكل خاص على البر بالوالدين. منذ العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر، لطالما نوقش هذا الأمر وجرى التأكيد عليه بوصفه جزءًا من إنسانية الناس ومعيار لقياس ما إذا كان شخص ما صالحًا أو سيئًا. بالطبع، في المجتمع، توجد أيضًا ممارسة شائعة ورأي عام مفاده أنه إذا لم يكن الأبناء بارين بالأبوين، فسيشعر آباؤهم أيضًا بالخجل، وسيشعر الأبناء بعدم القدرة على تحمل هذه الوصمة لسمعتهم. وتحت تأثير عوامل مختلفة، يتسمم الآباء والأمهات أيضًا بهذا التفكير التقليدي بدرجة عميقة، ويطالبون دون تفكير أو تمييز بأن يكون أبناؤهم بارين بالوالدين. ما الفائدة من تربية الأبناء؟ إنها ليست من أجل أغراضك الخاصة، بل مسؤولية والتزام أعطاك الله إياهما. تنتمي تربية الأطفال من ناحية إلى غريزة الإنسان، ومن ناحية أخرى فهي جزء من مسؤوليته. أنت تختار إنجاب الأطفال بدافع الغريزة والمسؤولية، وليس من أجل الاستعداد للشيخوخة والعناية بك عند الكبر. أليست وجهة النظر هذه صحيحة؟ (بلى). هل يمكن للأشخاص الذين ليس لديهم أطفال أن يتجنبوا الشيخوخة؟ هل التقدم في العمر يعني بالضرورة أن يكون المرء بائسًا؟ ليس بالضرورة، أليس كذلك؟ لا يزال بوسع الأشخاص الذين ليس لديهم أطفال أن يعيشوا حتى سن الشيخوخة، بل إن بعضهم يتمتعون بصحة جيدة، ويستمتعون بسنواتهم الأخيرة، ويذهبون إلى القبر في سلام. هل الأشخاص الذين لديهم أطفال يستمتعون بالضرورة بسنواتهم المتأخرة في سعادة وصحة؟ (ليس بالضرورة). لذلك، فإن صحة الآباء والأمهات الذين يبلغون سن الشيخوخة وسعادتهم وحالة معيشتهم، وكذلك نوعية حياتهم المادية، لا علاقة لها في الواقع بكون الأبناء بارين بوالديهم، ولا توجد علاقة مباشرة بين الاثنين. إنَّ حالتك المعيشية ونوعية حياتك وحالتك البدنية في سن الشيخوخة ترتبط بما عينه الله لك وبيئة المعيشة التي يرتبها لك، وليس لها علاقة مباشرة بما إذا كان أولادك بارين بك أم لا. أولادك غير ملزمين بتحمل مسؤولية وضعك المعيشي في السنوات اللاحقة. أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). لذلك، أيًا يكن موقف الأبناء تجاه والديهم، سواء كانوا راغبين في الاعتناء بهم، أو يقومون بذلك على نحو سيء، أو لا يريدون الاعتناء بهم على الإطلاق، فإن هذا هو الموقف الذي يحق لهم كأبناء. دعونا ننحي الحديث من منظور الأبناء جانبًا الآن، ونتحدث بدلًا من ذلك من منظور الوالدين فقط. لا يجب على الوالدين أن يطالبوا بأن يكون أبناؤهم بارين بهم، وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم، وأن يتحملوا عبء الجزء الأخير من حياة والديهم؛ فلا حاجة لذلك. من ناحية، هذا موقف يجب أن يتحلى به الآباء والأمهات تجاه أبنائهم، ومن ناحية أخرى، هي الكرامة التي يجب أن يتحلى بها الآباء والأمهات. بالطبع، يوجد أيضًا جانب أكثر أهمية: إنه المبدأ الذي يجب أن يلتزم به الآباء والأمهات – بوصفهم كائنات مخلوقة – في معاملة أبنائهم. إذا كان أولادك مراعين وبارين وراغبين في الاعتناء بك، فلا داعي لأن ترفضهم؛ وإذا كانوا غير راغبين في عمل ذلك، فلا داعي لأن تئن وتتأوه طوال اليوم، أو تشعر بعدم الراحة أو عدم الرضا في قلبك، أو تحمل الضغينة لأولادك. ينبغي أن تتحمل المسؤولية وتتحمل عبء حياتك وبقائك على قيد الحياة بقدر ما تستطيع، ولا يجب أن تلقي بذلك على الآخرين، خاصةً أولادك. يجب أن تواجه الحياة بشكل استباقي وسليم دون صحبة أو مساعدة من أبنائك، وحتى لو كنت بعيدًا عن أبنائك، لا يزال بوسعك أن تواجه ما تجلبه لك الحياة بمفردك. بالطبع، إذا كنت بحاجة إلى مساعدة ضرورية من أبنائك، فيمكنك أن تطلبها منهم، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك مبنيًا على فكرة أن أبناءك يجب أن يكونوا بارين بك أو أنه يجب عليك الاعتماد عليهم. وبدلاً من ذلك، يجب أن يتعامل كلا الطرفين مع القيام بالأمور من منظور تتميم مسؤولياته، من أجل التعامل مع العلاقة بين الوالدين والأبناء بعقلانية. بالطبع، إذا كان كلا الطرفين عقلانيين، وأفسح كل منهما مجالًا للآخر، واحترم كل منهما الآخر، فمن المؤكد أنهما سيتمكنان في النهاية من التفاهم بشكل أفضل وأكثر انسجامًا، وسيعتز كل منهما بهذه المودة العائلية، وسيعتز كل منهما برعايته للآخر واهتمامه به وحبه له. بالطبع، القيام بهذه الأشياء على أساس من الاحترام والتفاهم المتبادل هو أكثر إنسانية وملاءمة. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). عندما يتمكن الأبناء من التعامل مع مسؤولياتهم والقيام بها بشكل صحيح، وتتوقف أنت بصفتك والدًا عن وضع أي مطالب مفرطة على أبنائك أو دخيلة عليهم، عندها ستجد أن كل ما يفعلونه طبيعي وعادي جدًا، وستعتقد أن هذا أمر جيد جدًا. لن تعود تعاملهم بالنظرة الانتقادية نفسها التي كنت تعاملهم بها من قبل، وتجد أنَّ كل ما يفعلونه غير مرضٍ أو خاطئ أو غير كافٍ لسداد دين تربيتك لهم. على العكس من ذلك، ستواجه كل شيء بالموقف الصحيح، وستكون ممتنًا لله على ما يقدمه لك أولادك من صحبة وبر، وستعتقد أن أولادك مهذبين جدًا، وأنهم ذوي إنسانية. وحتى بدون صحبة أبنائك وبرهم بوالديهم، لن تلوم الله ولن تندم على تربيتك لهم، فضلًا عن أن تكرههم. باختصار، من الأهمية بمكان أن يواجه الآباء والأمهات موقف أبنائهم تجاههم – أيًا كان – بشكل صحيح. ومواجهة ذلك بشكل صحيح تعني عدم وضع أي مطالب مفرطة عليهم، وعدم التصرف تجاههم بشكل متطرف، وبالتأكيد عدم توجيه أي نقد سلبي أو غير إنساني أو أحكام تجاه أي شيء يفعلونه. بهذه الطريقة، ستبدأ في العيش بكرامة. بوصفك أبًا – أو أمًا – عليك أن تستمتع بكل ما يعطيك الله إياه وفقًا لقدراتك وظروفك، ووفقًا لتعيين الله بالطبع، وإذا لم يعطك شيئًا، فعليك أيضًا أن تشكر الله وتخضع له. لا ينبغي أن تقارن نفسك بالآخرين، فتقول: "انظر إلى عائلة فلان، ابنهم بار جدًا، ودائمًا ما يأخذ والديه في نزهة بالسيارة ويذهب بهم في إجازات في الجنوب، ويعودون في كل مرة محملين بالحقائب من كل الأحجام. هذا الابن بار جدًا بوالديه! انظروا إلى ابنهم، إنه شخص يمكنهم الاعتماد عليه. عليك أن تربي ابنًا كهذا ليكون لديك من يعتني بك في سن الشيخوخة. والآن انظر إلى ابننا: إنه يعود إلى المنزل خالي الوفاض ولا يشتري لنا أي شيء؛ ليس الأمر فحسب أنه خالي الوفاض، بل إنه نادرًا ما يعود إلى المنزل على الإطلاق. إذا لم أتصل به، فإنه لا يعود إلى المنزل. لكنه حالما يعود إلى المنزل، كل ما يريده هو الطعام والشراب، ولا يريد حتى القيام بأي عمل". بما أن هذه هي الحالة، لا تتصل به ليعود إلى المنزل. إذا اتصلت به ليعود إلى المنزل، ألست تطلب البؤس لنفسك؟ أنت تعلم أنه إذا عاد إلى المنزل، فلن يفعل سوى أن يأكل ويشرب مجانًا، فلماذا تتصل به؟ إذا لم يكن لديك أي دافع لفعل ذلك، فهل ستستمر في الاتصال به ليعود إلى المنزل؟ أليس هذا فقط لأنك تهين نفسك وتتصرف بأنانية؟ أنت تريد دائمًا أن تعتمد عليه، آملًا أنك لم تربه سُدى، آملًا ألا يكون من ربيته عاقًا بلا قلب. أنت تريد دائمًا أن تثبت أن الذي ربيته ليس جاحدًا بلا قلب، وأن ابنك بار بوالديه. ما فائدة إثبات ذلك؟ ألا يمكنك أن تعيش حياتك بشكل جيد؟ ألا يمكنك العيش بدون أطفال؟ (بلى). يمكنك الاستمرار في الحياة. ثمة الكثير من الأمثلة من هذا القبيل، أليس كذلك؟
يتشبث بعض الناس بمفهوم متعفن وعفا عليه الزمن، فيقولون: "لا يهم أن يكون للناس أولاد ليكونوا بارين بهم وأن يكون أولادهم بارين بهم وهم أحياء، لكن عندما يموتون يجب أن يحملهم أولادهم في تابوت. إذا لم يكن أولادهم إلى جانبهم، فلن يعرف أحد بموتهم، وستتعفن أجسادهم في بيوتهم". ماذا لو لم يعرف أحد؟ عندما تموت، فأنت ميت، ولن تعود واعيًا بأي شيء. عندما يموت جسدك، تغادره نفسك على الفور. بصرف النظر عن مكان الجسد بعد الموت أو شكله، أليس ميتًا على أي حال؟ حتى إن حُمل في نعش في جنازة مهيبة ودُفِن في الأرض، فسيتعفن الجسد، أليس كذلك؟ يعتقد الناس "أنَّ وجود أبناء إلى جانبك ليضعوك في نعش، ويلبسوك ملابس الدفن، ويضعوا لك مساحيق التجميل، ويرتبوا لك جنازة مهيبة، هو أمر عظيم. إذا توفيت دون أن يرتب لك أحد جنازة أو يودعك أحد، فكأن حياتك كلها لم تكن لها خاتمة مناسبة". هل هذه الفكرة صحيحة؟ (لا، ليست كذلك). لا يولي الشباب في الوقت الحاضر اهتمامًا كبيرًا لهذه الأمور، لكن لا يزال ثمة أشخاص في المناطق النائية وكبار سن ذوي قدر ضئيل من البصيرة لديهم فكرة ووجهة نظر مغروسة بعمق في قلوبهم تتمثل في أن الأبناء يجب أن يعتنوا بآبائهم في سن الشيخوخة ويودعوهم. مهما عقدت شركة حول الحق، فإنهم لا يقبلونه؛ فما النتيجة النهائية لهذا؟ النتيجة أنهم يعانون بشدة. لطالما كان هذا الورم مخفيًا في داخلهم، وسيسممهم. عندما يستخرجونه ويزيلونه، لن يعودوا مسمَّمين به، وستتحرر حياتهم. أي أفعال خاطئة سببها أفكار خاطئة. إذا كانوا خائفين من الموت والتعفن في منازلهم، فسيفكرون دائمًا: "يجب أن أربي ابنًا. عندما يكبر ابني، لا يمكنني أن أتركه يذهب بعيدًا جدًا. ماذا لو لم يكن بجانبي عندما أموت؟ إنَّ عدم وجود شخص يعتني بي في شيخوختي أو يودعني سيكون أكبر ندم لي في الحياة! إذا كان لديَّ من يفعل ذلك من أجلي، فلن أكون قد عشت حياتي سُدى. ستكون حياة مثالية. مهما يكن من أمر، فلا يمكنني أن أكون موضع سخرية من جيراني". أليست هذه أيديولوجية متعفنة؟ (بلى، إنها كذلك). إنها أيدولوجية ضيقة الأفق ومنحطة، وتعلق أهمية كبيرة على الجسد المادي! في الواقع، الجسد المادي لا قيمة له: بعد اختبار الولادة والشيخوخة والمرض والموت، لا يتبقى شيء. فقط إذا كان الناس قد ربحوا الحق وهم أحياء، فإنهم سيعيشون إلى الأبد عندما يخلصون. إذا لم تكن قد ربحت الحق، فعندما يموت جسدك ويتحلل، لن يتبقى شيء؛ ومهما كان بر أولادك بك، فلن تتمكن من التمتع به. عندما يموت شخص ما ويدفنه أبناؤه في تابوت، هل يمكن لهذا الجسد العجوز أن يشعر بأي شيء؟ هل يمكنه إدراك أي شيء؟ (كلا، لا يمكنه ذلك). ليس لديه أي إدراك على الإطلاق. لكن في الحياة، يعلق الناس أهمية كبيرة على هذه المسألة، ويطلبون الكثير من أبنائهم بخصوص ما إذا كان بإمكانهم توديعهم؛ وهذا أمر أحمق، أليس كذلك؟ (بلى، هو كذلك). يقول بعض الأبناء لوالديهم: "نحن نؤمن بالله. ما دمتما على قيد الحياة، فسنكون بارين بكما، ونعتني بكما، ونخدمكما. ولكن عندما تموتان، لن نرتب لكما جنازة". عندما يسمع الوالدان هذا الكلام يغضبان. إنهما لا يغضبان من أي شيء آخر تقوله، لكن حالما تذكر هذا ينفجران قائلين: "ماذا قلت؟ أيها العاق، سأكسر ساقيك! ليتني لم أنجبك؛ سأقتلك!" لا يزعجهم أي شيء آخر تقوله إلا هذا. خلال حياتهم، أتيحت لأبنائهم العديد من الفرص ليعاملوهم معاملة حسنة، لكنهم أصروا على أن يودعوا والديهم. ولأن أولادهم بدأوا يؤمنون بالله، قالوا لهم: "عندما تموت، لن نقيم لك مراسم: سنحرق جثتك ونجد مكانًا لحفظ الجرة. سنتركك تستمتع بينما لا تزال على قيد الحياة ببركة وجودنا حولك، وسنوفر لك الطعام والكساء، ونجنبك أن تُظلم". أليس هذا واقعيًا؟ فيرد الوالدان: "لا شيء من ذلك مهم. ما أريده منكم هو أن ترتبوا جنازة لي بعد وفاتي. إذا لم تهتم بي في شيخوختي وتودعني، فلن أنسى ذلك أبدًا!". عندما يكون الشخص بهذا الغباء، لا يمكنه أن يفهم مثل هذا التبرير المنطقي البسيط، ومهما شرحت له الأمر فإنه يظل لا يستوعبه؛ هو مثل الحيوان. لذلك، إذا كنت تسعى إلى الحق فعليك بصفتك أبًا – أو أمًا – أن تتخلى أولاً وقبل كل شيء عن الأفكار والآراء التقليدية المتعفنة والمنحطة المتعلقة بما إذا كان الأبناء بارين بك، ويعتنون بك في سن الشيخوخة، ويودعونك بمراسم دفن، وأن يتعاملوا مع هذا الأمر بشكل صحيح. إذا كان أولادك بارين بك حقًا، فاقبل ذلك بشكل صحيح. لكن إذا لم يكن لدى أولادك الظروف لأن يكونوا بارين بك أو لم يكن لديهم الطاقة أو الرغبة لذلك، وكانوا لا يستطيعون المكوث بجانبك عندما تكبر في السن للاعتناء بك أو توديعك، فلا داعي لأن تطالبهم بذلك أو لأن تحزن. كل شيء بيد الله. الولادة لها وقتها، والموت له مكانه، والله قد عيَّن أين يولد الناس وأين يموتون. حتى لو وعدك أبناؤك بأي وعود قائلين: "عندما تموت، سأكون بالتأكيد إلى جانبك، ولن أخذلك أبدًا"، فإن الله لم يرتب هذه الظروف. عندما توشك على الموت، قد لا يكون أولادك إلى جانبك، ومهما حاولوا بجدٍ أن يسرعوا بالعودة، فقد لا يتمكنون من العودة في الوقت المناسب؛ لن يتمكنوا من رؤيتك للمرة الأخيرة. ربما تمر من ثلاثة أيام إلى خمسة منذ أن لفظت أنفاسك الأخيرة وقد تحلل جسدك، وعندها فقط سيعودون. هل لوعودهم أي جدوى؟ لا يمكنهم حتى أن يكونوا هم سادة حياتهم. لقد أخبرتك بهذا بالفعل، لكنك لا تصدق ذلك. أنت تصر على أن تجعلهم يعدونك. هل لوعودهم أي جدوى؟ أنت ترضي نفسك بالأوهام، وتعتقد أن أولادك يستطيعون الوفاء بوعودهم. هل تعتقد حقًا أنهم يستطيعون؟ لا يستطيعون ذلك. أين سيكونون في كل يوم من الأيام وماذا سيفعلون وماذا يخبئ لهم مستقبلهم؛ هم أنفسهم لا يعرفون هذه الأشياء. إن وعودهم في الواقع تعمل على خداعك، وتمنحك إحساسًا زائفًا بالأمان، وأنت تصدقها. أنت لا تزال غير قادر على استيعاب أن مصير الإنسان بيدي الله.
إنَّ غير المؤمنين يسمون مقدار ما هو مقدَّر للآباء والأمهات أن يكونوا مع أولادهم، ومقدار ما يمكنهم أن يربحوه من أولادهم بـ"تلقي المساعدة" أو "عدم تلقي المساعدة". نحن لا نعرف ما يعنيه ذلك. في نهاية المطاف، ما إذا كان بإمكان المرء أن يعتمد على أبنائه هو، بعبارة واضحة، أمر مقدَّر ومعيَّن من الله. ليس الأمر كما لو أن كل شيء يسير تمامًا كما تتمنى. بالطبع، كل شخص يريد أن تسير الأمور على ما يرام وأن يحصد من أبنائه مزايا. ولكن لماذا لم تفكر أبدًا فيما إذا كان ذلك هو مصيرك، وما إذا كان ذلك مكتوبًا في قدرك؟ إلى أي مدى ستستمر الرابطة بينك وبين أولادك، وما إذا كان أي عمل تقوم به في الحياة سيكون له صلة بأولادك، وما إذا كان الله قد رتب لأولادك المشاركة في الأحداث المهمة في حياتك، وما إذا كان أولادك سيكونون من بين المشاركين عندما تختبر حدثًا كبيرًا في الحياة – كل هذه الأمور تعتمد على ما عيَّنه الله. إذا لم يعيِّن الله ذلك، فحتى لو لم تخرج أولادك من المنزل بعد تربيتهم وصولًا إلى سن الرشد، سيخرجون هم من تلقاء أنفسهم عندما يحين الوقت. هذا شيء يجب على الناس استيعابه. إذا لم تتمكن من استيعاب هذا الأمر، فستتمسك دائمًا برغباتك ومطالبك الشخصية، وتضع مختلف القواعد وتقبل مختلف الأيديولوجيات من أجل متعتك الجسدية. ماذا سيحدث في النهاية؟ ستكتشف عندما تموت. لقد ارتكبت الكثير من الحماقات في حياتك، وفكرت في العديد من الأشياء غير الواقعية التي لا تتوافق مع الحقائق أو مع ما عينه الله. ألن يكون إدراكك كل هذا وأنت على فراش الموت متأخرًا جدًا؟ أليس هذا هو الحال؟ (بلى). استفد بينما أنت لا تزال على قيد الحياة ولم يتشوش عقلك بعد، وبينما لا تزال قادرًا على فهم بعض الأمور الإيجابية، وتقبلها بسرعة. تقبلك لها لا يعني أن تحوِّلها إلى نظرية أو شعار أيديولوجي، بل أن تحاول القيام بهذه الأشياء وأن تطبِّقها. تخلَّ تدريجيًا عن أفكارك ورغباتك الأنانية، ولا تتصور أن كل ما تفعله بصفتك والدًا صواب ومقبول، أو أن على أبنائك أن يتقبلوه. هذا النوع من المنطق غير موجود في أي مكان في العالم. الآباء بشر؛ أليس أولادهم أيضًا كذلك؟ ليس الأولاد تابعين لك أو عبيدًا؛ بل هم كائنات مخلوقة مستقلة؛ فما صلتك بما إذا كانوا بارين بالوالدين أم لا؟ لذلك، وبغض النظر عن نوع الوالدين الذي تنتمي إليه، وبغض النظر عن عمر أطفالك، أو ما إذا كان أطفالك قد بلغوا سن البر بك أو سن العيش المستقل، يجب عليك – بصفتك والدًا – أن تعتنق هذه الأفكار وترسخ ما هو صحيح من التفكير ووجهات النظر بشأن الكيفية التي تعامل بها أبناءك. لا يجب أن تكون متطرفًا ولا يجب أن تقيس كل شيء وفقًا لتلك الأفكار ووجهات النظر الخاطئة أو المنحطة أو البالية. قد تتوافق تلك الأفكار ووجهات النظر مع المفاهيم البشرية والمصالح البشرية والاحتياجات الجسدية والعاطفية للبشر، لكنها ليست الحق. وبغض النظر عما إذا كنت تعتقد أن هذه الأمور صحيحة أو غير صحيحة، فإنها لن تجلب لك في النهاية سوى مختلف المتاعب والأعباء، وتوقعك في مختلف المآزق، وتجعلك تكشف لأبنائك عن تهورك. ستذكر منطقك، وسيذكرون منطقهم، وفي النهاية، سيكره كلاكما الآخر ويلوم كل منكما الآخر. لن تعود الأسرة تتصرف كأسرة: ستنقلبون بعضكم على بعض وتصبحون أعداء. إذا قبل الجميع الحق والأفكار ووجهات النظر الصحيحة، فسيكون من السهل مواجهة هذه الأمور، وستُحل التناقضات والنزاعات التي تنشأ عنها. أما إذا أصروا على المفاهيم التقليدية، فلن يقتصر الأمر على أنَّ هذه المشكلات ستبقى دون حل، بل ستتعمق التناقضات التي تنشأ عنها. ليست الثقافة التقليدية معيارًا في حد ذاتها لتقييم الأمور، بل يتعلق الأمر بالإنسانية، وتختلط بها أمور الجسد مثل عواطف الناس ورغباتهم الأنانية وتهورهم. بالطبع، يوجد أيضًا شيء آخر هو الأكثر جوهرية في الثقافة التقليدية، وهو الرياء، فالناس يستخدمون بر الأبناء بهم لإثبات أنهم أحسنوا تعليمهم وأن أبناءهم يتمتعون بالإنسانية؛ وبالمثل، يستخدم الأبناء برهم بآبائهم لإثبات أنهم ليسوا عاقين، بل سادة وسيدات يتسمون بالتواضع والوداعة، وبذلك يكسبون موطئ قدم وسط مختلف الأجناس والجماعات في المجتمع ويجعلون ذلك وسيلة لبقائهم. هذا – بصورة متأصلة – هو الجانب الأكثر رياءً والأكثر جوهرية في الثقافة التقليدية، وهو ليس معيارًا لتقييم الأمور. ولهذا، بخصوص الآباء والأمهات، فيجب عليهم أن يتخلوا عن هذه المتطلبات من أبنائهم وأن يستخدموا الأفكار ووجهات النظر الصحيحة في معاملة أبنائهم وفي رؤية مواقف أبنائهم تجاههم. إذا كنت لا تملك الحق أو تفهمه، فيجب عليك على الأقل أن تنظر إلى الأمر من منظور الإنسانية. كيف ينظر المرء إلى الأمر من منظور الإنسانية؟ لا يحيا الأبناء الذين يعيشون في هذا المجتمع، بمختلف فئاتهم ومواقعهم الوظيفية وطبقاتهم الاجتماعية، حياة سهلة؛ ذلك لأنَّ لديهم أمور عليهم مواجهتها والتعامل معها في مختلف البيئات المتنوعة. لديهم حياتهم الخاصة وقدرهم الذي وضعه الله، ولديهم أيضًا طرقهم الخاصة للبقاء على قيد الحياة. وفي المجتمع الحديث، الضغوط المفروضة على أي شخص مستقل كبيرة جدًا بالطبع. إنه يواجه مشكلات البقاء على قيد الحياة، والعلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين، والمشكلات المتعلقة بالأبناء، وما إلى ذلك؛ كل هذه الضغوط هائلة للغاية. ولكي نكون منصفين، لا أحد يعيش حياة سهلة؛ خاصةً في بيئة الحياة الحالية الفوضوية والسريعة الوتيرة والمليئة بالمنافسة والصراع الدموي في كل مكان، لا أحد ينعم بحياة سهلة، بل حياة الجميع صعبة إلى حد ما. لن أخوض فيما أدى إلى ذلك. إذا كان الشخص الذي يعيش في مثل هذه البيئة لا يؤمن بالله ولا يؤدي واجبه، فلن يبقى له طريق ليسلكه. لن يكون لديه سبيل سوى السعي وراء العالم، وإبقاء نفسه على قيد الحياة، والتكيف باستمرار مع هذا العالم، والقتال من أجل مستقبله وبقائه بأي ثمن من أجل أن يتدبر أمره كل يوم. في الواقع، كل يوم مؤلم له، وهو يكافح في كل يوم. لذلك، إذا فرض الآباء والأمهات على أبنائهم مطالب إضافية بفعل هذا أو ذاك، فلا شك أن ذلك سيزيد من الطين بلة ويزيد من عذاب أجسادهم وعقولهم وتدميرها. للآباء والأمهات دوائرهم الاجتماعية الخاصة وأنماط حياتهم وبيئاتهم المعيشية، وللأبناء بيئاتهم ومساحاتهم المعيشية الخاصة بهم، وكذلك خلفياتهم المعيشية. إذا تدخل الآباء كثيرًا أو أفرطوا في طلباتهم من أبنائهم، وطلبوا منهم أن يفعلوا هذا وذاك من أجلهم، ليرد الأبناء لهم ما بذلوه في سبيلهم من جهود؛ إذا نظرت إلى الأمر من هذا المنظور، فهو أمر غير إنساني بالمرة، أليس كذلك؟ بغض النظر عن كيفية عيش أبنائهم أو بقائهم على قيد الحياة، أو الصعوبات التي يواجهونها في المجتمع، لا يتحمل الآباء والأمهات أي مسؤولية أو التزام بعمل أي شيء لهم. ورغم ذلك، يجب على الوالدين أيضًا ألا يضيفوا أي مشكلات أو أعباء إلى حياة أبنائهم المعقدة أو أوضاعهم المعيشية الصعبة. هذا ما يجب على الوالدين فعله. لا تطلب الكثير من أبنائك، ولا تلمهم كثيرًا. يجب أن تعاملهم بإنصاف ومساواة، وأن تتعاطف مع وضعهم. وبالطبع، يجب على الآباء والأمهات أيضًا التعامل مع حياتهم الخاصة. بهذه الطريقة، سيحترم الأبناء الآباء والأمهات، وسيكونون جديرين بالاحترام. إذا كنت والدًا تؤمن بالله وتقوم بواجبك، فلن يكون لديك وقت للتفكير في أشياء مثل مطالبة أبنائك بأن يكونوا بارين بك وفي الاعتماد عليهم لإعالتك في سن الشيخوخة، بغض النظر عن الواجبات التي تقوم بها في بيت الله. إذا كان لا يزال هناك أناس على هذا النحو، فهم ليسوا مؤمنين حقيقيين، وهم بالتأكيد ليسوا ساعين إلى الحق. ليسوا جميعًا سوى أناس مشوشين وعديمي إيمان. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). إذا كان الآباء مشغولين، إذا كان لديهم واجبات يقومون بها وهم منشغلون بالعمل، فلا ينبغي لهم بالتأكيد أن يذكروا ما إذا كان أولادهم بارين بهم أم لا. إذا كان الآباء دائمًا ما يذكرون هذا الأمر، قائلين: "أولادي ليسوا بارين بي: لا يمكنني الاعتماد عليهم، ولن يكونوا قادرين على إعالتي في سن الشيخوخة"، فهم إذن مجرد كسالى وخاملين، ويبحثون عن المتاعب دونما سبب. أليس هذا هو الحال؟ ما الذي ينبغي أن تفعلوه إذا واجهتم آباءً كهؤلاء؟ علِّموهم درسًا. كيف ينبغي أن تفعلوا ذلك؟ فقط قولوا: "هل أنت غير قادر على العيش بمفردك؟ هل وصلت إلى أنك لم تعد قادرًا على الأكل أو الشرب؟ هل وصلت إلى أنك لم تعد قادرًا على البقاء على قيد الحياة؟ إذا كنت قادرًا على العيش، فلتعش إذًا، وإن لم تكن قادرًا على العيش، فمت!" هل تجرؤ على قول شيء كهذا؟ أخبرني، هل من غير الإنساني أن تقول ذلك؟ (أنا لا أجرؤ على قول ذلك). أنت لا تجرؤ على قوله، أليس كذلك؟ لا يمكنك تحمل قوله. (هذا صحيح). عندما تكبرون قليلاً، ستتمكنون من قوله. إذا كان والداك قد قاما بالكثير من الأشياء المثيرة للغضب، فحينئذٍ ستتمكن من قوله. لقد أحسنا إليك كثيرًا ولم يؤذياك، وإن أذياك فستكون قادرًا على قوله. أليس الأمر كذلك؟ (بلى). إذا كانا يطالبانك دائمًا بالعودة إلى المنزل قائلين: "تعال إلى المنزل وأحضر لي المال، أيها الابن العاق!" وكانا يقرِّعانك ويشتمانك كل يوم، فستتمكن من قوله. ستقول: "إذا كنت قادرًا على العيش، فلتعش إذًا، وإن لم تكن قادرًا على العيش، فمت! ألا يمكنك أن تواصل الحياة بدون أبناء؟ انظر إلى هؤلاء المسنين الذين ليس لديهم أبناء، أليسوا يعيشون بخير وسعادة بما يكفي؟ إنهم يعتنون بحياتهم كل يوم، وإذا كان لديهم بعض وقت الفراغ، يخرجون للتنزه وممارسة الرياضة. تبدو حياتهم كل يوم مُرضية للغاية. انظر إلى حالك؛ لا ينقصك شيء، فلماذا لا يمكنك الاستمرار في العيش؟ أنت تحط من قدر نفسك وتستحق الموت! هل يجب علينا أن نكون بارين بك؟ لسنا عبيدك، ولسنا ملكيتك الخاصة. عليك أن تسلك طريقك بنفسك، ولسنا ملزمين بتحمل هذه المسؤولية. لقد أعطيناك ما يكفيك من طعام وملبس وأشياء لتستخدمها. لماذا تعبث؟ إذا استمررت في العبث، فسنرسلك إلى دار رعاية المسنين!". هكذا يجب على المرء أن يتعامل مع مثل هؤلاء الآباء والأمهات، أليس كذلك؟ لا يمكنك تدليلهم. إذا كان الأبناء غير موجودين لرعايتهم، فإنهم يبكون وينتحبون طوال اليوم، كما لو أن السماء تسقط، أو كما لو أنهم لا يستطيعون الاستمرار في الحياة. إذا كانوا لا يستطيعون الاستمرار في الحياة، فدعهم يموتون ويرون بأنفسهم؛ لكنهم لن يموتوا، فهم يعتزون بحياتهم للغاية. إن فلسفتهم في الحياة هي الاعتماد على الآخرين ليعيشوا بشكل أفضل وأكثر حرية وعناد. عليهم أن يبنوا سعادتهم وفرحهم على معاناة أبنائهم. ألا ينبغي أن يموت هؤلاء الآباء والأمهات؟ (بلى). إذا كان أبناؤهم يرافقونهم ويخدمونهم كل يوم، فإنهم يشعرون بالسعادة والفرح والفخر، بينما يتعين على أبنائهم أن يعانوا ويتحملوا. ألا ينبغي أن يموت هؤلاء الآباء والأمهات؟ (بلى).
لنختتم هنا شركتنا اليوم بخصوص يتعلق بالبند الأخير من توقعات الآباء والأمهات لأبنائهم. هل تم توضيح الأمر فيما يتعلق بنهج الوالدين تجاه ما إذا كان لدى الأبناء بارين بهم وما إذا كان يمكن الاعتماد عليهم وأن يراعوهم في شيخوختهم ويودعونهم عند موتهم؟ (نعم). لا ينبغي لك بصفتك والدًا أن تطلب مثل هذه المطالب، أو أن تكون لديك مثل هذه الأفكار ووجهات النظر، أو أن تعلق مثل هذه الآمال على أبنائك، فهم لا يدينون لك بأي شيء. تربيتهم مسؤوليتك، وسواء قمت بذلك بشكل جيد أم لا فهذا أمر آخر. إنهم لا يدينون لك بأي شيء: إنهم يحسنون إليك ويهتمون بك من باب الوفاء بالمسؤولية فقط، وليس من باب رد أي دين، لأنهم لا يدينون لك بشيء. ولذلك، فهم ليسوا ملزمين بأن يكونوا بارين بك أو أن يكونوا أشخاصًا يمكنك الاعتماد عليهم والاتكال عليهم. هل تفهم؟ (نعم). إنهم يعتنون بك، ويمكنك الاعتماد عليهم، ويمكنهم أن يعطوك القليل من المال لتنفقه، هذه مسؤوليتهم كأبناء، وليس هذا من بر الوالدين. لقد ذكرنا سابقًا استعارة الغربان التي تطعم والديها والحملان التي تجثو لترضع اللبن. حتى الحيوانات تفهم هذا التعليم ويمكنها تنفيذه، وبالطبع ينبغي على البشر أن يفعلوا ذلك أيضًا! البشر هم المخلوقات الأكثر تقدمًا بين جميع الكائنات الحية، خلقهم الله بأفكار وإنسانية ومشاعر. وبوصفهم بشرًا، هم يفهمون هذا دون الحاجة إلى تعليم. إنَّ إمكانية أن يكون الأبناء بارين بوالديهم أم لا تعتمد بشكل عام على ما إذا كان الله قد قدَّر أن يوجد بينك وبينهم قدر مشترك، وما إذا كانت ستوجد بينكما علاقة تكاملية وداعمة متبادلة، وما إذا كان سيمكنك الاستمتاع بهذه البركة؛ وبشكل أكثر دقة، يعتمد الأمر على ما إذا كان أبناؤك يمتلكون الإنسانية. إذا كانوا حقًا يمتلكون الضمير والعقل، فأنت لست بحاجة إلى تعليمهم؛ سيفهمون ذلك منذ الصغر. إذا كانوا يفهمون هذا كله منذ الصغر، ألا تعتقد أنهم سيفهمون أكثر عندما يكبرون؟ أليس هذا هو الحال؟ (بلى). يفهمون منذ الصغر تعاليم مثل "كسب المال للإنفاق على الأم والأب هو ما يفعله الأبناء الصالحون"، لذا ألن يفهموا ذلك أكثر عندما يكبرون؟ هل لا يزالوا بحاجة إلى التعليم؟ هل لا يزال الآباء بحاجة إلى تعليمهم مثل هذه الدروس الأيديولوجية؟ لا حاجة إلى ذلك. ولذلك، فمن الحماقة أن يطالب الآباء والأمهات أولادهم بأن يكونوا بارين بهم، وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم، وأن يودعوهم عند موتهم. أليس الأبناء الذين تنجبهم بشرًا؟ هل هم أشجار أم زهور بلاستيكية؟ هل هم حقًا لا يفهمون، هل يجب عليك حقًا تعليمهم؟ حتى الكلاب تفهم ذلك. انظر، عندما يكون جروان صغيران مع أمهما، إذا بدأت الكلاب الأخرى في الركض نحو أمهما والنباح، فلن يتحملا ذلك: إنهما يحميان أمهما من خلف السياج ولا يسمحان للكلاب الأخرى بالنباح عليها. حتى الكلاب تفهم ذلك، وبالطبع ينبغي للبشر أيضًا أن يفهموا ذلك! ليست هناك حاجة إلى تعليمهم: إن الوفاء بالمسؤوليات هو شيء يمكن للبشر القيام به، ولا يحتاج الآباء والأمهات إلى غرس مثل هذه الأفكار في أبنائهم؛ فهم سيفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم. إذا لم تكن لديهم إنسانية، فلن يفعلوا ذلك حتى في ظل الظروف المناسبة، وإذا كانت لديهم إنسانية وتوفرت لهم الظروف المناسبة، فسيقومون بذلك بشكل طبيعي. لذلك، لا يحتاج الآباء والأمهات إلى مطالبة أبنائهم أو حثهم أو لومهم فيما يتعلق بما إذا كانوا يبرون آبائهم أم لا. هذا كله غير ضروري. إذا كان بإمكانك الاستمتاع ببر أبنائك بك، فإن ذلك يُعتبر بركة. وإذا لم تستطع الاستمتاع به، فلا يُعتبر ذلك خسارة لك. كل شيء معين من الله، أليس كذلك؟ حسنًا، لننهي شركتنا اليوم عند هذا الحد. إلى اللقاء!
27 مايو 2023