كيفية السعي إلى الحق (19)
هل تربطون عادةً بين الترانيم التي تستمعون إليها وبين حالاتكم واختباراتكم الخاصة؟ هل تستمع إلى بعض الكلمات والموضوعات التي تتعلق باختباراتك وفهمك أو التي يمكنك الوصول إليها وتتأملها بعناية؟ (في بعض الأحيان، يا الله، عندما أمر بأمور معينة، أربط الترانيم التي أسمعها بحالتي الخاصة، بينما في أحيان أخرى أؤدي شكليًا فحسب). في كثير من الأحيان، أنت تؤدي شكليًا فحسب، أليس كذلك؟ إذا كان 95 في المئة من الوقت الذي تستمعون فيه إلى الترانيم تؤدون شكليًا فحسب، فهل لهذا الاستماع أي أهمية؟ ما هو الغرض من الاستماع إلى الترانيم؟ على أقل تقدير، يسمح للناس أن يهدؤوا ويبتعدوا بقلوبهم عن مختلف الأمور والأفكار المعقدة، وأن يكونوا هادئين أمام الله، ويقفوا أمام كلام الله ليستمعوا بعناية ويتأملوا في كل جملة وفقرة. هل أنتم الآن مشغولون جدًا بالمهام لدرجة أنكم تفتقرون إلى الوقت للإصغاء والطاقة للتأمل، أم أنكم ببساطة لا تعرفون كيف تقرأون مصليين كلام الله، وتتأملون في الحق، وتهدئون أنفسكم أمام الله؟ أنتم تنهمكون فحسب في أداء واجبكم كل يوم؛ على الرغم من أنه قد يكون شاقًا ومتعبًا، إلا أنكم تعتقدون أن كل يوم مليء بالأعمال، ولا تشعرون بالفراغ أو بالعجز الروحي. أنت تشعر أن اليوم لم يضع هباءً، بل كانت له قيمة. يُطلق على العيش بلا هدف كل يوم اسم "التخبط". أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). أخبروني، إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، بعد ثلاث أو خمس أو ثماني أو عشر سنوات أخرى، هل سيكون لديكم أي شيء مهم لتظهروه؟ (كلا). إذا لم تقابلكم أي أحداث خاصة أو أي ظروف خاصة رتبها الله، وإذا لم يكن هناك إرشاد شخصي وقيادة من الأعلى، ليعقد معكم اجتماعات وشركة، ويشرّح لكم جوهر مختلف الأشخاص والأحداث والأشياء، ويأخذ بيدكم ويعلمكم، فإنكم تضيعون في الواقع الكثير من الوقت كل يوم، ويكون تقدمكم بطيئًا، ولا تربحون شيئًا تقريبًا من جهة دخولكم في الحياة. لذا، كلما حدث شيء ما، لا تزداد قدرتكم على التمييز، ولا تتقدم خبرتكم وفهمكم للحق، وتفشلون أيضًا في اختبار إيمانكم بالله وخضوعكم له وتقدمكم في هذا الإيمان. عندما تواجهون شيئًا ما في المرة التالية، تظلون لا تعرفون كيف تتعاملون معه وفقًا لمبادئ الحق. وفي أثناء قيامكم بواجبكم واختباركم لأشياء مختلفة، ما زلتم لا تستطيعون أن تطلبوا المبادئ بنشاط والممارسة وفقًا لمبادئ الحق. هذا إهدار للوقت. ما هي العواقب النهائية التي يؤدي إليها إهدار الوقت؟ يضيع وقتك وطاقتك، ويذهب ثمن جهودك المضنية سدى. الطريق الذي سرت فيه كل هذه السنوات هو طريق بولس. إذا كنت قائدًا أو عاملًا لسنوات عديدة لكن دخولك في الحياة ضحل، وقامتك ضئيلة، ولا تفهم أي مبادئ للحق، فأنت غير مناسب لهذا الدور، وغير قادر على إكمال مهمة بشكل مستقل. القادة والعاملون غير مناسبين لأدوارهم، ولا يستطيع الإخوة والأخوات العاديون أن يعيشوا حياة الكنيسة باستقلالية، ولا يستطيعون أن يأكلوا ويشربوا كلام الله باستقلالية، ولا يعرفون كيف يختبرون عمل الله، وليس لديهم دخول في الحياة. إذا لم يشرف عليهم أو يرشدهم أحد، فقد يضلون، وإذا لم يكن هناك من يشرف على القادة والعاملين أو يوجههم في عملهم، فقد ينحرفون ويؤسسون مملكة مستقلة، ويضللهم أضداد المسيح، بل ويتبعون أضداد المسيح دون أن يعوا ذلك، ويظلون يعتقدون أنهم يبذلون أنفسهم من أجل الله. أليس هذا مثيرًا للشفقة؟ (إنه كذلك). إن وضعكم الحالي هو بالضبط هكذا: فقير ومثير للشفقة. عندما تواجهكم المواقف، فأنتم عاجزون وليس لديكم مفر. عندما يتعلق الأمر بالمشكلات الفعلية والمحتوى الفعلي للعمل، لا تعرفون كيف تتصرفون أو ماذا تفعلون؛ كل شيء متشابك وليس لديكم أي فكرة عن كيفية تفكيكه. تشعرون بسعادة غامرة مع انشغالكم كل يوم، وتشعرون بالإرهاق الجسدي والضغط الذهني الشديد، لكن نتائج عملكم ليست جيدة. إن مبادئ كل حق ومسارات الممارسة قد بُينت لكم بوضوح من خلال ترتيبات العمل في بيت الله، لكنكم ليس لديكم أي مسار في عملكم، ولا يمكنكم العثور على المبادئ، وتدخلون في حالة من التخبط عندما تواجهكم المواقف، ولا تعرفون كيف تتصرفون، وكل عملكم في حالة فوضى. أليست هذه حالة يرثى لها؟ (بلى). إنها بالفعل حالة يرثى لها.
يقول البعض: "لقد آمنت بالله لأكثر من عشر سنوات؛ أنا مؤمن متمرس في الإيمان". ويقول البعض: "أنا مؤمن بالله منذ عشرين عامًا". ويقول آخرون: "ما هي عشرون عامًا من الإيمان؟ لقد آمنت بالله لأكثر من ثلاثين عامًا". لقد آمنتم بالله منذ عدة سنوات، بل إن بعضكم قد خدم كقادة أو عاملين لسنوات عديدة ولديهم قدر لا بأس به من الخبرة. لكن كيف يسير دخولكم في الحياة؟ ما مدى استيعابكم لمبادئ الحق؟ لقد خدمت كقائد أو عامل لسنوات عديدة واكتسبت بعض الخبرة في عملك، ولكن عندما تواجه جميع أنواع المهام والأشخاص والأشياء، هل ستؤسس ممارستك على مبادئ الحق؟ هل ستحافظ على اسم الله؟ هل ستحافظ على مصالح بيت الله؟ هل ستصون عمل الله؟ هل يمكنك أن تتمسك بشهادتك؟ عندما تواجه التعطيلات والاضطرابات في عمل الكنيسة التي يسببها أضداد المسيح والأشرار، هل سيكون لديك الثقة والقوة لمحاربتهم؟ هل يمكنك أن تحمي شعب الله المختار وتدعم عمل بيت الله، وتدافع عن مصالح بيت الله واسمه من أن يلحق به العار؟ هل تستطيع القيام بذلك؟ مما أراه، لا يمكنكم القيام بذلك، ولم تفعلوا ذلك. أنتم مشغولون جدًا كل يوم – ماذا كان يشغلكم؟ لقد ضحيتم طوال هذه السنوات بأسركم ووظيفتكم، وتحملتم المعاناة، ودفعتم الثمن، واستثمرتم الكثير من الجهد، ولكنكم لم تربحوا سوى القليل. بل أن بعض القادة والعاملين واجهوا أحداثًا وأشخاصًا وظروفًا مشابهة مرات عديدة، ومع ذلك يستمرون في ارتكاب الأخطاء نفسها، ويخلفون التعديات نفسها وراءهم. ألا يدل هذا على نقص النمو في حياتهم؟ ألا يعني هذا أنهم لم يربحوا الحق؟ (بلى). ألا يدلّ هذا على أنهم لا يزالون تحت سيطرة الشيطان تحت سلطته الظلامية ولم ينالوا الخلاص؟ (بلى). عندما تنشأ كل أنواع الأحداث المختلفة وتتكشف حولك في الكنيسة في أوقات مختلفة، فأنت عاجز عن فعل أي شيء. خاصةً عندما تواجه أضداد المسيح والأشرار الذين يتسببون في تعطيلات واضطرابات في عمل الكنيسة، لا تعرفون كيف تتعاملون معها. أنتم فقط تدعون الأمور تمر، أو في أفضل الأحوال، تغضبون وتهذبون أولئك الذين يسببون الاضطرابات، لكن تظل المشكلة بلا حل، وليس لديكم خطة عمل بديلة. حتى أن البعض يفكرون: "لقد بذلت كل قوتي وكل قلبي – ألم يقل الله إنه ينبغي علينا أن نبذل هذين الاثنين؟ لقد بذلت كل ما في وسعي، وإذا لم تكن ثمة نتائج، فهذا ليس خطأي. الناس سيئون للغاية: إنهم لا يستمعون حتى عندما تعقد شركة حول الحق معهم". تقول إنك بذلت كل قوتك وكل قلبك، لكن العمل لم يحقق أي نتائج. أنت لم تدعم عمل الكنيسة أو تحمي مصالح بيت الله، وتركت الأشرار يسيطرون على الكنيسة. لقد سمحت للشيطان أن يعيث فسادًا ويلحق العار باسم الله، بينما كنت تشاهد من الخطوط الجانبية، غير قادر على فعل أي شيء، وغير قادر على التعامل مع أي شيء حتى مع السلطة التي كانت لديك. لم تستطع أن تتمسك بشهادتك لله، ومع ذلك تعتقد أنك فهمت الحق وبذلت كل قلبك وقوتك. هل هذا هو معنى أن تكون وكيلًا صالحًا؟ (لا، ليس كذلك). عندما يخرج كافة أنواع الأشرار وعديمو الإيمان ويلعبون أدوارًا مختلفة كأبالسة وشياطين، ويذهبون ضد ترتيبات العمل ويفعلون شيئًا مختلفًا تمامًا، ويكذبون ويخدعون بيت الله؛ وعندما يزعجون عمل الله ويعطلونه، ويفعلون أشياء تلحق العار باسم الله وتشوّه بيت الله، أي الكنيسة، لا تفعل أنت أي شيء سوى أن تغضب عندما ترى ذلك، ومع ذلك لا يمكنك أن تنهض لتقيم العدل، وتفضح الأشرار، وتدعم عمل الكنيسة، وتتصدى لهؤلاء الأشرار وتتعامل معهم، وتمنعهم من إزعاج عمل الكنيسة وتشويه بيت الله، أي الكنيسة. بعدم قيامك بهذه الأشياء، تكون قد فشلت في تقديم الشهادة. يقول البعض: "أنا لا أجرؤ على القيام بهذه الأشياء، أخشى إن تعاملت مع الكثير من الناس أن أغضبهم، وإن اجتمعوا عليَّ لمعاقبتي وعزلي من منصبي، فماذا سأفعل"؟ أخبرني، هل هم جبناء وخجولون، هل هم لا يملكون الحق ولا يستطيعون تمييز الناس أو رؤية حقيقة إزعاج الشيطان، أم أنهم غير مخلصين في أداء واجبهم، ويحاولون حماية أنفسهم فحسب؟ ما هي المشكلة الحقيقية هنا؟ هل فكرت يومًا في هذا الأمر؟ إذا كنت أنت بطبيعتك خجولًا وهشًا وجبانًا وخائفًا؛ ومع ذلك، بعد سنوات عديدة من الإيمان بالله، بناءً على فهم بعض الحقائق، نما لديك إيمان حقيقي بالله، ألن تكون قادرًا على التغلب على بعض ضعفك البشري وخجلك وهشاشتك ولا تعد خائفًا من الأشرار؟ (بلى). إذن ما هو أصل عدم قدرتكم على التعامل مع الأشرار والتصدي لهم؟ هل هو أن إنسانيتكم جبانة وخجولة وخوافة بطبيعتها؟ هذا ليس السبب الجذري للمشكلة ولا جوهرها. إن جوهر المشكلة هو أن الناس ليسوا مخلصين لله؛ فهم يحمون أنفسهم وسلامتهم الشخصية وسمعتهم ومكانتهم ومخرجهم. يتجلى عدم إخلاصهم في كيفية حمايتهم لأنفسهم دائمًا، ويختبئون كما تختبئ السلحفاة في قوقعتها كلما واجهوا أي شيء، وينتظرون حتى يزول قبل أن يخرجوا رؤوسهم مرة أخرى. إنهم دائمًا يتلمسون طريقهم مهما كان ما يواجهونه، ولديهم الكثير من القلق والاضطراب والتخوف، ويعجزون عن الوقوف والدفاع عن عمل الكنيسة. ما هي المشكلة هنا؟ أليست المشكلة هي نقص الإيمان؟ أنت ليس لديك إيمان حقيقي بالله، ولا تؤمن بأن لله السيادة على كل شيء، ولا تؤمن بأن حياتك وكل ما تملك بين يدي الله. أنت لا تؤمن بما يقوله الله: "بدون سماح من الله، لا يجرؤ الشيطان على تحريك شعرة واحدة في جسدك". أنت تعتمد على عينيك وتحكم على الحقائق، وتحكم على الأشياء بناءً على حساباتك الخاصة، وتحمي نفسك دائمًا. أنت لا تؤمن بأن مصير الإنسان بيد الله؛ وأنت تخاف من الشيطان، وتخاف من قوى الشر والأشرار. أليس هذا افتقارًا إلى الإيمان الحقيقي بالله؟ (بلى). لماذا لا يوجد إيمان حقيقي بالله؟ هل لأن اختبارات الناس ضحلة للغاية ولا يستطيعون رؤية حقيقة هذه الأشياء، أم لأنهم لا يفهمون سوى القليل جدًا من الحق؟ ما هو السبب؟ هل للأمر علاقة بشخصيات الناس الفاسدة؟ هل لأن الناس ماكرين للغاية؟ (نعم). أيًا كان عدد الأشياء التي يختبرونها، وأيًا كان عدد الحقائق التي توضع أمامهم، فإنهم لا يؤمنون بأن هذا عمل الله، أو أن مصير الإنسان بيد الله. هذا جانب واحد. المشكلة الأخرى المميتة هي أن الناس يهتمون كثيرًا بأنفسهم. إنهم ليسوا على استعداد لدفع أي ثمن أو تقديم أي تضحية من أجل الله، أو من أجل عمله، أو من أجل مصالح بيت الله، أو من أجل اسمه، أو من أجل مجده. إنهم ليسوا على استعداد لفعل أي شيء ينطوي على أدنى خطر. يهتم الناس كثيرًا بأنفسهم! بسبب خوفهم من الموت، ومن الإذلال، ومن الوقوع في مكائد الأشرار، ومن الوقوع في أي نوع من المآزق، يبذل الناس جهودًا كبيرة للحفاظ على جسدهم، ويجتهدون حتى لا يدخلوا في أي مواقف خطرة. يُظهر هذا السلوك، من ناحية، أن الناس في غاية المكر، بينما يكشف من ناحية أخرى عن حفاظهم على أنفسهم وأنانيتهم. أنت غير راغب في تسليم نفسك لله، وعندما تقول إنك على استعداد لبذل نفسك لله، فهذا ليس أكثر من مجرد رغبة. عندما يتعلق الأمر بالتقدم فعليًا وتقديم الشهادة لله، ومحاربة الشيطان، ومواجهة الخطر والموت ومختلف الصعوبات والضيقات، فإنك لا تعود راغبًا. تتداعى رغبتك الصغيرة، وتفعل كل ما في وسعك لحماية نفسك أولاً، وبعد ذلك تقوم ببعض الأعمال السطحية التي عليك القيام بها، وهي الأعمال التي تكون مرئية للجميع. لا يزال عقل الإنسان أكثر ذكاءً من عقل الآلة: فهو يعرف كيف يتكيف، ويعرف عندما يواجه مواقف معينة، أي الأعمال التي تساهم في تحقيق مصالحه الذاتية وأيها لا تساهم في تحقيقها، ويسارع إلى استخدام كل وسيلة متاحة له. وبالتالي، عندما تواجه أمورًا معينة، فإن ثقتك الضعيفة في الله تعجز عن الثبات. أنت تتصرف بمكر مع الله، وتشارك في التخطيط ضده، وتتحايل عليه، وهذا يكشف عن عدم ثقتك الحقيقية بالله. أنت تعتقد أن الله غير جدير بالثقة، وأنه قد لا يكون قادرًا على حمايتك أو ضمان سلامتك، وأن الله قد يتركك حتى تموت. أنت تشعر أن الله لا يمكن الاعتماد عليه، وأنك لا يمكنك أن تطمئن سوى بالاعتماد على نفسك. ماذا يحدث في النهاية؟ أيًا كانت الظروف أو الأمور التي تواجهها، فإنك تتعامل معها باستخدام هذه الأساليب والتخطيطات والاستراتيجيات، وتعجز عن التمسك بشهادتك لله. تعجز – أيًا كانت الظروف – على أن تكون قائدًا أو عاملًا مؤهلًا، ولا تقدر على إظهار صفات الوكيل أو تصرفاته، ولا تقدر على إظهار الولاء الكامل، وبالتالي تفقد شهادتك. وأيًا كان عدد الأمور التي تواجهها، فأنت غير قادر على الاعتماد على إيمانك بالله لإظهار الولاء وتنفيذ مسؤوليتك. وبالتالي، فإن النتيجة النهائية هي أنك لا تربح شيئًا. في كل ظرف رتبه لك الله، وعندما حاربت ضد الشيطان، كان خيارك دائمًا الانسحاب والهروب. أنت لم تتبع المسار الذي عينه الله أو حدده لك لتختبره. لذا، في خضم هذه المعركة يفوتك الحق والفهم والخبرات التي كان يجب أن تكتسبها. في كل مرة تجد نفسك في ظروف رتبها الله لك، تمر بها بالطريقة نفسها، وتنهيها بالطريقة نفسها. في النهاية، يكون التعليم والدروس التي تستخلصها هي نفسها. ليس لديك أي فهم حقيقي، لقد استوعبت مجرد بعض الخبرات والدروس، مثل: "يجب ألا أفعل هذا في المستقبل. عندما أواجه مواقف مماثلة يجب أن أكون حذرًا أكثر من ذلك، ويجب أن أذكر نفسي بهذا، يجب أن أكون حذرًا مع هذا النوع من الأشخاص، وأن أتجنب هذا النوع، وأن أكون على حذر من هذا النوع". هذا كل شيء. ما الذي ربحته؟ هل هي الفطنة والبصيرة، أم الخبرة والدروس؟ إذا لم يكن لما ربحته علاقة بالحق، فأنت لم تربح شيئًا، ولم تربح شيئًا مما كان يجب أن تربحه حقًا. وهكذا، في الظروف التي رتبها الله، تكون قد خذلته، ولم تحصل على ما قصده لك، لذا فقد خذلت الله بالتأكيد. في هذه التجربة أو الظرف الذي رتبه الله، لم تحصل على الحق الذي أرادك الله أن تحصل عليه. لم ينم قلبك الذي يتقي الله، ولا تزال الحقائق التي يجب أن تفهمها غير واضحة، ولا تزال تفتقر إلى الفهم في المجالات التي تحتاج فيها إلى فهم نفسك، ولم تكتسب الدروس التي كان يجب أن تكون قد استوعبتها، واستعصت عليك مبادئ الحق التي كان يجب أن تتبعها. وفي الوقت نفسه، لم ينم إيمانك بالله كذلك، بل لا يزال حيث بدأ. أنت كمن يسير في مكانه. إذن، ما الذي زاد؟ لعلك تفهم الآن بعض التعاليم التي لم تكن تعرفها من قبل، أو رأيت الجانب القبيح لنوع معين من الأشخاص لم تكن تفهمه من قبل. لكن تظل أصغر ذرة تتعلق بالحق بالنسبة إليك غير مرئية وغير مفهومة وغير مُدركة وغير مُجرّبة. أنت لا تزال لا تفهم المبادئ التي يجب أن تتبعها أو لا تعرفها، بينما تستمر في عملك أو في أداء الواجب. هذا مخيب جدًا لآمال الله. على أقل تقدير، في هذا الظرف بالتحديد، أنت لم تزد من الولاء لله أو الإيمان الذي كان ينبغي أن يزداد بداخلك. لم تحقق أيًا من الأمرين، وهو أمر مثير حقًا للشفقة! قد يقول البعض: "أنت تزعم أنني لم أكسب شيئًا، لكن هذا ليس صحيحًا. على أقل تقدير، اكتسبت معرفة ذاتية وفهمًا للأشخاص والأحداث والأشياء من حولي. أصبح لديّ فهم أوضح للإنسانية ولنفسي". هل يُعتبر فهم هذه الأشياء تقدمًا حقيقيًا؟ حتى لو لم تكن تؤمن بالله، فعندما تعيش حتى سن الأربعين أو الخمسين ستكون على دراية بهذه الأمور بشكل أو بآخر. يمكن للأشخاص ذوي مستوى القدرات القليل أو المتوسط أن يحققوا ذلك؛ يمكن أن يكون لديهم فهم لأنفسهم، ولمزايا إنسانيتهم وعيوبها، ونقاط القوة والضعف فيها، وكذلك ما يجيدونه وما لا يجيدونه. وبحلول الوقت الذي يبلغون فيه الأربعينات أو الخمسينات من العمر، يجب أن يكون لديهم بشكل أو بآخر فهم لإنسانية مختلف أنواع الأشخاص الذين يتفاعلون معهم بشكل متكرر. وينبغي أن يعرفوا أي نوع من الناس يصلح أن يخالطوهم وأيهم لا يصلحون، وأيهم يصلح أن يتعاملوا معهم وأيهم لا يصلحون، وأيهم يجب أن يبتعدوا عنهم وأيهم يجب أن يقتربوا منهم – فهم قادرون على فهم كل هذه الأشياء بشكل أو بآخر. أما إذا كان الشخص مشوش الذهن، أو كان مستوى قدراته ضعيفًا للغاية، أو كان أحمق أو كان مختل العقل، فلن يملك هذا الفهم. إذا كنت قد آمنت بالله لسنوات عديدة، وسمعت الكثير من الحق، واختبرت الكثير من مختلف الظروف، ولم تربح سوى في مجال إنسانية الناس، أو في تمييز الناس أو فهم بعض الأمور البسيطة، فهل يمكن اعتبار هذا مكسبًا حقيقيًا؟ (كلا، لا يمكن). إذن، ما هو المكسب الحقيقي؟ إنه مرتبط بقامتك. إذا ربحت شيئًا ما، فستتقدم، وإن لم تربح شيئًا حقيقيًا، فلن تنمو قامتك. إذن، ما الذي يشير إليه هذا الربح؟ على أقل تقدير، هو مرتبط بالحق؛ وبشكل أكثر تحديدًا، بمبادئ الحق. عندما تفهم مبادئ الحق التي يجب اتباعها أثناء التعامل مع مختلف الأمور والأشخاص، وتستطيع اتباعها وممارستها، وتصبح هذه هي المبادئ والمعايير التي تتبعها في سلوكك، فهذا ربح حقيقي. عندما تصبح مبادئ الحق هذه هي المبادئ والمعايير التي يجب أن تتبعها في سلوكك، فإنها تصبح جزءًا من حياتك. عندما يترسخ هذا الجانب من الحق فيك، يصبح حياتك، وعندها تنمو حياتك. إذا كنت لم تدرك بعد مبادئ الحق المتعلقة بهذه الأنواع من الأمور، وما زلت لا تعرف كيف تتعامل معها عندما تواجهها، فأنت لم تربح الحق في هذا الصدد. من الواضح أن هذا الجانب من الحق ليس حياتك، وأن حياتك لم تنم. لا فائدة من أن تكون ماهرًا في التحدث – فكل هذه تعاليم على أي حال. هل يمكنك قياس هذا؟ (نعم، يمكنني ذلك). هل أحرزتم تقدمًا خلال هذا الوقت؟ (لا، لم أحرز). لقد استخدمتَ فحسب إرادتك وفكرك البشريين لتلخيص بعض التجارب، مثل أن تقول: "لقد تعلمت هذه المرة أنواع الأشياء التي لن أقولها أو أفعلها بعد الآن، والأشياء التي سأفعلها أكثر أو أقل، وما الذي لن أفعله بالتأكيد". هل هذه علامة على النمو في حياتك؟ (لا، ليست كذلك). هذه علامة على أنك تفتقر بشدة إلى الفهم الروحي. كل ما يمكنك القيام به هو تلخيص القواعد والكلمات والشعارات التي لا علاقة لها بالحق. أليس هذا ما تفعلونه؟ (بلى). في كل مرة تختبرون فيها أمرًا ما، بعد كل حدث مهم، تلومون أنفسكم قائلين: "يا إلهي، في المستقبل يجب أن أفعل ذلك على هذا النحو أو ذاك". لكن في المرة التالية التي ينشأ فيها موقف مماثل، ينتهي الأمر بالفشل، وتشعر بالإحباط، وتقول: "لماذا أنا هكذا؟ تغضب من نفسك، معتقدًا أنك فشلت في تلبية توقعاتك الخاصة. هل هذا مفيد؟ الأمر ليس أنك فشلت في تلبية توقعاتك الخاصة، أو أنك أحمق، أو أن الظروف التي رتبها الله خاطئة، وبالتأكيد ليس أن الله يعامل الناس بطريقة غير عادلة. المسألة هي أنك لا تسعى إلى الحق أو تطلبه، وأنك لا تتصرف بحسب كلام الله، وأنك لا تستمع إلى كلام الله. أنت تُقحم دائمًا الإرادة البشرية في الأمر؛ أنت سيد نفسك، ولا تدع كلام الله يكون مسؤولًا. أنت تفضل الاستماع إلى الآخرين على الاستماع إلى كلام الله. أليس هذا هو الحال؟ (بلى، هو كذلك). هل تعتقد أنك قد أحرزت تقدمًا بتراكم بعض الخبرات والدروس من حدث واحد أو في ظرف معين؟ إذا كنت قد أحرزت تقدمًا حقيقيًا، فعندما يختبرك الله في المرة القادمة، ستكون قادرًا على الدفاع عن اسم الله، وحماية مصالح بيت الله وعمله، وتتيقن من سير العمل بسلاسة، وعدم تعرضه لأي اضطراب أو عرقلة. ستضمن أن يظل اسم الله غير مشوَّه ولا تشوبه شائبة، وألا يتعرض نمو حياة إخوتك وأخواتك للخسارة، وأن تكون عطايا الله محمية. هذا يعني أنك قد أحرزت تقدمًا، وأنك مناسب للاستخدام، وأنك تملك الدخول في الحياة. أنتم حاليًا لم تصلوا بعد؛ على الرغم من أن عقولكم صغيرة، إلا أنها مليئة بالكثير من الأشياء، وأنتم لستم بسطاء. على الرغم من أنكم قد تملكون الإخلاص لبذل أنفسكم من أجل الله والرغبة في ترك كل شيء والتخلي عنه من أجله، إلا أنكم عندما تواجهون الأمور، لا تستطيعون التمرد على رغباتكم ونواياكم وخططكم المختلفة. كلما واجهت بيت الله وعمل الله صعوبات متنوعة، تراجعتم إلى الوراء، وأصبحتم غير مرئيين، وقلّت احتمالية وقوفكم وتوليكم مسؤولية هذا العمل، لحماية مصالح بيت الله وعمل الله. إذن، ماذا حدث لإخلاصك في بذل نفسك لله؟ لماذا هذا القليل من الإخلاص هش وضعيف للغاية؟ ما الذي حدث لاستعدادك القليل لتقديم كل شيء ونبذه من أجل الله؟ لماذا هو غير قادر على الثبات؟ ما الذي يجعله ضعيفًا للغاية؟ ماذا يثبت هذا؟ إنه يثبت أنك تفتقر إلى القامة الحقيقية، وأن قامتك صغيرة بشكل يرثى له، ويمكن لشيطان صغير أن يربكك بسهولة: فبمجرد قليل من التعطيل، ستتحول لتتبع هذا الشيطان الصغير. حتى لو كان لديك بعض القامة، فإنها تقتصر على خبرتك ببعض الأمور السطحية التي لا علاقة لها بمصالحك، ولا تزال بالكاد قادرًا على حماية مصالح بيت الله والقيام ببعض الأمور الصغيرة التي تشعر أنك تستطيع تحقيقها وأنها في حدود قدراتك. عندما يتعلق الأمر حقًا بالتمسك بشهادتك، عندما تواجه الكنيسة حملة قمع كبيرة وعرقلة الأشرار وأضداد المسيح، أين تكون؟ ماذا تفعل؟ فيم تفكر؟ هذا يشير بوضوح إلى وجود مشكلة، أليس كذلك؟ إن خدع أحد أضداد المسيح أثناء قيامه بواجبه من هم فوقه ومن هم دونه وتصرف بتهور، وعرقل عمل الكنيسة وعطله، وبدد العطايا، وضلل الإخوة والأخوات ليتبعوه، فإلى جانب أنك تفشل في تمييزه، أو تثبيط جهوده أو الإبلاغ عنه، أنت ترافق ضد المسيح وتساعده على تحقيق النتائج التي يتمناها من فعل كل هذه الأشياء، فخبرني إذن، ما تأثير عزمك القليل على بذل نفسك حقًا من أجل الله؟ أليست هذه قامتك الحقيقية؟ عندما يأتي أضداد المسيح والأشرار وجميع أنواع عديمي الإيمان لعرقلة عمل بيت الله وتدميره، خاصةً عندما يشوهون الكنيسة ويلحقون العار باسم الله، ماذا تفعل أنت؟ هل وقفت للدفاع عن عمل بيت الله؟ هل وقفت لتثبيط جهودهم أو تقييدها؟ أنت لم تتقاعس فحسب عن الوقوف أمام أضداد المسيح ومنعهم، بل رافقتهم في فعل الشر، وساعدتهم وحرضتهم، وعملت كأداة وتابع لهم. وعندما يكتب أحدهم خطابًا للإبلاغ عن مشكلة مع أضداد المسيح، فإنك تستخف بالخطاب وتختار عدم التعامل معه. إذن، في هذه اللحظة الحاسمة، هل كان لعزيمتك ورغبتك في نبذ كل شيء من أجل بذل نفسك بإخلاص لله أي تأثير على الإطلاق؟ إذا لم يكن لها أي تأثير، فمن الواضح تمامًا أن هذه الرغبة والعزيمة المزعومة ليستا قامتك الحقيقية، وليستا ما اكتسبته من الإيمان بالله لسنوات عديدة، فهما لا يمكنهما أن يحلا محل الحق؛ إنهما ليسا الحق ولا الدخول في الحياة. إنهما ليستا رمزًا لامتلاك الإنسان للحياة، بل مجرد نوع من التمني، وشوق وحنين لدى الناس إلى شيء جميل – لا علاقة له بالحق. لذلك، عليكم أن تستيقظوا وتروا قامتكم الحقيقية بوضوح. لا تظنوا أنه لمجرد أن لديكم مستوى قدرات قليل، وأنكم نبذتم أشياء كثيرة مثل التعليم والمستقبل المهني والعائلة والزواج ومستقبل الجسد، فإن قامتكم عظيمة نوعًا ما. حتى أن بعض الناس كانوا قادة أو عاملين منذ أن تأسس إيمانهم بالله في البداية. وعلى مر السنين، تراكمت لديهم خبرات ودروس معينة، ويمكنهم الوعظ ببعض الكلمات والتعاليم. وبسبب هذا، يشعرون أن قامتهم أكبر من غيرهم، وأن لديهم دخول في الحياة، وأنهم أعمدة ودعائم في بيت الله وهم من يكمِّلهم الله. هذا غير صحيح. لا تظنوا أنفسكم صالحين – فأنتم ما زلتم أبعد ما يكون عن ذلك! لستم قادرين حتى على تمييز أضداد المسيح؛ فلا قامة حقيقية لديكم. على الرغم من أنك كنت تخدم كقائد أو عامل لسنوات عديدة، إلا أنه لا يوجد حتى الآن مجال يمكنك أن تكون مناسبًا فيه ولا يمكنك القيام بالكثير من العمل الحقيقي، ولا يمكن استخدامك إلا على مضض. أنت لست شخصًا ذا موهبة كبيرة. إذا كان لدى أي منكم روح العمل الجاد وتحمُّل المشقة، فأنتم على أكثر تقدير مجتهدون في العمل. أنتم لستم مناسبين. بعض الناس يصبحون قادة أو عاملين لمجرد أنهم متحمسون، لأنهم يمتلكون أساسًا تعليميًا ويمتلكون مستوى قدرات معين. علاوة على ذلك، تعجز بعض الكنائس عن العثور على الشخص المثالي لتحمل المسؤولية، لذلك يترقى هؤلاء الأشخاص كاستثناءات للقاعدة ويخضعون للتدريب. من بين هؤلاء الأفراد، تم استبدال البعض منهم تدريجياً واستبعادهم خلال عملية كشف مختلف أنواع الناس. على الرغم من أن بعض الذين استمروا في الاتباع حتى الآن لا يزالون باقين، إلا أنهم لا يزالون غير قادرين على تمييز أي شيء. لقد تمكنوا من البقاء فقط لأنهم لم يفعلوا أي شيء شرير. كما أن ترتيبات العمل التي تأتي من الأعلى مع التوجيه المباشر والإشراف والاستفسار والمتابعة والمراقبة والتهذيب، هي بالكامل السبب الذي يجعلهم قادرين على القيام ببعض الأعمال – وهذا لا يعني أنهم أفراد مناسبون. ذلك لأنكم غالبًا ما تعبدون غيركم وتتبعونه وتضلون وتفلعون أشياء خطأ وتدخلون في دوامة من الحيرة بسبب بعض البدع والمغالطات، فتفقدون حس التوجيه ولا تعرفون بمن تؤمنون حقًا في النهاية. هذه هي قامتكم الفعلية. إذا كنت سأقول إنكم ليس لديكم أي دخول في الحياة على الإطلاق، فسيكون هذا ظلمًا لكم. يمكنني فحسب أن أقول إن نطاق خبراتكم محدود للغاية. لديكم بعض الدخول فقط بعد تهذيبكم وتأديبكم الجاد، لكن عندما يتعلق الأمر بالأمور التي تنطوي على مبادئ مهمة، خاصةً عندما تواجهون أضداد المسيح والقادة الكذبة الذين يضللون الناس ويسببون العرقلة، ليس لديكم ما تظهرونه عن أنفسكم، وتفتقرون إلى أي شهادة. من حيث اختبارات الحياة والدخول في الحياة، فإن اختباراتكم ضحلة للغاية، وتفتقرون إلى الفهم الحقيقي لله. ما زلتم لا تملكون شيئًا لتظهروه في هذا الصدد. عندما يتعلق الأمر بالعمل الكنسي الفعلي، أنتم لا تعرفون كيفية عقد شركة حول الحق وحل المشكلات؛ وهنا أيضًا ليس لديكم ما تظهرونه. في هذه الجوانب، ليس لديكم ما تظهرونه عن أنفسكم. لذلك، أنتم لستم مناسبين لأدوار القائد والعامل. ومع ذلك، فإن معظمكم كمؤمنين عاديين لديكم القليل من الدخول في الحياة، وإن كان قليلًا جدًا ولا يرقى إلى واقع الحق. لم يتجل بعد ما إذا كنتم قادرين على الصمود أمام الاختبارات. فقط عندما تنشأ بالفعل تجارب كبرى أو غواية كبيرة أو توبيخ ودينونة جادين ومباشرين من الله، يمكن أن تختبر ما إذا كان لديك قامة حقيقية وواقع الحق، وما إذا كنت تستطيع التمسك بشهادتك، وما هي الإجابات على ورقة الاختبار الخاصة بك، وما إذا كنت تلبي متطلبات الله – عندها فقط ستظهر قامتك الحقيقية. في الوقت الراهن، لا يزال القول بأنك لديك قامة سابق لأوانه. فيما يتعلق بدور القائد والعامل، ليس لديكم أي قامة حقيقية. عندما تواجهون الأمور، تصبحون مرتبكين، وعندما تواجهون العراقيل من الأشرار أو أضداد المسيح تنهزمون. لا يمكنكم إكمال أي مهام مهمة بمفردكم؛ بل تحتاجون دائمًا إلى شخص ما للإشراف عليكم وإرشادكم والتعاون معكم لإنجاز المهمة. بعبارة أخرى، لا يمكنكم قيادة السفينة. سواء لعبتم دورًا قياديًا أو دورًا مساندًا، لا يمكنكم أن تتولوا الأمر بأنفسكم أو أن تنجزوا مهمة ما بمفردكم؛ فأنتم عاجزون تمامًا عن إنجاز مهمة ما بشكل جيد دون إشراف واهتمام من الأعلى. إذا أظهرت مراجعة عملكم في النهاية أنكم قد أحسنتم في جميع الجوانب، وأنكم قد أديتم جميع جوانب العمل بإخلاص، وأنكم قد أنجزتم كل شيء بشكل جيد وتعاملتم مع كل شيء بشكل صحيح ووفقًا لمبادئ الحق، وأنكم عملتم على أساس فهم واضح للحق وطلب مبادئ الحق، بحيث تكونون قادرين على حل المشكلات وإنجاز عملكم بشكل جيد، فأنتم مناسبون. ومع ذلك، حتى هذه النقطة، وبناءً على كل ما اختبرتموه، فإنكم غير مناسبين. المشكلة الرئيسية في مدى مناسبتكم هي أنكم لا تستطيعون إكمال المهام الموكلة إليكم بشكل مستقل – هذا جانب. ومن جانب آخر، إذا لم تكن هناك رقابة من الأعلى، فإنكم قد تضللون الناس أو تتسببون في نبذهم للطريق الصحيح. لا يمكنكم أن تقودوهم أمام الله أو أن تجلبوا الإخوة والأخوات في الكنيسة إلى واقع الحق أو إلى الطريق الصحيح للإيمان بالله، حتى يتمكن جميع شعب الله المختار من أداء واجبهم. لا يمكنك تحقيق أي من هذا. إذا كانت هناك فترة من الوقت دون استفسار من الأعلى، فهناك دائمًا العديد من الانحرافات والعيوب في نطاق العمل الذي أنتم مسؤولون عنه، وكذلك المشكلات من كل شكل وحجم؛ وإذا لم يقم الأعلى بتصحيحها أو الإشراف عليها أو التعامل معها شخصيًا، فمن يدري إلى أي مدى ستصل هذه الانحرافات أو متى ستتوقف. هذه هي قامتكم الحقيقية. لهذا السبب أقول إنكم غير مناسبين تمامًا. هل تريدون سماع هذا؟ ألا يشعركم سماع هذا بالسلبية؟ (يا الله، نشعر بشعور غير مريح بتاتًا في قلوبنا، لكن ما يعقد الله شركة حوله هو في الواقع حقيقة. ليس لدينا أدنى قدر من القامة أو واقع الحق. عندما يظهر أضداد المسيح لن نكون قادرين على تمييزهم). يجب أن أوضح لكم هذه الأمور؛ وإلا ستشعرون بالظلم وسوء المعاملة طوال الوقت. أنتم لا تفهمون الحق؛ أنتم لا تعرفون سوى الحديث عن بعض الكلمات والتعاليم. أثناء الاجتماعات، لا تعدون عادةً حتى مسودة للكلام عن التعاليم بعد الآن، ولم تعودوا تعانون من رهبة مواجهة الناس، ولذلك تظنون أن لديكم قامة. إذا كانت لديك القامة فلماذا لا تكون مناسبًا؟ لماذا لا تستطيع عقد شركة حول الحق ومعالجة المشكلات؟ أنت تعرف فقط كيف تتحدث عن الكلام والتعاليم لتجعل إخوتك وأخواتك يرضون عنك. هذا لا يرضي الله، ولا يجعلك مناسبًا. لا يمكن لقدرتك على التحدث عن هذه الكلمات والعقائد أن تحل أي مشكلات فعلية. يرتب الله موقفًا صغيرًا يكشفك، ويتضح مدى ضآلة قامتك، وأنك لا تفهم الحق على الإطلاق، وأنك لا تستطيع رؤية حقيقة أي شيء؛ ويكشف أنك مسكين وتستحق الرثاء ومثير للشفقة وأعمى وجاهل. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). إذا كنتم تستطيعون قبول هذه الأشياء، فهذا جيد، وإن لم تستطيعوا، فخذوا وقتكم وفكروا فيها. فكروا فيما أقوله: هل هو منطقي، هل يستند إلى الواقع؟ هل ينطبق عليكم؟ حتى لو كان ينطبق عليكم، لا تصبحوا سلبيين. كونكم سلبيين لن يساعدكم في حل أي مشكلات. كمؤمن بالله، إذا أردتَ أن تؤدي واجبك وأن تكون قائدًا أو عاملًا، فلا يمكنك أن تستسلم عندما تواجه عثرات وإخفاقات. يجب أن تنهض مجددًا وتستمر في المضي قدمًا. تحتاج إلى التركيز على تزويد نفسك بجوانب معينة من الحق في المجالات التي تعاني فيها من نقص أو قصور، وحيثما تواجه مشكلات خطيرة. لن تحل السلبية أو الجمود أي شيء. عندما تواجهك المشكلات، توقف عن ذكر الكلمات والتعاليم ومختلف أنواع الأخذ بالأسباب الموضوعية – فهذه لن تساعدك. عندما يختبرك الله، وتقول: "في ذلك الوقت لم تكن صحتي جيدة جدًا، وكنت شابًا، ولم يكن محيطي هادئًا جدًا"، هل سيستمع الله إلى هذا؟ " سيسألك الله: "هل سمعت الحق عندما عُقدت معك شركة حوله؟ إذا قلتَ: "نعم، لقد سمعته،" سيسألك: "هل لديك ترتيبات العمل التي تم نقلها إليك من الأعلى؟". عندها ستقول أنت: "نعم، لديّ"، وسيواصل قائلًا: "إذن لماذا لم تتبعها؟ لماذا فشلت فشلاً ذريعًا؟ لماذا لم تستطع التمسك بشهادتك؟". لن يصمد أي سبب موضوعي تؤكد عليه. الله ليس مهتمًا بأعذارك أو تبريرك لأسبابك. إنه لا ينظر إلى مدى قدرتك على التحدث بالتعاليم أو مدى براعتك في الدفاع عن نفسك. ما يريده الله هو قامتك الحقيقية وأن تنمو حياتك. لا يهم متى ومهما كان مستواك كقائد، أو مدى ارتفاع مكانتك، لا تنسَ أبدًا من أنت وما أنت عليه أمام الله. مهما كان مدى قدرتك على التحدث بالتعاليم، ومهما كان ما فعلته أو ما قدمته من إسهامات لبيت الله، فإن أيًا من هذه لا يدل على أنك تمتلك قامة حقيقية، ولا هي علامات على امتلاكك الحياة. عندما تدخل إلى واقع الحق، وتستوعب مبادئ الحق، وتتمسك بشهادتك عند مواجهة الأمور، وتكون قادرًا على إكمال المهام بشكل مستقل، وتكون صالحًا للاستخدام، عندئذٍ ستكون لك قامة حقيقية. حسنًا، دعنا نختتم هذه المناقشة هنا وننتقل إلى الموضوع الرئيسي لشركتنا.
أين توقفنا في شركتنا في الاجتماع الأخير؟ (في الاجتماع الأخير، عقد الله شركة عن "تخلي المرء عن الأعباء التي تأتي من عائلته". أحد جوانب هذا هو التخلي عن توقعات المرء من أبنائه. شرح الله لنا هذا على مرحلتين: إحداهما تتعلق بسلوك الآباء والأمهات بينما لا يزال أولادهم قاصرين، وتتعلق الأخرى بسلوكهم عندما يصبح أولادهم راشدين. وأيًا كان عمر أبنائهم، سواء كانوا راشدين أم لا، فإن سلوك الآباء وتصرفاتهم في الواقع يتعارضان مع سيادة الله وترتيباته. يرغب الوالدان دائمًا في التحكم في قدر أبنائهم والتدخل في حياتهم، لكن لا يمكن لهم تحديد الطريق الذي يختاره الأبناء والمساعي التي تكون لديهم. لا يمكن للوالدين التحكم في أقدار الأبناء. كما أشار الله إلى وجهة النظر الصحيحة التي يجب أن ننظر من خلالها إلى الأمور: أيًا كانت مرحلة حياة الطفل، يكفي أن يتمم الوالدان مسؤولياتهما، ويتعلق الباقي بالخضوع لسيادة الله وترتيباته وما قدره مسبقًا). لقد عقدنا شركة في المرة الماضية عن حقيقة أن الناس يجب أن يتخلوا عن توقعات الوالدين لأبنائهم. بالطبع، هذه التوقعات مدفوعة بإرادة الإنسان وفكره، وهي لا تتماشى مع حقيقة أن الله يرتب قدر الإنسان. هذه التوقعات ليست جزءًا من مسؤولية الإنسان، بل هي شيء يجب على الناس التخلي عنه. مهما كان مدى عظمة توقعات الآباء لأبنائهم، ومهما كان الآباء يظنون أن توقعاتهم لأبنائهم صائبة وملائمة، فما دامت هذه التوقعات تتعارض مع حقيقة أن الله هو صاحب السيادة على قدر الإنسان، فهي شيء يجب على الناس التخلي عنه. ويمكن القول إن هذا أيضًا أمر سلبي؛ فهو ليس ملائمًا ولا إيجابيًا، ويتنافى مع مسؤوليات الوالدين ويتجاوز نطاق تلك المسؤوليات، ويشكّل توقعات ومطالب غير واقعية تتنافى مع الإنسانية. وقد عقدنا شركة في المرة السابقة حول بعض التصرفات والسلوكيات غير السوية، وبعض السلوكيات المتطرفة التي يقوم بها الآباء تجاه أبنائهم الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد، والتي تؤدي إلى كافة أنواع التأثيرات والضغوط السلبية على أبنائهم، مما يدمر سلامتهم الجسدية، والعقلية، والروحية. تشير هذه الأمور إلى أن ما يفعله الآباء غير لائق وغير مناسب. هذه هي الأفكار والأفعال التي يجب على الأشخاص الذين يسعون إلى الحق أن يتخلوا عنها، لأنها، من وجهة النظر الإنسانية، طريقة قاسية وغير إنسانية لتدمير سلامة الطفل الجسدية والعقلية. لذا فإن ما يجب على الآباء والأمهات القيام به تجاه أبنائهم الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد هو الوفاء بمسؤولياتهم، وليس التخطيط لمستقبلهم ومصيرهم والتحكم فيهما أو الترتيب لهما أو تحديدهما. ألم نذكر جانبين رئيسيين من جوانب وفاء الوالدين بمسؤولياتهما تجاه أطفالهما القاصرين في المرة السابقة؟ (بلى، لقد فعلنا). إذا جرى تنفيذ هذين الجانبين، ستكون قد أتممت مسؤوليتك. أما إذا لم يتم تنفيذهما، فحتى لو ربيت أبناءك ليصبحوا فنانين أو موهوبين، ستظل مسؤوليتك غير مكتملة. فمهما بذل الآباء والأمهات من جهد في تربية أبنائهم، سواء كان ذلك يعني أن يشيبوا من القلق، أو أن يصبحوا منهكين إلى حد المرض، ومهما كان الثمن الذي دفعوه كبيرًا، أو مهما بذلوا من جهد، أو بذلوا من مال، فلا يمكن اعتبار أي من ذلك وفاءً بالمسؤولية. إذن، ماذا يعني قولي إن على الوالدين الوفاء بمسؤولياتهما تجاه أطفالهما الصغار؟ ما هما الجانبان الرئيسيان؟ من يتذكرهما؟ (في المرة السابقة عقد الله شركة حول مسؤوليتين. إحداهما هي العناية بصحة الطفل البدنية، والأخرى توجيهه وتعليمه ومساعدته في صحته الذهنية). الأمر بسيط للغاية. في الواقع، إن العناية بصحة الطفل البدنية أمر سهل؛ فقط لا تدعه يصاب بالكثير من الصدمات، أو الكدمات، أو يأكل أشياء ضارة، ولا تفعل أي شيء يؤثر سلبًا على نموه، وعلى الوالدين أن يحرصا قدر المستطاع على أن يحصل على ما يكفي من الطعام، وأن يأكل جيدًا وبصورة صحية، وأن يحصل على الراحة المناسبة، وأن يبقى خاليًا من المرض أو لا يمرض إلا في أحيان قليلة، وأن يحصل على العلاج في الوقت المناسب عندما يمرض. هل يمكن لمعظم الآباء تحقيق هذه المعايير؟ (نعم). هذا شيء يمكن للبشر تحقيقه، فالمهام التي يكلف الله بها الناس سهلة. لأن الحيوانات يمكنها تحقيق هذه المعايير أيضًا، فإذا كان البشر غير قادرين على تحقيقها، ألا يكونون أسوأ من الحيوانات؟ (بلى، يكونون كذلك). إذا كانت الحيوانات تستطيع تحقيق هذه الأشياء، ولكن البشر لا يستطيعون ذلك، فهم حقًا مثيرون للشفقة. هذه هي المسؤولية التي تقع على عاتق الآباء تجاه صحة الأبناء الجسدية. وفيما يتعلق بالصحة الذهنية للأبناء، فإن هذه أيضًا إحدى المسؤوليات التي يجب على الآباء والأمهات تتميمها أثناء تربية الأطفال الصغار. فبعد أن يكون أطفالهم أصحاء جسديًا، يجب على الوالدين أيضًا تعزيز صحتهم الذهنية وصحة أفكارهم، والتأكد من أنهم يفكرون في المشكلات بطرق واتجاهات إيجابية ونشطة ومتفائلة، حتى يتمكنوا من عيش حياة أفضل ولا يكونوا متطرفين أو عرضة للانحرافات أو عدائيين. وماذا أيضًا؟ يجب أن يكونوا قادرين على أن يكبروا ليكونوا طبيعيين، وأصحاء، وسعداء. على سبيل المثال، عندما يبدأ الأطفال في فهم ما يقوله آباؤهم ويمكنهم إجراء محادثات بسيطة وطبيعية معهم، وعندما يبدؤون في إظهار اهتمامهم بأشياء جديدة، يمكن للآباء أن يقصوا عليهم قصص الكتاب المقدس أو مشاركة قصص بسيطة عن كيفية التصرف لإرشادهم. بهذه الطريقة، يمكن للأطفال أن يفهموا ما تعنيه كيفية التصرف وما يجب فعله ليكونوا أطفالًا صالحين وأشخاصًا صالحين. هذا شكل من أشكال التوجيه العقلي للأطفال. لا ينبغي أن يخبرهم الآباء والأمهات بأن عليهم أن يربحوا الكثير من المال عندما يكبرون أو أن يصبحوا مسؤولين رفيعي المستوى، مما يمنحهم ثروة لا نهاية لها ويمنعهم من المعاناة أو القيام بالأعمال اليدوية الشاقة، ويمنحهم السلطة والمكانة ليتسلطوا على الآخرين. يجب عليهم ألا يغرسوا مثل هذه الأمور السلبية في أطفالهم، بل يجب أن يشاركوا معهم الأمور الإيجابية. أو عليهم أن يحكوا لأطفالهم قصصًا تتناسب مع أعمارهم وتحمل رسالة تربوية إيجابية. على سبيل المثال، تعليمهم ألا يكذبوا وألا يكونوا أطفالًا كاذبين، وإفهامهم أن على المرء أن يتحمل عواقب الكذب، وتوضيح موقفهم من الكذب، والتأكيد على أن الأطفال الذين يكذبون هم أطفال سيئون، وأن الناس لا يحبون مثل هؤلاء الأطفال. على أقل تقدير، يجب أن يعلموا أطفالهم أن عليهم أن يكونوا صادقين. وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الآباء والأمهات منع أطفالهم من تطوير أفكار أصولية أو متطرفة. كيف يمكن منع ذلك؟ يجب على الآباء أن يعلموا أطفالهم أن يكونوا متسامحين تجاه الآخرين، وأن يتحلوا بالصبر والمغفرة، وألا يكونوا عنيدين أو أنانيين عندما تطرأ الأمور، وأن يتعلموا أن يكونوا لطفاء ومتناغمين في تعاملهم مع الآخرين؛ فإذا واجهوا أشخاصًا أشرارًا أو سيئين يحاولون إيذاءهم، يجب أن يتعلموا الانسحاب بدلًا من معالجة الموقف بالمواجهة والعنف. يجب على الوالدين تجنب زرع بذور أو أفكار الميول العنيفة في عقول أطفالهم الصغار. يجب أن يوضحوا لهم أن العنف ليس من الأمور التي يحبها الآباء، وأن الأطفال الذين يميلون إلى العنف ليسوا أطفالًا صالحين. إذا كان لدى الناس ميول عنيفة، فقد يتحولوا في نهاية المطاف إلى ارتكاب الجرائم ويواجهوا الزجر المجتمعي والعقاب وفقًا للقانون. الأشخاص ذوو الميول العنيفة ليسوا أشخاصًا صالحين، وليسوا أشخاصًا يحظون باحترام المجتمع. ومن ناحية أخرى، يجب على الآباء والأمهات تعليم أطفالهم الاعتماد على أنفسهم. لا ينبغي أن يتوقع الأطفال أن يأتيهم الطعام والملبس، بل يجب أن يتعلموا أن يقوموا بالأشياء بأنفسهم كلما كانوا قادرين أو يعرفون كيف يفعلونها، وتجنب عقلية الكسل المستمرة. يجب على الآباء والأمهات توجيه أطفالهم بطرق مختلفة لفهم هذه الأمور الإيجابية والصحيحة. وبالطبع، عندما يرى الوالدان أشياء سلبية تحدث أو تنشأ، يجب عليهم ببساطة أن يخبروا أطفالهم أن هذا السلوك ليس جيدًا، وأن هذا ليس من شيم الأطفال الصالحين، وأنهم هم أنفسهم لا يحبون مثل هذا السلوك، وأن الأطفال الذين يفعلون ذلك قد يواجهون عقوبة قانونية والجزاء والقصاص في المستقبل. باختصار، يجب على الآباء والأمهات أن ينقلوا لأبنائهم المبادئ الأساسية والأكثر بساطة لكيفية التصرف والسلوك. على أقل تقدير، يجب أن يتعلم الصغار، وهم لم يبلغوا سن الرشد بعد، ممارسة التمييز، والتفريق بين الخير والشر، ومعرفة الأفعال التي تحدد الشخص الصالح مقابل الشخص السيئ، وما هي الأشياء التي تدل على سلوك الشخص الصالح، والأفعال التي تعتبر شريرة وتدل على سلوك الشخص السيئ. هذه هي الأشياء الأساسية التي يجب أن يتعلموها. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يفهم الأطفال أن بعض السلوكيات محتقرة من الآخرين، مثل السرقة أو أخذ ممتلكات الآخرين دون إذن، واستخدام ممتلكاتهم دون موافقة، ونشر الإشاعات، وزرع الفتنة بين الناس. هذه الأفعال وما شابهها كلها تدل على سلوك شخص سيئ، وهي أمور سلبية ولا ترضي الله. وعندما يكبر الأطفال قليلًا، يجب تعليمهم ألا يكونوا عنيدين في أي شيء يفعلونه، وألا يفقدوا الاهتمام بسرعة، وألا يكونوا متهورين أو متسرعين. يجب أن يفكروا في عواقب أي عمل قد يقومون به، وإذا علموا أن هذه العواقب قد تكون غير مواتية أو كارثية، فعليهم أن يكفوا أيديهم، وألا يسمحوا للمكاسب أو الرغبات أن تتحكم في عقولهم. يجب على الآباء والأمهات أيضًا تعليم أطفالهم بشأن الكلمات والأفعال النمطية للأشخاص السيئين، وتزويدهم بفهم أساسي للأشخاص السيئين والمعايير التي يمكن قياسهم عليها. يجب أن يتعلموا ألا يثقوا في الغرباء أو وعودهم بسهولة كبيرة، وألا يقبلوا الأشياء من الغرباء دون حذر. يجب تعليمهم كل هذه الأشياء، لأن العالم والمجتمع شريرين ومليئين بالمكائد. لا ينبغي أن يضع الأطفال ثقتهم في أي شخص بسهولة، وينبغي تعليمهم أن يميزوا الأشرار والسيئين، وأن يحذروا من الأشرار ويبتعدوا عنهم، حتى يتجنبوا الوقوع في فخهم أو الانخداع بهم. يجب على الآباء والأمهات أن يرشدوا أطفالهم ويوجهوهم بمنظور إيجابي خلال سنوات تكوينهم فيما يتعلق بهذه الدروس الأساسية. من ناحية، ينبغي عليهم أن يسعوا جاهدين لضمان أن ينمو أطفالهم ليكونوا بصحة جيدة وأقوياء أثناء تنشئتهم، ومن ناحية أخرى، ينبغي عليهم تعزيز النمو العقلي السليم لأطفالهم. ما هي علامات العقل السليم؟ هي أن يكون لدى الشخص المنظور الصحيح للحياة ويمكنه أن يسلك الطريق الصحيح. حتى وإن لم يؤمن بالله، لا يزال يتجنب اتباع الاتجاهات الشريرة خلال سنوات تكوينه. وإذا لاحظ الآباء والأمهات أي انحراف لدى أبنائهم، فعليهم أن يسارعوا إلى مراجعة سلوكهم وتقويمه، وتوجيه أبنائهم التوجيه الصحيح. على سبيل المثال، إذا تعرض الأبناء في سنواتهم الأولى لأمور معينة تحدث بوصفها جزءًا من الاتجاهات الشريرة أو بعض الحجج أو الأفكار والآراء الخاطئة في سنواتهم الأولى، فقد يتبعونها أو يقلدونها إن لم يكن لديهم تمييز. يجب على الوالدين اكتشاف هذه الأمور في وقت مبكر وتقديم التصحيح الفوري والتوجيه الدقيق. هذه مسؤوليتهم أيضًا. الهدف باختصار هو ضمان أن يكون لدى الأطفال اتجاه أساسي وإيجابي وصحيح للنمو في أفكارهم، وتصرفاتهم، ومعاملتهم للآخرين، وإدراكهم لمختلف الأشخاص والأحداث والأشياء، حتى يتطوروا في اتجاه بنّاء وليس في اتجاه شرير. على سبيل المثال، غالبًا ما يقول غير المؤمنين: "الحياة والموت مُقدَّران مسبقًا، والمال والشرف مُقدَّران من السماء". إن مقدار المعاناة والمتعة التي يجب أن يختبرها الإنسان في الحياة مقدر مسبقًا من الله ولا يمكن لبشر تغييره. من ناحية، يجب على الآباء والأمهات أن يطلعوا أبناءهم على هذه الحقائق الموضوعية، ومن ناحية أخرى، أن يعلموهم أن الحياة ليست مجرد احتياجات جسدية فقط، وبالتأكيد ليست متعة. هناك أشياء أكثر أهمية للناس في هذه الحياة من الأكل والشرب والسعي وراء الترفيه؛ يجب أن يؤمنوا بالله، ويسعوا إلى الحق، ويسعوا إلى تخليص الله لهم. إذا كان الناس يعيشون فقط من أجل المتعة والأكل والشرب والسعي وراء متعة الجسد، فهم مثل الموتى الأحياء، وحياتهم لا قيمة لها على الإطلاق. إنهم لا ينتجون أي قيمة إيجابية أو ذات معنى، ولا يستحقون أن يعيشوا أو حتى أن يكونوا بشرًا. حتى لو كان الطفل لا يؤمن بالله، فعلى الأقل فليكن شخصًا صالحًا وشخصًا يقوم بواجبه الصحيح. بالطبع، إذا اختاره الله وكان على استعداد للمشاركة في الحياة الكنسية والقيام بواجبه الخاص عندما يكبر، فهذا أفضل. إذا كان أولادهم هكذا، فعلى الآباء والأمهات أن يقوموا بمسؤولياتهم تجاه أولادهم القاصرين استنادًا بشكل أكبر إلى المبادئ التي أوصى الله بها الناس. إذا كنت لا تعرف ما إذا كانوا سيؤمنون بالله أو إن كان الله سيختارهم، فعلى الأقل يجب عليك الوفاء بمسؤولياتك تجاه أطفالك خلال سنوات تكوينهم. وحتى لو كنت لا تعرف هذه الأشياء أو كنت غير قادر على فهمها، فينبغي عليك مع ذلك القيام بهذه المسؤوليات. يجب أن تبذل قصارى جهدك للقيام بما يتوجب عليك من التزامات ومسؤوليات، ومشاركة ما تعرفه من أفكار إيجابية وأشياء إيجابية مع أطفالك. على أقل تقدير، تأكد من أن نموهم الروحي يسير في اتجاه بنّاء، وأن عقولهم نظيفة وسليمة. لا تجعلهم يتعلمون كل أنواع المهارات والمعارف منذ الصغر في إطار توقعاتك وتربيتك أو حتى قهرك. بل والأخطر من ذلك أن بعض الآباء والأمهات يرافقون أبناءهم عند مشاركتهم في عروض المواهب المختلفة والمسابقات الأكاديمية أو الرياضية، ويتابعون كل أنواع التوجهات الاجتماعية ويذهبون إلى المناسبات مثل جلسات الاستماع الصحفية والتوقيعات والجلسات الدراسية، وحضور ما يشاءون من مسابقات وخطابات القبول في حفلات توزيع الجوائز وغيرها. كآباء، على أقل تقدير يجب ألا يسمحوا لأبنائهم باتباع خطاهم بالقيام بهذه الأشياء بأنفسهم. إذا أحضر الوالدان أطفالهما إلى مثل هذه الأنشطة، فمن الواضح من ناحية أنهما لم يفيا بمسؤولياتهما كوالدين؛ ومن ناحية أخرى، فإنهما يقودان أطفالهما علانية إلى طريق اللاعودة، ويعيقان نموهم العقلي البنّاء. إلى أين قاد هؤلاء الآباء أطفالهم؟ لقد قادوهم إلى اتجاهات شريرة. هذا شيء لا ينبغي أن يفعله الآباء. وعلاوة على ذلك، فيما يتعلق بالمسارات المستقبلية التي سيسلكها أبناؤهم والمهن التي سيسعون إليها، يجب على الآباء ألا يغرسوا أشياء مثل: "انظروا إلى فلان، إنه عازف بيانو بدأ العزف على البيانو في سن الرابعة أو الخامسة. لم ينغمس في اللعب، ولم يكن لديه أصدقاء أو ألعاب، وكان يتدرب على عزف البيانو كل يوم. كان والداه يرافقانه إلى دروس البيانو، واستشاروا العديد من المعلمين، وأشركوه في مسابقات البيانو. انظروا إلى ما هو عليه الآن من شهرة؛ فهو الآن يأكل جيدًا، ويرتدي ملابس أنيقة، وتحيطه هالة من النور ويحظى بالاحترام أينما ذهب". هل هذا هو نوع التعليم الذي يعزز النمو الصحي لعقل الطفل؟ (لا، ليس كذلك). أي نوع من التعليم هو إذن؟ إنه تعليم الشيطان. هذا النوع من التعليم يضر بعقل أي صغير. إنه يشجعه على التطلع إلى الشهرة، والطمع في مختلف هالات الشهرة والأوسمة والمناصب والمتع. إنه يجعله يتوق إلى هذه الأشياء ويسعى وراءها منذ صغره، ويدفعه إلى القلق والتخوف الشديد، بل ويجعله يدفع كل ثمن للحصول عليها، فيستيقظ مبكرًا ويعمل لوقت متأخر لمراجعة واجباته المدرسية ودراسة المهارات المختلفة، ويضيع سنوات طفولته، ويستبدل تلك السنوات الثمينة بهذه الأشياء. وفيما يتعلق بما تروج له الاتجاهات الشريرة، فإن الأطفال دون السن القانونية لا يملكون القدرة على مقاومتها أو تمييزها. لذا، يجب على الآباء والأمهات باعتبارهم أوصياء على أبنائهم القاصرين الوفاء بهذه المسؤولية من خلال مساعدتهم على تمييز وجهات النظر المختلفة التي تأتي من الاتجاهات الشريرة في العالم وكل الأشياء السلبية ومقاومتها. يجب عليهم توفير التوجيه والتعليم الإيجابيين. بالطبع، لكل شخص تطلعاته الخاصة، وقد يظل بعض الأطفال الصغار يرغبون في بعض المساعي المعينة حتى لو لم يشجعهم آباؤهم عليها. دعهم يتمنون ما يريدون، وعلى الوالدين الوفاء بمسؤولياتهما. وبصفتك أب أو أم، يقع على عاتقك التزام ومسؤولية تنظيم أفكار أطفالك وتوجيههم في اتجاه إيجابي وبنّاء. أما من جهة اختيارهم أن يستمعوا إليك أو إذا ما أرادوا أن يتصرفوا وفقًا لتعاليمك عندما يكبرون، فهذا خيارهم الشخصي، الذي لا يمكنك التدخل فيه أو التحكم فيه. باختصار، تقع على عاتق الوالدين خلال سنوات تكوين أطفالهم مسؤولية والتزام بغرس مختلف الأفكار ووجهات النظر وأهداف الحياة الصحية والسليمة والإيجابية في عقول أبنائهم. هذه هي مسؤولية الوالدين.
يقول بعض الآباء: "لا أعرف حتى كيف أعلّم أبنائي. لقد كنت مشوشًا منذ كنت طفلًا، أفعل كل ما يأمرني به والداي دون أن أميز بين الصواب والخطأ. وحتى الآن، لا زلت لا أعرف كيف أعلّم الأطفال". لا تقلق بشأن عدم المعرفة؛ فهذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا. الأسوأ هو عندما تعرف بالفعل، ولكنك لا تطبق على أرض الواقع، وتظل تعلم أولادك فقط من أجل التفوق، وتقول: "لم أعد بارعًا، ولكنني أريد أن يتفوق أولادي عليَّ. إن الجيل الأصغر سنًا ينعمون بخير من هم أكبر منهم سنًا، ويجب أن يتفوقوا عليهم. أنا أشغل حاليًا منصب رئيس قسم؛ لذلك يجب أن يكون ابني عمدة أو محافظًا أو حتى يرتقي إلى مستويات حكومية أعلى أو يصبح رئيسًا". ليست هناك حاجة إلى قول أي شيء آخر لمثل هؤلاء الناس. نحن لا نتعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص. المسؤولية الأبوية التي نتحدث عنها هي مسؤولية إيجابية واستباقية وتتعلق بالحق. للباحثين عن الحق، إذا كنت ترغب في الوفاء بمسؤوليتك تجاه أطفالك، ولكنك غير متأكد من كيفية الوفاء بهذه المسؤولية، فابدأ بالتعلم من البداية؛ الأمر سهل. تعليم الكبار ليس بالأمر السهل، لكن تعليم الأطفال سهل، أليس كذلك؟ تعلّم وعلّم في الوقت نفسه، وعلّم ما تعلمته للتو. أليس هذا سهلًا؟ تعليم أطفالك سهل. والأفضل من ذلك أن تفي بمسؤوليتك فيما يتعلق بصحة أطفالك الذهنية. حتى لو لم تتمكن من القيام بذلك على أكمل وجه، فهو أفضل من عدم تعليمهم على الإطلاق. الأطفال صغار وسذج، فإذا تركتهم يستقون معلوماتهم من التلفاز ومختلف المصادر، ويسعون إلى ما يحلو لهم، ويفكرون ويتصرفون كما يحلو لهم دون تعليم أو تنظيم، فأنت لم تؤد مسؤوليتك كأب أو أم. لقد أخفقت في واجبك، ولم تضطلع بمسؤوليتك والتزامك. إذا كان على الآباء والأمهات أن يفوا بمسؤوليتهم تجاه أبنائهم، فلا يمكن أن يكونوا سلبيين، بل عليهم أن ينشطوا في دراسة بعض المعارف والتعلم، التي يمكن أن تساعد في رعاية الصحة الذهنية لأبنائهم أو بعض المبادئ الأساسية المتعلقة بالحق، منذ البداية. هذه كلها أمور ينبغي على الوالدين القيام بها: إنها تسمى الوفاء بالمسؤولية. وبالطبع، لن يكون تعلمك عبثًا. فخلال عملية التعلم وتعليم أطفالك، ستربح أنت أيضًا شيئًا ما. لأنه أثناء تعليمك لأطفالك كيف ينمون صحتهم الذهنية في اتجاه بنّاء، ستتصل حتمًا كشخص راشد ببعض الأفكار الإيجابية وتتعرف عليها. وعندما تقارب هذه الأفكار أو المبادئ والمعايير الإيجابية الخاصة بالسلوك والتصرف بدقة وجدية، ستربح دون وعي شيئًا ما؛ لن يذهب الأمر هباءً. إن الوفاء بمسؤوليتك تجاه أبنائك ليس أمرًا تقوم به من أجل الآخرين، بل ينبغي أن تقوم به بسبب علاقتك العاطفية بهم وصلة الدم. حتى لو تصرف أطفالك أو سلكوا بطريقة لا تلبي توقعاتك بعد قيامك بذلك، فعلى الأقل ستكون قد ربحت شيئًا ما. أنت تعرف ما يعنيه تعليم أطفالك والوفاء بمسؤوليتك تجاههم. لقد أوفيت بمسؤوليتك بالفعل. أما بالنسبة إلى المسارات التي سيختار أبناؤك اتباعها فيما بعد، وكيف سيختارون أن يتصرفوا، والأقدار التي تنتظرهم في الحياة، فهذا لم يعد من شأنك. عندما يصلون إلى مرحلة الرشد، لا يسعك إلا أن تقف متفرجًا وتراقب كيف تتكشف حياتهم وقدرهم. لم يعد لديك التزام أو مسؤولية للمشاركة. إذا لم تقدم لهم الإرشاد والتعليم والحدود في أمور معينة عندما كانوا قاصرين في الوقت المناسب، فقد تندم على ذلك عندما يقولون أو يفعلون أشياء غير متوقعة أو يظهرون أفكارًا وسلوكيات لم تتوقعها عندما يكبرون. على سبيل المثال، عندما كانوا صغارًا، كنتِ تقوم بتعليمهم باستمرار، قائلًا: "ادرسوا بجد، التحقوا بالكلية، اسعوا إلى الدراسات العليا أو الدكتوراه، اعثروا على وظيفة جيدة، اعثروا على شريك جيد للزواج وتكوين أسرة، وبعد ذلك ستكون الحياة جيدة". من خلال تعليمك وتشجيعك ومختلف صور الضغط، عاشوا واتبعوا المسار الذي حددته لهم وحققوا ما كنت تتوقعه كما تمنيت، والآن هم غير قادرين على العودة إلى الوراء. إذا كنت قد فهمت بعض الحقائق ومقاصد الله بسبب إيمانك، وبعد أن اكتسبت أفكارًا ووجهات نظر صحيحة، تحاول الآن أن تخبرهم ألا يسعوا وراء هذه الأشياء بعد الآن، فمن المحتمل أن يردوا عليك قائلين: "ألست أفعل ما أردته تمامًا؟ ألم تعلمني هذه الأشياء عندما كنت صغيرًا؟ ألم تطلب مني هذا؟ لماذا تمنعني الآن؟ هل ما أفعله خطأ؟ لقد حققت هذه الأشياء وأنا قادر على الاستمتاع بها الآن؛ ينبغي أن تشعر بالسعادة والرضا والفخر بي، أليس كذلك؟". كيف ستشعر عند سماع هذا؟ هل ينبغي أن تكون سعيدًا أم باكيًا؟ ألن تشعر بالندم؟ (بلى). لا يمكنك استعادتهم الآن. إذا لم تكن قد علَّمتهم بهذه الطريقة عندما كانوا صغارًا، إذا كنت قد منحتهم طفولة سعيدة دون أي ضغط، دون أن تعلمهم أن يكونوا متفوقين على البقية، أو أن يتقلدوا منصبًا رفيعًا أو يجنوا الكثير من المال، أو أن يسعوا وراء الشهرة والربح والمكانة، لو كنت قد تركتهم لمجرد أن يكونوا صالحين، أناسًا عاديين، دون أن تطلب منهم أن يكسبوا الكثير من المال، أو أن يستمتعوا بالكثير، أو أن يعيدوا إليك الكثير، ولا تطلب منهم سوى أن يكونوا أصحاء وسعداء، أن يكونوا أفرادًا بسطاء وسعداء، فربما كانوا سيتقبلون بعض الأفكار ووجهات النظر التي أصبحت تحملها بعد الإيمان بالله. حينئذ، ربما كانت حياتهم ستكون سعيدة الآن، مع ضغط أقل من الحياة والمجتمع. وعلى الرغم من أنهم لم يربحوا الشهرة والمكسب، كانت قلوبهم على الأقل ستشعر بالسعادة، والهدوء، والسلام. لكن خلال سنوات نموهم، وبسبب تحريضك وحثك المتكرر، وتحت ضغطك، سعوا بلا هوادة وراء المعرفة، والمال، والشهرة، والربح. وفي نهاية الأمر، اكتسبوا الشهرة والربح والمكانة، وتحسنت حياتهم، واستمتعوا بالمزيد، وكسبوا المزيد من المال، لكن حياتهم مرهقة. في كل مرة تراهم فيها، ترتسم على وجوههم نظرة متعبة. ولا يجرؤون على خلع أقنعتهم والاعتراف بأنهم متعبون ويريدون الراحة إلا عندما يعودون إلى المنزل، ويعودون إليك. ولكن بمجرد أن يخرجوا من المنزل، لا يعودون كما كانوا، بل يرتدون القناع مرة أخرى. تنظر إلى تعابير وجوههم المتعبة والمثيرة للشفقة، وترثي لحالهم، لكنك لا تقوى على جعلهم يتراجعون. لم يعد هذا بإمكانهم. كيف حدث هذا؟ ألا يتعلق الأمر بتربيتك لهم؟ (بلى). لم يكن أي من هذا شيئًا عرفوه بشكل طبيعي أو سعوا إليه منذ صغرهم؛ فله علاقة أكيدة بتربيتك لهم. ألا تشعر بالضيق عندما ترى وجوههم، وعندما ترى حياتهم في هذه الحالة؟ (بلى). لكنك عاجز؛ كل ما تبقى هو الأسف والحزن. قد تشعر أن الشيطان استولى تمامًا على ابنك، وأنه غير قادر على العودة، وليس لديكِ أي قوة لإنقاذه. هذا لأنك لم تفي بمسؤوليتك كوالد. أنت الذي أضررت به، أنت الذي ضللته بتعليمك وتوجيهك الأيديولوجي المعيب. لا يمكنه العودة أبدًا، وفي النهاية لا يبقى لك سوى الندم. أنت تنظر بلا حول ولا قوة بينما يعاني ابنك الذي أفسده هذا المجتمع الشرير، وأرهقته ضغوط الحياة، وليس لديك أي وسيلة لمساعدته. كل ما يمكنك قوله هو: "تعال إلى المنزل كثيرًا، وسأطبخ لك شيئًا لذيذًا". ما هي المشكلات التي يمكن لوجبة طعام أن تحلها؟ لا يمكن أن تحل أي شيء. لقد نضجت أفكاره وتبلورت بالفعل، وهو ليس على استعداد للتخلي عن الشهرة والمكانة التي حققها. لا يمكنه سوى المضي قدمًا وعدم العودة إلى الوراء أبدًا. هذه هي النتيجة الخبيثة لتوجيه الآباء والأمهات التوجيه الخاطئ وغرس الأفكار الخاطئة في أبنائهم خلال سنوات تكوينهم. لذا، يجب على الآباء والأمهات خلال هذه السنوات أن يوفوا بمسؤوليتهم ويوجهوا الصحة الذهنية لأبنائهم ويوجهوا أفكارهم وأفعالهم في اتجاه بنّاء. هذه مسألة في غاية الأهمية. قد تقول: "أنا لا أعرف الكثير عن تعليم الأطفال"، ولكن ألا يمكنك حتى الوفاء بمسؤوليتك؟ إذا كنت تفهم حقًا العالم وهذا المجتمع، وإذا كنت تدرك حقًا ما هي الشهرة والربح، وإذا كنت تستطيع حقًا التخلي عن الشهرة الدنيوية والربح، فينبغي عليك حماية أطفالك وعدم السماح لهم بتقبل هذه الأفكار الخاطئة من المجتمع بسرعة كبيرة خلال سنوات تكوينهم. على سبيل المثال، عندما يدخل بعض الأطفال المرحلة الإعدادية، يبدؤون في ملاحظة أشياء مثل الأصول التي يمتلكها أحد أباطرة الأعمال التجارية التي تساوي مليارات الدولارات، ونوع السيارات الفارهة التي يمتلكها أغنى شخص في المنطقة، والمنصب الذي يشغله شخص آخر، ومقدار ما لديه من أموال، وعدد السيارات التي يوقفها أمام منزله، وأنواع الأشياء التي يستمتع بها. تبدأ عقولهم في التساؤل: "أنا في المرحلة الإعدادية الآن. ماذا لو لم أجد وظيفة جيدة بعد الجامعة؟ بدون وظيفة، ماذا سأفعل إذا لم أستطع شراء قصر وسيارات فارهة؟ كيف يمكنني أن أصبح استثنائيًا بدون مال؟ يبدأ في القلق والحسد لأولئك الذين يتمتعون بالوجاهة في المجتمع والذين يعيشون حياة البذخ والترف. وعندما يصبح الأطفال على دراية بهذه الأمور، يبدؤون في تلقي مختلف المعلومات والأحداث والظواهر من المجتمع، ويبدؤون في عقولهم الصغيرة في الشعور بالضغط والقلق، القلق على مستقبلهم والتخطيط له. في مثل هذه الحالة، ألا يجب على الآباء والأمهات أن يفوا بمسؤوليتهم ويوفروا لهم الراحة والتوجيه، ويساعدوهم على فهم كيفية النظر إلى هذه الأمور والتعامل معها بشكل صحيح؟ عليهم أن يحرصوا على ألا ينشغل أطفالهم بهذه الأمور منذ صغرهم، حتى يتمكنوا من تكوين وجهة النظر الصحيحة تجاهها. أخبرني، كيف يجب على الآباء والأمهات التعامل مع هذه الأمور مع أطفالهم؟ ألا يتعرض الأطفال في الوقت الحاضر للعديد من جوانب المجتمع في سن مبكرة جدًا؟ (بلى). ألا يعرف الأطفال الكثير هذه الأيام عن المطربين، ونجوم السينما، ونجوم الرياضة، وكذلك مشاهير الإنترنت، وأباطرة الأعمال، والأثرياء، وأصحاب الملايين؛ كم يكسبون من المال، وماذا يرتدون، وما الذي يستمتعون به، وكم عدد السيارات الفارهة التي يمتلكونها، وما إلى ذلك؟ (بلى). لذلك، يجب على الآباء والأمهات في هذا المجتمع المعقد أن يفوا بمسؤوليتهم الأبوية، وأن يحموا أطفالهم ويوفروا لهم عقلًا سليمًا. عندما يصبح الأطفال على دراية بهذه الأمور أو يسمعون أي معلومات غير صحية ويتلقونها، ينبغي على الآباء والأمهات تعليمهم تنمية الأفكار ووجهات النظر الصحيحة حتى يتمكنوا من الابتعاد عن هذه الأمور في الوقت المناسب. على أقل تقدير، يجب على الوالدين أن يلقنوهم تعليمًا بسيطًا: "أنت لا تزال صغيرًا، وفي سنك هذه، مسؤوليتك هي أن تستذكر دروسك جيدًا وتتعلم ما تحتاج إلى تعلمه. لست بحاجة إلى التفكير في أشياء أخرى؛ أما كم ستكسب من المال أو ما ستشتريه، فلا يجب أن تهتم بهذه الأمور؛ فهي أمور لما بعد أن تكبر. في الوقت الراهن، ركز على أداء واجباتك المدرسية، وإنجاز الواجبات التي يكلفك بها معلموك، وتدبير أمور حياتك الخاصة. لست بحاجة إلى التفكير كثيرًا في أي شيء آخر. لن يكون قد فات الأوان للتفكير في هذه الأمور بعد دخولك إلى المجتمع والاحتكاك بها. الأمور التي تحدث الآن في المجتمع تخص الكبار. أنت لست راشدًا، لذا لا ينبغي لك أن تفكر فيها أو تشارك فيها. ركز الآن على أداء واجباتك المدرسية بشكل جيد، واستمع إلى ما نقوله لك. نحن كبار ونعرف أكثر منك، لذا ينبغي أن تستمع إلينا وإلى كل ما نقوله. إذا تعلمت عن تلك الأمور في المجتمع، واتبعتها وقلدتها، فلن يكون ذلك مفيدًا لدراستك وواجباتك المدرسية؛ فقد يؤثر ذلك على تعليمك. أما نوع الشخص الذي ستصبحه فيما بعد أو نوع المهنة التي ستحصل عليها، فهذه أمور يجب التفكير فيها لاحقًا. أما الآن، فمهمتك هي الاهتمام بدراستك. إذا لم تتفوّق في دراستك، فلن تنجح في تعليمك، ولن تكون طفلًا صالحًا. لا تفكر في الأمور الأخرى؛ فهي ليست ذات صلة بك. عندما تكبر، ستفهم هذه الأمور". أليس هذا أهم تعليم يجب أن يفهمه الناس؟ (بلى). فليعلم الأطفال هذا: "مهمتك الآن هي الاستذكار، وليس الأكل والشرب واللهو. إذا لم تستذكر، ستضيع وقتك وتهمل تعليمك. الأمور في المجتمع المتعلقة بالأكل والشرب والسعي وراء اللهو وأمور أخرى متنوعة كلها أمور تخص الكبار. يجب ألا ينخرط أولئك الذين لم يبلغوا سن الرشد بعد في تلك الأنشطة". هل هذه الكلمات سهلة القبول بالنسبة إلى الأطفال؟ (نعم). أنت لا تحرمهم من حقهم في معرفة هذه الأمور أو الشعور بالحسد تجاهها. في الوقت نفسه، أنت تشير إلى ما ينبغي عليهم القيام به. هل هذه طريقة جيدة لتعليم الأطفال؟ (نعم). هل هي طريقة بسيطة؟ (نعم). يجب على الآباء والأمهات أن يتعلموا أن يفعلوا ذلك، وأن يدرسوا بقدر ما يستطيعون كيفية تربية أولادهم القاصرين ورعايتهم حسب قدرتهم، وظروفهم، ومستوى قدراتهم، وعليهم أن يفوا بمسؤوليتهم تجاههم، وأن يقوموا بكل ذلك على قدر استطاعتهم. لا توجد معايير صارمة أو جامدة لهذا الأمر؛ فهو يختلف من شخص لآخر. تختلف الظروف العائلية لكل شخص عن الآخر، ويختلف مستوى قدرات كل شخص عن غيره. لذلك، عندما يتعلق الأمر بالوفاء بمسؤولية تعليم الأبناء، فلكل شخص طريقته الخاصة. ينبغي عليك القيام بكل ما هو فعال، وما يحقق النتائج المرجوة. ينبغي أن تتكيف مع شخصية أطفالك وعمرهم وجنسهم: قد يحتاج البعض إلى المزيد من الصرامة، بينما قد يحتاج البعض الآخر إلى أسلوب ألطف. قد يستفيد البعض من أسلوب أكثر تطلبًا، بينما قد يزدهر البعض الآخر في بيئة مريحة. ينبغي على الآباء تعديل أساليبهم بناءً على حالة أطفالهم الفردية. وعلى أي حال، فإن الهدف الأسمى هو ضمان صحتهم الذهنية وتوجيههم توجيهًا بنّاءً في أفكارهم ومعايير تصرفاتهم. لا تفرض أي شيء قد يتنافى مع الإنسانية، أو أي شيء يتعارض مع قوانين النمو الطبيعي أو يتجاوز ما يستطيعون تحقيقه في مرحلتهم العمرية الحالية أو حجم مستوى قدراتهم. عندما يتمكن الوالدان من القيام بكل هذا، سيكونان قد أتما مسؤوليتهما بالفعل. هل هذا صعب التحقيق؟ إنها ليست مسألة معقدة.
تنطوي توقعات الوالدين لأبنائهم على جانبين: الجانب الأول يتعلق بالتوقعات خلال السنوات التي يتشكل فيها أبناؤهم، والجانب الآخر يتعلق بالتوقعات عندما يصبح أبناؤهم راشدين. تطرقت شركتنا بإيجاز في المرة الماضية إلى التوقعات عندما يصبح الأبناء راشدين. ماذا تناولت شركتنا؟ (يا الله، في المرة الماضية عقدنا شركة حول توقعات الآباء والأمهات بأن يحظى أبناؤهم الراشدون ببيئة عمل سلسة وزواج سعيد ومُرضٍ ومستقبل مهني ناجح). هذا تقريباً ما عقدنا حوله شركة. بعد أن يربي الآباء أبناءهم حتى سن الرشد، يصبح الأبناء راشدين، ويواجهون ظروفًا تتعلق بالعمل والمستقبل المهني والزواج والأسرة والعيش بمفردهم، بل وتربية أبناءهم. يتركون آبائهم وأمهاتهم ويستقلون بأنفسهم، ويواجهون كل مشكلة قد تواجههم في الحياة بمفردهم. لم يعد الآباء والأمهات يتحملون مسؤولية رعاية صحة أبنائهم الجسدية أو المشاركة المباشرة في حياتهم وعملهم وزواجهم وأسرهم وما إلى ذلك، لأن أطفالهم قد كبروا الآن. وبالطبع، بسبب الروابط العاطفية والعائلية، يمكن للوالدين تقديم الرعاية السطحية أو إسداء النصيحة من حين لآخر أو تقديم بعض الاقتراحات أو المساعدة من منطلق شخص ذي خبرة أو تقديم الرعاية اللازمة بشكل مؤقت. وباختصار، بمجرد أن يصبح الأطفال راشدين، يكون الوالدان قد تمما في الغالب مسؤولياتهما تجاه الأبناء. لذلك، فإن بعض التوقعات التي قد تكون لدى الوالدين بخصوص أبنائهم الراشدين، على الأقل من وجهة نظري، غير ضرورية. لماذا هي غير ضرورية؟ لأنه، أيًا كان ما يتوقع الآباء من الأبناء أن يصبحوا عليه، أو نوع الزواج أو الأسرة أو العمل أو المهنة التي يتوقعونها لهم، أو ما إذا كانوا سيصبحون أغنياء أو فقراء، أو أيًا كانت توقعات الآباء، فهذه ليست أكثر من توقعات، وحياة أولادهم كراشدين في النهاية في أيديهم. بالطبع، من حيث الأساس، فإن قدر حياة ابنهم أو ابنتهم بأكملها، وسواء كانوا أغنياء أو فقراء، كل ذلك هو أمر مقدّر من الله. لا تقع على الوالدين أي مسؤولية أو التزام بالإشراف على هذه الأمور، ولا يحق لهما التدخل. ومن ثم، فإن توقعات الوالدين هي مجرد نوع من التمنيات الحسنة القائمة على عواطفهم. لا يرغب أي أب أو أم في أن يكون ابنهما فقيرًا، أو غير متزوج، أو مطلقًا، أو أن تكون أسرته مفككة، أو أن يعاني من صعوبات في العمل. لا أحد منهم يتوقع هذه الأمور لأبنه؛ فهم بلا شك يتوقعون الأفضل لأبنائهم. ومع ذلك، إذا تعارضت توقعات الآباء مع واقع حياة أبنائهم، أو إذا تعارض هذا الواقع مع توقعاتهم، فكيف ينبغي أن يتعاملوا مع هذا الأمر؟ هذا ما نحتاج إلى أن نعقد حوله شركة. عندما يتعلق الأمر بالموقف الذي يجب أن يتبناه الوالدان تجاه أبنائهم الراشدين، بخلاف مباركتهم في صمت وتوقعاتهم الجيدة لهم، مهما كان نوع المعيشة التي يعيشها الأبناء، أو نوع قدرهم أو حياتهم، لا يسع الوالدان سوى أن يتركا الأمر يحدث. لا يمكن لأي أب أو أم تغيير أي من هذا، ولا يمكنهم التحكم فيه. على الرغم من أنك أنجبت أولادك وربيتهم، كما ناقشنا من قبل، فالآباء ليسوا سادة أقدار أولادهم. فالآباء والأمهات ينجبون أطفالهم بالجسد ويربونهم حتى الرشد، ولكن من جهة كيف سيكون قدر الأبناء، فهذا ليس شيئًا يمنحه الوالدان أو يختارانه، وبالتأكيد لا يقرره الوالدان. أنت تتمنى لأبنائك أن يكونوا ناجحين، ولكن هل تضمن هذه الأمنية لهم ذلك؟ أنت لا ترجو لهم أن يصادفوا سوء الطالع وسوء الحظ وكل أنواع الأحداث المؤسفة، ولكن هل هذا يعني أنهم سيتمكنون من تجنبها؟ مهما واجه أبناؤك، فإن أيًا من هذه الأمور لا يخضع لإرادة البشر، ولا يتحدد أي منها حسب احتياجاتك أو توقعاتك. إذن، بماذا يخبرك هذا؟ بما أن الصغار قد أصبحوا راشدين وقادرين على الاعتناء بأنفسهم، وأن تكون لديهم أفكار وآراء مستقلة عن الأشياء، ومبادئ عن كيفية التصرف، ونظرة إلى الحياة، ولم يعودوا خاضعين لتأثير والديهم، أو سيطرتهما أو تقييدهما أو إدارتهما، فهم راشدون حقًا. ماذا يعني أنهم أصبحوا راشدين؟ يعني أن على والديهم التخلي عنهم. ويسمى هذا في اللغة المكتوبة "التخلي"، مما يسمح للأبناء بالاستكشاف بشكل مستقل واتخاذ مسارهم الخاص في الحياة. ماذا نقول في اللغة المنطوقة؟ "تنح جانبًا". وبعبارة أخرى، يجب على الآباء التوقف عن إعطاء الأوامر لأبنائهم الراشدين، وقول أشياء مثل: "ينبغي أن تبحث عن هذه الوظيفة، ينبغي أن تعمل في هذا المجال. لا تفعل ذلك، فهو محفوف بالمخاطر!". هل من اللائق أن يأمر الآباء أبنائهم الراشدين؟ (لا، ليس من اللائق). إنهم يرغبون دائمًا في إبقاء حياة أبنائهم الراشدين وعملهم وزواجهم وأسرتهم تحت سيطرتهم وضمن نطاق رؤيتهم، فيشعرون بالتوتر والاضطراب والخوف والقلق إذا لم يعلموا بأمر ما أو لم يستطيعوا السيطرة عليه، قائلين: "ماذا لو لم يدرس ابني هذا الأمر بعناية؟ هل يمكن أن يقع في مشكلة قانونية؟ ليس لدي المال الكافي لدعوى قضائية! إذا تمت مقاضاته ولم يكن هناك مال، هل يمكن أن ينتهي به الأمر في السجن؟ إذا دخل السجن، هل يمكن أن يتهمه الأشرار زورًا، ويُسجن لمدة ثماني أو عشر سنوات؟ هل ستهجره زوجته؟ من سيعتني بالأطفال؟". كلما زاد تفكيرهم في الأمر، زاد قلقهم. "عمل ابنتي لا يسير على ما يرام: الناس يسيئون معاملتها دائمًا، ورئيسها في العمل لا يحسن معاملتها كذلك. ماذا يمكننا أن نفعل؟ هل ينبغي أن نجد لها وظيفة أخرى؟ هل نستخدم بعض النفوذ ونجري بعض الاتصالات وننفق بعض المال ونحصل لها على وظيفة في دائرة حكومية، حيث يمكنها أن تحمل عبئًا خفيفًا كل يوم كموظفة حكومية؟ على الرغم من أن الراتب ليس مرتفعًا، فعلى الأقل لن يُساء معاملتها. لم نكن نستطيع أن نحمل أنفسنا على ضربها عندما كانت صغيرة وكنا ندللها كأميرة، أما الآن فهي تتعرض لسوء المعاملة من الآخرين. ماذا ينبغي أن نفعل؟ إنهما يقلقان إلى درجة أنهما لا يستطيعان الأكل أو النوم، وتتقرح أفواههما من القلق. وكلما واجه أطفالهما أي شيء يشعران بالقلق ويأخذان الأمر على محمل الجد، ويريدان أن يتدخلا في كل شيء، والتواجد في كل موقف. عندما يمرض أطفالهما أو يواجهان بعض الصعوبات، يشعران بالألم والبؤس ويقولان: "أريدك أن تكون بخير. لماذا لست بخير؟ أريد أن يسير كل شيء بسلاسة لك، أريد أن يسير كل شيء كما تتمنى، وكما خططت له. أريدك أن تستمتع بالنجاح، لا أن يحالفك الحظ السيئ، أو أن تُغشّ، أو أن يتم تلفيق تهمة لك وتواجه مشكلات قانونية!". بعض الأبناء يأخذون رهنًا عقاريًا على منزل، وقد يستمر الرهن العقاري لمدة ثلاثين أو حتى خمسين عامًا. يبدأ آباؤهم في القلق: "متى سيتم سداد كل هذه القروض؟ ألن يصبح هكذا عبدًا للديون؟ لم يكن جيلنا بحاجة إلى رهن عقاري لشراء منزل. كنا نعيش في شقق توفرها شركات وندفع بضعة دولارات كإيجار كل شهر. كان وضعنا المعيشي مريحًا للغاية. في الوقت الحاضر، الأمر صعب حقًا بالنسبة إلى هؤلاء الشباب؛ الأمر ليس سهلاً عليهم، فهم مضطرون إلى الحصول على رهن عقاري، وعلى الرغم من أنهم يعيشون حياة جيدة، إلا أنهم يعملون بجد كل يوم – إنهم مُرهقون! فغالبًا ما يسهرون لوقت متأخر ليعملوا ساعات إضافية، ومواعيد أكلهم ونومهم غير منتظمة، ودائمًا ما يتناولون الوجبات الجاهزة. تعاني معدتهم وكذلك صحتهم. يجب أن أطبخ لهم وأنظف منزلهم. وعليّ أن أرتب لهم المنزل لأنهم لا يملكون الوقت – فحياتهم في فوضى عارمة. أنا سيدة عجوز الآن وعظامي بالية، ولا يمكنني فعل الكثير، لذا سأصبح خادمتهم. إذا استأجروا خادمة حقيقية، فسيتعين عليهم إنفاق المال، وقد لا تكون جديرة بالثقة. لذا، سأكون خادمتهم مجاناً". وهكذا تصبح خادمة تنظف منزل أبنائها كل يوم، وترتب البيت، وتطبخ عندما يحين وقت الطعام، وتشتري الخضروات والحبوب، وتتحمل مسؤوليات لا حصر لها. تنتقل من كونها والدة إلى خادمة عجوز، شغالة. عندما يعود أبناؤها إلى المنزل وهم في مزاج سيئ، عليها أن تراقب تعبيرات وجوههم وتتحدث بحذر حتى يسترد أبناؤها سعادتهم، وعندها فقط يمكنها أن تكون سعيدة. تسعد عندما يكون أبناؤها سعداء، وتقلق عندما يكون أبناؤها قلقين. هل هذه طريقة قيّمة للعيش؟ إنها لا تختلف عن فقدان الذات.
هل من الممكن أن يتحمل الآباء والأمهات تكلفة أقدار أبنائهم؟ الأبناء على استعداد لتحمل أي مشاق تعترض طريقهم من أجل السعي وراء الشهرة والربح والملذات الدنيوية. علاوة على ذلك، هل من المقبول بالنسبة إليهم كراشدين أن يواجهوا أي مشاق ضرورية لبقائهم على قيد الحياة؟ بقدر ما يستمتعون بقدر ما يجب أن يكونوا مستعدين أيضًا للمعاناة، فهذا أمر طبيعي. لقد تمم آباؤهم مسؤولياتهم، فلا ينبغي أن يتحملوا الفاتورة أيًا كان ما يريد الأبناء الاستمتاع به. مهما كان مدى جودة الحياة التي يريد الآباء لأبنائهم أن يحظوا بها، إذا أراد الأبناء الاستمتاع بالأشياء الطيبة، فعليهم أن يتحملوا هم أنفسهم كل الضغوط والمعاناة، وليس الآباء. لذلك، إذا كان الآباء يريدون دائمًا أن يفعلوا كل شيء من أجل أبنائهم ويتحملوا تكلفة مشاقهم، ويصبحون عبيدًا لهم عن طيب خاطر، أليس هذا إفراطًا؟ إنه غير ضروري لأنه يتجاوز ما يجب أن يُنتظر من الوالدين القيام به. والسبب الرئيسي الآخر هو أنه مهما كان ما تفعله من أجل أولادك أو مقداره، لا يمكنك تغيير قدرهم أو التخفيف من معاناتهم. كل شخص يحاول أن يعيش في المجتمع، سواء سعى إلى الشهرة والمكسب أو سلك الطريق الصحيح في الحياة، يجب عليه كراشد أن يتحمل المسؤولية عن رغباته ومُثُله العليا، ويجب أن يدفع ثمنها بنفسه. لا ينبغي لأحد أن يتحمل أي شيء نيابة عنه؛ حتى والديه، ومن أنجباه وربياه، والأشخاص الأقرب إليه، ليسوا ملزمين بدفع تكاليفه أو مشاركته في معاناته. لا يختلف الآباء في هذا الصدد لأنهم لا يستطيعون تغيير أي شيء. ولذلك، فإن أي شيء تفعله من أجل أولادك هو عبث. ولأنه عبث، يجب أن تتخلى عن هذا المسلك. على الرغم من أن الوالدين قد يكونان كبيرين في السن وقد أتما بالفعل مسؤولياتهما والتزاماتهما تجاه أولادهما، وعلى الرغم من أن أي شيء يفعله الوالدان لا أهمية له في نظر أولادهما، إلا أنه لا يزال عليهما أن يكون لهما كرامتهما الخاصة، ومساعيهما الخاصة، وإرساليتهما الخاصة التي يجب أن ينجزاها. يجب عليك بصفتك شخصًا يؤمن بالله ويسعى للحق والخلاص أن تنفق ما تبقى لك من طاقة ووقت في حياتك في أداء واجبك وفي كل ما استأمنك الله عليه، ولا يجب أن تنفق أي وقت على أولادك. حياتك ليست ملكًا لأولادك، ولا ينبغي أن تستهلكها من أجل حياتهم أو بقائهم، ولا في إرضاء توقعاتك منهم. يجب بدلاً من ذلك أن تكون مكرسة للواجب والمهمة التي ائتمنك الله عليها، وكذلك الإرسالية التي يجب أن تؤديها ككائن مخلوق. هنا تكمن قيمة حياتك ومعناها. إذا كنت على استعداد لأن تفقد كرامتك وتصبح عبدًا لأبنائك وتقلق عليهم وتفعل أي شيء من أجلهم، من أجل إرضاء توقعاتك منهم، فكل هذا لا معنى له وخالٍ من القيمة، ولن يُذكر. إذا أصررت على ذلك ولم تتخلَّ عن هذه الأفكار والأفعال، فهذا لا يعني سوى أنك لست شخصًا يسعى إلى الحق، وأنك لست كائنًا مخلوقًا مؤهلًا، وأنك متمرد تمامًا. أنت لا تعتز بالحياة ولا بالوقت الذي منحك الله إياه. إذا كانت حياتك وأوقاتك تُنفقان فقط من أجل جسدك وعواطفك، وليس من أجل الواجب الذي أعطاك الله إياه، فإن حياتك غير ضرورية وخالية من القيمة. أنت لا تستحق أن تعيش، أنت لا تستحق أن تستمتع بالحياة التي أعطاك الله إياها، ولا تستحق أن تستمتع بكل ما أعطاك الله إياه. لقد منحك الله الأطفال لتستمتع بعملية تربيتهم فحسب، ولتكتسب خبرة الحياة والمعرفة منها كأب أو أم، ولتسمح لك بتجربة شيء مميز وغير عادي في الحياة البشرية، ثم لتسمح لذريتك بالتكاثر.... وبالطبع، هو أيضًا الوفاء بمسؤولية الكائن المخلوق كأب أو أم. إنها المسؤولية التي أوجب الله عليك تتميمها تجاه الجيل القادم، وكذلك الدور الذي تقومون به كآباء وأمهات للجيل القادم. إنه من ناحية لتخوضوا هذه العملية الاستثنائية لتربية الأبناء، ومن ناحية أخرى، لتلعبوا دورًا في تكاثر الجيل القادم. بمجرد أن يتم هذا الالتزام، ويكبر أطفالك ويصبحوا راشدين، سواء أصبحوا ناجحين للغاية أو ظلوا أفرادًا عاديين وبسطاء، فلا علاقة لك بهذا، لأنك لست من يحدد مصيرهم، ولا هو من اختيارك، وأنت بالتأكيد لم تعطهم إياه – بل هو مقدّر من الله. وبما أنه مُقدَّر من الله، يجب ألا تتدخل أو تحشر أنفك في حياتهم أو في بقائهم. إن عاداتهم، وروتينهم اليومي، وموقفهم من الحياة، وأيًا كانت استراتيجيات البقاء التي لديهم، وأيًا كانت نظرتهم للحياة، وأيًا كان موقفهم من العالم – هي خياراتهم الخاصة، وهي ليست من شأنك. أنت لست ملزمًا بتصحيحها أو تحمل أي معاناة نيابة عنهم لضمان سعادتهم كل يوم. كل هذه الأمور غير ضرورية. إن قدر كل شخص يحدده الله؛ لذا، فإن مقدار النعمة أو المعاناة التي يختبرها في الحياة، ونوع الأسرة والزواج والأطفال، والتجارب التي يمر بها في المجتمع، والأحداث التي يمر بها في الحياة، لا يستطيع هو نفسه التنبؤ بها أو تغييرها، ولا يملك الوالدان بالأكثر قدرة على تغييرها. لذلك، إذا واجه الأطفال أي صعوبات، يجب على الوالدين المساعدة بشكل إيجابي واستباقي إذا كانت لديهم القدرة على القيام بذلك. وإذا لم تكن لديهم القدرة، فمن الأفضل للآباء والأمهات الاسترخاء والنظر إلى هذه الأمور من منظور الكائنات المخلوقة، ومعاملة أبنائهم على قدم المساواة بصفتهم كائنات مخلوقة. فالمعاناة التي تختبرها أنت يجب أن يختبروها هم أيضًا؛ والحياة التي تعيشها أنت يجب أن يعيشوها هم أيضًا؛ والعملية التي مررت بها في تربية الأطفال الصغار، سيمرون بها أيضًا؛ والتقلبات والمنعطفات والغش والخداع التي اختبرتها في المجتمع وبين الناس، والتشابكات العاطفية والصراعات بين الأشخاص، وكل شيء مماثل مررت به، سيمرون به أيضًا. إنهم جميعهم بشر فاسدون مثلك، وجميعهم تجرفهم تيارات الشر، ويفسدهم الشيطان؛ لا يمكنك الهروب من ذلك، ولا هم أيضًا. ولذلك، فإن الرغبة في مساعدتهم على تجنب كل المعاناة والتمتع بكل النعم في العالم هو وهم سخيف وفكرة حمقاء. مهما اتسعت أجنحة النسر، لا يمكنها أن تحمي النسر الصغير طوال حياته. سيصل النسر الصغير في النهاية إلى مرحلة يجب أن يكبر فيها ويطير بمفرده. عندما يختار النسر الصغير أن يطير بمفرده، لا أحد يعرف أين ستكون السماء الممتدة أمامه، أو أين سيختار الطيران. ولذلك، فإن الموقف الأكثر عقلانية للآباء والأمهات بعد أن يكبر أبنائهم هو أن يتخلوا عنهم، وأن يتركوهم يختبرون الحياة بمفردهم، وأن يتركوهم يعيشون مستقلين، ويواجهون مختلف التحديات في الحياة ويتعاملون معها ويحلونها بشكل مستقل. إذا طلبوا المساعدة منك وكانت لديك القدرة والظروف للقيام بذلك، فبالطبع يمكنك مد يد العون وتقديم المساعدة اللازمة. ومع ذلك، فإن الشرط الأساسي هو أنه مهما كانت المساعدة التي تقدمها أنت سواء كانت مساعدة مالية أو نفسية، فإنها ستكون مؤقتة فقط ولا يمكنها تغيير أي مشكلات جوهرية. يجب عليهم أن يشقوا طريقهم في الحياة بأنفسهم، ولست ملزمًا بتحمل أي من شؤونهم أو تبعاتهم. هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه الآباء تجاه أبنائهم الراشدين.
بعد أن فهمنا الموقف الذي ينبغي أن يتخذه الآباء تجاه أبنائهم الراشدين، هل ينبغي على الآباء أيضًا أن يتخلوا عن توقعاتهم تجاه أبنائهم الراشدين؟ بعض الآباء الجهلاء لا يستطيعون استيعاب الحياة أو القدر، ولا يدركون سيادة الله، ويميلون إلى القيام بأشياء تتسم بالجهل عندما يتعلق الأمر بأبنائهم. على سبيل المثال، بعد أن يصبح أبناؤهم مستقلين، قد يواجهون بعض المواقف الخاصة أو المصاعب أو الحوادث الكبيرة؛ فبعضهم يواجهون الأمراض، وبعضهم يتورطون في دعاوى قضائية، وبعضهم يُطلَّقون، وبعضهم يُخدعون ويُحتال عليهم، وبعضهم يُختطفون أو يتعرضون للأذى أو يُضربون ضربًا مبرحًا أو يواجهون الموت. بل أن هناك بعض من يسقطون فريسة لتعاطي المخدرات، وما إلى ذلك. ماذا يجب أن يفعل الآباء في هذه المواقف الخاصة والمهمة؟ ما هو رد الفعل النموذجي لمعظم الآباء والأمهات؟ هل يفعلون ما يجب أن يفعلوه ككائنات مخلوقة لها هوية الأب والأم؟ نادرًا ما يسمع الآباء والأمهات مثل هذه الأخبار ويتفاعلون معها كما لو كان الأمر قد حدث لشخص غريب. معظم الآباء والأمهات يسهرون طوال الليل حتى يشيب شعرهم، ويجافيهم النوم الليلة تلو الليلة، وتنعدم شهيتهم أثناء اليوم، ويمعنون في التفكير، بل إن بعضهم يبكون بمرارة حتى تحمر عيونهم وتجف دموعهم. إنهم يصلون بحرارة إلى الله، لكي يراعي الله إيمانهم ويحمي أولادهم ويُنعم عليهم ويباركهم ويرحمهم وينقذ حياتهم. تنكشف كآباء في مثل هذا الموقف نقاط ضعفهم وضعفاتهم ومشاعرهم البشرية تجاه أبنائهم. ما الذي ينكشف أيضًا؟ تمردهم على الله. إنهم يتضرعون إلى الله ويصلون إليه، متوسلين إليه أن يحفظ أولادهم من المصائب. حتى لو حدثت كارثة، فإنهم يصلون من أجل ألا يموت أولادهم، وأن ينجوا من الخطر، وألا يتعرضوا للأذى من الأشرار، وألا تزداد أمراضهم وطأة بل تتحسن، وهكذا. ما الذي يصلون من أجله حقًا؟ (يا الله، إنهم بهذه الصلوات يفرضون مطالب على الله، يشوبها بعض التذمر). من ناحية، هم غير راضين تمامًا عن محنة أولادهم، ويشتكون من أنه ما كان ينبغي أن يسمح الله بحدوث مثل هذه الأشياء لأولادهم. يمتزج عدم رضاهم بالشكوى، ويطلبون من الله أن يعدل عن رأيه، وألا يتصرف هكذا، وأن ينجي أولادهم من الخطر، ويحفظهم في أمان، ويشفي أمراضهم، ويساعدهم على الهروب من الدعاوى القضائية، ويجنبهم المصائب عند حدوثها، وهكذا، وباختصار، أن يجعل كل شيء يسير على ما يرام. بالصلاة على هذا النحو، فهم من ناحية يشتكون إلى الله، ومن ناحية أخرى يطلبون منه بعض المطالب. أليس هذا مظهرًا من مظاهر التمرد؟ (بلى). إنهم يقولون ضمنيًا إن ما يفعله الله ليس صحيحًا أو صالحًا، وإنه ينبغي ألا يتصرف هكذا. ولأن هؤلاء هم أبناؤهم وهم مؤمنون، فهم يعتقدون أن الله لا ينبغي أن يسمح بحدوث مثل هذه الأشياء لأبنائهم. أطفالهم مختلفون عن الآخرين، ويجب أن يحصلوا على بركات تفضيلية من الله. يجب أن يبارك الله أطفالهم بسبب إيمانهم بالله، وإن لم يفعل، فإنهم يتضايقون ويبكون ويصابون بنوبة غضب ولا يعودوا يريدون أن يتبعوا الله. وإذا مات طفلهم، يشعرون بأنهم لا يستطيعون الاستمرار في الحياة أيضًا. هل هذا هو الشعور الذي يفكرون فيه؟ (نعم). أليس هذا شكل من أشكال الاحتجاج على الله؟ (إنه كذلك). هذا احتجاج على الله. إنه مثل الكلاب التي تطالب بإطعامها في وقت الطعام، وتنتابها نوبة غضب إذا تأخر ولو قليلاً. يمسكون الوعاء في أفواههم ويضربون به الأرض – أليس هذا غير عقلاني؟ (بلى). في بعض الأحيان، إذا أعطيتها اللحم لبضعة أيام متتالية ولكن تفوّت يومًا واحدًا دون لحم، فقد تقوم الكلاب في مزاجها الحيواني بإلقاء طعامها على الأرض، أو تأخذ الوعاء في فمها وتضرب به الأرض، وتخبرك أنها تريد أن تُعطى اللحم، وأن اللحم هو ما تعتقد أنه يجب أن تعطيها إياه، وأنه من غير المقبول عدم إعطائها اللحم. يمكن أن يكون الناس غير عقلانيين بنفس القدر. عندما يواجه أبنائهم مشكلات، فإنهم يشتكون إلى الله ويطلبون منه ويحتجون عليه. أليس هذا هو سلوك الحيوانات بشكل أو بآخر؟ (بلى). الحيوانات لا تفهم الحق أو ما يسمى بتعاليم الناس ومشاعرهم الإنسانية. عندما يُصابون بنوبات غضب أو يتصرفون بعنف، فهذا أمر مفهوم إلى حد ما. ولكن عندما يحتج الناس على الله بهذه الطريقة، فهل يتصرفون بعقلانية؟ هل يمكن مسامحتهم؟ إذا تصرَّفت الحيوانات بهذه الطريقة، فقد يقول الناس: "هذا الصغير حاد المزاج. إنه يعرف حتى كيف يحتج؛ هذا منتهى الذكاء. أعتقد أننا ينبغي ألا نستهين به". فيجدون الأمر مسليًا، ويعتقدون أن هذا الحيوان بعيد كل البعد عن البساطة. لذا، عندما يصاب حيوان بنوبة غضب، فإن الناس ينظرون إليه نظرة أكثر تقديرًا. إذا احتج شخص ما على الله، فهل ينبغي أن ينظر إليه الله بنفس النظرة ويقول: "هذا الشخص يأتي بمثل هذه المطالب، فهو بعيد كل البعد عن البساطة!". هل سيحترمك الله بهذا الشكل؟ (كلا). إذن، كيف يعرّف الله هذا السلوك؟ أليس هذا تمردًا؟ (إنه كذلك). ألا يعرف الناس الذين يؤمنون بالله أن هذا السلوك خاطئ؟ ألم يمضِ عهد "إيمان شخص واحد بالرب يجلب البركة للعائلة بأكملها" منذ زمنٍ طويل؟ (بلى، لقد مضى). إذن لماذا لا يزال الناس يصومون ويصلون هكذا، ويتضرعون إلى الله بلا خجل أن يحفظ أطفالهم ويباركهم؟ لماذا لا يزالون يتجرؤون على الاحتجاج والتضرع إلى الله قائلين: "إذا لم تفعل هكذا، سأستمر في الصلاة؛ وسأصوم!". ماذا يعني الصوم؟ إنه يعني الإضراب عن الطعام، أو بمعنى آخر التصرف بلا خجل والدخول في نوبة غضب. عندما يتصرف الناس بلا خجل تجاه الآخرين، قد يدبون بأرجلهم قائلين: "أوه، لقد رحل طفلي؛ لا أريد أن أعيش بعد الآن، لا أستطيع الاستمرار!". إنهم لا يفعلون هذا عندما يقفون أمام الله؛ بل يتحدثون بلطف شديد قائلين: "يا الله، أتوسل إليك أن تحمي طفلي وتشفي مرضه. يا الله، أنت أعظم طبيب يخلّص الناس – أنت قادر على كل شيء. أتوسل إليك أن ترعاه وتحميه. روحك موجود في كل مكان، أنت بارّ، أنت إله رحيم بالناس. أنت ترعاهم وتعزهم". ما المقصود بهذا؟ لا شيء مما يقولونه خاطئ، ولكن ليس هذا هو الوقت المناسب لقول مثل هذه الأشياء. المعنى الضمني هو أنه إذا لم يحفظ الله طفلك ويحميه، وإذا لم يحقق رغباتك، فهو ليس إلهًا محبًا، وهو خالٍ من المحبة، وليس إلهًا رحيمًا، وليس إلهًا. أليس هذا هو الحال؟ أليس هذا تصرُّفًا وقحًا؟ (بلى). هل الناس الذين يتصرَّفون بلا حياءٍ يكرِّمون الله على أنه عظيم؟ هل لديهم قلوب تتقي الله؟ (كلا). الناس الذين يتصرَّفون بلا خجل هم كالأوغاد تمامًا – إنهم يفتقرون إلى قلوب تتقي الله. إنهم يتجرؤون على المجادلة والاحتجاج على الله، بل ويتصرفون بطريقة غير عقلانية. أليس هذا مثل البحث عن الموت؟ (بلى). لماذا أولادك مميزون للغاية؟ عندما يرتب الله مصير شخص آخر أو يتحكم فيه، فأنت تعتقد أنه لا بأس بذلك طالما لا يمت لك بصلة. لكنك تعتقد أنه لا ينبغي أن يكون قادرًا على التحكم في مصير أولادك؟ في نظر الله البشرية كلها تحت سيادة الله، ولا يمكن لأحد أن يفلت من سيادة الله والترتيبات التي من وضع يديه. لماذا ينبغي أن يكون أولادك استثناءً؟ إن سيادة الله مُقدَّرة ومخطَّط لها منه. هل يجوز لك أن ترغب في تغييرها؟ (كلا، لا يجوز). لذلك، يجب ألا يفعل الناس أشياء حمقاء أو غير عقلانية. كل ما يفعله الله يستند إلى أسباب وآثار من الحيوات السابقة – فما علاقة ذلك بك؟ إذا قاومت سيادة الله، فأنت تبحث عن الموت. إذا كنت لا تريد أن يختبر أولادك هذه الأشياء، فهذا نابع من مودتك، وليس من العدل أو الرحمة أو الرأفة – إنه فقط بسبب تأثير مودتك. المودة هي واجهة الأنانية. هذه المودة التي لديك لا تستحق التباهي بها؛ فأنت لا تستطيع حتى أن تبررها لنفسك، ومع ذلك لا تزال ترغب في استخدامها لابتزاز الله. البعض حتى يقولون: "ابني مريض، وإذا مات، فلن أستمر في الحياة!". هل تملك حقاً الجرأة على الموت؟ جرب أن تموت إذن! هل إيمان هؤلاء الناس حقيقي؟ هل ستتوقف حقًا عن الإيمان بالله إذا مات ابنك؟ ما الذي يمكن أن يغيره موته؟ إذا لم تؤمن بالله، فلن تتغير هويته ولا مكانته. سيظل الله هو الله. إنه ليس الله لأنك تؤمن به، ولن يتوقف عن كونه الله بسبب عدم إيمانك به. حتى لو لم تؤمن البشرية كلها بالله، ستبقى هوية الله وجوهره دون تغيير. ستبقى مكانته دون تغيير. سيظل دائمًا هو صاحب السيادة على مصير البشرية جمعاء وعلى العالم الكوني. لا علاقة للأمر بما إذا كنت تؤمن أو لا تؤمن. إذا آمنت، فسينعم عليك، وإذا لم تؤمن فلن تتاح لك فرصة الخلاص، ولن تناله. أنت تحب أولادك وتحميهم، وتكن لهم المودة، ولا يمكنك التخلي عنهم، ولذلك لا تسمح لله بعمل أي شيء. هل هذا منطقي؟ هل يتماشى هذا مع الحق أو مع الأخلاق أو مع الإنسانية؟ إنه لا يتماشى مع أي شيء، ولا حتى مع الأخلاق، أليس هذا صحيحًا؟ أنت لا تعتز بأطفالك، أنت تحميهم – أنت تحت تأثير عاطفتك. أنت حتى تقول إنه إن مات طفلك، فلن تواصل الحياة. بما أنك غير مسؤول تجاه حياتك ولا تعتز بالحياة التي وهبك الله إياها، إذا أردت أن تعيش من أجل أولادك، فامض قدمًا ومت معهم. إن أصابهم مرض ما، فيجب أن تصاب سريعًا بعدوى المرض نفسه وتموتان معًا؛ أو ابحث عن حبل لتشنق نفسك، ألن يكون ذلك سهلاً؟ بعد أن تموت، هل ستكون أنت وأولادك من النوع نفسه؟ هل ستظل بينكما العلاقة الجسدية نفسها؟ هل ستظل لديكما المودة ذاتها تجاه أحدكما الآخر؟ عندما تعود إلى العالم الآخر، ستتغير. أليس هذا ما سيكون عليه الأمر؟ (بلى). عندما ينظر الناس إلى الأشياء بأعينهم ويحكمون على ما إذا كانت جيدة أو سيئة، أو ما طبيعتها، علام يعتمدون؟ يعتمدون على أفكارهم. بمجرد النظر إلى الأشياء بأعينهم، لا يمكنهم رؤية ما وراء العالم المادي؛ لا يمكنهم رؤية العالم الروحي. في أي شيء سيفكر الناس في أذهانهم؟ "في هذا العالم، من أنجباني وربياني هما الأقرب والأعز إليّ في هذا العالم. أنا أيضًا أحب من أنجباني وربياني. وبغض النظر عن الزمان، فإن طفلي هو الأقرب إليّ دائمًا، وأنا أعتز دائمًا بطفلي أكثر من سواه". هذا هو حجم المشهد الذهني والأفق الذهني لديهم؛ هذا هو مدى "اتساع" المشهد الذهني لديهم. هل هذا قول أحمق أم لا؟ (إنه أحمق). أليس طفوليًا؟ (إنه طفولي). طفولي جدًا! لا يرتبط بك أولادك في هذه الحياة سوى بالدم؛ ماذا عن حياتهم الماضية، كيف كانوا يرتبطون بك آنذاك؟ أين سيذهبون بعد أن يموتوا؟ بمجرد أن يموتوا، يلفظ جسدهم أنفاسه الأخيرة، وتخرج روحهم، ويودعونك تمامًا. لن يتعرفوا عليك بعد الآن، ولن يبقوا حتى لثانية واحدة، سيعودون ببساطة إلى العالم الآخر. عندما يعودون إلى ذلك العالم الآخر، تبكي، وتفتقدهم وتشعر بالبؤس والعذاب، وتقول: "لقد رحل ولدي، ولن أتمكن من رؤيته مرة أخرى أبدًا!". هل يملك الشخص الميت أي وعي؟ ليس لديه أي وعي بك، ولا يفتقدك على الإطلاق. بمجرد أن تغادر روحه جسده، يصبح على الفور طرفًا ثالثًا، ولا تربطه بك أي علاقة بعد الآن. كيف ينظر إليك؟ يقول: "تلك السيدة العجوز، ذلك الرجل العجوز – على من يبكيان؟ إنهما يبكيان على جثة. أشعر أنني انفصلت للتو عن ذلك الجسد: لم أعد ثقيلًا جدًّا الآن، ولم أعد أشعر بألم المرض – لقد تحررت". هذا ما يشعر به. بعد أن يموت ويغادر جسده، يستمر في الوجود في العالم الآخر، ويظهر في شكل مختلف، ولا يعود له أي علاقة بك. أنت تبكي وتشتاق إليه هنا، وتتألم من أجله، لكنه لا يشعر بأي شيء، ولا يعرف شيئًا. بعد سنوات عديدة، وبسبب المصير أو المصادفة، قد يصبح زميلك في العمل، أو أبن بلدك، أو قد يعيش بعيدًا عنك. على الرغم من أنكما تعيشان في العالم نفسه، إلا أنكما ستكونان شخصين مختلفين لا صلة بينكما. ربما يدرك بعض الناس أنهم كانوا فلانًا في الحياة السابقة بسبب ظروف خاصة أو بسبب شيء خاص قيل لهم، ومع ذلك لا يشعرون بشيء عندما يرونك، ولا تشعر أنت بشيء عندما تراهم. حتى لو كان ولدك في الحياة السابقة، فأنت لا تشعر حياله بأي شيء الآن – أنت لا تفكر إلا في ولدك المتوفى. وهو أيضاً لا يشعر بأي شيء حيالك: لديه أب وأم وعائلة، وله لقب مختلف – ولا تربطه بك أي صلة. ولكنك ما زلت هناك تفتقده – ما الذي تفتقده؟ أنت لا تفتقد سوى الجسد المادي والاسم الذي كان ذات وقت تربطك به صلة دم؛ إنه مجرد صورة، ظل باقٍ في أفكارك أو عقلك – ليس له قيمة فعلية. لقد تجسد من جديد، وتحول إلى إنسان أو أي كائن حي آخر – ولا تربطه بك صلة. لذلك، عندما يقول بعض الآباء والأمهات: "إذا مات ولدي، فلن أستمر في الحياة كذلك!". – فهذا محض جهل مطبق! لقد وصلت حياته إلى نهايتها، ولكن لماذا يجب عليك التوقف عن الحياة؟ لماذا تتكلم بهذا الاستهتار؟ لقد وصلت حياته إلى نهايتها، وقد انطفأ فتيله، ولديه مهمة أخرى – فما شأنك أنت بهذا الأمر؟ إذا كانت لديك مهمة أخرى، فسيطفئ الله فتيلك أيضًا؛ لكن لم يحدث هذا بعد، لذا عليك الاستمرار في الحياة. إذا أراد الله لك الحياة فلا يمكن أن تموت. سواء تعلق الأمر بالوالدين أو الأولاد أو غيرهم من الأقارب أو الذين تربطك بهم صلة دم في حياتهم، فإن كان الأمر يتعلق بالمودة فينبغي أن يكون لدى الناس النظرة والفهم التاليان: فيما يتعلق بالمودة التي تكون بين الناس، فإن كانت تربطهم صلة دم، فإن الوفاء بالمسؤولية يكفي. وبخلاف تتميم مسؤولياتهم، فإن الناس ليس لديهم التزام ولا قدرة على تغيير أي شيء. ولذلك، فمن غير المسؤول أن يقول الآباء والأمهات: "إذا رحل أبناؤنا، إذا كان علينا كآباء أن ندفن أبناءنا، فلن نستمر في الحياة". إذا دفن الآباء أبنائهم حقًا، فيمكن القول فحسب إن ساعتهم في هذا العالم قد حانت، وكان عليهم أن يرحلوا. لكن آباءهم لا يزالون هنا، لذا يجب أن يستمروا في الحياة بشكل جيد. بالطبع، من الطبيعي أن يفكر الناس وفقًا لإنسانيتهم في أبنائهم، لكن لا ينبغي أن يضيعوا الوقت الذي تبقى لهم في اشتياقهم لأبنائهم المتوفين. هذه حماقة. لذلك عند التعامل مع هذه المسألة، يجب على الإنسان من ناحية أن يتحمّل مسؤولية حياته الخاصة، ومن ناحية أخرى يجب أن يستوعب العلاقات الأسرية استيعابًا كاملًا. إن العلاقة القائمة حقًا بين الناس ليست قائمة على روابط اللحم والدم، ولكنها علاقة بين كائن حي وآخر خلقه الله. لا يقوم هذا النوع من العلاقات على روابط اللحم والدم؛ بل هي بين كائنين حيين مستقلين فحسب. إذا كنتم تفكرون في الأمر من هذه الزاوية، فعليكم كآباء وأمهات عندما يحالف سوء الحظ أطفالكم ويمرضون أو تتعرض حياتهم للخطر، أن تواجهوا هذه الأمور بشكل صحيح. لا ينبغي أن تتخلوا عن الوقت المتبقي لكم، أو الطريق الذي يجب أن تسلكوه، أو المسؤوليات والالتزامات التي يجب أن تتمموها، بسبب مصائب أبنائكم أو وفاتهم – يجب أن تواجهوا هذا الأمر بشكل صحيح. إذا كانت لديكم الأفكار ووجهات النظر الصحيحة واستطعتم رؤية حقيقة هذه الأمور، فستتمكنون من التغلب بسرعة على اليأس والحزن والشوق. ولكن ماذا لو لم تستطيعوا رؤيتها على حقيقتها؟ عندها قد تطاردك لبقية حياتك، حتى يوم مماتك. ومع ذلك، إذا استطعت أن ترى حقيقة هذا الظرف، فسيكون هناك حد لهذا الفصل من حياتك. لن يستمر إلى الأبد، ولن يرافقك في الجزء الأخير من حياتك. إذا كان بإمكانك أن ترى حقيقة هذا، فيمكنك أن تتخلى عن جزء منه، وهو أمر جيد لك. ولكن إذا لم تستطع أن ترى حقيقة الروابط العائلية المشتركة مع أبنائك، فلن تستطيع التخلي عنها، وسيكون هذا أمرًا قاسيًا بالنسبة إليك. لا يخلو أي من الوالدين من المشاعر عند وفاة أبنائهم. عندما يختبر أي من الوالدين الاضطرار إلى دفن أبنائهم، أو عندما يشاهدون أبناءهم في موقف مؤسف، سيقضون بقية حياتهم يفكرون فيهم ويقلقون عليهم، والألم يعتصرهم. لا أحد يستطيع الهروب منه: إنه ندبة وعلامة لا تُمحى من النفس. ليس من السهل على الناس أن يتخلوا عن هذا التعلق العاطفي وهم يعيشون في الجسد، لذلك يعانون من أجله. ومع ذلك، إذا استطعت أن ترى هذا التعلق العاطفي بأبنائك على حقيقته، فسيصبح أقل حدة بكثير. بالطبع، ستعاني بدرجة أقل بكثير؛ فمن المستحيل ألا تعاني على الإطلاق، لكن معاناتك ستقل كثيرًا. إذا لم تستطع أن ترى حقيقته، ستعاني هذا الأمر بقسوة. لو استطعت ذلك، لكان اختبارًا خاصًا سبب لك صدمة عاطفية شديدة، ومنحك تقديرًا وفهمًا أعمق للحياة والروابط العائلية والإنسانية، ولأثرت تجربتك الحياتية. بالطبع، هذا النوع الخاص من الإثراء هو أمر لا يرغب أحد في امتلاكه أو مقابلته. لا أحد يرغب في مواجهته، ولكن إذا طرأ هذا الأمر فعليك أن تتعامل معه بشكل صحيح. لتجنب القسوة على نفسك، ينبغي عليك أن تتخلى عن أفكارك ووجهات نظرك التقليدية والفاسدة والمغلوطة التي كنت تحملها سابقًا. ينبغي أن تواجه روابطك العاطفية وصلات الدم بالطريقة الصحيحة، وأن تنظر إلى وفاة أبنائك بطريقة صحيحة. بمجرد أن تفهم هذا الأمر حقًا، ستتمكن من التخلي عنه تمامًا، ولن يعذبك هذا الأمر بعد ذلك. أنت تفهمني، أليس كذلك؟ (نعم، أفهمك).
يقول البعض: "إن الأولاد هم أصول وهبها الله للوالدين، لذا فهم بمثابة ملكية خاصة للوالدين". هل هذه المقولة صحيحة؟ (لا، ليست صحيحة). يقول بعض الآباء عند سماع ذلك: "هذه مقولة صحيحة. لا شيء آخر يخصنا سوى أولادنا الذين هم من لحمنا ودمنا. إنهم أعز ما نملك". هل هذه المقولة صحيحة؟ (كلا). ما الخطأ فيها؟ يُرجى توضيح تعليلكم. هل من اللائق معاملة الأبناء على أنهم ملكية خاصة للمرء؟ (لا، هذا ليس من اللائق). لماذا ليس من اللائق؟ (لأن الملكية الخاصة تخص الشخص نفسه وليس الآخرين. ومع ذلك، فإن العلاقة بين الأبناء والآباء ليست في الواقع أكثر من علاقة جسدية. تأتي الحياة البشرية من الله، إنها النفحة التي منحها الله. إذا كان ثمة من يعتقد أنه منح أولاده الحياة، فإن وجهة نظره وموقفه غير صحيحين، كما أنه لا يؤمن على الإطلاق بسيادة الله وترتيبه). أليس هذا هو الحال؟ بخلاف العلاقة الجسدية، فإن حياة الأبناء والآباء مستقلة في نظر الله. لا تنتمي أحدهما للأخرى، ولا تربطهما علاقة هرمية، وبالطبع ليس لديهم بالتأكيد علاقة امتلاك لغيرهم أو امتلاك أحد لهم. حياتهم من الله، والله هو صاحب السيادة على أقدراهم. الأمر ببساطة أن الأبناء يولدون من آبائهم، والآباء أكبر من أبنائهم، والأبناء أصغر من آبائهم، ومع ذلك، وبناءً على هذه العلاقة، هذه الظاهرة السطحية، يعتقد الناس أن الأبناء هم من ملحقات الآباء وملكيتهم الخاصة. لا تتناول هذه النظرة الأمر من جذوره، بل تنظر إليه على المستوى السطحي، وعلى مستوى الجسد، وعلى مستوى عواطف الشخص. لذلك، فإن طريقة النظر هذه هي نفسها خاطئة، وهذا المنظور خاطئ. أليس كذلك؟ (بلى). بما أن الأطفال ليسوا ملحقات الأبوين أو ملكية خاصة لهم، بل هم أشخاص مستقلون، ومهما كان شكل التوقعات التي يضعها الآباء لأبنائهم بعد أن يكبروا، يجب أن تظل هذه التوقعات كأفكار في أذهانهم، ولا يمكن أن تتحول إلى واقع. بطبيعة الحال، حتى لو كان لدى الوالدين توقعات لأبنائهم البالغين، فلا ينبغي أن يحاولوا تحقيقها، ولا ينبغي أن يستغلوها لتحقيق وعودهم أو تقديم أي تضحيات أو دفع أي ثمن من أجلهم. إذن، ماذا ينبغي أن يفعل الآباء؟ ينبغي عليهم أن يختاروا التخلي بعد أن يصبح لأبنائهم البالغين حياة مستقلة وقدرة على البقاء على قيد الحياة، فالتخلي هو الطريقة الحقيقية الوحيدة لإظهار الاحترام لهم وتحمل المسؤولية تجاههم. إن الهيمنة الدائمة على أبنائهم أو السيطرة عليهم أو الرغبة في التدخل والمشاركة في حياتهم وبقائهم على قيد الحياة هو سلوك جاهل وعديم الحس من جانب الآباء، وهي طريقة طفولية في القيام بالأمور. مهما علت التوقعات التي يضعها الآباء والأمهات لأبنائهم، فإنها لا يمكن أن تغير أي شيء ولا يمكن أن تصبح واقعًا. لذا، إذا كان الآباء والأمهات حكماء فعليهم أن يتخلوا عن كل هذه التوقعات الواقعية أو غير الواقعية، وأن يتبنوا منظورًا وموقفًا صحيحًا يتعاملون من خلاله مع علاقتهم بأبنائهم ويتناولون به كل تصرف يصدر من أبنائهم البالغين أو أي حدث يقع لهم. هذا هو المبدأ. هل هو ملائم؟ (نعم، إنه ملائم). إذا استطعت تحقيقه، فهذا يثبت أنك تقبل هذه الحقائق. أما إذا لم تستطع ذلك، وأصررت على القيام بالأمور على طريقتك الخاصة، متصورًا أن المودة العائلية هي أعظم وأهم شيء في العالم، والأجدر بالاهتمام، وكأنك تستطيع الإشراف على مصير أبناءك والإمساك بأقدارهم بين يديك، فلتتفضل وتجرب ذلك – وانظر ماذا ستكون النتيجة النهائية. وغني عن القول إن الأمر لا يمكن إلا أن ينتهي بهزيمة بائسة، دون نتيجة جيدة.
وبالإضافة إلى وجود هذه التوقعات للأبناء البالغين، فإن الآباء لديهم أيضًا متطلبات لأبنائهم يشترك فيها جميع الآباء في العالم، وهي أنهم يأملون أن يكونوا أبناء بارين بوالديهم وأن يحسنوا معاملة والديهم. بالطبع، لدى بعض المجموعات العرقية والمناطق المحددة متطلبات أكثر تحديداً من أبنائهم. على سبيل المثال، بالإضافة إلى أن يكونوا بارين بوالديهم، يجب عليهم أيضًا أن يعتنوا بوالديهم حتى الموت وترتيب جنازاتهم، وأن يعيشوا مع والديهم بعد بلوغهم سن الرشد، وأن يتحملوا مسؤولية معيشة والديهم. هذا هو الجانب الأخير من توقعات الوالدين تجاه أبنائهم التي سنناقشها الآن؛ أي مطالبة الوالدان بأن يكون الأبناء بارين بهم وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم. أليس هذا هو مقصد جميع الآباء والأمهات الأصلي من إنجاب الأبناء، وكذلك مطلب أساسي من أبنائهم؟ (بلى، هو كذلك). يسأل الآباء أطفالهم وهم لا يزالون صغارًا ولا يفهمون الأمور: "عندما تكبر وتكسب المال، على من ستنفقه؟ هل ستنفقه على أمك وأبيك؟". "نعم". "هل ستنفقه على والدي أبيك؟". "نعم". "هل ستنفقه على والدي أمك؟". "نعم". كم من المال يمكن للابن الواحد أن يكسبه إجمالاً؟ عليه أن يعول والديه، وجديه من جهة الأم ومن جهة الأب، وحتى الأقارب البعيدين. أخبرني، أليس هذا عبء ثقيل على الابن، أليس سيئ الحظ؟ (بلى). على الرغم من أنهم يتحدثون بالطريقة البريئة والساذجة التي يتحدث بها الأطفال، ولا يعرفون ما يقولونه فعليًا، إلا أن هذا يعكس حقيقة معينة، وهي أن الآباء والأمهات يربون أطفالهم لغاية ما، وهذه الغاية ليست نقية ولا بسيطة. عندما يكون الأبناء لا يزالون صغارًا جدًا، يبدأ الوالدان بالفعل في فرض مطالبهم ويمتحنونهم دائمًا، ويسألونهم: "عندما تكبر، هل ستعول أمك وأبيك؟". "نعم". "هل ستعول والديّ أبيك؟". "نعم". "هل ستعول والديّ أمك؟". "نعم". "من تحب أكثر؟". "أحب أمي أكثر". ثم يشعر الأب بالغيرة، "ماذا عن أبيك؟". "أنا أحب أبي أكثر". فتشعر الأم بالغيرة وتسأل، "من حقًا تحب أكثر؟ "أمي وأبي". فيرضى كلا الوالدين. إنهما يجتهدان من أجل أن يكون أطفالهما بارين بأبويهما منذ أن يبدؤوا تعلم الكلام بالكاد، ويأملان أن يحسن أولادهما معاملتهما عندما يكبرون. على الرغم من أن هؤلاء الأطفال الصغار لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بوضوح ولا يفهمون الكثير، إلا أن الآباء لا يزالون يرغبون في سماع وعد في إجابات أطفالهم. وفي الوقت نفسه، يريدون أيضًا أن يروا مستقبلهم في أطفالهم ويأملون ألا يكون الأطفال الذين يربونهم عاقين، بل أطفالًا بارين بهم يتحملون المسؤولية تجاههم، بل وأكثر من ذلك، أن يكونوا قادرين على الاعتماد عليهم، وأن يعولونهم في شيخوختهم. على الرغم من أنهم كانوا يطرحون هذه الأسئلة منذ أن كان أطفالهم صغارًا، إلا أنها ليست أسئلة بسيطة. إنها متطلبات وآمال نابعة كليةً من أعماق قلوب هؤلاء الآباء، متطلبات حقيقية جدًا وآمال حقيقية جدًا. لذا، فبمجرد أن يبدأ الأبناء في فهم الأمور، يأمل الآباء والأمهات أن يظهروا قلقهم عندما يمرض آباؤهم وأمهاتهم وأن يجلسوا بجوار فراش مرضهم ويعتنوا بهم، حتى لو كان ذلك مجرد صب الماء لهم ليشربوا. على الرغم من أنهم لا يستطيعون فعل الكثير، ولا يستطيعون تقديم المساعدة المالية أو المزيد من المساعدة العملية، إلا أنه على الأقل يجب أن يُظهر الأبناء هذا القدر من بر الوالدين. يريد الآباء والأمهات أن يكونوا قادرين على رؤية هذا البر بالوالدين وأبناؤهم ما زالوا صغارًا، والتحقق منه من وقت لآخر. على سبيل المثال، عندما لا يكون الوالدان على ما يرام أو يكونان متعبين من العمل، يتطلعون إلى معرفة ما إذا كان أطفالهم يعرفون أن يحضروا لهم المشروبات أو أحذيتهم أو يغسلوا ملابسهم أو يعدوا لهم وجبة بسيطة، حتى لو كانت مجرد بيض مخفوق مع الأرز، أو يسألون والديهم: "هل أنت متعب؟ إذا كنت متعبًا، دعني أعد لك شيئًا لتأكله". بعض الآباء والأمهات يخرجون في العطلات ويتعمدون عدم العودة في أوقات تناول الوجبات ليعدوا الطعام، فقط ليروا إن كان أولادهم قد كبروا وأصبحوا عاقلين، وإن كانوا يعرفون أن يطبخوا لهم، وإن كانوا يعرفون أن يكونوا بارين ومراعين لهم، وإن كانوا يستطيعون مشاركتهم في مشاقهم، أو إن كانوا قساة القلب ناكري الجميل، وإن كانت تربيتهم لهم بلا طائل. أثناء نشأة الأبناء، وحتى أثناء مرحلة الرشد، يختبرهم آباؤهم باستمرار ويتدخلون في هذا الأمر، وفي الوقت نفسه، يطالبون أبناءهم باستمرار: "لا ينبغي أن تكون عاقًا قاسي القلب. لماذا ربيناك نحن والداك؟ لكي تعتني بنا عندما نكبر في السن. هل ربيناك هباءً؟ لا ينبغي لك أن تتحدانا. لم تكن تربيتك سهلة علينا. كانت عملاً شاقاً. ينبغي أن تكون مراعيًا وتعرف هذه الأمور". خلال ما يسمى بمرحلة التمرد بوجه خاص، أي الانتقال من مرحلة المراهقة إلى مرحلة الرشد، فإن بعض الأطفال لا يكونون عاقلين أو قادرين على التمييز، وغالبًا ما يتحدون آبائهم ويتسببون في المشكلات. يبكي آباؤهم ويثيرون ضجة ويزعجونهم قائلين: "أنت لا تعرف كم عانينا من أجل رعايتك عندما كنت صغيرًا! لم نكن نتوقع أن تكبر لتصبح هكذا، غير بار بوالديك على الإطلاق، جاهلًا بكيفية تقاسم عبء الأعمال المنزلية أو مشاقنا. أنت لا تعرف مدى صعوبة كل هذا علينا. أنت غير بار، أنت كثير التحدي، أنت لست شخصًا صالحًا!". إلى جانب غضبهم على أولادهم بسبب عصيانهم أو سلوكهم المتطرف في دراستهم أو في حياتهم اليومية، هناك سبب آخر لغضبهم وهو أنهم لا يرون مستقبلهم في أولادهم، أو أنهم يرون أن أولادهم لن يكونوا بارين بوالديهم في المستقبل، وأنهم لا يراعون والديهم ولا يشعرون بالأسف عليهم، وأنهم لا يحملون والديهم في قلوبهم، أو بمعنى أدق أنهم لا يعرفون أن يذهبوا ويكونوا بارين بوالديهم. لذا، يرى والداهم أنهما لا يمكنهما أن يضعا آمالهما في مثل هؤلاء الأبناء: قد يكونون جاحدين أو عاقين، فيكسرون قلب والديهم ويشعران أن ما استثمراه وأنفقاه من أموال من أجل أولادهما كان هباءً منثورًا، وأنهما قاما بصفقة فاشلة، ولم تكن تستحق، فيندمون ويشعرون بالحزن والأسى والحسرة، لكنهما غير قادرين على استرداد ما أنفقاه، وكلما عجزا عن استرداد ما أنفقاه، زاد شعورهما بالندم، وزادت رغبتهما في أن يطالبا أولادهما بأن يكونوا بارين بآبائهم، قائلين: "ألا يمكنك أن تكون أكثر برًا بوالديك؟ ألا يمكنك أن تكون أكثر عقلانية؟ ألا يمكننا الاعتماد عليك عندما تكبر؟". على سبيل المثال، هب أن الوالدين يحتاجان إلى المال، ولا يصرحان بذلك، لكن الأبناء يجلبون هذا المال إلى المنزل من أجلهما. هب أن الوالدين يرغبان في تناول اللحم أو أي شيء لذيذ ومغذٍّ، ولا يقولان أي شيء عن ذلك، لكن أولادهما يجلبون لهما هذا الطعام إلى المنزل. هؤلاء الأبناء يراعون آباءهم بشكل خاص – مهما كان مدى انشغالهم بالعمل أو مدى ثقل أعباء أسرهم – فهم دائمًا ما يضعون آباءهم في الاعتبار. عندها سيفكر آباؤهم: "حسنًا، يمكن الاعتماد على ولدي، لقد كبر أخيرًا، كل الطاقة التي أُنفقت في تربيته كانت تستحق العناء، والأموال التي أنفقت عليه كانت تستحق العناء، لقد رأينا عائدًا على استثمارنا". ولكن إذا فعل الأبناء أي شيء أقل مما يتوقعه آباؤهم ولو بقليل، فسيحكمون عليه بناءً على مدى برهم بالوالدين، ويقررون أنهم غير بارين بوالديهم ولا يعتمد عليهم وناكرين للجميل، وأنهم ربوهم عبثًا.
ثمة بعض الآباء والأمهات أيضًا الذين ينشغلون أحيانًا بالعمل أو قضاء بعض المهام، فيعودون إلى المنزل متأخرين قليلًا ليجدوا أن أطفالهم قد أعدوا العشاء دون أن يدخروا شيئًا لهم. لم يصل هؤلاء الصغار إلى هذه السن بعد، وقد لا يفكرون في ذلك الأمر أو قد لا تكون لديهم عادة القيام بذلك، أو قد يفتقر البعض ببساطة إلى تلك الإنسانية، ولا يستطيعون إظهار الاعتبار للآخرين أو الاهتمام بهم. وقد يكونون أيضًا متأثرين بوالديهم، أو قد تكون إنسانيتهم أنانية بطبيعتهم، فيطبخون ويأكلون دون أن يتركوا شيئًا لوالديهم أو أن يصنعوا كميات إضافية من الطعام. عندما يعود الوالدان إلى المنزل ويريان هذا الأمر، يشعران بالضيق والانزعاج. لماذا ينزعجان؟ لأنهما يعتقدان أن أولادهما ليسوا بارين ولا عاقلين، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالأمهات غير المتزوجات: إن رؤية أطفالهن يتصرفون هكذا يجعلهن أكثر انزعاجًا. فيبدؤون في البكاء والصراخ: "هل تظن أنه كان من السهل عليَّ أن أربيك طوال هذه السنوات؟ لقد كنت أبًا وأمًا لك، وربيتك طوال هذا الوقت. أعمل بجد، وعندما أعود للمنزل، لا تطبخ لي حتى وجبة طعام. حتى لو كان مجرد وعاء من العصيدة، حتى لو لم يكن ساخنًا، فستظل لفتة لطيفة للتعبير عن محبتك. كيف لا تفهم ذلك وأنت في هذا العمر؟". إنهم لا يتفهمون ولا يتصرفون بشكل ملائم، ولكن إذا لم يكن لديك هذا التوقع منهم، هل كنت ستغضب إلى هذا الحد؟ هل ستأخذ هذا الأمر على محمل الجد بهذه الطريقة؟ هل كنت ستعتبره معيارًا للبر بالوالدين؟ إذا لم يطبخوا لك، فلا يزال بوسعك أن تطبخي لنفسك. إذا لم يكونوا موجودين، ألن يظل يتعين عليك الاستمرار في الحياة؟ إذا لم يكونوا بارين بكِ، ألم يكن من الأفضل لك لو لم تنجبيه؟ إذا لم يتعلم حقًا كيف يعتز بكِ ويعتني بكِ طوال حياته، فماذا ينبغي لك أن تفعلي؟ هل ينبغي عليك التعامل مع هذا الأمر بشكل صحيح أم تغضبي وتنزعجي وتندمي على ذلك، وأن تكوني دائمًا في خصومة معه؟ ما هو التصرف السليم؟ (أن تتعاملي مع الأمر بشكل صحيح). في كل الأحوال، ما زلت لا تعرفين كيف تتصرفين. في النهاية تقولين للناس: "لا تنجبوا أطفالاً. ستندم على كل طفل أنجبته. لا خير في إنجاب الأطفال ولا في تربيتهم أيضًا، فهم دائمًا ما يكبرون ليصبحوا ناكري الجميل قساة القلب! من الأفضل أن تحسن إلى نفسك وألا تضع آمالك على أي شخص. لا أحد يمكن الاعتماد عليه! يقول الجميع إنه يمكن الاعتماد على الأبناء، ولكن على ماذا يمكنك الاعتماد؟ الأرجح أنه يمكنهم الاعتماد عليك. أنت تحسن معاملتهم بمئات الطرق المختلفة، ولكنهم في المقابل يعتقدون أن معاملتهم لك بالقليل من اللطف هو إحسان كبير منهم، وأن ذلك يعد قيامًا منهم بواجبهم حيالك". هل هذه العبارة خاطئة؟ هل هو نوع من الرأي، نوع من الفكر ووجهة النظر الموجودة في المجتمع؟ (نعم، إنه كذلك). "يقول الجميع إن تربية الأطفال تساعد على إعالتك في سن الشيخوخة. ليس من السهل أن تجعلهم يعدون لك وجبة، ناهيك عن إعالتك في سن الشيخوخة. لا تعتمد على ذلك!". ما هذا الكلام؟ أليس هذا مجرد الكثير من التذمر؟ (بلى، إنه كذلك). كيف يأتي هذا التذمر؟ أليس لأن توقعات الآباء من أبنائهم مرتفعة للغاية؟ لديهم معايير ومتطلبات منهم، ويطالبونهم بأن يكونوا بارين ومراعين ومطيعين لكل كلمة يقولونها بعد أن يكبروا، وأن يفعلوا كل ما يلزم ليكونوا بارين بالوالدين وأن يفعلوا ما يجب على الأبناء فعله. وبمجرد أن تضع هذه المطالب والمعايير يستحيل على أبنائك تلبيتها مهما فعلوا، وستمتلئ بالتذمر والكثير من الشكوى. ومهما فعل أبناؤك، ستندم على إنجابهم، وستشعر أن الخسائر تفوق المكاسب، وأنه لا يوجد عائد على استثمارك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). أليس هذا بسبب أن هدفك في تربية الأطفال خاطئ؟ (بلى). هل إحداث مثل هذه العواقب صواب أم خطأ؟ (إنه خطأ). إن إحداث مثل هذه العواقب خطأ، ومن الواضح أن هدفكم الأول من تربية الأطفال كان خاطئًا أيضًا. تربية الأطفال هي في حد ذاتها مسؤولية وواجب على البشر. لقد كانت في الأصل فطرة بشرية، ثم أصبحت فيما بعد التزامًا ومسؤولية. ليس من الضروري أن يكون الأبناء بارين بوالديهم أو أن يعولوا والديهم في شيخوختهم، وليس الأمر كما لو كان الناس لا ينبغي أن ينجبوا أبناءً إلا إذا كانوا بارين بوالديهم. إن أصل هذا الهدف في حد ذاته غير نقي، لذا فهو يقود الناس في النهاية إلى التعبير عن هذا النوع من الأفكار ووجهة النظر الخاطئة: "يا إلهي، لا تربي الأولاد مهما يكن من أمر". وبما أن الهدف غير نقي، فإن الأفكار ووجهات النظر الناتجة عنه غير صحيحة كذلك. لذا، ألا يجب تصحيحها والتخلي عنها؟ (بلى). كيف يجب التخلي عنها وتصحيحها؟ ما هو نوع الهدف النقي الذي يجب أن يكون لك؟ ما نوع الأفكار ووجهات النظر الصحيحة؟ بعبارة أخرى، ما هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع علاقة المرء بأولاده؟ أولاً وقبل كل شيء، إن تربية الأولاد هي اختيارك، فقد أنجبتهم بإرادتك، ولم يكن لهم دور في ولادتهم. وبخلاف المهمة والمسؤولية التي أوكلها الله للبشر في إنجاب الذرية، وبخلاف ما قدره الله، فإن السبب الذاتي ونقطة البداية بالنسبة لأولئك الذين هم آباء وأمهات هو أنهم كانوا راغبين في إنجاب أطفالهم. إذا كنتم راغبين في إنجاب الأطفال، فعليكم تربيتهم وتنشئتهم حتى يصبحوا راشدين، والسماح لهم بالاستقلال. أنت على استعداد لإنجاب الأطفال، وقد ربحت الكثير من تربيتهم، فقد استفدت كثيرًا. أولاً وقبل كل شيء، لقد استمتعتِ بوقت ممتع في العيش مع أطفالك، واستمتعتِ أيضًا بعملية تربيتهم. على الرغم من أن هذه العملية كانت لها تقلباتها، إلا أنها كانت في الغالب مليئة بسعادة مرافقتك لأطفالك ومرافقتهم لك، وهي عملية ضرورية للإنسانية. لقد استمتعتِ بهذه الأشياء، واكتسبتِ الكثير بالفعل من أطفالك، أليس هذا صحيحًا؟ فالأطفال يجلبون السعادة والرفقة لوالديهم، والآباء والأمهات هم الذين يتسنى لهم مشاهدة هذه الحياة الصغيرة وهي تنمو تدريجياً لتصبح حياة الكبار، من خلال دفع الثمن واستثمار وقتهم وطاقتهم. يبدأ أطفالهم حياتهم جاهلين وصغارًا لا يعرفون أي شيء على الإطلاق، ثم يتعلمون تدريجيًا الكلام، ويكتسبون القدرة على وضع الكلمات معًا، ويتعلمون أنواع المعرفة المختلفة ويفرقون بينها، ويتحدثون ويتواصلون مع والديهم، وينظرون إلى الأمور من منطلق متساوٍ. هذا هو نوع العملية التي يمر بها الآباء والأمهات. لا يمكن بالنسبة إليهم استبدال هذه العملية بأي حدث أو دور آخر. لقد استمتع الآباء والأمهات بالفعل بهذه الأمور واكتسبوها من أبنائهم، وهو ما يمثل راحة ومكافأة كبيرة لهم. في الواقع، فقد اكتسبت بالفعل الكثير من مجرد فعل إنجاب الأطفال وتربيتهم. أما ما إذا كان أولادك سيكونون بارين بك، وما إذا كنت تستطيع الاعتماد عليهم قبل أن تموت، وما يمكنك الحصول عليه منهم، فهذه الأمور تعتمد على ما إذا كان مقدّرًا لكم أن تعيشوا معًا، والأمر متروك لما قدره الله. ومن ناحية أخرى، فإن نوع البيئة التي يعيش فيها أولادك، وظروفهم المعيشية، وما إذا كانت لديهم الظروف التي تمكنهم من رعايتك، وما إذا كانوا مستريحين ماديًا، وما إذا كان لديهم مال إضافي يوفر لك المتعة والمساعدة المادية، يعتمد أيضًا على ما قدره الله. علاوة على ذلك، من الناحية الذاتية كوالدين، ما إذا كان مصيرك هو الاستمتاع بالأشياء المادية أو المال أو الراحة العاطفية التي يمنحك أولادك إياها يعتمد أيضًا على ما قدره الله. أليس كذلك؟ (بلى). هذه ليست أشياء يمكن للبشر التماسها. كما ترى، بعض الأبناء لا يحبهم آباؤهم، ولا يرغب آباؤهم في العيش معهم، لكن الله قد عيّن لهم أن يعيشوا مع آبائهم، لذلك لا يستطيعون السفر بعيدًا أو ترك آبائهم. إنهم عالقون مع والديهم طوال حياتهم – لن تستطيع إبعادهم، حتى لو حاولت. أما بعض الأبناء، من ناحية أخرى، فلديهم آباء وأمهات يرغبون بشدة في أن يكونوا معهم، فهم لا يفترقون عن بعضهم بعضًا، ويشتاقون دائمًا إلى بعضهم بعضًا، ولكن لأسباب مختلفة، لا يستطيعون الإقامة في المدينة نفسها التي يقيم فيها آباؤهم، أو حتى في البلد نفسه. من الصعب عليهم رؤية وجوه بعضهم بعضًا والتحدث مع بعضهم بعضًا؛ على الرغم من أن وسائل الاتصال أصبحت متطورة جدًا، وأصبحت الدردشة عبر الفيديو ممكنة، إلا أن الأمر لا يزال مختلفًا عن العيش معًا يومًا بعد يوم. فالأبناء يسافرون إلى الخارج لأي سبب من الأسباب أو يعملون أو يعيشون في مكان آخر بعد زواجهم وهكذا، ويفصلهم عن آبائهم مسافة طويلة جدًا. ليس من السهل أن يلتقوا ولو لمرة واحدة، ويعتمد إجراء مكالمة هاتفية أو مكالمة فيديو على الوقت. وبسبب فارق التوقيت أو غيره من المعوقات الأخرى، لا يستطيعون التواصل مع والديهم في كثير من الأحيان. بماذا ترتبط هذه الجوانب الرئيسية؟ أليست كلها مرتبطة بتعيين الله؟ (بلى). إنه ليس أمرًا يمكن أن تقرره الرغبات الذاتية لأي من الوالدين أو الأبناء، بل إن الأمر يعتمد في المقام الأول على ما عينه الله. ومن ناحية أخرى، فإن الآباء والأمهات يقلقون بشأن ما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على أبنائهم في المستقبل. لأي سبب تريدون الاعتماد عليهم؟ لإحضار الشاي وسكب الماء؟ أي نوع من الاعتماد هذا؟ ألا تستطيع القيام بذلك بنفسك؟ إذا كنت بصحة جيدة وقادرًا على الحركة والاعتناء بنفسك، والقيام بكل شيء بمفردك، أليس هذا رائعًا؟ لماذا عليك الاعتماد على الآخرين لخدمتك؟ هل من السعادة حقًا أن تستمتع برعاية أبنائك ورفقتهم وخدمتهم لكما على مائدة العشاء وبعيدًا عنها؟ ليس بالضرورة. إذا كنت غير قادر على الحركة، وكان عليهم بالفعل خدمتك على المائدة وبعيدًا عنها على حد سواء، فهل هذا يشكل سعادة لك؟ إذا خُيِّرتَ، هل ستختار أن تكون بصحة جيدة ولا تحتاج إلى رعاية أولادك لك، أم ستختار أن تكون مشلولاً طريح الفراش وأولادك إلى جانبك؟ أيهما تختار؟ (أن أكون بصحة جيدة). من الأفضل بكثير أن تكون بصحة جيدة. سواء كنت ستعيش حتى الثمانين أو التسعين أو حتى المائة عام، يمكنك أن تستمر في الاعتناء بنفسك. هذه هي نوعية الحياة الجيدة. على الرغم من أنك قد تكبر في السن، وقد تتأخر قدراتك العقلية، وقد تضعف ذاكرتك، وقد تأكل أقل، وتقوم بالأشياء ببطء أكثر وليس بنفس الكفاءة، ولا يعد الخروج مريحاً بالقدر نفسه، إلا أنه لا يزال من الرائع أن تكون قادراً على الاعتناء باحتياجاتك الأساسية. يكفي أن تتلقى من حين لآخر مكالمة هاتفية من أولادك للسؤال عنك أو أن يعودوا إلى المنزل ويقيموا معك خلال العطلات. لماذا تطلب منهم المزيد؟ أنت تعتمد دائمًا على أولادك، فهل ستسعد فقط عندما يصبحون عبيدًا لك؟ أليس من الأنانية أن تفكر بهذه الطريقة؟ أنت تطالب دائمًا بأن يكون أبناؤك بارين وأن تكون قادرًا على الاعتماد عليهم – على أي شيء تعتمد؟ هل كان والداك يعتمدان عليك؟ إذا كان والداك لم يعتمدا عليك، فلماذا تعتقد أنه يجب أن تعتمد على أولادك؟ أليس هذا غير عقلاني؟ (بلى).
فيما يتعلق بمسألة توقع أن يكون الأبناء بارين بالوالدين، فمن ناحية، يجب على الوالدين أن يعلما أن كل شيء من ترتيب الله ويعتمد على تقدير الله. ومن ناحية أخرى، على الناس أن يكونوا عاقلين، وبإنجابهم لأولادهم يختبر الآباء بطبيعتهم شيئًا مميزًا في الحياة. لقد اكتسبوا بالفعل الكثير من أطفالهم وأصبحوا يقدرون أحزان الأبوة والأمومة وأفراحهما. هذه العملية هي تجربة ثرية في حياتهم، وبالطبع هي أيضًا تجربة لا تُنسى، فهي تعوضهم عن النقص والجهل الموجود في إنسانيتهم. وكآباء وأمهات، فقد ربحوا بالفعل ما يجب أن يربحوه من تربية أطفالهم. أما إذا لم يكتفوا بهذا وطالبوا أولادهم بخدمتهم كخدم أو عبيد، وتوقعوا من أولادهم أن يكافئوهم على تربيتهم بإظهار بر الوالدين لهم، ورعايتهم في شيخوختهم، وتوديعهم حتى مثواهم الأخير، ووضعهم في تابوت، وحفظ جثثهم من التعفن في البيت، والبكاء المرير عليهم عند وفاتهم، والدخول في حداد والحزن عليهم لمدة ثلاث سنوات، وما إلى ذلك، وترك أولادهم يستخدمون ذلك لرد دينهم، فإن هذا يصبح غير معقول وغير إنساني. كما ترى، فيما يتعلق بكيفية تعليم الله للناس أن يعاملوا والديهم، فهو لا يطلب منهم سوى بر الوالدين، ولا يطلب على الإطلاق أن يعول الأبناء والديهم حتى الموت. لا يكلف الله الناس بهذه المسؤولية والالتزام – لم يقل الله شيئًا من هذا القبيل. لا ينصح الله الأبناء سوى بأن يكونوا بارين بوالديهم. إن إظهار بر الوالدين هي عبارة عامة فضفاضة. إن تحدثنا عن ذلك بعبارات محددة اليوم، فهو يعني الوفاء بمسؤولياتك في حدود قدرتك وظروفك – وهذا يكفي. الأمر بهذه البساطة، وهذا هو المطلب الوحيد للأبناء. إذن، كيف ينبغي للآباء أن يفهموا هذا؟ لا يطلب الله أن "على الأبناء أن يكونوا بارين بوالديهم، وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم، وأن يودعوهم حتى مثواهم الأخير". لذلك، يجب على الآباء والأمهات أن يتخلوا عن أنانيتهم وألا يتوقعوا أن يدور كل شيء لدى أولادهم حولهم لمجرد أنهم أنجبوهم. إن لم يدر الأبناء في فلك آبائهم ولم يعتبروهم محور حياتهم، فليس من الصواب أن يوبخهم الآباء باستمرار ويؤنبون ضمائرهم ويقولون لهم أشياء مثل "أنت عاق وغير بار بوالديك وغير مطيع، وحتى بعد تربيتك لفترة طويلة لا زلت غير قادر على الاعتماد عليك"، ودائمًا ما يوبخون أبناءهم هكذا ويثقلونهم بالأعباء. إن مطالبة الآباء بأن يبرهم أبناؤهم ويرافقونهم، ويراعونهم في سن الشيخوخة ويدفنونهم، ويفكرون فيهم باستمرار أينما ذهبوا، هو مسار عمل خاطئ بطبيعته وخاطر وفكرة غير إنسانية. قد يكون هذا النوع من التفكير موجودًا بدرجة أكبر أو أقل في بلدان مختلفة أو بين مجموعات عرقية مختلفة، ولكن بالنظر إلى الثقافة الصينية التقليدية، فإن الشعب الصيني يركز بشكل خاص على البر بالوالدين. منذ العصور القديمة وحتى الوقت الحاضر، لطالما نوقش هذا الأمر وتم التأكيد عليه كجزء من إنسانية الناس ومعيار لقياس ما إذا كان شخص ما صالحًا أو سيئًا. بالطبع، في المجتمع، هناك أيضًا ممارسة شائعة ورأي عام مفاده أنه إذا لم يكن الأبناء بارين بالأبوين، سيشعر آباؤهم أيضًا بالخجل، وسيشعر الأبناء بعدم القدرة على تحمل هذه الوصمة لسمعتهم. وتحت تأثير عوامل مختلفة، يتسمم الآباء والأمهات أيضًا بهذا التفكير التقليدي بعمق، ويطالبون دون تفكير أو تمييز بأن يكون أبناؤهم بارين بالوالدين. ما الفائدة من تربية الأبناء؟ إنها ليست من أجل أغراضك الخاصة، بل هي مسؤولية والتزام أعطاك الله إياهما. تنتمي تربية الأطفال من ناحية إلى فطرة الإنسان، ومن ناحية أخرى فهي جزء من مسؤوليته. أنت تختار إنجاب الأطفال بدافع الغريزة والمسؤولية، وليس من أجل الاستعداد للشيخوخة والعناية بك عند الكبر. أليست وجهة النظر هذه صحيحة؟ (بلى). هل يمكن للأشخاص الذين ليس لديهم أطفال أن يتجنبوا الشيخوخة؟ هل التقدم في العمر يعني بالضرورة أن يكون المرء بائسًا؟ ليس بالضرورة، أليس كذلك؟ لا يزال بوسع الأشخاص الذين ليس لديهم أطفال أن يعيشوا حتى سن الشيخوخة، بل إن بعضهم يتمتعون بصحة جيدة، ويستمتعون بسنواتهم اللاحقة، ويذهبون إلى القبر في سلام. هل الأشخاص الذين لديهم أطفال يستمتعون بالضرورة بسنواتهم المتأخرة في سعادة وصحة؟ (ليس بالضرورة). لذلك، فإن صحة الآباء الذين يبلغون سن الشيخوخة وسعادتهم وحالة معيشتهم، وكذلك نوعية حياتهم المادية، لا علاقة لها في الواقع بكون الأبناء بارين بأبويهم، ولا توجد علاقة مباشرة بين الاثنين. ترتبط حالتك المعيشية ونوعية حياتك وحالتك البدنية في سن الشيخوخة بما قدّره الله لك وبيئة المعيشة التي يرتبها لك، وليس لها علاقة مباشرة بما إذا كان أولادك بارين بك أم لا. إن أولادك غير ملزمين بتحمل مسؤولية وضعك المعيشي في السنوات اللاحقة. أليس هذا صحيحًا؟ (بلى). لذلك، أيًا كان موقف الأبناء تجاه والديهم، سواء كانوا راغبين في الاعتناء بهم، أو بالكاد يقومون بذلك، أو لا يريدون الاعتناء بهم على الإطلاق، فإن هذا هو الموقف الذي يحق لهم كأبناء. دعونا ننحي الحديث من منظور الأبناء جانبًا الآن، ونتحدث بدلًا من ذلك من منظور الآباء فقط. لا يجب على الآباء أن يطلبوا من أبنائهم أن يكونوا بارين بوالديهم، وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم، وأن يتحملوا عبء حياة والديهم في وقت لاحق – فلا حاجة لذلك. من ناحية، هذا موقف يجب أن يتحلى به الآباء تجاه أبنائهم، ومن ناحية أخرى، هي الكرامة التي يجب أن يتحلى بها الآباء. بالطبع، هناك أيضًا جانب أكثر أهمية: إنه المبدأ الذي يجب أن يلتزم به الآباء ككائنات مخلوقة في معاملة أبنائهم. إذا كان أولادك متيقظين وبارين وراغبين في الاعتناء بك، فلا داعي لأن ترفضهم؛ وإذا كانوا غير راغبين في عمل ذلك، فلا داعي لأن تئن وتتأوه طوال اليوم، أو تشعر بعدم الراحة أو عدم الرضا في قلبك، أو تحمل الضغينة لأولادك. ينبغي أن تتحمل المسؤولية وتتحمل عبء حياتك وبقائك على قيد الحياة بقدر ما تستطيع، ولا يجب أن تلقي ذلك على الآخرين، خاصةً أولادك. يجب أن تواجه الحياة بشكل استباقي وسليم دون صحبة أو مساعدة من أبنائك، وحتى لو كنتِ بعيدًا عن أبنائكِ، يظل بوسعك أن تواجه ما تجلبه لكِ الحياة بمفردك. بالطبع، إذا كنت بحاجة إلى مساعدة ضرورية من أبنائك، فيمكنك أن تطلبها منهم، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك مبنيًا على فكرة أن أبنائك يجب أن يكونوا بارين بك أو أنه يجب عليك الاعتماد عليهم. وبدلاً من ذلك، يجب أن يتعامل كلا الطرفين مع القيام بالأمور من منظور تتميم مسؤولياته، بحيث يتم التعامل مع العلاقة بين الوالدين والأبناء بعقلانية. بالطبع، إذا كان كلا الطرفين عقلانيين، وأفسح كل منهما مجالًا للآخر، واحترم كل منهما الآخر، سيتمكنان بالتأكيد في النهاية من الانسجام والتناغم بشكل أفضل، وسيعتز كل منهما بهذه المودة العائلية، وسيعتز كل منهما برعايته واهتمامه وحبه للآخر. بالطبع، القيام بهذه الأشياء على أساس من الاحترام والتفاهم المتبادل هو أكثر إنسانية وملاءمة. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). عندما يتمكن الأبناء من التعامل مع مسؤولياتهم والقيام بها بشكل صحيح، وبصفتك أحد الوالدين، لن تعود تضع أي مطالب مفرطة أو دخيلة على أبنائك، عندها ستجد أن كل ما يفعلونه طبيعي وعادي جدًا، وستعتقد أن هذا أمر جيد جدًا. لن تعود تعاملهم بالنظرة الانتقادية نفسها التي كنت تعاملهم بها من قبل، وتجد كل ما يفعلونه غير مرضٍ أو خاطئ أو غير كافٍ لسداد دين تربيتك لهم. بل على العكس، ستواجه كل شيء بالموقف الصحيح، وستكون شاكرًا لله على ما يقدمه لك أولادك من صحبة وبر، وستعتقد أن أولادك مهذبين جدًا، وأنهم ذوي إنسانية. حتى بدون صحبة أبنائك وبرهم بوالديهم، لن تلوم الله ولن تندم على تربيتك لهم، ناهيك عن أن تكرههم. باختصار، من الأهمية بمكان أن يواجه الآباء والأمهات أي موقف لدى أبنائهم تجاههم بشكل صحيح. ومواجهة ذلك بشكل صحيح تعني عدم وضع أي مطالب مفرطة عليهم، وعدم التصرف بشكل مبالغ فيه تجاههم، وبالتأكيد عدم توجيه أي نقد أو أحكام سلبية أو غير إنسانية تجاه أي شيء يفعلونه. بهذه الطريقة، ستبدؤون في العيش بكرامة. عليك كأب أو أم، وفقًا لقدراتك وظروفك، وبالطبع، وفقًا لتقدير الله، أن تستمتع بكل ما يعطيك الله إياه، وإذا لم يعطك شيئًا، فعليك أيضًا أن تشكر الله وتخضع له. لا ينبغي أن تقارن نفسك بالآخرين، فتقول: "انظر إلى عائلة فلان، ابنهم بار جدًا، ودائمًا ما يأخذ والديه في نزهة بالسيارة ويذهب في إجازات في الجنوب، ويعودون في كل مرة محملين بالحقائب من كل الأحجام. هذا الابن بار جدًا بوالديه! انظروا إلى ابنهم، إنه شخص يمكنهم الاعتماد عليه. عليك أن تربي ابناً كهذا ليكون لديك من يعتني بك في سن الشيخوخة. والآن انظر إلى ابننا: إنه يعود إلى المنزل خالي الوفاض ولا يشتري لنا أي شيء؛ ليس فقط خالي الوفاض، ولكنه نادرًا ما يعود إلى المنزل على الإطلاق. إذا لم أتصل به، لا يعود إلى المنزل. ولكن بمجرد عودته إلى المنزل، كل ما يريده هو الطعام والشراب، ولا يريد حتى القيام بأي عمل". بما أن هذه هي الحالة، لا تتصل به ليعود إلى المنزل. إذا اتصلت به ليعود إلى المنزل، ألستِ تطلب البؤس لنفسك؟ أنت تعلم أنه إذا عاد إلى المنزل، سيأكل ويشرب مجانًا، فلماذا تتصل به؟ إذا لم يكن لديك أي دافع لفعل ذلك، فهل ستستمر في الاتصال به ليعود إلى المنزل؟ أليس هذا فقط لأنك تهين نفسك وتتصرف بأنانية؟ أنت تريد دائمًا أن تعتمد عليه، آملًا أنك لم تربه عبثًا، آملًا ألا يكون من ربيته عاقًا بلا قلب. أنت تريد دائمًا أن تثبت أن الذي ربيته ليس عاقًا بلا قلب، وأن ابنك بار بوالديه. ما فائدة إثبات ذلك؟ ألا يمكنكِ أن تعيش حياتكِ بشكل جيد؟ ألا يمكنك العيش بدون أطفال؟ (بلى). يمكنك الاستمرار في الحياة. ثمة الكثير من الأمثلة من هذا القبيل، أليس كذلك؟
يتشبث بعض الناس بمفهوم فاسد وعفا عليه الزمن، فيقولون: "لا يهم أن يكون للناس أولاد ليكونوا بارين بهم وأن يكون أولادهم بارين بهم وهم أحياء، ولكن عندما يموتون يجب أن يحملهم أولادهم في تابوت. إذا لم يكن أولادهم إلى جانبهم، فلن يعرف أحد بموتهم، وستتعفن أجسادهم في بيوتهم". ماذا لو لم يعرف أحد؟ عندما تموت، فأنت ميت، ولن تعود واعيًا بأي شيء. عندما يموت جسدك، تغادره روحك على الفور. لا يهم أين يكون الجسد أو شكله بعد الموت، أليس ميتًا على أي حال؟ حتى إن حُمل في نعش في جنازة مهيبة وواروه الثرى، سيتعفن الجسد، أليس كذلك؟ يعتقد الناس أن وجود أبناء إلى جانبك ليضعوك في نعش، ويلبسوك ملابس الدفن، ويضعوا لك مساحيق التجميل، ويرتبوا لك جنازة مهيبة، هو أمر عظيم. إذا توفيت دون أن يرتب لك أحد جنازة أو يودعك أحد، فكأن حياتك كلها لم تكن لها خاتمة مناسبة". هل هذه الفكرة صحيحة؟ (لا، ليست كذلك). لا يولي الشباب في الوقت الحاضر اهتمامًا كبيرًا لهذه الأمور، ولكن لا يزال هناك أشخاص في المناطق النائية وكبار السن ذوي البصيرة القليلة لديهم فكرة ووجهة نظر مزروعة في قلوبهم بأن الأبناء يجب أن يعتنوا بآبائهم في سن الشيخوخة ويودعوهم إلى قبورهم. مهما عقدت شركة حول الحق، فإنهم لا يتقبلونها، فما هي العاقبة النهائية لذلك؟ العاقبة هي أنهم يعانون بشدة. لطالما كان هذا الورم مخفيًا في داخلهم، وسيسممهم. عندما يستخرجونه ويزيلونه، لن يتسمموا به بعد ذلك، وستتحرر حياتهم. أي أفعال خاطئة سببها أفكار خاطئة. إذا كانوا خائفين من الموت والتعفن في منازلهم، فسيفكرون دائمًا: "يجب أن أربي ابني. عندما يكبر ابني، لا يمكنني أن أتركه يذهب بعيدًا جدًا. ماذا لو لم يكن بجانبي عندما أموت؟ سيكون أكبر ندم لي في الحياة هو عدم وجود شخص يعتني بي في شيخوختي أو يودعني إلى مثواي الأخير! إذا كان لديّ من يفعل ذلك من أجلي، فلن أكون قد عشت حياتي عبثًا. ستكون حياة مثالية. مهما كان الأمر، لا يمكنني أن أكون موضع سخرية من جيراني". أليست هذه أيديولوجية فاسدة؟ (بلى، إنها كذلك). إنها أيدولوجية ضيقة الأفق ومنحطة، وتعلق أهمية كبيرة على الجسد المادي! في الواقع، الجسد المادي لا قيمة له: بعد اختبار الولادة والشيخوخة والمرض والموت، لا يتبقى شيء. فقط إذا كان الناس قد ربحوا الحق وهم أحياء، فعندما يخلصون سيعيشون إلى الأبد. إذا لم تكن قد ربحت الحق، فعندما يموت جسدك ويتعفن، لن يتبقى لك شيء؛ ومهما كان بر أولادك بك، فلن تتمكن من التمتع به. عندما يموت شخص ما ويدفنه أبناؤه في تابوت، هل يمكن لهذا الجسد العجوز أن يشعر بأي شيء؟ هل يمكنه إدراك أي شيء؟ (كلا، لا يمكنه ذلك). ليس لديه أي إدراك على الإطلاق. لكن في الحياة، يعلق الناس أهمية كبيرة على هذه المسألة، ويطلبون الكثير من أبنائهم فيما إذا كان بإمكانهم توديعهم إلى مثواهم الأخير – وهذا أمر أحمق، أليس كذلك؟ (بلى، هو كذلك). يقول بعض الأبناء لآبائهم: "نحن نؤمن بالله. ما دمتما على قيد الحياة، سنكون بارين بكما، ونعتني بكما، ونخدمكما. ولكن عندما تموتان، لن نرتب لكما جنازة". عندما يسمع الآباء هذا الكلام يغضبون. إنهم لا يغضبون من أي شيء آخر تقوله، ولكن بمجرد أن تذكر هذا ينفجرون قائلين: "ماذا قلت؟ أيها العاق، سأكسر ساقيك! ليتني لم أنجبك – سأقتلك!". لا يزعجهم أي شيء آخر تقوله إلا هذا. خلال حياتهم، أتيحت لأبنائهم العديد من الفرص ليعاملوهم معاملة حسنة، لكنهم أصروا على أن يودعوا آباءهم إلى مثواهم الأخير. ولأن أولادهم بدأوا يؤمنون بالله، قالوا لهم: "عندما تموت، لن نقيم لك مراسم: سنحرق جثتك ونجد مكانًا لحفظ الجرة. سنتركك تستمتع بينما لا تزال على قيد الحياة ببركة وجودنا حولك، وسنوفر لك الطعام والكساء، ونجنبك أن تُظلم". أليس هذا واقعيًا؟ فيرد الوالدان: "لا شيء من ذلك مهم. ما أريده منكم هو أن ترتبوا جنازة لي بعد وفاتي. إذا لم تهتم بي في شيخوختي وترسلني إلى قبري، فلن أتخلى عن الأمر أبدًا!". عندما يكون الشخص بهذا الغباء، لا يمكنه أن يفهم مثل هذا المنطق البسيط، ومهما شرحت له الأمر لن يستوعبه، فهو مثل الحيوان. لذلك، إذا كنت تسعى إلى الحق فعليك بصفتك أبًا أو أمًا أولاً وقبل كل شيء أن تتخلى عن الأفكار والآراء التقليدية والفاسدة والمنحطة حول ما إذا كان الأبناء بارين بك، وأن يعتنوا بك في سن الشيخوخة، وأن يودعوك حتى قبرك ويدفنونك، وأن يتعاملوا مع هذا الأمر بشكل صحيح. إذا كان أولادك بارين بك حقًا، فتقبل الأمر بشكل صحيح. لكن إذا لم يكن لدى أولادك الظروف أو الطاقة أو الرغبة في أن يكونوا بارين بك، وعندما تكبر في السن، لا يستطيعون المكوث بجانبك للاعتناء بك أو إرسالك إلى مثواك الأخير، فلا داعي لأن تطالبهم بذلك أو تحزن. كل شيء بيد الله. الولادة لها وقتها، والموت له مكانه، والله قد قدّر أين يولد الناس وأين يموتون. حتى لو وعدك أبناؤك بأي وعود قائلين: "عندما تموت، سأكون بالتأكيد إلى جانبك، ولن أخذلك أبدًا"، فإن الله لم يرتب هذه الظروف. عندما توشك على الموت، قد لا يكون أولادك إلى جانبك، ومهما حاولوا الإسراع بالعودة، فقد لا يتمكنون من العودة في الوقت المناسب – لن يتمكنوا من رؤيتك للمرة الأخيرة. قد تمر من ثلاثة إلى خمسة أيام منذ أن لفظت أنفاسك الأخيرة وقد تحلل جسدك، وعندها فقط سيعودون. هل وعودهم صالحة لأي شيء؟ لا يمكنهم حتى أن يتسيدوا على حياتهم. لقد أخبرتك بهذا بالفعل، لكنك لا تصدق ذلك. أنت تصر على أن تجعلهم يعدونك. هل لوعدهم أي جدوى؟ أنت ترضي نفسك بالأوهام، وتعتقد أن أولادك يستطيعون الوفاء بوعودهم. هل تعتقد حقًا أنهم يستطيعون؟ لا يستطيعون ذلك. في كل يوم، أين سيكونون وماذا سيفعلون وماذا يخبئ لهم مستقبلهم – إنهم حتى لا يعرفون هم أنفسهم هذه الأشياء. إن وعودهم في الواقع تعمل على خداعك، وتمنحك إحساسًا زائفًا بالأمان، وأنت تصدقها. أنت لا تزال غير قادر على استيعاب أن مصير الإنسان بيد الله.
يسمي غير المؤمنين مقدار ما هو مقدّر للآباء والأمهات وأولادهم أن يكونوا معًا، ومقدار ما يمكنهم أن يربحوه من أولادهم بـ"تلقي المساعدة" أو "عدم تلقي المساعدة". نحن لا نعرف ماذا يعني ذلك. في نهاية المطاف، ما إذا كان بإمكان المرء أن يعتمد على أبنائه هو، بعبارة واضحة، أمر مقدر ومعيّن من الله. ليس الأمر كما لو أن كل شيء يسير تمامًا كما تتمني. بالطبع، كل شخص يريد أن تسير الأمور على ما يرام وأن يحصد من أبنائه المزايا. ولكن لماذا لم تفكر أبدًا فيما إذا كان ذلك مصيرك، وما إذا كان ذلك مكتوبًا في أقدارك؟ إلى أي مدى ستستمر الرابطة بينك وبين أولادك، وما إذا كان أي عمل تقوم به في الحياة سيكون له صلة بأولادك، وما إذا كان الله قد رتب لأولادك المشاركة في الأحداث المهمة في حياتك، وما إذا كان أولادك سيكونون من بين المشاركين عندما تختبر حدثًا كبيرًا في الحياة – كل هذه الأمور تعتمد على ما عيّنه الله. إذا لم يعيّن الله ذلك، فبعد تربية أولادك حتى سن الرشد، حتى لو لم تخرجهم من المنزل، سيخرجون من تلقاء أنفسهم عندما يحين الوقت. هذا شيء يحتاج الناس إلى استيعابه. إذا لم تتمكن من استيعاب هذا الأمر، فستتمسك دائمًا برغباتك ومطالبك الشخصية، وتضع قواعد مختلفة وتقبل أيديولوجيات مختلفة من أجل متعتك الجسدية. ماذا سيحدث في النهاية؟ ستكتشف عندما تموت. لقد ارتكبت الكثير من الحماقات في حياتك، وفكرت في العديد من الأشياء غير الواقعية التي لا تتوافق مع الحقائق أو مع ما عينه الله. ألن يكون إدراكك كل هذا وأنت على فراش الموت قد فات أوانه؟ أليس هذا هو الحال؟ (بلى). استفد بينما أنت لا تزال على قيد الحياة ولم يتشوش عقلك بعد، وبينما لا تزال قادرًا على فهم بعض الأمور الإيجابية، وتقبلها بسرعة. لا يعني تقبلك لها أن تحوّلها إلى نظرية أو شعار أيديولوجي، بل أن تحاول القيام بهذه الأشياء وتمارسها. تخلّ تدريجيًا عن أفكارك ورغباتك الأنانية، ولا تتصور أن كل ما تفعله كأب أو أم هو الصواب والمقبول، أو أن على أبنائك أن يتقبلوه. هذا النوع من المنطق غير موجود في أي مكان في العالم. الآباء بشر، وأليس أبناءهم كذلك؟ الأولاد ليسوا تابعين أو عبيدًا لك؛ بل هم كائنات مخلوقة مستقلة – فما علاقة ما إذا كانوا بارين بأبويهم أم لا بك؟ لذلك، وبغض النظر عن نوع الآباء والأمهات الذي تنتمي إليه، أو كم عمر أطفالك، أو ما إذا كان أطفالك قد بلغوا سن البر بك أو سن العيش المستقل، يجب عليكم كأب أو أم أن تعتنق هذه الأفكار وتؤسس الفكر ووجهات النظر الصحيحة حول كيفية معاملة أبناءك. لا يجب أن تتمادى ولا يجب أن تقيس كل شيء وفقًا لتلك الأفكار ووجهات النظر الخاطئة أو المنحطة أو البالية. قد تتوافق تلك الأفكار ووجهات النظر مع المفاهيم البشرية والمصالح البشرية والاحتياجات الجسدية والعاطفية للبشر، لكنها ليست الحق. وبغض النظر عما إذا كنت تعتقد أن هذه الأمور صحيحة أو غير صحيحة، فإنها لن تجلب لك في النهاية سوى مختلف المتاعب والأعباء، وتوقعك في مختلف المآزق، وتجعلك تكشف عن تهورك لأبنائك. ستذكر أسبابك، وسيذكرون أسبابهم، وفي النهاية، سيكره كلاكما الآخر ويلوم كل منكما الآخر. لن تعود الأسرة تتصرف كأسرة: ستنقلبون على بعضكم بعضًا وتصبحون أعداء. إذا قبل الجميع الحق والأفكار ووجهات النظر الصحيحة، سيكون من السهل مواجهة هذه الأمور، وستُحل التناقضات والنزاعات التي تنشأ عنها. أما إذا أصروا على المفاهيم التقليدية، فلن تظل هذه المشكلات دون حل فحسب، بل ستتعمق التناقضات التي تنشأ عنها. الثقافة التقليدية ليست معيارًا في حد ذاتها لتقييم الأمور، بل يتعلق الأمر بالإنسانية، وتمتزج فيها أمور الجسد مثل عواطف الناس ورغباتهم الأنانية وتهورهم. بالطبع، هناك أيضًا شيء آخر هو الأكثر أهمية في الثقافة التقليدية، وهو الرياء، فالناس يستخدمون بر الأبناء لإثبات أنهم أحسنوا تعليمهم وأن أبناءهم يتمتعون بالإنسانية؛ وبالمثل، يستخدم الأبناء برهم بآبائهم لإثبات أنهم ليسوا عاقين، بل سادة وسيدات متواضعين ومنسحقين، وبذلك يكسبون موطئ قدم وسط مختلف الأجناس والجماعات في المجتمع ويجعلون ذلك وسيلة لبقائهم. هذا في طبيعته هو الجانب الأكثر رياءً والأكثر جوهرية في الثقافة التقليدية، وهو ليس معيارًا لتقييم الأمور. وبالتالي، فعلى الآباء والأمهات أن يتخلوا عن هذه المتطلبات من أبنائهم وأن يستخدموا الأفكار ووجهات النظر الصحيحة في معاملة أبنائهم والنظر إلى مواقف أبنائهم تجاههم. إذا كنت لا تملك الحق أو تفهمه، فيجب عليك على الأقل النظر إليه من منظور الإنسانية. كيف ينظر المرء إلى الأمر من منظور الإنسانية؟ لا يحيا الأبناء الذين يعيشون في هذا المجتمع، بمختلف فئاتهم ومواقعهم الوظيفية وطبقاتهم الاجتماعية حياة سهلة، إذ أن لديهم أمور عليهم مواجهتها والتعامل معها في مختلف البيئات. لديهم حياتهم الخاصة وقدرهم الذي حدده الله، كما أن لديهم أيضًا طرقهم الخاصة للبقاء على قيد الحياة. وبالطبع، في المجتمع الحديث، الضغوط المفروضة على أي شخص مستقل كبيرة جدًا، حيث يواجه مشكلات البقاء على قيد الحياة، والعلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين، والمشكلات المتعلقة بالأبناء، وما إلى ذلك – كل هذه الضغوط هائلة للغاية. ولكي نكون منصفين، لا أحد يعيش حياة سهلة؛ خاصةً في بيئة الحياة الفوضوية والسريعة الوتيرة اليوم، المليئة بالمنافسة والصراع الدموي في كل مكان، لا ينعم أحد بحياة سهلة، بل حياة الجميع صعبة إلى حد ما. لن أخوض في كيفية حدوث ذلك. إذا لم يكن الشخص الذي يعيش في مثل هذه البيئة يؤمن بالله ويؤد واجبه، فلن يبقى له طريق ليسلكه. لن يكون لديه سبيل سوى السعي وراء العالم، والحفاظ على نفسه على قيد الحياة، والتكيف باستمرار مع هذا العالم، والقتال من أجل مستقبله وبقائه بأي ثمن من أجل أن يمضي كل يوم. في الواقع، كل يوم مؤلم له، وهو يكافح في كل يوم. لذلك، إذا ذهب الآباء والأمهات إلى مطالبة أبنائهم بفعل هذا أو ذاك، فلا شك أن ذلك سيزيد من الطين بلة ويزيد من عذابهم وتدمير أجسادهم وعقولهم. للآباء والأمهات دوائرهم الاجتماعية وأنماط حياتهم وبيئاتهم المعيشية، وللأبناء بيئاتهم ومساحاتهم المعيشية الخاصة بهم، وكذلك خلفياتهم المعيشية. إذا تدخل الآباء كثيرًا أو أفرطوا في طلباتهم من أبنائهم، وطلبوا منهم أن يفعلوا هذا وذاك من أجلهم، ليردوا لهم ما بذلوه من جهود لصالح أبنائهم؛ إذا نظرت إلى الأمر من هذا المنظور، فهو أمر غير إنساني بالمرة، أليس كذلك؟ وبغض النظر عن كيفية عيش أبنائهم أو بقائهم على قيد الحياة، أو الصعوبات التي يواجهونها في المجتمع، لا يتحمل الآباء والأمهات أي مسؤولية أو التزام بعمل أي شيء لهم. ومع ذلك، يجب على الوالدين أيضًا الامتناع عن إضافة أي مشكلات أو أعباء إلى حياة أبنائهم المعقدة أو أوضاعهم المعيشية الصعبة. هذا ما يجب على الوالدين فعله. لا تطلب الكثير من أبنائك، ولا تلومهم كثيرًا. يجب أن تعاملهم بإنصاف ومساواة، وأن تتعاطف مع وضعهم. وبالطبع، يجب على الآباء والأمهات أيضًا التعامل مع حياتهم الخاصة. سيحترم الأبناء الآباء والأمهات على هذا النحو، وسيكونون جديرين بالاحترام. إذا كنت تؤمن بالله كأب أو أم وتؤدي واجبك، فبغض النظر عن الواجبات التي تقوم بها في بيت الله، لن يكون لديك وقت للتفكير في أشياء مثل مطالبة أبنائك بالبر بوالديهم والاعتماد عليهم لإعالتك في سن الشيخوخة. إذا كان لا يزال هناك أناس على هذا النحو، فهم ليسوا مؤمنين حقيقيين، وبالتأكيد ليسوا ساعين للحق. إنهم جميعًا ليسوا سوى أناس مشوشين وعديمي إيمان. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). إذا كان الآباء مشغولين، إذا كان لديهم واجبات يقومون بها وينشغلون بالعمل، فلا ينبغي لهم بالتأكيد أن يذكروا ما إذا كان أولادهم بارين بوالديهم أم لا. إذا كان الآباء دائمًا ما يذكرون هذا الأمر، قائلين: "أولادي ليسوا بارين بالوالدين: لا يمكنني الاعتماد عليهم، ولن يكونوا قادرين على إعالتي في سن الشيخوخة"، فهم إذن مجرد كسالى وخاملين، يبحثون عن المتاعب دونما سبب. أليس هذا هو الحال؟ ما الذي ينبغي أن تفعلوه إذا واجهتم آباءً كهؤلاء؟ علِّموهم درسًا. كيف ينبغي أن تفعلوا ذلك؟ قولوا فحسب: "هل أنت غير قادر على العيش بمفردك؟ هل وصلت إلى الحد الذي لم تعد قادراً فيه على الأكل أو الشرب؟ هل وصلت إلى الحد الذي لم تعد قادرًا فيه على البقاء على قيد الحياة؟ إذا كنت قادرًا على العيش، فلتعش إذن، وإن لم تكن قادرًا على العيش، فمت!". هل تجرؤ على قول شيء كهذا؟ أخبرني، هل من غير الإنساني أن تقول ذلك؟ (أنا لا أجرؤ على قول ذلك). أنت لا تجرؤ على قوله، أليس كذلك؟ لا يمكنك تحمل قوله. (هذا صحيح). عندما تكبرون قليلاً، ستتمكنون من قوله. إذا كان والداك قد قاما بالكثير من الأشياء المثيرة للغضب، عندها ستتمكن من قوله. لقد أحسنا إليك كثيرًا ولم يؤذياك، وإن أذياك فستكون قادرًا على قوله. أليس كذلك؟ (بلى). إذا كانا يطالبانك دائمًا بالعودة إلى المنزل قائلين: "تعال إلى المنزل وأحضر لي المال، أيها الابن العاق!". ويوبخانك ويشتمانك كل يوم، فستتمكن من قولها. ستقول: "إذا كنت قادرًا على العيش، فلتعش إذن، وإن لم تكن قادرًا على العيش، فمت! ألا يمكنك أن تواصل الحياة بدون أبناء؟ انظر إلى هؤلاء المسنين الذين ليس لديهم أبناء، أليسوا يعيشون بخير وسعادة بما يكفي؟ إنهم يهتمون بحياتهم كل يوم، وإذا كان لديهم بعض وقت الفراغ، يخرجون للتنزه وممارسة الرياضة. تبدو حياتهم كل يوم مُرضية للغاية. انظر إلى حالك – لا ينقصك شيء، فلماذا لا يمكنك الاستمرار في العيش؟ أنت تهين نفسك وتستحق الموت! هل يجب علينا أن نكون بارين بك؟ لسنا عبيدك، ولسنا ملكيتك الخاصة. عليك أن تسلك طريقك بنفسك، ولسنا ملزمين بتحمل هذه المسؤولية. لقد أعطيناك ما يكفيك من طعام وملبس وأشياء لتستخدمها. لماذا تعبث؟ إذا استمررت في العبث، سنرسلك إلى دار رعاية المسنين!". هكذا يجب على المرء أن يتعامل مع مثل هؤلاء الوالدين، أليس كذلك؟ لا يمكنك تدليلهم. إذا لم يتواجد الأبناء لرعايتهم، يبكون وينتحبون طوال اليوم، كما لو أن السماء تسقط، أو كما لو أنهم لا يستطيعون الاستمرار في الحياة. إذا كانوا لا يستطيعون الاستمرار في الحياة، دعهم يموتون ويرون بأنفسهم – لكنهم لن يموتوا، فهم يعتزون بحياتهم أكثر من اللازم. إن فلسفتهم في الحياة هي الاعتماد على الآخرين ليعيشوا بشكل أفضل وأكثر حرية وعناد. عليهم أن يبنوا سعادتهم وفرحهم على معاناة أبنائهم. ألا ينبغي أن يموت هؤلاء الآباء والأمهات؟ (بلى). إذا كان أبناؤهم يصحبونهم ويخدمونهم كل يوم، فإنهم يشعرون بالسعادة والفرح والفخر، بينما يجب على أبنائهم أن يعانوا ويتحملوا. ألا ينبغي أن يموت هؤلاء الآباء؟ (بلى).
لنختتم شركتنا هنا اليوم فيما يتعلق بالبند الأخير من توقعات الآباء والأمهات من أبنائهم. هل تم توضيح الأمر فيما يتعلق بنهج الوالدين تجاه ما إذا كان لدى الأبناء بر بالوالدين وما إذا كان يمكن الاعتماد عليهم وأن يرعوهم في شيخوختهم ويرسلونهم إلى مثواهم الأخير؟ (نعم). لا ينبغي لك كأب أو أم أن تطلب مثل هذه المطالب، أو أن تكون لديك مثل هذه الأفكار ووجهات النظر، أو أن تعلق مثل هذه الآمال على أبنائك، فهم لا يدينون لك بأي شيء. تربيتهم مسؤوليتك، وسواء قمت بذلك بشكل جيد أم لا فهذا أمر آخر. إنهم لا يدينون لك بأي شيء: إنهم يحسنون إليك ويهتمون بك من باب الوفاء بالمسؤولية فقط، وليس من باب رد أي دين، لأنهم لا يدينون لك بشيء. ولذلك، فهم ليسوا ملزمين بأن يكونوا بارين بك أو أن يكونوا شخصًا يمكنك الاعتماد عليه والاتكال عليه. هل تفهم؟ (نعم). إنهم يعتنون بك، وهم من يمكنك الاعتماد عليهم، وإعطائك القليل من المال لتنفقه، هذه مسؤوليتهم كأبناء، وليس هذا من بر الوالدين. لقد ذكرنا سابقًا استعارة الغربان التي تطعم والديها والحملان التي تجثو لترضع اللبن. حتى الحيوانات تفهم هذا التعليم ويمكنها تنفيذه، وبالطبع ينبغي على البشر ذلك أيضًا! البشر هم المخلوقات الأكثر تقدمًا بين جميع الكائنات الحية، خلقهم الله بأفكار وإنسانية ومشاعر، وهم يفهمون هذا كبشر دون الحاجة إلى تعليم. تعتمد إمكانية أن يكون الأبناء بارين بوالديهم أم لا بشكل عام على ما إذا كان الله قد قدّر أن يكون بينكما قدرًا مشتركًا، وما إذا كانت هناك علاقة تكاملية وداعمة متبادلة بينكما، وما إذا كان بإمكانك الاستمتاع بهذه البركة؛ وبشكل أكثر دقة، يعتمد الأمر على ما إذا كان أبناؤك يمتلكون الإنسانية. إذا كانوا يمتلكون حقًا الضمير والعقل، فأنت لست بحاجة إلى تعليمهم – سيفهمون ذلك منذ الصغر. إذا كانوا يفهمون كل شيء منذ الصغر، ألا تعتقد أنهم سيفهمون أكثر عندما يكبرون؟ أليس هذا هو الحال؟ (بلى). يفهمون منذ الصغر تعاليم مثل "كسب المال للإنفاق على الأم والأب هو ما يفعله الأبناء الصالحون"، لذا ألن يفهموا ذلك أكثر عندما يكبرون؟ هل ما زالوا بحاجة إلى التعليم؟ هل لا يزال الآباء بحاجة إلى تعليمهم مثل هذه الدروس الأيديولوجية؟ لا حاجة إلى ذلك. ولذلك، فمن الحماقة أن يطالب الآباء والأمهات أولادهم بأن يكونوا بارين بوالديهم، وأن يعتنوا بهم في شيخوختهم، وأن يودعوهم إلى مثواهم الأخير. أليس الأبناء الذين تنجبهم بشرًا؟ هل هم أشجار أم زهور بلاستيكية؟ هل هم حقًا لا يفهمون، هل يجب عليك حقًا تعليمهم؟ حتى الكلاب تفهم ذلك. انظر، عندما يكون جروان صغيران مع أمهما، إذا بدأت الكلاب الأخرى في الركض نحو أمهما والنباح، فلن يتحملا ذلك: إنهما يحميان أمهما من خلف السياج ولا يسمحان للكلاب الأخرى بالنباح عليها. حتى الكلاب تفهم ذلك، وبالطبع ينبغي للبشر ذلك أيضًا! ليست هناك حاجة إلى تعليمهم: إن الوفاء بالمسؤوليات هو شيء يمكن للبشر القيام به، ولا يحتاج الآباء والأمهات إلى غرس مثل هذه الأفكار في أبنائهم – فهم سيفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم. إذا لم يمتلكوا الإنسانية، فلن يفعلوا ذلك حتى في ظل الظروف المناسبة، وإذا امتلكوا الإنسانية وتوفرت لهم الظروف المناسبة، فسيقومون بذلك بشكل طبيعي. لذلك، لا يحتاج الآباء والأمهات إلى مطالبة أبنائهم أو حثهم أو لومهم فيما يتعلق بما إذا كانوا يبرون آبائهم أم لا. هذا كله غير ضروري. إذا كان بإمكانك الاستمتاع ببر الأبناء بآبائهم، فإن ذلك يُعتبر بركة. وإذا لم تستطع الاستمتاع به، فلا يُعتبر ذلك خسارة لك. كل شيء معين من الله، أليس كذلك؟ حسنًا، دعونا ننهي شركتنا هنا اليوم. إلى اللقاء!
27 مايو 2023