كيفية السعي إلى الحق (16) الجزء الثالث

ثمة جانب آخر من توقعات الآباء لأبنائهم، وهو أن يرثوا نشاط العائلة التجاري أو تجارة الأجداد. على سبيل المثال، بعض العائلات هي عائلات رسامين؛ والقاعدة المتوارثة من الأجداد هي أنه يجب أن يكون في كل جيل من يرث هذا المشروع العائلي ويواصل تقليد العائلة. لنفترض، في جيلك، أن هذا الدور وقع على عاتقك، لكنك لا تحب الرسم وليس لديك اهتمام به؛ فأنت تفضل دراسة مواضيع أبسط. في مثل هذه الحالة، يحق لك الرفض. أنت لست ملزمًا بوراثة تقاليد عائلتك، ولست ملزمًا بوراثة نشاط العائلة التجاري أو تجارة الأجداد، مثل فنون الدفاع عن النفس، أو حرفة أو مهارة معينة، وما إلى ذلك. أنت غير ملزم بمواصلة ما يطلبون منك أن ترثه. في بعض العائلات الأخرى، كل جيل يغني الأوبرا. في جيلك، يجعلك والداك تتعلم غناء الأوبرا منذ الصغر. لقد تعلمته بالفعل، لكنك في أعماقك لا تحبه. وبالتالي، إذا طُلب منك اختيار مهنة ما، فإنك لن تنخرط في أي مهنة تتعلق بالأوبرا على الإطلاق. أنت تكره هذه المهنة من أعماق قلبك؛ في مثل هذه الحالة، يحق لك أن ترفض. نظرًا لأن مصيرك ليس بيد والديك، فإن اختيارك لمهنتك، وتوجه اهتماماتك، وما تريد أن تفعله، ونوع المسار الذي تريد أن تسلكه، كلها بيد الله. كل هذا من ترتيب الله، وليس من ترتيب أي فرد من أفراد عائلتك، وبالتأكيد ليس من ترتيب والديك. إن الدور الذي يلعبه الوالدان في حياة أي طفل هو توفير الوصاية، والرعاية، والرفقة فحسب، مع تقدم الطفل في العمر. في حالات أفضل، يستطيع الوالدان توفير الإرشاد، والتربية، والتوجيه الإيجابي لأطفالهم؛ وهذا هو الدور الوحيد الذي يمكنهم القيام به. وعندما تكبر وتصبح مستقلًا، سيكون دور والديك هو فقط أن يكونا سندًا عاطفيًا وركيزة عاطفية. واليوم الذي تصبح فيه مستقلًا في الفكر وأسلوب الحياة هو اليوم الذي تنتهي فيه مسؤوليات والديك والتزاماتهما تجاهك؛ وبذلك تكون علاقتك بهما قد انتقلت من علاقة المربي والتلميذ، والوصي والقاصر الخاضع للوصاية. أليس هذا هو الواقع؟ (بلى). لا يؤمن آباء وأقارب وأصدقاء بعض الأشخاص بالله؛ هم أنفسهم فقط من يؤمنون بالله. ما الذي يحدث هنا؟ هذا له علاقة بتقدير الله. لقد اختارك الله، وليس هم؛ ويستغل الله أيديهم لتربيتك حتى تصل إلى الرشد، ثم يدخلك في عائلة الله. وحين تكون طفلًا، الموقف الذي يجب أن تتبناه تجاه توقعات والديك هو التمييز بين الصواب والخطأ. إذا كانت الطريقة التي يعاملانك بها لا تتماشى مع كلام الله أو حقيقة أن "مصائر الناس بيد الله"، فيمكنك أن ترفض توقعاتهما وتتفاهم مع والديك بالمنطق حتى يفهما. إذا كنت لا تزال قاصرًا وهما يقمعانك، ويجبرانك على فعل ما يطلبانه، فلا يمكنك إلا أن تصلي إلى الله بصمت وتدعه يفتح لك مخرجًا. ولكن إذا كنت بالغًا، فيمكنك بكل تأكيد أن تقول لهما: "كلا، ليس عليّ أن أعيش وفقًا للطريقة التي حددتماها لي. ليس عليّ أن أختار طريقي في الحياة، وطريقة وجودي، وهدفي في السعي وفقًا للطريقة التي حددتماها لي. لقد استوفيتما بالفعل التزامكما بتربيتي. إذا كان بإمكاننا الانسجام معًا وأن يكون لدينا مساعٍ وأهداف مشتركة، فيمكن أن تبقى علاقتنا كما كانت؛ ولكن إذا لم نعد نتشارك التطلعات والأهداف نفسها، فيمكننا أن نَفْتَرِق ونتبادل الوداع في الوقت الحالي". كيف يبدو ذلك؟ هل تجرؤ على قول هذا؟ ليست هناك حاجة بالطبع إلى قطع علاقتك بوالديك رسميًا بهذه الطريقة، ولكن على الأقل، يجب أن ترى في أعماق قلبك هذه النقطة بوضوح: على الرغم من أن والديك هما أقرب الناس إليك، إلا أنهما ليسا من منحاك الحياة حقًا، ومكناك من السير في طريق الحياة الصحيح، وجعلاك تفهم كل مبادئ التصرف. إنه الله. لا يستطيع والداك أن يقدما لك الحق أو أن يقدما لك أي نصيحة سليمة تنطوي على الحق. لذلك، من جهة علاقتك بوالديك، مهما كان ما استثمراه فيك، ومهما أنفقا عليك من مال وجهد، فلا داعي لأن تحمّل نفسك أي شعور بالذنب. لماذا؟ (لأن هذه هي المسؤولية والالتزام اللذين يقعان على عاتق الوالدين. إذا كان الوالدان يفعلان كل هذا من أجل أن يبرز الأبناء بين أقرانهم ومن أجل تحقيق رغبات الوالدين الخاصة، فهذه مقاصدهم ودوافعهم الخاصة؛ وليس ما عين لهما الله أن يقوما به. لذلك، لا داعي للشعور بالذنب). هذا جانب واحد فحسب. والجانب الآخر هو أنك تسير حاليًا على الطريق الصحيح، وتسعى إلى الحق، وتأتي أمام الخالق لأداء واجبات الكائن المخلوق؛ لذلك لا ينبغي أن يساورك أي شعور بالذنب تجاههما. إن مسؤوليتهما تجاهك، التي يفترض أنهما قاما بها، كانت ببساطة جزءًا من ترتيب الله. إذا كنت سعيدًا خلال الوقت الذي قاما فيه بتربيتك، فقد كان ذلك من فضل الله عليك. أما إذا كنت تعيسًا، فبالطبع كان ذلك أيضًا من ترتيب الله. يجب أن تكون ممتنًا لأن الله قد سمح لك اليوم بالمغادرة ولأنه أتاح لك الفرصة لترى بوضوح جوهر والديك وأي نوع من الأشخاص هما. يجب أن يكون لديك فهم دقيق لكل هذا من أعماق قلبك، بالإضافة إلى حل دقيق وطريقة للتعامل معه. ألا تشعر بهذه الطريقة بمزيد من الهدوء في أعماقك؟ (بلى). إذا كنت أكثر هدوءً، فهذا رائع. على أي حال، في هذه الأمور، وبغض النظر عن مطالب والديك منك من قبل أو مطالبهما منك الآن، بما أنك تفهم الحق ومقاصد الله، وبما أنك تفهم ما الذي يطالب الله الناس به – وكذلك ما هي العواقب التي تجلبها توقعات والديك عليك – فلا ينبغي أن تشعر بالقلق بعد الآن حيال هذا الأمر بأي شكل من الأشكال. لا داعي لأن تشعر بأنك خيبت أمل والديك، أو تشعر بأنه بسبب اختيارك الإيمان بالله وأداء واجباتك فقد أخفقت في توفير حياة أفضل لوالديك، وفشلت في مرافقتهما والوفاء بمسؤوليتك البنوية تجاههما، مما جعلهما يشعران بالفراغ العاطفي. لا داعي لأن تشعر بالذنب حيال ذلك. هذه هي الأعباء التي يجلبها الوالدان على أبنائهما، وهذه كلها أمور يجب أن تتخلى عنها. إذا كنت تؤمن حقًا بأن كل شيء بيد الله، فعليك أن تؤمن بأن مسألة مقدار المشقة التي يتحملانها ومقدار السعادة التي ينعمان بها طوال حياتهما هي أيضًا بيد الله. سواء كنت بارًا بوالديك أم لا، فلن يغير هذا من الأمر شيء، إذ أن برك بوالديك لن يقلل من معاناتهما، ولن يعانيا أكثر لأنك لست بارًا بهما. لقد قدّر الله مصيرهما منذ زمن بعيد، ولن يتغير شيء من هذا بسبب موقفك تجاههما أو عمق المشاعر بينكم. لديهما مصيرهما الخاص. وسواء كانا فقيرين أم غنيين طوال حياتهما، وسواء سارت الأمور معهما بسلاسة أم لا، أو ما نوع الحياة التي يتمتعان بها والمزايا المادية والمكانة الاجتماعية والظروف المعيشية التي يتمتعان بها، فلا علاقة لك بأي من هذا. إذا كنت تشعر بالذنب تجاههما، وإذا كنت تشعر بأنك مدين لهما بشيء، وأنه ينبغي عليك أن تكون إلى جانبهما، فما الذي سيتغير حتى لو كنت إلى جانبهما؟ (لن يتغير شيء). قد يكون ضميرك مرتاحًا وخاليًا من الذنب. ولكن إذا كنت إلى جانبهما كل يوم، وتراهما لا يؤمنان بالله، ويسعيان وراء أمور دنيوية، وينشغلان بالأحاديث التافهة والثرثرة، فكيف سيكون شعورك؟ هل ستشعر في قلبك بالراحة؟ (كلا). هل يمكنك تغييرهما؟ هل يمكنك تخليصهما؟ (كلا). إذا مرضا، وكان لديك الوسائل للجلوس بجوارهما لرعايتهما وتخفيف معاناتهما قليلًا، وتوفير بعض الراحة لهما بوصفك ابنهما، فبمجرد شفائهما، سيشعران بالراحة الجسدية أيضًا. لكن إذا ذكرت لهما شيئًا واحدًا عن الإيمان بالله، فيمكنهما أن يردا عليك بثماني أو عشر حجج مضادة، وينطقا بمغالطات بغيضة تكفي لإزعاجك طيلة حياتك. قد يكون ضميرك مستريحًا ظاهريًا، وقد تشعر أنهما لم يربياك عبثًا، وأنك لست ناكرًا للجميل لا يعيرهما اهتمامًا، وأنك لم تعط جيرانك الفرصة للسخرية. ولكن لمجرد أن ضميرك مستريح، هل هذا يعني أنك تتقبل حقًا أفكارهما، وآراءهما، ونظرتهما للحياة، وأساليب حياتهما المختلفة من أعماق قلبك؟ هل أنت متوافق معهما حقًا؟ (كلا). لا يمكن لطرفين يسيران في طريقين مختلفين ويحملان وجهات نظر مختلفة، بغض النظر عن أي علاقة أو صلة جسدية أو عاطفية تربطهما، أن يغيرا وجهة نظر الطرف الآخر. لا بأس إذا لم يناقش الطرفان الأمور معًا، ولكن بمجرد أن يناقشا الأمور يبدآن في الجدال، وتنشأ الخلافات وسيكرهان بعضهما بعضًا ويشعران بالضيق من بعضهما بعضًا. على الرغم من أنه تربط بينهما ظاهريًا صلة دم، إلا أنهما من الداخل عدوّان، نوعان من الناس غير متوافقين كالماء والنار. في هذه الحالة، إذا كنت لا تزال إلى جانبهما، فلماذا تفعل ذلك؟ هل تبحث فحسب عن شيء يعكر صفوك أم لسبب آخر؟ ستشعر بالندم في كل مرة تقابلهما فيها، وهذا ما يسمى بالشقاء الذي تجلبه على نفسك. يفكر بعض الناس قائلين لأنفسهم: "لقد مرت سنوات عديدة منذ أن رأيت والديّ. لقد فعلا في الماضي بعض الأشياء البغيضة، وجدّفا على الله، وعارضا إيماني بالله. لقد كبرا كثيرًا الآن، ولا بد أنهما قد تغيرا. لذلك لا ينبغي أن أهتم بالأمور السيئة التي فعلاها، فمعظمها أصبح في طي النسيان على أي حال. وعلاوة على ذلك، أفتقدهما، سواء من الناحية العاطفية أو من ناحية الضمير، وأتساءل عن أحوالهما. لذا أعتقد أنني سأعود للاطمئنان عليهما". ولكن في غضون يوم واحد من عودتك إلى المنزل، تعود إليك مشاعر الاشمئزاز التي شعرت بها تجاههما في الماضي، وتندم مفكرًا: "هل هذه تسمى أسرة؟ هل هذان هما والداي؟ أليسا عدوين؟ لقد كانا كذلك من قبل، ولا يزالان بالشخصية نفسها الآن؛ لم يتغيرا على الإطلاق!". كيف كان يمكن أن يتغيرا؟ ما كانا عليه في الأصل هو ما سيكونان عليه دائمًا. هل تصورت أنهما كانا سيتغيران مع تقدمهما في العمر، وكان بإمكانك أن تتوافق معهما؟ لا مجال للتوافق معهما. بمجرد دخولك إلى المنزل عند عودتك، سينظران إلى ما تحمله في يديك ليريا ما إذا كان شيئًا غالي الثمن مثل أذن البحر، أو خيار البحر، أو زعنفة سمك القرش، أو مثانة العوم لدى السمك، أو ربما حقيبة وملابس لمصممين مشاهير، أو حلي ذهبية وفضية. وبمجرد أن يرياك تحمل كيسين بلاستيكيين، أحدهما به الخبز الصغير المحشو على البخار والآخر به ثمرتي موز، سيريان أنك لا تزال فقيرًا ويبدآن في التذمر: "سافرت ابنة فلان إلى الخارج وتزوجت من أجنبي. الأساور التي تشتريها لوالديها مصنوعة من الذهب الخالص ويتباهون بها كلما سنحت لهما الفرصة. اشترى فلان ابن فلان سيارة وهو يأخذ والديه للسفر والقيام برحلات إلى الخارج كلما سنحت له الفرصة. إنهم جميعًا يتنعمون بخير أبنائهم! لا تعود ابنة فلان إلى المنزل فارغة اليدين. إنها تشتري حمامات القدمين وكراسي التدليك لوالديها، والملابس التي تشتريها إما حرير أو صوف. لقد أنجبوا أطفالًا بارين بآبائهم؛ كل رعايتهم لهم لم تكن عبثًا! كل من ربيناهم في هذه الأسرة ناكرين للجميل!". أليست هذه صفعة على الوجه؟ (بلى). إنهما لا يكترثان بالموز والخبز الصغير المحشو المطهي على البخار، وأنت لا تزال تفكر في الوفاء بمسؤولياتك كابن وفي بر الوالدين. يحب والداك الموز والخبز الصغير المحشو المطهي على البخار وأنت لم ترهما منذ سنوات عديدة، لذلك تشتري هذه الأشياء للتأثير فيهما والتكفير عن تأنيب ضميرك. ولكن عند عودتك، لا يقتصر الأمر على أنك لا تتمكن من التكفير عن تأنيب ضميرك فحسب، بل ستعاني أيضًا من الانتقادات، ويغلبك الاكتئاب وتهرب من المنزل. هل كانت ثمة فائدة من ذهابك إلى المنزل لزيارة والديك؟ (كلا). أنت لم تعد إلى المنزل منذ فترة طويلة، لكنهما لا يفتقدانك؛ لا يقولان: "يكفينا أنك عدت. لست بحاجة إلى شراء أي شيء. من الجيد أن نرى أنك على الطريق الصحيح، وتعيش حياة صحية وأنك آمن من جميع النواحي. رؤيتنا لبعضنا بعضًا وإجراء محادثة صادقة من القلب أمر مُرضٍ بما فيه الكفاية". إنهما لا يهتمان بما إذا كنت على ما يرام خلال هذه السنوات، أو ما إذا كنت قد واجهت أي صعوبات أو مشاكل تحتاج إلى مساعدة والديك فيها. لا يقدمان لك كلمة مواساة واحدة. ولكن إذا كانا قد قالا مثل هذه الأشياء حقًا، ألن تكون عندئذ غير قادر على المغادرة؟ بعد أن يوبخانك، تنهض وتشعر بأنك مبرر تمامًا، دون أي ذنب، وتفكر بينك وبين نفسك: "يجب أن أخرج من هنا، هذا حقًا مطهر! سيسلخان جلدي، ويأكلان لحمي، ولا يزالان يريدان شرب دمي". إن العلاقة الأبوية هي أصعب علاقة يمكن أن يتعامل معها الشخص عاطفيًا، لكنها في الحقيقة لا تستعصي تمامًا على التعامل معها. لا يمكن للناس التعامل مع هذا الأمر بشكل صحيح وعقلاني سوى على أساس فهم الحق. لا تنطلق من منظور المشاعر، ولا تنطلق من رؤى الأشخاص الدنيويين أو وجهات نظرهم، بل عامل والديك بدلًا من ذلك بالطريقة الصحيحة وفقًا لكلام الله. ما هو الدور الذي يلعبه الوالدان بالفعل، وما الذي يعنيه الأبناء بالفعل لوالديهم، وما هو الموقف الذي يجب أن يتخذه الأبناء تجاه والديهم، وكيف ينبغي أن يتعامل الناس مع العلاقة بين الوالدين والأبناء ويعالجونها؟ لا ينبغي أن ينظر الناس إلى هذه الأمور بناءً على المشاعر، ولا ينبغي أن يتأثروا بأي أفكار خاطئة أو مشاعر سائدة، بل يجب التعامل معها بشكل صحيح بناءً على كلام الله. إذا قصرتَ في القيام بأي من مسؤولياتك تجاه والديك في البيئة التي عينها الله، أو إذا لم تلعب أي دور في حياتهما مهما كان، فهل هذا عقوق؟ هل سيؤنبك ضميرك؟ سيوبخك جيرانك، وزملاؤك، وأقاربك، وينتقدونك من وراء ظهرك. وسينعتونك بالابن العاق قائلين: "لقد ضحّى والداك بالكثير من أجلك، وبذلا الكثير من الجهد المضني من أجلك، وفعلا الكثير من أجلك منذ كنت صغيرًا، وأنت، الابن العاق، تختفي دون أثر، ولا ترسل حتى كلمة واحدة لتطمئنهما أنك بأمان. لا يقتصر الأمر على عدم عودتك في العام الجديد فحسب، بل إنك لا تتصل هاتفيًا ولا ترسل حتى تحية لوالديك". في كل مرة تسمع فيها مثل هذه الكلمات، ينزف ضميرك ويبكي، وتشعر بالإدانة. تقول لنفسك: "إنهم على حق". يحمرّ وجهك خجلًا، ويرتجف قلبك كما لو كان يوخز بالإبر. هل راودتك هذه المشاعر من قبل؟ (نعم، راودتني من قبل). هل الجيران وأقاربك على حق في قولهم إنك غير بار بوالديك؟ (لا، لست غير بار). اشرح طريقة تفكيرك. (على الرغم من أنني لم أكن إلى جانب والديّ خلال هذه السنوات، ولم أتمكن من تحقيق أمنياتهما كما يفعل الأشخاص الدنيويون، فإن سيرنا في طريق الإيمان بالله كان مقدرًا من الله. إنه الطريق الصحيح في الحياة، وهو أمر عادل. لهذا السبب أقول إنني لم أكن غير بار). لا يزال استدلالكم مبنيًا على التعاليم التي كان الناس يفهمونها في الماضي. ينقصك التفسير الفعلي والفهم الفعلي. من يريد أيضًا مشاركة أفكاره معنا؟ (أتذكر عندما سافرت إلى الخارج للمرة الأولى، في كل مرة كنت أفكر فيها كيف أن عائلتي لم تكن تعرف ما كنت أفعله في الخارج، وكيف أنهم ربما انتقدوني وقالوا إنني لم أكن بارة، وإنني ابنة غير بارّة لعدم وجودي هناك لرعاية والديّ؛ شعرت بأنني مكبلة ومقيدة بهذه الأفكار. كنت أشعر أنني مدينة لوالديّ في كل مرة كنت أفكر في ذلك. لكن من خلال شركة الله اليوم، أشعر أن رعاية والديّ لي من قبل كانت قيامًا منهما بمسؤولياتهما الأبوية، وأن عطفهما عليّ كان مقدّرًا من الله، وأنني يجب أن أكون شاكرة لله وأرد له محبته. والآن لا ينبغي أن أشعر بأنني مدينة لوالديّ بعد أن آمنت بالله وسرت في الطريق الصحيح في الحياة، وهو أمر عادل. وبالإضافة إلى ذلك، سواء تمكن والداي من الاستمتاع برعاية أولادهما بوجودهم إلى جانبهما أم لا، هو أيضًا أمرٌ قدّره الله مسبقًا. بعد فهم هذه الأمور، يمكنني إلى حد ما أن أتخلى عن الإحساس الذي كنت أشعر به في قلبي بأنني مدينة لهما). جيد جدًا. أولاً: يختار معظم الناس ترك المنزل لأداء واجباتهم جزئيًا لظروف موضوعية قاهرة تحتم عليهم ترك والديهم؛ فلا يستطيعون البقاء بجانب والديهم لرعايتهم ومرافقتهم. ليس الأمر أنهم اختاروا بإرادتهم ترك والديهم؛ هذا هو السبب الموضوعي. ومن ناحية أخرى، من الناحية الشخصية، أنت تخرج لأداء واجباتك ليس لأنك أردت ترك والديك والهروب من مسؤولياتك، ولكن بسبب دعوة الله لك. من أجل التعاون مع عمل الله، وقبول دعوته، وأداء واجبات الكائن المخلوق، لم يكن أمامك خيار سوى ترك والديك؛ لم يكن بإمكانك البقاء إلى جانبهما لمرافقتهما ورعايتهما. أنت لم تتركهما للتهرب من المسؤوليات، أليس كذلك؟ تركك لهما للتهرب من مسؤولياتك واضطرارك إلى تركهما لتلبية دعوة الله وأداء واجباتك، أليس هذان أمران مختلفان في طبيعتهما؟ (بلى). لديك في قلبك ارتباطات عاطفية وتفكر في والديك؛ فمشاعرك ليست خاوية. إذا سمحت الظروف الموضوعية، وكان بإمكانك البقاء إلى جانبهما مع أداء واجباتك أيضًا، فستكون على استعداد للبقاء إلى جانبهما ورعايتهما بانتظام والقيام بمسؤولياتك. ولكن بسبب ظروف موضوعية، يجب عليك أن تتركهما؛ لا يمكنك البقاء إلى جانبهما. المسألة ليست أنك لا تريد الوفاء بمسؤولياتك باعتبارك ابنهما، المسألة هي أنه لا يمكنك ذلك. أليس هذا مختلفًا في طبيعته؟ (بلى). إذا تركت المنزل لتتجنب البر بوالديك والوفاء بمسؤولياتك، فهذا عقوق ويفتقر إلى الإنسانية. لقد ربّاك والداك، لكنك لا تطيق صبرًا لفرد جناحيك والانطلاق بسرعة بمفردك. لا ترغب في رؤية والديك، ولا تعير أي اهتمام عندما تسمع عن بعض الصعوبات التي واجهاها. وحتى لو كانت لديك الوسائل للمساعدة، فإنك لا تفعل، بل تتظاهر بأنك لا تسمع وتترك الآخرين يقولون ما يريدون عنك؛ أنت ببساطة لا تريد أن تفي بمسؤولياتك. هذا هو عدم البر بالوالدين. لكن هل هذا هو الحال الآن؟ (كلا). لقد غادر العديد من الأشخاص مقاطعاتهم، أو مدنهم، أو أقاليمهم، أو حتى بلدانهم، لأداء واجباتهم؛ فهم بالفعل بعيدون عن مسقط رأسهم. علاوة على ذلك، ليس من المناسب لهم البقاء على اتصال مع عائلاتهم لأسباب مختلفة. إنهم يستفسرون في بعض الأحيان عن وضع والديهم الحالي من أشخاص من مسقط رأسهم نفسه ويشعرون بالارتياح عندما يسمعون أن والديهم لا يزالون بصحة جيدة ويتدبرون أمورهم بشكل جيد. في الواقع، أنت لست غير بار بوالديك، ولم تصل بعد إلى درجة انعدام الإنسانية، حيث لا تريد حتى الاهتمام بوالديك أو الوفاء بمسؤولياتك تجاههما. أنت مضطر إلى هذا الاختيار لأسباب موضوعية عديدة، لذا فأنت لست غير بار بوالديك. هذان هما السببان. وهناك سبب آخر أيضًا: إذا لم يكن والداك من النوع الذي يضطهدك أو يعرقل إيمانك بالله بشدة، أو إذا كانا من النوع الذي يؤيد إيمانك بالله، أو إذا كانا من الإخوة والأخوات المؤمنين بالله مثلك، وكانا هما أيضًا من أعضاء بيت الله، فأي منكم لا يصلي إلى الله في صمت عندما يفكر في والديه في أعماق نفسه؟ من منكم لا يستودع والديه – صحتهما، وسلامتهما، وكل احتياجاتهما الحياتية – بين يدي الله؟ إن أفضل طريقة لإظهار الاحترام لوالديك هي أن تودعهما بين يدي الله. أنت لا تتمنى لهما أن يواجها كافة أنواع الصعوبات في حياتيهما، ولا تتمنى لهما أن يعيشا حياة سيئة، أو أن يأكلا طعامًا سيئًا، أو أن يعانيا من صحة معتلة. أنت تتمنى بالتأكيد في أعماق قلبك أن يحميهما الله ويحفظهما. إذا كانا مؤمنين بالله، فأنت تتمنى أن يتمكنا من أداء واجباتهما الخاصة وتتمنى أيضًا أن يتمسكا بشهادتهما. هذا هو وفاء المرء بمسؤولياته؛ إذ لا يمكن للناس تحقيق أكثر من هذا بإنسانيتهم. علاوة على ذلك، أهم شيء هو أنه بعد سنوات من الإيمان بالله والاستماع إلى الكثير من الحقائق، على الأقل يكون لدى الناس هذا القدر اليسير من الفهم والإدراك: إن مصير الإنسان تحدده السماء، والإنسان يعيش بين يدي الله، والحصول على رعاية الله وحمايته أهم بكثير من اهتمامات الإنسان وبره بوالديه ورفقة أولاده له. ألا تشعر بالارتياح لأن والديك في رعاية الله وحمايته؟ لا داعي للقلق عليهما. إذا كنت قلقًا، فهذا يعني أنك لا تثق بالله؛ إيمانك به ضئيل للغاية. إذا كنت قلقًا حقًا على والديك ومشغولًا عليهما، فعليك أن تصلي إلى الله كثيرًا، وأن تستودعهما بين يدي الله، وتدع الله ينظم كل شيء ويرتبه. إن الله يحكم مصير البشر ويحكم كل يوم وكل ما يحدث لهم، فما الذي لا يزال يقلقك حتى الآن؟ أنت لا تستطيع حتى أن تتحكم في حياتك،(أ) أنت نفسك تواجه الكثير من الصعوبات؛ ماذا يمكنك أن تفعل لتجعل والديك يعيشان بسعادة كل يوم؟ كل ما يمكنك فعله هو أن تستودع كل شيء بين يدي الله. إذا كانا مؤمنين، اطلب من الله أن يهديهما إلى الطريق الصحيح حتى يُخلصا في النهاية. وإذا لم يكونا مؤمنين، فدعهما يسيران في الطريق الذي يريدانه. أما الوالدان اللذان يتصفان بالطيبة وبعض الإنسانية، فيمكنك أن تصلي إلى الله أن يباركهما ليقضيا ما تبقى لهما من العمر في سعادة. أما فيما يخص عمل الله، فالله له ترتيباته، وعلى الناس أن يخضعوا لها. لذا، بوجه عام، يتمتع الناس بالوعي في ضمائرهم بالمسؤوليات التي يؤدونها تجاه والديهم. وبغض النظر عن الموقف الذي يجلبه هذا الوعي تجاه الوالدين، سواء كان القلق أو اختيار التواجد إلى جانبهما، ففي كل الأحوال، لا ينبغي أن يشعر الإنسان بالذنب أو أن يكون ضميره مثقلًا لأنه لم يستطع الوفاء بمسؤولياته تجاه والديه بسبب تأثره بظروف موضوعية. لا ينبغي أن تصبح هذه المشكلات وأمثالها مضايقات في حياة الناس الإيمانية بالله؛ بل يجب التخلي عنها. عندما يتعلق الأمر بهذه الموضوعات المتعلقة بالوفاء بالمسؤوليات تجاه الوالدين، يجب أن يكون لدى الناس هذه الأفهام الدقيقة ولا ينبغي أن يشعروا بالتقيد بعد ذلك. فمن جهة، أنت تعلم من أعماق قلبك أنك لست غير بار بوالديك ولست تتنصل من مسؤولياتك أو تتهرب منها. ومن ناحية أخرى، فإن والديك بين يدي الله، فما الذي لا يزال يدعو للقلق؟ لا داعي لأي قلق قد يراود المرء. سيعيش كل شخص بسلاسة وفقًا لسيادة الله وترتيباته حتى النهاية، ويصل إلى نهاية طريقه، دون أي انحراف. لذلك، لا يحتاج الناس إلى أن يقلقوا أنفسهم بشأن هذا الأمر بعد الآن. سواء كنت بارًا بوالديك، أو ما إذا كنت قد وفيت بمسؤولياتك تجاه والديك، أو ما إذا كان عليك أن تردّ عطف والديك؛ هذه أمور لا ينبغي أن تفكر فيها، بل هي أمور يجب أن تتخلى عنها. أليس هذا صحيحًا؟ (بلى).

فيما يتعلق بموضوع توقعات الآباء والأمهات من أبنائهم، عقدنا شركة حول جوانب الدراسة والعمل. ما هي الحقائق التي يجب أن يفهمها الناس في هذا الصدد؟ إذا استمعت إلى والديك واجتهدت بشدة في الدراسة وفقًا لتوقعاتهم، فهل هذا يعني أنك تضمن أنك ستحقق نجاحًا كبيرًا؟ هل يمكن لهذا أن يغيّر مصيرك حقًا؟ (كلا). إذًا ما الذي ينتظرك في المستقبل؟ إنه ذلك الذي رتبه الله لك؛ المصير الذي يجب أن يكون لك، والمكانة التي يجب أن تكون لك بين الناس، والطريق الذي يجب أن تسلكه، والبيئة المعيشية التي يجب أن تكون لك. لقد رتب الله هذه الأمور لك منذ زمن بعيد. لذا يجب ألا تحمل أي أعباء عندما يتعلق الأمر بتوقعات والديك. سيظل مصيرك كما هو إذا فعلت ما يطلبه والداك، وكذلك إذا لم تتبع توقعات والديك وخيّبت آمالهما، سيظل مصيرك كما هو. وأيًا كان الطريق المقدَّر أمامك، فسيكون كما هو مُقدَّر؛ فقد عيّنه الله بالفعل. وبالمثل، إذا لبيت توقعات والديك وأرضيتهما ولم تخذلهما، فهل يعني ذلك أنهما سيعيشان حياة أفضل؟ هل يمكن لذلك أن يغير مصيرهما من المعاناة وسوء المعاملة؟ (كلا). يعتقد بعض الناس أن والديهم قد أسبغوا عليهم الكثير من الإحسان في تربيتهم، وأن والديهم عانوا كثيرًا خلال تلك الفترة، لذلك فهم يريدون أن يجدوا عملًا جيدًا، ثم يتحملون المشقة، ويكدحون، ويجتهدون، ويكدون في العمل لكسب الكثير من المال وتكوين ثروة. هدفهم هو أن يوفروا لوالديهم في المستقبل حياة مرفهة، ليعيشا في فيلا، ويقودان سيارة فارهة، ويأكلان ويشربان جيدًا. ولكن بعد سنوات من الكد في العمل، وعلى الرغم من تحسن ظروفهم وأحوالهم المعيشية، يتوفى آباؤهم دون أن ينعموا بيوم واحد من هذا الرخاء. من الملام على ذلك؟ إذا تركتَ الأمور تأخذ مجراها، وتركتَ الله يرتب الأمور، ولم تتحمل هذا العبء، فلن تشعر بالذنب عندما يتوفى والداك. ولكن إذا أهلكت نفسك في العمل لتكسب المال لتردّ لوالديك الجميل وتساعدهما على أن يعيشا حياة أفضل، لكنهما يموتان بعد ذلك، فكيف سيكون شعورك؟ هل ستظل قادرًا على العيش بارتياح لبقية حياتك إذا تأخرت في أداء واجبك وتأخرت في كسب الحق؟ (كلا). ستتأثر حياتك، وستظل دائمًا تحمل عبء "خذلانك لوالديك" لبقية حياتك. يبذل بعض الناس جهودًا كبيرة في العمل والسعي وكسب المال حتى لا يخيبوا آمال آبائهم ويردوا لهم جميل تربيتهم. وبعد ذلك، عندما يصبحون أثرياء ويمتلكون القدرة على شراء الطعام الجيد، يدعون والديهم إلى وجبة طعام ويطلبون مائدة مليئة بالأطباق الفاخرة قائلين "تفضلوا. أتذكر عندما كنت صغيرًا كانت هذه الأطعمة هي المفضلة لديكما؛ تناولاها!" ولكن، مع تقدم والديهم في السن، فقدا معظم أسنانهما وأصبحت شهيتهما ضعيفة، لذا يختاران الأطعمة اللينة وسهلة الهضم كالخضراوات وأطعمة مصنوعة من العجين ويشبعان بعد بضع قضمات فحسب. تشعرك رؤية هذه المائدة الكبيرة المليئة بالطعام الذي لم يؤكل بالحزن. لكن والداك يشعران بالرضا التام، فهذه هي الكمية التي يجب أن يأكلاها في مثل هذا العمر المتقدم؛ إنه أمر طبيعي، فهما لا يطلبان الكثير. تشعر بالتعاسة في داخلك، ولكن لم التعاسة؟ لم يكن من الضروري أن تفعل هذه الأشياء. لقد تحدد مقدار السعادة والمشقة التي سيختبرها والداك في حياتهما منذ زمن بعيد، ولا يمكن تغييره بسبب رغبتك أو إرضاءً لمشاعرك. لقد قدَّر الله ذلك منذ زمن بعيد، لذا لا داعي لأي شيء يفعله الناس. ماذا تقول هذه الحقائق للناس؟ ما يجب أن يقوم به الوالدان هو تربيتك وتركك تكبر بشكل صحي وسلس، وأن تشرع في الطريق الصحيح، وتضطلع بالمسؤوليات والالتزامات التي يجب أن تضطلع بها بوصفك كائنًا مخلوقًا. لا يهدف كل هذا إلى تغيير مصيرك، بل ولا يمكن أن يغيّر مصيرك؛ بل يؤديان دورًا تكميليًا وتوجيهيًا فحسب، ويربيانك حتى تبلغ سن الرشد ويوجهانك إلى الطريق الصحيح للحياة. ما لا ينبغي لك أن تفعله هو أن تحاول بيدك خلق السعادة لوالديك، أو تغيير مصيرهما، أو السماح لهما بالتمتع بثروة عظيمة والطعام والشراب الجيدين. هذه أفكار حمقاء. هذا العبء ليس عبئًا ينبغي لك حمله، بل هو عبء يجب أن تتخلى عنه. لا ينبغي لك أن تقدم أي تضحيات لا طائل من ورائها أو تفعل أي أشياء لا طائل من ورائها لترد لوالديك الجميل، أو تغيّر مصيرهما، أو تمكنهما من الحصول على المزيد من النعم ومعاناة أقل، لإرضاء الاحتياجات الشخصية لضميرك أو مشاعرك، وتجنب إحباطهما. هذه ليست مسؤوليتك، وليس ما يجب أن تفكر فيه. ينبغي على الآباء الوفاء بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم وفقًا لظروفهم الخاصة ووفقًا للظروف والبيئة التي أعدها الله، ويعتمد كذلك ما ينبغي للأبناء أن يفعلوه لوالديهم على الظروف التي يستطيعون تحقيقها والبيئة التي هم فيها؛ هذا كل ما في الأمر. لا ينبغي أن يكون كل ما يفعله الوالدان أو الأبناء بغرض تغيير مصير الطرف الآخر من خلال قوته الخاصة أو رغباته الأنانية، بحيث يتمكن الطرف الآخر من أن يعيش حياة أفضل، وأسعد، وأكثر مثالية بسبب جهوده. ينبغي على كل من الوالدين والأبناء أن يتركوا الأمور تأخذ مجراها الطبيعي ضمن البيئات التي رتبها الله، بدلًا من محاولة تغيير الأمور من خلال جهودهم الخاصة أو أي قرارات شخصية. لن يتغير مصير والديك لأن لديك هذا النوع من الأفكار بخصوصهما؛ فمصيرهما قد قدَّره الله منذ زمن بعيد. وقد قدَّر الله لك أن تعيش في نطاق حياتهما، وأن تولد من صلبهما، وأن تتربى على أيديهما، وأن تكون لك هذه العلاقة معهما. لذا فإن مسؤوليتك تجاههما هي فقط مصاحبتهما وفق ظروفك وأداء بعض الالتزامات. أما أن ترغب في تغيير وضع والديك الحالي، أو أن ترغب في أن ينعما بحياة أفضل، فهذا كله لا ضرورة له. أو أن تجعل جيرانك وأقاربك يتطلعون إليك، أو أن تشرّف والديك، أو أن تضمن لوالديك مكانة مرموقة في العائلة، فهذا لا داعي له بالأحرى. هناك أيضًا الأمهات أو الآباء غير المتزوجين الذين تركهم أزواجهم وزوجاتهم وربوك كابن لهم حتى الرشد بمفردهم. تشعر بدرجة أكبر كيف كان الأمر صعبًا عليهم، وتريد أن تستغل حياتك كلها لرد الجميل لهم وتعويضهم، إلى درجة القيام بكل ما يطلبوه. إن ما يطلبوه منك، وما يتوقعوه منك، بالإضافة إلى ما أنت على استعداد للقيام به، كل ذلك يصبح أعباءً في حياتك؛ ولا ينبغي أن يكون الحال كذلك. أنت في حضرة الخالق كائن مخلوق. ما يجب عليك القيام به في هذه الحياة ليس فقط الوفاء بمسؤولياتك تجاه والديك، بل الوفاء بمسؤولياتك وواجباتك بوصفك كائنًا مخلوقًا. لا يمكنك الوفاء بمسؤولياتك تجاه والديك إلا على أساس كلام الله ومبادئ الحق، وليس من خلال القيام بأي شيء من أجلهما بناءً على احتياجاتك العاطفية أو احتياجات ضميرك. وبالطبع، فإن الوفاء بمسؤولياتك والتزاماتك تجاههما وفقًا لكلام الله ومبادئ الحق هو أيضًا جزء من واجباتك بوصفك كائنًا مخلوقًا، وهي المسؤولية التي منحها الله للإنسان. يستند الوفاء بهذه المسؤولية إلى كلام الله وليس احتياجات الإنسان. لذا، يمكنك بسهولة أن تعامل والديك وفقًا لكلام الله، وأن تفي بمسؤولياتك والتزاماتك تجاههما. الأمر بهذه البساطة. هل من السهل القيام بذلك؟ (نعم). لماذا من السهل القيام به؟ الجوهر هنا، وكذلك مبادئ الحق التي يجب أن يلتزم بها الناس، واضحان للغاية. الجوهر هو أنه لا يمكن للآباء ولا الأبناء تغيير مصير أحدهما الآخر. سواء حاولتم جاهدين أم لا، سواء كنتم على استعداد للوفاء بمسؤولياتكم أم لا، لا شيء من ذلك يمكن أن يغير مصير الآخر. سواء كنت تحملهم في قلبك أم لا، فهذا مجرد اختلاف في الاحتياج العاطفي، ولن يغير أي حقائق. لذا فإن أبسط ما يمكن أن يفعله الناس هو أن يتخلوا عن مختلف الأعباء التي جلبتها توقعات والديهم. أولًا وقبل كل شيء، يجب أن تنظر إلى كل هذه الأشياء وفقًا لكلام الله، وثانيًا، يجب أن تتعامل مع العلاقة مع والديك وتتناولها وفقًا لكلام الله. الأمر بهذه البساطة. أليس الأمر سهلاً؟ (بلى). إذا قبلتَ الحق، فستكون كل هذه الأمور سهلة، وفي أثناء اختبارك، سيزداد شعورك بأن هذا هو الحال حقًا. لا أحد يستطيع تغيير مصير شخص ما؛ فمصير الإنسان بيد الله وحده. لن ينجح الأمر مهما حاولت. بالطبع سيقول بعض الناس: "كل الأشياء التي قلتها حقائق، لكنني أشعر أن التصرف بهذه الطريقة يفتقر للدفء الإنساني. أشعر دائمًا بوخز الضمير، ولا يمكنني تحمل ذلك". إذا كنت لا تتحمل ذلك، فأرض مشاعرك فحسب؛ رافق والديك وكن قريبًا منهما، واخدمهما، وكن بارًا بهما، ونفذ ما يقولانه سواء كانا على صواب أو خطأ؛ كن تابعًا لهما وخادمهما، هذا كله جيد. بهذه الطريقة، لن ينتقدك أحد من وراء ظهرك، وحتى عائلتك ستتحدث عن مدى برّك بوالديك. غير أن الشخص الوحيد الذي سيعاني من الخسارة في النهاية هو أنت. لقد حافظتَ على سمعتك كابن بار بوالديك، وأشبعتَ احتياجاتك العاطفية، ولم يؤنبك ضميرك أبدًا، ورددتَ إحسان والديك، ولكن ثمة شيء واحد أهملته وخسرته: لم تتعامل مع كل هذه الأمور وتتناولها وفقًا لكلام الله، وأضعت الفرصة لأداء واجبك بوصفك كائنًا مخلوقًا. ما معنى هذا؟ معناه أنك كنت بارًا بوالديك، ولكنك خنت الله. لقد أظهرت بر الوالدين وأشبعت الاحتياجات العاطفية لجسد والديك، لكنك تمردت على الله. لقد فضَّلتَ أن تكون ابنًا بارًا على أن تؤدي واجباتك بوصفك كائنًا مخلوقًا. هذا أقصى آيات عدم الاحترام لله. لن يقول الله إنك شخص يخضع له أو يمتلك الإنسانية لمجرد أنك ابن بار بوالديك، وأنك لم تخيّب أمل والديك، وأن لديك ضمير، وأنك تؤدي مسؤولياتك بوصفك ابنًا. إذا كنت تشبع احتياجات ضميرك واحتياجات جسدك العاطفية فحسب، ولكنك لا تقبل كلام الله أو الحق باعتباره أساس ومبادئ التعامل مع هذا الأمر أو معالجته، فأنت تُظهر أقصى آيات التمرد على الله. إذا كنت تريد أن تكون كائنًا مخلوقًا مؤهلًا، فيجب عليك أولًا أن ترى كل شيء وتفعله وفقًا لكلام الله. وهذا ما يسمى أن تكون مؤهلًا، وأن تتمتع بإنسانية وضمير. وعلى العكس، إذا لم تقبل كلام الله باعتباره مبادئ وأساس التعامل مع هذا الأمر أو معالجته، ولا تقبل كذلك دعوة الله لك للذهاب وأداء واجباتك، أو فضّلت أن تؤخر فرصة أداء واجباتك أو تتنازل عنها من أجل البقاء إلى جانب والديك، ومرافقتهما، وإسعادهما، وإتاحة الفرصة لهما للاستمتاع بسنواتهما الأخيرة وردّ الجميل لهما، فإن الله سيقول إنك شيء بلا إنسانية أو ضمير. أنت لست كائنًا مخلوقًا، ولن يعترف بك الله.

الحواشي:

(أ) يرد في النص الأصلي "لا يمكنك حتى التحكم في نفسك".

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.