ماذا يعني السعي إلى الحق (16) الجزء الثالث
قدمنا شركة في المرة السابقة حول موضوع: "كلمة النبيل سنده". هذه مقولة يستخدمها الشيطان لإفساد الناس من حيث السلوك الأخلاقي؛ ولمناصرة هذه المقولة تأثير كبير في تفكير الناس وهو تأثير سخيف ولا يتوافق مع الحقائق؛ كما هي الحال بالنسبة إلى غيره من الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي. ما دام الشخص يفعل ما يقوله – أيًا كان ذلك – يظن الآخرون أنه يتمتع بأخلاق نبيلة وشخصية شريفة، وهذا أمر مناف للعقل ومثير للضحك على حدٍ سواء. لا تختلف هذه المقولة إطلاقًا عن غيرها من المقولات الأخرى المتعلقة بالسلوك الأخلاقي، من حيث إنها كلها هرطقات ومغالطات منافية للعقل ومضحكة. على هذا النحو إنما يمكن الإشارة إليها جميعًا، ويمكن تعريفها أيضًا على أنها سخيفة إلى أقصى الحدود ولا يمكنها الصمود أمام التمحيص. دعونا نلقي اليوم نظرة على القول المأثور عن السلوك الأخلاقي: "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا". قبل تقديم شركة حول هذا القول رسميًا، هل فكرتم يومًا في كيفية شرحه؟ كيف يمكن تشريح جوهره؟ ما السموم التي يشتمل عليها؟ ما الأفكار التي يرغب الشيطان في غرسها في الناس من خلال هذا القول؟ ما هي نية الشيطان الخبيثة؟ أي من جوانب البشر يفسده الشيطان باستخدام هذا القول؟ هل سبق أن فكرتم في هذه الأشياء؟ يمكن تفسير مقولة "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا" ببساطة على أنها تشير إلى عدم توافق المرء مع الأشخاص السيئين والقدرة على حماية النفس من التأثيرات السيئة. سواء قام شخص آخر بتقييم شخص ما على أنه "من الطين يخرج بلا شائبة" أو ما إذا كان الشخص يرغب هو نفسه في تجسيد هذا القول، فأي نوع من الأشخاص هو بشكل عام؟ إنه يدعي أنه غير قابل للفساد، ومستقيم، ومنفتح، ونزيه، وأنه مهذب يتمتع بشخصية أخلاقية نبيلة، لكنه يرى أن هذا العصر، وهذا العالم، وهذه البشرية، وحتى هذا البلد، وهذا البلاط الإمبراطوري، وهذه السلطة الرسمية ليست هكذا. ألا يكون هؤلاء الأشخاص عيَّابون في المعتاد ويشعرون بعدم الرضا عن الواقع؟ غالبًا ما يشعرون أن لديهم تطلعات كبيرة ولكنهم ولدوا في الوقت الخطأ، وأن لديهم موهبة لكن لا يمكنهم استخدامها. وهم يعتقدون أنه، سواء في السلطة الرسمية أو في المجتمع، هناك دائمًا أناس وضعاء يعترضون طريقهم، وأن لديهم عقولًا كبيرة مُخططة، وأنهم الأفراد الأكثر تميزًا، بيد أنه لا أحد يدرك مواهبهم أو يتيح لهم القيام بالمهام الهامة أبدًا. إنهم غير راضين عن الواقع ويصبحون عيَّابين، ولذا فهم يستخدمون التعبير: "من الطين يخرج بلا شائبة" لوصف أنفسهم، قائلين إنهم سيحمون أنفسهم من التأثيرات السيئة ويظلون بلا شائبة. بصراحة، فإنَّ مثل هؤلاء الناس يرون أنفسهم أنقياء يتمتعون بالسمو؛ وهم غير راضين عن الواقع. ليس لديهم بالضرورة أي موهبة حقيقية أو قدرة حقيقية، ووجهات النظر التي ينظرون بها إلى الناس والأشياء ويتصرفون ويفعلون ليست صحيحة بالضرورة أو عملية، وبالطبع أيضًا لا يمكنهم بالضرورة تحقيق أي شيء. رغم ذلك، يعتقدون أنهم يتميزون عن الناس العاديين، ودائمًا ما يقولون متنهدين بحسرة: "كل العالم مضطرب، وأنا وحدي الطاهر؛ الناس كلهم سُكارى، وأنا وحدي الواعي"، كما لو كانوا محبطين من العالم الفاني وغالبًا ما يرون شر العالم وظلامه. على وجه الدقة، أمثال هؤلاء الناس عيَّابون. إنهم يكرهون القطاعات السياسية والتجارية، ويكرهون الأوساط الأدبية والفنية والتعليمية، يكرهون وجهات نظر المثقفين بشأن مساعيهم، وينظرون بازدراء إلى المزارعين وأصحاب المعتقدات الدينية. أي نوع من الناس هؤلاء؟ أليسوا نوعًا مختلفًا من الناس؟ أليسوا غير طبيعيين بصورة ما؟ لا يتمتع هؤلاء الناس بقدرة حقيقية أو تعلُّم. إذا طلبت منهم القيام ببعض المهام العملية، فلن يكونوا بالضرورة قادرين على أداء المهمة. إنهم يستمتعون بالتذمر، وفي أوقات فراغهم ينشرون مقالات ومجموعات شعرية لفضح أمور تتعلق بالسياسة والحكومة والمجتمع وأفراد ينتمون إلى مجموعة معينة خلال فترة زمنية معينة. إنهم ينتقدون هذا اليوم وذاك غدًا، يتحدثون ببلاغة، لكنهم يتورطون في فوضى عندما يفعلون أي شيء. وفي النهاية، لا يتوافقون مع أي شخص، ولا يمكنهم إنجاز أي شيء في أي مكان، ولا يرقون إلى وظيفتهم. هذا ما يعتقدونه بالخطأ: "أنا موهوب جدًا! لا يستطيع الناس العاديون الوصول إلى مستوى فكري!" إنهم يشعرون في قلوبهم بالبؤس والاضطراب والاكتئاب. في أوقات فراغهم يتجولون، وكلما ذهبوا إلى مكان ذي أهمية تاريخية، يصرخون: "أنا عبقري مُحبط! أنا فرد متميز، لكن قلة هم من يمكنهم التعرف على الموهبة الحقيقية! لدي تطلعات كبيرة، إنه لأمر مخز أنني ولدت في الوقت الخطأ وأن حظي تعس!" إنهم يعتقدون دائمًا أنهم طموحون وجيدي التعليم ولكن لا يمكنهم أبدًا التميز عن الآخرين أو وضعهم في منصب رفيع من قبل أي شخص في السلطة، وهكذا يصبحون عيَّابين وغير راضين، ينظرون إلى الجميع بازدراء، حتى ينتهي بهم الأمر في النهاية وحيدين تمامًا. أليس هذا يستحق الرثاء؟ بصراحة، مثل هؤلاء الناس هم مجموعة مجنونة من الناس يتسمون بالغرور وبالانعزالية الشديدة، وهم غير راضين عن الواقع، ويشعرون دائمًا بالإخفاق. في الواقع، هؤلاء الأشخاص هم لا شيء، ولا يمكنهم إنجاز أي شيء، ويفعلون كل شيء بشكل سيئ، وعندما يتعلمون القليل من المعرفة، فإنهم يتباهون بها من خلال الحديث عنها حديثًا لا ينقطع. في العصور القديمة، كان هؤلاء الناس يتلون الشعر، ويكتبون القصائد، ويتباهون بمهاراتهم الأدبية؛ وكل ذلك بأسلوب متحذلق. في الوقت الحاضر، يتمتع مثل هؤلاء الأشخاص بفرص أكثر بكثير للتباهي، إذ يمكنهم إنشاء المنصات الإعلامية الخاصة بهم، ونشر التعليقات على المدونات، وما إلى ذلك. في بعض البلدان ذات الأنظمة الاجتماعية الحرة نسبيًا، غالبًا ما يكشفون عن الجانب المظلم لمختلف المجالات، مثل الجوانب المظلمة والشريرة للقطاعات الأدبية والفنية والتجارية والسياسية والثقافية. إنهم يظلون طوال اليوم ينتقدون هذا ويقللون من شأن ذاك، معتقدين أنهم موهوبون للغاية. ويرجع أصل قيامهم بكل هذه الأشياء إلى إيمانهم بأن كل ما يتعلق بهم جيد وصحيح، وأنهم بلغوا العظمة والمجد والصواب. فهم، على وجه الدقة، يحمون أنفسهم من التأثيرات السيئة، والواحد منهم "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا". يعتقدون أنهم يرون كل شيء بوضوح، وأن بوسعهم فهم كل شيء. إنهم يستخدمون النقد المستتر ضد أي شخص يفعل أي شيء، وينظرون إليه بتهكم وازدراء. لديهم دائمًا ما يقولونه عما يفعله أي شخص، أيًا كان ذلك؛ وهم ينتقدون الشخص ويقللون من شأنه. والواقع أنه ليس لديهم أي فكرة بشأن ما هم أنفسهم عليه، ولم يعرفوا قط أي منظور ووجهة نظر صحيحين وملائمين وسليمين يجب الأخذ بهما عندما يقولون أشياء. إنهم يعرفون فقط كيف يكونون طليقي اللسان وكيف يرضون أنفسهم من خلال قول كل ما يريدون قوله بتهور. هل هناك الكثير من أمثال هؤلاء الناس في المجتمع؟ (نعم). ما هم هؤلاء الناس؟ هم على وجه التحديد مجموعة مجنونة من الناس المغرورين الذين يرون أنفسهم أنقياء ويتمتعون بالسمو. لقد كان هناك الكثير من أمثال هؤلاء الناس على مر التاريخ، أليس كذلك؟ (بلى). كيف يجب أن تصف هؤلاء الناس وتعرّفهم؟ أليسوا ساعين إلى المثالية؟ هؤلاء الناس، على وجه الدقة، ساعون إلى المثالية. إنهم غير مستعدين للعيش في البيئة المعيشية الواقعية الحالية، ويعيشون دائمًا في الأوهام، وتملأهم أشياء أثيرية وفارغة وغير مرئية ولا ملموسة. إنهم يعيشون في عالم غير موجود وأثيري؛ هؤلاء الأشخاص هم من يسمون بالساعين إلى المثالية. ومن ثم، ما هو المنظور الذي يتخذونه لتقييم الآخرين؟ إنهم يتخذون موقف الفوقية الأخلاقية، ونقطة انطلاقهم لتصنيف الآخرين هي: "أستطيع أن أرى جوانبكم الشريرة والمظلمة بوضوح وفضحها. إن القدرة على فضح الأشياء السيئة والشريرة التي تفعلونها تثبت أنني لست مثلكم". والمعنى الكامن وراء ذلك هو: "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا"، تنطبق عليَّ. لقد تلوثتم جميعًا بهذا الاتجاه الشرير؛ لستم أناسًا صالحين". أليسوا بهذا يرون أنفسهم أنقياء ويتمتعون بالسمو؟ أليس في ذلك غرور ومبالغة في تقدير قيمة أنفسهم؟ أليست هذه محاولة مقنّعة لرفع شأن أنفسهم تحت ستار انتقاد الواقع، وفضح الجانب المظلم من المجتمع، وعدم الرضا عن الواقع؟ (إنه كذلك). فكيف نعرِّف هؤلاء الناس؟ ثمة قول شعبي يقول: "لقد قابلت أشخاصًا وقحين من قبل، لكنني لم أقابل أبدًا أي شخص بوقاحتك". ألا يصف هذا هؤلاء الناس؟ (إنه كذلك). إنهم وقحون. لديهم أفواه لا تتحدث سوى عن الصواب والخطأ، وعيون لا ترى سوى عيوب الآخرين ونقائصهم. بطلاقة ألسنتهم يفضحون عيوب الآخرين ونقائصهم علنًا، ومن خلال القيام بذلك يعبرون عن وجهات نظرهم الخاصة ويبينون للآخرين كيف يحمون أنفسهم من التأثيرات السيئة، وكم هم متفردون ونبلاء. هل هم حقًا نبلاء؟ هل هم حقًا متفردون؟ إنهم كأي شخص آخر تمامًا. أيًا كانت الأساليب التي يستخدمها الآخرون للسعي إلى الشهرة والربح، فإن أساليبهم واضحة. ومع ذلك، فإن هؤلاء الأشخاص يتخذون مظهر الكبرياء، كما يكون فضحهم للآخرين وانتقادهم لهم بمثابة مواضيع ومنطلقات يرفعون من شأن أنفسهم بها ويروجون لأنفسهم، ويستخدمون هذه الوسائل ليصبحوا مشهورين ومؤثرين. أليسوا هم أيضًا يسعون إلى الشهرة والربح؟ أليست لديهم الأهداف ذاتها؟ أليست النتائج هي نفسها؟ إنهم يستخدمون وسائل وأساليب مختلفة فحسب، هذا كل شيء. الأمر بمثابة إهانة شخص ما باستخدام لغة مهذبة أو إهانته باستخدام لغة فظة، لكن طبيعة الإهانة واحدة. يصبح الآخرون مشهورين بطريقة ما، ويصبح هؤلاء الأشخاص مشهورين بطريقة أخرى، والنتيجة النهائية هي نفسها، وينطبق هذا أيضًا على النية والغرض والدافع؛ لذلك لا يوجد فرق على الإطلاق.
بالنسبة إلى أفراد المجتمع هؤلاء الذين يزعمون أنَّ مقولة "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا" تنطبق عليهم، فقد عرّفناهم باعتبارهم ساعين إلى المثالية. سمات هؤلاء الأشخاص أنهم انعزاليون بشكل استثنائي، ويعتقدون أنهم أفضل من أي شخص آخر، ويعتبرون أي شخص آخر غير مرضٍ، وفي النهاية يكون استنتاجهم: "أنتم غارقون في الطين وغارقون في الاتجاهات الشريرة. لقد تجاوزتكم، وأنا تنطبق علي مقولة "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا". هم بهذا يتفاخرون، وهذا هو مدى عدم رضاهم عن الواقع، كما لو كانوا هم أنفسهم مقدسون ونظيفون للغاية. الواقع أنه نظرًا لعدم امتلاكهم ما يتمتع به الآخرون من قدرات وما لديهم من الوسائل، ولأنهم يسعون دائمًا إلى التميز عن الجموع لكنهم لا ينالون رغبتهم أبدًا، ولأنهم يسعون دائمًا وراء أشياء مثالية وأثيرية وفارغة لكنهم لا ينالون مبتغاهم أبدًا ولا يمكنهم تحقيق هذه الأشياء على أرض الواقع إطلاقًا، ولأنهم ليس لديهم رغبة في مواجهة الواقع أو التخلي عن مثلهم؛ فليس لديهم بديل – من حيث الشكل – سوى الابتعاد عن الدوائر الرسمية والسياسية والفنية والأدبية والثقافية. ولأنهم غير مرحب بهم في مثل هذه الدوائر، ولا يمكن قبولهم، ولا يمكنهم تحقيق طموحاتهم، ولا يمكنهم تحقيق مثلهم وتطلعاتهم، يعلن الواحد منهم في النهاية أنه "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا"، ويقولون إنهم يسبحون ضد التيار، وأن لديهم شخصية أخلاقية نبيلة، وهم يستخدمون مثل هذه الأقوال لمواساة أنفسهم. هل تعرفون الآن كيف تميزون مثل هؤلاء الأشخاص من خلال تقديمنا شركة عنهم بهذه الطريقة؟ ما هؤلاء الناس بالضبط في جوهرهم؟ إنهم لا شيء، لكنهم ما يزالون مغرورين. هل هذا تقييم دقيق؟ (نعم). مثل هؤلاء الناس لديهم الكثير من المثل العليا، لكن لا يمكن تحقيق أي منها، ولا يتوافق أي منها مع الواقع. هذه الأشياء التي يفكرون فيها كلها فارغة وغير واقعية. يقضي هؤلاء الناس اليوم بأكمله دون القيام بعمل ملائم؛ فهم لا يعرفون سوى إلقاء الشعر وتأليف القصائد، وانتقاد هذا، والتقليل من شأن ذلك؛ هكذا لا يقومون بأي عمل مناسب، أليس كذلك؟ يمكن رؤية جوهرهم من سلوكهم: ليس لديهم موهبة حقيقية ولا تعلُّم، وجميع أفكارهم وآرائهم بشأن الواقع والحياة فارغة وغامضة وغير واقعية، ولهذا السبب يمكنهم اتباع مغالطة "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا". إنهم يسعون جاهدين لأن يكونوا على هذه الشاكلة، ويأملون في أن يكون المزيد من الناس أيضًا على هذه الشاكلة؛ وهذا أمر مغلوط. إذا كان الناس على هذه الشاكلة، فما الذي يمكنهم تحقيقه؟ لكي نكون دقيقين، مثل هؤلاء الأشخاص ليس لديهم هدف حقيقي في الحياة أو اتجاه، وليس لديهم إيمان حقيقي، ولا اختيار حقيقي في الحياة، وليس لديهم المسار الصحيح للممارسة. تكون لديهم أفكار جامحة طوال اليوم وغير مقيدة، وتساورهم جميع أنواع الأفكار الغريبة، وتمتلئ عقولهم بالأشياء الفوضوية والفارغة وغير الواقعية، ولا شيء منها واقعي، وهؤلاء الناس في الواقع نوع منفصل عن البشرية. تفكيرهم فارغ وسخيف ومتطرف بدرجة لا تُصدق. أيًا كانت مجموعة الناس التي ينتمون إليها، أو ما إذا كانوا من الطبقة العليا في المجتمع أو الطبقة الوسطى أو الدنيا، فإنهم لا ينسجمون أبدًا مع الآخرين ولا يمكن أبدًا أن يقبلهم الناس. لمَ هذا؟ لأن تفكيرهم ومساعيهم ووجهات نظرهم التي يرون بها الناس والأشياء متطرفة ومن نوع مغاير. لكي نكون مهذبين نقول إن هؤلاء الأشخاص ساعون للمثالية، لكنهم على وجه الدقة، مرضى عقليين وعقولهم غير طبيعية. أخبرني، هل يمكن للمرضى العقليين الانسجام مع الناس العاديين؟ إنهم لا يستطيعون أن ينسجموا مع أصدقائهم وزملائهم في العمل، ولا يمكنهم حتى أن ينسجموا مع عائلاتهم. عندما يطرح هؤلاء الأشخاص وجهات نظرهم وأقوالهم، يشعر الآخرون بعدم الارتياح والنفور، ولا يريدون سماعهم على الإطلاق. هذه العبارات ليست سليمة، وهي غير مجدية في الحياة الواقعية. في الحياة الواقعية، قد تنشأ الصعوبات التي يواجهها الناس داخل أنفسهم، وقد تنشأ من البيئات الموضوعية التي يوجد فيها الناس، وقد تتعلق الضروريات اليومية الرئيسية في الحياة؛ فكيف ينبغي مواجهة هذه الأمور والتعامل معها وعلاجها؟ بخصوص الصعوبات البسيطة، فهي تلك التي تتعلق بالضروريات اليومية الرئيسية للحياة؛ أما الصعوبات الرئيسية، فهي تلك التي تتعلق بنظرة الناس إلى الحياة، والقواعد التي يتبنونها للعيش، والطريق الذي يتبعونه، ومعتقداتهم؛ وهذه المشكلات هي الأكثر واقعية. غير أنَّ هؤلاء الساعين للمثالية يريدون دائمًا فصل أنفسهم عن هذه المشكلات ولا يريدون أبدًا أن يعيشوا في مواقف الحياة الواقعية. إنَّ منظوراتهم ووجهات نظرهم ونقطة البداية التي ينظرون من خلالها إلى الناس والأشياء، لا تستند إلى هذه المشكلات الحقيقية، بل هي جامحة وغير مقيدة. إنك لا تعرف أبدًا ما يفكرون فيه، كما لو أن ما يفكرون فيه هو أفكار كائنات فضائية، أشياء لم يسمع بها الناس هنا على الأرض من قبل، أشياء تبدو غير طبيعية بالنسبة إليهم. ومن يرغب في الاستماع إلى شخص يقول أشياء غير طبيعية؟ عندما يلتقي الناس بهذا الشخص لأول مرة ويسمعونه يتحدث، قد يشعرون أن ما يقوله جديد ومُبتكر حقًا، وأن به من البصيرة والبراعة أكثر مما في كلام الناس العاديين. لكنهم بعد فترة، يدركون أنه محض هراء، لذلك لا يعود أحد يهتم بهذا الشخص أو يلتفت إليه، ولا شيء مما يقوله يدخل آذانهم أو قلوبهم. هل يصبح ذلك الشخص مدركًا لهذا الموقف عندما يتبناه الآخرون تجاهه؟ إنه يصبح مدركًا له بمرور الوقت، ويفكر في قلبه: "لا أحد يحبني، فما المشكلة؟ لماذا لا يحبونني؟ يا للأسف، أنا فرد متميز، لكن قليلون هم مَن يستطيعون التعرف على الموهبة الحقيقية!" مثلما ترى، هم دائمًا متفاخرون، ودائمًا ما يعتقدون أنهم موهوبون وأذكياء ومتمكنون، بينما هم في الواقع لا شيء. أيًا كانت مجموعة الأشخاص التي يجدون أنفسهم فيها، فإن النتيجة النهائية والنهاية بالنسبة إليهم، هي الرفض دائمًا. يحدث هذا بسبب اتباعهم لمقولة: "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا". إذا كنت قد أردت في أي وقت مضى أن تكون هكذا، فأنا أقول لك أن تتوقف حالًا، لأن هؤلاء الناس ليسوا طبيعيين. إذا كان تفكيرك وعقلك الإنساني طبيعيين، فيجب عليك أن تفعل ما يجب عليك فعله وما يمكنك فعله، ولا تسعى إلى أن تكون أحد أولئك الذين تنطبق عليهم مقولة: "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا". هؤلاء الناس هم نوع منحط ومختلف من البشر، وهم ليسوا طبيعيين.
بما أننا انتهينا للتو من تشريح جوهر الأشخاص الذين تنطبق عليهم مقولة "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا"، فلنتحدث عن مشكلات عدم الرضا عن الواقع والسلوك العيَّاب التي ذكرناها عندما كشفنا هؤلاء الناس. يعتقد بعض الناس: "نحن نؤمن بالله، لذا يجب أن نفهم الجانب المظلم للمجتمع والاتجاهات الشريرة في المجتمع، ولا نتبعها. علينا أيضًا أن نفهم السياسة، وشر البشرية، ومختلف الممارسات الشائعة للبشرية، وجميع الأشياء الظلامية والشريرة الموجودة لدى البشرية في أوقات مختلفة، وفي أركان مختلفة من العالم، وبين الأعراق والمجموعات المختلفة. من خلال القيام بذلك، سيصبح لدينا تمييز". هل هذا ما يطلبه الله من الإنسان؟ قبل أن نقدم شركة حول هذا الموضوع، ربما يكون بعضكم قد جعل هذا مسعاه، لكن أخبرك الآن بوضوح أن هذا ليس شيئًا يجب عليك القيام به، وليس ما يطلبه الله منك. ليس مطلوبًا منك أن تفهم هذا العالم أو هذا المجتمع أو هذه البشرية، أو هذا القطاع السياسي أو التجاري أو الأدبي أو الديني، أو أي ممارسة شائعة تنحدر من المجتمع، أو طريقة عمل أي مجموعة أو قوة في المجتمع، وما إلى ذلك؛ هذا ليس درسًا تحتاج إلى تعلمه. لا تحتاج إلى أن تكون غير راضٍ عن الواقع، ولا تحتاج إلى حماية نفسك من التأثيرات السيئة. ليست هذه وجهة النظر التي يجب أن تتخذها ولا المنظور والرأي اللذين يجب أن تتبناهما. لقد اختارك الله وسمح لك أن تؤمن به وتتبعه؛ وهو لا يطلب منك أن تكون معاديًا للبشرية أو معاديًا للمجتمع أو معاديًا للسياسة أو معاديًا للدولة، ولا يطلب منك معارضة أي مجموعة أو عرق أو دين. إنما يطلب منك أن تتبعه فحسب، وأن ترفض الشيطان، وأن تأتي أمامه وتقبل كلامه وتخضع له، وأن تتبع طريقه، وأن تتقيه وتحيد عن الشر. الله لم يطلب منك قط أن تكون معاديًا للبشرية أو معاديًا للمجتمع أو معاديًا للدولة. لكي نكون أكثر دقة، فإنَّ الله لم يطلب منك قط معارضة حكومة معينة، أو نظام اجتماعي أو سياسي معين، أو سياسة معينة؛ لم يطلب الله منك قط القيام بأي شيء من هذا القبيل. بعض الناس يقولون: "البشرية كلها ترفضنا وتعارضنا وتضطهدنا؛ فهل من الخطأ أن ننهض ونعارضهم ونحاربهم؟ إنهم جميعًا ضدنا، فلماذا لا يمكننا أن نكون ضدهم؟" أيًا كانت طريقتك الشخصية في التفكير أو كيفية تصرفك، أو نوع وجهات نظرك الشخصية فيما يتعلق بالمجتمع والعالم والأنظمة السياسية القومية، فهذا أمر يخصك ولا علاقة له بالطريق الذي يطلب منك الله اتباعه، ولا بتعاليم الله أو متطلباته. يقول بعض الناس: "بما أنك تقول إن هذه الأمور لا علاقة لها بتعاليم الله، وإنها ليست ما يتطلبه الله منا ولا ما يطلب الله منا أن نفعل، فلماذا إذن يكشف الله الشيطان والاتجاهات الاجتماعية والجانب الظلامي من المجتمع، وحتى الدين؟" يكشف الله هذه الأشياء فقط حتى تتمكن من فهمها، لأن هذه الأشياء التي يكشفها الله مرتبطة بشخصيات الناس الفاسدة وما لدى الناس من آراء ومفاهيم تتحدى الله. لذلك، في مثل هذا الوضع، يجب علينا بالضرورة أن نقدم شركة حول مثل هذه الموضوعات ونستخدم مثل هذه الأمثلة، والغرض من ذلك هو السماح للناس بأن يكونوا قادرين على معرفة الشخصيات الشيطانية التي تكشف عنها البشرية الفاسدة بشكل أكثر دقة وعملية، وتمييز جميع الأفكار والآراء المغلوطة المختلفة والمفاهيم التي تتحدى الله التي يغرسها الشيطان فيهم، وهذا كل شيء. لا يتم ذلك حتى يتمكن الناس من معارضة السياسة ومعارضة المجتمع ومعارضة البشرية بصفة شخصية. لم يطلب الله من الناس قط أن يكونوا غير راضين عن الواقع، أو أن يكونوا عيَّابين، أو أن يحموا أنفسهم من التأثيرات السيئة. بعض الناس يقولون: "رغم أن الله لم يطلب مني قط أن أكون هكذا، فإني إنما أؤمن بالله لأنني عيَّاب وغير راضٍ عن الواقع، ولأنني أشعر أن ثمة إنصاف وبر في بيت الله وأن الحق يسود فيه، ولأنني أُعامل فيه بإنصاف." هذا شأنك وليس له علاقة بما يطلبه الله. إنَّ كل شخص يؤمن بالله لأسباب مختلفة بالطبع: بعض الناس يؤمنون بالله لنيل البركات، والبعض الآخر لتفادي الكوارث، والبعض الآخر للشفاء من أمراضهم، والبعض الآخر للحصول على غاية جيدة في المستقبل؛ ثم هناك البعض الذين هم غير راضين عن الواقع، وغير راضين عن العالم، وغير راضين عن المجتمع، أو عوملوا في المجتمع معاملة تخلو من الإنصاف، ومن ثمَّ يأتون إلى بيت الله بحثًا عن الراحة والمأوى. إنَّ آراء الجميع حول الإيمان بالله يختلف أحدها عن الآخر، وكذلك يختلف مقصدهم أو دافعهم الأصلي لإيمانهم بالله. هناك أيضًا أولئك الذين تخلو قلوبهم من هذه الأشياء، الذين يريدون فقط أن يؤمنوا بالله ويشعرون أن الإيمان بالله شيء جيد. على أي حال، عندما يؤمن هؤلاء الأشخاص العيابين وغير الراضين عن الواقع بالله، فإن الله لا يمتدحهم أو يعاملهم بلطف لمجرد أنهم موهوبون أو لديهم ملكة ما على نحو طفيف. هذا لأنهم لا يقبلون الحق، وهم متعجرفون للغاية، وبارون في عيني ذواتهم، ويزدرون الآخرين، ويجد مثل هؤلاء الأشخاص صعوبة بالغة في قبول الحق. لا يجب أن يكون لديكم رجاء لمثل هؤلاء الناس، ولا يجب أن تكونوا أنتم أنفسكم على غرار هؤلاء الناس. أقول لكم فقط أن تكونوا صادقين، وأن تسعوا إلى الحق، وأن تخضعوا لكلام الله، وأن تتقوا الله وتحيدوا عن الشر. لذلك، لا تصدق أبدًا أنَّ مجرد كونك غير راضٍ عن المجتمع وتفهمه بوضوح، أو أنَّ مجرد انخراطك سابقًا في مجال ما محدد وتمتعك بفهم أعمق للجانب المظلم لذلك المجال، يجعل لديك رأس مال ومكانة في إيمانك بالله، أو أنَّ الله يحبك لهذا، أو أنك تستوفي بذلك معايير الله المطلوبة، أو أنك كائن مخلوق مؤهل. إذا كنت حقًا تصدق مثل هذا الأمر، فأنا أقول لك إنك مخطئ، وأن الآراء التي تقيس بها الوضع خاطئة، وإن المنظور الذي ترى منه الأشياء خاطئ، وأن موقفك الذي تتخذه خاطئ. لماذا أقول هذا؟ أقوله لأن الموقف الذي تتخذه والمنظور والآراء التي تنظر من خلالها إلى الناس والأشياء لا تستند إلى كلام الله ولا تعتبر الحق معيارًا لها. إذا كنت تتخذ دائمًا منظور الناس الدنيويين وتشعر بعدم الرضا عن الواقع وتلجأ إلى أن تكون عيَّابًا، فستكرههم، وسترغب في قتالهم والنضال ضدهم، وأن تستخدم العقل معهم وتناقشهم بشأن ما هو صواب وما هو خطأ؛ وسترغب في تغيير البشرية، وتغيير المجتمع، وحتى تغيير النظام السياسي للبلد. بعض الأشخاص يرغبون حتى في فضح الجانب المظلم للنخبة السياسية في أمتهم، إيمانًا منهم بأنهم بذلك يرفضون الشيطان ويمارسون الحق. هذا كله خطأ. أيًا كان عدد الأشياء التي تحدث داخل مجالات النخبة السياسية، أو داخل دوائر الأعمال، أو داخل الدوائر الفنية والأدبية، فإن أيًا منها ليس له أي علاقة على الإطلاق بمسعاك إلى الحق. مهما كان مقدار ما تعرفه عن مثل هذه الأشياء، فكلها أشياء عديمة الفائدة، وهي لا تبين أنك تعرف جوهر الشيطان أو أنك تستطيع رفض الشيطان في أعماق قلبك. مهما كان مقدار معرفتك لمثل هذه الأشياء أو فهمك لها، ومهما كان مدى ما يبلغه فهمك من درجة التحديد أو الصدق أو الدقة، فإن هذا لا يدل على أنك تمارس الحق، أو أنك تعرف نفسك، أو أنك تشرّح الأفكار والآراء الشيطانية داخل نفسك، ولا يدل هذا على أنك تحب كلام الله والحق، ناهيك عن أن يدل على أنك تتقي الله. لا تتصور أنه لمجرد أنك تفهم القليل عن المجتمع، أو أنك تعرف القواعد الداخلية لمجال ما أو تعرف بعض الإشاعات التي لا يعرفها معظم الناس، أو لأنك عيَّاب وغير راض عن المجتمع ولديك الشجاعة لفضح الجانب المظلم للمجتمع، فإنك شخص نبيل شريف وأفضل من الآخرين، وأنك ممَن يُقال فيهم "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا". الله لا يريد الناس على هذه الشاكلة.
لقد كان بعض الناس جبناء ومترددين قبل أن يؤمنوا بالله، وكانوا لا يجرؤون على كشف الجانب المظلم للمجتمع، إذ لم تكن لديهم الشجاعة للقيام بذلك. والآن بعد أن آمنوا بالله، يشعرون أن الله يشجعهم ويدعمهم، وبالتالي لم يعودوا خائفين من كشف مثل تلك الأمور، حتى إنَّ هناك من يسافر للعيش في بلدان ديمقراطية ويجرؤ على فضح بعض الأعمال الشريرة للشيطان الذي هو الحزب الشيوعي الصيني. يشعر هؤلاء الناس عندئذ أنهم يفهمون الحق، وأن لديهم قامة وأن لديهم إيمان بالله، لكن هذه كلها أفكار وآراء خاطئة، ولن يكون من المجدي لهؤلاء الأشخاص أن يسعوا وراء هذه الأشياء. سواء كنت غير راض عن الواقع، وسواء كنت عيَّابًا، وسواء كنت أفضل من بقية المجتمع، وسواء كنت شخصًا "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا"، أم لم تكن كذلك، لا شيء من ذلك يهم الله؛ فهو لا ينظر إلى مثل تلك الأمور. إلى أي شيء ينظر الله؟ ينظر الله أولًا إلى ما إذا كنت تدرك في أعماق قلبك الأفكار والآراء التي تأتي من الشيطان أم لا، وما إذا كنت تفضحها وتكشف عنها للآخرين فور أن تدركها، وما إذا كنت ترفضها فور أن تفهمها بوضوح. علاوةً على ذلك، ينظر الله إلى ما إذا كنت تسعى بوعي إلى الحق في الحياة الواقعية أم لا، وما إذا كنت تسعى بوعي إلى مبادئ الحق في كيفية رؤيتك للناس والأشياء وسلوكك وفعلك، وينظر إلى ما يكون بالضبط موقفك تجاه الحق. هذا شيء يجب أن تعرفه في قلبك بوضوح. بعض الناس يستمتعون بمناقشة الماضي والحاضر، والتحدث بإسهاب وقوة عن مؤامرات البلاط الملكي التاريخية، والتحدث بتفاصيل كثيرة عن الأحداث العظيمة التي وقعت في فترة ما داخل الدوائر السياسية، وعن القضايا البارزة، وعن الأطراف التي كان لها دور مهم في اللحظات الحاسمة، وأشياء من هذا القبيل. وبعدئذٍ يعتقدون أن لديهم قامة، وأنهم مستقيمون ولديهم حس قوي بالعدالة، قائلين، "كما ترى، أنا غير راض بتاتًا عن المجتمع. نظرتي تخترق ظلام السلطة الرسمية، وأنا أفهمها تمامًا وبعمق!" ما الفائدة من قول مثل تلك الأشياء؟ من الذي تحاول تملقه؟ الله؟ هل تحاول التباهي بقدراتك الفكرية وأنك تعرف عن أشياء كثيرة؟ لا طائل من قول هذه الأشياء. لم يسبق لي أن نظرت في أي حثالة لا قيمة لها على الإنترنت، ولم أكن في أي وقت مهتمًا بأي نوع من الأخبار أو الأنباء. لماذا لا أنظر إلى هذه الأشياء؟ لأنها مثيرة للضيق وللاشمئزاز. يعتقد بعض الناس أنه يجب أن يكون لديهم حس بالعدالة فور أن يتحولوا للإيمان بالله، وغالبًا ما يدلون بتعليقات وثرثرة فارغة عن المشاهير والمعروفين والسياسيين، ويسلطون الضوء على الحياة الخاصة لهؤلاء الأشخاص، على أمل أن تتفتح عيون الجميع. إنهم يشعرون بأنهم يجيدون عمل كل شيء، وأنهم حكماء، وأنهم يعرفون كل الأسرار وأنهم ماهرون للغاية وعلى قدر كبير من المعرفة ومستقيمون. ما فائدة معرفة مثل هذه الأشياء؟ هل تبين أنك تمارس الحق؟ هل تظهر أنك قد فهمت الحق؟ هل تظهر أن لديك قامة؟ (لا). إنك لا تستطيع التوقف عن الحديث عن تلك الأشياء في المجتمع، لكن هل تستطيع قول أي شيء عن كيفية القيام بالأمور التي هي أمام عينيك والواجب الذي يفترض بك أن تقوم به بما يتوافق مع مبادئ الحق؟ لا تستطيع؛ فليس لديك ما تقوله. مهما كان مقدار ما تعرفه عن هذه الأشياء في المجتمع، فإنه لا يدل على أنك تفهم الحق أو على أن لديك قامة حقيقية. لا تظن أن لديك قامة لمجرد أنك تستطيع أن تعرف حقيقة الأخبار والمغالطات المزيفة، وأنك نبذت العالم ورفضت الشيطان، وأنك لم تعد تتوافق مع الشيطان، وأن لديك إيمان بالله وأنت مخلص له، هذه كلها آراء مغلوطة، ولا يمثل أي منها الحياة على الإطلاق. إذا كنت تفكر: "أليس الحال أنه كلما كنتُ غير راضٍ عن الواقع، وكلما فضحت التنين العظيم الأحمر وكرهته أكثر، وازددت كراهية للعالم وصرت عيابًا بدرجة أكبر، سيزداد الله سعادة ويزداد محبة لي؟"؛ فأنت مخطئ إذن. فكلما ازداد سعيك إلى تلك الأشياء وازداد اتباعك لهذا الطريق، ستقل محبة الله لك ويزداد نفورًا منك. لماذا كلما زدت من السعي إلى تلك الأشياء الدنيوية قلت محبة الله لك؟ لأنك لا تتبع المسار الصحيح ولا تقوم بالعمل على نحو مناسب. لذلك، عندما يكون لديك بعض الوقت، يمكنك قراءة كلام الله أكثر، والاستماع إلى الترانيم، والاستماع إلى شهادات الحياة الاختبارية لإخوتك وأخواتك، ويمكن للجميع التأمل في كلام الله والشركة معًا. لا تسأل عن لغو لا علاقة له بدخولك إلى الحياة أو سعيك للخلاص. هذا ما يفعله الناس الذين ليس لديهم شيء أفضل للقيام به. طريقة تطور المجتمع، والمسار الذي سيتخذه العالم، ومدى قذارة البشرية وما هي عليه من شر ومدى ظلامية السياسة؛ هل لهذه الأشياء أي علاقة بك؟ هل كنت ستنال الخلاص لو لم يكن المجتمع والعالم ظلاميًا أو شريرًا أو قذرًا؟ (لا). هذه الأشياء لا علاقة لها بك على الإطلاق. إنَّ نيلك الخلاص من عدمه لا يرتبط إلا بمقدار ما قبلت من الحق وفهمت، ومقدار ما دخلت فيه من واقع الحق، وهو يتعلق بمدى إجادتك أداءك لواجبك؛ إنه لا يتعلق سوى بهذه الأشياء القليلة. لا تنخرط كثيرًا في التعليق على النجوم والمشاهير، وفضح سلوك المشاهير المشين والقذر لتمضية الوقت، والتباهي بمدى براعتك وكيف أنك أفضل من البقية. تلك أفعال غبية؛ فلا تكن مثل هذا الشخص؛ الشخص الذي لا يقوم بأي عمل مناسب ولا يسير على الطريق الصحيح.
وبالنسبة إلى جوهر المقولة المتعلقة بالسلوك الأخلاقي، "من الطين يخرج بلا شائبة، ويستحم في موج صافٍ دون أن يبدو مبهرَجًا"، فالآن قد قدمنا شركة حولها إلى حد كبير وقمنا بتشريحها. علاوةً على ذلك، ألم نقدم الآن شركة واضحة حول الموقف والآراء الخاصة بكيفية تصرف المرء من خلال هذا القول، وكذلك عن متطلبات الله وموقفه؟ (بلى، فعلنا). هل صرتم الآن أيضًا تفهمون المسار الذي يجب أن يتبعه الناس؟ (نفهم). هل السلوك العياب الذي نتحدث عنه هنا شيء إيجابي؟ هل عدم الرضا عن الواقع شيء إيجابي؟ هل حماية نفسك من التأثيرات السيئة أمر إيجابي؟ (لا). لا شيء من هذه الأشياء إيجابية. يمكننا أن نقول على وجه اليقين إن هذه ليست أسسًا لك لتتصرف وتفعل بناءً عليها، ولا ينبغي أن تصبح أسسًا لك لتتصرف وتفعل بناءً عليها، ناهيك عن أن تصبح مبادئ لك لتتصرف وتفعل بناءً عليها. لذلك، هذه أشياء ينبغي لك أن تتخلى عنها وترفضها. يجب عليكم تمييز هذه الأقوال والنظريات التي تأتي من الثقافة التقليدية بوضوح وأن تتخلوا عنها تمامًا، ويجب ألا تأخذوا هذه الأشياء الخادعة على أنها الحق أو تخلطوا بينها وبين الحق. هذا لأنه مهما كان عدد السنوات التي انتشرت فيها هذه الأشياء بين البشر أو مدى تجذرها فيهم، فهي لا يمكنها أن تصمد للحظة أمام الحق. إنها ببساطة ليست أشياء إيجابية وببساطة لا تستحق أن تُذكر في نفس واحد مع الحق. هذه الأشياء ليس لها تأثير إيجابي على الناس على الإطلاق؛ فإلى جانب أنها لا يمكنها قيادة الناس وجلبهم إلى الطريق الصحيح، فهي على العكس من ذلك، تقود الناس إلى طريق خاطئ تلو الآخر، مما يجعل الناس أكثر انعزالًا ووقاحة، وأقل وعيًا بالذات وعقلانية، مما يجعل الله يمقتهم ويشمئز منهم. إذا تخليت عن هذه الأشياء، وتخليت عن هذه المفاهيم، وتخليت عن هذه الأفكار والآراء، وهذه الأساليب والأسس حول كيفية رؤية الناس والأشياء والتصرف والفعل، التي تأتي من الشيطان؛ وإذا أتيت أمام الله ورأيت الناس والأشياء وتصرفت وفعلت بالكامل وفقًا لكلام الله، فلن يكون لهذه الأشياء أي تأثير فيك. وبخصوص مسألة عدم الرضا عن الواقع وكونك عيَّابًا، فإن الله لا يحتاج منك إلى أن تبذل جهدًا في محاولة فهم الظلام الكامن في المجتمع أو معرفته. أنت تحتاج فقط إلى أن تعرف كليًا وجوهريًا أن العالم والبشرية قد أفسدها الشيطان وأنهما واقعان في براثن الشرير. إنَّ الاتجاهات الاجتماعية والعادات والثقافة التقليدية والمعرفة والتعليم، مليئة كلها بأفكار الشيطان وآرائه وبدعه ومغالطاته، وذلك على أي مستوى أو فيما يتعلق بأي جانب أو في أي مجال. أيًا كان البلد أو المجموعة العرقية أو مجموعة الأشخاص أو أي واحدة من منظمات المجتمع، فلا الحق ولا كلام الله يسيطران عليهم؛ وبطبيعة الحال، من غير المرجح أكثر أن يُرى بينهم الإنصاف أو البر. هذا أمر مؤكد، وما دمت ببساطة تعرف هذا، فهو كاف. وبخلاف هذا، فإن أهم شيء هو تهدئة قلبك وتسليح نفسك أكثر بكلام الله، وأن تدرك ما بداخلك من البدع والمغالطات والأفكار والآراء التي تأتي من الشيطان. فقط من خلال الفهم الحقيقي لهذه الأشياء يمكنك أن ترى فعليًا حقيقتها؛ وفقط عندما ترى فعليًا حقيقتها يمكنك رفضها حقًا والتخلي عنها؛ وفقط عندما تتخلى عنها حقًا يمكنك أن تقبل الحق وتخضع له بشكل كامل. بهذه الطريقة، سيكون المسار الذي تتبعه هو المسار الصحيح، وسوف يُضاء. سيكون هدفك أيضًا هو الهدف الصحيح، وسيكون نيلك للخلاص في النهاية حقيقة لا جدال فيها. لهذا السبب يجب ألا تسمح مطلقًا للهرطقات والمغالطات والأفكار والآراء التي يغرسها الشيطان فيك أن تشوش أفكارك وتغشي عينيك؛ يجب ألا تكون عيابًا وغير راض عن الواقع، وأن تصبح بهذه الطريقة فاقد الحس وتخدع نفسك والآخرين. عليك بدلًا من ذلك أن تسعى إلى الحق وتربحه بوصفه حياتك، وأن تعيش بحسب شبه الإنسان الحقيقي، وأن تؤدي واجبك جيدًا. هذا هو عملك المناسب، وهو المسار الذي يجب أن تتبعه الآن. وبخصوص حالة المجتمع أو البلد أو أي مجال، فإن هذه الأشياء لا علاقة لها بك. لماذا؟ لأنه لا تأثير لها في سعيك إلى الحق، ولا صلة لها بسعيك إلى الحق، ولا صلة لها بآخرتك، ولا صلة لها بنيلك الخلاص. هل تفهم؟ (نعم). حالما تفهم هذا، ستفهم بوضوح كيفية السعي إلى الحق وربح الحياة.
14 يوليو 2022
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.