عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (3)

مشاركاتنا القليلة السابقة كان لها تأثيرٌ كبير على كلّ واحد منكم. يمكن للناس أخيرًا أن يشعروا الآن حقًّا بالوجود الحقيقيّ لله وبأن الله قريبٌ جدًّا من البشر في الواقع. مع أن الناس ربما آمنوا بالله لسنواتٍ عديدة، إلّا أنهم لم يفهموا حقًّا أفكاره وخططه قط مثلما يفهمونها الآن، كما أنهم لم يختبروا بالفعل أفعاله العمليّة مثلما يختبرونها الآن. سواء تعلّق الأمر بالمعرفة أو بالممارسة الفعليّة، تعلّم معظم الناس شيئًا جديدًا، وبلغوا مستوىً أعلى من الفهم، وأدركوا الخطأ في مساعيهم السابقة، وأدركوا سطحيّة اختبارهم وأن الكثير من خبراتهم لا يتوافق مع مشيئة الله، وأدركوا أن أكثر ما يفتقر إليه الإنسان هو معرفة شخصيّة الله. هذه المعرفة من جانب الإنسان هي مجرد نوعٌ من المعرفة القائمة على الإدراك؛ فالارتقاء إلى مستوى المعرفة العقلانيّة يتطلّب التعمّق والتعزيز التدريجيّين من خلال اختبارات المرء. قبل أن يفهم الإنسان الله حقًّا، يمكن القول بصفةٍ شخصيّة إنه يؤمن بوجود الله في قلبه ولكن ليس لديه فهمٌ حقيقيّ لأسئلةٍ مُحدّدة مثل: ما هي طبيعة الله في الواقع؟ وما هي مشيئته؟ وكيف تبدو شخصيّته؟ وما موقفه الحقيقيّ تجاه البشر؟ وهذا يعرض إيمان الناس بالله لخطرٍ شديدٍ، ويمنع إيمانهم من بلوغ النقاء أو الكمال. وحتّى إذا واجهت كلمة الله وجهًا لوجهٍ، أو شعرت أنك تقابلت مع الله من خلال اختباراتك، فلا يمكن القول أيضًا إنك تفهمه تمامًا. فلأنك لا تعرف أفكار الله، أو ما يحبّه وما يكرهه، أو ما يُغضِبه وما يُفرِحه، وبالتالي ليس لديك فهمٌ حقيقيّ له. إن إيمانك مبنيٌّ على أساسٍ من الغموض والخيال، ومستندٌ على رغباتك الذاتيّة. إنه لا يزال بعيدًا عن الإيمان الحقيقيّ، وما زلت أنت بعيدًا عن أن تكون تابعًا حقيقيًّا. سمحت تفسيرات الأمثلة من قصص الكتاب المُقدّس هذه للإنسان بأن يعرف قلب الله، وما كان يُفكّر به في كلّ خطوةٍ في عمله، وسبب أدائه هذا العمل، وقصده الأصليّ وخطّته عندما عمله، وكيفيّة تحقيقه أفكاره، وكيفيّة إعداده خطّته وتطويرها. يمكننا من خلال هذه القصص أن نحصل على فهمٍ تفصيليّ مُحدّد لكلّ قصدٍ مُعيّن من مقاصد الله ولكلّ فكرٍ حقيقيّ خلال سنوات عمل تدبيره عبر ستة آلاف سنةٍ، وموقفه تجاه البشر في أوقاتٍ وعصورٍ مختلفة. إن استطاع الناس فهم ما يُفكّر فيه الله وموقفه، والشخصيّة التي كشف عنها بينما كان يواجه كلّ موقفٍ يمكن لهذا أن يساعد كلّ شخصٍ على الإدراك الأعمق لوجود الله الحقيقيّ، والشعور الأعمق بعمليته وأصالته. إن هدفي من سرد هذه القصص ليس ليفهم الناس التاريخ الكتابيّ، ولا مساعدتهم على أن يصبحوا على درايةٍ بأعداد الكتاب المُقدّس أو شخصيّاته، وبالطبع ليس مساعدة الناس على فهم خلفيّة ما كان الله يعمله خلال عصر الناموس. ولكن الهدف هو مساعدة الناس على فهم مشيئة الله وشخصيّته وكلّ تفصيلٍ صغير عنه، واكتساب فهمٍ ومعرفة أكثر حكمة وأكثر دقّة عن الله. وبهذه الطريقة، يمكن لقلوب الناس أن تنفتح، شيئًا فشيئًا، على الله وتصبح قريبةً من الله، ويمكن للناس أن يفهموه فهمًا أفضل ويفهموا شخصيّته وجوهره ويعرفوا الإله الحقيقيّ نفسه معرفةً أفضل.

إن معرفة شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو يمكن أن يكون لها تأثيرٌ إيجابيّ على الناس. فيمكنها أن تساعدهم على زيادة ثقتهم بالله وعلى بلوغ الطاعة الحقيقيّة له ومخافته. وهكذا لن يظلوا يتبعونه أو يعبدونه عبادةً عمياء. فالله لا يريد الحمقى أو أولئك الذين يتبعون القطيع تبعيّةً عمياء، بل بالأحرى يريد مجموعةً من الناس لديهم في قلوبهم فهمٌ ومعرفة واضحين لشخصيّة الله ويمكنهم أن يكونوا شهودًا لله، وبسبب محبّته وبسبب ما لديه ومَنْ هو وبسبب شخصيّته البارّة، ألّا يتركوا الله أبدًا. إذا كنت تتبع الله وكان لا يزال في قلبك عدم وضوحٍ أو إذا كان هناك غموضٌ أو ارتباكٌ بشأن الوجود الحقيقيّ لله وشخصيّته وما لديه ومن هو وخطّته لخلاص البشريّة، فعندئذٍ لا يستطيع إيمانك أن ينال مدْح الله. فالله لا يريد من مثل هذا الشخص أن يتبعه، ولا يحبّ لمثل هذا الشخص أن يأتي أمامه. فلأن مثل هذا الشخص لا يفهم الله، فإنه لا يستطيع أن يُسلّم قلبه لله، فقلبه مغلقٌ على الله، ولذا فإن إيمانه بالله مملوء بالشوائب، ولا يمكن وصف تبعيّته لله سوى أنها تبعيّةٌ عمياء. لا يمكن للناس أن يبلغوا إيمانًا حقيقيًّا وأن يكونوا تابعين حقيقيّين إلّا إذا كان لديهم فهمٌ حقيقي لله ومعرفة حقيقية به، مما يُولّد بداخلهم طاعةً حقيقيّة ومخافة الله. وبهذه الطريقة فقط يمكن أن يُسلّموا قلبهم لله وأن يفتحوا قلبهم له. هذا ما يريده الله، لأن كلّ ما يفعلونه ويُفكّرون به يمكن أن يجتاز اختبار الله ويمكن أن يشهد لله. الهدف من كلّ شيءٍ أتواصل به معكم بخصوص شخصيّة الله أو ما لديه ومن هو أو مشيئته وأفكاره في كلّ ما يفعله ومن أيّ منظورٍ ومن أيّة زاويةٍ أتحدّث عنه هو مساعدتكم على أن تكونوا أكثر ثقةٍ بالوجود الحقيقيّ لله، وأن تفهموا وتُقدّروا محبّته للبشريّة حقًّا بمقدارٍ أكبر، وأن تفهموا وتُقدّروا بمقدارٍ أكبر اهتمام الله بالناس ورغبته المُخْلصة في تدبير البشر وخلاصهم.

استعراض لخواطر الله وأفكاره وأفعاله منذ خلقه للعالم

سوف نُلخّص اليوم أوّلاً أفكار الله وخططه وكلّ حركةٍ من تحرّكاته منذ أن خلق البشر. سنلقي نظرةً على العمل الذي عمله منذ تأسيس العالم إلى البداية الرسميّة لعصر النعمة. يمكننا بعد ذلك استكشاف أيًّا من أفكار الله وخططه غير معروفةٍ للإنسان، ويمكننا من هذه النقطة أن نُوضّح ترتيب خطّة تدبير الله ونفهم تمامًا السياق الذي أسّس فيه الله عمل تدبيره ومصدره وعمليّة تطويره، ويمكننا أن نفهم أيضًا فهمًا تامًّا النتائج التي يريدها من عمل تدبيره، أي جوهر وغرض عمل تدبيره. لفهم هذه الأمور يجب علينا العودة إلى زمانٍ بعيد ساد فيه السكون والصمت، زمن لم يوجد فيه بشر...

الله يخلق بشخصه أول إنسان حيّ

عندما نهض الله من مضجعه، كان أوّل ما فكّر به الله منذ الأزل هو خلق إنسانٍ حيّ حقيقيّ يمكن أن يحيا معه ويكون رفيقه الدائم؛ يمكن لهذا الشخص أن يستمع إليه ويمكن له أن يثق به ويتحدّث معه. وللمرّة الأولى اغترف الله حفنةٍ من التراب واستخدمها لخلق أوّل إنسانٍ حيّ بحسب الصورة التي تصوّرها في عقله، ثم أعطى هذا المخلوق الحيّ اسمًا، وهو آدم. كيف شعر الله بمُجرّد أن أصبح لديه هذا الكائن الحيّ الذي يتنفّس؟ للمرّة الأولى شعر بالفرح الذي يصاحب وجود حبيبٍ أو رفيق. كما شعر لأوّل مرّةٍ بمسؤوليّة أن يكون أبًا وبالاهتمام الذي يرافق ذلك. هذا الشخص الحيّ الذي يتنفّس جلب السعادة والفرح لله؛ فقد شعر الله بالارتياح لأوّل مرّةٍ. كان هذا أوّل شيءٍ فعله الله لم يتمّ بأفكاره أو حتّى بكلماته، ولكن بيديه. عندما وقف هذا الكائن – أي الشخص الحيّ الذي يتنفّس – أمام الله، مصنوعًا من لحمٍ ودم، ومكوّنًا من جسمٍ وهيئةٍ، وقادرًا على التحدّث مع الله، اختبر الله نوعًا من الفرح لم يشعر به من قبل. شعر الله حقًّا بمسؤوليّته، ولم يقتصر الأمر على أن تعلّق هذا الكائن الحيّ بقلبه فحسب، بل إن كلّ حركةٍ من تحرّكاته الصغيرة الي قام بها لمسته أيضًا وأسعدت قلبه. عندما وقف هذا الكائن الحيّ أمام الله، كانت هذه هي المرّة الأولى التي فكّر فيها في كسب المزيد من مثل هؤلاء الناس. كانت هذه سلسلة الأحداث التي بدأت بهذا الفكر الأوّل عند الله. بالنسبة لله، كانت جميع هذه الأحداث تحدث للمرّة الأولى، ولكن في هذه الأحداث الأولى، بغضّ النظر عمّا كان يشعر به في ذلك الوقت، أي شعور الفرح والمسؤوليّة والاهتمام، لم يوجد أحدٌ يمكنه مشاركة مشاعره معه. وابتداءً من تلك اللحظة، شعر الله حقًّا بوحدةٍ وحزنٍ لم يختبرهما من قبل. شعر بأن البشر لا يمكنهم أن يقبلوا أو يفهموا محبّته واهتمامه أو مقاصده للإنسان، ولذلك كان لا يزال يشعر بالحزن والألم في قلبه. ومع أنه فعل هذه الأشياء من أجل الإنسان، إلّا إن الإنسان لم يكن على درايةٍ بها ولم يفهمها. وبصرف النظر عن السعادة، فإن الفرح والعزاء اللذين شعر بهما الله بعد خلق الإنسان سرعان ما صاحبهما أوّل مشاعره بالحزن والوحدة. كانت هذه أفكار الله ومشاعره في ذلك الوقت. بينما كان الله يفعل جميع هذه الأشياء، تغيّر شعوره في قلبه من الفرح إلى الحزن ومن الحزن إلى الألم، وكانت مشاعره هذه مشوبة بالقلق. كان كلّ ما أراد عمله هو الإسراع في جعل هذا الشخص، أي هذه البشرية، يعرف ما كان يدور في قلبه ويفهم مقاصده عاجلًا. وبعد ذلك، يمكنهم أن يصبحوا أتباعه ويشاركوه أفكاره ويتوافقوا مع مشيئته. لن يعودوا يستمعون فحسب إلى كلام الله ويبقون دون كلامٍ؛ لن يعودوا غير مدركين كيفيّة مشاركة الله في عمله؛ بل ولن يعودوا أشخاصًا غير مبالين بمتطلّبات الله. هذه الأشياء الأولى التي فعلها الله ذات مغزى كبير وقيمة عالية لخطّة تدبيره وللبشر اليوم.

بعد خلق جميع الأشياء والبشرية، لم يسترح الله. كان قلقًا وتواقًا لتنفيذ تدبيره، وربح الأشخاص الذين أحبّهم بين البشر.

الله يقوم بسلسلة من الأعمال غير المسبوقة حوالي زمن عصر الناموس

بعد ذلك، وبعد فترةٍ قصيرة من خلق الله للبشر، نرى من الكتاب المُقدّس أنه حدث طوفانٌ عظيم في جميع أنحاء العالم. يُذكَر اسم نوح في سجلّ الطوفان، ويمكن القول بأن نوح كان أوّل شخصٍ يقبل دعوة الله للعمل معه لإكمال إحدى مهام الله. بالطبع، كانت هذه هي المرّة الأولى التي يدعو فيها الله شخصًا على الأرض لعمل شيءٍ وفقًا لأمره. بمُجرّد أن أنهى نوح بناء الفُلْك، غمر الله الأرض بالمياه للمرّة الأولى. عندما أهلك الله الأرض بالطوفان، كانت هذه هي المرّة الأولى منذ خلقه الكائنات الحية التي يشعر فيها بالضجر منهم؛ وهذا ما دفع الله لاتّخاذ القرار المؤلم بإهلاك هذا الجنس البشريّ بالطوفان. بعد أن أهلك الطوفان الأرض، أقام الله عهده الأوّل مع البشر، عهد يظهر أنه لن يدمر العالم مرّةً أخرى بالطوفان. وكانت علامة هذا العهد قوس قزح. كان هذا أوّل عهدٍ يقيمه الله مع البشريّة، ولذلك كان قوس قزح أوّل علامةٍ على العهد الذي أقامه الله، وقوس قزح شيءٌ حقيقيّ ماديّ موجود. ووجود قوس قزح يجعل الله يشعر كثيرًا بالحزن على الجنس البشريّ السابق الذي فقده، كما أنه يمثل تذكيرًا دائمًا له بما حدث لهم...لم يبطئ الله من وتيرته، وكان قلقًا وتواقًا ليتّخذ الخطوة التالية في تدبيره. وبعد ذلك، اختار الله إبراهيم كاختياره الأوّل لتنفيذ عمله في جميع أنحاء إسرائيل. وكانت هذه أيضًا المرّة الأولى التي يختار فيها الله مثل هذا المُرشّح. قرّر الله أن يبدأ تنفيذ عمله لخلاص البشريّة من خلال هذا الشخص، وأن يواصل عمله بين نسل هذا الشخص. يمكننا أن نرى في الكتاب المُقدّس أن هذا هو ما فعله الله مع إبراهيم. بعد ذلك جعل الله إسرائيل الأرض المختارة الأولى، وبدأ عمله في عهد الناموس من خلال شعبه المختار، أي بني إسرائيل. وللمرّة الأولى أيضًا، قدّم الله لبني إسرائيل قواعد ونواميس صريحة يجب أن تتبعها البشريّة، وشرحها بالتفصيل. كانت هذه هي المرّة الأولى التي يُقدّم فيها الله للبشر قواعد معياريّة مُحدّدة مثل هذه عن كيفيّة تقديم الذبائح وطريقة العيش وما يجب أن يعملوه وما يجب ألّا يعملوه والأعياد والأيّام التي يجب عليهم أن يحفظوها والمبادئ التي يجب اتّباعها في كلّ شيءٍ يعملوه. كانت هذه هي المرّة الأولى التي قدّم الله فيها للبشريّة قواعد ومبادئ مُفصّلة ومعياريّة عن كيف يعيشوا حياتهم.

في كل مرة أقول "المرّة الأولى"، فهذا يُقصد به نوع من العمل لم يقم به الله من قبل. يُشار به إلى عمل لم يكن موجودًا من قبل، ومع أن الله خلق البشريّة وخلق كافة أنواع المخلوقات والكائنات الحيّة، فهذا نوع من العمل لم يقم به من قبل. اشتمل هذا العمل كلّه على تدبير الله للبشرية؛ وكان يتعيّن على هذا كلّه أن تكون له علاقةٌ بالناس وبخلاصه وتدبيره لهم. بعد إبراهيم، عمل الله عمل آخر لأول مرة: اختار أيُّوب ليكون ذلك الشخص الذي يعيش تحت الناموس والذي يمكنه احتمال تجارب الشيطان مع استمراره في اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ والشهادة لله. كانت هذه أيضًا هي المرّة الأولى التي سمح فيها الله للشيطان بتجربة شخصٍ، والمرّة الأولى التي يراهن فيها مع الشيطان. وفي النهاية، ربح للمرّة الأولى شخصًا استطاع التمسك بالشهادة له وأن يقدم الشهادة له بينما كان يواجه الشيطان وإلحاق الخزي الشديد بالشيطان. منذ أن خلق الله البشر، كان هذا هو أوّل شخصٍ ربحه الله واستطاع الشهادة له. بمُجرّد أن كسب الله هذا الرجل، كان أكثر حرصًا على مواصلة تدبيره وتنفيذ المرحلة التالية من عمله، وإعداد المكان والناس الذين سيختارهم للخطوة التالية من عمله.

بعد مشاركة هذا كلّه، هل تفهمون مشيئة الله فهمًا حقيقيًا؟ يرى الله هذا المثال عن تدبيره للبشريّة وخلاصه للبشرية أهمّ من أيّ شيءٍ آخر. إنه يفعل هذه الأشياء ليس بعقله وحسب، وليس بكلماته وحسب، وبالتأكيد ليس بموقف عرضيّ – ولكنه يفعل جميع هذه الأشياء بخطّةٍ وهدفٍ ومعايير وبمشيئته. من الواضح أن عمل خلاص البشريّة هذا يحمل أهميّة كبيرة لكلٍّ من الله والإنسان. فبغضّ النظر عن مدى صعوبة العمل، ومدى شدّة العقبات، وبغضّ النظر عن مدى ضعف البشر، أو مدى عمق تمرّد البشر، لا يصعب شيءٌ من هذا على الله. فالله يُبقي نفسه مشغولًا، ويبذل جهده الشاقّ، ويُدبّر العمل الذي يريد عمله بنفسه. إنه يُرتّب أيضًا كلّ شيءٍ ويمارس سيادته على جميع هؤلاء الناس الذين سيعمل عليهم وكل العمل الذي يريد إتمامه، ولا شيء من هذا تمّ من قبل. هذه هي المرّة الأولى التي استخدم فيها الله هذه الطرق ودفع ثمنًا هائلاً لهذا المشروع الرئيسيّ لتدبير البشريّة وخلاصها. بينما يقوم الله بهذا العمل، فإنه يُعبّر شيئًا فشيئًا للبشر دون تحفّظٍ عن جهده الدؤوب وعمّا لديه ومن هو وحكمته وقدرته وعن كلّ جانبٍ من جوانب شخصيّته. إنه يعلن ويعبر عن هذه الأشياء كما لم يفعل من قبل. ولذلك، في الكون كلّه، وبصرف النظر عن الناس الذين يهدف الله إلى تدبيرهم وخلاصهم، لم توجد مطلقًا أيّة مخلوقاتٍ أقرب إلى الله وتنعم بعلاقةٍ قريبة معه. في قلب الله، البشرية التي يريد أن يُدبّرها ويُخلّصها هي الأهمّ، وهو يُقدّر هذه البشريّة فوق كلّ شيءٍ آخر. ومع أنه دفع ثمنًا هائلاً عنهم، ومع تعرّضه المستمرّ للإيذاء والعصيان بسببهم، إلّا أنه لا يتخلّى عنهم أبدًا ويواصل بلا كللٍ عمله، دون أيّة شكاوى أو ندمٍ. يعود السبب في ذلك إلى أنه يعرف أنه عاجلاً أو آجلاً سوف يفيق الناس على دعوته، ويتأثّرون بكلماته، ويعترفون بأنه ربّ الخليقة، ويعودون ليكونوا إلى جانبه...

بعد سماعكم هذا كلّه اليوم، قد تشعرون أن كلّ ما يفعله الله طبيعيٌ جدًّا. يبدو أن البشر كانوا يشعرون دائمًا بجانبٍ من نوايا الله لهم من سياق كلامه ومن عمله، ولكن توجد دائمًا مسافةٌ مُعيّنة بين مشاعرهم أو معرفتهم وبين ما يُفكّر به الله. ولهذا السبب أعتقد أنه من الضروريّ التواصل مع جميع الناس حول سبب خلق الله للبشريّة، والخلفيّة الكامنة وراء رغبته في ربح البشرية التي كان يأمل فيها. من الضروريّ مشاركة هذا مع الجميع، بحيث يكون هذا واضحًا للجميع ويفهمونه في قلوبهم. لأن كلاً من أفكار الله وخططه وكلّ مرحلةٍ وكلّ فترةٍ من عمله تتشابك وترتبط ارتباطًا وثيقًا بعمل تدبيره بأكمله، وعليه عندما تفهم أفكار الله وخططه ومشيئته في كلّ خطوةٍ من خطوات عمله يكون هذا أشبه بفهم كيفية عمل خطّة تدبيره. يتعمّق فهمك لله على هذا الأساس. فمع أن كلّ ما فعله الله عندما خلق العالم في البداية مما ذكرته سابقًا يبدو الآن أنه مجرد "معلومات" غير ذات صلةٍ بالسعي إلى الحقّ، إلّا أنه على مدى فترة اختبارك سوف يكون هناك على أية حال يومٌ لا تعتقد فيه أن هذا شيئًا بسيطًا جدًّا كمجموعةٍ من المعلومات أو شيئًا بسيطًا مثل بعض الألغاز. فيما تتقدم حياتك وبمجرد أن يصبح لله مكانًا في قلبك، أو بمجرد أن تفهم مشيئته فهمًا أكثر شمولاً وعمقًا، عندئذ ستفهم حقًّا أهميّة وضرورة ما أتحدّث عنه اليوم. مهما كان مدى قبولكم لهذا الآن؛ فما زال من الضروريّ أن تفهموا هذه الأشياء وتعرفوها. عندما يعمل الله شيئًا، وعندما يُجري عمله، وبغضّ النظر عمّا إذا كان يجريه بأفكاره أو بيديه، وبغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه هي المرّة الأولى التي يعمل فيها ذلك أو المرّة الأخيرة، ففي النهاية الله لديه خطّةٌ، كما أن أهدافه وأفكاره تكمن في كلّ شيءٍ يفعله. تُمثّل هذه الأهداف والأفكار شخصيّة الله، وتُعبّر عمّا لديه ومَنْ هو. ينبغي على كلّ شخصٍ فهم هذين الشيئين، أي شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو. بمُجرّد أن يفهم المرء شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو، يمكنه أن يفهم تدريجيًّا سبب عمل الله ما يعمله وسبب قوله ما يقوله. ومن ذلك، يمكنه عندئذٍ أن يملك إيمانًا أكبر لاتّباع الله والسعي إلى الحقّ وتغيير في شخصيّتهم. وهذا يعني أن فهم الإنسان لله وإيمانه بالله لا ينفصلان.

إن كان ما يكسب الناس معرفة عنه ويتوصلون إلى فهمه هو شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو، فإن ما يكتسبونه هو الحياة التي تأتي من الله. بُمجرّد أن تتشكّل هذه الحياة بداخلك، سوف تصبح مخافتك من الله أكبر وأكبر، وهذا ربح يتحقق على نحو طبيعيّ جدًّا. إذا لم ترد أن تفهم أو تعرف شخصيّة الله أو جوهره، وإذا كنت لا تريد حتّى التفكير في هذه الأمور أو التركيز عليها، فيمكنني أن أخبرك بالتأكيد أن الطريقة التي تسعى بها حاليًا إلى إيمانك بالله لا يمكن أن تسمح لك أبدًا بتنفيذ مشيئته أو نيل رضاه. إضافة إلى ذلك، لا يمكنك أبدًا الوصول إلى الخلاص – هذه هي النتائج النهائيّة. عندما لا يفهم الناس الله ولا يعرفون شخصيّته، فإن قلوبهم لا يمكنها أبدًا أن تنفتح له. وبعد أن يفهموا الله، سوف يبدأون في تقدير وتذوق ما في قلبه باهتمامٍ وإيمان. عندما تقدّر وتتذوق ما في قلب الله، سوف ينفتح قلبك له تدريجيًّا شيئًا فشيئًا. وعندما ينفتح قلبك له، سوف تشعر بمدى الخجل والوضاعة إزاء كلامك مع الله ومطالبك من الله ورغباتك الفارهة. عندما ينفتح قلبك حقًّا لله، سوف ترى أن قلبه مثل عالمٍ بلا حدودٍ، وسوف تدخل إلى عالمٍ لم تختبره من قبل. في هذا العالم لا يوجد غشٌّ ولا خداع ولا ظلام ولا شرّ. لا يوجد به سوى الإخلاص والأمانة، والنور والاستقامة، والبرّ واللطف. إنه مليءٌ بالمحبّة والرعاية والشفقة والتسامح، ومن خلاله تشعر بالسعادة والفرح كونك حيًّا. هذه الأشياء هي ما سيكشفها لك الله عندما تفتح قلبك له. وهذا العالم اللانهائيّ ممتلئٌ بحكمة الله وبقدرته الكليّة؛ كما أنه ممتلئٌ بمحبّته وسلطانه. يمكنك هنا أن ترى كلّ جانبٍ من جوانب ما لدى الله ومَنْ هو وما يجلب له الفرح وما يدعوه للقلق وما يدعوه للحزن وما يدعوه للغضب...هذا ما يستطيع كلّ شخصٍ أن يراه بعد أن يفتح قلبه ويسمح لله بالدخول. لا يمكن أن يأتي الله إلى قلبك إلّا إذا فتحته له. لا يمكنك أن ترى ما لدى الله ومَنْ هو ولا يمكنك أن ترى نيته نحوك إلّا إذا دخل قلبك. في ذلك الوقت، سوف تكتشف أن كلّ شيءٍ عن الله ثمينٌ جدًّا، وأن ما لديه ومَنْ هو جديرٌ بالاعتزاز. وفي المقابل، فإن الأشخاص الذين يحيطون بك، والأشياء والأحداث في حياتك، وحتّى أحباءك وشريك حياتك، والأشياء التي تحبّها، تكاد لا تستحقّ الذكر. فهذه الأمور صغيرة للغاية ومتواضعة للغاية لدرجة أنك ستشعر أنه لن يتمكّن أيّ شيءٍ ماديّ من أن يجذبك مرّةً أخرى، أو أن يغريك من جديد أبدًا لدفع أيّ ثمنٍ له. في تواضع الله سوف ترى عظمته وسموّه. وإضافة إلى ذلك، سوف ترى في أحد أعمال الله، التي اعتقدت سابقًا أنه صغيرٌ جدًّا، حكمته اللانهائيّة وتسامحه، وسوف ترى صبره وتحمّله وفهمه لك. وهذا سيوّلد فيك عشقًا له. في ذلك اليوم، سوف تشعر أن البشريّة تعيش في عالمٍ دنسٍ، وأن الناس الذين بجانبك والأشياء التي تحدث في حياتك، وحتّى أولئك الذين تحبّهم، ومحبّتهم لك وحمايتهم المزعومة أو اهتمامهم بك لا يستحقّ الذكر حتّى، فالله وحده هو حبيبك، والله وحده هو مَنْ تُقدّره أكثر. عندما يأتي ذلك اليوم، أعتقد أنه سيوجد بعض الناس الذين يقولون: إن محبّة الله عظيمةٌ جدًّا وجوهره مُقدّسٌ جدًّا وليس فيه غشٌّ ولا شرّ ولا حسد ولا صراع، بل البرّ والأصالة وحدهما، وكلّ شيءٍ لدى الله ومن هو يجب أن يتوق إليه البشر. يجب على البشر أن يسعوا وراءه ويتطلعوا إليه. على أيّ أساسٍ تُبنى قدرة البشر على تحقيق ذلك؟ إنه مبنيٌّ على أساس فهمهم لشخصية الله وفهمهم لجوهر الله. ولذلك فإن فهم شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو درسٌ مستمرّ مدى الحياة لكلّ شخصٍ؛ وهذا هدفٌ مستمرّ مدى الحياة لكلّ شخصٍ يسعى جاهدًا إلى تغيير شخصيّته ويسعى إلى معرفة الله.

تجسد الله للمرة الأولى للقيام بالعمل

تحدّثنا للتوّ عن جميع الأعمال التي عملها الله، وسلسلة الأعمال غير المسبوقة التي صنعها. يرتبط كلّ شيءٍ من هذه الأشياء بخطّة تدبير الله وبمشيئة الله. كما أنها ترتبط بشخصيّة الله نفسه وجوهره. إذا أردنا أن نفهم المزيد عما لدى الله ومن هو، فلا يمكننا التوقّف عند العهد القديم أو عهد الناموس، ولكننا نحتاج إلى المضيّ قُدمًا والمتابعة مع الخطوات التي اتّخذها الله في عمله. وهكذا، عندما أنهى الله عهد الناموس وبدأ عهد النعمة، سمح لخطواتنا بأن تتبعه إلى عهد النعمة – وهو عهدٌ مملوءٌ بالنعمة والفداء. وفي هذا العهد صنع الله من جديدٍ شيئًا مهمًّا للغاية لم يُصنَع من قبل. كان العمل في هذا العهد الجديد لكلٍّ من الله والبشر نقطة انطلاقٍ جديدة. وكانت نقطة الانطلاق هذه تتكون من عمل جديد آخر يعمله الله لم يُصنع من قبل. كان هذا العمل الجديد غير مسبوقٍ، شيء يتخطى قدرة تخيُّل البشر. إنه شيءٌ معروف الآن لجميع الناس – لأول مرة، صار الله إنسانًا، ولأول مرة بدأ عملًا جديدًا في هيئة إنسانٍ وبهويّة إنسانٍ. أفاد هذا العمل الجديد بأن الله أكمل عمله في عهد الناموس، وبأنه لن يعد يقول أو يفعل أيّ شيءٍ بموجب الناموس. لن يتكلّم أو يفعل أيّ شيءٍ في هيئة الناموس أو وفقًا لمبادئ الناموس أو قواعده. وهذا يعني أن كل عمله المستند على الناموس توقّف إلى الأبد ولن يستمرّ، وذلك لأن الله أراد أن يبدأ عملاً جديدًا وأن يصنع أشياءً جديدةً. مرة أخرى كانت لخطّته نقطة بدايةٍ جديدةٍ، ولذلك كان يتعيّن على الله أن يقود البشريّة إلى العهد التالي.

تعتمد مسألة سواء كان هذا خبرًا سارًّا أو مؤسفًا للبشر على جوهر كل شخص على حدة. يمكن القول إن هذا الخبر لم يكن سارًّا لبعض الناس، ولكنه كان مؤسفًا، لأنه عندما بدأ الله عمله الجديد، فإن أولئك الناس الذين اتّبعوا النواميس والقواعد فحسب بينما لم يخافوا الله، ومالوا إلى استخدام عمل الله القديم لإدانة عمله الجديد. كان هذا خبرًا مؤسفًا لهؤلاء الناس. ولكن لكلّ شخصٍ بريء ومنفتح وأمين لله ومستعدّ لقبول فدائه، فإن أوّل تجسّدٍ لله كان خبرًا سارًّا جدًّا. لأنه منذ مجيء البشر إلى الوجود، كانت هذه هي المرّة الأولى التي ظهر فيها الله وعاش بين البشر في هيئةٍ غير هيئة الروح؛ وهذه المرة فقد وُلِدَ من بشرٍ وعاش بين الناس بصفته ابن الإنسان، وعمل في وسطهم. وهذه "المرّة الأولى" كسرت مفاهيم الناس وكانت أبعد من الخيال. إضافة إلى ذلك، نال جميع أتباع الله فائدةً ملموسة. لم يكتفِ الله بإنهاء العصر القديم فحسب، بل أنهى أيضًا أساليب عمله القديمة وطريقة عمله. لم يعد يطلب من رسله نقل مشيئته، ولم يعد مختبئًا في السحاب، ولم يعد يظهر للبشر أو يتحدّث إليهم بصيغة الأمر من خلال الرعد. ولكن على عكس أيّ شيءٍ من قبل، ومن خلال أسلوبٍ لم يكن يتصوّره الإنسان، حيث كان من الصعب عليه فهمه أو قبوله – أي تجسُّد الله – صار الله هو ابن الإنسان لكي يبدأ عمل ذلك العصر. وقد أخذ عملُ الله البشر على حين غرّة، وأصابهم بالارتباك؛ لأن الله بدأ مرّةً أخرى عملاً جديدًا لم يسبق أن عَمِلَه من قبل. واليوم، سوف نُلقي نظرةً على العمل الجديد الذي أتّمه الله في العصر الجديد، وسنضع في الاعتبار ما يجب أن نتعلمه من هذا العمل الجديد، من جهة شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو.

فيما يلي الكلمات المُسجّلة في العهد الجديد في الكتاب المُقدّس:

1. يسوع يقطف سنابل الذرة ليأكلها يوم السبت

(متى 12: 1) "فِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي ٱلسَّبْتِ بَيْنَ ٱلزُّرُوعِ، فَجَاعَ تَلَامِيذُهُ وَٱبْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ".

2. ابن الإنسان هو رب السبت

(متى 12: 6-8) "وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَهُنَا أَعْظَمَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ! فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى ٱلْأَبْرِيَاءِ! فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضًا".

دعونا أوّلاً نلقي نظرةً على هذا المقطع: "فِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي ٱلسَّبْتِ بَيْنَ ٱلزُّرُوعِ، فَجَاعَ تَلَامِيذُهُ وَٱبْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ".

لماذا اخترت هذا المقطع؟ ما ارتباطه بشخصيّة الله؟ في هذا النصّ، أوّل شيءٍ نعرفه هو أنه كان يوم السبت، ولكن الرّبّ يسوع خرج مع تلاميذه بين حقول القمح. والأمر االأشد "غدرًا" هو أنهم حتّى "ٱبْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ". في عصر الناموس، كان ناموس يهوه الله يقضي بألّا يخرج الناس أو يشاركوا في الأنشطة يوم السبت: كانت هناك أشياءٌ كثيرة لا يمكن عملها يوم السبت. وكان هذا التصرّف الذي صدر من الرّبّ يسوع مُحيّرًا بالنسبة لمن عاشوا في ظلّ الناموس لفترةٍ طويلة، حتّى أنه أثار النقد. أمّا عن ارتباكهم وكيفّية حديثهم عمّا فعله يسوع، فسوف نؤجّل ذلك في الوقت الحاليّ ونناقش أوّلاً لماذا اختار الرّبّ يسوع عمل ذلك يوم السبت، من بين جميع الأيّام، وما أراد توصيله للناس الذين كانوا يعيشون في ظلّ الناموس من خلال هذا العمل. هذا هو الرابط بين هذا المقطع وشخصيّة الله التي أريد الحديث عنها.

عندما جاء الرّبّ يسوع، استخدم أفعاله العمليّة ليخبر الناس أن الله ترك عصر الناموس وبدأ العمل الجديد، وأن هذا العمل الجديد لم يتطلّب حفظ السبت. كان خروج الله عن قيود يوم السبت مُجرّد لمحة مسبقة عن عمله الجديد، وكان عمله الحقيقي والعظيم لم يأتِ بعدُ. عندما بدأ الرّبّ يسوع عمله، كان قد ترك بالفعل "أغلال" عصر الناموس وخرق لوائح ذلك العصر ومبادئه. ولم يكن فيه أيّ أثرٍ لأيّ شيءٍ مُتعلّق بالناموس؛ فقد طرحه بأكمله ولم يعُد يحفظه، ولم يعُد يطلب من الناس أن يحفظوه. ولذلك ترى أن الرّبّ خرج بين حقول القمح في السبت؛ وأن الرّبّ لم يسترح: بل كان خارجًا يعمل ولم يكن يستريح. وكان تصرّفه هذا صدمةً لمفاهيم الناس وأبلغهم أنه لم يعُد يعيش في ظلّ الناموس وأنه ترك قيود السبت وظهر أمام البشريّة وفي وسطهم في صورةٍ جديدةٍ وبطريقةٍ جديدةٍ للعمل. وقد أخبر عمله هذا الناس أنه أحضر معه عملاً جديدًا، عمل بدأ بالخروج عن الخضوع للناموس والابتعاد عن السبت. عندما أتمّ الله عمله الجديد، لم يعد يتعلّق بالماضي، ولم يعد مهتمًّا بلوائح عصر الناموس. لم يتأثّر بعمله في العصر السابق، ولكنه عمل في السبت كما يعمل في الأيام الأخرى، وعندما شعر تلاميذه بالجوع يوم السبت، استطاعوا قطف سنابل القمح للأكل. كان هذا طبيعيًّا جدًّا في نظر الله. مسموح لله بأن تكون له بدايةٌ جديدة للعمل الجديد الكثير الذي يريد أن يفعله والكلمات الجديدة التي يريد أن يقولها. عندما يبدأ شيئًا جديدًا، فهو لا يذكر عمله السابق ولا يواصل عمله. لأن الله له مبادئه في عمله، عندما يريد أن يبدأ عملاً جديدًا فإنه يريد أن ينقل البشريّة إلى مرحلةٍ جديدةٍ من عمله وينقل عمله إلى مرحلةٍ أعلى. إذا استمرّ الناس في التصرّف وفقًا للأقوال أو اللوائح القديمة أو استمرّوا في التمسّك بها، فإنه لن يذكر ذلك أو يوافق عليه. والسبب في ذلك هو أنه جلب بالفعل عملاً جديدًا ودخل مرحلةً جديدة من عمله. عندما يبدأ عملاً جديدًا، فإنه يظهر للبشريّة بصورةٍ جديدة تمامًا ومن زاويةٍ جديدة تمامًا وبطريقةٍ جديدة تمامًا بحيث يمكن للناس رؤية جوانب مختلفة من شخصيّته وما لديه ومَنْ هو. وهذا أحد أهدافه في عمله الجديد. لا يتمسّك الله بالأشياء القديمة أو يسلك الطريق المعتاد؛ عندما يعمل ويتحدّث، لا يكثر من الحظر كما يتصوّر الناس. فعند الله الجميع أحرارٌ وطلقاء ولا يوجد حظرٌ ولا قيود – فهو لا يجلب للبشريّة سوى الحريّة والتحرّر. إنه إلهٌ حيّ وإلهٌ موجودٌ حقًّا. إنه ليس دمية أو تمثالاً من صلصالٍ، وهو مختلفٌ تمامًا عن الأوثان التي يُقدّسها الناس ويعبدونها. إنه حيٌّ ونابض بالحياة، كما أن كلماته وعمله يُقدّم للبشرية الحياة والنور والحريّة والتحرّر، لأنه الطريق والحقّ والحياة. إنه غير مُقيّدٍ بأيّ شيءٍ في أيٍ من أعماله. وبغضّ النظر عمّا يقوله الناس وبغضّ النظر عن كيفيّة رؤيتهم أو تقييمهم لعمله الجديد، فسوف يؤدّي عمله دون ندم. لن يقلق بشأن مفاهيم أيّ شخصٍ أو إشاراته إلى ما يخص عمله أو كلامه، أو حتّى معارضته القويّة ومقاومته لعمله الجديد. فلا أحد من بين الخلق كلّه يمكنه استخدام العقل البشريّ أو الخيال البشريّ أو المعرفة أو الأخلاق لقياس أو تحديد ما يفعله الله أو لتشويه عمله أو تعطيله أو تخريبه. لا يوجد حظرٍ في عمله، ولن يُقيّده أيّ إنسانٍ أو شيء أو حَدَث، ولن تُعطّله أيّة قوى معادية. وبقدر ما يتعلق الأمر بعمله الجديد فهو ملكٌ منتصرٌ دائمًا، وأيّة قوى معادية وجميع البدع والمغالطات من البشر يدوسها تحت موطئ قدميه. بغضّ النظر عن أيّة مرحلةٍ جديدة من عمله يُؤدّيها، فسيتم بالتأكيد تطويرها وتوسيعها بين البشر، وإتمامها دون عوائق في سائر أرجاء الكون بأكمله لحين إتمام عمله العظيم. هذه هي قدرة الله وحكمته وسلطانه وقوّته. وهكذا، استطاع الرّبّ يسوع أن يخرج علنًا ويعمل في السبت لأنه لم تكن في قلبه قواعد، ولا معرفةٌ أو عقيدة نبعت من البشر. ولم يكن ما عمله سوى عمل الله الجديد وطريقة الله الجديدة، وكان عمله هو الطريق لتحرير البشريّة وإطلاق سراح الناس والسماح لها بالعيش في النور وبالحياة. وفي تلك الأثناء، أولئك الذين يعبدون الأوثان أو الآلهة الباطلة يعيشون كلّ يومٍ مُقيّدين من الشيطان، ومُقيّدين بجميع أنواع القواعد والممنوعات – فاليوم يُحظر شيءٌ ما وغدًا يُحظر شيءٌ آخر – ولا توجد حريّة في حياتهم. إنهم مثل سجناء في أغلالٍ يعيشون الحياة بلا فرح يمكنهم الحديث عنه. ماذا يُمثّل "الحظر"؟ إنه يُمثّل القيود والأغلال والشرّ. بمُجرّد أن يعبد الشخص وثنًا، فإنه يعبد إلهًا كاذبًا وروحًا شريرًا. ويأتي الحظر عند الانخراط في مثل هذه الأنشطة. لا يمكنك أن تأكل هذا أو ذاك، لا يمكنك الخروج اليوم، ولا يمكنك الطهي غدًا، ولا يمكنك في اليوم التالي الانتقال إلى منزلٍ جديد، وينبغي تعيين أيامٍ مُعيّنة للزفاف والجنازات، وحتّى لولادة الأطفال. ماذا يُدعى هذا؟ إنه يُدعى الحظر؛ إنه عبوديّة البشر وأغلال الشيطان والأرواح الشريرة التي تتحكّم بالناس وتُقيّد قلوبهم وأجسادهم. هل الله عنده هذا الحظر؟ عند الحديث عن قداسة الله، يجب أن تُفكّر أوّلّا في هذا: الله ليس عنده حظر. الله عنده مبادئ في كلماته وعمله، ولكن ليس عنده حظر، لأن الله نفسه هو الطريق والحقّ والحياة.

دعونا الآن ننظر إلى المقطع التالي من الكتاب المقدس: "وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هَهُنَا أَعْظَمَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ! فَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا هُوَ: إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ذَبِيحَةً، لَمَا حَكَمْتُمْ عَلَى ٱلْأَبْرِيَاءِ! فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضًا" (متى 12: 6-8). ما الذي تشير إليه كلمة "الهيكل" هنا؟ ببساطةٍ، تشير إلى مبنى مرتفع شاهق، وفي عصر الناموس كان الهيكل مكانًا للكهنة لعبادة الله. عندما قال الرّبّ يسوع "إِنَّ هَهُنَا أَعْظَمَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ!"، مَنْ الذي تشير إليه كلمة "أعظم"؟ تشير كلمة "أعظم" بوضوحٍ إلى الرّبّ يسوع في الجسد، لأنه وحده كان أعظم من الهيكل. ماذا أخبرت تلك الكلمات الناس؟ أخبرت الناس بأن يخرجوا من الهيكل – فقد ترك الله الهيكل بالفعل ولم يعُد يعمل فيه، ولذلك يجب على الناس أن يتبعوا خطوات الله خارج الهيكل ويتبعوا خطواته في عمله الجديد. عندما قال الرّبّ يسوع هذا، كانت هناك فرضية وراء كلامه، وهي أنه في ظلّ الناموس اعتاد الناس على اعتبار الهيكل شيئًا أعظم من الله نفسه. وهذا يعني أن الناس كان يعبدون الهيكل بدلاً من عبادة الله، ولذلك حذّرهم الرّبّ يسوع من عبادة الأوثان ودعاهم لعبادة الله بدلًا من ذلك لأنه إلهٌ سامٍ. وهكذا قال: "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لَا ذَبِيحَةً". من الواضح أن الرّبّ يسوع اعتبر أن معظم الناس الذين يعيشون في ظلّ الناموس لم يعودوا يعبدون يهوه الله بل كانوا يكتفون بطقس تقديم الذبائح، فقرّر الرّبّ يسوع أن هذه العمليّة تشكل عبادة أوثانٍ. كان عبدة الأوثان هؤلاء يرون الهيكل على أنه شيءٌ أعظم وأعلى من الله. لم يكن يملأ قلوبهم سوى الهيكل وليس الله، وإذا كانوا ليفقدوا الهيكل، لفقدوا مكان سكنهم. وبدون الهيكل لا يكون لديهم مكانٌ للعبادة ولا يمكنهم تقديم ذبائحهم. إن مكان سكنهم "المزعوم" هو المكان الذي يستخدمونه بزعم عبادة يهوه الزائف، من أجل البقاء في الهيكل وإجراء أمورهم الخاصة. ولم يكن الهدف من "تقديم ذبائحهم" المزعوم سوى إجراء تعاملاتهم الشخصيّة المخزية تحت ستار إجراء خدمتهم في الهيكل. وقد كان هذا هو السبب الذي جعل الناس في ذلك الوقت يعتبرون الهيكل أعظم من الله. تكلم الرب يسوع بهذه الكلمات كتحذير للناس، لأنهم كانوا يستخدمون الهيكل كواجهة والذبائح كقناعٍ لخداع الناس وخداع الله. إذا طبّقتم هذه الكلمات على الوقت الحاضر، فهي لا تزال صحيحة وواقعيّة بالقدر نفسه. مع أن الناس اختبروا اليوم عملاً مختلفًا لله عن أولئك الناس الذين عاشوا في عصر الناموس، إلّا إن طبيعتهم وجوهرهم هي نفسها. في سياق العمل اليوم، سوف يظلّ الناس يفعلون النوع نفسه من الأشياء مثل ما تمثله كلمة "الهيكل أعظم من الله". على سبيل المثال، يعتبر الناس أن أداء واجبهم هو وظيفتهم؛ ويعتبرون أن الشهادة لله وقتال التنّين العظيم الأحمر حركات سياسيّة دفاعًا عن حقوق الإنسان ومن أجل الديمقراطيّة والحريّة؛ ويتناوبون واجبهم لاستخدام مهاراتهم في مهنٍ، لكنهم يتعاملون مع اتّقاء الله والحيدان عن الشرّ وكأنه مجرد جزء من العقيدة الدينيّة التي يجب مراعاتها؛ وما إلى ذلك. أليست هذه السلوكيات هي جوهريًّا مثل اعتبار أن "الهيكل أعظم من الله"؟ الفارق الوحيد هو أنه منذ ألفيّ سنةٍ كان الناس يديرون أعمالهم الشخصيّة في الهيكل الماديّ، أمّا اليوم فالناس يديرون أعمالهم الشخصيّة في هياكل غير ملموسةٍ. فأولئك الناس الذين يتمسّكون بالقواعد يرونها أعظم من الله، وأولئك الذين يحبّون المكانة يرونها أعظم من الله، وأولئك الذين يحبّون حياتهم المهنيّة يرونها أعظم من الله، وهكذا – وجميع تعبيراتهم تدعوني لأقول: "الناس يشكرون الله على أنه الأعظم من خلال كلماتهم، ولكن كلّ شيءٍ في نظرهم أعظم من الله". بمُجرّد أن يجد الناس فرصةً في طريقهم لاتّباع الله لإظهار مواهبهم الخاصة، أو لتنفيذ أعمالهم الخاصة أو مهنهم، فإنهم ينأون بأنفسهم عن الله ويرمون أنفسهم في مهنتهم المحبوبة. أمّا بخصوص ما أوكله الله إليهم، ومشيئته، فقد جرى التخلّص من تلك الأشياء منذ زمانٍ طويل. ما الفرق بين حالة هؤلاء الناس وأولئك الذين أداروا أعمالهم الخاصة في الهيكل قبل ألفيّ سنةٍ؟

دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على الجملة الأخيرة في هذا المقطع: "فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضًا". هل يوجد جانبٌ عمليّ لهذه الجملة؟ هل يمكنكم رؤية الجانب العمليّ؟ كلّ شيءٍ يقوله الله ينبع من قلبه، فلماذا قال هذا؟ كيف تفهمونها؟ قد تفهمون معنى هذه الجملة الآن، ولكن عند قولها في ذلك الوقت لم يفهمها كثيرون لأن البشريّة كانت قد خرجت للتوّ من عصر الناموس. وبالنسبة لهم، كان الابتعاد عن يوم السبت أمرًا صعبًا للغاية، فضلاً عن فهم المعنى الحقيقيّ ليوم السبت.

إن جُملة "ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضًا" تخبر الناس أن كلّ شيءٍ يخص الله ليس له طابع ماديٍّ، ومع أن الله يمكنه توفير جميع احتياجاتك الماديّة، إلّا أنه بمُجرّد تلبية جميع احتياجاتك الماديّة، هل يمكن للرضا النابع من هذه الأشياء أن يحلّ محلّ سعيك وراء الحقّ؟ من الواضح أن هذا غير ممكنٍ! إن شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو اللتين قدّمنا عنهما شركتنا هما الحقّ. ولا يمكن قياس قيمته مقابل الأشياء الماديّة مهما كانت قيمتها ولا يمكن قياس قيمته بالأموال، لأنه ليس شيئًا ماديًّا، كما أنه يُلبّي حاجات قلب كلّ شخصٍ. يجب أن تكون قيمة هذه الحقائق غير الملموسة لكل شخص أكبر من قيمة أيّة أشياءَ ماديّة تقدرها، أليس كذلك؟ يجب عليكم التأمّل في هذا الكلام. النقطة الأساسيّة فيما قلته هي أن ما لدى الله ومَنْ هو وكلّ شيءٍ يُمثّله الله هي أهمّ الأشياء لكلّ شخصٍ ولا يمكن لأيّ شيءٍ ماديّ أن يحلّ محلّها. سوف أقدّم لك مثالًا: عندما تشعر بالجوع فإنك تحتاج إلى الطعام. يمكن أن يكون هذا الطعام شهيًّا نوعًا ما أو ناقصًا نوعًا ما، ولكن طالما حصلت على ما يكفيك فسوف يختفي هذا الشعور غير المستحبّ بالجوع، بل سيزول. يمكنك الجلوس في هدوءٍ، وسوف يستريح جسمك. يمكن حلّ مشكلة جوع الناس بالطعام، ولكن عندما تتبع الله وتشعر بأنك لا تفهمه، كيف تحلّ مشكلة الفراغ في قلبك؟ هل يمكن حلّها بالطعام؟ أو عندما تتبع الله ولا تفهم مشيئته، ما الذي يمكنك استخدامه للتعويض عن ذلك الجوع في قلبك؟ في عمليّة اختبارك الخلاص من خلال الله، بينما تتبع تغييرًا في شخصيّتك، إذا كنت لا تفهم مشيئته أو لا تعرف الحقّ، وإذا كنت لا تفهم شخصيّة الله، ألن تشعر إذًا بعدم الارتياح الشديد؟ ألن تشعر بجوعٍ وعطشٍ شديدين في قلبك؟ ألن تمنعك هذه المشاعر من الشعور بالراحة في قلبك؟ كيف يمكنك إذًا تعويض ذلك الجوع في قلبك – هل هناك طريقةٌ لحلّه؟ بعض الناس يذهبون للتسوّق، وبعضهم يبحثون عن أصدقائهم ليضعوا ثقتهم فيهم، وبعضهم يستمتعون بنوم طويل، وآخرون يقرأون المزيد من كلام الله أو يعملون أكثر ويبذلون المزيد من الجهد للوفاء بواجباتهم. هل تستطيع هذه الأشياء حلّ الصعوبات الفعليّة لديك؟ جميعكم تفهمون تمامًا هذه الأنواع من الممارسات. عندما تشعر بالضعف أو برغبةٍ قويّة في نيل الاستنارة من الله للسماح لك بمعرفة حقيقة الحقّ ومشيئته، ما أكثر شيءٍ تحتاج إليه؟ إن ما تحتاج إليه ليس وجبةً كاملة، وليست بعض الكلمات الرقيقة، ناهيك عن الراحة العابرة وإرضاء الجسد – ولكن ما تحتاج إليه هو أن يخبرك الله بطريقة مباشرة وبوضوحٍ بما يجب عليك فعله وكيف يجب عليك أن تفعله، وأن يخبرك بوضوحٍ عن معنى الحقّ. وبعد فهمك لهذا، حتّى إذا ربحت الجزء اليسير من الفهم، ألن تشعر برضا في قلبك أكثر ممّا إذا كنت قد تناولت وجبةً جيّدة؟ عندما يكون قلبك راضيًا، ألا يكتسب قلبك، وكيانك بأكمله، راحة حقيقية؟ من خلال هذا القياس والتحليل، هل تفهمون الآن لماذا أردت أن أشارككم هذه الجملة، "ٱبْنَ ٱلْإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضًا"؟ إنها تعني أن ما يأتي من الله، وما لديه ومَنْ هو، وكل ما يخصه أعظم من أيّ شيءٍ آخر، بما في ذلك الشيء أو الشخص الذي اعتقدت يومًا أنك تكنّ له أكبر تقديرٍ. وهذا يعني أنه إذا كان الشخص لا يمكن أن يربح كلماتٌ من فم الله أو لا يفهم مشيئته، فإنه لا يمكنه الحصول على الراحة. في اختباراتكم المستقبليّة، سوف تفهمون سبب رغبتكم في رؤية هذا المقطع اليوم – فهذا مهمٌّ جدًّا. إن كلّ ما يفعله الله هو الحقّ والحياة. والحقّ شيءٌ لا يمكن للناس العيش بدونه في حياتهم، وهو شيء لا يمكنهم الاستغناء عنه؛ يمكنكم أيضًا القول إنه أعظم شيءٍ. مع أنه لا يمكنكم النظر فيه أو لمسه، إلّا أنه لا يمكن تجاهل أهميّته لكم؛ فهذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجلب الراحة إلى قلبكم.

هل يتكامل فهمكم للحقّ مع أوضاعكم؟ عليك أوّلاً في الحياة الواقعيّة التفكير في نوعيّة الحقائق التي تتعلّق بالأشخاص والوقائع والأشياء التي قابلتها؛ ومن بين هذه الحقائق يمكنك إيجاد مشيئة الله وربط ما قابلته بمشيئته. إذا كنت لا تعرف أيّة جوانب للحقّ تتعلّق بالأشياء التي قابلتها ولكنك تسعى بدلًا من ذلك مباشرةً لطلب مشيئة الله، فإن هذا نهجًا أعمى إلى حدٍّ ما ولا يمكنه تحقيق نتائج. إذا كنت تريد طلب الحقّ وفهم مشيئة الله، فعليك أوّلاً النظر في أيّ نوعٍ من الأشياء حدثت لك، وأيّة جوانب من الحقّ ترتبط بها، والبحث عن الحقّ تحديدًا في كلمة الله التي تتعلّق بما اختبرته. ثم اِبحث عن طريق الممارسة المناسب لك في ذلك الحقّ؛ وبهذه الطريقة يمكنك ربح فهمٍ غير مباشر لمشيئة الله. إن البحث عن الحقّ وممارسته لا يُطبّق تعليمًا ما أو يتبع صيغةً ما بصورةٍ آليّة. الحقّ ليس صيغةً وليس قانونًا. إنه ليس ميّتًا ولكنه الحياة نفسها، إنه شيءٌ حيّ، وهو القاعدة التي ينبغي أن يتبعها الكائن المخلوق في الحياة والقاعدة التي يجب أن يملكها الإنسان في حياته. هذا شيءٌ يتعيّن أن تفهمه بقدر المستطاع من خلال اختباره. بصرف النظر عن المرحلة التي وصلت إليها في اختبارك، فأنت غير منفصل عن كلمة الله أو الحقّ، كما أن ما تفهمه عن شخصيّة الله وما تعرفه عمّا لديه ومَنْ هو مُعبّرٌ عنه تمامًا في كلام الله؛ وهو مرتبطٌ ارتباطًا وثيقًا بالحقّ. إن شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو هما نفسهما الحقّ؛ فالحقّ تعبيرٌ حقيقيّ عن شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو. إنه يجعل ما لدى الله ومَنْ هو ملموسًا ويُصرّح بشكل واضح عمّا لديه ومن هو؛ إنه يُخبِرك بطريقةٍ أكثر وضوحًا عمّا يحبّه الله وما لا يحبّه وما يريدك أن تفعله وما لا يسمح لك بفعله وأي ناس يمقتهم وأي ناس يُسرّ بهم. وفيما وراء الحقائق التي يُعبّر عنها الله، يمكن أن يرى الناس مسرّته وغضبه وحزنه وسعادته، بالإضافة إلى جوهره – وهذا هو إعلان شخصيّته. بصرف النظر عن معرفة ما لدى الله ومَنْ هو وفهم شخصيّته من كلمته، فإن الأهمّ هو الحاجة إلى الوصول إلى هذا الفهم من خلال الخبرة العمليّة. إذا نقل الشخص نفسه من الحياة الحقيقيّة من أجل معرفة الله، فلن يتمكّن من تحقيق ذلك. وحتّى إذا وُجد أناسٌ يمكنهم الحصول على قدرٍ من الفهم لكلمة الله، فإن فهمهم سيكون مقتصرًا على النظريّات والكلمات، وهنا سيظهر تباينٌ مع طبيعة الله نفسه الحقيقيّة.

إن ما نتحدّث عنه الآن كلّه هو في نطاق القصص المُسجّلة في الكتاب المُقدّس. من خلال هذه القصص، ومن خلال تحليل هذه الأشياء التي حدثت، يمكن للناس أن يفهموا شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو كما عبّر عنهما، مما يسمح لهم بمعرفة كلّ جانبٍ من جوانب الله على نطاقٍ أكثر اتّساعًا وعمقًا وشموليّة واكتمالًا. إذًا، هل الطريقة الوحيدة لمعرفة كلّ جانبٍ من جوانب الله تكون من خلال هذه القصص؟ لا، إنها ليست الطريقة الوحيدة! لأن ما يقوله الله والعمل الذي يعمله في عصر الملكوت يمكن أن يساعد الناس بطريقةٍ أفضل على معرفة شخصيّته، ومعرفتها معرفةً كاملةً. ومع ذلك، أعتقد أنه من الأسهل قليلاً معرفة شخصيّة الله وفهم ما لديه ومَنْ هو من خلال بعض الأمثلة أو القصص المُسجّلة في الكتاب المُقدّس التي يعرفها الناس. إذا أخذتُ كلمات الدينونة والتوبيخ والحقائق التي يُعبّر عنها الله اليوم، كلمة بكلمة، ليمكنك من أن تعرفه بهذه الطريقة، فسوف تشعر أن هذا مملٌّ ومضجر للغاية، وسوف يشعر بعض الناس أن كلام الله يبدو وكأنه صيغة مُحدّدة. ولكن إذا أخذتُ قصص الكتاب المُقدّس هذه كأمثلةٍ لمساعدة الناس على معرفة شخصيّة الله، فلن يجدوها مملّة. يمكنك القول إنه في سياق شرح هذه الأمثلة، فإن تفاصيل ما كان في قلب الله في ذلك الوقت – أي مزاجه أو مشاعره، أو أفكاره وخططه – قيلت للناس بلغةٍ إنسانيّة، والهدف من هذا كلّه هو السماح لهم بأن يقدّروا ويشعروا بأن ما لدى الله ومَنْ هو ليست مُجرّد صيغة. إنها ليست أسطورة أو شيئًا لا يمكن أن يراه الناس أو يلمسوه. إنه شيءٌ موجود حقًّا يمكن أن يشعر به الناس ويُقدّروه. وهذا هو الهدف النهائيّ. يمكنك القول إن الناس الذين يعيشون في هذا العصر مباركون. يمكنهم الاعتماد على قصص الكتاب المُقدّس لاكتساب فهمٍ أوسع لأعمال الله السابقة؛ ويمكنهم رؤية شخصيّته من خلال العمل الذي عمله، ويمكنهم فهم مشيئة الله للبشريّة من خلال هذه الطبائع التي عبّر عنها، وفهم الإعلانات الملموسة لقداسته ورعايته للبشر وهكذا يمكنهم الوصول إلى معرفةٍ أكثر تفصيلاً وأكثر عمقًا لشخصيّة الله. أعتقد أنه يمكنكم جميعًا الآن أن تشعروا بهذا!

يمكنك أن ترى في نطاق العمل الذي أتمّه الرّبّ يسوع في عصر النعمة جانبًا آخر ممّا لدى الله ومَنْ هو. لقد عُبّر عن هذا الجانب من خلال جسده، وأصبح بإمكان الناس أن يروه ويستوعبوه بسبب بشريته. رأى الناس في ابن الإنسان كيف عاش الله بحسب طبيعته البشريّة في الجسد، ورأوا لاهوت الله مُعبّرًا عنه من خلال الجسد. سمح هذان النوعان من التعبير للناس برؤية إله حقيقيّ جدًّا، وسمح للناس بتكوين مفهومٍ مختلف عن الله. ومع ذلك، في أثناء الفترة الزمنيّة بين خلق العالم ونهاية عصر الناموس، أي قبل عصر النعمة، جوانب الله الوحيدة التي كان يمكن أن يراها الناس ويسمعونها ويختبرونها كانت ألوهية الله، والأشياء التي فعلها وقالها الله في عالمٍ غير مادي، والأشياء التي عبّر عنها من شخصه الحقيقيّ الذي لم يكن يمكن رؤيته أو لمسه. كانت هذه الأشياء، في كثيرٍ من الأحيان، تجعل الناس يشعرون أن الله كان هائلًا في عظمته وأنه لا يمكنهم الاقتراب منه. كان الانطباع الذي عادةً ما منحه الله للناس هو أنه كان يتنقّل إلى داخل وخارج قدرتهم على إدراكه، وشعر الناس حتّى أن كلّ فكرةٍ من أفكاره وكلّ خطّةٍ من خططه كانت غامضة ومراوغة للغاية لدرجة أنه لم توجد وسيلة للوصول إليها، فضلاً عن محاولة فهمها واستيعابها. اعتبر الناس أن كلّ شيءٍ عن الله كان بعيدًا جدًّا، بعيدًا جدًّا لدرجة أن الناس لم يتمكّنوا من رؤيته ولم يتمكّنوا من لمسه. بدا أنه في علو السماء، وبدا أنه لم يكن موجودًا على الإطلاق. ولذلك اعتبر الناس أن فهم قلب الله وعقله أو أيًّا من أفكاره كان غير قابلٍ للتحقّق بل وحتّى بعيد المنال. مع أن الله أتمّ عملاً ملموسًا في عصر الناموس كما نطق بعض الكلمات المُحدّدة وعبّر عن بعض المواقف المُحدّدة ليسمح للناس باستيعاب وإدراك بعضٍ من المعرفة الحقيقيّة عنه، إلّا أن في النهاية هذه التعبيرات عمّا لدي الله ومَنْ هو جاءت من عالمٍ غير ملموس، وكان ما فهمه الناس وما عرفوه لا يزال يخص جزءًا من الجانب الإلهيّ لما لديه ومَنْ هو. لم تستطع البشريّة أن تكتسب مفهومًا ملموسًا من هذا التعبير عمّا لديه ومَنْ هو، وكان انطباعهم عن الله لا يزال عالقًا في نطاق "جسد روحيٍّ يصعب الاقتراب منه يتنقّل إلى داخل الإدراك وخارجه". ونظرًا لأن الله لم يستخدم كائنًا مُحدّدًا أو صورةً تنتمي للمجال الماديّ ليظهر أمام الناس، ظلوا غير قادرين على تعريفه باستخدام اللغة البشريّة. كان الناس في قلوبهم وعقولهم يريدون دائمًا أن يستخدموا لغتهم الخاصة لتأسيس معيارٍ لله كي يجعلوه ملموسًا ويضعوه في هيئةٍ بشريّة، مثل مقدار طوله وحجمه وشكل ملامحه وما يحبّه تحديدًا وشخصيّته المُحدّدة. في الواقع، عرف الله في قلبه أن الناس كانوا يُفكّرون بهذه الطريقة. كان واضحًا للغاية بخصوص احتياجات الناس، وكان يعرف أيضًا بالطبع ما يجب عليه عمله، ولذلك أتمّ عمله بطريقة مختلفةٍ في عصر النعمة. كانت هذه الطريقة الجديدة إلهيّة وبشريّة معًا. في الفترة الزمنيّة التي كان يعمل فيها الرّبّ يسوع، استطاع الناس أن يروا أنه كانت لدى الله تعبيراتٌ بشريّة كثيرة. على سبيل المثال، كان يمكنه الرقص وحضور حفلات الزفاف والتواصل مع الناس والتحدّث إليهم ومناقشة الأمور معهم. بالإضافة إلى ذلك، أتمّ الرّبّ يسوع أيضًا الكثير من الأعمال التي مثّلت ألوهيّته، وبالطبع كان هذا العمل كلّه تعبيرًا وكشفًا عن شخصيّة الله. خلال هذا الوقت، عندما تحقّقت ألوهيّة الله في جسدٍ عاديّ بطريقة مكنت الناس من أن يروه ويلمسوه، لم يعودوا يشعرون أنه كان يتنقّل إلى داخل الإدراك وخارجه، أو أنهم لا يمكنهم الاقتراب منه. ولكن على العكس، كان يمكنهم محاولة فهم مشيئة الله أو فهم لاهوته من خلال كلّ حركةٍ ومن خلال كلام ومن خلال عملٍ ابن الإنسان. عبّر ابن الإنسان المُتجسّد عن ألوهيّة الله من خلال بشريّته ونقل مشيئة الله إلى البشريّة. ومن خلال تعبيره عن مشيئة الله وشخصيّته، كشف أيضًا للناس الله الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه الذي يعيش في العالم الروحيّ. كان ما رآه الناس هو الله نفسه، في شكل ملموس مصنوع من لحمٍ ودم. ولذلك فإن ابن الإنسان المُتجسّد جعل أمورًا مثل هويّة الله نفسه ومكانة الله وصورته وشخصيّته وما لديه ومَنْ هو، ملموسةً وبشريّة. وحتّى مع أن المظهر الخارجيّ لابن الإنسان كانت له بعض القيود فيما يتعلّق بصورة الله، إلّا إن جوهره وما لديه ومَنْ هو تمكنّا تمامًا من تمثيل هويّة ومكانة الله ذاته، إذ لم تكن توجد سوى بعض الاختلافات في شكل التعبير. لا يمكننا إنكار أن ابن الإنسان كان يُمثّل هويّة ومكانة الله ذاته، في صورة ناسوته ولاهوته. ومع ذلك، عمل الله خلال هذا الوقت من خلال الجسد وتحدّث من منظور الجسد ووقف أمام البشريّة بهويّة ومكانة ابن الإنسان، وهذا أتاح للناس الفرصة لمقابلة واختبار الكلمات الحقيقيّة لله وعمله بين البشر. كما أتاح للناس نظرةً ثاقبة في لاهوته وعظمته في وسط التواضع، بالإضافة إلى اكتساب فهمٍ أوّليّ وتعريف لأصالة الله وحقيقته. مع أن العمل الذي أتمّه الرّبّ يسوع، وطرق عمله، والمنظور الذي تحدّث منه اختلف عن شخص الله الحقيقيّ في العالم الروحيّ، إلّا إن كلّ شيءٍ عنه مثّل الله نفسه تمثيلاً حقيقيًّا لم تره البشرية من قبل – وهذا لا يمكن إنكاره! وهذا يعني أنه بغضّ النظر عن الشكل الذي يظهر به الله وبغضّ النظر عن المنظور الذي يتحدّث منه أو في أيّة صورةٍ يقابل البشريّة، فإن الله لا يُمثّل شيئًا سوى نفسه. لا يمكنه تمثيل أيّ إنسانٍ أو تمثيل أيّ بشر فاسد. فالله هو الله نفسه، وهذا لا يمكن إنكاره.

سوف نلقي بعد ذلك نظرةً على المثل الذي رواه الرّبّ يسوع في عصر النعمة.

3. مَثَل الخروف الضال

(متى 18: 12-14) "مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لِإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلَا يَتْرُكُ ٱلتِّسْعَةَ وَٱلتِّسْعِينَ عَلَى ٱلْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ ٱلضَّالَّ؟ وَإِنِ ٱتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلتِّسْعَةِ وَٱلتِّسْعِينَ ٱلَّتِي لَمْ تَضِلَّ. هَكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ ٱلصِّغَارِ".

هذه حكاية رمزية – أيّ نوعٍ من الشعور توحيه للناس؟ تمثل طريقة التعبير – الحكاية الرمزية – المستخدمة هنا صورة مجازية باللغة البشريّة؛ وعليه فهي تقع ضمن نطاق المعرفة البشريّة. إذا كان الله قد قال شيئًا مماثلاً في عصر الناموس، لكان الناس قد شعروا أن مثل هذه الكلمات لم تكن تتماشى حقًّا مع شخصيّة الله، ولكن عندما نطق ابن الإنسان هذه الكلمات في عصر النعمة، كان وقعها على الناس مريحًا ودافئًا وعاطفيًّا. عندما أصبح الله جسدًا، أي عندما ظهر في هيئة بشرٍ، استخدم مثلًا مناسبًا جدًّا نبع من إنسانيته للتعبير عن صوت قلبه. كان هذا الصوت يُمثّل صوت الله نفسه والعمل الذي أراد أن يفعله في ذلك العصر. كما كان يُمثّل موقفًا كان لدى الله تجاه الناس في عصر النعمة. بالنظر من منظور موقف الله تجاه الناس، فإنه شبّه كلّ شخصٍ بخروفٍ. وإذا ضلَّ خروفٌ فكان يفعل كل ما يتطلّبه الأمر لإيجاده. مثَّل هذا أحد مبادئ عمل الله بين البشر في ذلك الزمان عندما كان في الجسد. استخدم الله هذا المثل لوصف عزمه وموقفه في ذلك العمل. وكانت هذه ميزة أن يصير الله جسدًا: تمكّن من الاستفادة من معرفة البشر واستخدام اللغة البشريّة للتحدّث إلى الناس والتعبير عن مشيئته. لقد شرح أو "ترجم" للإنسان لغته الإلهيّة العميقة التي جاهد الناس لفهمها بلغةٍ بشريّة، بطريقةٍ بشريّة. وقد ساعد هذا الناس على فهم مشيئته ومعرفة ما كان يريد أن يفعله. تمكّن أيضًا من إجراء محادثاتٍ مع أشخاصٍ من المنظور البشريّ، باستخدام لغةٍ بشريّة، والتواصل مع الناس بطريقةٍ يفهمونها. تمكّن حتّى من التحدّث والعمل باستخدام اللغة والمعرفة البشريّتين حتّى يمكن للناس الشعور بلطف الله وقربه وحتّى يمكنهم رؤية قلبه. ماذا ترون في هذا؟ هل هناك أي حظرٌ في كلام الله وأفعاله؟ يرى الناس هذا على اعتبار أنه لا توجد طريقةٌ استطاع الله أن يستخدم المعرفة أو اللغة البشريّتين أو طرق التحدّث للتكلّم عمّا أراد الله نفسه أن يقوله أو العمل الذي أراد أن يفعله أو للتعبير عن مشيئته؛ ولكن هذا تفكيرٌ خاطئ. استخدم الله هذا النوع من المجاز حتّى يشعر الناس بحقيقة الله وأمانته، ويروا موقفه تجاه الناس خلال تلك الفترة الزمنيّة. أيقظ هذا المثل الناس الذين عاشوا تحت الناموس لفترةٍ طويلة، كما ألهم جيلاً بعد جيلٍ من الناس الذين عاشوا في عصر النعمة. من خلال قراءة المقطع الذي يرد به هذا المثل، يعرف الناس صدق الله في خلاص البشريّة ويفهمون مكانة البشريّة وأهميتها في قلبه.

دعونا نلقي نظرةً على الجملة الأخيرة في هذا المقطع: "هَكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ ٱلصِّغَارِ". هل كانت هذه كلمات الرّبّ يسوع نفسه أم كلمات الآب في السماء؟ يبدو من الناحية الظاهريّة أن الرّبّ يسوع هو الذي يتكلّم ولكن مشيئته تُمثّل مشيئة الله نفسه، ولهذا السبب قال: "هَكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ ٱلصِّغَارِ". لم يكن الناس في ذلك الوقت يعترفون سوى بالآب في السماء بصفته الله، وآمنوا بأن هذا الشخص الذي رأوه أمام عيونهم كان قد أرسله الله فحسب، وبأنه لم يكن يستطيع أن يُمثّل الآب في السماء. ولذلك تعيّن على الرّبّ يسوع أن يضيف ذلك إلى نهاية هذا المثل، حتّى يشعر الناس حقًا بمشيئة الله للبشريّة، ويشعروا بأصالة ودقّة ما قاله. مع أن هذه العبارة كانت شيئًا بسيطًا في قوله، إلّا أنها قيلت بعناية ومحبة وكشفت عن تواضع الرّبّ يسوع واحتجابه. وبغضّ النظر عمّا إذا كان الله قد صار جسدًا أم أنه كان يعمل في العالم الروحيّ، فإنه كان يعرف قلب الإنسان على أفضل وجهٍ، وكان يفهم ما يحتاج إليه الناس على النحو الأكمل، ويعرف ما كان يُقلِق الناس وما كان يُربِكهم، ولهذا السبب أضاف هذه العبارة. سلّطت هذه العبارة الضوء على مشكلةٍ مخبأة في البشر: تشكّك الناس بخصوص ما قاله ابن الإنسان، أي أنه عندما كان الرّبّ يسوع يتكلّم تعيّن عليه أن يضيف: "هَكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ ٱلصِّغَارِ". واستنادًا إلى هذه الفرضيّة وحدها، أتت كلماته بثمارها فجعلت الناس يُصدّقون دقّتها ويُحسّنون مصداقيتهم. يُبيّن هذا أنه عندما أصبح الله ابن الإنسان بصورةٍ عاديّة، كانت العلاقة بين الله والبشر مُرتبكةً للغاية، وأن موقف ابن الإنسان كان مُحيّرًا للغاية. كما يُبيّن مدى ضآلة مكانة الرّبّ يسوع بين البشر في ذلك الوقت. عندما قال هذا، كان هدفه في الحقيقة أن يقول للناس: يمكنكم أن تطمئنوا أن هذه الكلمات لا تمثّل ما في قلبي ولكنها مشيئة الله الذي في قلوبكم. ألم يكن هذا أمرًا مثيرًا للسخرية بالنسبة للبشريّة؟ مع أن الله الذي كان يعمل في الجسد كان ينعم بالعديد من المزايا التي لم يكن يملكها في شخصه، تعيّن عليه أن يتحمّل شكوكهم ورفضهم وكذلك جمودهم وبلادتهم. يمكن القول بأن عمليّة عمل ابن الإنسان كانت عمليّة اختبار رفض البشريّة، واختبار تنافسهم ضدّه. بالإضافة إلى ذلك، كانت عمليّة العمل للاكتساب المتواصل لثقة البشريّة ولإخضاعها من خلال ما لديه ومَنْ هو ومن خلال جوهره. لم يكن الحال أن الله المُتجسّد كان يشنّ حربًا صريحة ضدّ الشيطان بقدر ما أن الله صار إنسانًا عاديًّا وبدأ صراعًا مع أولئك الذين يتبعونه، وفي هذا الصراع أتمّ ابن الإنسان عمله بتواضعه وبما لديه ومَنْ هو وبمحبّته وبحكمته. ربح الأشخاص الذين أرادهم ونال الهويّة والمكانة اللتين استحقّهما و"عاد" إلى عرشه.

لنلقِ بعد ذلك نظرةً على المقطعين التاليين من الكتاب المُقدّس.

4. اغفر سبعين مرّة سبع مرّاتٍ

(متى 18: 21-22) "حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: "يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "لَا أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ".

5. محبّة الرّبّ

(متى 22: 37-39) "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ".

من هذين المقطعين، يتحدّث أحدهما عن الغفران والآخر عن المحبّة. يُسلّط هذان الموضوعان الضوء حقًّا على العمل الذي أراد الرّبّ يسوع عمله في عصر النعمة.

عندما صار الله جسدًا، أحضر معه مرحلةً من مراحل عمله وهي مهام العمل والشخصيّة المُحدّدين اللذين أراد التعبير عنهما في هذا العصر. في تلك الفترة، كان كلّ شيءٍ فعله ابن الإنسان يدور حول العمل الذي أراد الله عمله في هذا العصر. لم يكن يعمل أكثر ولا أقلّ. كان كلّ شيءٍ قاله وكلّ عملٍ عمله مرتبطًا بهذا العصر. وبغضّ النظر عمّا إذا كان قد عبّر عنه تعبيرًا بشريًّا بلغةٍ بشريّة أو بلغةٍ إلهيّة، وبغضّ النظر عن الطريقة أو المنظور الذي فعل بهما هذا، كان هدفه مساعدة الناس على فهم ما أراد أن يفعله ومضمون مشيئته ومتطلّباته من الناس. كان من الممكن أن يستخدم وسائل متنوّعة ووجهات نظرٍ مختلفة لمساعدة الناس على فهم مشيئته ومعرفتها، وفهم عمله لخلاص البشريّة. ولذلك نرى الرّبّ يسوع في عصر النعمة يستخدم لغةً بشريّة معظم الوقت للتعبير عمّا كان يريد توصيله للبشر. بالإضافة إلى ذلك، فنحن نراه من منظور دليلٍ عاديّ يتكلّم مع الناس ويوفر احتياجاتهم ويساعدهم على تحقيق ما طلبوه. لم تكن طريقة العمل هذه واردةٌ في عصر الناموس الذي سبق عصر النعمة. أصبح أكثر قربًا وتعاطفًا مع البشر، وأصبح أكثر قدرةً على تحقيق نتائج عمليّة في كلٍّ من الشكل والأسلوب. والاستعارة حول الغفران للناس سبعين مرّةً مضروبًا بسبع تُوضّح هذه النقطة. فالهدف المُتحقّق بالرقم في هذا التعبير هو السماح للناس بفهم قصد الرّبّ يسوع في الوقت الذي قال فيه هذا. كان قصده هو أنه يجب على الناس أن يغفروا للآخرين ليس مرّةً أو مرّتين أو حتّى سبع مرّاتٍ بل سبعين مرّةٍ سبع مرّاتٍ. ما الفكرة التي تحتويها فكرة "سبعين مرّةً سبع مرّاتٍ"؟ الهدف هو حمل الناس على أن يجعلوا الغفران مسؤوليّتهم الخاصة، أي مسألةً يتعيّن عليهم تعلّمها، و"طريقةً" ينبغي عليهم الالتزام بها. ومع أن هذا كان مُجرّد استعارة، فقد أفاد في تسليط الضوء على النقطةً الحاسمة. ساعد الناس على الاستيعاب العميق لما كان يقصده ولإيجاد الطرق المناسبة للممارسة ومبادئ ومعايير الممارسة. ساعدت هذه الاستعارة الناس على الفهم الواضح وأعطتهم مفهومًا صحيحًا مفاده أنه يجب عليهم أن يتعلّموا الغفران – وأن يغفروا أي عدد من المرات، دون شروطٍ، ولكن في موقف من التسامح والتفهم للآخرين. ماذا كان في قلب الرّبّ يسوع عندما قال هذا؟ هل كان يُفكّر حقًّا في العدد "سبعين مرّةً سبع مرّاتٍ"؟ كلا، لم يكن. هل يوجد عددٌ من المرّات التي يغفر فيها الله للإنسان؟ يوجد العديد من الأشخاص الذين يهتمّون كثيرًا بـ"عدد المرّات" المذكورة هنا، ويريدون حقًّا فهم أصل هذا الرقم ومعناه. يريدون أن يفهموا لماذا خرج هذا الرقم من فم الرّبّ يسوع؛ يعتقدون أنه يوجد تضمين أعمق لهذا الرقم. ولكن في الواقع، كان هذا مُجرّد تعبير إنساني استخدمه الله. وأيّ تضمينٍ أو معنى لا بدّ من فهمه في سياق متطلّبات الرّبّ يسوع للبشريّة. عندما لم يكن الله قد صار جسدًا بعد، لم يفهم الناس الكثير ممّا قاله لأن كلامه خرج من لاهوتٍ كامل. كان البشر لا يرون منظور ما قاله وسياقه ولا يمكنهم الوصول إليه؛ فقد عُبّرَ عنه من عالمٍ روحيّ لم يستطع الناس رؤيته. لم يكن ممكنًا للأشخاص الذين كانوا يعيشون في الجسد اختراق العالم الروحيّ. ولكن بعد أن صار الله جسدًا، تحدّث إلى البشر من منظور البشر وخرج من نطاق العالم الروحيّ وانطلق فيما ورائه. تمكّن من التعبير عن شخصيّته الإلهيّة ومشيئته وموقفه، من خلال أشياءٍ كان بمقدور البشر تخيّلها، وأشياءٍ كانوا يرونها ويقابلونها في حياتهم، وباستخدام أساليب كان يمكن أن يقبلها البشر، وبلغةٍ يمكنهم فهمها وبمعرفةٍ يمكنهم استيعابها، وذلك للسماح للبشر بفهم الله ومعرفته وفهم قصده ومعاييره المطلوبة في نطاق قدرتهم، وبحسب درجة قدرتهم. كانت هذه هي طريقة ومبدأ عمل الله في البشريّة. ومع أن طرق الله ومبادئه في العمل في الجسد تحقّقت في معظمها عن طريق البشريّة أو من خلالها، إلّا أنها حقّقت حقًّا نتائج لم يمكن تحقيقها من خلال العمل مباشرةً في الألوهيّة. كان عمل الله في البشريّة أكثر واقعيّة وأصالة وتوجّهًا، وكانت الأساليب أكثر مرونة، وقد تجاوزت في شكلها العمل الذي تم في عصر الناموس.

دعونا نتحدّث بعد ذلك عن محبّة الرّبّ ومحبّة قريبك كنفسك. هل هذا الشيء مُعبٌّر عنه مباشرةً في الألوهيّة؟ كلا، من الواضح! كانت هذه كلّها أمورٌ تحدث عنها ابن الانسان في هيئته البشريّة؛ أمّا البشر فقط فيقولون شيئًا مثل "أحبّ قريبك كنفسك، وحب الآخرين مثلما تعتز بحياتك"، هذه الطريقة في الكلام قاصرة على البشر. لم يتكلّم الله قط بهذه الطريقة. وعلى أقلّ تقديرٍ، لا يملك الله هذا النوع من اللغة في لاهوته لأنه لا يحتاج إلى هذا النوع من العقيدة، "أحبّ قريبك كنفسك" من أجل تنظيم محبّته للبشريّة، وذلك لأن محبّة الله للبشريّة كشف طبيعي عمّا لديه ومَنْ هو. متى سمعتم الله يقول أيّ شيءٍ مثل: "أُحبّ البشريّة كما أحبّ نفسي"؟ لم تسمعوا، لأن المحبّة توجد في جوهر الله، وفيما لديه ومن هو. محبّة الله للبشريّة وموقفه والطريقة التي يعامل بها الناس تعبيرٌ طبيعيّ وكشف عن شخصيّته. لا يحتاج إلى عمل ذلك عمدًا بطريقةٍ مُعيّنة، أو أن يتبع عمدًا طريقةً مُعيّنة أو قانونًا أخلاقيًّا للوصول إلى محبّة قريبه كنفسه، فهو يمتلك بالفعل هذا النوع من الجوهر. ماذا ترى في هذا؟ عندما عمل الله في البشريّة، عُبّرَ عن الكثير من أساليبه وكلامه وحقائقه بطريقةٍ بشريّة. ولكن في الوقت نفسه، عُبّرَ عن شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو ومشيئته حتّى يعرفها الناس ويفهموها. وقد كان ما عرفوه وفهموه بالضبط هو جوهره وما لديه ومَنْ هو، وهو ما يُمثّل الهويّة المُتأصّلة لله نفسه ومكانته. وهذا يعني أن ابن الإنسان في الجسد عبّر عن الشخصيّة المُتأصّلة لله نفسه وجوهره إلى أقصى حدٍّ ممكن وبأقصى قدرٍ ممكن من الدقّة. لم تكن طبيعة ابن الإنسان البشريّة تُمثّل عائقًا أو مانعًا أمام تواصل الإنسان وتفاعله مع الله في السماء وحسب، ولكنها كانت في الواقع القناة الوحيدة والجسر الوحيد للبشريّة للاتّصال بربّ الخليقة. الآن، عند هذه المرحلة، ألا تشعرون بأن هناك أوجه تشابهٍ كثيرة بين طبيعة وأساليب العمل الذي عمله الرّبّ يسوع في عصر النعمة والمرحلة الحاليّة من العمل؟ تستخدم هذه المرحلة الحاليّة من العمل أيضًا الكثير من اللغة البشريّة للتعبير عن شخصيّة الله، والكثير من اللغة وطرق من الحياة اليوميّة للبشر والمعرفة الإنسانيّة للتعبير عن مشيئة الله ذاته. بمُجرّد أن يصير الله جسدًا، وبغضّ النظر عمّا إذا كان يتكلّم من منظورٍ بشريّ أو منظورٍ إلهيّ، فإن قدرًا كبيرًا من لغته وأساليب تعبيره تأتي كلّها من خلال اللغة والأساليب البشريّة. وهذا يعني أنه عندما يصير الله جسداً، فإن هذه أفضل فرصةٍ لك لترى كليّة قدرة الله وحكمته، ولتعرف كلّ جانبٍ حقيقيّ من جوانب الله. عندما صار الله جسدًا، وبينما كان ينمو، أصبح يفهم ويتعلّم ويستوعب بعضًا من معارف البشر ومنطقهم ولغتهم وأساليبهم في التعبير في هيئته البشريّة. كان الله المُتجسّد يملك هذه الأشياء التي جاءت من البشر الذين خلقهم. أصبحت أدوات الله في الجسد للتعبير عن شخصيّته وألوهيّته، ممّا دعاه ليجعل عمله أكثر صلة وأكثر أصالة وأكثر دقّة عندما كان يعمل وسط البشر من منظورٍ بشريٍّ وباستخدام اللغة البشريّة. وقد ساعدت هذه الطريقة الناس على سرعة الوصول إلى عمله وسهولة فهمه بمقدارٍ أكبر، ومن ثمّ تحقّقت النتائج التي أرادها الله. أليس من الأكثر عمليّةً أن يعمل الله في الجسد بهذه الطريقة؟ أليست هذه حكمة الله؟ عندما صار الله جسدًا، عندما كان جسد الله قادرًا على أداء العمل الذي أراد أن ينجزه، فإن ذلك كان عندما يريد أن يُعبّر عمليًّا عن شخصيّته وعمله، وقد كان ذلك أيضًا هو الوقت الذي استطاع فيه أن يبدأ رسميًّا خدمته باعتباره ابن الإنسان. كان هذا يعني أنه لم تعد توجد "فجوةُ أجيالٍ" بين الله والإنسان، وأن الله سوف يتوقّف قريبًا عن عمل التواصل من خلال الرسل، وأن الله نفسه يمكنه أن يُعبّر شخصيًّا عن جميع الكلمات وأن يعمل في الجسد كما أراد. وكان يعني أيضًا أن الناس الذين يُخلّصهم الله كانوا أقرب إليه، وأن عمل تدبيره دخل مجالاً جديدًا، وأن جميع البشر كانوا على وشك أن يشهدوا حقبةً جديدةً.

يعلم كلّ من قرأ الكتاب المُقدّس أن وقائع كثيرة حدثت عندما وُلِدَ الرّبّ يسوع. كان أعظم تلك الوقائع هو مطاردة ملك الشياطين له، وهي واقعة ضخمة للغاية، حتّى لدرجة ذبح جميع أطفال المدينة البالغين من العمر سنتين فما دون. من الواضح أن الله تحمّل مخاطرةً هائلة بأن يتجسّد بين البشر؛ والثمن الهائل الذي دفعه لاستكمال تدبيره لخلاص البشريّة واضحٌ أيضًا. كما أن الآمال العظيمة التي حملها الله لعمله بين البشر في الجسد واضحة أيضًا. عندما كان جسد الله قادرًا على إتمام العمل بين البشر، كيف كان شعوره؟ يجب أن يتمكّن الناس من فهم ذلك بدرجة ما، أليس كذلك؟ على أقلّ تقديرٍ، كان الله سعيدًا لأنه تمكّن من البدء في تنفيذ عمله الجديد بين البشر. عندما اعتمد الرّبّ يسوع وبدأ عمله رسميًّا لتحقيق خدمته، امتلأ قلب الله بالفرح لأنه بعد سنواتٍ طويلة من الانتظار والتحضير تمكّن أخيرًا من أن يلبس جسد إنسانٍ عاديّ ويبدأ عمله الجديد في هيئة إنسانٍ من لحمٍ ودم يمكن أن يراه الناس ويلمسوه. تمكّن أخيرًا من التحدّث وجهًا لوجهٍ وقلبًا لقلبٍ مع الناس من خلال هويّة إنسانٍ. تمكّن الله أخيرًا من أن يكون وجهًا لوجهٍ مع البشر من خلال الطريقة البشرية واللغة البشريّة؛ تمكّن من تدبير أمور البشر وتنويرهم ومساعدتهم على استخدام اللغة البشريّة؛ تمكّن من تناول الطعام على المائدة نفسها والعيش في المكان نفسه معهم. تمكّن أيضًا من رؤية البشر ورؤية الأشياء ورؤية كلّ شيءٍ كما كان يراه البشر وحتّى من خلال عيونهم. اعتبر الله أن هذا كان انتصاره الأوّل لعمله في الجسد. يمكن القول أيضًا إنه كان إنجازًا لعملٍ عظيمٍ – وقد كان هذا بالطبع أكثر ما أشعر الله بالسعادة. كانت هذه هي المرّة الأولى التي شعر فيها الله بنوعٍ من الراحة في عمله بين البشر. كانت جميع الأحداث التي حدثت عمليّة وطبيعيّة للغاية، وكانت الراحة التي شعر بها الله حقيقية. بالنسبة للبشريّة، كانت كلّ مرّةٍ تُنجز فيها مرحلةٌ جديدة من عمل الله وكلّ مرّةٍ يشعر فيها الله بالرضا تكون عندما يصبح البشر أقرب إلى الله وإلى الخلاص. وبالنسبة لله، فإن هذا أيضًا انطلاق عمله الجديد والتقدم في خطّة تدبيره للأمام، وإضافة إلى ذلك، كانت تلك هي الأوقات عندما تقترب مشيئته من التحقق الكامل. بالنسبة للبشريّة، يُعتبر وصول مثل هذه الفرصة مسألة مغبوطة وجيّدة جدًّا؛ وبالنسبة لجميع من ينتظرون خلاص الله، تُعتبر مثل هذه الفرصة خبرًا مهمًّا ومُفرِحًا. عندما يُجري الله مرحلةً جديدة من العمل، تكون لديه بدايةٌ جديدة، وعندما ينطلق هذا العمل الجديد والبداية الجديدة ويُقدّمان بين البشر، تكون نتيجة هذه المرحلة من العمل قد تحدّدت وأُنجزت بالفعل، ويكون الله قد شهد بالفعل تأثيرها ونتيجتها النهائيّة. كما أن هذه التأثيرات تجعل الله يشعر بالرضا وتجعل قلبه بالطبع سعيدًا. يشعر الله بالطمأنينة لأنه في عينيّ الله يكون قد رأى بالفعل وحدّد الشعب الذي يبحث عنه وربح هذه المجموعة من الناس بالفعل، وهي مجموعةٌ قادرة على إنجاح عمله وجلب الرضا. وبالتالي يضع مخاوفه جانبًا ويشعر بالسعادة. وهذا يعني أنه عندما يكون جسد الله قادرًا على بدء عملٍ جديد بين البشر، ويبدأ في إتمام العمل الذي يتعيّن إنجازه دون عرقلةٍ، وعندما يشعر أن كلّ شيءٍ قد تحقّق، تكون النهاية أمام عينيه بالفعل. وبسبب هذا فهو راضٍ وقلبه سعيد. كيف يُعبّر عن سعادة الله؟ هل يمكنكم تخيّل ما يمكن أن يكون الجواب؟ هل يمكن أن يبكي الله؟ هل يستطيع الله البكاء؟ هل يستطيع الله أن يُصفّق بيديه؟ هل يستطيع الله الرقص؟ هل يستطيع الله الغناء؟ إن كان كذلك، فماذا سيغني؟ بالطبع، يستطيع الله أن يُغنّي أغنيةً جميلة مُؤثّرة، أغنيةً يمكن أن تُعبّر عن الفرح والسعادة في قلبه. يمكنه أن يُغنّيها للبشريّة ولنفسه ولجميع الأشياء. يمكن التعبير عن سعادة الله بأيّ شكلٍ من الأشكال – فهذا كلّه طبيعيٌّ لأن الله لديه أفراحٌ وأحزان، ويمكن التعبير عن مشاعره المتنوّعة بطرقٍ متنوّعة. هذا حقّه ولا شيء يمكن أن يكون طبيعيًا ومناسبًا أكثر منه. يجب ألّا يفكر الناس في أيّ شيءٍ آخر بشأنه، ويجب ألّا تستخدموا "تعويذة إحكام الطوق"(أ) مع الله بإخباره أنه يجب ألّا يفعل هذا أو ذاك ويجب ألّا يتصرّف بهذه الطريقة أو بتلك، أو بأن يُقلّل بهذه الطريقة من سعادته أو أيّ شعورٍ قد يساوره. يعتقد الناس في قلوبهم أن الله لا يمكن أن يكون سعيدًا ولا يمكنه أن يذرف الدموع ولا يمكنه البكاء – لا يمكنه التعبير عن أيّة عاطفةٍ. من خلال ما نقلناه في خلال هاتين الشركتين، أعتقد أنكم لن تروا الله على هذا النحو بعد الآن، بل سترونه ينعم ببعض الحريّة والانطلاق. هذا أمرٌ جيّد جدًّا. إذا تمكّنتم في المستقبل من الشعور حقًّا بحزن الله عندما تسمعون عن حزنه، وإذا تمكّنتم من الشعور حقًّا بسعادته عندما تسمعون عن سعادته، فعلى أقلّ تقديرٍ يمكنكم أن تعرفوا بوضوحٍ وتفهموا ما يجعل الله سعيدًا وما يجعله حزينًا. عندما يمكنك الشعور بالحزن لأن الله حزينٌ والشعور بالسعادة لأن الله سعيدٌ، يكون قد ربح قلبك بالكامل ولن يوجد أيّ حاجزٍ بينك وبينه. لن تحاول فيما بعد تقييد الله في إطار الخيال والمفاهيم والمعرفة البشريّة. في ذلك الوقت، سوف يكون الله حيًّا وفعّالاً في قلبك. سوف يكون إله حياتك وسيد كلّ شيءٍ يخصك. هل لديك هذا النوع من الطموح؟ هل لديكم الثقة في إمكانيّة تحقيقكم هذا؟

دعونا فيما يلي نقرأ الفقرات التالية من الكتاب المقدس.

6. العظة على الجبل

التطويبات (متى 5: 3-12)

الملح والنور (متى 5: 13-16)

الناموس (متى 5: 17-20)

الغضب (متى 5: 21-26)

الزنا (متى 5: 27-30)

الطلاق (متى 5: 31-32)

النذور (متى 5: 33-37)

عين بعينٍ (متى 5: 38-42)

محبّة الأعداء (متى 5: 43-48)

تعليمات حول العطاء (متى 6: 1-4)

الصلاة (متى 6: 5-8)

7. أمثال الرّبّ يسوع

مثل الزارع (متى 13: 1-9)

مثل الزوان (متى 13: 24-30)

مثل حبّة الخردل (متى 13: 31-32)

مثل الخميرة (متى 13: 33)

شرح مثل الزوان (متى 13: 36-43)

مثل الكنز (متى 13: 44)

مثل اللؤلؤة (متى 13: 45-46)

مثل الشبكة (متى 13: 47-50)

8. الوصايا

(متى 22: 37-39) "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ".

لننظر أوّلاً إلى كلّ جزءٍ من الأجزاء المختلفة من "العظة على الجبل". ما الذي تلمسه كل تلك الأجزاء؟ يمكن القول بالتأكيد إن محتوى هذه الأجزاء المختلفة كلّها أكثر سموًّا وأكثر واقعيّة وأقرب إلى حياة الناس من قواعد عصر الناموس. وبالتحدّث بعباراتٍ حديثة، فإن هذه الأشياء أكثر ملاءمة لممارسة الناس الفعليّة.

دعونا نقرأ عن المحتوى المُحدّد التالي: كيف يجب أن تَفْهمَ التطويبات؟ ماذا يجب أن تعرف عن الناموس؟ كيف يجب تعريف الغضب؟ كيف يجب التعامل مع الزناة؟ كيف يتم الحديث عن الطلاق، وما نوع القواعد الموجودة حوله؟ مَنْ بإمكانه الحصول على الطلاق، ومن ليس بإمكانه الحصول على الطلاق؟ ماذا عن النذور، والعين بالعين، ومحبّة الأعداء، والعطاء؟ وما إلى ذلك. تتعلق جميع هذه الأشياء بكلّ جانبٍ من جوانب ممارسة إيمان الإنسان بالله، وباتّباعه الله. لا تزال بعض هذه الممارسات قابلة للتطبيق اليوم، على الرغم من أنها أكثر ضحالة من المتطلّبات الحاليّة للناس – إنها حقائقٌ أوّليّة إلى حدٍّ ما يصادفها الناس في إيمانهم بالله. منذ أن بدأ الرّبّ يسوع عمله، كان يبدأ بالفعل في تنفيذ العمل على تدبير حياة البشر، ولكن كانت هذه الجوانب من عمله تستند إلى أساس الناموس. هل كانت للقواعد وطرق الحديث عن هذه الموضوعات أيّة علاقةٍ بالحقيقة؟ نعم بالطبع! كانت جميع اللوائح والمبادئ السابقة وكذلك هذه العظات في عصر النعمة مرتبطةٌ بشخصيّة الله وبما لديه ومَنْ هو، وبالطبع كانت مرتبطةٌ بالحقّ. بغضّ النظر عمّا يُعبّر عنه الله، ,وبغض النظر عن أي أسلوب في التعبير أو أي لغة يستخدم، فللأشياء التي يعبر عنها أساسها وأصلها ونقطة انطلاقها في مبادئ شخصيّته وما لديه ومَنْ هو. هذا صحيح تمامًا. ولذلك مع أن هذه الأشياء تبدو سطحيّة إلى حدٍّ ما الآن، فإنه ما زال بعدم إمكانك القول إنها ليست الحقّ، لأنها كانت أشياءٌ لا غنى عنها للناس في عصر النعمة لإرضاء مشيئة الله ولتحقيق تغيير في تدبير حياتهم. هل يمكنك أن تقول إن أيًّا من هذه العظات لا يتماشى مع الحقّ؟ كلا، لا يمكنك! كلّ شيءٍ فيها هو الحقّ لأنها كانت كلّها متطلّبات الله للبشريّة؛ كانت كلّها مبادئ ونطاقًا أعطاه الله ليرينا كيف ينبغي للمرء تدبير نفسه، وهي تُمثّل شخصيّة الله. ومع ذلك، واستنادًا إلى مستوى نموهم في الحياة في ذلك الوقت، كانت هذه فقط هي الأشياء التي تمكنوا من قبولها وفهمها. فلأن خطيّة البشريّة لم تكن قد حُلّت بعد، كانت هذه هي الكلمات الوحيدة التي تمكن الرّبّ يسوع من أن ينطق بها وأن يستخدم التعاليم البسيطة المتضمنة في هذا النوع من النطاق لإخبار الناس في ذلك الوقت بكيفيّة التصرّف وبما يجب عليهم فعله وبمبادئ ونطاق وجوب عمل الأشياء وبكيفّية الإيمان بالله واستيفاء متطلّباته. تحدّد هذا كلّه على أساس قامة البشريّة في ذلك الوقت. لم يكن من السهل على الأشخاص الذين يعيشون تحت الناموس أن يقبلوا هذه التعاليم، ولذلك فإن ما علّمه الرّبّ يسوع كان ينبغي أن يبقى في سياق هذا المجال.

دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على محتويات "أمثال الرّبّ يسوع" العديدة.

المثل الأوّل هو مثل الزارع. وهذا مثلٌ مثير للاهتمام للغاية؛ فزرع البذار حدثٌ شائع في حياة الناس. والمثل الثاني هو مثل الزوان. أيّ شخصٍ زرع محاصيل وبالتأكيد كل الكبار يعرفون ما هو "الزوان". والمثل الثالث هو مثل حبّة الخردل. جميعكم يعرف الخردل، أليس كذلك؟ إذا كنتم لا تعرفون، فيمكنكم إلقاء نظرةٍ على الكتاب المُقدّس. والمثل الرابع هو مثل الخميرة. الآن، يعرف معظم الناس أن الخميرة تُستخدم للتخمير، وأنها شيءٌ يستخدمه الناس في حياتهم اليوميّة. الأمثال الأخرى، بما في ذلك المثل السادس، أي مثل الكنز؛ والمثل السابع، أي مثل اللؤلؤة؛ والمثل الثامن، أي مثل الشبكة، كانت مستمدّةٌ ومأخوذة من حياة الناس الحقيقيّة. ما نوع الصورة التي ترسمها هذه الأمثال؟ إنها صورة الله الذي يصير شخصًا عاديًّا ويعيش جنبًا إلى جنبٍ مع البشر مستخدمًا لغة الحياة ولغةً بشريّة للتواصل مع البشر ولتزويدهم بما يحتاجون إليه. عندما صار الله جسدًا وعاش بين البشر لوقتٍ طويل، وبعد أن اختبر وشهد أنماط الحياة المختلفة للناس، أصبحت هذه الاختبارات مادته التعليمية التي حوّل من خلالها لغته الإلهيّة إلى لغةٍ بشريّة. وبالطبع، فإن هذه الأشياء التي رآها وسمعها في الحياة أثْرَتْ أيضًا الخبرة البشريّة لابن الإنسان. عندما أراد أن يفهم الناس بعض الحقائق وفهم جانبًا من مشيئة الله، عندها كان يستخدم أمثالاً مشابهة لتلك المذكورة أعلاه لإخبار الناس بمشيئة الله ومتطلّباته من البشر. كانت هذه الأمثال كلّها مرتبطةٌ بحياة الناس؛ لم يكن واحدٌ منها غير متّصلٍ بحياة البشر. عندما عاش الرّبّ يسوع مع البشر، كان يرى المزارعين يعتنون بحقولهم، وكان يعرف الزوان والخميرة؛ كان يفهم أن البشر يحبّون الاحتفاظ بالأشياء ولذلك استخدم استعارات الكنز واللؤلؤة. في الحياة، كثيرًا ما كان يرى الصيّادين يلقون شباكهم؛ وكان الرّبّ يسوع يرى هذه الأنشطة وغيرها المرتبطة بحياة البشر، كما اختبر ذلك النوع من الحياة. مثل أيّ كائن حي عاديّ آخر، اختبر روتين البشر اليومي وتناولهم ثلاث وجباتٍ يوميًّا. اختبر بشخصه حياة شخصٍ عاديّ ولاحظ حياة الآخرين. عندما كان يلاحظ ويختبر هذا كلّه، لم يكن يُفكّر في أن تكون له حياةٌ جيّدة أو أن يتمكّن من العيش بمقدارٍ أكبر من الحريّة والراحة. بدلًا من ذلك، من خلال اختبار الرّبّ يسوع للحياةً البشريّة الحقيقيّة، كان يرى المشقّة في حياة الناس. كان يرى مصاعب الناس وبؤسهم وحزنهم، حيث كانوا يعيشون تحت مُلك الشيطان، ويعيشون حياة الخطيّة في ظل فساد الشيطان. بينما كان يختبر بشخصه الحياة البشريّة، اختبر أيضًا حال الناس البائسين الذين كانوا يعيشون بين الفساد، ورأى واختبر الأحوال البائسة للبشر الذين عاشوا في الخطيّة وفقدوا التوجيه تمامًا وسط العذاب الذي عرضهم له الشيطان والشر. عندما رأى الرّبّ يسوع هذه الأشياء، هل رآها بألوهيّته أم ببشريّته؟ كانت بشريّته موجودةٌ فعلاً ونابضةٌ بالحياة؛ تمكّن من أن يختبر هذا كلّه ويراه. ولكن بالطبع رأى هذه الأمور في جوهره، وهو ألوهيّته. وهذا يعني أن المسيح نفسه، أي الرّبّ يسوع الذي كان إنسانًا رأى هذا وأن كلّ ما رآه جعله يشعر بأهميّة وضرورة العمل الذي اضطلع به في أثناء هذا الوقت الذي عاشه في الجسد. مع أنه هو نفسه كان يعلم أن المسؤوليّة التي كان عليه أن يضطلع بها في الجسد كانت هائلة للغاية، وكان يعرف مدى قسوة الألم الذي كان سيواجهه، إلّا أنه عندما رأى البشريّة عاجزة في الخطيّة، وعندما رأى بؤس حياتهم وصراعاتهم الواهنة تحت الناموس، شعر بالمزيد والمزيد من الحزن، وأصبح أكثر فأكثر تصميمًا على خلاص البشريّة التي كانت تعيش في الخطيّة. بغضّ النظر عن نوع الصعوبات التي كان سيواجهها أو نوع الألم الذي كان سيعاني منه، أصبح أكثر فأكثر عزمًا على خلاص البشريّة التي تعيش في الخطيّة. خلال هذه العمليّة، يمكن القول إن الرّبّ يسوع بدأ يفهم أكثر فأكثر العمل الذي كان عليه أن يعمله وما كان قد عُهِدَ إليه. كما أنه أصبح متشوّقًا بدرجة متزايدة إلى إنجاز العمل الذي كان سيعمله – أي أن يحمل جميع خطايا البشر ويُكفّر عن البشر لئلا يعيشوا فيما بعد في الخطيّة، وفي الوقت ذاته، سوف يتمكّن الله من غفران خطايا الإنسان بسبب ذبيحة الخطيّة، مما يسمح للرّبّ يسوع بالاستمرار في مواصلة عمله في خلاص البشريّة. يمكن القول إن الرّبّ يسوع كان على استعدادٍ في قلبه لتقديم نفسه عن البشر وللتضحية بنفسه. كان أيضًا مستعدًا ليكون ذبيحة خطيّةٍ وليكون مُسمّرًا على الصليب، وكان بالفعل حريصًا على إكمال هذا العمل. عندما رأى الظروف البائسة لحياة الإنسان، أراد أكثر أن يُكمِل مهمّته في أسرع وقتٍ ممكن، دون تأخيرٍ لدقيقةٍ واحدة أو لثانيةٍ واحدة. عند هذا الشعور بالإلحاح، لم يُفكّر على الإطلاق في مدى شدّة آلامه، ولم يساوره أي قلق بشأن مدى الإذلال الذي سيكون عليه أن يتحمّله. لم يكن يحمل في قلبه سوى قناعة واحدة: طالما أنه قدّم نفسه، وطالما أنه سُمّر على الصليب كذبيحة خطيّةٍ، عندئذ سوف تُنفّذ مشيئة الله وسوف يتمكّن الله من بدء عملٍ جديد. سوف تتحول تمامًا حياة البشر وحالة وجودهم في الخطيّة. كانت قناعته وعزمه على عمل ما أراد يتعلّقان بخلاص الإنسان، ولم يكن لديه سوى هدفٍ واحدٍ، وهو فعل مشيئة الله حتى يتمكّن الله من أن يبدأ المرحلة التالية من عمله بنجاح. كان هذا هو ما يدور في عقل الرّبّ يسوع في ذلك الوقت.

عندما كان الله المُتجسّد يعيش في الجسد، كان يلبس هيئةً بشريّة عاديّة؛ كانت لديه مشاعر ومنطق شخصٍ عاديّ. كان يعرف معنى السعادة ومعنى الألم وعندما كان يرى البشريّة تعيش هذا النوع من الحياة كان يشعر شعورًا عميقًا بأن مُجرّد إعطاء الناس بعض التعاليم أو تزويدهم بشيءٍ أو تعليمهم شيئًا لن يكون كافيًا لأن يخرجهم من الخطيّة. كما أن مُجرّد مطالبتهم بطاعة الوصايا لم تتمكّن من أن تفديهم من الخطيّة – ولكن عندما حمل على نفسه خطيّة البشر وصار في شبه جسد الخطية، استطاع أن يفوز بحريّة البشر وغفران الله للبشريّة في المقابل. وهكذا، بعد أن اختبر الرّبّ يسوع وشهد حياة الناس في الخطيّة، ظهرت رغبةٌ شديدة في قلبه للسماح للبشر بتخليص أنفسهم من حياة بتحرير أنفسهم من حياة الصراع في الخطيّة. وقد جعلته هذه الرغبة يشعر أكثر فأكثر بأنه يتعيّن عليه أن يذهب إلى الصليب ويأخذ على نفسه خطايا البشر في أقرب وأسرع وقتٍ ممكن. كانت هذه هي أفكار الرّبّ يسوع في ذلك الوقت، بعد أن عاش مع الناس ورأى بؤس حياتهم في الخطيّة وسمعه وشعر به. أن يكون لدى الله المُتجسّد هذا النوع من المشيئة من نحو البشريّة، وأن يستطيع التعبير عن هذا النوع من الشخصيّة – فهل كان هذا شيئًا يمكن لشخص عاديّ أن يمتلكه؟ ماذا يرى الشخص العاديّ الذي يعيش في هذا النوع من البيئة؟ كيف يُفكّر؟ إذا واجه الشخص العاديّ هذا كلّه، فهل سينظر إلى المشاكل من منظورٍ عال؟ كلا بالطبع! مع أن مظهر الله المُتجسّد الخارجي يشبه تمامًا مظهر الإنسان، وبرغم أنه يتعلّم المعرفة البشريّة ويتحدّث اللغة البشريّة، وفي بعض الأحيان يُعبّر عن أفكاره من خلال طرق الإنسان أو أساليبه في الكلام، إلّا أن الطريقة التي يرى بها البشر ويرى جوهر الأشياء تختلف تمام الاختلاف عن الطريقة التي يرى بها الفاسدون البشر وجوهر الأشياء. فوجهة نظره والمكانة العالية التي يحتلها شيءٌ بعيد المنال عن شخصٍ فاسد. وهذا لأن الله هو الحقّ، لأن الجسد الذي يلبسه يملك أيضًا جوهر الله، كما أن أفكاره وما تُعبّر عنه بشريّته هي أيضًا الحقّ. أمّا للفاسدين، فإن ما يُعبّر عنه في الجسد هو أحكام الحقّ والحياة. هذه الأحكام ليست لشخصٍ واحد فقط ولكنها للبشر جميعًا. لا يوجد في قلب أيّ شخصٍ فاسد سوى أولئك الأشخاص القليلون الذين يرتبطون به. إنه لا يهتم أو ينشغل سوى بأولئك الأشخاص القليلون. عندما تلوح كارثةٌ في الأفق، فإنه يُفكّر أوّلاً بأولاده أو شريك حياته أو والديه، ويكون أقصى ما يُفكّر به الشخص الأكثر تعاطفًا أن يولي القليل من الاهتمام لبعض الأقارب أو الأصدقاء الجيّدين؛ ولكن هل يزيد اهتمام ذلك الشخص المتعاطف عن هذا؟ لا، على الإطلاق! لأن البشر هم بشرٌ على أيّة حالٍ، ولا يمكنهم النظر إلى كلّ شيءٍ سوى من منظور الإنسان المرتفع ومن مكانتهم. ومع ذلك، فإن الله المُتجسّد يختلف تمام الاختلاف عن الإنسان الفاسد. بغض النظر عن مدى كون جسد الله المُتجسّد عاديًّا ومألوفًا وبسيطًا، أو حتى مدى ما في النظرة الدونية التي تبناها الناس تجاهه من احتقار، إلّا إن أفكاره وموقفه تجاه البشر هي أشياءٌ لا يمكن لأحدٍ أن يملكها، ولا يمكن لأحدٍ أن يُقلّدها. سوف يلاحظ البشر دائمًا من منظور الألوهيّة، ومن علوّ مكانته باعتباره الخالق. سوف يرى البشر دائمًا من خلال جوهر الله وعقليته. لا يمكن أن يرى البشر على الإطلاق من مكانة الشخصٍ العاديّ المنحطة أو من منظور شخصٍ فاسد. عندما ينظر الناس إلى البشريّة، فإنهم يفعلون ذلك برؤيةٍ بشريّة ويستخدمون أشياءً مثل المعرفة البشريّة والقواعد والنظريّات البشرية كمقياسٍهم. هذا في نطاق ما يمكن أن يراه الأشخاص بأعينهم؛ ونطاق ما يمكن أن يُحقّقه الفاسدون. أمّا عندما ينظر الله إلى البشر، فإنه ينظر برؤيةٍ إلهيّة ويستخدم جوهره وما لديه ومَنْ هو كمقياسٍ. يشمل هذا النطاق أشياءً لا يستطيع الناس رؤيتها، وهذا مكمن الاختلاف التامّ بين الله المُتجسّد والبشر. وهذا الاختلاف يُقرّره الجوهران المختلفان للبشر والله – وهذان الجوهران المختلفان هما اللذان يُحدّدان هويّتهما ومكانتهما وكذلك المنظور والعلوّ اللذان يريان منهما الأشياء. هل ترون تعبير الله نفسه واستعلانه في الرّبّ يسوع؟ يمكنكم القول إن ما عمله الرّبّ يسوع وقاله كان مرتبطًا بخدمته وبعمل تدبير الله، وأنه كان كلّه تعبيرًا وكشفًا عن جوهر الله. مع أنه كان له مظهرٌ بشريّ، إلّا أنه لا يمكن إنكار جوهره الإلهيّ واستعلان لاهوته. هل كان هذا المظهر البشريّ مظهرًا للبشريّة حقًّا؟ كان مظهره البشريّ، في جوهره، مختلفًا تمامًا عن المظهر البشريّ للفاسدين. كان الرّبّ يسوع هو الله المُتجسّد. إذا كان حقًّا واحدًا من الفاسدين العادييّن، فهل كان يمكنه أن يرى حياة البشر في الخطيّة من منظورٍ إلهيّ؟ كلا بالطبع! هذا هو الفرق بين ابن الإنسان والناس العاديّين. فالناس الفاسدون كلّهم يعيشون في الخطيّة، وعندما يرى أيّ شخصٍ الخطيّة لا يكون لديه أيّ شعورٍ خاص بها؛ إنهم جميعًا الشيء نفسه، مثل خنزيرٍ يعيش في الوحل ولا يشعر بالانزعاج أو بالاتّساخ – بل على العكس، فهو يأكل جيّدًا وينام نومًا عميقًا. وإذا نظفّه أحدٌ سيشعر الخنزير بعدم الراحة ولن يبقى نظيفًا. سرعان ما يتمرّغ مرّةً أخرى في الوحل ويشعر بالراحة التامّة لأنه مخلوقٌ قذر. يرى البشر أن الخنازير قذرة، وإذا نظفت مكان معيشة الخنزير، لا يشعر بأي تحسن – ولهذا السبب لا يحتفظ الناس بخنزيرٍ في منازلهم. سوف تكون نظرة البشر للخنازير مختلفة دائمًا عمّا تشعر به الخنازير، لأن البشر والخنازير ليسوا من النوع نفسه. ولأن ابن الإنسان المُتجسّد ليس من نوعيّة البشر الفاسدين نفسها، فإن الله المُتجسّد وحده يمكن أن يقف من منظورٍ إلهيّ ويقف من علوّ الله من حيث يرى البشر ويرى كلّ شيءٍ.

ماذا عن المعاناة التي يختبرها الله عندما يصير جسدًا ويعيش بين البشر؟ ما هذه المعاناة؟ هل أيّ أحدٍ يفهم حقًّا؟ يقول بعض الناس إن الله يعاني كثيرًا، ومع أنه هو الله نفسه، فإن الناس لا يفهمون جوهره ويميلون إلى معاملته دائمًا باعتباره شخصًا، ممّا يجعله يشعر بالظلم والإساءة – يقولون إنه لهذه الأسباب معاناة الله هائلةٌ حقًّا. ويقول آخرون إن الله بريءٌ وبدون خطيّةٍ، لكنه يعاني بنفس الطريقة التي يعاني بها البشر، وأنه يعاني من الاضطهاد والافتراء والإذلال مع البشر؛ يقولون إنه يتحمّل أيضًا سوء فهم أتباعه وعصيانهم – وعليه يقولون إنه لا يمكن قياس معاناة الله حقًّا. الآن، يبدو أنكم لا تفهمون الله حقًّا. في الواقع، هذه المعاناة التي تتحدّثون عنها لا تعتبر معاناة حقيقيّة لله، لأنه توجد معاناة أكبر من ذلك. ما المعاناة الحقيقيّة لله نفسه إذًا؟ ما المعاناة الحقيقيّة لجسد الله المُتجسّد؟ يعتبر الله أن عدم فهم البشر له لا يُحسب معاناة، وكذلك سوء فهم الأشخاص له وعدم رؤيتهم إياه باعتباره الله لا يُحسب معاناة. ومع ذلك، يشعر الناس غالبًا أن الله لا بدّ وأنه عانى من ظلمٍ كبير، وأنه في أثناء الوقت الذي قضاه الله في الجسد، لا يمكن أن يُظهِر شخصه للبشر ويسمح للناس برؤية عظمته، وأن الله يحتجب بتواضع في جسدٍ عاديّ، وأن ذلك لا بدّ وأنه مصدر عذابٍ هائل له. يأخذ الناس على محمل الجدّ ما يمكنهم فهمه ورؤيته من معاناة الله، ويعرضون كلّ أنواع التعاطف على الله، وغالبًا يُقدّمون حتّى القليل من الثناء على معاناته. في الواقع، يوجد فرقٌ: توجد فجوةٌ بين ما يفهمه الناس من معاناة الله وما يشعر به الله حقًا. إني أقول لكم الحقيقة – فبالنسبة لله، بغضّ النظر عمّا إذا كان روح الله أو جسد الله المُتجسّد، فإن تلك المعاناة الموصوفة سابقًا ليست معاناة حقيقيّة. ما الذي يعاني منه الله إذًا؟ دعونا نتحدّث عن معاناة الله من منظور الله المُتجسّد فقط.

عندما يصير الله جسدًا فيتحول إلى شخص عادي وطبيعي يعيش بين البشر جنبًا إلى جنبٍ مع الناس، ألا يستطيع أن يرى ويشعر بطرق الناس وقوانينهم وفلسفاتهم في العيش؟ كيف تجعله طرق العيش وقوانينه هذه يشعر؟ هل يشعر بالمقت في قلبه؟ لماذا يشعر بالمقت؟ ما طرق البشر وقوانينهم في العيش؟ ما المبادئ التي ترتكز عليها؟ ما الذي تستند عليه؟ طرق البشر وقوانينهم، وما إلى ذلك، وعلاقتها بطريقة العيش – كلّها تنشأ بناءً على منطق الشيطان ومعرفته وفلسفته. فالبشر الذين يعيشون تحت هذه الأنواع من القوانين ليست لديهم إنسانيّة ولا حقيقة – إنهم جميعًا يتحدّون الحقيقة؛ ويعادون الله. إذا ألقينا نظرةً على جوهر الله، فإننا نرى أن جوهره هو العكس تمامًا من منطق الشيطان ومعرفته وفلسفته. جوهره مملوءٌ بالبرّ والحقّ والقداسة والحقائق الأخرى لجميع الأشياء الإيجابيّة. ما الذي يشعر به الله، الذي يملك هذا الجوهر ويعيش بين البشر؟ ما الذي يشعر به في قلبه؟ ألا يمتلئ بالألم؟ ألم لا يمكن لأيّ شخصٍ أن يفهمه أو يختبره. هذا بسبب أن كلّ ما يواجهه ويقابله ويسمعه ويراه ويختبره هو فساد البشر وشرّهم وتمرّدهم ومقاومتهم للحقّ. جميع ما يأتي من البشر هو مصدر معاناته. وهذا يعني أنه لأن جوهره ليس هو نفسه جوهر البشر الفاسدين، فإن فساد البشر يصبح مصدر معاناته الكبرى. عندما يصير الله جسدًا، هل يستطيع أن يجد من يتواصل معه بلغةٍ مشتركة؟ لا يمكن إيجاد مثل هذا الشخص بين البشر. لا يمكن إيجاد أيّ شخصٍ يمكنه التواصل أو يتحاور بمثل هذا الحوار مع الله – أيّ شعور يمكن أن يكون عند الله تجاه هذا بحسب وصفك؟ الأشياء التي يناقشها الناس والتي يحبّونها والتي يتطلّعون ويشتاقون إليها جميعها ترتبط بالخطيّة والميول الشريرة. عندما يواجه الله هذا كلّه، ألا يكون مثل سكينٍ في قلبه؟ في مواجهة هذه الأشياء، هل يمكن أن يشعر بالفرح في قلبه؟ هل يمكن أن يجد عزاءً؟ أولئك الذين يعيشون معه بشرٌ يمتلئون بالتمرّد والشرّ – فكيف لا يعاني قلبه؟ يا لشدّة هذه المعاناة حقًّا، ومَنَ يهتمّ بها؟ مَنَ يبالي؟ ومَنْ يقدر أن يُدرِكها؟ لا يملك الناس طريقة لفهم قلب الله. فمعاناته شيءٌ لا يستطيع الناس على نحوٍ خاص أن يُدرِكوها، وفتور البشر وفقدانهم للحسّ يعمقان معاناة الله أكثر.

يتعاطف بعض الناس مع محنة المسيح لأنه ترد آيةٌ في الكتاب المُقدّس تقول: "لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَللِطُيُورِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ٱبْنُ ٱلْإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ". عندما يسمع الناس هذا، يأخذون الأمر على محمل الجدّ ويؤمنون أن هذه أشدّ معاناةٍ يحتملها الله وأشدّ معاناةٍ يحتملها المسيح. والآن، بالنظر إلى ذلك من منظور الحقائق، هل هذه هي الحقيقة؟ كلا، لا يعتقد الله أن هذه الصعوبات معاناة. لم يسبق له أن صرخ ضدّ الظلم بسبب صعوبات الجسد، ولم يجعل البشر يدفعون له أو يكافئونه بأيّ شيءٍ مطلقًا. ومع ذلك، عندما يشهد كلّ شيءٍ يخص البشر وحياتهم الفاسدة وشرّ البشر الفاسدون، وعندما يشهد أن البشر في قبضة الشيطان وأسرى لدى الشيطان ولا يمكنهم الإفلات، وأن الناس الذين يعيشون في الخطيّة لا يعرفون الحقّ، فإنه لا يستطيع تحمّل كل هذه الخطايا. فمقته للبشر يزداد يومًا بعد يومٍ، ولكن عليه أن يتحمّل هذا كلّه. هذه معاناة الله الكبرى. لا يستطيع الله التعبير تعبيرًا كاملاً حتّى عن صوت قلبه أو مشاعره بين أتباعه، ولا يمكن لأحدٍ من أتباعه أن يفهم حقًّا معاناته. لا أحد يحاول حتّى أن يفهم قلبه أو يُعزّيه – فقلبه يتحمّل هذه المعاناة يومًا بعد يومٍ وسنة بعد سنةٍ مرارًا وتكرارًا. ماذا ترون في هذا كلّه؟ لا يتطلّب الله أيّ شيءٍ من البشر مقابل ما أعطاه، ولكن بسبب جوهر الله فإنه لا يستطيع أن يتحمّل على الإطلاق شرّ البشر وفسادهم وخطيّتهم، ولكنه يشعر بالمقت والكراهية الشديدة، وهذا ما يجعل قلب الله وجسده يتحملّان معاناةً لا تنتهي. هل رأيتم هذا؟ على الأرجح، لا أحد منكم يمكنه أن يرى هذا، لأنه لا أحد منكم يمكنه أن يفهم الله حقًّا. بمرور الوقت ينبغي أن تختبروا ذلك تدريجيًّا بأنفسكم.

دعونا بعد ذلك ننظر في المقاطع التالية من الكتاب المُقدّس:

9. يسوع يصنع المعجزات

أ. يسوع يُطعم الخمسة آلافٍ

(يوحنا 6: 8-13) "قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ، وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ: "هُنَا غُلَامٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلَكِنْ مَا هَذَا لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ؟". فَقَالَ يَسُوعُ: "ٱجْعَلُوا ٱلنَّاسَ يَتَّكِئُونَ". وَكَانَ فِي ٱلْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَٱتَّكَأَ ٱلرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلَافٍ. وَأَخَذَ يَسُوعُ ٱلْأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى ٱلتَّلَامِيذِ، وَٱلتَّلَامِيذُ أَعْطَوْا ٱلْمُتَّكِئِينَ. وَكَذَلِكَ مِنَ ٱلسَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا. فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: "ٱجْمَعُوا ٱلْكِسَرَ ٱلْفَاضِلَةَ لِكَيْ لَا يَضِيعَ شَيْءٌ". فَجَمَعُوا وَمَلَأُوا ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ ٱلْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ ٱلشَّعِيرِ، ٱلَّتِي فَضَلَتْ عَنِ ٱلْآكِلِينَ".

ب. قيامة لعازر تُمجّد الله

(يوحنا 11: 43-44) "وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ".

من بين المعجزات التي صنعها الرّبّ يسوع اخترنا هاتين المعجزتين فقط لأنهما كافيتان لإثبات ما أودّ أن أتحدّث عنه هنا. هاتان المعجزتان مذهلتان حقًا وتُمثّلان تمامًا المعجزات التي أجراها الرّبّ يسوع في عصر النعمة.

أوّلًا، دعونا نلقي نظرةً على المقطع الأوّل: يسوع يُطعم الخمسة آلافٍ.

ما فكرة "خمس خبزات وسمكتين"؟ في المعتاد، كم عدد الأشخاص الذين يمكن إطعامهم بشكل كاف بخمس خبزات وسمكتان؟ إذا قستم بناءً على شهيّة الشخص العاديّ، فسوف يكون ذلك كافيًا لشخصين فقط. هذه هي فكرة "خمس خبزات وسمكتين" في أساسها. ومع ذلك، في هذا المقطع، ما عدد الناس الذين أُطعموا بخمس خبزات وسمكتين؟ يُسجّل الكتاب المُقدّس ما يلي: "وَكَانَ فِي ٱلْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَٱتَّكَأَ ٱلرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلَافٍ". بالمقارنة مع خمس خبزات وسمكتين، هل خمسة آلافٍ من الناس عددٌ كبير؟ ما الذي يشير له أن هذا العدد كبيرٌ جدًّا؟ من منظورٍ بشريّ، سوف يكون من المستحيل تقسيم خمس خبزات وسمكتين على خمسة آلاف شخصٍ، لأن الفرق بين عدد الناس وبين الطعام كبير للغاية. وحتّى لو أخذ كلّ شخصٍ قضمةً صغيرة فقط، فإنه لا يزال غير كافٍ لخمسة آلاف شخصٍ. ولكن الرّبّ يسوع صنع معجزةً هنا – فهو لم يكتفِ بأن تيقن من أن خمسة آلاف شخصٍ يأكلوا ويشبعوا وحسب، ولكن فضل عنهم الطعام أيضًا. يقول الكتاب المُقدّس: "فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلَامِيذِهِ: "ٱجْمَعُوا ٱلْكِسَرَ ٱلْفَاضِلَةَ لِكَيْ لَا يَضِيعَ شَيْءٌ". فَجَمَعُوا وَمَلَأُوا ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ ٱلْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ ٱلشَّعِيرِ، ٱلَّتِي فَضَلَتْ عَنِ ٱلْآكِلِينَ". مكنت هذه المعجزة الناس من رؤية هويّة الرّبّ يسوع ومكانته، وبأن يروا أنه لا شيء يستحيل على الله – لقد رأوا بهذه الطريقة حقيقة قدرة الله الكليّة. كانت خمسة أرغفةٍ وسمكتان كافية لإطعام خمسة آلافٍ، ولكن إذا لم يوجد أيّ طعام، فهل كان بإمكان الله إطعام خمسة آلاف شخصٍ؟ بالطبع كان بإمكانه! كانت هذه معجزةٌ، ولذلك شعر الناس حتمًا بأن هذا كان أمرًا غير مفهومٍ، ولا يُصدّق وغامض، ولكن عمل مثل هذا الشيء بالنسبة إلى الله كان في منتهى البساطة. وبما أن هذا كان شيئًا عاديًّا في نظر الله، فلماذا يُفرد الآن للتفسير؟ لأن ما يكمن وراء هذه المعجزة مشيئة الرّبّ يسوع التي لم ترها البشريّة مطلقًا من قبل.

لنحاول أوّلاً فهم نوعيّة الناس الذين شكّلوا هؤلاء الخمسة آلافٍ. هل كانوا أتباعًا للرّبّ يسوع؟ نعرف من الكتاب المُقدّس أنهم لم يكونوا أتباعًا له. هل عرفوا مَنْ هو الرّبّ يسوع؟ كلا بالتأكيد! فعلى أقلّ تقديرٍ، لم يعرفوا أن الشخص الواقف أمامهم هو المسيح، أو ربّما عرف بعض الناس مُجرّد اسمه وعرفوا أو سمعوا شيئًا ما عن الأشياء التي قد صنعها. كان يتملّكهم الفضول حول الرّبّ يسوع عندما سمعوا عنه القصص، ولكن لا يمكنكم بالتأكيد القول بأنهم تبعوه، فضلاً عن أنهم لم يكونوا يفهمونه. عندما رأى الرّبّ يسوع الخمسة آلاف شخصٍ هؤلاء، كانوا جائعين ولم يُفكّروا سوى في ملء بطونهم، ولذلك كانت تلبية الرّبّ يسوع لرغباتهم في هذا السياق. عندما لبى رغباتهم، ماذا كان في قلبه؟ ماذا كان موقفه تجاه هؤلاء الناس الذين لم يريدوا سوى إشباع جوعهم؟ في هذا الوقت، كانت أفكار الرّبّ يسوع وموقفه يرتبطان بشخصيّة الله وجوهره. في مواجهة هؤلاء الخمسة آلافٍ من الناس الذين كانت بطونهم فارغة ولم يريدوا سوى تناول وجبة كاملة، وفي مواجهة هؤلاء الناس الذين تملّكهم الفضول والأمل عنه، لم يُفكّر الرّبّ يسوع سوى باستخدام هذه المعجزة لمنحهم نعمة. ومع ذلك، لم يرفع من سقف آماله في أن يصبحوا أتباعه، لأنه عرف أنهم أرادوا المرح والأكل حتى الشبع فحسب، ولذلك صنع أفضل ما كان لديه واستخدم خمسة أرغفةٍ من الخبز وسمكتين لإطعام خمسة آلاف شخصٍ. فتح أعين هؤلاء الناس الذين استمتعوا برؤية أشياء مثيرة، وأرادوا رؤية المعجزات ورأوا بأعينهم الأشياء التي كان يمكن أن يُتمّمها الله المُتجسّد. مع أن الرّبّ يسوع استخدم شيئًا ملموسًا لإرضاء فضولهم، إلّا أنه كان يعرف بالفعل في قلبه أن هؤلاء الخمسة آلاف شخصٍ لا يريدون سوى تناول وجبة جيّدة، ولذلك لم يعظهم أو يقل أيّ شيءٍ على الإطلاق – فقد سمح لهم فقط بأن يروا هذه المعجزة كما حدثت. لم يقدر أن يعامل هؤلاء الناس مطلقًا كما تعامل مع تلاميذه الذين اتّبعوه حقًّا، ولكن في قلب الله، جميع المخلوقات تحت حكمه، وكان يسمح لجميع المخلوقات في عينيه بالاستمتاع بنعمة الله عند الضرورة. مع أن هؤلاء الناس لم يعرفوا من كان ولم يفهموه ولم يكن لديهم أيّ انطباعٍ خاص عنه أو تقديرٍ له حتّى بعد أن أكلوا الأرغفة والسمكتين، إلّا إن الله لم يعترض على هذا – فقد منح هؤلاء الناس فرصةً رائعة للاستمتاع بنعمة الله. يقول بعض الناس إن الله يتبع المبادئ فيما يعمله وأنه لا يراقب أو يحمي ضعيفي الإيمان ولا يسمح لهم على الأخصّ بالاستمتاع بنعمته. هل هذا هو الحال فعلًا؟ يعتبر الله أنه طالما أنهم كائنات حيّة خلقها، فسوف يدبرهم ويهتمّ بهم؛ وسوف يعاملهم ويُخطّط لهم ويحكمهم بطرقٍ مختلفة. هذه هي أفكار الله وموقفه تجاه جميع الأشياء.

مع أن الخمسة آلاف شخصٍ الذين أكلوا الخبزات والسمكتين لم يُخطّطوا لاتّباع الرّبّ يسوع، إلّا أنه لم يطلب منهم مطالب قاسية؛ فعندما أكلوا وشبعوا، هل تعرفون ما فعله الرّبّ يسوع؟ هل وعظهم على الإطلاقٍ؟ أين ذهب بعد أن عمل ذلك؟ لا يُسجّل الكتاب المُقدّس أن الرّبّ يسوع قال لهم أيّ شيءٍ، فقط أنه غادر بهدوءٍ عندما أكمل معجزته. هل طالب هؤلاء الناس بأيّ شيءٍ إذًا؟ هل كانت توجد أيّة كراهيةٍ؟ كلا، لم يوجد أيٌّ من هذه. لم يعد يريد أن يعير هؤلاء الناس الذين لم يتمكّنوا من اتّباعه اهتمامًا، وفي هذا الوقت كان قلبه يعاني من الألم. فلأنه رأى فساد البشر وشعر برفض البشر له، وعندما رأى هؤلاء الناس أو عندما كان معهم، جعلته بلادة البشر وجهلهم حزينًا وتألم قلبه، ولم يرد سوى أن يغادر هؤلاء الناس في أسرع وقتٍ ممكن. لم تكن لدى الرّبّ في قلبه أيّة متطلّباتٍ منهم، ولم يرد أن يعيرهم أي اهتمامٍ، ولم يرد خصيصًا أن ينفق طاقته عليهم، وبالأكثر لم يرد أن يهدر طاقته عليهم. كان يعلم أنه لا يمكنهم اتّباعه، ومع هذا كلّه، كان موقفه تجاههم واضحًا جدًّا. أراد أن يعاملهم بلطفٍ وأن يسبغ عليهم بالنعمة، وقد كان هذا موقف الله من كلّ مخلوقٍ تحت حكمه – أن يعامل كلّ مخلوقٍ بلطفٍ ويعوله ويُغذّيه. وبسبب أن الرّبّ يسوع كان الله المُتجسّد، فقد كشف بطريقة طبيعيّة عن جوهر الله نفسه وتعامل مع هؤلاء الناس بلطفٍ. تعامل معهم بقلب الرحمة والتسامح. وبمثل هذا القلب أظهر لهم اللطف. وبغضّ النظر عن نظرة هؤلاء الناس للرّبّ يسوع، وبغضّ النظر عن النتيجة المُتوقّعة، فإنه عامل كلّ مخلوقٍ على أساس مكانته كرّبّ الخليقة كلّها. وقد كان كل ما كشفه، بدون استثناءٍ، شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو. صنع الرّبّ يسوع هذا الشيء بهدوءٍ ثم غادر بهدوءٍ – فأيّ جانبٍ من جوانب شخصيّة الله هذا؟ هل يمكنكم القول بأنه إحسان الله؟ هل يمكنكم القول إن هذا عدم أنانيّة الله؟ هل هذا شيء يمكن لشخصٍ عاديّ أن يفعله؟ كلا بالطبع! في الأساس، مَنْ كان هؤلاء الخمسة آلاف شخصٍ الذين أشبعهم الرّبّ يسوع بخمسة أرغفةٍ وسمكتين؟ هل يمكنكم القول إنهم كانوا متوافقين معه؟ هل يمكنكم القول إنهم كانوا جميعًا معادين لله؟ يمكن القول بكلّ تأكيدٍ إنهم لم يكونوا متوافقين مع الرّبّ، وإن جوهرهم كان معاديًا تمامًا لله. ولكن كيف تعامل معهم الله؟ استخدم طريقةً لنزع فتيل عداء الناس تجاه الله – وهذه الطريقة تُسمّى "اللطف". وهذا يعني أنه مع أن الرّبّ يسوع رأى هؤلاء الناس خطاة، إلّا أنهم في نظر الله كانوا خليقته، ولذلك كان لا يزال يعامل هؤلاء الخطاة بلطفٍ. هذا هو تسامح الله، وهذا التسامح تُحدّده هويّة الله وجوهره. ولذلك، فإن هذا شيء لا يقدر أيّ إنسانٍ خلقه الله أن يفعله – ولا يمكن سوى لله أن يفعله.

عندما يمكنك أن تفهم حقًا أفكار الله وموقفه تجاه البشر، وعندما يمكنك أن تفهم حقًا مشاعر الله واهتمامه تجاه كلّ كائن في الخليقة، سوف يمكنك أن تفهم التفاني والحبّ الموجّهين إلى كلّ واحدٍ من الأشخاص الذين خلقهم الخالق. وعندما يحدث هذا، سوف تستخدم كلمتين لوصف محبّة الله. ما هاتان الكلمتان؟ بعض الناس يقولون "مُضحّية"، وبعض الناس يقولون "خيريّة". من هاتين الكلمتين تُعدّ كلمة "خيريّة" الأقلّ ملائمة لوصف محبّة الله. هذه كلمةٌ يستخدمها الناس لوصف الشخص الكريم أو واسع الأفق. إنني أبغض هذه الكلمة، لأنها تشير إلى توزيع الصدقة عشوائيًّا، ودون تمييزٍ، دون اعتبار للمبادئ. إنه تعبيرٌ عاطفيّ مفرط، وهو معتاد للأشخاص الحمقى والمرتبكين. عندما تُستخدم هذه الكلمة لوصف محبّة الله، هناك حتمًا دلالة ضمنية على التجديف. لديَّ كلمتان أكثر ملائمة لوصف محبّة الله. ما هما؟ الكلمة الأولى "شاسعة". أليست هذه الكلمة مُعبّرة جدًّا؟ والكلمة الثانية "واسعة". هناك معنى حقيقيّ وراء هاتين الكلمتين اللتين أستخدمهما لوصف محبّة الله. بحسب الاستخدام الحرفيّ، فإن كلمة "شاسعة" تصف حجم الشيء أو سعته، ولكن بغض الظر عن ضخامة هذا الشيء – فهو شيءٌ يمكن أن يلمسه الناس ويروه. يعود السبب في هذا إلى أنه موجودٌ – إنه ليس كائنًا مُجرّدًا، ولكنه شيء يمكنه أن يعطي الناس أفكارًا دقيقة وعملية بدرجةٍ نسبيّة. لا يهمٌ ما إذا كنت تنظر إليه من زاويةٍ ثنائية أو ثلاثيّة الأبعاد؛ لست بحاجةٍ لتخيّل وجوده لأنه شيءٌ موجود بشكل واقعي. ومع أن استخدام كلمة "شاسعة" لوصف محبّة الله يمكن أن يبدو وكأنه محاولة لتحديد مقدار محبّته، إلّا أنه يوحي أيضًا بأن محبّته غير قابلةٍ للقياس. أقول إن محبّة الله يمكن تحديد مقدارها لأن محبّته ليست خاوية، ولا تنبع من أيّة أسطورةٍ. ولكنها بدلاً من ذلك شيءٌ تشارك فيه جميع الأشياء تحت حكم الله، وهي شيءٌ تتمتّع به جميع المخلوقات بدرجاتٍ متفاوتة ومن وجهات نظرٍ مختلفة. على الرغم من أن الناس لا يستطيعون رؤيتها أو لمسها، إلّا إن هذه المحبّة تجلب العيش والحياة لجميع الأشياء بقدر ما تنكشف شيئًا فشيئًا في حياتهم، كما تتزايد وتشهد على محبّة الله التي يتمتّعون بها في كلّ لحظةٍ. أقول إن محبّة الله غير قابلةٍ للقياس لأن سرّ الله الذي يعيل ويُغذّي جميع الأشياء شيءٌ يصعب على البشر فهمه، وكذلك أفكار الله لجميع الأشياء، وخصوصًا أفكاره للبشر. وهذا يعني أن أحدًا لا يعرف مقدار الدم والدموع الذي سكبها الخالق من أجل البشر. لا أحد يستطيع أن يستوعب، ولا أحد يستطيع أن يفهم عمق أو وزن المحبّة التي يكنها الخالق للبشر الذين خلقهم بيديه. يهدف وصف محبّة الله بأنها شاسعة لمساعدة الناس على استيعاب وفهم اتّساعها وحقيقة وجودها. كما يهدف لمساعدة الناس على فهم المعنى الحقيقيّ لكلمة "الخالق" فهمًا أعمق، ومساعدة الناس على أن يكتسبوا فهمًا أعمق للمعنى الحقيقيّ لتسمية "الخلق". ما الذي تصفه عادةً كلمة "واسعة"؟ إنها تُستخدم بوجه عام لوصف المحيط أو الكون، مثل: "الكون الواسع" أو "المحيط الواسع". إن اتّساع الكون وعمقه الهادئ أبعد من الفهم البشريّ؛ أنه شيءٌ يأسر تصوّرات الإنسان، ويشعر نحوه بالإعجاب الشديد. فغموض الكون وعمقه موجودان على مدى الرؤية ولكنهما بعيدا المنال. عندما تُفكّر في المحيط، فأنت تُفكّر في عرضه إذ يبدو بلا حدودٍ، ويمكنك أن تشعر بغموضه وقدرته الهائلة على حمل الأشياء. ولهذا السبب استخدمتُ كلمة "واسعة" لوصف محبّة الله، لمساعدة الناس على الشعور بمدى القيمة النفيسة للشعور بعمق جمال محبة الله، وبأن قوّة محبّة الله غير محدودةٍ وشاملة. استخدمت هذه الكلمة لمساعدة الناس على الشعور بقداسة محبّته وكرامة الله وعدم قابليّته للإساءة كما ينكشف من محبّته. هل تعتقدون الآن أن كلمة "واسعة" كلمةً ملائمة لوصف محبّة الله؟ هل يمكن لمحبّة الله أن ترقى إلى هاتين الكلمتين: "شاسعة" و"واسعة"؟ بالطبع! في اللغة البشريّة، هاتان الكلمتان فقط ملائمتان نوعًا ما وقريبتان نسبيًّا من وصف محبّة الله. ألا تعتقدون ذلك؟ إذا طلبت منكم وصف محبّة الله، فهل ستستخدمون هاتين الكلمتين؟ على الأرجح أنكم لن تفعلوا ذلك لأن فهمكم وإدراككم لمحبّة الله يقتصر على منظورٍ ثنائي البعد ولم يسمُ إلى علوّ الفضاء الثلاثيّ الأبعاد. ولذلك إذا طلبت منكم وصف محبّة الله، فسوف تشعرون أنكم تفتقرون إلى الكلمات أو ربما تكونون حتّى عاجزين عن الكلام. قد يكون من الصعب عليكم فهم الكلمتين اللتين تحدّثت عنهما اليوم، أو ربّما لا توافقون ببساطةٍ. لا يشير هذا سوى إلى أن تقديركم وفهمكم لمحبّة الله سطحيّان وقاصران على نطاقٍ ضيّق. قلت سابقًا إن الله غير أنانيّ؛ وأنتم تتذكّرون كلمة "غير أنانيّ". هل يمكن ألا توصف محبّة الله سوى أنها غير أنانيّةٍ؟ أليس هذا نطاقًا ضيّقًا للغاية؟ يجب عليكم التأمّل في هذه المسألة أكثر من أجل اكتساب شيءٍ منها.

ما ورد أعلاه هو ما رأيناه من شخصيّة الله وجوهره من المعجزة الأولى. ومع أنها قصةٌ ظل الناس يقرأونها منذ عدّة آلافٍ من السنين، إلّا أن لها حبكة بسيطة، وتسمح للناس برؤية ظاهرة بسيطة، ولكن في هذه الحبكة البسيطة يمكننا أن نرى شيئًا أكثر قيمة، وهو شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو. وهذه الأشياء التي تُمثّل ما لديه ومَنْ هو تُمثّل الله نفسه، وهي تعبيرٌ عن أفكار الله الخاصة. عندما يُعبّر الله عن أفكاره، فهو تعبيرٌ عن صوت قلبه. إنه يأمل أن يكون هناك أناسٌ يمكنهم أن يفهموه ويعرفوه ويفهموا مشيئته، ويمكنهم سماع صوت قلبه وسوف يتمكّنوا من التعاون النشط لإرضاء مشيئته. وهذه الأشياء التي فعلها الرّبّ يسوع كانت تعبيرًا صامتًا عن الله.

دعونا بعد ذلك ننظر إلى المقطع التالي: قيامة لعازر تُمجّد الله.

ما انطباعاتكم بعد قراءة هذا المقطع؟ كانت أهميّة هذه المعجزة التي صنعها الرّبّ يسوع أكبر بكثيرٍ من السابقة، لأنه لا توجد معجزةٌ أكثر مدعاة للإعجاب من إقامة رجلٍ ميت من القبر. في ذلك العصر، كان من الأهمية بمكان أن يصنع الرب يسوع شيئًا كهذا. فلأن الله صار جسدًا، لم يكن بوسع الناس سوى أن يروا ظهوره بالجسد وجانبه العمليّ وجانبه الذي لا يُمثّل أهميّة. وحتّى إذا كان بعض الناس قد رأوا جانبًا من شخصيّته أو بعض نقاط قوّته التي كان يبدو أنه يملكها وفهموها، لم يكن أحدٌ يعرف من أين جاء الرّبّ يسوع ومن كان حقًا في جوهره وما الأشياء الأخرى التي كان يمكنه أن يفعلها. كان هذا كلّه غير معروفٍ للبشر. وقد طلب أناسٌ كثيرون جدًّا دليلاً للإجابة عن هذه الأسئلة عن الرب يسوع، ومعرفة الحقيقة. هل يمكن أن يصنع الله شيئًا لإثبات هويّته؟ كان هذا الأمر في نظر الله في منتهى السهولة. كان بإمكانه أن يصنع شيئًا في أيّ مكانٍ وفي أيّ وقتٍ لإثبات هويّته وجوهره، ولكن الله كان يصنع الأشياء بطريقته – بخطّةٍ وبخطواتٍ. لم يكن يصنع الأشياء دون تمييزٍ؛ ولكنه كان يبحث عن الوقت المناسب والفرصة المناسبة لصنع شيءٍ يسمح للبشر برؤيته، شيء له معنى حقيقي. وهكذا أثبت سلطانه وهويّته. هل استطاعت قيامة لعازر إثبات هويّة الرّبّ يسوع إذًا؟ دعونا ننظر إلى المقطع التالي من الكتاب المُقدّس: "وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ...". عندما عمل الرّبّ يسوع هذا، لم يقل سوى شيئًا واحدًا: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فخرج لعازر من قبره – وقد تحقّق ذلك بسبب بضع كلمات نطق بها الرّبّ. خلال هذا الوقت، لم يبنِ الرّبّ يسوع مذبحًا، ولم يصنع أيّة أعمالٍ أخرى. لم يقل سوى شيئًا واحدًا. هل يمكن تسمية ذلك بمعجزةٍ أم بأمرٍ؟ أم هل كان نوعًا من السحر؟ يبدو من الناحية الظاهريّة أنه يمكن تسميته معجزة. ولكن بالطبع لا يزال بإمكانكم تسميته بأنه معجزةٌ. ومع ذلك، من المُؤكّد أنه لا يمكن تسميته سحرًا من النوع الذي من المفترض أن يستدعي روحٍ من بين الأموات، وبالطبع ليس شعوذة من أي نوع. من الصواب القول بأن هذه المعجزة كانت الإظهار الأدنى والأكثر طبيعيّة لسلطان الخالق. هذا هو سلطان الله وقدرته. فالله يملك السلطان بأن يجعل المرء يموت ويجعل روحه تفارق جسده وتعود إلى الهاوية، أو إلى المكان الذي يجب أن تذهب إليه. يُقرّر الله الوقت الذي يموت فيه شخصٌ ما والمكان الذي يذهب إليه بعد الموت. يمكنه أن يتخذ هذه القرارات في أيّ وقتٍ وفي أيّ مكانٍ، غير مقيَّدٍ من البشر أو الأحداث أو الكائنات أو الفضاء أو المكان. إذا أراد أن يفعل ذلك فيمكنه فعله لأن جميع الأشياء والكائنات الحيّة تحت حكمه، وجميع الأشياء تولد وتعيش وتهلك بكلمته وبسلطانه. يمكنه إقامة رجلٍ ميت، وهذا أيضًا شيءٌ يمكنه أن يفعله في أيّ زمانٍ ومكانٍ. هذا هو السلطان الذي لا يملكه سوى الخالق.

عندما فعل الرّبّ يسوع شيئًا مثل إقامة لعازر من الموت، كان هدفه هو أن يُقدّم دليلاً يراه البشر والشيطان وأن يدع البشر والشيطان يعرفون أن كلّ شيءٍ يرتبط بالبشر، أي حياة البشر وموتهم، يُقرّره الله، وأنه على الرغم من أنه صار جسدًا، إلّا أنه لا يزال يحكم العالم الماديّ الذي يمكن رؤيته بالإضافة إلى العالم الروحيّ الذي لا يستطيع البشر رؤيته. كان الهدف من هذا السماح للبشر والشيطان بأن يعرفوا أن الشيطان لا يحكم كلّ ما يخص البشرية. كان هذا كشفًا وإظهارًا لسلطان الله، وكان أيضًا وسيلةً يرسل بها الله رسالة إلى جميع الأشياء، بأن حياة البشر وموتهم بيد الله. كانت طريقة إقامة الرّبّ يسوع للعازر إحدى الطرق التي يُعلّم بها الله البشريّة ويُوجّهها. كان عملاً ملموسًا استخدم فيه قوته وسلطانه لتوجيه البشريّة وإعالتها. كانت طريقةً بدون استخدام كلمات سمح بها الخالق للبشر برؤية حقيقة أنه يسود على جميع الأشياء. وكانت طريقةً يخبر بها البشريّة من خلال أفعالٍ عمليّة أنه لا يوجد خلاصٌ إلّا من خلاله. هذه الطريقة الصامتة التي استخدمها لتوجيهه البشريّة تدوم إلى الأبد، ولا تُمحى، وقد أحدثت صدمة وتنويرًا في قلوب البشر لا يمكن أن يتلاشى أبدًا. قيامة لعازر مجدّت الله – وهذا له تأثيرٌ عميق على كلّ واحدٍ من أتباع الله. إنه يثبت بقوّةٍ في كلّ شخصٍ يفهم هذا الحدث بحسب الفهم والرؤية بأن الله وحده هو من يحكم حياة البشر وموتهم. مع أن الله يملك هذا النوع من السلطان، ومع أنه أرسل رسالةً حول سيادته على حياة البشر وموتهم من خلال قيامة لعازر، إلّا إن هذا لم يكن عمله الأساسيّ. فالله لا يفعل شيئًا بدون معنى. كلّ شيءٍ يفعله له قيمةٌ كبيرة، وهو جوهرة فائقة القيمة في مستودع للكنوز. لن يجعل بالتأكيد "مسألة جعل شخصٍ يخرج من قبره" الهدف الأساسيّ أو الهدف أو البند الوحيد في عمله. لا يفعل الله أيّ شيءٍ بدون معنى. قيامةٌ لعازر كحدث وحيد كافيةٌ لإظهار سلطان الله، وإثبات هويّة الرّبّ يسوع. ولهذا السبب لم يُكرّر الرّبّ يسوع هذا النوع من المعجزات. يصنع الله الأشياء وفقًا لمبادئه الخاصة. وبلغة البشر، يمكن القول بأن الله لا يشغل عقله سوى بالأمور الجادة. وهذا يعني أنه عندما يصنع الله الأشياء، فإنه لا ينحرف عن هدف عمله. إنه يعرف العمل الذي يريد أن يُحقّقه في هذه المرحلة، وما يريد أن ينجزه، وسوف يعمل بدقّةٍ وفقًا لخطّته. إذا كان شخصٌ فاسد يملك هذا النوع من القدرة، فسوف يُفكّر في طرقٍ للكشف عن قدرته حتّى يعرف الآخرون مدى قدرته حتّى ينحنون أمامه وحتّى يتمكّن من السيطرة عليهم وابتلاعهم. هذا هو الشرّ الذي يأتي من الشيطان – وهو ما يُسمّى بالفساد. ليس لدى الله مثل هذه الشخصيّة وليس لديه مثل هذا الجوهر. إن هدفه من صنع الأشياء ليس إظهار نفسه بل تزويد البشريّة بالمزيد من الوحي والإرشاد، ولهذا السبب يرى الناس أمثلةً قليلة جدًّا في الكتاب المُقدّس من هذا النوع من الأحداث. ليس المقصود بهذا أن قوى الرّبّ يسوع كانت محدودة، أو أنه كان غير قادر على هذه الأشياء. ولكنه يعني ببساطةٍ أن الله لم يرد أن يفعله، لأن إقامة الرّبّ يسوع للعازر كانت لها أهميّةٌ عمليّة كبيرة، وأيضًا لأن العمل الأساسيّ بصيرورة الله جسدًا لم يكن إقامة الناس من الموت، لكنه كان عمل الفداء للبشريّة. ولذلك، فإن مقدارًا كبيرًا من العمل الذي أكمله الرّبّ يسوع كان تعليم الناس وتدبيرهم ومساعدتهم، والأحداث مثل إقامة لعازر فكانت مُجرّد جزء صغير من الخدمة التي أتمّها الرّبّ يسوع. والأكثر من ذلك، يمكنكم القول بأن "الاستعراض" ليس جزءًا من جوهر الله، ومن ثمّ لم يكن الرب يسوع يمارس ضبط النفس عمدًا من خلال عدم إظهار المزيد من المعجزات، ولم يكن بسبب القيود البيئيّة، ولم يكن بالتأكيد بسبب نقص القدرة.

عندما أقام الرّبّ يسوع لعازر من الموت استخدم هذه الكلمات القليلة: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". لم يقل شيئًا غير هذا. إذن، ماذا تظهر هذه الكلمات؟ إنها تظهر أن الله يمكنه إنجاز أيّ شيءٍ بالتحدّث، بما في ذلك إقامة رجلٍ ميت. عندما خلق الله جميع الأشياء، عندما خلق العالم، فإنه صنع ذلك بالكلمات: أوامر منطوقة، وكلمات تحمل السلطان، وهكذا خُلقت كل الأشياء وعليه تحققت. هذه الكلمات القليلة التي تكلّم بها الرّبّ يسوع كانت مثل الكلمات التي تكلّم بها الله عندما خلق السماوات والأرض وجميع الأشياء؛ فهي بالشكل ذاته كانت تحمل سلطان الله وقدرة الخالق. تشكّلت جميع الأشياء وثبتت بسبب الكلمات الخارجة من فم الله، وبالطريقة نفسها، خرج لعازر من قبره بسبب الكلمات من فم الرّبّ يسوع. كان هذا سلطان الله، الظاهر والمُدرَك في جسده المُتجسّد. وكان هذا النوع من السلطان والقدرة يخصّ الخالق ويخصّ ابن الإنسان الذي أُدْرِكَ فيه الخالق. هذا هو الفهم الذي علّمه الله للبشر بإقامة لعازر من الموت. سننهي الآن مناقشتنا لهذا الموضوع. بعد ذلك، دعونا نقرأ المزيد من داخل الكتب المُقدّسة.

10. دينونة الفريسيّين ليسوع

(مرقس 3: 21-22) "وَلَمَّا سَمِعَ أَقْرِبَاؤُهُ خَرَجُوا لِيُمْسِكُوهُ، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: "إِنَّهُ مُخْتَلٌّ!". وَأَمَّا ٱلْكَتَبَةُ ٱلَّذِينَ نَزَلُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ فَقَالُوا: "إِنَّ مَعَهُ بَعْلَزَبُولَ! وَإِنَّهُ بِرَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ".

11. يسوع يُوبّخ الفريسيّين

(متى 12: 31-32) "لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا ٱلتَّجْدِيفُ عَلَى ٱلرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ. وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لَا فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ وَلَا فِي ٱلْآتِي".

(متى 23: 13-15) "لَكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ! لِأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، فَلَا تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلَا تَدَعُونَ ٱلدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ! لِأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ ٱلْأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذَلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ! لِأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ ٱلْبَحْرَ وَٱلْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ٱبْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا".

محتوى المقطعان أعلاه مختلفان. دعونا أوّلاً نلقي نظرةً على المقطع الأوّل: دينونة الفريسيين ليسوع.

في الكتاب المُقدّس، كان تقييم الفريسيّين ليسوع نفسه والأشياء التي صنعها كما يلي: "...قَالُوا: "إِنَّهُ مُخْتَلٌّ!". ... "إِنَّ مَعَهُ بَعْلَزَبُولَ! وَإِنَّهُ بِرَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ" (مرقس 3: 21-22). لم يكن حكم الكتبة والفريسيّين على الرّبّ يسوع مُجرّد تكرار منهم لكلماتٍ الآخرين أو تصورًا لا أساس له – ولكنه كان استنتاجهم عن الرّبّ يسوع ممّا رأوه وسمعوه عن أفعاله. ومع أن استنتاجهم كان ظاهريًّا باسم العدالة وبدا للناس وكأنه راسخ الأساس، إلّا أن الغطرسة التي حكموا بها على الرّبّ يسوع كان يصعب احتوائها حتّى من جهتهم. لقد كشفت الحماسة المسعورة لكراهيتهم للرّبّ يسوع عن طموحاتهم الجامحة وأساريرهم الشيطانيّة الشريرة، وأيضًا طبيعتهم الحاقدة التي قاوموا بها الله. كانت هذه الأشياء التي قالوها في حكمهم على الرّبّ يسوع مدفوعةً بطموحاتهم الجامحة وحسدهم والطبيعة القبيحة الحاقدة لعدائهم تجاه الله والحقّ. لم يفحصوا مصدر أعمال الرّبّ يسوع ولم يفحصوا جوهر ما قاله أو فعله. ولكنهم في عماهم وفي حالة من نفاد الصبر المحموم وخبثهم المُتعمّد هاجموا ما صنعه وسفّهوه. وقد بلغ هذا حتّى درجة التسفيه عمدًا لروحه، أي الروح القدس، الذي هو روح الله. وهذا ما قصدوه عندما قالوا: "إِنَّهُ مُخْتَلٌّ! ... بَعْلَزَبُولَ... بِرَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ". وهذا يعني إنهم قالوا إن روح الله كان بعلزبول ورئيس الشياطين. وصفوا عمل روح الله المتجسد الذي لبس الجسد بأنه جنونٌ. لم يُجدّفوا على روح الله بأنه مثل بعلزبول ورئيس الشياطين فقط، ولكنهم أدانوا عمل الله وأدانوا الرّبّ يسوع المسيح وجدّفوا عليه. كان جوهر مقاومتهم لله وتجديفهم عليه هو نفسه تمامًا جوهر مقاومة الشيطان والأبالسة لله وتجديفهم عليه. لم يكونوا يُمثّلون بشرًا فاسدين فحسب، بل كانوا بالأكثر تجسيدًا للشيطان. كانوا قناةً للشيطان بين البشر، وكانوا شركاء الشيطان وخدمه. كان جوهر تجديفهم وتشويههم للرّبّ يسوع المسيح هو صراعهم مع الله من أجل المكانة، وخصامهم مع الله، واختبارهم الدائم لله. كان جوهر مقاومتهم لله، وموقفهم من العداء تجاهه، بالإضافة إلى كلماتهم وأفكارهم تُجدّف على روح الله مباشرةً وتُغضِبه. وهكذا، حدّد الله دينونةً معقولة بناءً على ما قالوه وفعلوه، وحدّد الله أن أعمالهم خطيّة تجديفٍ على الروح القدس. وهذه الخطيّة لا تُغفر في هذا العالم ولا في الآتي، كما تظهر في المقطع الكتابيّ التالي: "وَأَمَّا ٱلتَّجْدِيفُ عَلَى ٱلرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ" و"أَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لَا فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ وَلَا فِي ٱلْآتِي". دعونا نتحدّث اليوم عن المعنى الحقيقيّ لكلمات الله هذه: "فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لَا فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ وَلَا فِي ٱلْآتِي". أي، دعونا نبدّد غموض الطريقة التي يُحقّق بها الله هذه الكلمات: "فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لَا فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ وَلَا فِي ٱلْآتِي".

يرتبط كل ما تحدّثنا عنه بشخصيّة الله وموقفه تجاه الناس والأحداث والأشياء. وبطبيعة الحال، فإن المقطعين أعلاه ليسا استثناءً. هل لاحظتم أيّ شيءٍ في هذين المقطعين الكتابيّين؟ يقول بعض الناس إنهم يرون غضب الله فيهما. ويقول البعض إنهم يرون جانب شخصيّة الله الذي لا يتساهل مع إثم البشر، وإنه إذا ارتكب الناس تجديفيًّا ما ضدّ الله، فإنهم لن ينالوا غفرانه. مع حقيقة أن الناس يرون ويدركون غضب الله وعدم تساهله مع إثم البشر في هذين المقطعين، إلّا أنهم ما زالوا لا يفهمون موقفه حقًّا. يحتوي هذان المقطعان على إشارات خفية إلى موقف الله الحقيقيّ ونهجه تجاه أولئك الذين يُجدّفون عليه ويُغضِبونه. يحمل موقفه ونهجه المعنى الحقيقيّ للمقطع التالي: "وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لَا فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ وَلَا فِي ٱلْآتِي". عندما يُجدّف الناس على الله، وعندما يُغضِبونه، فإنه يُصدِر حكمًا، وهذا الحكم هو حصيلة صادرة عنه. يصفه الكتاب المُقدّس بهذا الشكل: "لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا ٱلتَّجْدِيفُ عَلَى ٱلرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ" (متى 12: 31)، و"لَكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ!" (متى 23: 13). ومع ذلك، هل يُسجّل الكتاب المُقدّس عاقبة هؤلاء الكتبة والفريسيّين، وكذلك أولئك الذين قالوا إن الرّبّ يسوع كان مجنونًا بعد أن قال هذه الأشياء؟ هل يرد ما إذا كانوا قد عانوا من أيّ عقابٍ؟ لا – يمكن أن يُقال هذا يقينًا. وقول "لا" هنا ليس معناه أنه لم يُسجّل ولكن في الحقيقة أنه لم تكن توجد عاقبةٌ يمكن رؤيتها بالعين المُجرّدة. فالتعبير "لم يرد" هذا يُوضّح مسألةً موقف الله ومبادئه في التعامل مع أشياءٍ مُعيّنة. لا يتجاهل الله ولا يتغاضى عن الأشخاص الذين يُجدّفون عليه أو يقاومونه، أو حتّى أولئك الذين يسيئون إليه – أولئك الذين يهاجمونه عن قصدٍ ويسيئون إليه ويلعنونه – ولكن لديه موقفٌ واضح تجاههم. إنه يمقت هؤلاء الناس ويدينهم في قلبه. كما أنه حتّى يعلن صراحةً عاقبتهم، حتّى يعرف الناس أنه لديه موقفٌ واضح تجاه أولئك الذين يُجدّفون عليه، وحتّى يعرفوا كيف سيُحدّد عاقبتهم. ومع ذلك، بعد أن قال الله هذه الأشياء، كان الناس يرون بالكاد حقيقة كيفيّة تعامل الله مع أولئك الناس، وكانوا لا يفهمون المبادئ التي تستند عليها عاقبة الله وحكمه عليهم. وهذا يعني أن البشر لا يمكنهم أن يروا موقف الله وطرقه المحددة للتعامل معهم. وهذا يرتبط بمبادئ الله في صنع الأشياء. يستخدم الله حدوث الحقائق للتعامل مع السلوك الشرير لبعض الناس. وهذا يعني أنه لا يُعلِن خطيّتهم ولا يُحدّد عاقبتهم، ولكنه يستخدم مباشرةً حدوث الحقائق للسماح بمعاقبتهم ونيل جزائهم العادل. عندما تحدث هذه الحقائق، يعاني جسد الناس من العقاب؛ ما يعني أن العقاب يمكن رؤيته بالعين المُجرّدة. عند التعامل مع السلوك الشرير لبعض الناس، يلعنهم الله بالكلمات وينصبّ عليهم أيضًا غضب الله، ولكن العقاب الذي يتلقّونه قد يكون شيئًا لا يستطيع الناس رؤيته. لكن هذا النوع من العاقبة قد يكون أكثر خطورة من العواقب التي يمكن أن يراها الناس، كالعقاب أو التعرّض للقتل. يرجع السبب في ذلك إلى أنه في ظلّ الظروف التي قرّر الله فيها ألّا يُخلّص مثل هذا الشخص، ولا يعود يُظهِر له رحمته أو يتسامح معه ولا يُوفّر له المزيد من الفرص، فإن الموقف الذي يتّخذه تجاهه هو أن يتجاهله. ما معنى "يتجاهله" هنا؟ معنى هذا المصطلح في حدّ ذاته هو وضع الشيء جانبًا أي تجاهله وعدم الاهتمام به بعد ذلك. ولكن هنا، فإن الله عندما "يقصي شخصًا"، يوجد تفسيران مختلفان لمعناه: التفسير الأوّل هو أنه سلّم حياة ذلك الشخص وكلّ ما يخصّ ذلك الشخص إلى الشيطان ليتعامل معه، ولن يعود الله مسؤولاً ولن يعود يديره. سواء كان ذلك الشخص غاضبًا أو غبيًّا، وسواء كان حيًا أو ميتًا، أو سواء نزل إلى الجحيم للعقاب، فإن أي من هذا لن يتعلّق بالله. وهذا يعني أن ذلك المخلوق لن تكون له علاقةٌ بالخالق. والتفسير الثاني هو أن الله قرّر أنه بنفسه وبيديه يريد أن يفعل شيئًا مع هذا الشخص. من الممكن أن يستخدم خدمةً يُقدّمها ذلك الشخص، أو يستخدم مثل ذلك الشخص كشخصيّةٍ الضد. من المحتمل أن تكون لديه طريقةٌ خاصة للتعامل مع مثل هذا الشخص، أي طريقة خاصة لمعاملته، تمامًا مثل بولس على سبيل المثال. هذا هو مبدأ وموقف قلب الله الذين قرر من خلالهما التعامل مع مثل هذا الشخص. ولذلك عندما يقاوم الناس الله ويُشهّرون به ويُجدّفون عليه، وإذا أغضبوا شخصيّته، أو إذا استنفدوا صبر الله، فإن العواقب لا يمكن تصوّرها. العاقبة الأشدّ هي أن الله يُسلّم حياتهم وكلّ شيءٍ يخصّهم إلى الشيطان تسليمًا نهائيًّا. لن يُغفر لهم إلى الأبد. هذا يعني أن هذا الشخص أصبح لقمةً سائغة في فم الشيطان ولعبةً في يده، وأن الله منذ ذلك الحين لم تعد له علاقة به. هل يمكنكم تخيّل أيّ نوعٍ من البؤس كان عندما جرّب الشيطان أيُّوب؟ مع وجود الشرط الذي منع الشيطان من أن يمسّ حياة أيُّوب، إلّا أن أيُّوب عانى معاناة شديدة. وأليس من الأصعب تخيل الخراب الذي يُلحِقه الشيطان بالشخص الذي يُسلّم تسليمًا كاملاً للشيطان ويكون تمامًا في قبضة الشيطان ويكون قد فقد تمامًا رعاية الله ورحمته، ولا يعود تحت حكم الخالق، ويكون قد جُرّدّ من حقّه في عبادته ومن حقّه في أن يكون مخلوقًا تحت حكم الله، وتكون علاقته برّبّ الخليقة قد انقطعت تمامًا؟ كان اضطهاد الشيطان لأيُّوب شيئًا يمكن رؤيته بالعين المُجرّدة، ولكن إذا سلّم الله حياة شخصٍ ما إلى الشيطان، فإن عاقبته ستكون شيئًا يفوق خيال الإنسان. على سبيل المثال، ربما يولد بعض الأشخاص من جديدٍ في صورة بقرةٍ أو حمارٍ، بينما تتملّك الأرواح الشريرة النجسة بعض الأشخاص وتسكنهم وهكذا. هذه هي نتيجة بعض من الناس الذين يُسلّمهم الله إلى الشيطان. يبدو من الظاهر أن هؤلاء الناس الذين سخروا من الرّبّ يسوع وأغضبوه وأدانوه وجدّفوا عليه لم يواجهوا أيّة عواقب. ومع ذلك، فالحقيقة هي أن الله له طريقة للتعامل مع كلّ شيءٍ. ربمّا لا يستخدم لغةً واضحة لإخبار الناس بكيفيّة تعامله مع كلّ نوعٍ من أنواع الأشخاص. وأحيانًا لا يتحدّث مباشرةً، لكنه يفعل الأشياء بطريقة مباشرة. أمّا أنه لا يتحدّث عن النتيجة فلا يعني أنه لا توجد نتيجة – فمن الممكن أن تكون النتيجة أكثر خطورة. من الظاهر، قد يبدو أن الله لا يتحدّث مع بعض الناس صراحةً عن موقفه؛ في الواقع، لم يرد الله أن يبالي بهم لفترةٍ طويلة. لا يريد رؤيتهم فيما بعد. وبسبب الأشياء التي عملوها، وسلوكهم، وبسبب طبيعتهم وجوهرهم، فإن الله لا يريد سوى أن يختفوا من أمامه، ويريد أن يُسلّمهم تسليمًا مباشرًا إلى الشيطان، وأن يُسلّم روحهم ونفسهم وجسدهم للشيطان، وأن يسمح للشيطان بعمل كلّ ما يريد بهم. من الواضح إلى أيّ مدى يمقتهم الله، وإلى أي مدى يضجر منهم. إذا كان الشخص يُغضِب الله لدرجة أن الله لا يريد أن يراه مرّةً أخرى، وأنه يكون مستعدًا للتخلي عنه تمامًا، ولدرجة ألا يريد حتّى أن يتعامل معه بنفسه – إذا وصل الأمر إلى أن يُسلّمه إلى الشيطان لكي يفعل ما يريد، وأن يسمح للشيطان بأن يتحكّم فيه ويبتلعه ويعامله بأيّة طريقة يشاء – يكون هذا الشخص قد انتهى تمامًا. لقد أُبطِلَ تمامًا حقّه في أن يكون إنسانًا وانتهى حقه في أن يكون أحد مخلوقات الله. أليست هذه أشد عقوبة؟

كلّ ما ورد أعلاه شرحٌ كامل للكلمات: "فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لَا فِي هَذَا ٱلْعَالَمِ وَلَا فِي ٱلْآتِي"، كما أنه بمثابة تعليقٌ بسيط على هذه المقاطع الكتابيّة. أعتقد أنكم تفهمونها الآن!

دعونا الآن نقرأ المقاطع التالية من الكتاب المُقدّس.

12. كلمات يسوع لتلاميذه بعد قيامته

(يوحنا 20: 26-29) "وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلَامِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلًا وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ وَقَالَ: "سَلَامٌ لَكُمْ!". ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: "هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا". أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: "رَبِّي وَإِلَهِي!". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا".

(يوحنا 21: 16-17) "قَالَ لَهُ أَيْضًا ثَانِيَةً: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". قَالَ لَهُ: "نَعَمْ يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ: "ٱرْعَ غَنَمِي". قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". فَحَزِنَ بُطْرُسُ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: "يَارَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "ٱرْعَ غَنَمِي".

تروي هذه المقاطع أشياء معينة فعلها الرّبّ يسوع وقالها لتلاميذه بعد قيامته. أوّلاً، دعونا نلقي نظرةً على أيّة اختلافاتٍ قد تكون في الرّبّ يسوع قبل القيامة وبعدها. هل كان لا يزال الرّبّ يسوع هو نفسه الذي كان في الأيّام الماضية؟ يحتوي الكتاب المُقدّس على السطر التالي الذي يصف الرّبّ يسوع بعد القيامة: "فَجَاءَ يَسُوعُ وَٱلْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي ٱلْوَسْطِ وَقَالَ: "سَلَامٌ لَكُمْ!". من الواضح جدًّا أن الرّبّ يسوع في ذلك الوقت لم يعد يلبس جسدًا، بل أصبح الآن جسدًا روحانيًّا. وكان السبب في ذلك هو أنه تجاوز حدود الجسد، وبرغم أن الباب كان مغلقًا، كان لا يزال بإمكانه أن يأتي إلى وسط الناس ويسمح لهم برؤيته. وهذا هو الاختلاف الأكبر بين الرّبّ يسوع بعد القيامة والرّبّ يسوع المسيح الذي كان يعيش في الجسد قبل القيامة. على الرغم من عدم وجود اختلافٍ بين مظهر الجسد الروحانيّ في تلك اللحظة ومظهر الرّبّ يسوع قبل ذلك، فقد أصبح الرب يسوع في تلك اللحظة يبدو غريبًا للناس، لأنه أصبح جسدًا روحانيًّا بعد قيامته من بين الأموات، وبالمقارنة بجسده السابق، كان هذا الجسد الروحانيّ أكثر تحييرًا وإرباكًا للناس. كما تسبّب في اتساع المسافةٍ بين الرّبّ يسوع والناس، وشعر الناس في قلوبهم أن الرّبّ يسوع في تلك اللحظة أصبح أكثر غموضًا. وهذه المفاهيم والمشاعر لدى الناس أعادتهم فجأةً إلى عصر الإيمان بالله الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه. ولذلك، فإن أوّل شيءٍ فعله الرّبّ يسوع بعد قيامته هو سماحه للجميع برؤيته والتأكيد على وجوده والتأكيد على حقيقة قيامته. بالإضافة إلى ذلك، أعاد هذا العمل علاقته بالناس إلى ما كانت عليه عندما كان يعمل في الجسد، حين كان المسيح الذي استطاعوا رؤيته ولمسه. إحدى النتائج هي أن الناس لم يكن لديهم أدنى شكٍّ في أن الرّبّ يسوع قام من الموت بعد أن سُمّر على الصليب، ولم يكن لديهم شكٌّ كذلك في عمل الرّبّ يسوع لفداء البشريّة. والنتيجة الثانية هي أن حقيقة ظهور الرّبّ يسوع للناس بعد قيامته والسماح للناس برؤيته ولمسه أمنّت البشريّة تأمينًا قوّيًا في عصر النعمة، مما يضمن أنه من هذا الوقت فصاعدًا، لن يستطيع الناس العودة إلى العصر السابق، عصر الناموس، بناء على القاعدة المزعومة بـ"اختفاء" الرّبّ يسوع أو "مغادرته دون كلمة". وبالتالي تيقن من أن يواصلوا إلى الأمام تابعين تعاليم الرّبّ يسوع والعمل الذي أتمّه. وهكذا، فُتِحتْ رسميًا مرحلةٌ جديدة من العمل في عصر النعمة، ومنذ تلك اللحظة فصاعدًا، الناس الذين كانوا تحت الناموس خرجوا رسميًّا من الناموس منذ ذلك الحين ودخلوا في عهدٍ جديد ببدايةٍ جديدة. هذه هي المعاني المُتعدّدة لظهور الرّبّ يسوع للبشر بعد القيامة.

بما أن الرب يسوع كان يلبس الآن جسدًا روحانيًّا، كيف كان يمكن أن يلمسه الناس ويروه؟ يتعلّق هذا السؤال بأهميّة ظهور الرّبّ يسوع للبشر. هل لاحظتم أيّ شيءٍ في المقاطع الكتابية التي قرأناها توًا؟ عمومًا، لا يمكن رؤية الأجساد الروحيّة أو لمسها، وبعد القيامة، كان العمل الذي اضطلع به الرّبّ يسوع قد اكتمل بالفعل. ولذلك، من الناحية النظريّة، لم يكن بحاجةٍ على الإطلاق للعودة إلى وسط الناس في صورته الأصليّة كي يلتقي بهم، ولكن ظهور الرّبّ يسوع بجسده الروحانيّ لأشخاصٍ مثل توما جعل أهميّة ظهوره أكثر واقعيّة، بحيث اخترق قلوب الناس بعمقٍ أكبر. عندما جاء إلى توما الشكّاك سمح له بأن يلمس يده، وقال له: "وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا". لم تكن هذه الكلمات وهذه الأعمال أشياءً أراد الرّبّ يسوع أن يقولها ويفعلها فقط بعد أن قام من الموت، لكنها كانت في الواقع أشياء أراد أن يقولها ويفعلها قبل أن يُسمّر على الصليب، لأن شكوك توما لم تبدأ حينها فقط، ولكنها كانت تساوره طوال الوقت لذي كان يتبع فيه الرب يسوع. من الواضح أن الرّبّ يسوع قبل أن يُسمّر على الصليب كان يفهم بالفعل أشخاصًا مثل توما. فما الذي يمكننا رؤيته من هذا إذًا؟ كان لا يزال الرّبّ يسوع نفسه بعد قيامته. لم يتغيّر جوهره. ولكنه كان الرّبّ يسوع الذي قام من الموت وعاد من العالم الروحيّ بصورته الأصليّة وبشخصيّته الأصليّة وفهمه للبشريّة من وقت وجوده في الجسد، ولذلك ذهب إلى توما أوّلاً وسمح له بأن يلمس جنبه ويسمح له ليس فقط بأن يرى جسده الروحانيّ بعد القيامة، بل بأن يجعل توما يلمس ويشعر بموضع جسده الروحانيّ، وبأن يُودّع شكوكه تمامًا. قبل أن يُسمّر الرّبّ يسوع على الصليب، كان توما يشكّ دائمًا في أنه المسيح، ولم يكن قادرًا على تصديق الأمر. لم يكن إيمانه بالله مُؤسّسًا سوى على ما يمكن أن يراه بعينيه وما يمكن أن يلمسه بيديه. كان الرّبّ يسوع يفهم جيّدًا إيمان مثل هؤلاء الأشخاص. كانوا لا يؤمنون سوى بالله في السماء ولا يؤمنون على الإطلاق أو يقبلون ذاك الذي أرسله الله أو المسيح في الجسد. ولكي يعترف توما ويؤمن بوجود الرّبّ يسوع وأنه كان حقًا الله المُتجسّد، فقد سمح له بأن يمدّ يده ويلمس جنبه. هل كان شكّ توما يختلف في أيّ شيءٍ قبل قيامة الرّبّ يسوع وبعدها؟ كان يشكّ دائمًا، ولولا الجسد الروحانيّ للرّبّ يسوع الذي ظهر له شخصيًّا وعن السماح لتوما بأن يلمس آثار المسامير على جسده، لم يستطع أحدٌ أن يحلّ شكوكه وأن يُخلّصه منها. ولذلك، منذ أن سمح الرّبّ يسوع لتوما بأن يلمس جنبه ويجعله يشعر حقًّا بوجود آثار المسامير، اختفى شكّ توما وعرف حقًّا أن الرّبّ يسوع قام من الموت، واعترف وآمن بأن الرّبّ يسوع كان هو المسيح الحقيقيّ والله المُتجسّد. ومع أن توما لم يعد يشكّ في ذلك الوقت، إلّا أنه فقد إلى الأبد فرصة الالتقاء بالمسيح. خسر إلى الأبد فرصة أن يكون معه ويتبعه ويعرفه. خسر فرصة أن يُكمّله المسيح. أتاح ظهور الرّبّ يسوع وكلماته نتيجة وحُكمًا على إيمان أولئك الذين كانت تملأهم الشكوك. استخدم كلماته وأفعاله الحقيقيّة ليُخبِر المُتشكّكين ويُخبِر أولئك الذين لم يؤمنوا سوى بالله الذي في السماء ولكنهم لم يؤمنوا بالمسيح: لم يمدح الله إيمانهم كما أنه لم يمدحهم لاتّباعهم له بينما يشكون به. كان اليوم الذي آمنوا فيه تمامًا بالله وبالمسيح هو وحده اليوم الذي أكمل فيه الله عمله العظيم. وبالطبع، كان ذلك اليوم هو اليوم الذي صدر فيه حكمٌ على شكّهم. فموقفهم من المسيح حدّد مصيرهم، وكان شكّهم العنيد يعني أن إيمانهم لم ينتج لهم أيّة ثمار، وكانت قساوتهم تعني أن آمالهم دون جدوى. ولأن إيمانهم بالله في السماء كان يستند على الأوهام وشكّهم في المسيح كان في الواقع موقفهم الحقيقيّ تجاه الله، مع أنهم لمسوا آثار المسامير على جسد الرّبّ يسوع، كان إيمانهم لا يزال عديم الفائدة ولم يكن بالإمكان وصف عاقبتهم إلا بأنها تشبه اغتراف الماء بسلة من الخيزران – كلها بلا طائل. كان ما قاله الرّبّ يسوع لتوما طريقته الواضحة في إخبار كلّ شخصٍ: الرّبّ يسوع القائم هو الرّبّ يسوع الذي قضى ثلاث وثلاثين سنةً ونصف يعمل بين البشر. ومع أنه كان مُسمّرًا على الصليب واجتاز وادي ظلّ الموت وبرغم أنه اختبر القيامة، لم يخضع لأي تغيير في أيّ جانبٍ. ومع أن آثار المسامير كانت تبدو على جسده، ومع أنه قام وخرج من القبر، إلّا إن شخصيّته وفهمه للبشر ومقاصده للبشر لم تتغيّر على الإطلاق. إضافة إلى ذلك، كان يُخبِر الناس أنه نزل من على الصليب وانتصر على الخطية وقهر المصاعب. لم تكن آثار المسامير سوى دليل انتصاره على الشيطان، والدليل على أنه ذبيحة الخطيّة لفداء البشريّة جمعاء. كان يُخبِر الناس أنه أخذ على نفسه بالفعل خطايا البشريّة وأنه أكمل عمله الفدائي. وعندما عاد لرؤية تلاميذه أخبرهم بهذه الرسالة من خلال ظهوره: "ما زلت حيًّا، ما زلت موجودًا؛ اليوم أقف حقًّا أمامكم بحيث يمكنكم أن تروني وتلمسوني. سوف أكون معكم دائمًا". أراد الرّبّ يسوع أيضًا أن يستخدم قضية توما كتحذيرٍ للناس في المستقبل: فمع أنك لا يمكنك أن ترى الرب يسوع أو تلمسه في إيمانك به، فأنت مبارك بإيمانك الحقيقيّ ويمكنك أن ترى الرّبّ يسوع بإيمانك الحقيقيّ؛ ومثل هذا الإنسان مباركٌ.

هذه الكلمات المُسجّلة في الكتاب المُقدّس التي تكلّم بها الرّبّ يسوع عندما ظهر لتوما مساعدةٌ عظيمة لجميع الناس في عصر النعمة. فقد كان لظهوره وكلامه لتوما تأثيرٌ عميق على الأجيال التالية، إذ يمثلان أهميّة دائمة. يُمثّل توما أولئك الأشخاص الذين يؤمنون بالله ولكنهم يشكّون في الله. إنهم يحملون طبيعةً شكّاكة ولهم قلوبٌ شريرة وهم خائنون ولا يؤمنون بالأشياء التي يستطيع الله إنجازها. إنهم لا يؤمنون بكليّة قدرة الله وسيادته، ولا يؤمنون بالله المُتجسّد. ومع ذلك، كانت قيامة الرّبّ يسوع طعنة موجهة لصفاتهم، كما وفرّت لهم فرصةً لاكتشاف شكّهم والاعتراف بشكّهم والاعتراف بخيانتهم، ومن ثمّ الإيمان الحقيقيّ بوجود الرّبّ يسوع وقيامته. كان ما حدث مع توما تحذيرًا وإنذارًا للأجيال اللاحقة حتّى يتمكّن عددٌ أكبر من الناس من تحذير أنفسهم من أن يشكوا مثل توما، وإذا كان الشكّ يتملكّهم فسوف يغوصون في الظلام. إذا كنت تتبع الله ولكنك كنت مثل توما تريد دائمًا أن تلمس جنب الرّبّ وتشعر بآثار المسامير للتأكّد والتحقّق والتفكّر فيما إذا كان الله موجودًا أم لا، فإن الله سوف يتخلى عنك. ولذلك، يطلب الرّبّ يسوع من الناس ألّا يكونوا مثل توما، أي ألّا يؤمنوا سوى بما يمكنهم أن يروه بأعينهم، بل أن يكونوا أنقياء نزهاء، وألّا تساورهم شكوكٌ تجاه الله بل أن يؤمنوا به ويتبعوه وحسب. مثل هؤلاء الناس مباركون. هذا مطلبٌ بسيط جدًّا للرّبّ يسوع من الناس، وتحذيرٌ لأتباعه.

ما سبق هو موقف الرّبّ يسوع تجاه أولئك الذين تملأهم الشكوك. ماذا قال الرّبّ يسوع وفعل لأولئك القادرين على الإيمان به واتّباعه بصدقٍ؟ هذا ما سننظر إليه لاحقًا، من خلال حوار بين الرّبّ يسوع وبطرس.

في هذه المحادثة سأل الرّبّ يسوع بطرس عن شيءٍ واحد مرارًا: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". هذا مستوى أعلى تطلّبه الرّبّ يسوع من أشخاصٍ مثل بطرس بعد قيامته، الناس الذين يؤمنون بالمسيح حقًّا ويسعون لمحبّة الرّبّ. كان هذا السؤال أشبه بتحقيقٍ واستجوابٍ، بل أكثر من ذلك، كان مطلبًا وتوقّعًا من أشخاصٍ مثل بطرس. استخدم الرب يسوع طريقة الاستجواب هذه حتى يتمكّن الناس من التأمّل والتفكر في أنفسهم وطرح السؤال: ما متطلّبات الرّبّ يسوع من الناس؟ هل أُحبّ الرّبّ؟ هل أنا شخصٌ يحبّ الله؟ كيف يجب أن أُحبّ الله؟ مع أن الرّبّ يسوع سأل بطرس وحده هذا السؤال، إلّا إن الحقيقة هي أنه في قلبه بسؤال بطرس هذه الأسئلة أراد أن يستغلّ هذه الفرصة ليطرح هذا السؤال نفسه على أناسٍ أكثر يسعون إلى محبّة الله. لم يكن الأمر سوى أن بطرس تبارك بأن يكون مُمثّلاً عن هذا النوع من الأشخاص وأن يتلقّى السؤال من فم الرّبّ يسوع نفسه.

بالمقارنة مع الكلمات التي قالها الرّبّ يسوع لتوما بعد قيامته: "وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا" فإن سؤاله لبطرس ثلاث مرّاتٍ: "يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟". يسمح للناس بأن يشعروا أكثر بصرامة موقف الرّبّ يسوع وبالإلحاح الذي كان يراوده أثناء السؤال شعورًا أفضل. أمّا بالنسبة لتوما الشكّاك بطبيعته الماكرة الخادعة، فقد سمح له الرّبّ يسوع بأن يمدّ يده ويلمس آثار المسامير في جسده، وقد جعله هذا يؤمن بأن الرّبّ يسوع كان ابن الإنسان القائم ويعترف بهويّة الرّبّ يسوع بأنه المسيح. ومع أن الرّبّ يسوع لم يُوبّخ توما بصرامةٍ، ولم يُعبّر عن أيّة دينونةٍ واضحه له، فقد أخبره أنه كان يفهمه من خلال الأفعال العمليّة، بينما كان أيضًا يُظهِر موقفه وتصميمه تجاه هذا النوع من الأشخاص. لا يمكن رؤية متطلّبات الرّبّ يسوع وتوقعاته من هذا النوع من الأشخاص ممّا قاله، فالناس مثل توما ليس لديهم ببساطةٍ ذرة من الإيمان الحقيقيّ. لم تصل متطلّبات الرّبّ يسوع منهم سوى إلى هذا، ولكن الموقف الذي أظهره تجاه أشخاصٍ مثل بطرس مختلفٌ تمامًا. لم يطلب من بطرس أن يمدّ يده ويلمس آثار المسامير، ولم يقل لبطرس: "وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا". ولكنه بدلاً من ذلك سأل بطرس السؤال نفسه مرارًا. كان السؤال مثيرًا للتفكير ومُعبّرًا لا يسعه سوى أن يؤدي بكلّ تابعٍ من أتباع المسيح إلى أن يشعر بالندم والخوف، ولكنه يكشف أيضًا عن مزاج الرّبّ يسوع المنزعج الحزين. وعندما يكونون في ألمٍ شديد ومعاناة، فهم أكثر قدرة على فهم اهتمام الرّب يسوع المسيح ورعايته؛ ويُدرِكون تعليمه الجاد ومتطلّباته الصارمة من الناس الأنقياء الصادقين. سؤال الرّبّ يسوع يسمح للناس بأن يشعروا أن توقّعات الرّبّ من الناس التي تنكشف في هذه الكلمات البسيطة ليست أن تؤمن به وتتبعه وحسب، بل أن تبلغ المحبّة وتحبّ ربّك وإلهك. هذا النوع من المحبّة ينطوي على الاهتمام والطاعة. ومعناه أن يعيش الناس من أجل الله ويموتوا من أجل الله ويُكرّسوا كلّ شيءٍ لله وينفقوا ويعطوا كلّ شيءٍ من أجل الله. هذا النوع من المحبّة أيضًا يمنح الله الراحة ممّا يجعله أن يُسرّ بالشهادة ويمنحه الراحة. إنه تعويض البشر لله ومسؤولية الإنسان وواجبه والتزامه، وهو طريقةٌ ينبغي أن يتبعها البشر طوال حياتهم. كانت هذه الأسئلة الثلاثة مطلبًا ونصحًا من الرّبّ يسوع لبطرس وجميع الناس الذين يريدون أن يكونوا كاملين. وقد كانت هذه الأسئلة الثلاثة هي التي قادت بطرس وحفّزته لإكمال طريقه في الحياة حتى النهاية، وكانت تلك الأسئلة عند فراق الرّبّ يسوع التي قادت بطرس ليبدأ طريق الكمال، والتي قادته، بفضل محبّته للرّبّ، للاهتمام بقلب الرّبّ، وطاعة الرّبّ، وتقديم راحة للرّبّ، وتقديم حياته كلّها وكيانه كلّه بفضل هذه المحبّة.

خلال عصر النعمة، كان عمل الله أساسًا لنوعين من الناس. كان النوع الأوّل أولئك الأشخاص الذين كانوا يؤمنون به ويتبعونه ويمكنهم حفظ وصاياه وحمل الصليب ويمكنهم التمسّك بطريق عصر النعمة. كان هذا النوع من الأشخاص ينال بركة الله وينعم بنعمة الله. والنوع الثاني من الأشخاص كان مثل بطرس، وهو شخصٌ يمكن جعله كاملًا. ولذلك، بعد أن قام الرّبّ يسوع، عمل أوّلاً هذين الشيئين الأكثر أهمية. الأوّل مع توما والآخر مع بطرس. ماذا يُمثّل هذان الشيئان؟ هل يُمثّلان مقاصد الله الحقيقيّة لخلاص البشر؟ هل يُمثّلان أمانة الله مع البشر؟ كان العمل الذي عمله مع توما لتحذير الناس من أن يتشككوا ولكن أن يؤمنوا فحسب. وكان العمل الذي عمله مع بطرس هو لتعزيز إيمان الناس مثل بطرس وتوضيح متطلّباته من هذا النوع من الأشخاص، وإظهار الأهداف التي يجب عليهم السعي إليها.

بعد قيامة الرّبّ يسوع من الموت، ظهر للأشخاص الذين شعر بضرورة ظهوره لهم وتكلّم معهم وعرض عليهم متطلّباته، تاركًا وراءه نواياه للناس وتوقّعاته منهم. وهذا يعني أن اهتمام الله المُتجسّد بالبشرية ومتطلباته من الناس لم تتغير قط: فقد ظلت كما هي عندما كان في الجسد وعندما كان في الجسد الروحانيّ بعد أن سُمّر على الصليب وقام. كان يهتمّ بهؤلاء التلاميذ قبل صعوده على الصليب؛ وفي قلبه كان واضحًا بخصوص حالة كلّ فردٍ وكان يفهم نقائص كلّ شخصٍ، وبالطبع كان فهمه لكلّ شخصٍ بعد أن مات وقام وصار جسدًا روحانيًّا هو الفهم نفسه كما كان عندما كان في الجسد. كان يعلم أن الناس لم يكونوا مُتأكّدين تمامًا من هويّته بصفته المسيح، ولكن خلال وقت تجسّده لم يكن يطالب الناس بمطالب صارمة. ولكن بعد أن قام ظهر لهم وجعلهم على يقينٍ تامّ بأن الرّبّ يسوع جاء من عند الله وأنه كان الله المُتجسّد، واستخدم حقيقة ظهوره وقيامته كأكبر رؤيةٍ وحافز لمسعى البشريّة المستمرّ مدى الحياة. وقيامته من الموت لم تُقوِّ فحسب جميع الذين تبعوه، ولكنها أيضًا نفذت تمامًا عمله في عصر النعمة بين البشر، وهكذا انتشر إنجيل خلاص الرّبّ يسوع في عصر النعمة تدريجيًّا إلى كلّ ركنٍ من أركان البشرية. هل يمكنك القول إن ظهور الرّبّ يسوع بعد قيامته كانت له أيّة أهميّةٍ؟ إذا كنت توما أو بطرس في ذلك الوقت وواجهت هذا الشيء الوحيد في حياتك الذي كان يحمل معنى، فما نوع تأثيره عليك؟ هل كنت سترى أن هذا أفضل وأعظم رؤيةٍ لحياتك في الإيمان بالله؟ هل كنت سترى هذا كقوّةٍ دافعة لاتّباعك الله وجهادك لإرضائه وسعيك إلى محبّة الله في حياتك؟ هل كنت ستبذل مجهودًا مدى الحياة لنشر أعظم الرؤى هذه؟ هل كنت ستقبل نشر خلاص الرّبّ يسوع كتكليف من الله؟ مع أنكم لم تختبروا هذا، إلّا إن مثلي توما وبطرس كافيان بالفعل ليكون لدى الناس في الزمان الحاضر فهمٌ واضح لله ولمشيئته. يمكن القول إنه بعد أن صار الله جسدًا، وبعد أن اختبر الحياة بين البشر واختبر بنفسه الحياة البشريّة، وبعد أن رأى فساد البشر وحالة الحياة البشريّة في ذلك الوقت، شعر الله في الجسد بمدى عجز البشر وحزنهم وبؤسهم ومدعاتهم للشفقة بشكل أعمق. اكتسب الله تعاطفًا أكثر مع الحالة البشريّة بسبب بشريّته التي كان يملكها بينما كان يعيش في الجسد، وبسبب غرائزه البشريّة. وقد دفعه هذا ليحمل المزيد من الاهتمام بأتباعه. ربّما تكون هذه أشياءٌ لا يمكنكم فهمها، ولكن يمكنني أن أصف اهتمام الله ورعايته في الجسد لكلّ واحدٍ من أتباعه باستخدام هاتين الكلمتين: "الاهتمام الشديد". مع أن هذا المصطلح يأتي من اللغة البشريّة، ومع أنه بشري جدًّا، إلّا أنه يُعبّر حقًّا عن مشاعر الله تجاه أتباعه ويصفها. أمّا من جهة اهتمام الله الشديد بالبشر، فسوف تشعرون بالتدريج على مدار اختباراتكم بهذا الشعور وتذوقونه. ومع ذلك، لا يمكنكم تحقيق ذلك إلّا من خلال الفهم التدريجيّ لشخصيّة الله على أساس السعي لحدوث تغييرٍ في شخصيّتكم. عند ظهور الرّبّ يسوع أدى ذلك إلى بلورة اهتمامه الشديد بأتباعه في البشريّة ونقله إلى جسده الروحانيّ، أو يمكنكم القول إنه نقله إلى لاهوته. كما أن ظهوره سمح للناس بأن يكون لديهم اختبارٌ وشعورٌ آخر باهتمام الله ورعايته مع الإثبات الدامغ بأن الله هو مَنْ يفتح عصرًا ويُطوّر عصرًا وينهي عصرًا. بظهوره شدّد إيمان جميع الناس، وأثبت للعالم حقيقة أنه الله نفسه. وقد قدّم هذا لأتباعه تأكيدًا أبديًّا، وبظهوره أطلق أيضًا مرحلةً من عمله في العصر الجديد.

13. يسوع يأكل خبزًا ويشرح الكتب بعد قيامته

(لوقا 24: 30-32) "فَلَمَّا ٱتَّكَأَ مَعَهُمَا، أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا، فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَرَفَاهُ ثُمَّ ٱخْتَفَى عَنْهُمَا، فَقَالَ بَعْضُهُمَا لِبَعْضٍ: "أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي ٱلطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا ٱلْكُتُبَ؟".

14. التلاميذ يُقدّمون ليسوع سمكًا مشويًّا للأكل

(لوقا 24: 36-43) "وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا وَقَفَ يَسُوعُ نَفْسُهُ فِي وَسْطِهِمْ، وَقَالَ لَهُمْ: "سَلَامٌ لَكُمْ!". فَجَزِعُوا وَخَافُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحًا. فَقَالَ لَهُمْ: "مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ، وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ! جُسُّونِي وَٱنْظُرُوا، فَإِنَّ ٱلرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي". وَحِينَ قَالَ هَذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِينَ مِنَ ٱلْفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ، قَالَ لَهُمْ: "أَعِنْدَكُمْ هَهُنَا طَعَامٌ؟". فَنَاوَلُوهُ جُزْءًا مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئًا مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ".

بعد ذلك سوف نلقي نظرةً على مقاطع الكتاب المُقدّس أعلاه. المقطع الأوّل سردٌ للرّبّ يسوع وهو يأكل الخبز ويشرح الكتب بعد قيامته، والمقطع الثاني سردٌ للرّبّ يسوع وهو يأكل سمكة مشوية. كيف يساعدك هذان المقطعان على معرفة شخصيّة الله؟ هل يمكنكم أن تتصوّروا نوع الصورة التي تحصلون عليها من هذه الأوصاف للرّبّ يسوع وهو يأكل الخبز ثم سمكة مشويّة؟ هل يمكنكم أن تتصوّروا شعوركم إذا كان الرّبّ يسوع واقفًا أمامكم يأكل الخبز؟ أو إذا كان يأكل على المائدة نفسها معكم، أو يأكل السمك والخبز مع الناس، ما نوع الشعور الذي يكون لديك في تلك اللحظة؟ إذا شعرت أنك قريبٌ جدًّا من الرّبّ، وأنه قريبٌ جدًّا منك، فهذا الشعور حقيقيّ. هذه بالضبط النتيجة التي أراد الرّبّ يسوع أن يُنتِجها من أكل الخبز والسمك أمام الناس المجتمعين بعد قيامته. إذا كان الرّبّ يسوع قد تكلّم وحسب مع الناس بعد قيامته، وإذا لم يتمكّنوا من لمس لحمه وعظامه، بل شعروا أنه روحٌ لا يمكن الوصول إليه، فكيف كانوا سيشعرون؟ ألم يكن ليخيب أملهم؟ وعندما يشعر الناس بخيبة الأمل، ألم يكونوا ليشعروا بأنهم مُهمَلون؟ ألم يكونوا ليشعروا بأن مسافةً تفصلهم عن الرّبّ يسوع المسيح؟ ما نوع التأثير السلبيّ الذي قد تُسبّبه هذه المسافة على علاقة الناس بالله؟ من المُؤكّد أن الناس كانوا سيشعرون بالخوف وعدم الجرأة على الاقتراب منه ومن ثم سيكون لديهم موقفٌ يجعلهم يضعونه على بُعد مسافةٍ كبيرة منهم. ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، كانوا سيقطعون علاقتهم القريبة مع الرّبّ يسوع المسيح ويعودون إلى العلاقة بين البشر والله الذي في السماء كما كان الأمر قبل عصر النعمة. فالجسد الروحانيّ الذي لم يستطيع الناس لمسه أو الشعور به كان سيُؤدّي إلى القضاء على علاقتهم القريبة مع الله، كما أنه كان سيوقف تلك العلاقة القريبة التي تأسّست خلال زمان الرّبّ يسوع المسيح في الجسد والتي كانت تتّسم بعدم وجود مسافة بينه وبين البشر. الأشياء الوحيدة التي تحركت في الناس بواسطة الجسد الروحانيّ لم تكن سوى الخوف والتجنّب والتحديق الخالي من كلماتٍ. ما كانوا ليجسرون على الاقتراب أو الحوار معه، فضلاً عن اتّباعه أو الثقة فيه أو تبجيله. لم يرد الله رؤية هذا النوع من الإحساس الذي يكنه له البشر. لم يرد أن يرى الناس يتجنّبوه أو يبتعدوا عنه؛ ولكنه أراد وحسب أن يفهمه الناس ويقتربوا منه ويكونوا عائلته. إذا رآك أفراد عائلتك وأطفالك ولم يتعرّفوا عليك ولم يجسروا على الاقتراب منك بل كانوا يتجنّبونك دائمًا، وإذا لم تتمكّن من معرفة فهمهم لكلّ ما عملته لهم، فكيف ستشعر إزاء ذلك؟ ألن يكون ذلك مؤلمًا؟ ألن تكون منفطر الفؤاد؟ هذا بالضبط ما يشعر به الله عندما يتجنّبه الناس. وهكذا، بعد قيامة الرّبّ يسوع كان لا يزال يظهر للناس في هيئه لحمه ودمه، وكان يأكل معهم ويشرب. يرى الله الناس كعائلةٍ ويريد أن يراه البشر على أنه الأقرب لهم؛ وبهذه الطريقة فقط يستطيع الله حقًّا أن يربح الناس وبهذه الطريقة فقط يمكن للناس حقًّا أن يحبوّا الله ويعبدوه. هل يمكنكم الآن أن تفهموا مقصدي من استخراج هذين المقطعين من الكتاب المُقدّس حيث يأكل الرّبّ يسوع الخبز ويشرح الكتب بعد قيامته، وحيث قدّم له التلاميذ سمكة مشوية ليأكل؟

يمكن القول بأن سلسلة الأشياء التي قالها الرّبّ يسوع وفعلها بعد قيامته خضعت لتفكير عميق. كانت تفيض باللطف والمودّة اللذين حملهما الله تجاه البشر، وكانت تفيض أيضًا بالمحبة والرعاية الدقيقة اللذين كانا لديه للعلاقة القريبة التي أقامها مع الإنسان خلال وقته في الجسد. بالإضافة إلى ذلك، كانت تفيض بالحنين والشوق اللذين شعر بهما لحياته في الأكل والعيش مع أتباعه خلال وقته في الجسد. ولذلك، لم يرد الله أن يشعر الناس بمسافةٍ بين الله والإنسان، ولم يرد للبشر أن يبعدوا أنفسهم عن الله. والأكثر من ذلك، لم يرد أن يشعر البشر بأن الرّبّ يسوع بعد قيامته لم يعد الرّبّ الذي كان قريبًا جدًا من الناس، وأنه لم يعد مع البشر لأنه عاد إلى العالم الروحيّ أي عاد إلى الآب الذي لم يتمكّن البشر مطلقًا من رؤيته أو الوصول إليه. لم يرد أن يشعر الناس بحدوث أي اختلافٍ في المكانة بينه وبين البشر. عندما يرى الله الناس الذين يريدون أن يتبعوه ولكنهم يضعونه على بُعد مسافةٍ كبيرة، يشعر قلبه بالألم لأن ذلك يعني أن قلوبهم بعيدةٌ جدًّا عنه وأنه سيكون من الصعب جدًّا عليه أن يكسب قلوبهم. ومن ثمّ، إذا كان قد ظهر للناس في جسدٍ روحانيّ لا يمكنهم رؤيته أو لمسه، فقد كان هذا سيبعد الإنسان مرّةً أخرى عن الله، وكان سيدفع البشر للاعتقاد عن طريق الخطأ بأن المسيح بعد قيامته أصبح متعاظمًا ومن نوعٍ يختلف عن البشر وشخصًا لم يعد بإمكانه مشاركة البشر وتناول الطعام معهم لأن البشر خطاةٌ ودنسون ولا يمكنهم الاقتراب إلى الله. من أجل إزالة سوء الفهم عند البشر، عمل الرّبّ يسوع عددًا من الأشياء التي كان يعملها في الجسد، كما هو مُسجّلٌ في الكتاب المُقدّس: "أَخَذَ خُبْزًا وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَنَاوَلَهُمَا". وكذلك شرح لهم الكتب كما اعتاد أن يفعل في الماضي. وقد جعلت كلّ هذه الأشياء التي عملها الرّبّ يسوع كلّ من رآه يشعر أن الرّبّ لم يتغيّر وأنه كان لا يزال الرّبّ يسوع نفسه. ومع أنه كان مُسمّرًا على الصليب وجاز الموت، إلّا أنه قام ولم يترك البشر. عاد ليكون بين البشر ولم يتغيّر أيّ شيءٍ فيه. كان ابن الإنسان الواقف أمام الناس لا يزال هو نفسه الرّبّ يسوع. كان تصرّفه وطريقة حديثه مع الناس مألوفين للغاية. كان لا يزال مفعمًا بالمحبّة والنعمة والتسامح – كان لا يزال الرّبّ يسوع نفسه الذي أحبّ الآخرين مثلما أحبّ نفسه، والذي كان بإمكانه أن يغفر للبشر سبعين مرّةٍ سبع مرّاتٍ. وكما اعتاد دائمًا، كان يأكل مع الناس ويناقش معهم الكتب، والأهمّ من ذلك، ومثلما كان الأمر من قبل، كان مصنوعًا من لحمٍ ودم وكان يمكن لمسه ورؤيته. سمح ابن الإنسان للناس بالشعور بالقرب وبالراحة وبفرحة استعادة شيءٍ مفقود، وشعروا أيضًا بالراحة الكافية ليبدأوا بشجاعةٍ وثقة في الاعتماد على ابن الإنسان هذا الذي يمكنه أن يغفر للبشر خطاياهم والتطلّع إليه. بدأوا أيضًا في الصلاة باسم الرّبّ يسوع دون أدنى تردّدٍ، وفي الصلاة لنيل نعمته وبركته، وللحصول على السلام والفرح منه، وعلى الرعاية والحماية منه، وبدأوا في شفاء المرضى وإخراج الشياطين باسم الرّبّ يسوع.

خلال وقت عمل الرّبّ يسوع في الجسد، لم يتمكّن معظم أتباعه من التحقّق من هويّته والأشياء التي قالها. وعندما كان يقترب من الصليب كان موقف أتباعه موقف ترقب. ومنذ وقت أن كان مُسمّرًا على الصليب لحين وضعه في القبر، كان موقف الناس تجاهه موقف خيبة أملٍ. خلال هذا الوقت، كان الناس قد بدؤوا بالفعل بالانتقال في قلوبهم من الشكّ في الأشياء التي قالها الرّبّ يسوع خلال وقته في الجسد إلى إنكارها برمتها. وعندما خرج من القبر وظهر للناس واحدًا تلو الآخر، فإن غالبيّة الناس الذين رأوه بعيونهم أو سمعوا بخبر قيامته تحوّل موقفهم بالتدريج من الإنكار إلى التشكّك. لم يتقبّلوا حقًّا حقيقة أن الرّبّ يسوع هو المسيح في الجسد إلّا في الوقت الذي طلب فيه الرّبّ يسوع من توما أن يضع يده في جنبه، وفي الوقت الذي كسر فيه الرّبّ يسوع الخبز وأكله أمام الجموع بعد قيامته، وأتبعه بأكل سمكًا مشويًّا أمامهم. يمكنكم القول إنه كما لو كان هذا الجسد الروحانيّ من لحم ودم يقف أمام أولئك الناس وكان يُوقِظ كلّ واحدٍ منهم من حلم: ابن الإنسان الواقف أمامهم كان الشخص الذي كان موجودًا منذ الأزل. كانت له هيئة ولحم وعظام وكان قد عاش بالفعل وأكل مع البشر لفترةٍ طويلة...شعر الناس في هذا الوقت أن وجوده كان حقيقيًّا للغاية ورائعًا للغاية. في الوقت ذاته كانوا أيضًا فرحين وسعداء وتغمرهم العواطف. وقد سمح ظهوره من جديدٍ للناس بأن يروا تواضعه حقًّا ويشعروا بقربه من البشر وتعلّقه بهم، وأن يشعروا إلى أي مدى كان يفكر بهم. وهذا الوصال القصير جعل الناس الذين رأوا الرّبّ يسوع يشعرون كما لو أن دهرًا قد مرّ. فقلوبهم الضائعة والمرتبكة والخائفة والقلقة والتوّاقة وفاقدة الحسّ وجدت الراحة. ولم يعودوا متشكّكين أو خائبي الأمل، لأنهم شعروا أنه يوجد الآن رجاءٌ وشيءٌ يمكن الاعتماد عليه. فابن الإنسان الواقف حينئذ أمامهم سوف يكون حارسهم الخلفي طوال الوقت؛ وسوف يكون برجهم الحصين، وملجأهم إلى الأبد.

مع أن الرّبّ يسوع قام من الموت، إلّا إن قلبه وعمله لم يتركا البشر. أخبر الناس بظهوره لهم أنه بغضّ النظر عن الهيئة التي كان موجودًا بها فإنه كان يرافق الناس ويمشي معهم ويكون معهم في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن. أخبرهم أنه في جميع الأوقات وفي جميع الأماكن سيعول البشر ويرعاهم، ويسمح لهم برؤيته ولمسه، ويتأكّد من أنهم لن يشعروا بالبؤس أبدًا. أراد الرّبّ يسوع أيضًا أن يعرف الناس أنهم لا يعيشون وحدهم في هذا العالم. فالبشر يرعاهم الله والله معهم. الناس يمكنهم دائمًا الاعتماد على الله؛ فهو عائلة كلّ واحدٍ من أتباعه. وبوجود الله الذي يمكن أن يعتمد عليه البشر، لن يكونوا وحيدين أو عاجزين، وأولئك الذين يقبلونه باعتباره ذبيحةً عن خطاياهم لن تربطهم الخطيّة مرّةً أخرى. من وجهة نظر البشر، كانت أجزاء العمل هذه التي صنعها الرّبّ يسوع بعد قيامته أشياء صغيرة للغاية، ولكن من منظوري، كلّ شيءٍ فعله له معنى كبير وقيمة هائلة، كما أنها كانت جميعها في غاية الأهميّة والتأثير.

مع أن وقت عمل الرّبّ يسوع في الجسد كان مملوءًا بالمصاعب والمعاناة، إلّا أنه أنجز عمله إنجازًا تامًّا ومثاليًّا في ذلك الوقت في الجسد لفداء البشر من خلال ظهوره في جسده الروحانيّ من لحمٍ ودم. بدأ خدمته بأن صار جسدًا واختتم خدمته بأن ظهر للبشر في هيئته الجسديّة. أعلن عن عصر النعمة وبدأ العصر الجديد من خلال هويّته باعتباره المسيح. ومن خلال هويّته باعتباره المسيح أجرى العمل في عصر النعمة وقوّى جميع أتباعه في عصر النعمة وقادهم. يمكن القول عن عمل الله إنه ينهي حقًّا ما يبدأه. توجد خطواتٌ وخطّة، والعمل مملوء بحكمة الله وكليّة قدرته وأعماله الرائعة ومحبته ورحمته. وبالطبع، فإن العنصر الرئيسيّ الذي يُشكّل عمل الله بأكمله هو رعايته للبشر؛ فهو نافذٌ مع مشاعر اهتمامه لدرجة أنه لا يمكنه أن يضعه جانبًا. في هذه الآيات من الكتاب المُقدّس، في كلّ شيءٍ فعله الرّبّ يسوع بعد قيامته، كان ما انكشف هو آمال الله غير المتغيّرة واهتمامه بالبشر، بالإضافة إلى رعاية الله الدقيقة وعنايته بالبشر. لم يتغيّر شيءٌ من ذلك إلى يومنا هذا – هل يمكنكم رؤية هذا؟ عندما ترون هذا، ألا تقترب قلوبكم من الله دون وعي؟ إذا عشتم في ذلك العصر وظهر لكم الرّبّ يسوع بعد قيامته في شكلٍ ملموس يمكنكم أن تروه، وإذا جلس أمامكم وأكل الخبز والسمك وشرح لكم الكتب المقدسة وتكلّم معكم، فكيف كنتم ستشعرون؟ هل كنتم ستشعرون بالسعادة؟ أم تشعرون بالذنب؟ ألم تكن لتختفي جميعُ مظاهر سوء الفهم السابقة عن الله وتجنّب الله والصراعات مع الله والشكوك في الله؟ ألم تكن لتصبح العلاقة بين الله والإنسان أكثر طبيعية وملائمة؟

من خلال تفسير هذه الأصحاحات المحدودة من الكتاب المُقدّس، هل تجدون أيّة نقائص في شخصيّة الله؟ هل تجدون أيّ غشٍّ في محبّة الله؟ هل ترون أيّ خداعٍ أو شرٍّ في كليّة قدرة الله أو كليّة حكمته؟ كلا بالتأكيد! هل يمكنكم الآن القول على وجه اليقين إن الله قدوسٌ؟ هل يمكنكم القول على وجه اليقين إن مشاعر الله تكشف عن جوهره وشخصيّته؟ آمل بعد أن قرأتم هذه الكلمات أن يساعدكم ما فهمتموه ويُقدّم لكم الإفادة في سعيكم إلى تغيير الشخصيّة واتّقاء الله، وأن تؤتي ثمارًا لكم تنمو يومًا بعد يومٍ، ومن ثمّ تُقرّبكم أكثر فأكثر إلى الله في سياق هذا السعي، وتُقرّبكم أكثر فأكثر إلى المقياس الذي يطلبه الله. لن تعودوا تشعرون بالملل من السعي في طريق الحقّ ولا تعودون تشعرون بأن السعي في طريق الحقّ والتغيير في الشخصيّة شيءٌ مزعج أو زائد عن الحاجة. ولكن التعبير عن شخصيّة الله الحقيقيّة وجوهر الله القدوس هو بالأحرى الذي يُحفّزكم على أن تشتاقوا إلى النور وتشتاقوا للعدل وتتطلّعوا إلى السعي إلى الحقّ وتسعوا إلى إرضاء مشيئة الله، وستصيرون أشخاصًا ربحهم الله وتصيرون أشخاصًا حقيقيّين.

تحدّثنا اليوم عن أشياء معينة فعلها الله في عصر النعمة عندما تجسّد لأوّل مرّةٍ. ومن هذه الأشياء رأينا الشخصيّة التي عبّر عنها وكشفها في الجسد، وكذلك كلّ جانبٍ من جوانب ما لديه ومَنْ هو. تبدو جميع جوانب ما لديه ومَنْ هو هذه إنسانيّة للغاية، ولكن الحقيقة هي أن جوهر جميع ما كشفه وعبّر عنه لا ينفصل عن شخصيّته. فكلّ طريقةٍ وكلّ جانبٍ من جوانب الله المُتجسّد يُعبّر عن شخصيّته في الطبيعة البشرية يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجوهره. ولذلك، من المهمّ جدًّا أن يكون الله قد جاء إلى البشر عن طريق التجسّد. ومن المهم أيضًا العمل الذي صنعه في الجسد، ولكن الأهمّ لكلّ شخصٍ يعيش في الجسد، وكل شخص يعيش في الفساد، الشخصيّة التي كشف عنها والمشيئة التي عبّر عنها. هل يمكنكم فهم هذا الشيء؟ بعد فهم شخصيّة الله وما لديه ومَنْ هو، هل كوّنتم أيّة استنتاجاتٍ بخصوص الطريقة التي يجب أن تتعاملوا بها مع الله؟ أخيرًا، ردًّا على هذا السؤال، أودّ أن أقدّم لكم ثلاث نصائح: أوّلًا، لا تختبر الله. بغضّ النظر عن مقدار ما تفهمه عن الله، وبغضّ النظر عن مقدار ما تعرفه عن شخصيّته، لا تختبره مطلقًا. ثانيًا، لا تنافس الله على المكانة. بغضّ النظر عن نوع الحالة التي يعطيك الله إياها أو نوع العمل الذي يأتمنك عليه، وبغضّ النظر عن نوع الواجب الذي يقيمك لأدائه، وبغضّ النظر عن مقدار ما بذلته من نفسك وضحيت به من أجل الله، لا تنافس الله على المكانة مطلقًا. ثالثًا، لا تنافس الله. بغضّ النظر عمّا إذا كنت تفهم أو إذا كنت تستطيع أن تخضع لما يعمله الله معك، وما يُرتّبه لك، والأشياء التي يُقدّمها لك، لا تنافس الله مطلقًا. إذا استطعت تنفيذ هذه النصائح الثلاث، فسوف تكون آمنًا ولن تكون عرضة لإغضاب الله. عند هذا الحد ننهي مشاركة اليوم.

23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013

الحواشي:

(أ) تشير "تعويذة إحكام الطوق" إلى الرواية الصينيّة الشهيرة "رحلةٌ إلى الغرب"، التي يستخدم فيها الراهب شونزانغ تعويذةً لإخضاع الملك القرد تحت السيطرة عن طريق طوقٍ ذهبيّ موضوع على رأس الملك القرد يمكن شدّه بطريقةٍ سحريّة ممّا يُسبّب صداعًا لا يُطاق. وفيما بعد أصبحت استعارةً لتقييد الناس.

السابق: عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)

التالي: الله ذاته، الفريد (1)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب