الله ذاته، الفريد (1)
سلطان الله (أ)
كانت مشاركاتي المتعددة الأخيرة حول عمل الله، وشخصيّة الله، والله نفسه. بعد سماع هذه المشاركات، هل تشعرون أنكم اكتسبتم فهمًا لشخصيّة الله ومعرفةً بها؟ ما مدى ما اكتسبتموه من الفهم والمعرفة؟ هل يمكنكم تقديره بمقدارٍ ما؟ هل قدّمت لكم هذه الشركات فهمًا أعمق لله؟ هل يمكن القول بأن هذا الفهم هو معرفةٌ حقيقيّة بالله؟ هل يمكن القول بأن معرفة الله هذه وفهمه هما معرفةٌ لجوهر الله كلّه وماهيته وما لديه؟ لا، بالطبع لا! يعود السبب في ذلك إلى أن هذه الشركات لم تُقدّم سوى فهمٍ لجزءٍ من شخصيّة الله وماهيته وما لديه، وليس لها كلّها بأكملها. مكّنتكم هذه الشركات من فهم جزءٍ من العمل الذي أتمّه الله في الماضي، وخلال هذه الشركات عاينتم شخصيّة الله وماهيته وما لديه، بالإضافة إلى النهج والتفكير الكامن وراء كلّ شيءٍ أتمّه. ولكن هذا ليس إلّا فهمًا حرفيًّا منطوقًا لله؛ فأنتم في قلوبكم ما زلتم غير متأكّدين من مقدار ما هو حقيقيٌّ منه. ما الذي يُحدّد بشكلٍ أساسيّ ما إذا كان هناك أيّ واقعٍ لفهم الناس لمثل هذه الأشياء؟ يتحدّد ذلك بمقدار ما اختبروه حقًّا من كلام الله وشخصيّته خلال تجاربهم الفعليّة، ومقدار ما تمكّنوا من رؤيته ومعرفته خلال هذه الاختبارات الفعليّة. هل قال أحد كلمات مثل هذه: "أتاحت لنا الشركات العديدة الماضية فهم الأشياء التي أتمّها الله، وأفكار الله، وعلاوة على ذلك، موقف الله تجاه البشريّة وأساس تصرّفاته، بالإضافة إلى مبادئ تصرّفاته. وهكذا توصّلنا لفهم شخصيّة الله وعرفنا الله بالإجمال"؟ هل من الصواب قول هذا؟ من الواضح أنه ليس كذلك. ولماذا أقول إنه ليس من الصواب قول هذا؟ إن شخصيّة الله وماهيته وما لديه مُعبّرٌ عنها في الأشياء التي عملها والكلام الذي تكلّم به. يستطيع الإنسان أن ينظر ماهية الله وما لديه من خلال العمل الذي عمله والكلام الذي تكلّم به، ولكن هذا لا يعني سوى أن العمل والكلام يُمكّنان الإنسان من فهم جزءٍ من شخصيّة الله وجزءٍ من ماهيته وما لديه. إذا رغب الإنسان في الحصول على فهمٍ أكبر وأعمق لله، فينبغي عليه أن يختبر المزيد من كلام الله وعمله. على الرغم من أن الإنسان لا يحصل إلّا على فهمٍ جزئيّ لله عند اختبار جزءٍ من كلام الله أو عمله، فهل يُمثّل هذا الفهم الجزئيّ شخصيّة الله الحقيقيّة؟ هل يُمثّل جوهر الله؟ إنه يُمثّل بالطبع شخصيّة الله الحقيقيّة، وجوهر الله، وهذا لا شكّ فيه. بغضّ النظر عن الزمان أو المكان، أو الطريقة التي يعمل بها الله، أو الطريقة التي يظهر بها للإنسان، أو الطريقة التي يُعبّر بها عن إرادته، فإن كلّ ما يكشفه ويُعبّر عنه يُمثّل الله نفسه وجوهره وماهيته وما لديه. يُنفّذ الله عمله بماهيته وما لديه وبهويّته الحقيقيّة؛ وهذا صحيحٌ تمامًا. ومع ذلك، فإن الناس اليوم ليس لديهم سوى فهمٍ جزئيّ لله من خلال كلامه ومن خلال ما يسمعونه في الوعظ، وإلى حدٍّ مُعيّن لا يمكن القول سوى أن هذا الفهم معرفةٌ نظريّة. بالنظر إلى حالاتكم الفعليّة يمكنكم التحقّق من فهم الله أو معرفته التي سمعتموها أو شاهدتموها أو عرفتموها أو أدركتموها في قلوبكم اليوم إن اختبر كلٌّ منكم هذا في تجربته الفعليّة وتعرّف إليها شيئًا فشيئًا. إذا لم يكن لي شركة معكم بهذه الكلمات، فهل يمكنكم بلوغ المعرفة الحقيقيّة لله فقط من خلال تجاربكم؟ أخشى القول بأن هذا سيكون صعبًا للغاية. وهذا يرجع إلى أن الناس ينبغي أن يكون لديهم أوّلًا كلام الله لكي يعرفوا كيفيّة الاختبار. مهما يكن عدد كلام الله الذي يأكله الناس فهذا هو العدد نفسه الذي يمكن أن يختبروه بالفعل. كلام الله يقود الطريق إلى الأمام ويُوجّه الإنسان في اختباره. باختصارٍ، بالنسبة لمن لديهم بعضٌ من الاختبار الحقيقيّ، فإن هذه الشركات الأخيرة المُتعدّدة سوف تساعدهم على بلوغ فهمٍ أعمق للحقيقة ومعرفة أكثر واقعيةً لله. ولكن بالنسبة إلى من لا يملكون أيّ اختبارٍ حقيقيّ، أو الذين بدأوا للتوّ اختبارهم، أو بدأوا فقط في فهم الواقع، فإن هذا يُعدّ امتحانًا رائعًا.
كان المضمون الرئيسيّ للشركات المُتعدّدة الأخيرة يتعلّق "بشخصيّة الله، وعمل الله، والله نفسه". ماذا رأيتم في الأجزاء الأساسيّة والمركزيّة من كلّ شيءٍ تحدّثت عنه؟ من خلال هذه الشركات، هل يمكنكم إدراك أن من عمل العمل وكشف هذه الجوانب من شخصيته هو الله الفريد نفسه الذي يملك السيادة على جميع الأشياء؟ إذا كانت إجابتكم نعم، فما الذي يقودكم إلى مثل هذا الاستنتاج؟ كم عدد الجوانب التي أخذتموها في اعتباركم لتصلوا إلى هذا الاستنتاج؟ هل يمكن لأيّ أحدٍ أن يُخبِرني؟ أعلم أن الشركات الأخيرة أثّرت فيكم تأثيرًا عميقًا، وقدّمت بدايةً جديدة في قلوبكم لمعرفتكم الله، وهو أمرٌ رائع. ولكن على الرغم من أنكم بلغتم درجةً هائلة في فهمكم لله بالمقارنة مع ذي قبل، فإن تعريفكم لهويّة الله لم يتجاوز اسم يهوه الله في عهد الناموس، والرّبّ يسوع في عهد النعمة، والله القدير في عهد الملكوت؛ وهذا يعني أنه على الرغم من أن هذه الشركات حول "شخصيّة الله، وعمل الله، والله نفسه" قدّمت لكم بعض الفهم للكلام الذي قاله الله من قبل، والعمل الذي عمله الله من قبل، والصفات التي كشف عنها الله من قبل، فإنكم غير قادرين على تقديم تعريفٍ حقيقيّ وتوجيهٍ دقيق لكلمة "الله". كذلك لا تملكون توجيهات صحيحة ودقيقة ومعرفة بمكانة الله نفسه وهويّته، وهذا يعني مكانة الله بين جميع الأشياء وعبر الكون بأسره. يرجع السبب في ذلك إلى أنه، في الشركات السابقة حول الله نفسه وشخصيّة الله، كان المحتوى كلّه مبنيًّا على تعبيرات الله السابقة وإعلاناته المُسجّلة في الكتاب المُقدّس. ومع ذلك، يصعب على الإنسان أن يكتشف الذات والصفات التي كشف عنها الله وأظهرها في إطار أو خارج إطار تدبيره وخلاصه للبشريّة. ولذلك، حتّى لو فهمتم كيان الله وصفاته المُعلنة في العمل الذي عمله في الماضي، فإن تعريفكم لهويّة الله ومكانته ما زال بعيدًا عن "الله الفريد الواحد الذي يملك السيادة على جميع الأشياء"، ويختلف عن هويّة "الخالق" ومكانته. الشركات المُتعدّدة الأخيرة جعلت الجميع يشعرون الشعور نفسه: كيف يمكن للإنسان أن يعرف أفكار الله؟ إذا كان لأحدٍ أن يعرف حقًّا، فإنه لا بدّ وأن يكون الله، لأن الله وحده يعرف أفكاره الخاصة، والله وحده يعرف الأساس والأسلوب الكامن وراء كلّ شيءٍ يعمله. يبدو الأمر عقلانيًّا ومنطقيًّا لكم التعرف على هويّة الله بهذه الطريقة، ولكن من يمكنه أن يُخبِر من شخصيّة الله وعمله أن هذا هو بالفعل عمل الله نفسه، وليس عمل الإنسان، أي العمل الذي لا يمكن للإنسان إتمامه بالنيابة عن الله؟ من يستطيع أن يرى أن هذا العمل يقع تحت سيادة من له جوهر الله وقوّته؟ وهذا معناه، من خلال أيّة خصائص أو جوهرٍ تعرفون أنه هو الله نفسه الذي له هويّة الله وأنه من يملك السيادة على كلّ شيءٍ؟ هل فكرتم في ذلك؟ إذا لم تكونوا قد فكرّتم، فإن هذا يثبت حقيقةً واحدة: أن الشركات المُتعدّدة الأخيرة لم تُقدّم لكم سوى بعض الفهم للحقبة التاريخيّة التي عمل فيها الله عمله، ونهج الله، وإظهاراته، وإعلاناته خلال هذا العمل. على الرغم من أن هذا الفهم يجعل كلًّا منكم يُدرِك دون أدنى شكٍّ أن من عمل هاتين المرحلتين من العمل هو الله نفسه الذي تؤمنون به وتتبعونه، ومن يتعيّن عليكم دائمًا أن تتبعوه، فإنكم ما زلتم غير قادرين على إدراك أنه هو الله الموجود منذ خلق العالم، والذي يدوم وجوده إلى الأبد، كما أنكم غير قادرين على إدراك أنه من يقود البشريّة جمعاء ويسود عليها. بالتأكيد لم تُفكّروا في هذه المشكلة من قبل. سواء كان يهوه أو الرّبّ يسوع، ما جوانب الجوهر والإعلان التي يمكنكم من خلالها إدراك أنه ليس فقط هو الله الذي يتعيّن عليكم أن تتبعوه بل أيضًا من يأمر البشريّة ويملك السيادة على مصير البشريّة، وأنه علاوة على ذلك الله الفريد نفسه الذي يملك السيادة على السماء والأرض وجميع الأشياء؟ من خلال أيّة قنواتٍ تعرفون بأن من تؤمنون به وتتبعونه هو الله نفسه الذي يملك السيادة على جميع الأشياء؟ من خلال أيّة قنوات تربطون بين الإله الذي تؤمنون به والإله الذي يملك السيادة على مصير البشريّة؟ ما الذي يسمح لكم بمعرفة أن الإله الذي تؤمنون به هو الله الفريد نفسه الذي هو في السماء وعلى الأرض، وبين جميع الأشياء؟ هذه هي المشكلة التي سوف أحلّها في القسم التالي.
المشاكل التي لم تُفكّروا بها مطلقًا أو لا يمكنكم التفكير فيها يمكن أن تكون هي الأكثر أهميّة لمعرفة الله، والتي يمكن فيها البحث عن حقائق مبهمة للإنسان. عندما تحلّ بكم هذه المشاكل بحيث يتعيّن عليكم مواجهتها والقيام بالاختيار، فإذا لم تتمكّنوا من حلّها بالكامل بسبب حماقتكم وجهلكم، أو لأن تجاربكم سطحيّةٌ جدًّا وكنتم تفتقرون إلى معرفةٍ حقيقيّة لله، فسوف تصبح أكبر عائقٍ وأشدّ مانعٍ في طريق إيمانكم بالله. ولذلك أشعر أنه من الضروريّ للغاية الاشتراك معكم بخصوص هذا الموضوع. هل تعرفون ما هي مشكلتكم الآن؟ هل تتّضح لكم المشاكل التي أتحدّث عنها؟ هل هذه هي المشاكل التي سوف تواجهونها؟ هل هي المشاكل التي لا تفهمونها؟ هل هي المشاكل التي لم تحدث لكم مطلقًا؟ هل هذه المشاكل مهمّةٌ بالنسبة لكم؟ هل هي حقًّا مشاكل؟ هذه المسألة مصدر ارتباكٍ كبير لكم، وهذا يدلّ على أنكم لا تملكون فهمًا حقيقيًّا لله الذي تؤمنون به، وأنكم لا تأخذونه على محمل الجدّ. يقول بعض الناس "أنا أعلم أنه الله، ولذلك أتبعه، لأن كلامه هو تعبير الله. وهذا يكفي. ما الدليل الأكثر المطلوب؟ من المؤكّد أننا لسنا بحاجةٍ لإثارة الشكوك حول الله. من المؤكّد أنه ليس من المفترض أن نختبر الله. من المؤكّد أننا لسنا بحاجةٍ للشكّ في جوهر الله وهويّة الله نفسه؟". بغضّ النظر عمّا إذا كنتم تُفكّرون بهذه الطريقة، فإنني لا أطرح مثل هذه الأسئلة لأسبّب لكم الارتباك تجاه الله، أو لأجعلكم تختبرونه، ولا طبعًا لأثير بينكم شكوكًا حول هويّة الله وجوهره. ولكني أفعل ذلك لأشجّع فيكم فهمًا أكبر لجوهر الله ويقينًا أكبر وإيمانًا أوفر بمكانة الله، حتّى يصبح الله هو الإله الواحد في قلب كلّ من يتبعون الله، وحتّى يمكن استعادة المكانة الأصليّة لله – بصفته الخالق، حاكم جميع الأشياء، الله الفريد نفسه – في قلب كلّ مخلوقٍ. هذا هو أيضًا الموضوع الذي سوف أقوم بشركة بخصوصه.
دعونا الآن نبدأ في قراءة النصوص التالية من الكتاب المُقدّس.
1. الله يستخدم الكلام لخلق جميع الأشياء
(التكوين 1: 3-5) "وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى ٱللهُ ٱلنُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ ٱللهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلنُّورَ نَهَارًا، وَٱلظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا".
(التكوين 1: 6-7) "وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ". فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ. وَكَانَ كَذَلِكَ".
(التكوين 1: 9-11) "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ". وَكَانَ كَذَلِكَ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ ٱلْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ".
(التكوين 1: 14-15) "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ".
(التكوين 1: 20-21) "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَفِضِ ٱلْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ ٱلْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ". فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلتَّنَانِينَ ٱلْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحيَّةِ ٱلدَّبَّابَةِ ٱلْتِى فَاضَتْ بِهَا ٱلْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ".
(التكوين 1: 24-25) "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا". وَكَانَ كَذَلِكَ. فَعَمِلَ ٱللهُ وُحُوشَ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَٱلْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ".
في اليوم الأوّل يولد نهارُ البشريّة وليلُها ويَثبُتان بفضل سلطان الله
دعونا ننظر في المقطع الأوّل: "وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى ٱللهُ ٱلنُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ ٱللهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلنُّورَ نَهَارًا، وَٱلظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا" (التكوين 1: 3-5). يصف هذا المقطع أوّل عملٍ لله في بداية الخلق، واليوم الأوّل الذي قضاه الله وكان له مساءٌ وصباح. ولكنه كان يومًا استثنائيًّا: فالله بدأ يُجهّز النور لجميع الأشياء، وعلاوة على ذلك، فصل بين النور والظلمة. بدأ الله يتكلّم في هذا اليوم، وتوحّد كلامه وسلطانه جنبًا إلى جنبٍ. بدأ سلطانه في الظهور بين جميع الأشياء، وانتشرت قوّته بين جميع الأشياء نتيجةً لكلامه. من هذا اليوم فصاعدًا، تشكّلت جميع الأشياء وثبتت بسبب كلام الله، وسلطان الله، وقوّة الله، وبدأت في العمل بفضل كلام الله، وسلطان الله، وقوّة الله. عندما قال الله "لِيَكُنْ نُورٌ"، كان نورٌ. لم يشرع الله في أيّ برنامج أعمال؛ فالنور ظهر نتيجةً لكلامه. كان هذا هو النور الذي دعاه الله نهارًا، والذي لا يزال يعتمد عليه الإنسان في وجوده اليوم. وبأمر الله، لم يتغيّر جوهره وقيمته قط، ولم يختفِ مطلقًا. يكشف وجوده سلطان الله وقوّته، ويُعلِن وجود الخالق، ويُؤكّد، مرارًا وتكرارًا، هويّة الخالق ومكانته. إنه ليس نورًا معنوياً أو وهميًّا، ولكنه نورٌ حقيقيّ يمكن أن يراه الإنسان. من ذلك الوقت فصاعدًا، في هذا العالم الخالي الذي كانت فيه "وَكَانَتِ ٱلْأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ"، ظهر أوّل شيءٍ ماديّ. جاء هذا الشيء من كلام الله، وظهر في أوّل عملٍ من خلق جميع الأشياء بسبب سلطان الله وكلامه. وبعد فترةٍ وجيزة، أمر الله بأن ينفصل النور عن الظلمة...تغيّر كلّ شيءٍ واكتمل بسبب كلام الله...دعا الله هذا النور "نهارًا"، والظلمة دعاها "ليلًا". في ذلك الوقت، ظهر أوّل مساءٍ وأوّل صباحٍ في العالم الذي أراد الله خلقه، وقال الله إن هذا كان اليوم الأوّل. كان هذا اليوم هو اليوم الأوّل من خلق الخالق لجميع الأشياء، وكان بداية خلق جميع الأشياء، وكان المرّة الأولى التي ظهر فيها سلطان الخالق وقوّته في هذا العالم الذي خلقه.
يستطيع الإنسان من خلال هذا الكلام أن ينظر إلى سلطان الله، وسلطان كلام الله، وكذلك قوّة الله. لا يملك أحدٌ سوى الله مثل هذه القوّة، وبالتالي لا يملك أحدٌ سوى الله مثل هذا السلطان، ولأن الله يملك مثل هذا السلطان فإن الله وحده هو من يملك مثل هذه القوّة. هل يمكن لأيّ إنسانٍ أو كائنٍ أن يملك مثل هذا السلطان والقوّة؟ هل هناك جوابٌ في قلوبكم؟ بصرف النظر عن الله، هل يملك أيّ مخلوقٍ أو غير مخلوقٍ هذا السلطان؟ هل سبق وشاهدتم مثالًا على مثل هذا الشيء في أيّ كتابٍ أو إصدار؟ هل هناك أيّ سجلٍ بأن شخصًا ما خلق السموات والأرض وجميع الأشياء؟ لا يظهر هذا في أيّة كتبٍ أو سجلّات أخرى؛ فهذه بالطبع هي الكلمات الوحيدة الموثوقة والقويّة عن خلق الله البديع للعالم، والتي يُسجّلها الكتاب المُقدّس، وهذه الكلمات تتحدّث عن سلطان الله وهويته الفريدين. هل يمكن القول بأن هذا السلطان والقوّة يرمزان إلى الهويّة الفريدة لله؟ هل يمكن القول بأن الله يملكها، وليس سواه؟ لا شكّ أن الله وحده يملك مثل هذا السلطان والقوّة! لا يمكن لأيّ مخلوقٍ أو غير مخلوقٍ أن يملك مثل هذا السلطان والقوّة أو يحلّ محلّهما! هل هذه واحدةٌ من سمات الله الفريد نفسه؟ هل شهدتم على ذلك؟ هذه الكلمات سرعان ما تسمح للناس بوضوحٍ بفهم حقيقة أن الله يملك سلطانًا فريدًا وقوّة فريدة وهويّة ومكانة ساميتين. من هذه الخدمة أعلاه، هل يمكنكم القول بأن الله الذي تؤمنون به هو الله الفريد نفسه؟
في اليوم الثاني، يُرتّب سلطان الله المياه ويصنع الجَلَد ويظهر فضاءٌ من أجل البقاء الأساسيّ للبشر
دعونا نقرأ المقطع الثاني من الكتاب المُقدّس: "وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ". فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ. وَكَانَ كَذَلِكَ" (التكوين 1: 6-7). ما التغيّرات التي حدثت بعد أن قال الله "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ"؟ يقول الكتاب المُقدّس: "فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ". ماذا كانت النتيجة بعد أن تكلّم الله وعمل هذا؟ تكمن الإجابة في الجزء الأخير من المقطع: "وَكَانَ كَذَلِكَ".
تُسجّل هاتان العبارتان القصيرتان حدثًا رائعًا وتصفان مشهدًا بديعًا – المبادرة الهائلة التي نظّم فيها الله المياه وخلق فضاءً يمكن أن يوجد فيه الإنسان...
في هذه الصورة تظهر المياه والجَلَد أمام عينيّ الله في لحظةٍ، وينقسمان من خلال سلطان كلام الله، وينفصلان إلى "أعلى" و"أسفل" بالطريقة التي يُعيّنها الله. وهذا يعني أن الجَلَد الذي خلقه الله لم يكن يغطي المياه من أسفل وحسب، بل كان يمسك المياه من أعلى أيضًا...وفي هذا لا يسع الإنسان سوى أن يحدق النظر ويقف مذهولًا وينبهر إعجابًا بقوة سلطانه أمام روعة المشهد الذي سيّر فيه الخالق المياه وسيطر عليها وخلق الجَلَد. من خلال كلام الله، وقوّة الله، وسلطان الله، حقّق الله إنجازًا عظيمًا آخر. أليست هذه هي قوّة سلطان الخالق؟ دعونا نستخدم الأسفار المُقدّسة لشرح أفعال الله: تكلّم الله بكلامه، وبسبب كلام الله هذا كان هناك جَلَدٌ في وسط المياه. وفي الوقت نفسه، حدث تغييرٌ هائل في هذا الفضاء بسبب كلام الله هذا، ولم يكن تغييرًا بالمعنى العاديّ، بل نوعًا من الاستبدال صار فيه العدم شيئًا. وُلِدَ من أفكار الخالق، وأصبح شيئًا من العدم بسبب الكلام الذي تكلّم به الخالق، وعلاوة على ذلك، من هذه النقطة فصاعدًا أصبح مصيره الوجود والثبات من أجل الخالق وتحوّل وتغيّر وتجدّد بحسب أفكار الخالق. يصف هذا المقطع الفعل الثاني من أفعال الخالق في خلقه للعالم كلّه. كان تعبيرًا آخر عن سلطان الخالق وقوّته، وعملًا رائدًا آخر من أعمال الخالق. كان هذا اليوم هو اليوم الثاني الذي مرّ به الخالق منذ تأسيس العالم، وكان يومًا رائعًا آخر له: سار بين النور وصنع الجَلَد ورتّب المياه وحكمها، وتوحّدت أفعاله وسلطانه وقوّته للعمل في اليومٍ الجديد...
هل كان هناك جَلَدٌ في وسط المياه قبل أن ينطق الله كلامه؟ بالطبع لا! وماذا بعد أن قال الله: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ"؟ ظهرت الأشياء التي أرادها الله؛ كان هناك جَلَدٌ في وسط المياه وانفصلت المياه لأن الله قال: "وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ". وبهذه الطريقة، بعد كلام الله، ظهر شيئان جديدان، شيئان حديثان بين جميع الأشياء كنتيجةٍ لسلطان الله وقوّته. وما شعوركم إزاء ظهور هذين الشيئين الجديدين؟ هل تشعرون بعظمة قوّة الخالق؟ هل تشعرون بالقوة الفريدة والاستثنائيّة للخالق؟ ترجع عظمة هذه القوّة إلى سلطان الله، وهذا السلطان تمثيلٌ لله نفسه، وسمةٌ فريدة لله نفسه.
هل أضفى عليكم هذا المقطع مرة أخرى شعورًا عميقًا آخر بتفرّد الله؟ الواقع أن هذا أبعد ما يكون عن أن يكون أمرًا كافيًا؛ فسلطان الخالق وقوّته يتجاوزان ذلك كثيرًا. لا يقتصر تفرّده على أن له جوهراً يختلف عن جوهر أيّ مخلوقٍ، ولكن أيضًا لأن سلطانه وقوّته لا مثيل لهما ولا حدود لهما ويتجاوزان كلّ شيءٍ ويتساميان على كلّ شيءٍ، وعلاوة على ذلك، لأن سلطانه وماهيته وما لديه يمكنهما خلق الحياة وصنع المعجزات، ويمكنهما إبداع كلّ دقيقةٍ وثانية مدهشة واستثنائيّة، وفي الوقت نفسه، يمكنه أن يحكم الحياة التي يخلقها ويملك السيادة على المعجزات وعلى كلّ دقيقةٍ وثانية يخلقها.
في اليوم الثالث ولد كلام الله الأرض والبحار وسلطان الله جعل العالم يحفل بالحياة
دعونا نقرأ فيما بعد الجملة الأولى من التكوين 1: 9-11: "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ". ما التغيّرات التي حدثت بعد أن قال الله: "لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ"؟ وما الذي كان في هذا الفضاء بخلاف النور والجَلَد؟ مكتوبٌ في الأسفار المُقدّسة: "وَدَعَا ٱللهُ ٱلْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ ٱلْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". وهذا يعني أنه صارت توجد الآن الأرض والبحار في هذا الفضاء، وأن الأرض انفصلت عن البحار. كان ظهور هذه الأشياء الجديدة يتبع الأمر الصادر من فم الله: "وَكَانَ كَذَلِكَ". هل تصف الأسفار المُقدّسة الله مندفعًا بينما كان يفعل ذلك؟ هل تصفه منخرطًا في عملٍ بدنيّ؟ إذًا، كيف عمل الله هذا؟ كيف أحدث الله هذه الأشياء الجديدة؟ من الواضح أن الله استخدم الكلام لتحقيق هذا كلّه، ولخلق هذا كلّه.
في المقاطع الثلاثة المذكورة أعلاه، علمنا بحدوث ثلاثة أحداثٍ كبرى. ظهرت هذه الأحداث الكبرى الثلاثة إلى حيّز الوجود من خلال كلام الله، وبسبب كلام الله ظهرت هذه الأحداث واحدًا تلو الآخر أمام عيني الله. وهكذا يمكن أن نرى أن الكلمات "لِأَنَّهُ قَالَ فَكَانَ. هُوَ أَمَرَ فَصَارَ، وسوف يبقى ثابتاً" ليست كلمات جوفاء. جوهر الله مُؤكّدٌ في اللحظة التي يتم فيها تصوّر أفكاره، وعندما يفتح الله فاه ليتكلّم فإنه يُعبّر عن جوهره بالكامل.
دعونا نواصل إلى الجملة الأخيرة من هذا المقطع: "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ". بينما كان الله يتكلّم، ظهرت جميع هذه الأشياء إلى حيّز الوجود بعد أفكار الله، وفي لحظةٍ، كانت مجموعةٌ متنوّعة من أشكال الحياة الصغيرة الرقيقة تظهر برؤوسها من خلال التربة وقبل أن تزيل حتّى أجزاء التراب من على أجسادها كانت تُلوّح في لهفةٍ لبعضها البعض في تحيّةٍ وإيماءة وبسمة للعالم. كانت تشكر الخالق على الحياة التي منحها لها، وتُعلِن للعالم أنها جزءٌ من جميع الأشياء، وأن كلًّا منها سوف يُكرِس حياته لإظهار سلطان الخالق. عندما نطق الله كلامه، أصبحت الأرض خصبةً وخضراء، ونبتت جميع أنواع الأعشاب التي يمكن أن يتمتّع بها الإنسان وخرجت من الأرض، وأصبحت الجبال والسهول عامرةً بالأشجار والغابات...أمّا هذا العالم القاحل، الذي لم يكن فيه أيّ أثرٍ للحياة، فتغطّى بسرعةٍ بمقدارٍ وفير من الحشائش والأعشاب والأشجار وصار يفيض بالخضرة...انتشر عبير العشب ورائحة التربة عبر الهواء، وبدأت مجموعةٌ من النباتات تتنفّس بالتوازي مع دوران الهواء، وبدأت عملية النموّ. وفي الوقت نفسه، بفضل كلام الله واتّباع أفكار الله، بدأت جميع النباتات دورات الحياة الدائمة التي تنمو فيها وتُزهِر وتحمل الثمار وتتكاثر. بدأت في التقيّد الصارم بدورات حياتها، وبدأت في أداء أدوارها بين جميع الأشياء...وُلِدَت جميعها وعاشت بسبب كلام الخالق. صارت تنال التدبير والعناية المتواصلين من الخالق، وأصبحت تتشبث دوماً بالبقاء في كلّ ركنٍ من أركان الأرض لإظهار سلطان الخالق وقوّته، وأصبحت تُظهِر دائمًا قوّة الحياة التي منحها الخالق إياها...
إن حياة الخالق استثنائيّة، وأفكاره استثنائيّة، وسلطانه استثنائيّ، وهكذا فإنه عندما نُطِقَ كلامه كانت النتيجة النهائيّة: "وَكَانَ كَذَلِكَ". من الواضح أن الله ليس بحاجةٍ للعمل بيديه؛ ولكنه يستخدم أفكاره وحسب للحكم وكلامه لإصدار أوامره، وبهذه الطريقة تتحقّق الأشياء. في هذا اليوم، جمع الله المياه معًا إلى مكانٍ واحد وجعل اليابسة تظهر، وبعد ذلك جعل الله العشب ينبت من الأرض، فنمت الأعشاب والبقول التي تُبزِر البذور والأشجار التي تحمل الفاكهة، وصنّفها الله بحسب نوعها وجعل لكلٍّ منها بذرتها. تحقّق هذا كلّه وفقًا لأفكار الله وأوامر كلام الله، وظهرت كلٌّ منها، واحدةً فواحدة، في هذا العالم الجديد.
قبل أن يبدأ الله عمله، كانت لديه بالفعل صورةٌ لما كان ينوي تحقيقه في ذهنه، وعندما بدأ الله في تحقيق هذه الأشياء، وأيضًا عندما فتح الله فاه ليتحدّث عن محتوى هذه الصورة، بدأت التغييرات في جميع الأشياء تحدث بفضل سلطان الله وقوّته. بصرف النظر عن كيفيّة قيام الله بذلك أو كيفيّة مباشرته لسلطانه، تحقّق كلّ شيءٍ خطوةً بخطوةٍ وفقًا لخطّة الله وبسبب كلام الله، وحدثت التغييرات خطوةً بخطوةٍ بين السماء والأرض بفضل كلام الله وسلطانه. أظهرت جميع هذه التغييرات والأحداث سلطان الخالق، وتفرّد وعظمة قوّة حياة الخالق. أفكاره ليست أفكارًا بسيطة أو صورةً فارغة، ولكنها سلطانٌ يملك حيويّة وطاقة استثنائيّتين، وهي القدرة على جعل جميع الأشياء تتغيّر وتنتعش وتتجدّد وتفنى. وبسبب هذا، تعمل جميع الأشياء بسبب أفكاره، وفي الوقت نفسه، فإنها تتحقّق بسبب الكلمات من فمه...
قبل أن تظهر جميع الأشياء، تشكّلت في أفكار الله خطّةٌ كاملة منذ القِدَم، وتحقّق عالمٌ جديد منذ زمنٍ بعيد. وعلى الرغم من أنه في اليوم الثالث ظهرت جميع أنواع النباتات على الأرض، فإن الله لم يكن لديه أيّ سببٍ يجعله يوقف خطوات خلقه لهذا العالم. لقد قصد الاستمرار في نطق كلامه، والاستمرار في تحقيق خلق كلّ شيءٍ جديد. كان يتكلّم ويُصدِر أوامره ويمارس سلطانه ويُظهِر قوّته، وقد أعدّ كلّ شيءٍ خطّط لإعداده لجميع الأشياء والبشريّة التي قصد أن يخلقها...
في اليوم الرابع تُخلَق مواسم البشريّة وأيامها وسنونها فيما يمارس الله سلطانه مرّةً أخرى
استخدم الخالق كلماته لإنجاز خطّته، وبهذه الطريقة أمضى الأيام الثلاثة الأولى من خطّته. خلال هذه الأيام الثلاثة، لم يكن الله مشغولًا أو مُرهِقًا نفسه؛ ولكن على العكس من ذلك أمضى ثلاثة أيامٍ رائعة من خطّته، وحقّق العمل العظيم المُتمثّل في التحوّل الجذريّ للعالم. ظهر عالمٌ جديد تمامًا أمام عينيه، والصورة الجميلة التي كانت مغلقةً في أفكاره انكشفت أخيرًا قطعةً قطعة في كلام الله. كان ظهور كلّ شيءٍ جديد أشبه بولادة طفلٍ، وسُرّ الخالق بالصورة التي كانت في أفكاره ذات يومٍ ولكنها ظهرت اليوم إلى حيّز الوجود. في هذا الوقت، نال قلبه قسطًا من الرضا، لكن خطّته كانت قد بدأت للتوّ. في غمضة عينٍ وصل يومٌ جديد – وماذا كانت الصفحة التالية في خطّة الخالق؟ ماذا قال؟ وكيف مارس سلطانه؟ في خلال ذلك، ما الأشياء الجديدة التي ظهرت في هذا العالم الجديد؟ بعد إرشاد الخالق، ننظر في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء، وهو يومٌ كان بدايةً جديدة أخرى. كان الخالق يعتبره بالطبع وبلا شكٍّ يومًا رائعًا آخر، ويومًا آخر له أهميّةٌ قصوى للبشريّة اليوم. كان بالطبع يومًا له قيمةٌ لا تُقدّر بثمنٍ. ما مدى روعته، وما مقدار أهميّته، وما مدى قيمته؟ دعونا نستمع أوّلًا إلى الكلمات التي تحدّث بها الخالق...
"وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ" (التكوين 1: 14-15). كان هذا مجهودٌ آخر لسلطان الله الذي أظهرته المخلوقات بعد خلقه لليابسة الجافة والنباتات الموجودة فوقها. رأى الله أن مثل هذا العمل كان بسهولة ما عمله من قبل؛ لأن الله يملك مثل هذه القوّة؛ الله صالحٌ صلاح كلمته، وكلمته لا بدّ أن تُنجَز. أمر الله بأن تظهر الأنوار في السماء، وهذه الأنوار لم تُشرِق في السماء وعلى الأرض فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة علامات للنهار والليل والفصول والأيام والسنوات. وبهذه الطريقة، فيما كان الله ينطق كلامه كان كلّ عملٍ أراد الله تحقيقه يتحقّق وفقًا لقصد الله وبالطريقة التي عيّنها الله.
الأنوار في السماء مادةٌ في السحاب يمكنها أن تشعّ الضوء ويمكنها أن تضيء السماء والأرض والبحار. إنها تدور وفقًا للإيقاع والتكرار اللذين قرّرهما الله، وتضيء فترات زمنيّة مختلفة على الأرض، وبهذه الطريقة فإن حركات دوران الأنوار تُحدِث الليل والنهار في الشرق والغرب من الأرض، وليست فقط علامات لليل والنهار ولكنها أيضًا من خلال هذه الدورات المختلفة تُحدّد الأعياد والأيام الخاصة المختلفة للبشريّة. إنها التكملة المثاليّة للفصول الأربعة ورفيقها: الربيع والصيف والخريف والشتاء – التي يُصدِرها الله، والتي تؤدي معها الأنوار في اتّساقٍ دور العلامات المنتظمة والدقيقة للفترات والأيام والسنين القمريّة للبشريّة. على الرغم من أن البشريّة لم تفهم وتواجه توزيع الفترات والأيام والسنين القمريّة التي تُحدِثها الأنوار التي خلقها الله إلّا بعد ظهور الزراعة، فإن الفترات والأيام والسنين القمريّة كما يفهمها الإنسان اليوم بدأت تظهر في الواقع في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء، وكذلك دورات التبادل للربيع والصيف والخريف والشتاء التي يمرّ بها الإنسان بدأت منذ زمنٍ بعيد في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء. وقد مكّنت الأنوارُ التي خلقها الله الإنسانَ من التفريق بانتظامٍ ووضوح بين الليل والنهار، وحساب الأيام، والتتبّع الواضح للفترات والسنوات القمريّة. (كان يوم اكتمال القمر هو اكتمال الشهر، ومن هذا عرف الإنسان أن إضاءة الأنوار بدأت دورةً جديدة؛ وكان يوم عدم اكتمال القمر "الهلال" هو اكتمال نصف شهرٍ، والذي عرف الإنسان من خلاله بداية فترةٍ قمريّة جديدة ويمكن من خلاله استنتاج عدد الأيام والليالي في الفترة القمريّة، وعدد الفترات القمريّة في الفصل، وعدد الفصول في السنة، وكان هذا يتجلّى بانتظامٍ شديد). وهكذا تمكّن الإنسان بسهولةٍ من تتبّع الفترات والأيام والسنين القمريّة التي تُميّزها دورات حركة الأنوار. من هذه النقطة فصاعدًا عاشت البشريّة وجميع الأشياء بلا وعيٍ بين التبادل المُنظّم لليل والنهار وتعاقب الفصول بفضل دورات الأنوار. كانت هذه هي أهميّة خلق الخالق للأنوار في اليوم الرابع. وبالمثل، لا تزال أهداف وأهميّة هذا العمل الذي أتمّه الخالق لا تنفصل عن سلطانه وقوّته. وهكذا فإن الأنوار التي صنعها الله والقيمة التي كانت ستُقدّمها للإنسان في وقتٍ قريب معلمًا رئيسيًّا آخر في ممارسة سلطان الخالق.
في هذا العالم الجديد، قبل ظهور البشر، كان الخالق قد أعدّ المساء والصباح والجَلَد واليابسة والبحار والحشائش والأعشاب ومختلف أنواع الأشجار والأنوار والفصول والأيام والسنوات من أجل الحياة الجديدة التي سوف يخلقها عن قريبٍ. تمّ التعبير عن سلطان الخالق وقوّته في كلّ شيءٍ جديد خلقه، كما أن كلماته وإنجازاته وقعت في وقتٍ واحد، دون أدنى تناقض، ودون أدنى فاصلٍ. كان ظهور جميع هذه الأشياء الجديدة وميلادها دليلًا على سلطان الخالق وقوّته: إنه صالحٌ صلاح كلمته، ويتعيّن أن تُنجَزَ كلمته، وأن يدوم ما ينجزه إلى الأبد. لم تتغيّر هذه الحقيقة مطلقًا: فهكذا كانت في الماضي، وهكذا هي اليوم، وهكذا ستكون إلى الأبد. عندما تنظرون مرّةً أخرى في تلك الكلمات من الكتاب المُقدّس، هل تبدو لكم جديدة؟ هل رأيتم محتوىً جديداً وقمتم باكتشافات جديدة؟ يرجع السبب في ذلك إلى أن أفعال الخالق حرّكت قلوبكم وقادت مسار معرفتكم لسلطانه وقوّته وفتحت الباب أمام فهمكم للخالق، كما أن أعماله وسلطانه وهبا الحياة لهذه الكلمات. وهكذا رأى الإنسان في هذه الكلمات تعبيرًا حقيقيًّا وحيويًّا عن سلطان الخالق وشهد حقًّا تفوّق الخالق ورأى تفرّد سلطان الخالق وقوّته.
يخلق سلطان الخالق وقوّته معجزةً بعد معجزةٍ، ويجذبان انتباه الإنسان فما يكون منه سوى أن ينبهر أيما انبهارٍ بالأفعال المدهشة المتولّدة من ممارسة الخالق سلطانه. كما أن قوّته الهائلة تجلب سرورًا بلا انتهاءٍ فيُترك الإنسان مبتهجًا وفرحًا؛ إذ ينبهر إعجابًا ومهابةً وبهجةً؛ وعلاوة على ذلك، يتأثّر الإنسان بكلّ وضوحٍ ويتولّد فيه الاحترام والإجلال والتعلّق. سلطان الخالق وأعماله لها تأثيرٌ كبير في روح الإنسان وطهارة لها، كما أنها تُشبِع روح الإنسان. كلّ فكرةٍ من أفكاره، وكلّ قولٍ من أقواله، وكلّ إعلانٍ عن سلطانه تحفةٌ بين جميع الأشياء، وإنجازٌ عظيم يستحقّ الفهم والمعرفة العميقين من البشريّة المخلوقة. عندما نحسب كلّ مخلوقٍ وُلِدَ من كلام الخالق، تنجذب أرواحنا إلى روعة قوّة الله، ونجد أنفسنا نتبع آثار أقدام الخالق إلى اليوم التالي: اليوم الخامس من خلق الله جميع الأشياء.
دعونا نواصل قراءة الكتاب المُقدّس فقرةً فقرة فيما ننظر إلى المزيد من أعمال الخالق.
في اليوم الخامس، تكشف الحياة بمختلف أشكالها المتنوّعة سلطان الخالق بطرقٍ مختلفة
يقول الكتاب المُقدّس: "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَفِضِ ٱلْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ ٱلْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ". فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلتَّنَانِينَ ٱلْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحيَّةِ ٱلدَّبَّابَةِ ٱلْتِى فَاضَتْ بِهَا ٱلْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ" (التكوين 1: 20-21). يُخبِرنا الكتاب المُقدّس بوضوحٍ أن الله في هذا اليوم صنع مخلوقات المياه وطيور الهواء، أي أنه خلق مختلف الأسماك والطيور وصنّفها حسب نوعها. وبهذه الطريقة أَثْرَت الأرض والسماء والمياه بخليقة الله...
عندما نطق الله كلامه، ظهرت حياةٌ جديدة بشكلٍ مختلف على الفور عند سماع كلام الخالق. ظهرت في العالم تتنافس على مكانتها وتطفر وتمرح فرحًا...الأسماك من جميع الأشكال والأحجام سبحت في المياه، والمحار من جميع الأنواع ظهر من الرمال، والمخلوقات المُصغّرة والمُقشّرة واللافقاريّة نمت بسرعةٍ في أشكالٍ مختلفة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، أو طويلة أو قصيرة. وكذلك بدأت أنواعٌ مختلفة من الأعشاب البحريّة تنمو بسرعةٍ وتتمايل بحسب حركة الحياة المائيّة المختلفة وتتموّج وتعصف بالمياه الراكدة، كما لو كانت تقول لها: "حرّكي نفسكِ! أحضري أصدقاءكِ! لأنكِ لن تكوني وحدكِ مرّةً أخرى!". منذ اللحظة التي ظهرت فيها الكائنات الحيّة المختلفة التي خلقها الله في الماء، جلبت كلّ حياةٍ جديدة الحيويّةَ إلى المياه التي كانت هادئة لفترةٍ طويلة مُعلِنةً بذلك عصرًا جديدًا...ومن تلك النقطة فصاعدًا، احتضنت إحداها الأخرى، وأقامت معًا في شراكةٍ، ولم تبتعد إحداها عن الأخرى. كانت المياه موجودة للمخلوقات التي فيها تُغذّي كلّ حياةٍ تعيش في حضنها، وكلّ حياةٍ وُجِدَتْ من أجل الماء بسبب تغذيّتها. كان كلٌّ منها يمنح الحياة للآخر، وفي الوقت نفسه، يشهد على إعجاز خليقة الخالق وعظمتها، والقوّة الفائقة لسلطان الخالق...
بما أن البحر لم يعد صامتًا، هكذا أيضًا بدأت الحياة تملأ السماء. بدأت الطيور، كبيرها وصغيرها، تطير بالتدريج إلى السماء من الأرض. وعلى خلاف مخلوقات البحر، كانت لها أجنحةٌ وريش يغطي أجسامها الرقيقة الرشيقة. كانت ترفرف بأجنحتها، مُبديةً بفخرٍ وسرور غطاءَها الرائع من الريش ومهامها ومهاراتها الخاصة التي منحها إياها الخالق. كانت تُحلّق في انسيابيّةٍ متنقلةً بمهارةٍ بين السماء والأرض وعبر المراعي والغابات...كانت الطيور صديقةً للهواء، وصديقةً لجميع الأشياء. وكانت في طريقها لتصبح الصلة بين السماء والأرض وناقلًا للرسائل إلى جميع الأشياء...كانت تُغنّي وتتدافع وتجلب المرح والضحك والحيويّة إلى هذا العالم الفارغ...كانت تستخدم غناءها الواضح الشجن، وتستخدم الكلمات في قلوبها لتسبيح الخالق على الحياة الممنوحة لها. كانت ترقص بابتهاجٍ لإظهار كمال خليقة الخالق وإعجازها مُكرّسةً حياتها كلّها للشهادة على سلطان الخالق من خلال الحياة الخاصة التي وهبها إياها...
بغضّ النظر عمّا إذا كانت المخلوقات في الماء أو في السماء، كان هذا العدد الكبير من الكائنات الحيّة بأمر الخالق موجودًا في التكوينات المختلفة للحياة، وبأمر الخالق، تجمّعت معًا وفقًا لأنواعها – وهذا القانون، أي هذه القاعدة، كان غير قابلٍ للتغيير من جانب أيّة مخلوقاتٍ. لم تجرؤ مطلقًا على تجاوز الحدود التي وضعها لها الخالق، ولم تقدر على ذلك. عاشت وتكاثرت حسب تعيين الخالق، والتزمت التزامًا صريحًا بمسار الحياة والقوانين التي وضعها لها الخالق، والتزمت في وعيٍ بأوامره غير المعلنة وبالمراسيم والمبادئ السماوية التي أعطاها لها، وصولًا إلى هذا اليوم. كانت تتجاذب أطراف الحديث مع الخالق بطريقتها الخاصة، وأدركت معنى الخالق، وأطاعت أوامره. لم يتجاوز أحدها سلطان الخالق، كما أن سيادته وإشرافه عليها كان يتمّ في سياق أفكاره؛ لم تصدر أيّة كلماتٍ، ولكن السلطان الذي كان يتسّم به الخالق كان يحكم جميع الأشياء في صمتٍ لم تكن له وظائف لغويّة وكان يختلف عن البشريّة. وممارسة الخالق سلطانه بهذه الطريقة الخاصة دفعت الإنسان لاكتساب معرفة جديدة وتقديم تفسير جديد لسلطان الخالق الفريد. ينبغي أن أخبرك هنا أنه في هذا اليوم الجديد أظهرت ممارسة الخالق سلطانه تفرّد الخالق مرّةً أخرى.
دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على الجملة الأخيرة من هذا المقطع من الكتاب المُقدّس: "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". ما معنى هذا برأيكم؟ مشاعر الله مُتضمّنةٌ في هذه الكلمات. راقب الله جميع الأشياء التي خلقها تظهر إلى الوجود وتثبت بسبب كلامه، وبدأت بالتغيّر تدريجيًّا. في هذا الوقت، هل كان الله راضيًا عن الأشياء المختلفة التي صنعها بكلامه، والأفعال المختلفة التي حقّقها؟ الجواب هو "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". ماذا ترون هنا؟ ما معنى "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"؟ إلى ماذا يرمز هذا؟ هذا يعني أن الله كان يملك القوّة والحكمة لتحقيق ما خطّط له ووضعه، وتحقيق الأهداف التي وضعها لإنجازها. عندما أكمل الله كلّ مهمّةٍ، هل شعر بالندم؟ ما زالت الإجابة قائمة: "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". وهذا يعني أن الله لم يشعر بالندم، ولكنه كان في المقابل راضيًا. ماذا يعني أنه لم يشعر بالندم؟ يعني أن خطّة الله كاملة وأن قوّته وحكمته تامّتان، وأنه بسلطانه وحده يمكن بلوغ هذا الكمال. عندما يُكمِل المرء مهمّةً، هل يمكنه، مثل الله، أن يرى أنها جيّدة؟ هل يمكن لكلّ شيءٍ يعمله الإنسان بلوغ الكمال؟ هل يمكن للإنسان أن يُكمِل شيئًا ما مرّةً واحدة وإلى الأبد؟ تماماً كما يقول الإنسان: "لا يوجد شيءٌ مثاليّ، ولكن هناك ما هو أفضل". لا شيء يعمله الإنسان يبلغ الكمال. عندما رأى الله أن كلّ ما فعله وحقّقه كان حسنًا، وأن كلّ ما صنعه الله قد وضعه كلامه، أي عندما "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"، فإن كلّ ما صنعه اتّخذ شكلًا دائمًا وجرى تصنيفه وفقًا للنوع واتّخذ موضعًا وغرضًا ودورًا ثابتًا مرّةً واحدة وإلى الأبد. وعلاوة على ذلك، فإن دورها بين جميع الأشياء، والرحلة التي يتعيّن عليها أن تأخذها أثناء تدبير الله لجميع الأشياء، كان الله قد سبق وعيّنها بالفعل، وكانت غير قابلةٍ للتغيير. كان هذا هو الناموس السماويّ الذي أعطاه الخالق لجميع الأشياء.
"رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ": هذه الكلمات البسيطة التي لا تحظى بالتقدير وغالبًا ما يكون مصيرها التجاهل، هي كلمات الناموس السماويّ والمرسوم السماويّ الذي يمنحه الله لجميع المخلوقات. إنها تجسيدٌ آخر لسلطان الخالق، وهي تجسيدٌ أكثر عمليّة وعمقًا. لم يستطع الخالق، من خلال كلامه، أن يكسب كلّ ما أراد أن يكسبه ويُحقّق كلّ ما شرع في تحقيقه فحسب، ولكنه استطاع أيضًا أن يحكم بين يديه جميع ما خلقه وأن يسود على جميع الأشياء التي صنعها بموجب سلطانه، وعلاوة على ذلك، كان كلّ شيءٍ منتظمًا وثابتًا. تكاثرت جميع الأشياء أيضًا ووُجدت وهلكت بكلمته، وعلاوة على ذلك، فإنها كانت موجودة بسلطانه في ظلّ الناموس الذي وضعه، ولم يكن هناك استثناءٌ! بدأ هذا الناموس في اللحظة التي "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"، وكان في طريقه ليكون موجودًا ومستمرًّا وعاملًا من أجل خطّة تدبير الله وصولًا إلى اليوم الذي يلغيها فيه الخالق! لم يتضّح السلطان الفريد للخالق في قدرته على خلق جميع الأشياء والأمر بظهور جميع الأشياء إلى حيّز الوجود فحسب، ولكن أيضًا في قدرته على الحكم والسيادة على جميع الأشياء، وإضفاء الحياة والحيويّة على جميع الأشياء، وعلاوة على ذلك، في قدرته على أن يجعل، مرّةً واحدة وإلى الأبد، جميع الأشياء التي سيخلقها بحسب خطّته تظهر وتوجد في العالم الذي صنعه في شكلٍ مثاليّ وبنيةٍ حياتيّة مثاليّة ودور مثاليّ. واتّضح أيضًا في الطريقة التي لا تكون فيها أفكار الخالق خاضعةً لأيّة قيودٍ أو محدودة بالزمان أو المكان أو الجغرافيا. ومثل سلطانه، يجب أن تبقى الهويّة الفريدة للخالق دون تغييرٍ من الأزل وإلى الأبد. يجب أن يكون سلطانه على الدوام تمثيلًا ورمزًا لهويّته الفريدة ويجب أن يظلّ سلطانه موجودًا جنبًا إلى جنبٍ مع هويّته!
في اليوم السادس، يتكلّم الخالق فيظهر كلّ نوعٍ من الكائنات الحيّة واحدًا تلو الآخر بحسب فكره
استمرّ عمل الخالق بالتدريج في صنع جميع الأشياء لمدة خمسة أيامٍ، وبعد ذلك مباشرةً رحّب الخالق باليوم السادس من خلقه لجميع الأشياء. كان هذا اليوم بدايةً أخرى جديدة، ويومًا استثنائيًّا آخر. ماذا كانت إذًا خطّة الخالق عشية هذا اليوم الجديد؟ ما المخلوقات الجديدة التي كان سيُنتجها وسيخلقها؟ أنصت، هذا هو صوت الخالق...
"وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا". وَكَانَ كَذَلِكَ. فَعَمِلَ ٱللهُ وُحُوشَ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَٱلْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ" (التكوين 1: 24-25). ما الكائنات الحيّة المُتضمَّنة؟ يقول الكتاب المُقدّس: البهائم والدبّابات ووحوش الأرض كأجناسها. وهذا يعني أنه في هذا اليوم لم تكن هناك أنواعٌ مختلفة من الكائنات الحيّة على الأرض فحسب، بل كانت أيضاً كلّها مُصنّفةٌ بحسب أنواعها، وبالمثل "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ".
مثلما هو الحال في الأيام الخمسة الماضية، تكلم الخالق بالطريقة نفسها وأمر بميلاد الكائنات الحيّة التي أرادها؛ فظهرت على الأرض كأجناسها. عندما يمارس الخالق سلطانه فلا تكون كلمةٌ واحدة من كلامه عبثًا، وهكذا، ظهر في اليوم السادس كلّ كائنٍ حيّ قصد أن يخلقه في الوقت المُحدّد. وفيما قال الخالق: "لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا"، امتلأت الأرض حالًا بالحياة وظهرت فجأةً على الأرض أنفاس جميع أنواع الكائنات الحيّة...في البريّة الخضراء العشبيّة ظهرت الأبقار السمينة تهزّ ذيولها ذهابًا وإيابًا، واحدةً تلو الأخرى، وتجمّعت الأغنام بصوت ثغائها في قطعانٍ، وبدأت الخيول بصهيلها في الهرولة...وفي لحظةٍ طفرت المساحات الشاسعة من الأراضي العشبيّة الصامتة تنبض بالحياة...كان ظهور هذه الحيوانات المختلفة مشهدًا جميلًا على المروج الهادئة، وأحدث حيويّةً لا حدود لها...سوف تصبح هذه الكائنات رفقاء المراعي وسادتها، بحيث يعتمد كلّ واحدٍ على الآخر؛ وسوف تصبح الأوصياء والحُرّاس على هذه الأراضي التي ستكون موطنها الدائم والتي ستُوفّر لها كلّ ما تحتاج إليه، مصدرًا للغذاء الضامن لوجودها إلى الأبد...
في اليوم نفسه الذي ظهرت فيه هذه الثروة الحيوانيّة المختلفة، بكلمة الخالق، ظهرت مجموعةٌ كبيرة من الحشرات أيضًا، الواحدة تلو الأخرى. على الرغم من أنها كانت أصغر الكائنات الحيّة من بين جميع المخلوقات، إلّا أن قوّة حياتها كانت لا تزال الخليقة العجيبة للخالق، ولم تظهر في أوانٍ مُتأخّر...كانت بعض الأنواع ترفرف بأجنحةٍ صغيرة بينما كانت أنواعٌ أخرى تزحف ببطءٍ؛ كان بعضها يقفز واثبًا وبعضها يتمايل؛ كان بعضها يندفع إلى الأمام وبعضها يتراجع إلى الوراء؛ كان بعضها يتحرّك من الجنب وبعضها يقفز صعودًا وهبوطًا...كانت جميع الأنواع مشغولةً في محاولة العثور على مساكن لها: كان بعضها يندفع في طريقها إلى الحشائش وبعضها يحفر ثقوبًا في الأرض وبعضها يطير على الأشجار وبعضها يختبئ في الغابات...وعلى الرغم من صغر حجمها، إلّا أنها لم تكن راغبةً في تحمّل عذاب المعدة الفارغة، وبعد العثور على مساكنها سارعت للبحث عن الطعام لإطعام أنفسها. كانت بعض الأنواع تقفز على العشب لتلتهم حوافه الطريّة وبعضها تنتزع بأفواهها الوحل وتبتلعه إلى داخل بطونها، وتتناول الطعام بكثيرٍ من اللذة والسرور (فبالنسبة لها كان الوحل حتّى وليمةً طيّبة المذاق)؛ وبعضها كانت مختبئة في الغابات لكنها لم تتوقّف عن الراحة حيث أن العصارة داخل الأوراق الخضراء الداكنة اللامعة كانت تُوفّر وجبةً لذيذة...وبعد شعور الحشرات بالشبع لم تتوقّف عن نشاطها؛ فعلى الرغم من صغر قوامها، كانت تملك طاقةً هائلة وحيويّة لا حدود لها، وهكذا فإنها من بين جميع المخلوقات الأكثر نشاطًا والأكثر مجهودًا. لم تعرف معنىً للكسل، ولم تنغمس مطلقًا في الراحة. فبُمجرّد إشباع شهيتها تستمرّ في أداء أعمالها من أجل مستقبلها، وتُشغِل أنفسها وتعمل من أجل الغد، من أجل بقائها...وفي هدوءٍ يصدر عنها طنين ألحانٍ وإيقاعاتٍ مختلفة لتشجيع وحثّ أنفسها. كما أنها تضفي الفرح على العشب والأشجار وكلّ شبرٍ من الأرض، مما يجعل كلّ يومٍ وكلّ عامٍ فريدًا من نوعه...ومن خلال لغاتها وطرقها الخاصة كانت تنقل المعلومات إلى جميع الكائنات الحيّة على الأرض. وباستخدام دورة حياتها الخاصة، كانت تضع علامةً على جميع الأشياء وتترك عليها آثارها...كانت تتوافق توافقًا مباشرًا مع الأرض والعشب والغابات، وتجلب النشاط والحيويّة للأرض والعشب والغابات، وكانت تُقدّم إرشادات الخالق وتحيّاته إلى جميع الكائنات الحيّة...
رأى الخالق جميع الأشياء التي خلقها، وفي هذه اللحظة توقّف نظره على الغابات والجبال فدار عقله. عندما نطق كلامه، في الغابات الكثيفة، وعلى الجبال، ظهر نوعٌ من المخلوقات يختلف عن أيّ مخلوقٍ ظهر من قبل: كانت هذه هي الحيوانات البريّة التي أمر الله بظهورها. كانت منذ زمانٍ طويل تُحرّك رؤوسها وتهزّ ذيولها، وكان لكلٍّ منها وجهٌ فريد. كان بعضها تغطيه طبقات الفرو، وبعضها مُدرّعة، وبعضها بأنيابٍ، وبعضها يكسوها العبوس، وبعضها بعنقٍ طويل، وبعضها بذيلٍ قصير، وبعضها بعينين بريّتين، وبعضها بنظرةٍ خجولة، وبعضها بانحناءةٍ لأكل العشب، وبعضها بدماءٍ عند أفواهها، وبعضها تثب على ساقين، وبعضها تركض على أربعة حوافر، وبعضها تنظر في الفضاء فوق الأشجار، وبعضها تكمن في الغابات، وبعضها تبحث عن الكهوف للراحة، وبعضها تركض وتمرح على السهول، وبعضها تطوف عبر الغابات...؛ كانت بعضها تزأر، وبعضها تعوي، وبعضها تنبح، وبعضها تصرخ...؛ كانت بعضها تُصدِر أصواتًا أنثويّة، وبعضها تُصدِر أصواتًا ذكوريّة، وبعضها جهوريّة الصوت، وبعضها تُصدِر أصواتًا واضحة شجيّة...؛ كانت بعضها مُتجهّمة، وبعضها جميلة، وبعضها مثيرة للاشمئزاز، وبعضها رائعة، وبعضها مخيفة، وبعضها ساذجة بشكلٍ ساحر...ظهرت الواحدة تلو الأخرى. انظر كم هي رفيعة المستوى وقوية، وتسودها روح حماسية، وغير مباليةٍ بعضها بالبعض الآخر وبدون عناء إلقاء نظرةٍ بعضها على بعض...كان كلٌ منها يحمل الحياة المُعيّنة التي منحها إياها الخالق وطابعها البريّ والحيوانيّ، وظهرت في الغابات وعلى الجبال. هذه الكائنات التي تحتقر الجميع والمتغطرسة هي السادة الحقيقيّين للجبال والغابات في نهاية المطاف. من اللحظة التي رسم فيها الخالق مظهرها، "وضعت يدها" على الغابات، وعلى الجبال، لأن الخالق ختم حدودها بالفعل وحدّد نطاق وجودها. كانت الأسياد الحقيقيّة للجبال والغابات، ولهذا السبب كانت مُتوحّشة للغاية وموضع احتقارٍ شديد. كانت تُسمّى "الحيوانات البريّة" لأنه، من بين جميع المخلوقات، كانت هي الحيوانات البريّة حقًّا والوحشيّة وغير المُروّضة. لم يكن من الممكن ترويضها، ولذلك لم يكن من الممكن تدجينها وعيشها في وئامٍ مع الجنس البشريّ أو للعمل بالنيابة عن البشر. ولأنه لم يكن من الممكن تدجينها أو عملها مع البشر كان عليها أن تعيش بعيدةً عن البشر ولم يتمكّن الإنسان من الاقتراب منها. وبما أنها عاشت على مسافةٍ من البشر ولم يتمكّن الإنسان من الاقتراب منها، استطاعت بدورها الوفاء بالمسؤوليّة التي منحها إياها الخالق: حراسة الجبال والغابات. فطابعها الوحشي حمى الجبال وحرس الغابات، وكان أفضل حمايةٍ وضمان لوجودها وانتشارها. وفي الوقت نفسه، حافظ طابعها الوحشي وضمن التوازن بين جميع الأشياء، ضمن قدومُها الدعمَ والحماية للجبال والغابات؛ وأضفى وصولها نشاطًا وحيويّة بلا حدودٍ للجبال والغابات الساكنة الفارغة. من هذه النقطة فصاعدًا، أصبحت الجبال والغابات موطنًا دائمًا لها ولم تترك مساكنها قط، لأنه م أجلها كان ظهور الجبال والغابات ووجودها، وكانت الحيوانات البريّة ستُؤدّي واجبها وتفعل كلّ ما في وسعها لحراستها. وهكذا أيضًا كانت الحيوانات البريّة ستلتزم التزامًا صارمًا بأوامر الخالق بالتمسّك بنطاق أرضها والاستمرار في استخدام طبيعتها البريّة للحفاظ على التوازن بين جميع الأشياء التي وضعها الخالق وإظهار سلطان الخالق وقوّته!
جميع الأشياء كاملة في ظلّ سلطان الخالق
جميع الأشياء التي خلقها الله، بما في ذلك تلك الأشياء التي كان بإمكانها ولم يكن بإمكانها الحركة، مثل الطيور والأسماك والأشجار والزهور، وبما في ذلك الماشية والحشرات والحيوانات البريّة المخلوقة في اليوم السادس، كانت جميعها جيّدةً في نظر الله، وعلاوة على ذلك، فإن هذه الأشياء في نظر الله ووفقًا لخطّته بلغت جميعها ذروة الكمال ووصلت إلى المعايير التي أراد الله تحقيقها. أتمّ الله العمل الذي كان يعتزم عمله خطوةً بخطوةٍ وفقًا لخطّته. وبالتدريج ظهرت الأشياء التي كان يقصد خلقها وكان ظهور كلّ منها انعكاسًا لسلطان الخالق وإيضاحًا لسلطانه، وبسبب هذه الإيضاحات لم يكن بوسع جميع المخلوقات سوى شكر نعمة الخالق وتدبيره. وكما أظهرت أعمال الله العجيبة نفسها تضخّم هذا العالم، قطعةً قطعة، مع جميع الأشياء التي خلقها الله، وتغيّر من الفوضى والظلام إلى الوضوح والإشراق، ومن السكون المميت إلى الطاقة والحيويّة بلا حدودٍ. من بين جميع أشياء الخليقة، من كبيرها إلى صغيرها، ومن صغيرها إلى المجهريّ فيها، لم يكن هناك أيّ شيءٍ لم يخلقه سلطان الخالق وقوّته، وكانت هناك ضرورةٌ وقيمة فريدتان وضروريّتان لوجود كلّ مخلوقٍ. وبغضّ النظر عن الاختلافات في شكلها وتركيبها، كان يتعيّن أن يصنعها الخالق لتكون موجودة في ظلّ سلطان الخالق. أحيانًا ما يرى الناس حشرةً، وتكون قبيحة للغاية، فيقولون: "هذه الحشرة كريهة للغاية، ومن المستحيل أن يكون هذا الشيء المريع قد خلقه الله، فليس من الوارد أن يصنع شيئًا قبيحًا مثل هذا". يا له من رأي مغفّل! ولكن ما يجب أن يقولوه هو: "على الرغم من أن هذه الحشرة قبيحة جدًّا، إلّا أنه الله صنعها ولذلك لا بدّ أن يكون لها هدفها الفريد". كان الله يقصد في أفكاره إضفاء كلّ مظهرٍ وجميع أنواع المهام والاستخدامات على الكائنات الحيّة المختلفة التي خلقها، وهكذا لا يوجد أيّ شيءٍ من الأشياء التي صنعها الله مأخوذٌ من النسيج نفسه. من تركيبها الخارجيّ إلى الداخليّ، ومن عاداتها المعيشيّة إلى موقع إقامتها – فإن كلًّا منها مختلف. فالأبقار لها مظهر الأبقار والحمير لها مظهر الحمير والغزلان لها مظهر الغزلان والأفيال لها مظهر الأفيال. هل يمكنك تحديد أيّها الأجمل وأيّها الأقبح؟ هل يمكن أن تقول أيّها الأكثر فائدة ووجود أيّها هو الأقلّ ضرورة؟ يحبّ بعض الناس مظهر الأفيال، ولكن أحدًا لا يستخدم الأفيال في زراعة الحقول؛ ويحبّ بعض الناس مظهر الأسود والنمور لأن مظهرها هو الأكثر إثارة للإعجاب من بين جميع الأشياء، ولكن هل يمكنك الاحتفاظ بها كحيواناتٍ أليفة؟ باختصارٍ، عندما يتعلّق الأمر بأمور الخلق التي لا تحصى، يجب أن يذعن المرء لسلطان الخالق، أي أن يذعن لسيادة الخالق على جميع الأشياء؛ هذا هو الموقف الأكثر حكمة. فموقف البحث عن النوايا الأصليّة للخالق وطاعتها هو وحده القبول والتأكيد الحقيقيّين لسلطان الخالق. وهذا أمر جيد في نظر الله، فما السبب الذي يجعل الإنسان يتصيّد الأخطاء؟
وهكذا، فإن المفروض بجميع الأشياء الخاضعة لسلطان الخالق أن تعزف سيمفونيّة جديدة لسلطان الخالق، وأن تبدأ مُقدّمةً رائعة لعمله في اليوم الجديد، وفي هذه اللحظة يفتح الخالق أيضًا صفحةً جديدة في عمل تدبيره! وفقًا للقانون الذي عينه الخالق للبراعم الجديدة في الربيع والتي تنضج في الصيف والحصاد في الخريف والمخزون في الشتاء، تردد جميع الأشياء أصداء خطّة تدبير الخالق وتُرحّب بقدوم يومها الجديد وبدايتها الجديدة ودورة حياتها الجديدة، كما أنها سوف تستمر في العيش وتتكاثر في تعاقبٍ لا نهاية له من أجل الترحيب بكلّ يومٍ في ظلّ سيادة سلطان الخالق...
لا شيء من الكائنات المخلوقة وغير المخلوقة يمكنه أن يحلّ محلّ هويّة الخالق
منذ بدأ الله خلق جميع الأشياء، بدأ التعبيرُ والإعلان عن قوّة الله؛ لأن الله استخدم الكلمات لخلق جميع الأشياء. وبغضّ النظر عن الطريقة التي خلقها بها، وبغضّ النظر عن سبب خلقه إياها، ظهرت جميع الأشياء إلى حيّز الوجود وبقيت ووُجِدَتْ بسبب كلام الله، وهذا هو السلطان الفريد للخالق. في الوقت الذي سبق ظهور البشر في العالم، استخدم الخالق قوّته وسلطانه لخلق جميع الأشياء للبشر، واستخدم أساليبه الفريدة لإعداد بيئة معيشيّة ملائمة للبشر. كان كلّ ما عمله تهيئةً للبشر، الذين سرعان ما سرت فيهم أنفاسه. وهذا يعني أنه في الوقت السابق لخلق البشر، ظهر سلطان الله في جميع المخلوقات المختلفة عن البشر، في أشياءٍ كبيرة بحجم السماوات والأنوار والبحار واليابسة، وفي أشياءٍ صغيرة بحجم الحيوانات والطيور، وكذلك في جميع أنواع الحشرات والكائنات الدقيقة، بما في ذلك سائر أنواع البكتيريا التي لا تراها العين المُجرّدة. منح الخالق الحياة لكلٍّ منها بكلامه، وتكاثر كلٌّ منها بسبب كلام الخالق، وعاش كلٌّ منها في ظلّ سلطان الخالق بسبب كلامه. وعلى الرغم من أنها لم تتلقّ نَسَمَةَ الخالق، فقد ظلت تظهر حيوية الحياة التي منحها إيّاها الخالق من خلال أشكالها وهياكلها المختلفة؛ وعلى الرغم من أنها لم تنعم بالقدرة على التحدّث التي وهبها الخالق للإنسان، فإن كلًّا منها حصل على طريقةٍ للتعبير عن حياته التي منحها إياها الخالق، والتي اختلفت عن اللغة البشريّة. سلطان الخالق لا يمنح حيويّة الحياة إلى الأشياء الماديّة الثابتة فحسب بحيث لا تختفي أبدًا، ولكنه يمنح أيضًا الغريزة للتكاثر والتزايد لكلّ كائنٍ حيّ بحيث لا يختفي، وبحيث تنقل قوانين ومبادئ البقاء التي وهبها إياها الخالق جيلًا بعد جيلٍ. الطريقة التي يمارس بها الخالق سلطانه لا تلتزم التزامًا صارمًا بمنظورٍ كلّيّ أو جزئيّ، ولا تقتصر على أيّ شكلٍ؛ فهو قادرٌ على إدارة عمليّات الكون، وله السيادة على حياة جميع الأشياء وموتها، وعلاوة على ذلك، فإنه قادرٌ على تحريك جميع الأشياء بحيث تخدمه. يمكنه تدبير جميع حركات الجبال والأنهار والبحيرات وحكم جميع الأشياء التي بداخلها، وفوق ذلك، فهو قادرٌ على توفير ما ينقص جميع الأشياء. هذا إظهار السلطان الفريد للخالق بين جميع الأشياء إلى جانب البشر. ومثل هذا الإظهار ليس فقط لمدى الحياة؛ فهو لا يتوقّف أبدًا ولا يهدأ، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو شيء تغييره أو إتلافه، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو شيء زيادته أو إنقاصه – فلا شيء يمكنه أن يحلّ محلّ هويّة الخالق، وبالتالي، فإن سلطان الخالق لا يمكن أن يحلّ محلّه أيّ كائنٍ مخلوق، ولا يمكن أن يبلغه أيّ كائنٍ غير مخلوقٍ. مثال ذلك رسل الله وملائكته. إنهم لا يملكون قوّة الله، فضلًا عن سلطان الخالق، والسبب في أنهم لا يملكون قوّة الله وسلطانه هو أنهم لا يملكون جوهر الخالق. الكائنات غير المخلوقة، مثل رسل الله وملائكته، على الرغم من أنه يمكنها عمل بعض الأشياء بالنيابة عن الله، فإنه لا يمكنها تمثيل الله. على الرغم من أنها تملك بعض القوّة التي لا يملكها الإنسان، فإنها لا تملك سلطان الله، أي أنها لا تملك سلطان الله لخلق جميع الأشياء وحكم جميع الأشياء والسيادة على جميع الأشياء. وهكذا فإن تفرّد الله لا يمكن أن يحلّ محلّه أيّ كائنٍ غير مخلوقٍ، وبالمثل، فإن سلطان الله وقوّته لا يمكن أن يحلّ محلّهما أيّ كائنٍ غير مخلوقٍ. هل قرأت في الكتاب المُقدّس عن أيّ رسولٍ من رسل الله خلق جميع الأشياء؟ ولماذا لم يُرسِل الله أيًّا من رسله أو ملائكته ليخلق جميع الأشياء؟ لأنها لم تكن تملك سلطان الله، وبالتالي لم تكن تملك القدرة على ممارسة سلطان الله. إنها جميعًا، مثل جميع المخلوقات، تخضع لسيادة الخالق وتخضع لسلطان الخالق، وهكذا، بالطريقة نفسها، فإن الخالق هو إلهها أيضًا وسلطانها أيضًا. من بين كلّ واحدٍ منها – سواء كانت كائنات نبيلة أو وضيعة، وسواء كانت عظيمة أو ضعيفة القدرة – لا يوجد واحدٌ منها يمكنه أن يتجاوز سلطان الخالق، ولا يوجد واحدٌ منها يمكنه أن يحلّ محلّ هويّة الخالق. لا يمكن تسميتها الله مطلقًا، ولن تتمكّن على الإطلاق من أن تصبح الخالق. هذه حقائق ووقائع ثابتة!
من خلال الخدمة أعلاه، هل يمكننا التأكيد على ما يلي: ألا يمكن إطلاق اسم الله الفريد نفسه سوى على خالق وحاكم جميع الأشياء، من يملك السلطان الفريد والقوّة الفريدة؟ ربّما تشعرون في هذه المرحلة أن مثل هذا السؤال عميقٌ جدًّا. لا يمكنكم في هذا الوقت فهمه ولا يمكنكم تصوّر الجوهر في الداخل، وهكذا فإنكم الآن تشعرون أنه من الصعب تقديم الإجابة. في هذه الحالة، سوف أستمر في شركتي. وبعد ذلك، سوف أسمح لكم بالنظر في الأعمال الفعليّة للعديد من جوانب السلطان والقوّة لله وحده، وبالتالي سوف أسمح لكم بفهم وتقدير ومعرفة حقيقة تفرّد الله ومعنى سلطان الله الفريد.
2. الله يستخدم كلامه لإرساء ميثاقٍ مع الإنسان
(التكوين 9: 11-13) "أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلَا يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ ٱلطُّوفَانِ. وَلَا يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ ٱلْأَرْضَ"؟ وَقَالَ ٱللهُ: "هَذِهِ عَلَامَةُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحَيَّةِ ٱلَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ ٱلدَّهْرِ. وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ فَتَكُونُ عَلَامَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْأَرْضِ".
بعد أن يصنع الله جميع الأشياء يتم التأكيد على سلطان الخالق وإظهاره مرّةً أخرى في ميثاق قوس قزح
يظهر سلطان الخالق دائمًا بين جميع المخلوقات، وهو لا يحكم مصير جميع الأشياء فقط، بل يحكم الإنسان أيضًا، ذلك المخلوق الخاص الذي خلقه بيديه ويملك تكوينًا حياتيًّا مختلفًا ويوجد في شكلٍ مختلف من أشكال الحياة. بعد أن خلق الخالق جميع الأشياء لم يتوقّف عن التعبير عن سلطانه وقوّته؛ السلطان التي كان يملك به السيادة على جميع الأشياء ومصير البشريّة كلّها لم يبدأ رسميًّا بالنسبة إليه إلّا بُمجرّد أن خلق الإنسان بيديه. كان ينوي أن يُدبّر البشر، وأن يسود عليهم، وأن يُخلّصهم، وأن يكسبهم حقًّا بحيث يمكنه أن يسود على جميع الأشياء، وكان ينوي أن يجعل مثل هؤلاء البشر يعيشون في ظلّ سلطانه، ويعرفون سلطانهويطيعونه. وهكذا، بدأ الله التعبير رسميًّا عن سلطانه بين البشر باستخدام كلامه، وبدأ في استخدام سلطانه لتحقيق كلامه. بالطبع، ظهر سلطان الله في جميع الأماكن خلال هذه العمليّة؛ اخترتُ فقط بعض الأمثلة المُحدّدة والمعروفة التي قد تفهمون من خلالها وتعرفون تفرّد الله وسلطانه الفريد.
هناك تشابهٌ بين المقطع الوارد في التكوين 9: 11-13 والمقاطع أعلاه فيما يتعلّق بسجلّ خلق الله للعالم، ولكنْ هناك اختلافٌ أيضًا. ما هو وجه التشابه؟ يكمن التشابه في استخدام الله للكلمات لعمل ما كان يقصد عمله، والاختلاف هو أن النصوص المقتبسة هنا تمثل حديث الله مع الإنسان، الذي أقام فيه ميثاقًا مع الإنسان وأخبر الإنسان بمضمون الميثاق. تحقّق هذا الإنفاذ لسلطان الله خلال حواره مع الإنسان، وهذا معناه أنه قبل أن يخلق الله البشر كانت كلماته تعليمات وأوامر صدرت إلى المخلوقات التي قصد أن يخلقها. ولكن الآن صار هناك شخصٌ ما يسمع كلام الله، وهكذا كان كلامه حوارًا مع الإنسان وأيضًا تحفيزًا ونصحًا للإنسان، وعلاوة على ذلك، كانت كلمات الله وصايا حملت سلطانه وتم إيصالها إلى جميع الأشياء.
ما عمل الله الذي يُسجّله هذا المقطع؟ إنه يُسجّل الميثاق الذي أقامه الله مع الإنسان بعد إهلاك العالم بالطوفان، ويُخبِر الإنسان بأن الله لن يُهلِك العالم مرّةً أخرى، وبأنه لهذا الغرض خلق الله علامةً – وماذا كانت هذه العلامة؟ يقول الكتاب المُقدّس: "وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ فَتَكُونُ عَلَامَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْأَرْضِ". هذه هي الكلمات الأصليّة التي تكلّم بها الخالق للبشريّة. وفيما قال هذه الكلمات، ظهر قوس قزح أمام عين الإنسان وبقي هناك حتّى هذا اليوم بالذات. رأى الجميع قوس قزح هذا، وعندما تراه، هل تعرف كيف يظهر؟ العلم غير قادر على إثباته أو تحديد مصدره أو معرفة هويّته. يعود السبب في ذلك إلى أن قوس قزح هو علامة الميثاق المبرم بين الخالق والإنسان؛ إنه لا يتطلّب أساسًا علميًّا حيث إنه ليس من صنع الإنسان، ولا يقدر الإنسان على تغييره. إنه استمرارٌ لسلطان الخالق بعد أن نطق كلامه. استخدم الخالق طريقته الخاصة للالتزام بميثاقه مع الإنسان ووعده، ولذا فإن استخدامه لقوس قزح كعلامةٍ على الميثاق الذي أقامه مرسومٌ وناموس سماويّ سوف يبقى دون تغييرٍ إلى الأبد، سواء فيما يتعلّق بالخالق أو بالبشريّة المخلوقة. إن هذا القانون الثابت إظهارٌ حقيقيّ آخر لسلطان الخالق بعد خلقه لجميع الأشياء، ويتعيّن القول إن سلطان الخالق وقوّته لا حدود لهما؛ واستخدامه لقوس قزح كعلامةٍ هو استمرارٌ وتمديد لسلطان الخالق. كان هذا عملاً آخر أتمّه الله باستخدام كلامه، وكان علامةً على الميثاق الذي أقامه الله مع الإنسان باستخدام الكلمات. لقد أخبر الإنسان بما قرّر أن يعمله، وبالطريقة التي سيعمله ويُنجِزه بها، وهكذا تحقّق الأمر وفقًا للكلام الصادر من فم الله. لا يملك هذه القوّة سوى الله. واليوم، بعد عدّة آلافٍ من السنين بعد أن تكلّم بهذا الكلام، لا يزال الإنسان بإمكانه النظر في قوس قزح الذي تحدّث به فم الله. وبسبب ذلك الكلام الذي نطق به الله، ظلّ هذا الشيء دون تبديلٍ أو تغييرٍ حتّى اليوم. لا شيء يمكنه أن يزيل قوس قزح هذا، ولا شيء يمكنه أن يُغيّر قوانينه، وهو موجودٌ فقط في سياق كلام الله. هذا بالضبط سلطان الله. "الله صالحٌ صلاح كلمته، وكلمته يتعيّن أن تتحقّق، وما يتحقّق يدوم إلى الأبد". تظهر هذه الكلمات بوضوحٍ هنا، وهي علامةٌ وسمة واضحتان لسلطان الله وقوّته. مثل هذه العلامة أو السمة لا يملكها أيٌ من الكائنات المخلوقة أو يمكن رؤيتها فيه، كما أنه لا يمكن رؤيتها في أيٍّ من الكائنات غير المخلوقة. إنها تخصّ الله الفريد فقط، وتُميّز الهويّة والجوهر اللذين لا يملكهما سوى الخالق عن هويّة الخليقة وجوهرها. وفي الوقت نفسه، فإنها أيضًا علامةٌ وسمة على أنه، بغضّ النظر عن الله نفسه، لا يمكن أن يتجاوزها أيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ.
كانت إقامة الله ميثاقه مع الإنسان عملًا له أهميّة كبيرة قصد أن يستخدمه لتوصيل حقيقة للإنسان ولإخبار الإنسان بإرادته، ولهذا الغرض اعتمد أسلوبًا فريدًا باستخدام علامة خاصة لإقامة ميثاقٍ مع الإنسان، وهي علامةٌ كانت وعدًا بالميثاق الذي أقامه مع الإنسان. هل كانت إقامة هذا الميثاق حدثًا عظيمًا إذًا؟ وما مدى عظمته؟ هذا بالضبط ما يُميّز الميثاق: إنه ليس ميثاقاً مقاماً بين إنسانٍ وآخر، أو بين جماعةٍ وأخرى، أو بين دولةٍ وأخرى، ولكنه ميثاقٌ مقام بين الخالق والبشريّة كلّها وهو سارٍ حتّى اليوم الذي يُبطِل فيه الخالق جميع الأشياء. مُنفّذ هذا الميثاق هو الخالق، ومُدبّره أيضًا هو الخالق. وباختصارٍ، فإن مجمل ميثاق قوس قزح المقام مع البشر تحقّق وأُنجز وفقًا للحوار بين الخالق والبشر، وظلّ ساريًا حتّى اليوم. ماذا يمكن للمخلوقات عمله سوى الخضوع لسلطان الخالق وطاعته والإيمان به وتقديره والشهادة له وتسبيحه؟ فلا أحد سوى الله الفريد يملك القوّة على إقامة مثل هذا الميثاق. إن ظهور قوس قزح، مرارًا وتكرارًا، هو بمثابة إعلان للإنسان ولفت لانتباهه إلى الميثاق بين الخالق والبشريّة. في الظهورات المستمرّة للميثاق بين الخالق والبشريّة، لا يظهر للبشر قوس قزح أو الميثاق نفسه، ولكن السلطان الثابت للخالق. يُوضّح ظهور قوس قزح المتكرر الأعمال الهائلة والإعجازيّة للخالق في الأماكن الخفيّة، وفي الوقت نفسه، فإنه انعكاسٌ حيويّ لسلطان الخالق الذي لن يتضاءل أو يتغيّر أبدًا. أليس هذا استعراضاً لجانبٍ آخر من جوانب السلطان الفريد للخالق؟
3. بركات الله
(التكوين 17: 4-6) "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ، فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ".
(التكوين 18: 18-19) "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ؟ لِأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ يَهْوَه، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلًا، لِكَيْ يَأْتِيَ يَهْوَه لِإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ".
(التكوين 22: 16-18) "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، يَقُولُ يَهْوَه، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي".
(أيوب 42: 12) "وَبَارَكَ يَهْوَه آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولَاهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنَ ٱلْإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ".
الطريقة والخصائص الفريدة لأقوال الخالق رمزٌ لهويّة الخالق وسلطانه الفريدين
يرغب كثيرون في طلب بركات الله ونيلها، ولكن ليس بمقدور الجميع نوال هذه البركات؛ لأن الله له مبادئه الخاصة ويبارك الإنسان بطريقته الخاصة؛ فالوعود التي يُقدّمها الله للإنسان، ومقدار النعمة التي يمنحها للإنسان، تُحسَب على أساس أفكار الإنسان وأفعاله. ما الذي تُظهِره بركات الله إذًا؟ ماذا يمكن للناس أن يروه في داخلها؟ دعونا عند هذه النقطة نضع جانبًا مناقشة أنواع الناس الذين يباركهم الله، أو مبادئ بركة الله للإنسان. وبدلًا من ذلك، دعونا نلقي نظرةً على بركة الله للإنسان بهدف معرفة سلطان الله من منظور معرفة سلطان الله.
المقاطع الأربعة من الكتاب المُقدّس أعلاه جميعها سجلّات عن بركة الله للإنسان. إنها تُقدّم وصفًا مُفصّلًا لمن نالوا بركات الله، مثل إبراهيم وأيُّوب، فضلًا عن الأسباب التي جعلت الله ينعم عليهم ببركاته ومضمون هذه البركات. تسمح نبرة أقوال الله وطريقتها، والمنظور والموقف اللذان تحدّث منهما للناس بفهم أن من يمنح هذه البركات ومن ينالها لهما هويّةٌ ومكانة وجوهر مختلفة تمام الاختلاف. نبرة هذه الأقوال وطريقته، والموقف الذي نُطِقَ فيه، تخصّ الله وحده الذي يملك هويّة الخالق. إنه يملك السلطان والقوّة، وكذلك مهابة الخالق وجلاله اللذين لا يشكّ فيهما أيّ إنسانٍ.
دعونا أوّلًا ننظر في التكوين 17: 4-6: "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ، فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ". كان هذا الكلام هو الميثاق الذي أقامه الله مع إبراهيم، وكذلك بركة الله لإبراهيم: كان الله سيجعل إبراهيم أبًا لجمهورٍ من الأمم ومثمرًا جدًّا ويجعله أممًا وملوكٌ منه يخرجون. هل ترى سلطان الله في هذا الكلام؟ وكيف ترى مثل هذا السلطان؟ أيّ جانبٍ من جوانب سلطان الله تراه؟ من قراءةٍ مُتعمّقة لهذا الكلام ليس من الصعب اكتشاف أن سلطان الله وهويّته ينكشفان بوضوحٍ في صياغة أقوال الله. على سبيل المثال، عندما يقول الله "عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ... أَجْعَلُكَ..."، وعبارات مثل "وَتَكُونُ... أَجْعَلُكَ..."، التي تحمل صياغتها التأكيد على هويّة الله وسلطانه، هي من ناحيةٍ إشارةٌ إلى أمانة الخالق؛ ومن ناحيةٍ أخرى كلماتٌ خاصة يستخدمها الله الذي يملك هويّة الخالق – بالإضافة إلى كونها جزءًا من المفردات التقليديّة. إذا قال شخصٌ ما إنه يأمل لشخصٍ آخر أن يكون مثمرًا ثمرًا وفيرًا وأن يكون أبًا لأممٍ وأن يخرج منه ملوكٌ، فإن هذا بلا شكٍّ أشبه برغبةٍ وليس وعداً أو بركة. وهكذا، لا يجرؤ الناس على القول "سأجعلك كذا وكذا، وسوف كذا وكذا" لأنهم يعرفون أنهم لا يملكون مثل هذا السلطان؛ فالأمر ليس متروكًا لهم، وحتّى إذا قالوا مثل هذه الأشياء، فسوف تكون كلماتهم جوفاء وهراءً مدفوعةً برغبتهم وطموحهم. هل يجرؤ أحدٌ على التحدّث بهذه النغمة السامية إذا شعر أنه لا يستطيع تحقيق رغباته؟ يتمنّى الجميع الخير لأحفادهم ويأملون أن يتفوّقوا ويحقّقوا نجاحًا باهرًا. "ويا له من حظ عظيم أن يصبح أحدهم إمبراطورًا! لو أصبح أحدهم حاكمًا لكان الأمر جيّدًا أيضًا – طالما كان شخصًا مُهمًّا!". هذه هي رغبات جميع الناس، ولكن الناس لا يسعهم سوى أن يتمنّوا البركات لأحفادهم ولا يمكنهم الوفاء بأيٍّ من وعودهم أو تحقيقها. يعرف كلّ واحدٍ في قلبه بوضوحٍ أنه لا يملك القدرة على تحقيق مثل هذه الأشياء؛ لأن كلّ شيءٍ يتعلق بها خارج عن نطاق سيطرته، فكيف له بالتحكّم في مصير الآخرين؟ السبب الذي يجعل بإمكان الله أن يقول كلمات مثل هذا الكلام هو لأن الله يملك مثل هذا السلطان؛ فإنه قادرٌ على إنجاز وتحقيق جميع الوعود التي يُقدّمها للإنسان، وتحقيق جميع البركات التي يمنحها للإنسان. الله خلق الإنسان، وليس هناك ما هو أسهل في نظر الله من أن يجعل شخصًا ما مثمرًا للغاية؛ وأن يجعل نسل شخصٍ ما مثمرًا لا يتطلّب منه سوى كلمةٍ واحدة. لم يكن مطلقاً بحاجةٍ إلى العمل وبذل العرق لتحقيق مثل هذا الشيء أو إرهاق عقله أو إرباك نفسه؛ هذه هي قوّة الله ذاتها، أي سلطان الله ذاته.
بعد قراءة "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ" في التكوين 18: 18، هل يمكنكم أن تشعروا بسلطان الله؟ هل يمكنكم أن تشعروا بتفرّد الخالق؟ هل يمكنكم أن تشعروا بسيادة الخالق؟ كلام الله مُؤكّدٌ. لا يقول الله مثل هذا الكلام بسبب ثقته بالنجاح أو تعبيرًا عنه؛ ولكنه في المقابل دليلٌ على سلطان أقوال الله ووصيةٌ تُحقّق كلام الله. هناك تعبيران يجب عليكم الانتباه إليهما هنا. عندما يقول الله "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ"، فهل هناك أيّ ملمح غموضٍ في هذه الكلمات؟ هل هناك أيّ ملمح قلقٍ؟ هل هناك أيّ ملمح خوفٍ؟ بسبب كلمة "بالتأكيد" و"يَكُونُ" التي قالها الله، فإن هذه الملامح التي تخصّ الإنسان وغالبًا ما تتجلى فيه لم تكن لها أيّة علاقةٍ بالخالق مطلقًا. لا يجرؤ أحدٌ على استخدام مثل هذه الكلمات عندما يتمنى الخير للآخرين، ولا يجرؤ أحدٌ على مباركة شخصٍ آخر بمثل هذا اليقين بحيث يعطيه أمّةً عظيمة وقويّة، أو يعد بأن تتبارك به جميع أمم الأرض. كلّما كان كلام الله أكثر تأكيدًا أثبت شيئًا ما – وما هذا الشيء؟ إنه يُثبِت أن الله يملك مثل هذا السلطان، وأن سلطانه يمكن أن يُحقّق هذه الأشياء، وأن إنجازها مُحتّمٌ. كان الله مُتأكّدًا في قلبه، دون أدنى تردّدٍ، من كلّ ما بارك به إبراهيم. وعلاوة على ذلك، فقد تم هذا كلّه وفقًا لكلامه، ولم تستطع أي قوّةٌ تغيير تحقيقه أو عرقلته أو إضعافه أو إعاقته. وبغضّ النظر عن أي شيء آخر حدث، لم يستطع أيّ شيءٍ إبطال تحقيق وإنجاز كلام الله أو التأثير فيه. هذه هي قوّة الكلام الذي تكلّم به الخالق، وسلطان الخالق الذي لا يتساهل مع إنكار الإنسان! بعد قراءة هذه الكلمات، هل ما زلت تشعر بالشكّ؟ هذا الكلام قاله الله، وكلام الله يحمل القوّة والجلال والسلطان. ومثل هذه القوّة والسلطان وحتميّة إنجاز الحقيقة لا يمكن أن يبلغها أيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ، ولا يمكن أن يتجاوزها أيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ. لا يمكن لأحدٍ سوى الخالق التحدّث إلى البشر بمثل هذه النغمة والنبرة، وقد أثبتت الحقائق أن وعوده ليست كلمات فارغة أو ادعاءات باطلة، ولكنها تعبيرٌ عن السلطان الفريد الذي لا يمكن لأيّ شخصٍ أو حدَثٍ أو شيءٍ تجاوزه.
ما الفرق بين الكلام الذي يتكلّم به الله والكلام الذي يتكلّم به الإنسان؟ عندما تقرأ هذا الكلام الذي يتكلّم به الله تشعر بقوّة كلام الله وسلطان الله. كيف تشعر عندما تسمع الناس يقولون مثل هذا الكلام؟ هل تعتقد أنهم أشخاص متغطرسون ومتباهون للغاية ويتفاخرون بأنفسهم؟ بما أنهم لا يملكون هذه القوّة ولا يملكون مثل هذا السلطان، فهم غير قادرين تمامًا على تحقيق مثل هذه الأشياء، وكونهم على يقينٍ من وعودهم لا تكشف سوى عن اللامبالاة في كلامهم. إذا قال أحدهم كلامًا مثل هذا، فلا شكَّ في أنه سيكون متغطرسًا ومفرطًا في الثقة ومعلناً نفسه كمثالٍ كلاسيكي على شخصيّة رئيس الملائكة. صدر هذا الكلام من فم الله، فهل تشعر بأيّ ملمح كبرياءٍ هنا؟ هل تشعر أن كلام الله مُجرّد مزحةٍ؟ إن كلام الله سلطانٌ، وكلام الله حقيقةٌ، وقبل أن ينطق الله بالكلام، أيّ بينما يتّخذ القرار لفعل شيءٍ ما، يكون هذا الشيء قد تمّ بالفعل. يمكن القول إن كلّ ما قاله الله لإبراهيم كان عهدًا أقامه الله مع إبراهيم، ووعدًا قطعه الله لإبراهيم. كان هذا الوعد حقيقةً ثابتة، كما أنه كان حقيقةً ملموسة، وهذه الحقائق تحقّقت تدريجيًّا في أفكار الله وفقًا لخطّة الله. وهكذا، عندما يقول الله مثل هذا الكلام فإن هذا لا يعني أنه يملك شخصيّةً متغطرسة؛ لأن الله قادرٌ على تحقيق مثل هذه الأشياء. إنه يملك مثل هذه القوّة والسلطان، وهو قادرٌ تمامًا على تحقيق هذه الأعمال، وإنجازها يقع بالكامل ضمن نطاق قدرته. عندما ينطق الله كلامًا مثل هذا، فهو إعلانٌ وتعبير عن شخصيّة الله الحقيقيّة، وهو إعلانٌ كامل ومظهرٌ من مظاهر جوهر الله وسلطانه، وليس هناك ما هو أكثر ملاءمةً وتناسبًا كدليلٍ على هويّة الخالق. فأسلوب هذه الأقوال ونغمتها وصياغتها هي على وجه التحديد علامةٌ على هويّة الخالق، كما أنه يتطابق تمامًا مع التعبير عن هويّة الله الخاصة، كما أنه لا يحمل أيّة ذريعةٍ أو شائبة؛ إنه، بكل المقاييس، العرض المثاليّ لجوهر الخالق وسلطانه. أمّا المخلوقات فلا تملك مثل هذا السلطان ولا هذا الجوهر، ناهيك عن أنها لا تملك القوّة التي يمنحها الله. إذا أظهر الإنسان مثل هذا السلوك، فسوف يكون من المُؤكّد ذروة شخصيّته الفاسدة، ووفي صميم ذلك يكمن التأثير المتدخّل لغطرسة الإنسان وطموحه الجامح، ويكشف عن النوايا الخبيثة لإبليس، الشيطان، الذي يرغب في خداع الناس وحثّهم على خيانة الله. وكيف ينظر الله إلى ما ينكشف بمثل هذه اللغة؟ يقول الله إنك ترغب في اغتصاب مكانه وانتحال شخصيّته والتربّع مكانه. عندما تُقلّد نغمة أقوال الله، تكون نيّتك هي أن تتربّع مكان الله في قلوب الناس وأن تستأثر لنفسك بالبشر الذين ينتمون بحقٍّ إلى الله. هذا هو الشيطان في أبسط صوره؛ هذه هي تصرّفات نسل رئيس الملائكة التي لا تطيقها السماء! هل هناك بينكم أيّ واحدٍ قلّد الله بطريقةٍ معينة من خلال نطق بضع كلماتٍ، بقصد تضليل الناس وخداعهم، وجعلهم يشعرون كما لو كانت كلمات هذا الشخص وأفعاله تتمتّع بسلطان الله وقوّته، وكما لو كان جوهر هذا الشخص وهوّيته فريدين، وحتّى كما لو كانت نغمة كلمات هذا الشخص مشابهةً لنغمة الله؟ هل سبق وعملتم شيئًا مثل هذا؟ هل سبق وقلّدتم نغمة الله في كلامكم بإيماءاتٍ تزعم أنها تُمثّل شخصيّة الله، بما تفترضون أنه القوّة والسلطان؟ هل غالبًا ما يتصرّف معظمكم أو يُخطّط للتصرّف بهذه الطريقة؟ الآن، عندما تنظرون حقًّا وتُدرِكون وتعرفون سلطان الخالق وتنظرون فيما كنتم تفعلونه وما كنتم تكشفونه عن أنفسكم، هل تشعرون بالاشمئزاز؟ هل تعترفون بسفالتكم وخزيكم؟ بعد التعرّف إلى تصرّف هؤلاء الناس وجوهرهم، هل يمكن القول إنهم أناس الجحيم الملعونين؟ هل يمكن القول إن كلّ من يفعل مثل هذه الأشياء يجلب الخزي لنفسه؟ هل تعترفون بخطورة طبيعة هذا؟ وما مدى خطورة ذلك؟ إن قصد الناس الذين يتصرّفون بهذه الطريقة هو تقليد الله. إنهم يريدون أن يكونوا الله، وأن يجعلوا الناس يعبدونهم وكأنهم الله. إنهم يريدون إلغاء مكان الله في قلوب الناس، والتخلّص من الله العامل بين البشر، وهم يفعلون هذا من أجل تحقيق هدف السيطرة على الناس وابتلاعهم والاستيلاء عليهم. يحمل كلّ شخصٍ رغبات وطموحات لاشعوريّة كهذه، وكلّ شخصٍ يعيش في هذا النوع من الجوهر الشيطانيّ الفاسد، في طبيعة شيطانيّة تجعله معاديًا لله، يخون الله ويرغب في أن يصبح هو الله. بعد خدمتي عن موضوع سلطان الله، هل ما زلتم ترغبون في، أو تطمحون إلى، انتحال شخصيّة الله أو تقليده؟ هل ما زلتم ترغبون في أن تكونوا الله؟ هل ما زلتم ترغبون في أن تصبحوا الله؟ لا يستطيع الإنسان تقليد سلطان الله، كما أنه لا يستطيع انتحال هويّة الله ومكانته. على الرغم من أنه يمكنك تقليد النغمة التي يتحدّث بها الله، فإنك لا تستطيع تقليد جوهر الله. وعلى الرغم من أنه يمكنك الوقوف في مكان الله وانتحال شخصيّته، فإنك لن تستطيع أبدًا أن تفعل ما يعتزم الله عمله، ولن تكون قادرًا أبدًا على التحكّم في جميع الأشياء والسيادة عليها. ففي نظر الله، سوف تكون إلى الأبد مخلوقًا صغيرًا، وبغضّ النظر عن مدى مهاراتك وقدرتك، وبغضّ النظر عن مدى روعة مواهبك، فأنت بجملتك خاضعٌ لسلطان الخالق. على الرغم من أنك قادرٌ على قول بعض الكلمات الصاخبة، إلّا أن هذا لا يمكنه إظهار أنك تملك جوهر الخالق أو أنك تملك سلطان الخالق. فسلطان الله وقوّته هما جوهر الله نفسه. لم يتم تعلُّمهما أو إضافتهما من مصدرٍ خارجيّ، ولكنهما جوهر الله نفسه. وبالتالي لا يمكن أبدًا تغيير العلاقة بين الخالق والمخلوقات. يتعيّن على الإنسان بصفته أحد عناصر المخلوقات أن يحتفظ بمركزه وأن يتصرّف بضميرٍ حيّ. احرس بإخلاصٍ ما عهده الخالق إليك. ولا تتصرّف ضد القواعد أو تفعل أشياء خارج نطاق قدرتك أو تفعل أشياءَ يبغضها الله. لا تحاول أن تكون عظيمًا أو استثنائيًّا أو فوق الآخرين، ولا تسعَ لأن تصبح الله. هذا ما يجب على الناس ألّا يتمنوا أن يكونوا عليه؛ فسعي المرء لأن يصبح عظيمًا أو استثنائيًّا أمرٌ سخيف، وسعي المرء ليصبح الله أشد خزيًا؛ إنه لأمرٌ شائن ومهين. أمّا الجدير بالثناء وما يجب أن تتمسّك به المخلوقات أكثر من أيّ شيءٍ آخر فهو أن تصبح مخلوقًا حقيقيًّا؛ فهذا هو الهدف الوحيد الذي يجب على جميع الناس السعي نحوه.
سلطان الخالق لا يُقيّده الزمن أو المكان أو الجغرافيا، وسلطان الخالق يفوق الإحصاء
دعونا نلقي نظرةً على التكوين 22: 17-18. هذ مقطعٌ آخر تكلّم به يهوه الله وقال فيه لإبراهيم: "أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي". بارك يهوه الله إبراهيم مرّات عديدة بتكثير نسله، فإلى أيّ حدٍّ سيتكاثرون؟ إلى الحدّ الذي قيل في الكتاب المُقدّس: "كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ". وهذا معناه أن الله أراد أن يمنح إبراهيم نسلًا كثيرًا كعدد نجوم السماء ووفيرًا كعدد الرمال على شاطئ البحر. تكلّم الله باستخدام الصور المجازيّة، ومن هذه الصور المجازيّة ليس من الصعب أن نرى الله يهب إبراهيم حفيدًا أو اثنين أو حتّى الآلاف من الأحفاد، بل عددًا لا يُحصى يكفي أن يصبح جمهور أممٍ؛ لأن الله وعد إبراهيم بأن يكون أبًا لجمهورٍ من الأمم. والآن هل هذا العدد قرّره الإنسان أم قرّره الله؟ هل يستطيع الإنسان التحكّم في عدد أحفاده؟ هل الأمر متروكٌ له؟ الأمر حتّى ليس متروكًا للإنسان سواء كان لديه العديد أم لا، ناهيك عن "كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ". من لا يرغب في أن يكون نسله عديدًا كالنجوم؟ للأسف، لا تظهر الأشياء دائمًا بالطريقة التي تريدها. بصرف النظر عن مدى مهارة الإنسان أو قدرته، فإن الأمر لا يرجع له؛ فلا أحد يمكنه أن يقف خارج الإطار الذي يُحدّده الله. فالمقدار الذي يسمح به لك هو الذي يكون لك: إذا أعطاك الله قليلًا، فلن يكون لك الكثير، وإذا أعطاك الله كثيرًا، فليس من الفائدة أن تستاء من مقدار ما تملكه. أليس هذا هو ما يحدث؟ الأمر كلّه يعود إلى الله، وليس للإنسان! الله يتحكّم في الإنسان، ولا أحد مستثنى!
عندما قال الله: "أُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا"، كان هذا ميثاقًا أقامه الله مع إبراهيم، وكما هو الحال في ميثاق قوس قزح، فإن هذا الميثاق سوف يكون مُحقّقًا إلى الأبد، وكان أيضًا وعدًا من الله لإبراهيم. الله وحده مؤهلٌ وقادرٌ على تحقيق هذا الوعد. بغضّ النظر عمّا إذا كان الإنسان يؤمن به أم لا، وبغضّ النظر عمّا إذا كان الإنسان يقبله أم لا، وبغضّ النظر عن كيفيّة نظر الإنسان له، ورأيه فيه، فإن هذا كله سوف يتحقّق حرفيًّا وفقًا للكلمات التي تكلّم بها الله. لن يتغيّر كلام الله بسبب التغيّرات في إرادة الإنسان أو مفاهيمه، ولن تتغيّر بسبب التغيّرات في أيّ شخصٍ أو شيءٍ أو كائنٍ. قد تختفي جميع الأشياء، ولكن كلام الله سوف يبقى إلى الأبد. الواقع أن اليوم الذي تختفي فيه جميع الأشياء هو بالضبط اليوم الذي يتحقّق فيه كلام الله تمامًا؛ لأنه هو الخالق ويملك سلطان الخالق وقوّة الخالق ويتحكّم في جميع الأشياء وفي قوّة الحياة؛ إنه قادرٌ على خلق الشيء من اللاشيء، أو تحويل الشيء إلى اللاشيء، كما أنه يتحكّم في تحويل جميع الأشياء الحيّة والمائتة، وهكذا ليس هناك ما هو أبسط بالنسبة لله من تكثير نسل شخصٍ ما. يبدو هذا خياليًّا للإنسان، مثل حكايةٍ خرافيّة، ولكن ما يُقرّره الله ويعد أن يفعله ليس خيالياً وليس حكاية خرافيّة، بل هو حقيقةٌ شهدها الله بالفعل وسوف تتحقّق بالتأكيد. هل تُدرِكون هذا؟ هل تُثبِت الحقائق أن نسل إبراهيم كان كثيرًا؟ وما مقدار كثرته؟ هل كان كثيرًا "كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ" مثلما تكلّم الله؟ هل انتشروا في جميع الأمم والمناطق وفي كلّ مكانٍ في العالم؟ ما الذي الذي أُنجزت هذه الحقيقة من خلاله؟ هل أنجزها سلطان كلام الله؟ لعدّة مئاتٍ أو آلافٍ من السنين بعد أن تكلّم الله، استمرّ كلام الله يتحقّق، وكان باستمرارٍ يصير حقائق؛ هذه هي قوّة كلام الله، ودليلٌ على إثبات سلطان الله. عندما خلق الله جميع الأشياء في البداية، قال الله: "لِيَكُنْ نُورٌ"؛ فكان نورٌ. حدث ذلك بسرعة البرق وتحقّق في وقتٍ قصير جدًّا، ولم يكن هناك أيّ تأخيرٍ في إنجازه وتحقيقه؛ كانت آثار كلام الله فوريّة. وكان الكلام استعراضًا لسلطان الله، ولكن عندما بارك الله إبراهيم سمح للإنسان بأن يرى جانبًا آخر من جوهر سلطان الله وأن يرى أن سلطان الخالق فوق مستوى الحصر، وعلاوة على ذلك، سمح للإنسان بأن يرى جانبًا أكثر واقعيّة وروعة من سلطان الخالق.
بُمجرّد أن ينطق الله كلامه، يتولّى سلطان الله مسؤوليّة هذا العمل فيبدأ يتحقّق تدريجيًّا ما وعد به الله. ونتيجة لذلك، يبدأ ظهور تغيّراتٍ بين جميع الأشياء، مثل الكيفيّة التي يتحوّل بها العشب إلى اللون الأخضر عند قدوم الربيع وتتفتّح الزهور وتنبت البراعم من الأشجار وتبدأ الطيور في الشدو وتعود طيور الإوزّ وتمتلئ الحقول بالناس...مع قدوم الربيع تتجدّد جميع الأشياء، وهذا هو العمل الإعجازيّ للخالق. عندما يُنجِز الله وعوده، تتجدّد جميع الأشياء في السماء وعلى الأرض وتتغيّر وفقًا لأفكار الله – ولا يكون هناك استثناءٌ. عندما يصدر التزامٌ أو وعد من الله، فإن جميع الأشياء تعمل على تحقيقه وتسعى من أجل تحقيقه، وتتعاون جميع المخلوقات في اتّساقٍ في ظلّ سيادة الخالق بحيث يُؤدّي كلٌ منها دوره المنوط به ويُتمّم وظيفته المناسبة. هذا هو إظهار سلطان الخالق. ماذا ترى في هذا؟ كيف تعرف سلطان الله؟ هل هناك نطاقٌ لسلطان الله؟ هل هناك حدٌّ زمنيّ؟ هل يمكن القول بأن له ارتفاعاً مُعيّناً أو طولاً مُعيّناً؟ هل يمكن القول بأن له حجماً مُعيّناً أو قوّةً مُعيّنةً؟ هل يمكن قياسه بحسب أبعاد الإنسان؟ سلطان الله لا يعمل ليتوقّف، ولا يبدأ لينتهي، ولا أحد يمكنه قياس مقدار سلطانه. بغضّ النظر عن مقدار الوقت الذي يمرّ، عندما يبارك الله شخصًا ما سوف تستمرّ هذه البركة، وسوف يشهد استمرارها على السلطان النفيس لله، وسوف يسمح للجنس البشريّ برؤية عودة ظهور قوّة حياة الخالق التي لا تهدأ مرارًا وتكرارًا. كلّ إظهارٍ لسلطانه هو الإظهار المثاليّ للكلمات الصادرة من فمه، ويتجلّى في جميع الأشياء وللبشريّة. وفوق ذلك، فإن كلّ شيءٍ يتحقّق بسلطانه يكون رائعًا بما لا يُقاس، ولا تشوبه شائبةٌ. يمكن القول بأن أفكاره وكلماته وسلطانه وكلّ العمل الذي يُنجِزه صورةٌ جميلةُ لا يضاهيها شيءٌ، وبالنسبة إلى المخلوقات، فإن لغة الإنسان تعجز عن التعبير عن أهميّتها وقيمتها. عندما يُقدّم الله وعدًا لشخصٍ ما، فإن كل ما يتعلق به معلوم لله تمامًا؛ سواء كان بخصوص مكان إقامته أو ما يعمله أو شخصيّته قبل أو بعد نواله الوعد أو مقدار التحوّلات في بيئته المعيشيّة. بغضّ النظر عن مقدار الوقت المنقضي بعد أن ينطق الله كلامه، فإنه يعتبر أنه قد نطقها للتوّ. وهذا يعني أن الله يملك القوّة والسلطان بحيث يستطيع متابعة كلّ وعدٍ يُقدّمه للبشر وتدبيره والوفاء به، وبغضّ النظر عن ماهيّة الوعد، وبغضّ النظر عن المدة التي يستغرقها كي يتحقّق، وبغضّ النظر عن مدى اتّساع نطاق تحقيقه – على سبيل المثال، الزمان والمكان والعِرق وما إلى ذلك – فإن هذا الوعد سوف يتحقّق ويُنجَز، وعلاوة على ذلك، فإن تحقيقه وإنجازه لن يتطلّب منه أدنى مجهودٍ. ماذا يُثبِت هذا؟ إنه يُثبِت أن اتّساع سلطان الله وقوّته يكفي لإدارة الكون كلّه، والبشريّة كلّها. صنع الله النور، لكن هذا لا يعني أن الله لا يدير سوى النور، أو أنه لا يدير سوى الماء لمُجرّد أنه خلق الماء وأن كلّ شيءٍ آخر لا علاقة له بالله. أليس هذا سوء فهمٍ؟ على الرغم من أن بركة الله لإبراهيم تلاشت تدريجيًّا من ذاكرة الإنسان بعد عدّة مئاتٍ من السنين، إلّا أن هذا الوعد كان لا يزال قائمًا بالنسبة إلى الله. كان لا يزال في طور الإنجاز ولم يتوقّف مطلقًا. لم يعرف الإنسان قط أو يسمع عن الكيفيّة التي يمارس بها الله سلطانه وكيفيّة تنظيم جميع الأشياء وترتيبها وعدد القصص الرائعة التي حدثت بين جميع مخلوقات الله في هذا الوقت، ولكن كلّ عرض مذهل لسلطان الله وإعلان أفعاله كانت يُروَى ويُمجَّد بين جميع الأشياء، وكانت جميع الأشياء تظهر وتُعلِن الأعمال الإعجازيّة للخالق، وكلّ قصةٍ معروفة عن سيادة الخالق على جميع الأشياء سوف تُعلِنها جميع الأشياء إلى الأبد. إن السلطان الذي يحكم به الله جميع الأشياء، وقوّة الله، يُظهِران لجميع الأشياء أن الله موجودٌ في كلّ مكانٍ وفي جميع الأوقات. عندما تشهد على حضور سلطان الله وقوّته في كلّ مكانٍ، سوف ترى أن الله موجودٌ في كلّ مكانٍ وفي جميع الأوقات. إن سلطان الله وقوّته لا يُقيّدهما الزمان أو الجغرافيا أو المكان أو الفضاء أو أيّ شخصٍ أو حدث أو شيء. كما أن اتّساع سلطان الله وقوتّه يتجاوز خيال الإنسان؛ فالمرء لا يقدر أن يسبر غورهما، كما أنهما يفوقان تصوّر الإنسان ولن يتمكّن من معرفتهما معرفةً إجماليّة.
يحبّ بعض الناس الاستنتاج والتخيّل، ولكن إلى أيّ مدى يمكن أن يصل خيال الإنسان؟ هل يمكن أن يتجاوز هذا العالم؟ هل يمكن للإنسان أن يستنتج ويتخيّل صحة ودقّة سلطان الله؟ هل استنتاج الإنسان وخياله يمكنهما السماح له ببلوغ معرفة سلطان الله؟ هل يمكنهما أن يجعلا الإنسان يُقدّر حقًّا قيمة سلطان الله ويخضع له؟ تُثبِت الحقائق أن استنتاج الإنسان وخياله ليسا سوى نتاجٍ لعقل الإنسان، وأنهما لا يُقدّمان أدنى مساعدةٍ أو فائدة لمعرفة الإنسان عن سلطان الله. بعد قراءة قصص الخيال العلميّ، يمكن للبعض تخيّل القمر وشكل النجوم. ولكن هذا لا يعني أن الإنسان لديه أيّ فهمٍ لسلطان الله. فخيال الإنسان ما هو إلّا خيالٌ. وليس لديه أي فهم لحقائق هذه الأشياء، أي عن صلتها بسلطان الله. ماذا يهم حتى لو قمتَ بزيارة إلى القمر؟ هل هذا يدلّ على أن لديك فهمًا مُتعدّد الأبعاد لسلطان الله؟ هل يُظهِر أنك قادرٌ على تخيّل نطاق سلطان الله وقوّته؟ بما أن استنتاج الإنسان وخياله لا يقدران على السماح له بمعرفة سلطان الله، ماذا يجب أن يفعل الإنسان؟ الخيار الأكثر حكمة هو عدم الاستنتاج أو التخيّل، أي أن الإنسان ينبغي ألّا يعتمد أبدًا على الخيال أو يتّكل على الاستدلال عندما يتعلّق الأمر بمعرفة سلطان الله. ما الذي أودّ أن أقوله لكم هنا؟ لا يمكن بلوغ معرفة سلطان الله وقوّة الله وهويّة الله وجوهر الله بالاعتماد على خيالكم. بما أنك لا تستطيع الاعتماد على الخيال لمعرفة سلطان الله، فبأيّة طريقةٍ يمكنك بلوغ معرفة حقيقيّة لسلطان الله؟ الطريق لفعل هذا يكون من خلال أكل كلام الله وشربه، ومن خلال الشركة، ومن خلال اختبار كلام الله، وبذلك سيكون لديك اختبارٌ وتحقّق تدريجيّان لسلطان الله وستكتسب فهمًا تدريجيًّا ومعرفةً متزايدة له. هذه هي الطريقة الوحيدة لبلوغ معرفة سلطان الله؛ فلا توجد طرقٌ مختصرة. ومطالبتكم بعدم التخيّل لا تعني مطالبتكم بالركون السلبيّ في انتظار الدمار أو منعكم عن عمل أيّ شيءٍ. كما أن عدم استخدام عقلك في التفكير والتخيّل يعني عدم استخدام المنطق في الاستنتاج وعدم استخدام المعرفة في التحليل وعدم استخدام العلم بصفته الأساس، ويعني بالأحرى التقدير والتحقّق من والتأكيد على أن الله الذي تؤمن به يملك السلطان، والتأكيد على أنه يملك السيادة على مصيرك وأن قوّته في جميع الأوقات تُثبِت أنه الله الحقيقيّ نفسه من خلال كلام الله ومن خلال الحقّ ومن خلال كلّ ما تختبره في الحياة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن لأيّ شخصٍ بها بلوغ فهمٍ لله. يقول البعض إنهم يرغبون في إيجاد طريقة بسيطة لبلوغ هذا الهدف، ولكن هل يمكنكم أن تُفكّروا في مثل هذه الطريقة؟ أقول لك إنه ليست هناك حاجةٌ للتفكير: لا توجد طرقٌ أخرى! الطريقة الوحيدة هي أن تعرف بوعيٍ وبثباتٍ طبيعة الله وتتحقّق من ذلك من خلال كلّ كلمةٍ يُعبّر عنها وكلّ شيءٍ يفعله. هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة الله؛ لأن ماهية الله وما لديه وكلّ شيءٍ عن الله ليس أجوفَ وفارغاً ولكنه حقيقيٌّ.
حقيقة تحكّم الخالق في جميع الأشياء والكائنات الحيّة وسيادته عليها تُعلِن عن الوجود الحقيقيّ لسلطان الخالق
بالمثل، يُسجّل سفر أيُّوب بركة يهوه لأيُّوب. ماذا منح الله أيُّوب؟ "وَبَارَكَ يَهْوَه آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولَاهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنَ ٱلْإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ" (أيوب 42: 12). من وجهة نظر الإنسان، ماذا كانت هذه الأشياء التي أُعطيت لأيُّوب؟ هل كانت أصولًا لإنسان؟ ألم يكن يعتبر أيُّوب بهذه الأملاك ثريًّا جدًّا خلال ذلك العصر؟ وكيف حصل على هذه الأملاك؟ ما الذي شكّل ثروته؟ غنيٌّ عن القول إن أيُّوب امتلكها بفضل نعمة الله. لن نبحث هنا في كيفيّة نظرة أيُّوب لهذه الأملاك وكيفيّة نظرته لبركات الله. عندما يتعلّق الأمر ببركات الله، يتوق جميع الناس، ليلًا ونهارًا، كي يباركهم الله، ولكن الإنسان لا يتحكّم في عدد الأملاك التي يمكنه أن يكسبها خلال حياته، أو ما إذا كان بإمكانه نوال بركات من الله – وهذه حقيقةٌ لا جدال فيها! الله يملك السلطان والقدرة على منح أيّة أملاكٍ للإنسان، وعلى السماح للإنسان بنوال أيّة بركةٍ، ومع ذلك هناك مبدأ لبركات الله. أيّ نوعٍ من الناس يباركه الله؟ أإنه يبارك الأشخاص الذين يحبّهم بالطبع! بارك الله إبراهيم وأيُّوب على حدٍّ سواء، ولكن البركات التي تلقّياها لم تكن هي نفسها. بارك الله إبراهيم بنسلٍ وفير كرمل البحر ونجوم السماء. عندما بارك الله إبراهيم، فإنه جعل نسل رجلٍ واحد، وأمّةً واحدة، يتمتعون بالقوة والازدهار. في هذا، كان سلطان الله يسود البشر الذين شعروا بأنفاس الله بين جميع الأشياء والكائنات الحيّة. في ظلّ سيادة سلطان الله، تكاثرت هذه البشريّة ووُجِدَتْ بمقدار السرعة وضمن النطاق اللذين قرّرهما الله. وعلى وجه التحديد، كان بقاء هذه الأمّة ومُعدّل اتّساعها ومتوسط عمرها المُتوقّع جزءًا من ترتيبات الله، وكان مبدأ هذا كلّه يستند كليًّا إلى الوعد الذي قطعه الله لإبراهيم. وهذا يعني أنه بغضّ النظر عن الظروف، فإن وعود الله سوف تستمرّ دون عائقٍ ويمكن تحقيقها في ظلّ تدبير سلطان الله. في الوعد الذي قطعه الله لإبراهيم، بغضّ النظر عن اضطرابات العالم، وبغضّ النظر عن العصر، وبغضّ النظر عن الكوارث التي مرّت بها البشريّة، فإن نسل إبراهيم لن يواجه خطر الإبادة وأمّتهم لن تموت. ومع ذلك، فإن نعمة الله لأيُّوب جعلته ثريًّا للغاية. منحه الله مجموعةً من الكائنات الحيّة التي تتنفّس، كما أن الله كان يتحكّم في خصائصها: عددها وسرعة تكاثرها ومُعدّلات بقائها ومقدار الدهون في أجسادها وما إلى ذلك. على الرغم من أن هذه الكائنات الحيّة لم تملك القدرة على الكلام، فإنها كانت أيضًا جزءًا من ترتيبات الخالق، وكان المبدأ الذي قامت عليه ترتيبات الله لأجلها يقوم على أساس البركات التي وعد الله بها أيُّوب. على الرغم من اختلاف الوعد في البركات التي منحها الله لإبراهيم وأيُّوب، فإن السلطان الذي حكم به الخالق جميع الأشياء والكائنات الحيّة كان هو نفسه. كلّ تفصيلٍ لسلطان الله وقوّته يتم التعبير عنه في مختلف وعوده وبركاته لإبراهيم وأيُّوب، ويُظهِر مرّةً أخرى للبشريّة أن سلطان الله أبعد من الخيال البشريّ. تكشف هذه التفاصيل للإنسان مرّةً أخرى أنه إذا أراد أن يعرف سلطان الله فإن هذا لا يمكن أن يتحقّق إلّا من خلال كلام الله ومن خلال اختبار عمل الله.
إن سلطان الله في السيادة على جميع الأشياء يسمح للإنسان بأن يرى حقيقة أن سلطان الله لا يتجسّد فحسب في الكلمات: "وقال الله ليكن نورٌ فكان نورٌ؛ ليكن جَلَدٌ فكان جَلَدٌ؛ لتكن يابسةٌ فكانت يابسةٌ"، لكن سلطان تجسد كذلك في الكيفيّة التي جعل بها النور مستمرًّا ومنع الجَلَدْ من الاختفاء وأبقى اليابسة إلى الأبد منفصلةً عن الماء، وكذلك في تفاصيل كيفيّة حكمه وتدبيره للأشياء التي خلقها: النور والجَلَدْ واليابسة. ماذا ترون في بركة الله للبشريّة؟ من الواضح أن الله بعد أن بارك إبراهيم وأيُّوب لم تتوقّف خُطاهُ؛ لأنه كان قد بدأ للتوّ يمارس سلطانه ويعتزم أن يجعل كلّ كلمةٍ من كلامه واقعًا، وأن يُحقّق كلّ تفصيلٍ من التفاصيل التي تكلّم عنها، وهكذا، في السنوات التالية، استمرّ في عمل كلّ ما اعتزم عمله. وبما أن الله يملك السلطان، ربّما يبدو للإنسان أن الله لا يحتاج إلّا إلى أن يتكلم وبدون أن يرفع أصبعه تتحقق جميع الأمور والأشياء. إن تخيّلات من هذا القبيل أمرٌ مثير للسخرية تمامًا! إذا فكرّت فقط في وجهة النظر الأحاديّة لإبرام الله ميثاقه مع الإنسان باستخدام الكلمات وتحقيق الله لكلّ شيءٍ باستخدام الكلمات ولم تستطع رؤية مختلف العلامات والحقائق بأن سلطان الله يسود على وجود جميع الأشياء، فإن فهمك لسلطان الله سطحيٌّ جدًّا وسخيف! إذا كان الإنسان يتخيّل الله هكذا، فلا بدّ من القول إذًا إن معرفة الإنسان لله قد انحدرت إلى أدنى مستوياتها ووصلت إلى طريقٍ مسدود؛ لأن الله الذي يتخيّله الإنسان ليس إلّا آلةً تُصدِر الأوامر وليس الله الذي يملك السلطان. ماذا رأيت في أمثلة إبراهيم وأيُّوب؟ هل رأيت الجانب الحقيقيّ لسلطان الله وقوّته؟ بعد أن بارك الله إبراهيم وأيُّوب، لم يَبق الله في مكانه ولم يُكلّف رسوليه بالعمل بينما كان في انتظار النتيجة. ولكن على العكس من ذلك، بمُجرّد أن نطق الله كلامه، وفي ظلّ سلطان الله، بدأت جميع الأشياء تمتثل للعمل الذي اعتزم الله عمله، فصنع بذلك الناس والأشياء بحسب طلبه. وهذا يعني أنه بمُجرّد أن نطق الله كلامه بدأ سلطانه في النفاذ في جميع أنحاء الأرض، ووضع مسارًا من أجل تحقيق الوعود التي قطعها لإبراهيم وأيُّوب وإنجازها، في حين كان يصنع أيضًا جميع الخطط والاستعدادات المناسبة لكلّ ما هو مطلوبٌ لكلّ خطوةٍ وكلّ مرحلةٍ رئيسيّة كان يُخطّط لعملها. خلال هذا الوقت، لم يُحرّك الله رسله وحسب بل حرّك أيضًا جميع الأشياء التي خلقها. وهذا يعني أن النطاق الذي تمّت فيه ممارسة سلطان الله لم يشمل الرسل فقط، بل جميع الأشياء التي حُرّكت للامتثال للعمل الذي كان ينوي إنجازه. كانت هذه هي السلوكيات المُحدّدة التي تمّت فيها ممارسة سلطان الله. في تصوّراتكم، قد يكون البعض لديهم الفهم التالي لسلطان الله: الله يملك السلطان، والله يملك القوّة، وهكذا فإن الله ليس بحاجةٍ سوى للبقاء في السماء الثالثة أو في مكانٍ ثابت ولا يحتاج لأداء أيّ عملٍ مُعيّن وأن عمل الله بأكمله يكتمل في أفكاره. وقد يعتقد البعض أيضًا أنه على الرغم من أن الله بارك إبراهيم فإن الله لم يكن بحاجةٍ لفعل أيّ شيءٍ وأنه كان يكفيه أن ينطق كلامه فقط. هل هذا ما حدث بالفعل؟ لا بالطبع! على الرغم من أن الله يملك السلطان والقوّة، فإن سلطانه حقيقيٌّ وواقعيّ وليس فارغاً. تنكشف أصالة وواقعيّة سلطان الله وقوّته بشكلٍ تدريجيّ وتتجسّدان في خلقه لجميع الأشياء وتحكّمه في جميع الأشياء وفي عمليّة قيادته للبشريّة وتدبيره لها. كلّ طريقةٍ وكلّ منظورٍ وكلّ تفصيلٍ لسيادة الله على البشريّة وجميع الأشياء وكلّ العمل الذي أنجزه بالإضافة إلى فهمه لجميع الأشياء – كلّها تُثبِت حرفيًّا أن سلطان الله وقوّته ليسا كلمات فارغة. يظهر سلطانه وقوّته وينكشفان باستمرارٍ، وفي جميع الأشياء. تتحدّث هذه الإظهارات والانكشافات عن الوجود الحقيقيّ لسلطان الله؛ لأنه يستخدم سلطانه وقوّته للاستمرار في عمله والإشراف على جميع الأشياء وحكم جميع الأشياء في كلّ لحظةٍ، ولا يمكن أن تحل لا الملائكة ولا رسل الله محل قوّته وسلطانه. قرّر الله ما هي البركات التي سيمنحها لإبراهيم وأيُّوب؛ إذْ كان أمر القرار راجعًا إلى الله. على الرغم من أن رسل الله زاروا شخصيًّا إبراهيم وأيُّوب، فقد كانت تصرّفاتهم بناءً على وصايا الله، ونُفّذت أعمالهم في ظلّ سلطان الله، وكذلك كان الرسل تحت سيادة الله. على الرغم من أن الإنسان يرى رسل الله يزورون إبراهيم ولا يشهد يهوه الله يعمل أيّ شيءٍ بصفةٍ شخصيّة في سجلّات الكتاب المُقدّس، فإن الشخص الوحيد في الواقع الذي يمارس القوّة والسلطان هو الله نفسه، وهذا لا يشكّ فيه أيّ إنسانٍ! وعلى الرغم من أنك رأيت أن الملائكة والرسل يملكون قوّةً عظيمة وصنعوا معجزات أو فعلوا بعض الأشياء بتكليفٍ من الله، فإن أفعالهم ليست سوى لإكمال عمل الله، وليست بأيّ حالٍ من الأحوال استعراضًا لسلطان الله – لأنه لا يوجد أيّ إنسانٍ أو كائنٍ يملك سلطان الخالق لخلق جميع الأشياء وحكم جميع الأشياء. وهكذا لا يستطيع أيّ إنسانٍ أو كائنٍ ممارسة سلطان الخالق أو إظهاره.
سلطان الخالق غير قابلٍ للتغيير وغير قابلٍ للإساءة
ماذا رأيتم في هذه الأجزاء الثلاثة من الكتاب المُقدّس؟ هل لاحظتم أن هناك مبدأ يمارس به الله سلطانه؟ على سبيل المثال، استخدم الله قوس قزح لإبرام ميثاقٍ مع الإنسان وضع فيه قوس قزح في السحاب ليُخبِر الإنسان بأنه لن يستخدم الطوفان مرّةً أخرى لإهلاك العالم. هل يرى شعب قوس قزح اليوم نفس ما قاله الله؟ هل تغيّرت طبيعته ومعناه؟ لم تتغيّر دون أدنى شكٍّ. استخدم الله سلطانه ليعمل هذا العمل، والميثاق الذي أبرمه مع الإنسان استمرّ حتّى اليوم، والوقت الذي سيتبدّل فيه هذا الميثاق سيعود بالطبع قرار الله. بعد أن قال الله: "وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ"، التزم الله دائمًا بهذا الميثاق حتّى اليوم. ماذا ترى في هذا؟ على الرغم من أن الله يملك السلطان والقوّة، إلّا أنه شديد الصرامة والانضباط في تصرّفاته ويبقى أمينًا لكلامه. أمّا صرامته وانضباطه في أفعاله فيُظهِران عدم قابليّة الخالق للإساءة وعدم إمكانيّة تجاوز سلطان الخالق. على الرغم من أن الله يملك سلطانًا ساميًا ومن أن جميع الأشياء تقع في ظلّ تحكّمه، وعلى الرغم من أنه يملك القدرة على حكم جميع الأشياء، إلّا أن الله لم يُفسِد خطّته أو يُعطّلها، وفي كلّ مرّةٍ يمارس فيها سلطانه يكون ذلك في اتّفاقٍ تام مع مبادئه الخاصة ويتبع بدقّةٍ كلام فمه ويتبع خطوات وأهداف خطّته. غنيٌّ عن القول إن جميع الأشياء التي يحكمها الله تطيع أيضًا المبادئ التي يُمارَس بها سلطان الله، ولا يُعفى أيّ إنسانٍ أو شيءٍ من ترتيبات سلطانه، ولا يمكنها تغيير المبادئ التي تُمارَس بها سلطانه. في نظر الله، ينال المباركون النصيب الطيّب الذي يُقدّمه سلطانه، وينال الملاعين عقابهم بسبب سلطان الله. في ظلّ سيادة سلطان الله، لا يُعفى أيّ إنسانٍ أو شيءٍ من ممارسة سلطانه، ولا يمكنها تغيير المبادئ التي تُمارَس بها سلطانه. لا يتغيّر سلطان الخالق بالتغييرات في أيّ عاملٍ، وبالمثل، فإن المبادئ التي يُمارَس بها سلطانه لا تتغيّر لأيّ سببٍ من الأسباب. قد تخضع السماء والأرض لاضطراباتٍ كبيرة، لكن سلطان الخالق لن يتغيّر؛ قد تختفي جميع الأشياء، لكن سلطان الخالق لن يختفي أبدًا. هذا هو جوهر سلطان الخالق الخالد وغير القابل للإساءة، وهذا هو تفرّد الخالق!
الكلمات التالية لا غنى عنها لمعرفة سلطان الله، ويرد معناها في الخدمة أدناه. دعونا نواصل قراءة الكتاب المُقدّس.
4. أمر الله للشيطان
(أيوب 2: 6) "فَقَالَ يَهْوَه لِلشَّيْطَانِ: "هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ".
لم يتجرّأ الشيطان قط على تجاوز سلطان الخالق، وبسبب هذا تعيش جميع الأشياء في نظامٍ
هذا مقتطفٌ من سفر أيُّوب، وكلمة "هو" هنا تشير إلى أيُّوب. على الرغم من إيجاز هذه الجملة، إلّا أنها تُوضّح العديد من المسائل. إنها تصف حوارًا مُعيّنًا بين الله والشيطان في العالم الروحيّ، وتُخبِرنا بأن موضوع كلام الله كان الشيطان. كما تُسجّل ما قاله الله على وجه التحديد. كان كلام الله أمرًا وفرضًا للشيطان. تتعلّق التفاصيل المُحدّدة لهذا الأمر بعدم التعرّض لحياة أيُّوب، وحيثما رسم الله الخط في معاملة الشيطان لأيُّوب، كان على الشيطان أن يتجنّب التعرّض لحياة أيُّوب. أوّل شيءٍ نتعلّمه من هذه الجملة هو أن هذه الكلمات قالها الله للشيطان. يُخبِرنا النصّ الأصليّ لسفر أيُّوب عن خلفيّة هذه الكلمات: أراد الشيطان أن يتّهم أيُّوب، ولذا كان عليه أن يحصل على موافقة الله قبل أن يُجرّبه. وعند موافقة الله على طلب الشيطان بتجربة أيُّوب، وضع الله الشرط التالي أمام الشيطان: "هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ". ما طبيعة هذه الكلمات؟ من الواضح أنها أمرٌ وفرض. بعد أن فهمت طبيعة هذه الكلمات، يجب عليك بالطبع أن تفهم أيضًا أن من أصدر هذا الأمر هو الله، وأن من تلقّى هذا الأمر وأطاعه كان الشيطان. غنيٌّ عن القول إنه في هذا الأمر تتّضح العلاقة بين الله والشيطان لأيّ شخصٍ يقرأ هذه الكلمات. بالطبع، هذه أيضًا هي العلاقة بين الله والشيطان في العالم الروحيّ، والفرق بين هويّة ومكانة الله والشيطان، المنصوص عليها في سجلّات الحوارات بين الله والشيطان في الكتاب المُقدّس، وتمثل الفرق الواضح بين هوية ومكانة الله والشيطان، والذي يستطيع الإنسان معرفته، حتّى الآن، في المثال المُحدّد والسجلّ النصيّ. في هذه المرحلة، ينبغي عليَّ القول بأن سجلّ هذه الكلمات وثيقةٌ مُهمّة في معرفة البشريّة بهويّة الله ومكانته، ويُوفّر معلومات مُهمّة لمعرفة البشريّة بالله. من خلال هذا الحوار بين الخالق والشيطان في العالم الروحيّ، يستطيع الإنسان أن يفهم جانبًا أكثر تحديدًا في سلطان الخالق. هذه الكلمات شهادةٌ أخرى على السلطان الفريد للخالق.
ظاهريًّا، ينخرط يهوه الله في حوار مع الشيطان. أما من حيث المضمون، فإن الموقف الذي يتكلّم به يهوه الله والمركز الذي يقف فيه هما أعلى من موقف الشيطان ومركزه. وهذا يعني أن يهوه الله يأمر الشيطان بنبرة الأمر، ويُخبِر الشيطان بما يجب وما لا يجب أن يفعله، وأن أيُّوب بالفعل في يده، وأنه حرٌّ في أن يعامل أيُّوب كما يريد ولكنه غير مسموحٍ له بالتعرّض لحياة أيُّوب. أمّا النصّ الضمنيّ فهو أنه على الرغم من أن أيُّوب قد وُضِعَ في يد الشيطان، إلّا أن حياته لم تُقدّم للشيطان؛ لا يمكن لأحدٍ أن يأخذ حياة أيُّوب من يدي الله ما لم يسمح له الله. إن موقف الله شديد الوضوح في هذا الأمر للشيطان، وهذا الأمر يُظهِر أيضًا ويكشف عن الموقف الذي يتحدّث منه يهوه الله مع الشيطان. في هذا، لا يملك يهوه الله مكانة الإله الذي خلق النور والهواء وجميع الأشياء والكائنات الحيّة، أو الإله الذي يملك السيادة على جميع الأشياء والكائنات الحيّة فحسب، ولكن أيضًا الإله الذي يأمر البشريّة ويسيطر على الجحيم والله الذي يتحكّم في حياة جميع الكائنات الحيّة وموتها. في العالم الروحيّ، مَنْ غيرُ الله يجرؤ على إصدار مثل هذا الأمر للشيطان؟ ولماذا أصدر الله شخصيًّا أمره للشيطان؟ لأن حياة الإنسان، بما فيها حياة أيُّوب، يتحكّم بها الله. لم يسمح الله للشيطان بإيذاء حياة أيُّوب أو بأخذها، حتى عندما سمح للشيطان بإغواء أيوب، كان الله لا يزال يتذكّر أن يُصدِر مثل هذا الأمر بشكلٍ خاص، فأمر الشيطان مرّةً أخرى بألّا يأخذ حياة أيُّوب. لم يجرؤ الشيطان على تجاوز سلطان الله قط، وعلاوة على ذلك، كان دائمًا ما يستمع إلى أوامر الله وفروضه المُعيّنة ويطيعها، ولا يتجرّأ أبدًا على تحدّيها، وبالطبع لا يتجرّأ على تغيير أيٍّ من أوامر الله. هذه هي الحدود التي وضعها الله للشيطان، وهكذا لم يجرؤ الشيطان قط على تجاوز هذه الحدود. أليست هذه هي قوّة سلطان الله؟ أليست هذه شهادةً على سلطان الله؟ يملك الشيطان فهمًا أكثر وضوحًا بكثيرٍ من البشر حول كيفية التصرف تجاه الله، وكيفية النظر إليه، وهكذا، في العالم الروحيّ، يرى الشيطان مكانة الله وسلطانه بوضوحٍ شديد، ولديه تقديرٌ عميق لقوّة سلطان الله والمبادئ التي تستند إليها ممارسة سلطانه. لا يجرؤ الشيطان على الإطلاق على التغاضي عنها ولا يجرؤ على انتهاكها بأيّ شكلٍ من الأشكال أو عمل أيّ شيءٍ يتعدّى سلطان الله ولا يجرؤ على تحدّي غضب الله بأيّ شكلٍ من الأشكال. وعلى الرغم من أن الشيطان شريرٌ ومتكبّر بطبيعته، إلّا أنه لم يجرؤ مطلقًا على تجاوز الحدود والقيود التي حدّدها له الله. لملايين السنين، التزم التزامًا صارمًا بهذه الحدود، والتزم بكلّ أمرٍ وفرضٍ وضعه له الله، ولم يجرؤ قط على تجاوز الحدود. وعلى الرغم من كون الشيطان خبيثًا، فإنه أكثر حكمة من البشر الفاسدين؛ فهو يعرف هويّة الخالق ويعرف حدوده الخاصة. من أعمال الشيطان "الدالة على الخضوع" يمكن أن نرى أن سلطان الله وقوّته مرسومان سماويّان لا يمكن للشيطان تجاوزهما، وبفضل تفرّد وسلطان الله تحديدًا، تتغيّر جميع الأشياء وتتكاثر بطريقةٍ مُنظّمة، ويمكن للبشريّة أن تعيش وتتكاثر في سياق الدورة التي وضعها الله ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ إفساد هذا النظام ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ تغيير هذا القانون لأن هذا كلّه يأتي من يدي الخالق ومن أمر وسلطان الخالق.
الله وحده، الذي يملك هويّة الخالق، يملك السلطان الفريد
دفعت الهويّة الخاصة للشيطان الكثير من الناس لإظهار اهتمامٍ قويّ بإظهاراتها للعديد من الجوانب. هناك حتّى الكثير من الناس الحمقى الذين يعتقدون أن الشيطان، مثل الله، يملك السلطان لأن الشيطان قادرٌ على إظهار المعجزات وقادرٌ على عمل أشياء مستحيلة على البشر. وهكذا، بالإضافة إلى عبادة الله، يحتفظ الإنسان أيضًا بمكانٍ للشيطان في قلبه، كما أنه حتّى يعبد الشيطان باعتبار أنه الله. هؤلاء الناس يبعثون على الرثاء والمقت على حدٍّ سواء. إنهم يبعثون على الرثاء بسبب جهلهم ويبعثون على المقت بسبب بدعتهم وجوهر الشرّ المتأصّل فيهم. في هذه المرحلة، أشعر أنه من الضروريّ أن أُخبِركم بمعنى السلطان وما يرمز إليه وما يُمثّله. بشكلٍ عام، الله نفسه سلطان، وسلطانه يرمز إلى تفوّق الله وجوهره، وسلطان الله نفسه يُمثّل مكانة الله وهويّته. ما دامت هذه هي الحال، هل يجرؤ الشيطان على القول بأنه هو نفسه الله؟ هل يجرؤ الشيطان على القول بأنه خلق جميع الأشياء ويملك السيادة على جميع الأشياء؟ بالطبع لا يجرؤ! لأنه غير قادرٍ على خلق جميع الأشياء؛ فحتّى الآن، لم يصنع أيّ شيءٍ قط صنعه الله، ولم يخلق قط أيّ شيءٍ له حياةٌ. ولأنه لا يملك سلطان الله، فمن المحتمل ألّا يملك أبدًا مكانة الله وهويّته، وهذا ما يُحدّده جوهره. هل له قوّة الله نفسها؟ بالطبع لا! ماذا نُسمّي أفعال الشيطان، والمعجزات التي أظهرها الشيطان؟ هل نُسمّيها القوّة؟ هل يمكن أن نُسمّيها السلطان؟ بالطبع لا! الشيطان يُوجّه تيار الشرّ، كما أنه يُبطِل كلّ جانبٍ من جوانب عمل الله ويُضعِفه ويُعطّله. على مدى عدّة آلافٍ من السنين الماضية، وبصرف النظر عن إفساد الشيطان وإساءته للإنسان وإغرائه وإغوائه الإنسان بالفساد وبرفض الله حتّى يسير الإنسان نحو وادي ظلّ الموت، هل فعل الشيطان أيّ شيءٍ يستحقّ حتّى أدنى احتفاءٍ أو ثناءٍ أو تقديرٍ من الإنسان؟ لو امتلك الشيطان السلطان والقوّة، فهل كانت البشريّة ستفسد به؟ ولو امتلك الشيطان السلطان والقوّة، فهل كانت البشريّة ستتضرّر به؟ ولو امتلك الشيطان القوّة والسلطان، فهل كانت البشريّة ستترك الله وتتحوّل إلى الموت؟ بما أن الشيطان لا يملك السلطان أو القوّة، ما الذي يجب أن نستنتجه حول جوهر كلّ ما يفعله؟ هناك من يعرّف كلّ ما يفعله الشيطان على أنه مُجرّد خداعٍ، لكنني أعتقد أن هذا التعريف ليس مناسبًا تمامًا. هل الأفعال الشريرة لإفساده البشريّة مُجرّد خداعٍ؟ إن القوّة الشريرة التي آذى بها الشيطان أيُّوب ورغبته الشديدة في إيذائه وابتلاعه لم يكن من الممكن أن تتحقّقا بمُجرّد الخداع. عندما ننظر إلى المشهد نجد أنه في لحظاتٍ اختفت قطعان أيُّوب وماشيته التي كانت ترعى في كلّ مكانٍ عبر التلال والجبال؛ وفي لحظاتٍ اختفت ثروة أيُّوب الهائلة. هل كان من الممكن أن يتحقّق ذلك بمُجرّد الخداع؟ إن طبيعة كلّ ما يعمله الشيطان تتوافق وتنسجم مع المصطلحات السلبيّة مثل الإضعاف والتعطيل والإهلاك والإيذاء والشرّ والخبث والظلمة، وبالتالي فإن حدوث كلّ ما هو آثم وشرير يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأفعال الشيطان، ولا يمكن فصله عن الجوهر الشرير للشيطان. بغضّ النظر عن مدى "قوّة" الشيطان، وبغضّ النظر عن مدى جرأته وتطلّعه، وبغضّ النظر عن مدى قدرته على إلحاق الضرر، وبغضّ النظر عن مدى اتّساع نطاق طرقه التي يُفسِد بها الإنسان ويغويه، وبغضّ النظر عن مدى مهارة الحيل والمخططات التي يُرهِب بها الإنسان، وبغضّ النظر عن مدى قابليّة هيئته التي يوجد عليها للتغيّر، إلّا أنه لم يقدر قط على خلق شيءٍ حيّ واحد، ولم يقدر قط على وضع قوانين أو قواعد لوجود جميع الأشياء، ولم يقدر قط على حكم ومراقبة أيّ كائن، سواء كان حيًّا أم غير حي. داخل الكون والجَلَد لا يوجد شخصٌ أو كائن واحد وُلِدَ منه أو يوجد بسببه؛ ولا يوجد شخصٌ أو كائن واحد يخضع لحكمه أو سيطرته. وعلى العكس، فإنه لا يتوجّب عليه أن يعيش في ظلّ سلطان الله وحسب، ولكن، علاوة على ذلك، يتعيّن عليه أن يطيع جميع أوامر الله وفروضه. فبدون إذن الله، من الصعب على الشيطان أن يلمس حتّى قطرة ماءٍ أو حبّة رملٍ على الأرض؛ وبدون إذن الله، لا يملك الشيطان حتّى حريّة تحريك نملةٍ على الأرض – ناهيك عن تحريك الجنس البشريّ الذي خلقه الله. يرى الله أن الشيطان أدنى من الزنابق على الجبل ومن الطيور التي تُحلّق في الهواء ومن الأسماك في البحر ومن الديدان على الأرض. يتمثل دوره من بين جميع الأشياء في خدمة جميع الأشياء والعمل من أجل البشرية وخدمة عمل الله وخطة تدبيره. وبغض النظر عن مدى خبث طبيعته وشر جوهره، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنه عمله هو التقيد الصارم بوظيفته: كونه خادمًا لله ونقطة تعارض لله. هذا هو جوهر الشيطان ووضعه. إن جوهره غير مرتبطٍ بالحياة، وغير مرتبطٍ بالقوة وغير مرتبطٍ بالسلطان؛ إنه مجرد لعبةٍ في يد الله، مجرد آلةٍ في خدمة الله!
بعد فهم الوجه الحقيقيّ للشيطان، لا يزال الكثير من الناس لا يفهمون معنى السلطان، ولذلك اسمح لي بأن أقول لك! يمكن تفسير السلطان نفسه على أنه قوّة الله. أوّلًا، يمكن القول بكلّ تأكيدٍ إن كلًّا من السلطان والقوّة إيجابيّان. إنهما لا يرتبطان بأيّ شيءٍ سلبيّ، ولا علاقة لهما بأيّة كائناتٍ مخلوقة أو غير مخلوقةٍ. إن قوّة الله قادرةٌ على خلق أشياء من أيّ شكلٍ له حياةٌ وحيويّة، وهذا ما تُحدّده حياة الله. الله هو الحياة، ولذلك فهو مصدر جميع الكائنات الحيّة. علاوة على ذلك، يمكن لسلطان الله أن يجعل جميع الكائنات الحيّة تطيع كلّ كلمةٍ من الله، أي تأتي إلى الوجود وفقًا للكلمات الصادرة من فم الله وتعيش وتتكاثر بأمر الله، وبعد ذلك يحكم الله ويأمر جميع الكائنات الحيّة ولن يكون هناك انحرافٌ مطلقًا إلى أبد الآبدين. لا يوجد شخصٌ أو كائن لديه هذه الأشياء؛ ولكن الخالق وحده هو من يملك ويحمل مثل هذه القوّة، ولذا فإنها تُسمّى السلطان. هذا هو تفرّد الخالق. وعلى هذا النحو، بغضّ النظر عمّا إذا كانت كلمة "سلطان" نفسها أو جوهر هذا السلطان، فإنه لا يمكن ربط كلّ منهما إلّا بالخالق؛ لأنها رمزٌ للهويّة الفريدة ولجوهر الخالق وتُمثّل هويّة الخالق ومكانته. وبصرف النظر عن الخالق، لا يمكن ربط أيّ شخصٍ أو كائنٍ بكلمة "السلطان". هذا تفسيرٌ للسلطان الفريد للخالق.
على الرغم من أن الشيطان نظر إلى أيُّوب بعينٍ حاسدة، إلّا أنه دون إذن الله لم يجرؤ على لمس شعرةٍ واحدة من جسد أيُّوب. وعلى الرغم من كون الشيطان شريرًا وقاسيًا بطبيعته، فإنه بعد أن أصدر الله أمره له لم يكن أمام الشيطان خيارٌ سوى الالتزام بأمر الله. وهكذا، على الرغم من أن الشيطان كان مسعورًا كالذئب بين الحملان عندما هاجم أيُّوب، فإنه لم يجرؤ على نسيان الحدود التي وضعها له الله، ولم يجرؤ على انتهاك أوامر الله، وفي كلّ ما فعله الشيطان لم يجرؤ على الانحراف عن مبادئ كلام الله وحدوده – أليست هذه حقيقةً؟ من هذا يمكن ملاحظة أن الشيطان لا يجرؤ على خرق أيٍّ من كلام يهوه الله. فكلّ كلمةٍ من فم الله هي أمرٌ للشيطان وناموسٌ سماويّ وتعبيرٌ عن سلطان الله – لأنه وراء كلّ كلمةٍ من الله يكمن عقاب الله لأولئك الذين ينتهكون أوامر الله وأولئك الذين لا يطيعون النواميس السماويّة بل يعارضونها. يعرف الشيطان تمام المعرفة أنه إذا انتهك أوامر الله فسوف يتعيّن عليه قبول عواقب انتهاك سلطان الله ومعارضة النواميس السماويّة. وما هي هذه العواقب؟ غنيٌّ عن القول إنها عقاب الله. كانت تصرّفات الشيطان ضدّ أيُّوب مُجرّد صورةٍ مُصغّرة لفساد الإنسان، وعندما كان الشيطان يُؤدّي هذه الأعمال كانت الحدود التي وضعها الله والأوامر التي أصدرها للشيطان مُجرّد صورةٍ مُصغّرة للمبادئ وراء كلّ شيءٍ يفعله. علاوة على ذلك، كان دور الشيطان وموقفه في هذا الأمر مُجرّد صورةٍ مُصغّرة لدوره ومكانته في عمل تدبير الله، وكانت طاعة الشيطان الكاملة لله في إغواء أيُّوب مُجرّد صورةٍ مُصغّرة لمدى عدم جرأة الشيطان على إبداء أدنى معارضةٍ لله في عمل تدبير الله. ما التحذير الذي تُقدّمه لكم هذه الصور المُصغّرة؟ من بين جميع الأشياء، بما في ذلك الشيطان، لا يوجد شخصٌ أو شيءٌ يمكنه تجاوز النواميس والمراسيم السماويّة التي حدّدها الخالق، ولا يوجد شخصٌ أو شيءٌ يجرؤ على انتهاك هذه النواميس والمراسيم السماويّة، لأنه لا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ تبديلها أو الهروب من العقاب الذي يفرضه الخالق على من يخالفها. لا أحد سوى الخالق يمكنه وضع النواميس والمراسيم السماويّة، ولا أحد سوى الخالق يمكنه وضعها موضع التنفيذ، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو شيء تجاوز قوّة الخالق. هذا هو السلطان الفريد للخالق، وهذا السلطان سامٍ بين جميع الأشياء، وهكذا، فإنه من المستحيل القول بأن "الله هو الأعظم والشيطان في المرتبة الثانية". فباستثناء الخالق الذي يملك السلطان الفريد، لا يوجد إلهٌ آخر!
هل لديكم الآن معرفةٌ جديدة بسلطان الله؟ أوّلًا، هل هناك فرقٌ بين سلطان الله بحسب ما هو مذكورٌ للتوّ وقوّة الإنسان؟ وما الفرق؟ يقول بعض الناس إنه لا توجد مقارنةٌ بين الاثنين. ذلك صحيحٌ! على الرغم من أن الناس يقولون إنه لا توجد مقارنةٌ بين الاثنين، إلّا أنه في أفكار الإنسان ومفاهيمه غالبًا ما يتم الخلط بين قوّة الإنسان وبين السلطان، حيث يتمّ غالبًا مقارنة الاثنين معًا جنبًا إلى جنبٍ. ماذا يجري هنا؟ ألّا يرتكب الناس خطأ استبدال أحدهما بالآخر عن غير قصدٍ؟ الاثنان غير مرتبطين، وليست هناك مقارنةٌ بينهما، ولكن الناس لا يزالون غير قادرين على استيعاب ذلك. كيف يجب حلّ هذا؟ إذا رغبت حقًّا في إيجاد حلٍّ، فإن الطريقة الوحيدة هي فهم ومعرفة السلطان الفريد لله. بعد فهم ومعرفة سلطان الخالق لن تذكر قوّة الإنسان وسلطان الله في الوقت نفسه.
إلى ماذا تشير قوّة الإنسان؟ ببساطةٍ، إنها قدرةٌ أو مهارة تُمكّن طبيعة الإنسان الفاسدة ورغباته وأطماعه من التوسّع أو التحقّق إلى أقصى حدٍّ. هل يمكن اعتبار أن هذا هو السلطان؟ بغضّ النظر عن مدى تضخّم أو كثرة طموحات الإنسان ورغباته، لا يمكن القول إن هذا الشخص يملك السلطان؛ فعلى أقصى تقديرٍ لا يعدو هذا الانتفاخ والنجاح سوى دليلٍ على تهريج الشيطان بين البشر، وعلى أقصى تقديرٍ لا يعدو سوى مهزلةٍ يعمل فيها الشيطان باعتبار أنه سلفه من أجل تحقيق طموحه ليكون الله.
كيف ترى بالضبط سلطان الله الآن؟ بعد الشركة بهذه الكلمات، يجب أن تكون لديك معرفةٌ جديدة لسلطان الله. ولذلك أسألكم: إلى ماذا يرمز سلطان الله؟ هل يرمز إلى هويّة الله نفسه؟ هل يرمز إلى قوّة الله نفسه؟ هل يرمز إلى المكانة الفريدة لله نفسه؟ من بين جميع الأشياء، ما الذي رأيت فيه سلطان الله؟ وكيف رأيته؟ من حيث الفصول الأربعة التي يمرّ بها الإنسان، هل يمكن لأيّ شخصٍ تغيير قانون التبادل بين الربيع والصيف والخريف والشتاء؟ في الربيع تتفتّح الأشجار وتُزهِر؛ وفي الصيف تتغطّى بالأوراق؛ وفي الخريف تُثمِر؛ وفي الشتاء تسقط الأوراق. هل يمكن لأيّ شخصٍ تغيير هذا الناموس؟ هل يعكس هذا أحد جوانب سلطان الله؟ وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ. هل لا يزال هذا النور موجودًا؟ ولماذا يوجد؟ إنه موجودٌ بسبب كلام الله، بالطبع، وبسبب سلطان الله. هل ما زال الهواء الذي خلقه الله موجودًا؟ هل الهواء الذي يتنفّسه الإنسان يأتي من الله؟ هل يستطيع أيّ أحدٍ أن يأخذ الأشياء التي تأتي من الله؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يُغيّر جوهرها ووظيفتها؟ هل يستطيع أحدٌ إبطال الليل والنهار اللذين عيّنهما الله وناموس الليل والنهار الذي أمر به الله؟ هل يستطيع الشيطان فعل مثل هذا الشيء؟ حتّى إذا كنت لا تنام في الليل وتعتبر الليل نهارًا، فإنه لا يزال ليلًا؛ يمكنك تغيير عاداتك اليوميّة ولكن لا يمكنك تغيير قانون تعاقب الليل والنهار – وهذه الحقيقة لا يمكن لأيّ شخصٍ تغييرها، أليس كذلك؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يجعل أسدًا يحرث الأرض مثل الثور؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ تحويل الفيل إلى حمارٍ؟ هل يستطيع أيّ شخصٍ أن يجعل دجاجة تُحلّق في الهواء كالنسر؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يجعل ذئبًا يأكل العشب كالخروف؟ (كلا). هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يجعل السمك في الماء يعيش على اليابسة الجافة؟ لِمَ لا؟ ذلك لأن الله أمره بالعيش في الماء، وهكذا يعيش في الماء. ولأنه على الأرض لن يتمكّن من البقاء وسوف يموت؛ إنه لا يستطيع تجاوز حدود أمر الله. جميع الأشياء لها ناموسٌ واحد لوجودها، وكلٌ منها لديه غرائزه. هذه أوامر صادرة من الخالق، ولا يمكن لأيّ إنسانٍ تغييرها وتجاوزها. على سبيل المثال، سوف يعيش الأسد دائمًا في البريّة على مسافةٍ من تجمّعات الإنسان، ولا يمكنه أبدًا أن يكون منصاعًا ووفيًّا مثل الثور الذي يعيش مع الإنسان ويعمل لصالحه. على الرغم من أن الأفيال والحمير كلاهما من الحيوانات ولكلٍّ منهما أربع أرجل ويتنفّسان الهواء، إلّا أنهما نوعان مختلفان لأن الله قسّمهما إلى أنواعٍ مختلفة ولكلّ منهما غرائزه، وبالتالي لن يكونا قابلين للتبادل. وعلى الرغم من أن الدجاجة لها ساقان وأجنحة تشبه النسر، فإنها لن تتمكّن أبدًا من الطيران في الهواء؛ فعلى أكثر تقديرٍ يمكنها الطيران على شجرةٍ وهذا ما تُحدّده غرائزها. غنيٌّ عن القول إن هذا كلّه يعود إلى أوامر سلطان الله.
في تطوّر البشريّة اليوم، يمكن القول بأن العلم البشريّ مزدهرٌ، ويمكن وصف إنجازات الاستكشاف العلميّ للإنسان بأنها مثيرةٌ للإعجاب. وينبغي القول بأن قدرة الإنسان تنمو أكبر من أيّ وقتٍ مضى، ولكنْ هناك اختراقٌ علميّ واحد لم تتمكّن البشريّة من تحقيقه: لقد صنع الإنسان الطائرات وحاملات الطائرات والقنبلة الذريّة وصعد إلى الفضاء وسار على القمر واخترع الإنترنت وأصبح يعيش أسلوب حياة التكنولوجيا المُتقدّمة، ولكن الإنسان عاجزٌ عن خلق شيءٍ حيّ يتنفّس. إن غرائز كلّ كائنٍ حيّ والقوانين التي يعيش بها ودورة حياة وموت كلّ نوعٍ من أنواع الكائنات الحيّة – كلّها تفوق قدرة علم الإنسان ولا يمكن التحكّم فيها من خلاله. في هذه المرحلة ينبغي القول إنه بغضّ النظر عن مدى بلوغ علم الإنسان مستوياتٍ هائلة، فإنه لا يمكن مقارنته بأيٍّ من أفكار الخالق، كما أنه غير قادرٍ على التمييز بين إعجاز خلق الخالق وقوّة سلطانه. هناك الكثير جدًّا من المحيطات على الأرض، لكنها لم تتجاوز حدودها قط ولم تفض بمياهها على الأرض بحسب إرادتها، وذلك لأن الله وضع حدودًا لكلّ منها؛ لقد بقيت حيثما أمرها بالبقاء، وبدون إذن الله لا يمكنها التنقّل بحريّةٍ. بدون إذنٍ من الله لا يمكنها التعدي من بعضها على بعض، ولا يمكنها التحرّك إلّا عندما يأمرها الله بذلك، كما أن مسار ذهابها وبقائها يُحدّده سلطان الله.
بصراحةٍ، "سلطان الله" يعني أن الأمر متروكٌ لله. من حقّ الله أن يُقرّر كيفيّة عمل شيءٍ ما، كما أنه يعمله بالطريقة التي يريدها. يرجع قانون جميع الأشياء إلى الله وليس للإنسان؛ ولا يمكن للإنسان تغييره. لا يمكن لإرادة الإنسان تحريكه، ولكنه يتغيّر بأفكار الله وحكمة الله وأوامر الله، وهذه حقيقةٌ لا يمكن لأيّ إنسانٍ إنكارها. السماوات والأرض وجميع الأشياء والكون والسماء المُرصّعة بالنجوم والفصول الأربعة في السنة وكلّ ما هو مرئيٌّ وغير مرئيٍّ للإنسان – هذه كلّها توجد وتعمل وتتغيّر دون أدنى خطأٍ في ظلّ سلطان الله ووفقًا لأوامر الله ووفقًا لوصايا الله ووفقًا لقوانين بداية الخلق. لا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ واحد تغيير قوانينها أو تغيير المسار المتأصّل الذي تعمل بموجبه؛ لقد جاءت إلى حيّز الوجود بسبب سلطان الله وتفنى بسبب سلطان الله. هذا هو سلطان الله. بعد أن قلنا هذا كلّه، هل يمكن أن تشعر بأن سلطان الله رمزٌ لهويّة الله ومكانته؟ هل يمكن لأيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ امتلاك سلطان الله؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أو شيءٍ أو كائنٍ أن يُقلّده أو ينتحل هويّته أو يحلّ محلّه؟
هويّة الخالق فريدة ويجب ألّا تنسبها إلى فكرة تعدّد الآلهة
على الرغم من أن مهارات الشيطان وقدراته أكبر من مهارات الإنسان، وعلى الرغم من أنه يمكنه أن يفعل أشياءَ لا يمكن للإنسان تحقيقها، وبغضّ النظر عمّا إذا كنت تحسد الشيطان على ما لديه أو ترغبه، وبغضّ النظر عمّا إذا كنت تكره هذه الأشياء أو تشعر بالاشمئزاز منها، وبغضّ النظر عمّا إذا كنت قادرًا على رؤيتها أم لا، وبغضّ النظر عن مدى ما يمكن أن يُحقّقه الشيطان، أو عدد الأشخاص الذين يمكنه خداعهم لعبادته وتقديسه، وبغضّ النظر عن تعريفك له، فربّما لا يمكنك القول بأنه يملك سلطان الله وقوّته. يجب أن تعرف أن الله هو الله، وأن هناك إلهًا واحدًا فقط، وعلاوة على ذلك، يجب أن تعرف أن الله وحده يملك السلطان، وأنه وحده يملك القوّة على حكم ميع الأشياء والسيطرة عليها. ولأن الشيطان يملك القدرة على خداع الناس، ويمكنه أن ينتحل شخصيّة الله، ويمكنه تقليد الآيات والمعجزات التي صنعها الله، وصنع أشياءً مشابهة مثل الله، فأنت تؤمن مخطئًا أن الله ليس فريدًا وأن هناك آلهة مُتعدّدة، وأن هذه الآلهة المختلفة تملك مهارات أكبر أو أقلّ، وأن هناك اختلافات في اتّساع القوّة التي تملكها. وأنت تضع عظمتها بترتيب مجيئها وبحسب سنّها، وتؤمن مخطئًا أن هناك آلهة أخرى غير الله، وتعتقد أن قوّة الله وسلطانه ليسا فريدين. إذا كانت لديك مثل هذه الأفكار، وإذا كنت لا تعترف بتفرّد الله ولا تؤمن بأن الله وحده يملك السلطان، وإذا كنت لا تعتقد سوى بتعدّد الآلهة، فإني أقول إنك حثالة المخلوقات، وإنك التجسيد الحقيقيّ للشيطان، وإنك غارقٌ في الشرّ! هل تفهم ما الذي أحاول أن أُعلّمك إياه بقولي هذه الكلمات؟ بغضّ النظر عن الوقت أو المكان أو الخلفيّة، ينبغي ألّا تخلط بين الله وبين أيّ شخصٍ أو شيءٍ أو كائنٍ آخر. بغضّ النظر عن مدى عدم إمكانيّة معرفة أو بلوغ سلطان الله وجوهر الله نفسه، وبغضّ النظر عن مدى توافق أفعال الشيطان وكلماته مع إدراكك وخيالك، وبغضّ النظر عن مدى إرضائها لك، لا تكن أحمق، ولا تخلط بين هذه المفاهيم، ولا تُنكِر وجود الله، ولا تُنكِر هويّة الله ومكانته، ولا تُخرِج الله وتُدخِل الشيطان ليحلّ محلّ الله في قلبك فيكون إلهك. ليس لديّ أدنى شكٍّ في أنكم قادرون على تخيّل عواقب ذلك!
على الرغم من فساد الإنسان، فإنه لا يزال يعيش في ظلّ سيادة سلطان الخالق
ظلّ الشيطان يُفسِد البشريّة منذ آلاف السنين. لقد تسبّب في مقادير لا تُوصف من الشرّ، وخدع جيلًا بعد جيلٍ، وارتكب جرائم شنيعة في العالم. أساء للإنسان وخدع الإنسان وأغوى الإنسان ليعارض الله وارتكب أعمالًا شريرة أربكت خطّة تدبير الله وعطلّتها مرارًا وتكرارًا. ومع ذلك، فإنه في ظلّ سلطان الله، تستمرّ جميع الأشياء والمخلوقات الحيّة في الالتزام بالقواعد والقوانين التي وضعها الله. وبالمقارنة بسلطان الله، فإن طبيعة الشيطان الشريرة وهياجه في منتهى القبح والاشمئزاز والحقارة والدناءة والضعف. وعلى الرغم من أن الشيطان يتمشّى بين جميع الأشياء التي خلقها الله، فإنه غير قادرٍ على سنّ أيّ تغييرٍ في الناس والأشياء والكائنات التي يأمرها الله. مرّت عدّة آلافٍ من السنين، وما زال الإنسان ينعم بالنور والهواء اللذين منحهما الله، وما زال يتنفّس بالنفس الذي أطلقه الله نفسه، وما زال يتمتّع بالزهور والطيور والأسماك والحشرات التي خلقها الله ويتمتّع بجميع ما قدّمه الله، كما أن الليل والنهار لا يزالان يتعاقبان باستمرارٍ، والفصول الأربعة ما زالت تتعاقب كالمعتاد، والإوزّ المُحلّق في السماء يهاجر في هذا الشتاء وما زال يعود في الربيع المقبل، والأسماك في الماء لا تترك الأنهار والبحيرات مساكنها أبدًا، وحشرة السيكادا (الزيز) المُتحرّكة على الأرض تُغنّي من قلبها خلال أيام الصيف، والصراصير في العشب تُهمهِم بلطفٍ في الوقت المناسب للرياح خلال فصل الخريف، والإوزّ تتجمّع في قطعانٍ بينما تبقى النسور منفردة، والأسود المتفاخرة تعول نفسها بالصيد، والأيائل لا تبتعد عن العشب والأزهار...كلّ نوعٍ من الكائنات الحيّة بين جميع الأشياء يهاجر ويعود ثم يهاجر مرّةً أخرى، بحيث يحدث مليون تغييرٍ في طرفة عينٍ، ولكن ما لا يتغيّر هو غرائزها وقوانين البقاء. إنها تعيش في ظلّ تدبير الله وعنايته، ولا أحد يمكنه تغيير غرائزها، ولا أحد يمكنه إضعاف قواعد البقاء. على الرغم من أن الإنسان، الذي يعيش بين جميع الأشياء، قد تعرّض للفساد والخداع من الشيطان، فإن الإنسان لا يستطيع التخلّي عن الماء الذي خلقه الله، والهواء الذي صنعه الله، وجميع الأشياء التي صنعها الله، وما زال الإنسان يعيش ويتكاثر في هذا الفضاء الذي خلقه الله. إن غرائز الإنسان لم تتغيّر. ما زال الإنسان يعتمد على عينيه للرؤية وعلى أذنيه للسمع وعلى عقله للتفكير وعلى قلبه للفهم وعلى ساقيه وقدميه للمشي وعلى يديه للعمل وهكذا. لم يطرأ تغير على جميع الغرائز التي وهبها الله للإنسان حتّى يتمكّن من قبول تدبير الله، كما أن القدرات التي يتعاون الإنسان من خلالها مع الله لم تتغيّر، فقدرة الإنسان على أداء واجب كائنٍ مخلوق لم تتغيّر، واحتياجات الإنسان الروحيّة لم تتغيّر، ورغبة الإنسان في إيجاد أصوله لم تتغيّر، وحنين الإنسان لخلاص الخالق لم يتغيّر. هذه هي الظروف الحاليّة للإنسان الذي يعيش في ظلّ سلطان الله، وتحمّل الهلاك الدمويّ الذي تسبّب به الشيطان. وعلى الرغم من تعرّض البشريّة لقمع الشيطان، ورغم أنَّها لم تعُد على صورة آدم وحواء التي كانا عليها في بداية الخليقة، فإنها صارت بدلًا من ذلك مليئة بالأمور التي تُعادي الله مثل المعرفة والخيال والمفاهيم، وما إلى ذلك، ومليئة بالشخصيَّة الشيطانيّة الفاسدة، فإن الله ينظر إلى البشريّة على اعتبار أنها البشريّة نفسها التي خلقها. لا يزال الله يحكم البشريّة ويُنظّمها، وما زال الإنسان يعيش ضمن المسار الذي حدّده الله، وهكذا يعتبر الله أن البشريّة التي أفسدها الشيطان أصبحت تُغطّيها الأوساخ، بدون أيّة مقاومةٍ، وبردود أفعالٍ بطيئة قليلًا، وبذاكرةٍ لم تعد كما كانت عليه، وبعمرٍ أكبر قليلًا – ولكن جميع وظائف الإنسان وغرائزه لم تُمَس بأذى على الإطلاق. هذه هي البشريّة التي ينوي الله أن يُخلّصها. وهذه البشريّة ليس عليها سوى أن تسمع نداء الخالق، وتسمع صوته، وتقف وتهرع لتحديد مصدر هذا الصوت. ليس على هذه البشريّة سوى أن ترى شخص الخالق، وأن تصبح غافلةً عن كلّ شيءٍ آخر، وتتخلّى عن كلّ شيءٍ لكي تُكرّس نفسها لله بل لكي تضع حياتها من أجله. عندما يفهم قلب البشريّة كلام الخالق المفعم بالمشاعر، سوف ترفض البشريّة الشيطان وتأتي إلى جانب الخالق، وعندما تغسل البشريّة الأوساخ التي عليها بالتمام وتنعم مرّةً أخرى بتدبير الخالق وعنايته، سوف تُستعاد ذاكرة البشريّة، وحينئذٍ ستكون البشريّة قد عادت حقًا إلى سيادة الخالق.
14 ديسمبر/كانون الأول 2013