معرفة الله 3
كلمات الله اليومية اقتباس 83
الله يستخدم الكلام لخلق جميع الأشياء
(التكوين 1: 3-5) وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ ٱللهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلنُّورَ نَهَارًا، وَٱلظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.
(التكوين 1: 6-7) وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ". فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ. وَكَانَ كَذَلِكَ.
(التكوين 1: 9-11) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ". وَكَانَ كَذَلِكَ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ ٱلْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ.
(التكوين 1: 14-15) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ.
(التكوين 1: 20-21) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَفِضِ ٱلْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ ٱلْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ". فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلتَّنَانِينَ ٱلْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحيَّةِ ٱلدَّبَّابَةِ ٱلْتِى فَاضَتْ بِهَا ٱلْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.
(التكوين 1: 24-25) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا". وَكَانَ كَذَلِكَ. فَعَمِلَ ٱللهُ وُحُوشَ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَٱلْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.
في اليوم الأوّل يولد نهارُ البشريّة وليلُها ويَثبُتان بفضل سلطان الله
دعونا ننظر في المقطع الأوّل: وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ ٱللهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلنُّورَ نَهَارًا، وَٱلظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا (التكوين 1: 3-5). يصف هذا المقطع أوّل عملٍ لله في بداية الخلق، واليوم الأوّل الذي قضاه الله وكان له مساءٌ وصباح. ولكنه كان يومًا استثنائيًّا: فالله بدأ يُجهّز النور لجميع الأشياء، وعلاوة على ذلك، فصل بين النور والظلمة. بدأ الله يتكلّم في هذا اليوم، وتوحّد كلامه وسلطانه جنبًا إلى جنبٍ. بدأ سلطانه في الظهور بين جميع الأشياء، وانتشرت قوّته بين جميع الأشياء نتيجةً لكلامه. من هذا اليوم فصاعدًا، تشكّلت جميع الأشياء وثبتت بسبب كلام الله، وسلطان الله، وقوّة الله، وبدأت في العمل بفضل كلام الله، وسلطان الله، وقوّة الله. عندما قال الله "لِيَكُنْ نُورٌ"، كان نورٌ. لم يشرع الله في أيّ عملٍ؛ فالنور ظهر نتيجةً لكلامه. كان هذا هو النور الذي دعاه الله نهارًا، والذي لا يزال يعتمد عليه الإنسان في وجوده اليوم. وبأمر الله، لم يتغيّر جوهره وقيمته قط، ولم يختفِ مطلقًا. يكشف وجوده سلطان الله وقوّته، ويُعلِن وجود الخالق، ويُؤكّد، مرارًا وتكرارًا، هويّة الخالق ومكانته. إنه ليس نورًا معنوياً أو وهميًّا، ولكنه نورٌ حقيقيّ يمكن أن يراه الإنسان. من ذلك الوقت فصاعدًا، في هذا العالم الخالي الذي كانت فيه "ٱلْأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ ظُلْمَةٌ"، ظهر أوّل شيءٍ ماديّ. جاء هذا الشيء من كلام الله، وظهر في أوّل عملٍ من خلق جميع الأشياء بسبب سلطان الله وكلامه. وبعد فترةٍ وجيزة، أمر الله بأن ينفصل النور عن الظلمة... تغيّر كلّ شيءٍ واكتمل بسبب كلام الله... دعا الله هذا النور "نهارًا"، والظلمة دعاها "ليلًا". ومنذ ذلك الوقت، ظهر أوّل مساءٍ وأوّل صباحٍ في العالم الذي أراد الله خلقه، وقال الله إن هذا كان اليوم الأوّل. كان هذا اليوم هو اليوم الأوّل من خلق الخالق لجميع الأشياء، وكان بداية خلق جميع الأشياء، وكان المرّة الأولى التي ظهر فيها سلطان الخالق وقوّته في هذا العالم الذي خلقه.
يستطيع الإنسان من خلال هذا الكلام أن ينظر إلى سلطان الله، وسلطان كلام الله، وقوّة الله. لا يملك أحدٌ سوى الله مثل هذه القوّة، وبالتالي لا يملك أحدٌ سوى الله مثل هذا السلطان، ولأن الله يملك مثل هذا السلطان فإن الله وحده هو من يملك مثل هذه القوّة. هل يمكن لأيّ إنسانٍ أو كائنٍ أن يملك مثل هذا السلطان والقوّة؟ هل هناك جوابٌ في قلوبكم؟ بصرف النظر عن الله، هل يملك أيّ مخلوقٍ أو غير مخلوقٍ هذا السلطان؟ هل سبق وشاهدتم مثالًا على مثل هذا الشيء في أيّة كتبٍ أو مطبوعاتٍ أخرى؟ هل هناك أيّ سجلٍ بأن شخصًا ما خلق السموات والأرض وجميع الأشياء؟ لا يظهر هذا في أيّة كتبٍ أو سجلّات أخرى؛ فهذه بالطبع هي الكلمات الوحيدة الموثوقة والقويّة عن خلق الله البديع للعالم، والتي يُسجّلها الكتاب المُقدّس، وهذه الكلمات تتحدّث عن السلطان الفريد لله والهويّة الفريدة لله. هل يمكن القول بأن هذا السلطان والقوّة يرمزان إلى الهويّة الفريدة لله؟ هل يمكن القول بأن الله يملكها، وليس سواه؟ لا شكّ أن الله وحده يملك مثل هذا السلطان والقوّة! لا يمكن لأيّ مخلوقٍ أو غير مخلوقٍ أن يملك مثل هذا السلطان والقوّة أو يحلّ محلّهما! هل هذه واحدةٌ من سمات الله الفريد نفسه؟ هل شهدتم على ذلك؟ هذه الكلمات سرعان ما تسمح للناس بوضوحٍ بفهم حقيقة أن الله يملك سلطانًا فريدًا وقوّة فريدة وهويّة ومكانة ساميتين. من هذه الخدمة أعلاه، هل يمكنكم القول بأن الله الذي تؤمنون به هو الله الفريد نفسه؟
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 84
في اليوم الثاني، يُرتّب سلطان الله المياه ويصنع الجَلَد ويظهر فضاءٌ من أجل البقاء الأساسيّ للبشر
وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ". فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ. وَكَانَ كَذَلِكَ (التكوين 1: 6-7). ما التغيّرات التي حدثت بعد أن قال الله "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ"؟ يقول الكتاب المُقدّس: "فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ". ماذا كانت النتيجة بعد أن تكلّم الله وعمل هذا؟ تكمن الإجابة في الجزء الأخير من المقطع: "وَكَانَ كَذَلِكَ".
تُسجّل هاتان العبارتان القصيرتان حدثًا رائعًا وتصفان مشهدًا بديعًا – المبادرة الهائلة التي نظّم فيها الله المياه وخلق فضاءً يمكن أن يوجد فيه الإنسان...
في هذه الصورة تظهر المياه والجَلَد أمام عينيّ الله في لحظةٍ، وينقسمان من خلال سلطان كلام الله، وينفصلان إلى أعلى وأسفل بالطريقة التي يُعيّنها الله. وهذا يعني أن الجَلَد الذي خلقه الله لم يكن يغطي المياه من أسفل وحسب، بل كان يدعم المياه من أعلى أيضًا... وفي هذا لا يسع الإنسان سوى أن يتعجّب حائرًا ويقف مذهولًا أمام روعة المشهد الذي نقل فيه الخالق المياه وأمر المياه وخلق الجَلَد بقوّة سلطانه. من خلال كلام الله، وقوّة الله، وسلطان الله، حقّق الله إنجازًا عظيمًا آخر. أليست هذه هي قوّة سلطان الخالق؟ دعونا نستخدم الأسفار المُقدّسة لشرح أفعال الله: تكلّم الله بكلامه، وبسبب كلام الله هذا كان هناك جَلَدٌ في وسط المياه. وفي الوقت نفسه، حدث تغييرٌ هائل في هذا الفضاء بسبب كلام الله هذا، ولم يكن تغييرًا بالمعنى العاديّ، بل نوعًا من الاستبدال صار فيه العدم شيئًا. وُلِدَ من أفكار الخالق، وأصبح شيئًا من العدم بسبب الكلام الذي تكلّم به الخالق، وعلاوة على ذلك، من هذه النقطة فصاعدًا أصبح مصيره الوجود والثبات من أجل الخالق وتحوّل وتغيّر وتجدّد بحسب أفكار الخالق. يصف هذا المقطع الفعل الثاني من أفعال الخالق في خلقه للعالم كلّه. كان تعبيرًا آخر عن سلطان الخالق وقوّته، وكان عملًا رائدًا آخر من أعمال الخالق. كان هذا اليوم هو اليوم الثاني الذي مرّ به الخالق منذ تأسيس العالم، وكان يومًا رائعًا آخر له: سار بين النور وصنع الجَلَد ورتّب المياه وحكمها، وتوحّدت أفعاله وسلطانه وقوّته للعمل في اليومٍ الجديد...
هل كان هناك جَلَدٌ في وسط المياه قبل أن ينطق الله كلامه؟ بالطبع لا! وماذا بعد أن قال الله: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ"؟ ظهرت الأشياء التي أرادها الله؛ كان هناك جَلَدٌ في وسط المياه وانفصلت المياه لأن الله قال: "وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ". وبهذه الطريقة، بعد كلام الله، ظهر شيئان جديدان، شيئان حديثان بين جميع الأشياء كنتيجةٍ لسلطان الله وقوّته. وما شعوركم إزاء ظهور هذين الشيئين الجديدين؟ هل تشعرون بعظمة قوّة الخالق؟ هل تشعرون بالقوة الفريدة والاستثنائيّة للخالق؟ ترجع عظمة هذه القوّة إلى سلطان الله، وهذا السلطان تمثيلٌ لله نفسه، وسمةٌ فريدة لله نفسه.
هل أضفى عليكم هذا المقطع شعورًا عميقًا آخر بتفرّد الله؟ لكن هذا أبعد ما يكون عن أن يكون أمرًا كافيًا؛ فسلطان الخالق وقوّته أبعد من ذلك. لا يقتصر تفرّده على أن له جوهراً يختلف عن جوهر أيّ مخلوقٍ، ولكن أيضًا لأن سلطانه وقوّته لا مثيل لهما ولا حدود لهما ويتجاوزان كلّ شيءٍ ويتساميان على كلّ شيءٍ، وعلاوة على ذلك، لأن سلطانه وماهيته وما لديه يمكنهما خلق الحياة وصنع المعجزات، ويمكنهما إبداع كلّ دقيقةٍ وثانية مدهشة واستثنائيّة، وفي الوقت نفسه، يمكنه أن يحكم الحياة التي يخلقها ويملك السيادة على المعجزات وعلى كلّ دقيقةٍ وثانية يخلقها.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 85
في اليوم الثالث ولد كلام الله الأرض والبحار وسلطان الله جعل العالم يحفل بالحياة
الجملة الأولى من التكوين 1: 9-11: "وَقَالَ ٱللهُ: لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ". ما التغيّرات التي حدثت بعد أن قال الله: "لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ"؟ وما الذي كان في هذا الفضاء بخلاف النور والجَلَد؟ مكتوبٌ في الأسفار المُقدّسة: "وَدَعَا ٱللهُ ٱلْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ ٱلْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". وهذا يعني أنه صارت توجد الآن الأرض والبحار في هذا الفضاء، وأن الأرض انفصلت عن البحار. كان ظهور هذه الأشياء الجديدة يتبع الأمر الصادر من فم الله: "وَكَانَ كَذَلِكَ". هل تصف الأسفار المُقدّسة الله مشغولًا بينما كان يفعل ذلك؟ هل تصفه منخرطًا في عملٍ بدنيّ؟ إذًا، كيف عمل الله هذا كلّه؟ كيف أحدث الله هذه الأشياء الجديدة؟ من الواضح أن الله استخدم الكلام لتحقيق هذا كلّه، ولخلق هذا كلّه. ...
...دعونا نواصل إلى الجملة الأخيرة من هذا المقطع: وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ. بينما كان الله يتكلّم، ظهرت جميع هذه الأشياء إلى حيّز الوجود بعد أفكار الله، وفي لحظةٍ، كانت مجموعةٌ متنوّعة من أشكال الحياة الصغيرة الرقيقة تظهر برؤوسها من خلال التربة وقبل أن تزيل حتّى أجزاء التراب من على أجسادها كانت تُلوّح في لهفةٍ لبعضها البعض في تحيّةٍ وإيماءة وبسمة للعالم. كانت تشكر الخالق على الحياة التي منحها لها، وتُعلِن للعالم أنها جزءٌ من جميع الأشياء، وأن كلًّا منها سوف يُكرِس حياته لإظهار سلطان الخالق. عندما نطق الله كلامه، أصبحت الأرض خصبةً وخضراء، ونبتت جميع أنواع الأعشاب التي يمكن أن يتمتّع بها الإنسان ونمت من الأرض، وأصبحت الجبال والسهول عامرةً بالأشجار والغابات... أمّا هذا العالم القاحل، الذي لم يكن فيه أيّ أثرٍ للحياة، فتغطّى بسرعةٍ بمقدارٍ وفير من الحشائش والأعشاب والأشجار وصار يفيض بالخضرة…. انتشر عبير العشب ورائحة التربة عبر الهواء، وبدأت مجموعةٌ من النباتات تتنفّس بالتوازي مع دوران الهواء، وبدأت عملية النموّ. وفي الوقت نفسه، بفضل كلام الله واتّباع أفكار الله، بدأت جميع النباتات دورات الحياة الدائمة التي تنمو فيها وتُزهِر وتحمل الثمار وتتكاثر. بدأت في التقيّد الصارم بدورات حياتها، وبدأت في أداء أدوارها بين جميع الأشياء... وُلِدَت جميعها وعاشت بسبب كلام الخالق. صارت تنال التدبير والعناية المتواصلين من الخالق، وأصبحت تتشبث دوماً بالبقاء في كلّ ركنٍ من أركان الأرض لإظهار سلطان الخالق وقوّته، وأصبحت تُظهِر دائمًا قوّة الحياة التي منحها الخالق إياها...
إن حياة الخالق استثنائيّة، وأفكاره استثنائيّة، وسلطانه استثنائيّ، وهكذا فإنه عندما نُطِقَ كلامه كانت النتيجة النهائيّة: "وَكَانَ كَذَلِكَ". من الواضح أن الله ليس بحاجةٍ للعمل بيديه؛ ولكنه يستخدم أفكاره وحسب للحكم وكلامه لإصدار أوامره، وبهذه الطريقة تتحقّق الأشياء. في هذا اليوم، جمع الله المياه معًا إلى مكانٍ واحد وجعل اليابسة تظهر، وبعد ذلك جعل الله العشب ينبت من الأرض، فنمت الأعشاب والبقول التي تُبزِر البذور والأشجار التي تحمل الفاكهة، وصنّفها الله بحسب نوعها وجعل لكلٍّ منها بذرتها. تحقّق هذا كلّه وفقًا لأفكار الله وأوامر كلام الله، وظهرت كلٌّ منها، واحدةً فواحدة، في هذا العالم الجديد.
قبل أن يبدأ الله عمله، كانت لديه بالفعل صورةٌ لما كان ينوي تحقيقه في ذهنه، وعندما بدأ الله في تحقيق هذه الأشياء، وأيضًا عندما فتح الله فاه ليتحدّث عن محتوى هذه الصورة، بدأت التغييرات في جميع الأشياء تحدث بفضل سلطان الله وقوّته. بصرف النظر عن كيفيّة قيام الله بذلك أو كيفيّة مباشرته لسلطانه، تحقّق كلّ شيءٍ خطوةً بخطوةٍ وفقًا لخطّة الله وبسبب كلام الله، وحدثت التغييرات خطوةً بخطوةٍ بين السماء والأرض بفضل كلام الله وسلطانه. أظهرت جميع هذه التغييرات والأحداث سلطان الخالق، وتفرّد وعظمة قوّة حياة الخالق. أفكاره ليست أفكارًا بسيطة أو صورةً فارغة، ولكنها سلطانٌ يملك حيويّة وطاقة استثنائيّتين، وهي القدرة على جعل جميع الأشياء تتغيّر وتنتعش وتتجدّد وتفنى. وبسبب هذا، تعمل جميع الأشياء بسبب أفكاره، وفي الوقت نفسه، فإنها تتحقّق بسبب الكلمات من فمه...
قبل أن تظهر جميع الأشياء، تشكّلت في أفكار الله خطّةٌ كاملة منذ القِدَم، وتحقّق عالمٌ جديد منذ زمنٍ بعيد. وعلى الرغم من أنه في اليوم الثالث ظهرت جميع أنواع النباتات على الأرض، فإن الله لم يكن لديه أيّ سببٍ يجعله يوقف خطوات خلقه لهذا العالم. لقد قصد الاستمرار في نطق كلامه، والاستمرار في تحقيق خلق كلّ شيءٍ جديد. كان يتكلّم ويُصدِر أوامره ويمارس سلطانه ويُظهِر قوّته، وقد أعدّ كلّ شيءٍ خطّط لإعداده لجميع الأشياء والبشريّة التي قصد أن يخلقها...
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 86
في اليوم الرابع تُخلَق مواسم البشريّة وأيامها وسنونها فيما يمارس الله سلطانه مرّةً أخرى
استخدم الخالق كلماته لإنجاز خطّته، وبهذه الطريقة أمضى الأيام الثلاثة الأولى من خطّته. خلال هذه الأيام الثلاثة، لم يكن الله مشغولًا أو مُرهِقًا نفسه؛ ولكن على العكس من ذلك أمضى ثلاثة أيامٍ رائعة من خطّته، وحقّق العمل العظيم المُتمثّل في التحوّل الجذريّ للعالم. ظهر عالمٌ جديد تمامًا أمام عينيه، والصورة الجميلة التي كانت مغلقةً في أفكاره انكشفت أخيرًا قطعةً قطعة في كلام الله. كان ظهور كلّ شيءٍ جديد أشبه بولادة طفلٍ، وسُرّ الخالق بالصورة التي كانت في أفكاره ذات يومٍ ولكنها ظهرت اليوم إلى حيّز الوجود. في هذا الوقت، نال قلبه قسطًا من الرضا، لكن خطّته كانت قد بدأت للتوّ. في غمضة عينٍ وصل يومٌ جديد—وماذا كانت الصفحة التالية في خطّة الخالق؟ ماذا قال؟ وكيف مارس سلطانه؟ وفي الوقت نفسه، ما الأشياء الجديدة التي ظهرت في هذا العالم الجديد؟ بعد إرشاد الخالق، ننظر في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء، وهو يومٌ كان بدايةً جديدة أخرى. كان الخالق يعتبره بالطبع وبلا شكٍّ يومًا رائعًا آخر، ويومًا آخر له أهميّةٌ قصوى للبشريّة اليوم. كان بالطبع يومًا له قيمةٌ لا تُقدّر بثمنٍ. ما مدى روعته، وما مقدار أهميّته، وما مدى قيمته؟ دعونا نستمع أوّلًا إلى الكلمات التي تحدّث بها الخالق...
"وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ" (التكوين 1: 14-15). كان هذا مجهودٌ آخر لسلطان الله الذي أظهرته المخلوقات بعد خلقه لليابسة الجافة والنباتات الموجودة فيها. رأى الله أن مثل هذا العمل كان سهلًا بالقدر نفسه لأن الله يملك مثل هذه القوّة؛ الله صالحٌ صلاح كلمته، وكلمته لا بدّ أن تُنجَز. أمر الله بأن تظهر الأنوار في السماء، وهذه الأنوار لم تُشرِق في السماء وعلى الأرض فحسب، بل كانت أيضًا بمثابة علامات للنهار والليل والفصول والأيام والسنوات. وبهذه الطريقة، فيما كان الله ينطق كلامه كان كلّ عملٍ أراد الله تحقيقه يتحقّق وفقًا لقصد الله وبالطريقة التي عيّنها الله.
الأنوار في السماء مادةٌ في السحاب يمكنها أن تشعّ الضوء ويمكنها أن تضيء السحاب ويمكنها أن تضيء الأرض والبحار. إنها تدور وفقًا للإيقاع والتكرار اللذين قرّرهما الله، وتضيء فترات زمنيّة مختلفة على الأرض، وبهذه الطريقة فإن دورات حركة الأنوار تُحدِث الليل والنهار في الشرق والغرب من الأرض، وليست فقط علامات لليل والنهار ولكنها أيضًا من خلال هذه الدورات المختلفة تُحدّد الأعياد والأيام الخاصة المختلفة للبشريّة. إنها التكملة المثاليّة للفصول الأربعة ورفيقها: الربيع والصيف والخريف والشتاء – التي يُصدِرها الله، والتي تؤدي معها الأنوار في اتّساقٍ دور العلامات المنتظمة والدقيقة للفترات والأيام والسنين القمريّة للبشريّة. على الرغم من أن البشريّة لم تفهم وتواجه انفصال الفترات والأيام والسنين القمريّة التي تُحدِثها الأنوار التي خلقها الله إلّا بعد ظهور الزراعة، فإن الفترات والأيام والسنين القمريّة كما يفهمها الإنسان اليوم بدأت تظهر في الواقع في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء، وكذلك دورات التبادل للربيع والصيف والخريف والشتاء التي يمرّ بها الإنسان بدأت منذ زمنٍ بعيد في اليوم الرابع من خلق الله لجميع الأشياء. وقد مكّنت الأنوارُ التي خلقها الله الإنسانَ من التفريق بانتظامٍ ووضوح بين الليل والنهار، وحساب الأيام، والتتبّع الواضح للفترات والسنوات القمريّة. (كان يوم اكتمال القمر هو اكتمال الشهر، ومن هذا عرف الإنسان أن إضاءة الأنوار بدأت دورةً جديدة؛ وكان يوم عدم اكتمال القمر (الهلال). هو اكتمال نصف شهرٍ، والذي عرف الإنسان من خلاله بداية فترةٍ قمريّة جديدة ويمكن من خلاله استنتاج عدد الأيام والليالي في الفترة القمريّة، وعدد الفترات القمريّة في الفصل، وعدد الفصول في السنة، وكلّها كانت تُعرَض بانتظامٍ). وهكذا تمكّن الإنسان بسهولةٍ من تتبّع الفترات والأيام والسنين القمريّة التي تُميّزها دورات حركة الأنوار. من هذه النقطة فصاعدًا عاشت البشريّة وجميع الأشياء بلا وعيٍ بين التبادل المُنظّم لليل والنهار وتعاقب الفصول بفضل دورات الأنوار. كانت هذه هي أهميّة خلق الخالق للأنوار في اليوم الرابع. وبالمثل، لا تزال أهداف وأهميّة هذا العمل الذي أتمّه الخالق لا تنفصل عن سلطانه وقوّته. وهكذا فإن الأنوار التي صنعها الله والقيمة التي كانت ستُقدّمها للإنسان في وقتٍ قريب معلمًا رئيسيًّا آخر في ممارسة سلطان الخالق.
في هذا العالم الجديد، قبل ظهور البشر، كان الخالق قد أعدّ المساء والصباح والجَلَد واليابسة والبحار والحشائش والأعشاب ومختلف أنواع الأشجار والأنوار والفصول والأيام والسنوات من أجل الحياة الجديدة التي سوف يخلقها عن قريبٍ. تمّ التعبير عن سلطان الخالق وقوّته في كلّ شيءٍ جديد خلقه، كما أن كلماته وإنجازاته وقعت في وقتٍ واحد، دون أدنى تناقض، ودون أدنى فاصلٍ. كان ظهور جميع هذه الأشياء الجديدة وميلادها دليلًا على سلطان الخالق وقوّته: إنه صالحٌ صلاح كلمته، ويتعيّن أن تُنجَزَ كلمته، وأن يدوم ما تمّ إنجازه إلى الأبد. لم تتغيّر هذه الحقيقة مطلقًا: فهكذا كانت في الماضي، وهكذا هي اليوم، وهكذا ستكون إلى الأبد. عندما تنظرون مرّةً أخرى في تلك الكلمات من الكتاب المُقدّس، هل تبدو لكم جديدة؟ هل رأيتم محتوىً جديداً وقمتم باكتشافات جديدة؟ يرجع السبب في ذلك إلى أن أفعال الخالق حرّكت قلوبكم وقادت مسار معرفتكم لسلطانه وقوّته وفتحت الباب أمام فهمكم للخالق، كما أن أعماله وسلطانه وهبا الحياة لهذه الكلمات. وهكذا رأى الإنسان في هذه الكلمات تعبيرًا حقيقيًّا وحيويًّا عن سلطان الخالق وشهد حقًّا تفوّق الخالق ورأى تفرّد سلطان الخالق وقوّته.
يخلق سلطان الخالق وقوّته معجزةً بعد معجزةٍ، ويجذبان انتباه الإنسان فما يكون منه سوى أن ينبهر أيما انبهارٍ بالأفعال المدهشة المتولّدة من ممارسة الخالق سلطانه. كما أن قوّته الهائلة تجلب سرورًا بلا انتهاءٍ فيبقى الإنسان مبتهجًا وفرحًا إذ ينبهر إعجابًا ومهابةً وهتافًا؛ وعلاوة على ذلك، يتأثّر الإنسان بكلّ وضوحٍ ويتولّد فيه الاحترام والإجلال والتعلّق. سلطان الخالق وأعماله لها تأثيرٌ كبير على روح الإنسان، وتُطهّر روح الإنسان، كما أنها تُشبِع روح الإنسان. كلّ فكرةٍ من أفكاره، وكلّ قولٍ من أقواله، وكلّ إعلانٍ عن سلطانه تحفةٌ بين جميع الأشياء، وإنجازٌ عظيم يستحقّ الفهم والمعرفة العميقين من البشريّة المخلوقة.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 87
في اليوم الخامس، تكشف الحياة بمختلف أشكالها المتنوّعة سلطان الخالق بطرقٍ مختلفة
يقول الكتاب المُقدّس: "وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَفِضِ ٱلْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ ٱلْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ". فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلتَّنَانِينَ ٱلْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحيَّةِ ٱلدَّبَّابَةِ ٱلْتِى فَاضَتْ بِهَا ٱلْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. (التكوين 1: 20-21). يُخبِرنا الكتاب المُقدّس بوضوحٍ أن الله في هذا اليوم صنع مخلوقات المياه وطيور الهواء، أي أنه خلق مختلف الأسماك والطيور وصنّفها حسب نوعها. وبهذه الطريقة أَثْرَت الأرض والسماء والمياه بخليقة الله...
عندما نطق الله كلامه، ظهرت حياةٌ جديدة بشكلٍ مختلف على الفور عند سماع كلام الخالق. ظهرت في العالم تتنافس على مكانتها وتطفر وتمرح فرحًا... الأسماك من جميع الأشكال والأحجام سبحت في المياه، والمحار من جميع الأنواع ظهر من الرمال، والمخلوقات المُصغّرة والمُقشّرة واللافقاريّة نمت بسرعةٍ في أشكالٍ مختلفة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، أو طويلة أو قصيرة. وكذلك بدأت أنواعٌ مختلفة من الأعشاب البحريّة تنمو بسرعةٍ وتتمايل بحسب حركة الحياة المائيّة المختلفة وتتموّج وتعصف بالمياه الراكدة، كما لو كانت تقول لها: حرّكي نفسكِ! أحضري أصدقاءكِ! لأنكِ لن تكوني وحدكِ مرّةً أخرى! منذ اللحظة التي ظهرت فيها الكائنات الحيّة المختلفة التي خلقها الله في الماء، جلبت كلّ حياةٍ جديدة الحيويّةَ إلى المياه التي كانت هادئة لفترةٍ طويلة مُعلِنةً بذلك عصرًا جديدًا... ومن تلك النقطة فصاعدًا، احتضنت إحداها الأخرى، وأقامت معًا في شراكةٍ، ولم تبتعد إحداها عن الأخرى. كانت المياه موجودة للمخلوقات التي فيها تُغذّي كلّ حياةٍ تعيش في حضنها، وكلّ حياةٍ وُجِدَتْ من أجل الماء بسبب تغذيّتها. كان كلٌّ منها يمنح الحياة للآخر، وفي الوقت نفسه، يشهد على إعجاز خليقة الخالق وعظمتها، والقوّة الفائقة لسلطان الخالق...
بما أن البحر لم يعد صامتًا، هكذا أيضًا بدأت الحياة تملأ السماء. بدأت الطيور، كبيرها وصغيرها، تطير بالتدريج إلى السماء من الأرض. وعلى خلاف مخلوقات البحر، كانت لها أجنحةٌ وريش يغطي أجسامها الرقيقة الرشيقة. كانت ترفرف بأجنحتها، مُبديةً بفخرٍ وسرور غطاءَها الرائع من الريش ومهامها ومهاراتها الخاصة التي منحها إياها الخالق. كانت تُحلّق في انسيابيّةٍ متنقلةً بمهارةٍ بين السماء والأرض وعبر المراعي والغابات... كانت الطيور صديقةً للهواء، وصديقةً لجميع الأشياء. وكانت في طريقها لتصبح الصلة بين السماء والأرض وناقلًا للرسائل إلى جميع الأشياء... كانت تُغنّي وتتدافع وتجلب المرح والضحك والحيويّة إلى هذا العالم الفارغ... كانت تستخدم غناءها الواضح الشجن، وتستخدم الكلمات في قلوبها لتسبيح الخالق على الحياة الممنوحة لها. كانت ترقص بابتهاجٍ لإظهار كمال خليقة الخالق وإعجازها مُكرّسةً حياتها كلّها للشهادة على سلطان الخالق من خلال الحياة الخاصة التي وهبها إياها...
بغضّ النظر عمّا إذا كانت المخلوقات في الماء أو في السماء، كان هذا العدد الكبير من الكائنات الحيّة بأمر الخالق موجودًا في التكوينات المختلفة للحياة، وبأمر الخالق، تجمّعت معًا وفقًا لأنواعها – وهذا القانون، أي هذه القاعدة، كان غير قابلٍ للتغيير من جانب أيّة مخلوقاتٍ. لم تجرؤ مطلقًا على تجاوز الحدود التي وضعها لها الخالق، ولم تقدر على ذلك. عاشت وتكاثرت حسب تعيين الخالق، والتزمت التزامًا صريحًا بمسار الحياة والقوانين التي وضعها لها الخالق، والتزمت في وعيٍ بأوامره غير المعلنة وبالمراسيم والمبادئ السماوية التي أعطاها لها، وصولًا إلى اليوم. كانت تتجاذب أطراف الحديث مع الخالق بطريقتها الخاصة، وأدركت معنى الخالق، وأطاعت أوامره. لم يتجاوز أحدها سلطان الخالق، كما أن سيادته وإشرافه عليها كان يتمّ في سياق أفكاره؛ لم تصدر أيّة كلماتٍ، ولكن السلطان الذي كان يتسّم به الخالق كان يحكم جميع الأشياء في صمتٍ لم تكن له وظائف لغويّة وكان يختلف عن البشريّة. وممارسة الخالق سلطانه بهذه الطريقة الخاصة دفعت الإنسان لاكتساب معرفة جديدة وتقديم تفسير جديد لسلطان الخالق الفريد. ينبغي أن أخبرك هنا أنه في هذا اليوم الجديد أظهرت ممارسة الخالق سلطانه تفرّد الخالق مرّةً أخرى.
دعونا بعد ذلك نلقي نظرةً على الجملة الأخيرة من هذا المقطع من الكتاب المُقدّس: "وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". ما معنى هذا برأيكم؟ مشاعر الله مُتضمّنةٌ في هذه الكلمات. راقب الله جميع الأشياء التي خلقها تظهر إلى الوجود وتثبت بسبب كلامه، وبدأت بالتغيّر تدريجيًّا. في هذا الوقت، هل كان الله راضيًا عن الأشياء المختلفة التي صنعها بكلامه، والأفعال المختلفة التي حقّقها؟ الجواب هو "وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". ماذا ترون هنا؟ ما معنى "وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"؟ إلى ماذا يرمز هذا؟ هذا يعني أن الله كان يملك القوّة والحكمة لتحقيق ما خطّط له ووضعه، وتحقيق الأهداف التي وضعها لإنجازها. عندما أكمل الله كلّ مهمّةٍ، هل شعر بالندم؟ ما زالت الإجابة قائمة: "وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ". وهذا يعني أن الله لم يشعر بالندم، ولكنه كان في المقابل راضيًا. ماذا يعني أنه لم يشعر بالندم؟ يعني أن خطّة الله كاملة وأن قوّته وحكمته تامّتان، وأنه بسلطانه وحده يمكن بلوغ هذا الكمال. عندما يُكمِل المرء مهمّةً، هل يمكنه، مثل الله، أن يرى أنها جيّدة؟ هل يمكن لكلّ شيءٍ يعمله الإنسان بلوغ الكمال؟ هل يمكن للإنسان أن يُكمِل شيئًا ما مرّةً واحدة وإلى الأبد؟ تماماً كما يقول الإنسان: "لا يوجد شيءٌ مثاليّ، ولكن هناك ما هو أفضل". لا شيء يعمله الإنسان يبلغ الكمال. عندما رأى الله أن كلّ ما فعله وحقّقه كان حسنًا، وأن كلّ ما صنعه الله قد وضعه كلامه، أي عندما "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"، فإن كلّ ما صنعه اتّخذ شكلًا دائمًا وجرى تصنيفه وفقًا للنوع واتّخذ موضعًا وغرضًا ودورًا ثابتًا مرّةً واحدة وإلى الأبد. وعلاوة على ذلك، فإن دورها بين جميع الأشياء، والرحلة التي يتعيّن عليها أن تأخذها أثناء تدبير الله لجميع الأشياء، كان الله قد سبق وعيّنها بالفعل، وكانت غير قابلةٍ للتغيير. كان هذا هو الناموس السماويّ الذي أعطاه الخالق لجميع الأشياء.
"وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ": هذه الكلمات البسيطة التي لا تحظى بالتقدير وغالبًا ما يكون مصيرها التجاهل، هي كلمات الناموس السماويّ والمرسوم السماويّ الذي يمنحه الله لجميع المخلوقات. إنها تجسيدٌ آخر لسلطان الخالق، وهي تجسيدٌ أكثر عمليّة وعمقًا. لم يستطع الخالق، من خلال كلامه، أن يكسب كلّ ما أراد أن يكسبه ويُحقّق كلّ ما شرع في تحقيقه فحسب، ولكنه استطاع أيضًا أن يحكم بين يديه جميع ما خلقه وأن يسود على جميع الأشياء التي صنعها بموجب سلطانه، وعلاوة على ذلك، كان كلّ شيءٍ منتظمًا وثابتًا. تكاثرت جميع الأشياء أيضًا ووُجدت وهلكت بكلمته، وعلاوة على ذلك، فإنها كانت موجودة بسلطانه في ظلّ الناموس الذي وضعه، ولم يكن هناك استثناءٌ! بدأ هذا الناموس في اللحظة التي "رَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ"، وكان في طريقه ليكون موجودًا ومستمرًّا وعاملًا من أجل خطّة تدبير الله وصولًا إلى اليوم الذي يلغيها فيه الخالق! لم يتضّح السلطان الفريد للخالق في قدرته على خلق جميع الأشياء والأمر بظهور جميع الأشياء إلى حيّز الوجود فحسب، ولكن أيضًا في قدرته على الحكم والسيادة على جميع الأشياء، وإضفاء الحياة والحيويّة على جميع الأشياء، وعلاوة على ذلك، في قدرته على أن يجعل، مرّةً واحدة وإلى الأبد، جميع الأشياء التي سيخلقها بحسب خطّته تظهر وتوجد في العالم الذي صنعه في شكلٍ مثاليّ وبنيةٍ حياتيّة مثاليّة ودور مثاليّ. واتّضح أيضًا في الطريقة التي لا تكون فيها أفكار الخالق خاضعةً لأيّة قيودٍ أو محدودة بالزمان أو المكان أو الجغرافيا. ومثل سلطانه، يجب أن تبقى الهويّة الفريدة للخالق دون تغييرٍ من الأزل وإلى الأبد. يجب أن يكون سلطانه على الدوام تمثيلًا ورمزًا لهويّته الفريدة ويجب أن يظلّ سلطانه موجودًا جنبًا إلى جنبٍ مع هويّته!
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 88
في اليوم السادس، يتكلّم الخالق فيظهر كلّ نوعٍ من الكائنات الحيّة واحدًا تلو الآخر بحسب فكره
استمرّ عمل الخالق بالتدريج في صنع جميع الأشياء لمدة خمسة أيامٍ، وبعد ذلك مباشرةً رحّب الخالق باليوم السادس من خلقه لجميع الأشياء. كان هذا اليوم بدايةً أخرى جديدة، ويومًا استثنائيًّا آخر. ماذا كانت إذًا خطّة الخالق عشية هذا اليوم الجديد؟ ما المخلوقات الجديدة التي كان سيُنتجها وسيخلقها؟ أنصت، هذا هو صوت الخالق...
وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا". وَكَانَ كَذَلِكَ. فَعَمِلَ ٱللهُ وُحُوشَ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَٱلْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. (التكوين 1: 24-25). ما الكائنات الحيّة المُتضمّنة في ذلك؟ يقول الكتاب المُقدّس: البهائم والدبّابات ووحوش الأرض كأجناسها. وهذا يعني أنه في هذا اليوم لم تكن هناك أنواعٌ مختلفة من الكائنات الحيّة على الأرض فحسب، بل كانت أيضاً كلّها مُصنّفةٌ بحسب أنواعها، وبالمثل "وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ".
مثلما هو الحال في الأيام الخمسة الماضية، وبالطريقة نفسها، أمر الخالق في اليوم السادس بميلاد الكائنات الحيّة التي أرادها فظهرت على الأرض كأجناسها. عندما يمارس الخالق سلطانه فلا تكون كلمةٌ واحدة من كلامه عبثًا، وهكذا، ظهر في اليوم السادس كلّ كائنٍ حيّ قصد أن يخلقه في الوقت المُحدّد. وفيما قال الخالق: "لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا"، امتلأت الأرض حالًا بالحياة وظهرت فجأةً على الأرض أنفاس جميع أنواع الكائنات الحيّة... في البريّة الخضراء العشبيّة ظهرت الأبقار السمينة تهزّ ذيولها ذهابًا وإيابًا، واحدةً تلو الأخرى، وتجمّعت الأغنام بصوت ثغائها في قطعانٍ، وبدأت الخيول بصهيلها في الهرولة... وفي لحظةٍ طفرت المساحات الشاسعة من الأراضي العشبيّة الصامتة تنبض بالحياة... كان ظهور هذه الحيوانات المختلفة مشهدًا جميلًا على المروج الهادئة، وأحدث حيويّةً لا حدود لها... سوف تصبح هذه الكائنات رفقاء المراعي وسادتها، بحيث يعتمد كلّ واحدٍ على الآخر؛ وسوف تصبح الأوصياء والحُرّاس على هذه الأراضي التي ستكون موطنها الدائم والتي ستُوفّر لها كلّ ما تحتاج إليه، مصدرًا للغذاء الضامن لوجودها إلى الأبد...
في اليوم نفسه الذي ظهرت فيه هذه الثروة الحيوانيّة المختلفة، بكلمة الخالق، ظهرت مجموعةٌ كبيرة من الحشرات أيضًا، الواحدة تلو الأخرى. على الرغم من أنها كانت أصغر الكائنات الحيّة من بين جميع المخلوقات، إلّا أن قوّة حياتها كانت لا تزال الخليقة العجيبة للخالق، ولم تظهر في أوانٍ مُتأخّر... كانت بعض الأنواع ترفرف بأجنحةٍ صغيرة بينما كانت أنواعٌ أخرى تزحف ببطءٍ؛ كان بعضها يقفز واثبًا وبعضها يتمايل؛ كان بعضها يندفع إلى الأمام وبعضها يتراجع إلى الوراء؛ كان بعضها يتحرّك من الجنب وبعضها يقفز صعودًا وهبوطًا... كانت جميع الأنواع مشغولةً في محاولة العثور على مساكن لها: كان بعضها يندفع في طريقها إلى الحشائش وبعضها يحفر ثقوبًا في الأرض وبعضها يطير على الأشجار وبعضها يختبئ في الغابات... وعلى الرغم من صغر حجمها، إلّا أنها لم تكن راغبةً في تحمّل عذاب المعدة الفارغة، وبعد العثور على مساكنها سارعت للبحث عن الطعام لإطعام أنفسها. كانت بعض الأنواع تقفز على العشب لتلتهم حوافه الطريّة وبعضها تنتزع بأفواهها الوحل وتُغذّي به بطونها وتتناول الطعام بكثيرٍ من اللذة والسرور (فبالنسبة لها كان الوحل حتّى وليمةً طيّبة المذاق)؛ وبعضها كانت مختبئة في الغابات لكنها لم تتوقّف عن الراحة حيث أن العصارة داخل الأوراق الخضراء الداكنة اللامعة كانت تُوفّر وجبةً لذيذة... وبعد شعور الحشرات بالشبع لم تتوقّف عن نشاطها؛ فعلى الرغم من صغر قوامها، كانت تملك طاقةً هائلة وحيويّة لا حدود لها، وهكذا فإنها من بين جميع المخلوقات الأكثر نشاطًا والأكثر مجهودًا. لم تعرف معنىً للكسل، ولم تنغمس مطلقًا في الراحة. فبُمجرّد شعورها بالشبع تستمرّ في أداء أعمالها من أجل مستقبلها، وتُشغِل أنفسها وتعمل من أجل الغد، من أجل بقائها... وفي هدوءٍ يصدر عنها طنين ألحانٍ وإيقاعاتٍ مختلفة لتشجيع وحثّ أنفسها. كما أنها تضفي الفرح على العشب والأشجار وكلّ شبرٍ من الأرض، مما يجعل كلّ يومٍ وكلّ عامٍ فريدًا من نوعه... ومن خلال لغاتها وطرقها الخاصة كانت تنقل المعلومات إلى جميع الكائنات الحيّة على الأرض. وباستخدام دورة حياتها الخاصة، كانت تضع علامةً على جميع الأشياء وتترك عليها آثارها... كانت تتوافق توافقًا مباشرًا مع الأرض والعشب والغابات، وتجلب النشاط والحيويّة للأرض والعشب والغابات، وتُقدّم إرشادات الخالق وتحيّاته إلى جميع الكائنات الحيّة...
رأى الخالق جميع الأشياء التي خلقها، وفي هذه اللحظة توقّف نظره على الغابات والجبال فدار عقله. عندما نطق كلامه، في الغابات الكثيفة، وعلى الجبال، ظهر نوعٌ من المخلوقات يختلف عن أيّ مخلوقٍ ظهر من قبل: كانت هذه هي الحيوانات البريّة التي أمر الله بظهورها. كانت منذ زمانٍ طويل تُحرّك رؤوسها وتهزّ ذيولها، وكان لكلٍّ منها وجهٌ فريد. كان بعضها تغطيه طبقات الفرو، وبعضها مُدرّعة، وبعضها بأنيابٍ، وبعضها يكسوها العبوس، وبعضها بعنقٍ طويل، وبعضها بذيلٍ قصير، وبعضها بعينين بريّتين، وبعضها بنظرةٍ خجولة، وبعضها بانحناءةٍ لأكل العشب، وبعضها بدماءٍ عند أفواهها، وبعضها تثب على ساقين، وبعضها تركض على أربعة حوافر، وبعضها تنظر في الفضاء فوق الأشجار، وبعضها تكمن في الغابات، وبعضها تبحث عن الكهوف للراحة، وبعضها تركض وتمرح على السهول، وبعضها تطوف عبر الغابات...؛ كانت بعضها تزأر، وبعضها تعوي، وبعضها تنبح، وبعضها تصرخ...؛ كانت بعضها تُصدِر أصواتًا أنثويّة، وبعضها تُصدِر أصواتًا ذكوريّة، وبعضها جهوريّة الصوت، وبعضها تُصدِر أصواتًا واضحة شجيّة...؛ كانت بعضها مُتجهّمة، وبعضها جميلة، وبعضها مثيرة للاشمئزاز، وبعضها رائعة، وبعضها مخيفة، وبعضها ساذجة بشكلٍ ساحر... ظهرت الواحدة تلو الأخرى. انظر كيف كانت تنطلق في استقلاليّةٍ غير مباليةٍ بعضها بالبعض الآخر وبدون عناء إلقاء نظرةٍ بعضها على بعض... كان كلٌ منها يحمل الحياة المُعيّنة التي منحها إياها الخالق وطابعها البريّ والحيوانيّ، وظهرت في الغابات وعلى الجبال. من الذي جعل هذه الكائنات المحتقرة من الجميع والمتغطرسة السادة الحقيقيّين للجبال والغابات؟ من اللحظة التي رسم فيها الخالق مظهرها، "وضعت يدها" على الغابات، و"وضعت يدها" على الجبال، لأن الخالق ختم حدودها بالفعل وحدّد نطاق وجودها. كانت الأسياد الحقيقيّة للجبال والغابات، ولهذا السبب كانت مُتوحّشة للغاية وموضع احتقارٍ شديد. كانت تُسمّى "الحيوانات البريّة" لأنه، من بين جميع المخلوقات، كانت هي الحيوانات البريّة حقًّا والوحشيّة وغير المُروّضة. لم يكن من الممكن ترويضها، ولذلك لم يكن من الممكن تدجينها وعيشها في وئامٍ مع الجنس البشريّ أو للعمل بالنيابة عن البشر. ولأنه لم يكن من الممكن تدجينها أو عملها مع البشر كان عليها أن تعيش بعيدةً عن البشر ولم يتمكّن الإنسان من الاقتراب منها. ولأنها عاشت على مسافةٍ من البشر ولم يتمكّن الإنسان من الاقتراب منها، استطاعت الوفاء بالمسؤوليّة التي منحها إياها الخالق: حراسة الجبال والغابات. فطابعها الوحشي حمى الجبال وحرس الغابات، وكان أفضل حمايةٍ وضمان لوجودها وانتشارها. وفي الوقت نفسه، حافظ طابعها الوحشي وضمن التوازن بين جميع الأشياء، ضمن قدومُها الدعمَ والحماية للجبال والغابات؛ وأضفى وصولها نشاطًا وحيويّة بلا حدودٍ للجبال والغابات الساكنة الفارغة. من هذه النقطة فصاعدًا، أصبحت الجبال والغابات موطنًا دائمًا لها ولم تترك مساكنها قط، لأن الجبال والغابات كانت قد خُلِقَتْ من أجلها، وكانت الحيوانات البريّة ستُؤدّي واجبها وتفعل كلّ ما في وسعها لحراستها. وهكذا أيضًا كانت الحيوانات البريّة ستلتزم التزامًا صارمًا بأوامر الخالق بالتمسّك بنطاق أرضها والاستمرار في استخدام طبيعتها البريّة للحفاظ على التوازن بين جميع الأشياء التي وضعها الخالق وإظهار سلطان الخالق وقوّته!
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 89
جميع الأشياء كاملة في ظلّ سلطان الخالق
جميع الأشياء التي خلقها الله، بما في ذلك تلك الأشياء التي كان بإمكانها ولم يكن بإمكانها الحركة، مثل الطيور والأسماك والأشجار والزهور، وبما في ذلك الماشية والحشرات والحيوانات البريّة المخلوقة في اليوم السادس، كانت جيّدةً في نظر الله، وعلاوة على ذلك، فإن هذه الأشياء في نظر الله ووفقًا لخطّته بلغت جميعها ذروة الكمال ووصلت إلى المعايير التي أراد الله تحقيقها. أتمّ الله العمل الذي كان يعتزم عمله خطوةً بخطوةٍ وفقًا لخطّته. وبالتدريج ظهرت الأشياء التي كان يقصد خلقها وكان ظهور كلّ منها انعكاسًا لسلطان الخالق وإيضاحًا لسلطانه، وبسبب هذه الإيضاحات لم يكن بوسع جميع المخلوقات سوى شكر نعمة الخالق وتدبيره. وكما أظهرت أعمال الله العجيبة نفسها تضخّم هذا العالم، قطعةً قطعة، مع جميع الأشياء التي خلقها الله، وتغيّر من الفوضى والظلام إلى الوضوح والإشراق، ومن السكون المميت إلى الطاقة والحيويّة بلا حدودٍ. من بين جميع أشياء الخليقة، من كبيرها إلى صغيرها، ومن صغيرها إلى المجهريّ فيها، لم يكن هناك أيّ شيءٍ لم يخلقه سلطان الخالق وقوّته، وكانت هناك ضرورةٌ وقيمة فريدتان وضروريّتان لوجود كلّ مخلوقٍ. وبغضّ النظر عن الاختلافات في شكلها وتركيبها، كان يتعيّن أن يصنعها الخالق لتكون موجودة في ظلّ سلطان الخالق. أحيانًا ما يرى الناس حشرةً، وتكون قبيحة للغاية، فيقولون: "هذه الحشرة كريهة للغاية، ومن المستحيل أن يكون هذا الشيء المريع قد خلقه الله، فليس من الوارد أن يصنع شيئًا قبيحًا مثل هذا". يا له من رأي مغفّل! ولكن ما يجب أن يقولوه هو: "على الرغم من أن هذه الحشرة قبيحة جدًّا، إلّا أنه الله صنعها ولذلك لا بدّ أن يكون لها هدفها الفريد". كان الله يقصد في أفكاره إضفاء كلّ مظهرٍ وجميع أنواع المهام والاستخدامات على الكائنات الحيّة المختلفة التي خلقها، وهكذا لا يوجد أيّ شيءٍ من الأشياء التي صنعها الله مأخوذٌ من القالب نفسه. من تركيبها الخارجيّ إلى الداخليّ، ومن عاداتها المعيشيّة إلى موقع إقامتها – فإن كلًّا منها مختلف. فالأبقار لها مظهر الأبقار والحمير لها مظهر الحمير والغزلان لها مظهر الغزلان والأفيال لها مظهر الأفيال. هل يمكنك تحديد أيّها الأجمل وأيّها الأقبح؟ هل يمكن أن تقول أيّها الأكثر فائدة وأيّها الأقلّ ضرورة؟ يحبّ بعض الناس مظهر الأفيال، ولكن أحدًا لا يستخدم الأفيال في زراعة الحقول؛ ويحبّ بعض الناس مظهر الأسود والنمور لأن مظهرها هو الأكثر إثارة للإعجاب من بين جميع الأشياء، ولكن هل يمكنك الاحتفاظ بها كحيواناتٍ أليفة؟ باختصارٍ، عندما يتعلّق الأمر بكلّ شيءٍ، يجب أن يذعن المرء لسلطان الخالق، أي أن يذعن لسيادة الخالق على جميع الأشياء؛ هذا هو الموقف الأكثر حكمة. فموقف البحث عن النوايا الأصليّة للخالق وطاعتها هو وحده القبول والتأكيد الحقيقيّين لسلطان الخالق. يرى الله أن خليقته حسنة، فما السبب الذي يجعل الإنسان يتصيّد الأخطاء؟
وهكذا، فإن جميع الأشياء الخاضعة لسلطان الخالق تعزف سيمفونيّة جديدة لسلطان الخالق وتبدأ مُقدّمةً رائعة لعمله في اليوم الجديد، وفي هذه اللحظة يفتح الخالق أيضًا صفحةً جديدة في عمل تدبيره! وفقًا لقانون براعم الربيع ونضج الصيف وحصاد الخريف ومخزون الشتاء الذي حدّده الخالق، تُعلِن جميع الأشياء خطّة تدبير الخالق وتُرحّب بقدوم يومها الجديد وبدايتها الجديدة ودورة حياتها الجديدة، كما أنها سوف تتكاثر قريبًا في تعاقبٍ لا نهاية له من أجل الترحيب بكلّ يومٍ في ظلّ سيادة سلطان الخالق...
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 90
لا شيء من الكائنات المخلوقة وغير المخلوقة يمكنه أن يحلّ محلّ هويّة الخالق
منذ بدأ الله خلق جميع الأشياء، بدأ التعبير عن قوّة الله وبدأ الكشف عنها؛ لأن الله استخدم الكلمات لخلق جميع الأشياء. وبغضّ النظر عن الطريقة التي خلقها بها، وبغضّ النظر عن سبب خلقه إياها، ظهرت جميع الأشياء إلى حيّز الوجود وبقيت ووُجِدَتْ بسبب كلام الله، وهذا هو السلطان الفريد للخالق. في الوقت الذي سبق ظهور البشر في العالم، استخدم الخالق قوّته وسلطانه لخلق جميع الأشياء للبشر، واستخدم أساليبه الفريدة لإعداد بيئة معيشيّة ملائمة للبشر. كان كلّ ما عمله تهيئةً للبشر، الذين سرعان ما سرت فيهم أنفاسه. وهذا يعني أنه في الوقت السابق لخلق البشر، ظهر سلطان الله في جميع المخلوقات المختلفة عن البشر، في أشياءٍ كبيرة بحجم السماوات والأنوار والبحار واليابسة، وفي أشياءٍ صغيرة بحجم الحيوانات والطيور، وكذلك في جميع أنواع الحشرات والكائنات الدقيقة، بما في ذلك سائر أنواع البكتيريا التي لا تراها العين المُجرّدة. منح الخالق الحياة لكلٍّ منها بكلامه، وتكاثر كلٌّ منها بسبب كلام الخالق، وعاش كلٌّ منها في ظلّ سلطان الخالق بسبب كلام الخالق. وعلى الرغم من أنها لم تتلقّ نَسَمَةَ الخالق، فقد أظهرت الحياة والحيويّة التي منحها إيّاها الخالق من خلال أشكالها وهياكلها المختلفة؛ وعلى الرغم من أنها لم تنعم بالقدرة على التحدّث التي وهبها الخالق للإنسان، فإن كلًّا منها حصل على طريقةٍ للتعبير عن حياته التي منحها إياها الخالق، والتي اختلفت عن اللغة البشريّة. سلطان الخالق لا يمنح حيويّة الحياة إلى الأشياء الماديّة الثابتة فحسب بحيث لا تختفي أبدًا، ولكنه يمنح أيضًا الغريزة للتكاثر والتزايد لكلّ كائنٍ حيّ بحيث لا يختفي، وبحيث تنقل قوانين ومبادئ البقاء التي وهبها إياها الخالق جيلًا بعد جيلٍ. الطريقة التي يمارس بها الخالق سلطانه لا تلتزم التزامًا صارمًا بمنظورٍ كلّيّ أو جزئيّ، ولا تقتصر على أيّ شكلٍ؛ فهو قادرٌ على إدارة عمليّات الكون، وله السيادة على حياة جميع الأشياء وموتها، وعلاوة على ذلك، فإنه قادرٌ على تحريك جميع الأشياء بحيث تخدمه. يمكنه تدبير جميع حركات الجبال والأنهار والبحيرات وحكم جميع الأشياء التي بداخلها، وعلاوة على ذلك، فهو قادرٌ على توفير ما ينقص جميع الأشياء. هذا إظهار السلطان الفريد للخالق بين جميع الأشياء إلى جانب البشر. ومثل هذا الإظهار ليس فقط لمدى الحياة ولا يتوقّف أبدًا أو يهدأ، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو شيء تغييره أو إتلافه، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو شيء زيادته أو إنقاصه – فلا شيء يمكنه أن يحلّ محلّ هويّة الخالق، وبالتالي، فإن سلطان الخالق لا يمكن أن يحلّ محلّه أيّ كائنٍ مخلوق، ولا يمكن أن يبلغه أيّ كائنٍ غير مخلوقٍ. مثال ذلك رسل الله وملائكته. إنهم لا يملكون قوّة الله، ناهيك عن أنهم لا يملكون سلطان الخالق، والسبب في أنهم لا يملكون قوّة الله وسلطانه هو أنهم لا يملكون جوهر الخالق. الكائنات غير المخلوقة، مثل رسل الله وملائكته، على الرغم من أنه يمكنها عمل بعض الأشياء بالنيابة عن الله، فإنه لا يمكنها تمثيل الله. على الرغم من أنها تملك بعض القوّة التي لا يملكها الإنسان، فإنها لا تملك سلطان الله، أي أنها لا تملك سلطان الله لخلق جميع الأشياء وحكم جميع الأشياء والسيادة على جميع الأشياء. وهكذا فإن تفرّد الله لا يمكن أن يحلّ محلّه أيّ كائنٍ غير مخلوقٍ، وبالمثل، فإن سلطان الله وقوّته لا يمكن أن يحلّ محلّهما أيّ كائنٍ غير مخلوقٍ. هل قرأت في الكتاب المُقدّس عن أيّ رسولٍ من رسل الله خلق جميع الأشياء؟ ولماذا لم يُرسِل الله أيًّا من رسله أو ملائكته ليخلق جميع الأشياء؟ لأنها لم تكن تملك سلطان الله، وبالتالي لم تكن تملك القدرة على ممارسة سلطان الله. إنها جميعًا، مثل جميع المخلوقات، تخضع لسيادة الخالق وتخضع لسلطان الخالق، وهكذا، بالطريقة نفسها، فإن الخالق هو إلهها أيضًا وسلطانها أيضًا. من بين كلّ واحدٍ منها – سواء كانت كائنات نبيلة أو وضيعة، وسواء كانت عظيمة أو ضعيفة القدرة – لا يوجد واحدٌ منها يمكنه أن يتجاوز سلطان الخالق، ولا يوجد واحدٌ منها يمكنه أن يحلّ محلّ هويّة الخالق. لا يمكن تسميتها الله مطلقًا، ولن تتمكّن على الإطلاق من أن تصبح الخالق. هذه حقائق ووقائع ثابتة!
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 91
الله يستخدم كلامه لإرساء ميثاقٍ مع الإنسان
(التكوين 9: 11-13) "أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلَا يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ ٱلطُّوفَانِ. وَلَا يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ ٱلْأَرْضَ". وَقَالَ ٱللهُ: "هَذِهِ عَلَامَةُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحَيَّةِ ٱلَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ ٱلدَّهْرِ: وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ فَتَكُونُ عَلَامَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْأَرْضِ".
بعد أن يصنع الله جميع الأشياء يتم التأكيد على سلطان الخالق وإظهاره مرّةً أخرى في ميثاق قوس قزح
يظهر سلطان الخالق دائمًا بين جميع المخلوقات، وهو لا يحكم مصير جميع الأشياء فقط، ولكنه يحكم الإنسان أيضًا، ذلك المخلوق الخاص الذي خلقه بيديه ويملك تكوينًا حياتيًّا مختلفًا ويوجد في شكلٍ مختلف من أشكال الحياة. بعد أن خلق الخالق جميع الأشياء لم يتوقّف عن التعبير عن سلطانه وقوّته؛ السلطان التي كان يملك به السيادة على جميع الأشياء ومصير البشريّة كلّها لم يبدأ رسميًّا بالنسبة إليه إلّا بُمجرّد أن خلق الإنسان بيديه. كان ينوي أن يُدبّر البشر، وأن يسود عليهم، وأن يُخلّصهم، وأن يكسبهم حقًّا بحيث يمكنه أن يسود على جميع الأشياء، وكان ينوي أن يجعل مثل هؤلاء البشر يعيشون في ظلّ سلطانه، ويعرفون سلطانه، ويطيعون سلطانه. وهكذا، بدأ الله التعبير رسميًّا عن سلطانه بين البشر باستخدام كلامه، وبدأ في استخدام سلطانه لتحقيق كلامه. بالطبع، ظهر سلطان الله في جميع الأماكن خلال هذه العمليّة؛ اخترتُ فقط بعض الأمثلة المُحدّدة والمعروفة التي قد تفهمون من خلالها وتعرفون تفرّد الله وتفهمون وتعرفون السلطان الفريد لله.
هناك تشابهٌ بين المقطع الوارد في التكوين 9: 11-13 والمقاطع أعلاه فيما يتعلّق بسجلّ خلق الله للعالم، ولكنْ هناك اختلافٌ أيضًا. ما هو وجه التشابه؟ يكمن التشابه في استخدام الله للكلمات لعمل ما كان يقصد عمله، والاختلاف هو أن هذا المقطع هو حديث الله مع الإنسان، الذي أقام فيه ميثاقًا مع الإنسان وأخبر الإنسان بمضمون الميثاق. تحقّق هذا الإنفاذ لسلطان الله خلال حواره مع الإنسان، وهذا معناه أنه قبل أن يخلق الله البشر كانت كلماته تعليمات وأوامر صدرت إلى المخلوقات التي قصد أن يخلقها. ولكن الآن صار هناك شخصٌ ما يسمع كلام الله، وهكذا كان كلامه حوارًا مع الإنسان وأيضًا تحفيزًا ونصحًا للإنسان، وعلاوة على ذلك، كانت وصايا تُسلّم لجميع الأشياء التي تحمل سلطانه.
ما عمل الله الذي يُسجّله هذا المقطع؟ إنه يُسجّل الميثاق الذي أقامه الله مع الإنسان بعد إهلاك العالم بالطوفان، ويُخبِر الإنسان بأن الله لن يُهلِك العالم مرّةً أخرى، وبأنه لهذا الغرض خلق الله علامةً – وماذا كانت هذه العلامة؟ يقول الكتاب المُقدّس: "وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ فَتَكُونُ عَلَامَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْأَرْضِ". هذه هي الكلمات الأصليّة التي تكلّم بها الخالق للبشريّة. وفيما قال هذه الكلمات، ظهر قوس قزح أمام عين الإنسان وبقي حتّى اليوم. رأى الجميع قوس قزح هذا، وعندما تراه، هل تعرف كيف يظهر؟ العلم غير قادر على إثباته أو تحديد مصدره أو معرفة هويّته. يعود السبب في ذلك إلى أن قوس قزح هو علامة الميثاق المبرم بين الخالق والإنسان؛ إنه لا يتطلّب أساسًا علميًّا حيث إنه ليس من صنع الإنسان، ولا يقدر الإنسان على تغييره. إنه استمرارٌ لسلطان الخالق بعد أن نطق كلامه. استخدم الخالق طريقته الخاصة للالتزام بميثاقه مع الإنسان ووعده، ولذا فإن استخدامه لقوس قزح كعلامةٍ على الميثاق الذي أقامه مرسومٌ وناموس سماويّ سوف يبقى دون تغييرٍ إلى الأبد، سواء فيما يتعلّق بالخالق أو بالبشريّة المخلوقة. ومع ذلك، يتعيّن القول إن هذا القانون الثابت إظهارٌ حقيقيّ آخر لسلطان الخالق بعد خلقه لجميع الأشياء، ويتعيّن القول إن سلطان الخالق وقوّته لا حدود لهما؛ واستخدامه لقوس قزح كعلامةٍ هو استمرارٌ وتمديد لسلطان الخالق. كان هذا عملاً آخر أتمّه الله باستخدام كلامه، وكان علامةً على الميثاق الذي أقامه الله مع الإنسان باستخدام الكلمات. لقد أخبر الإنسان بما قرّر أن يعمله، وبالطريقة التي سيعمله ويُنجِزه بها، وهكذا تحقّق الأمر وفقًا للكلام الصادر من فم الله. لا يملك هذه القوّة سوى الله. واليوم، بعد عدّة آلافٍ من السنين بعد أن تكلّم بهذا الكلام، لا يزال الإنسان بإمكانه النظر في قوس قزح الذي تحدّث به فم الله. وبسبب ذلك الكلام الذي نطق به الله، ظلّ هذا الشيء دون تبديلٍ أو تغييرٍ حتّى اليوم. لا شيء يمكنه أن يزيل قوس قزح هذا، ولا شيء يمكنه أن يُغيّر قوانينه، وهو موجودٌ فقط في سياق كلام الله. هذا بالضبط سلطان الله. "الله صالحٌ صلاح كلمته، وكلمته يتعيّن أن تتحقّق، وما يتحقّق يدوم إلى الأبد." تظهر هذه الكلمات بوضوحٍ هنا، وهي علامةٌ وسمة واضحتان لسلطان الله وقوّته. مثل هذه العلامة أو السمة لا يملكها أيٌ من الكائنات المخلوقة أو يمكن رؤيتها فيه، كما أنه لا يمكن رؤيتها في أيٍّ من الكائنات غير المخلوقة. إنها تخصّ الله الفريد فقط، وتُميّز الهويّة والجوهر اللذين لا يملكهما سوى الخالق عن هويّة الخليقة وجوهرها. وفي الوقت نفسه، فإنها أيضًا علامةٌ وسمة على أنه، بغضّ النظر عن الله نفسه، لا يمكن أن يتجاوزها أيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ.
كانت إقامة الله ميثاقه مع الإنسان عملًا له أهميّة كبيرة قصد أن يستخدمه لتوصيل حقيقة للإنسان ولإخبار الإنسان بإرادته، ولهذا الغرض اعتمد أسلوبًا فريدًا باستخدام علامة خاصة لإقامة ميثاقٍ مع الإنسان، وهي علامةٌ كانت وعدًا بالميثاق الذي أقامه مع الإنسان. هل كانت إقامة هذا الميثاق حدثًا عظيمًا إذًا؟ وما مدى عظمته؟ هذا بالضبط ما يُميّز الميثاق: إنه ليس ميثاقاً مقاماً بين إنسانٍ وآخر، أو بين جماعةٍ وأخرى، أو بين دولةٍ وأخرى، ولكنه ميثاقٌ مقام بين الخالق والبشريّة كلّها وهو سارٍ حتّى اليوم الذي يُبطِل فيه الخالق جميع الأشياء. مُنفّذ هذا الميثاق هو الخالق، ومُدبّره أيضًا هو الخالق. وباختصارٍ، فإن مجمل ميثاق قوس قزح المقام مع البشر تحقّق وأُنجز وفقًا للحوار بين الخالق والبشر، وظلّ ساريًا حتّى اليوم. ماذا يمكن للمخلوقات عمله سوى الخضوع لسلطان الخالق وطاعته والإيمان به وتقديره والشهادة له وتسبيحه؟ فلا أحد سوى الله الفريد يملك القوّة على إقامة مثل هذا الميثاق. إن ظهور قوس قزح، مرارًا وتكرارًا، يُعلِن للبشر الميثاق بين الخالق والبشريّة ويلفت انتباههم له. في الظهورات المستمرّة للميثاق بين الخالق والبشريّة، لا يظهر للبشر قوس قزح أو الميثاق نفسه، ولكن السلطان الثابت للخالق. يُوضّح ظهور قوس قزح، مرارًا وتكرارًا، الأعمال الهائلة والإعجازيّة للخالق في الأماكن الخفيّة، وفي الوقت نفسه، فإنه انعكاسٌ حيويّ لسلطان الخالق الذي لن يتضاءل أو يتغيّر أبدًا. أليس هذا استعراضاً لجانبٍ آخر من جوانب السلطان الفريد للخالق؟
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 92
بركات الله
(التكوين 17: 4-6) "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ، فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ".
(التكوين 18: 18-19) "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ؟ لِأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ يَهْوَه، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلًا، لِكَيْ يَأْتِيَ يَهْوَه لِإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ".
(التكوين 22: 16-18) وَقَالَ: "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، يَقُولُ يَهْوَه، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي".
(أيُّوب 42: 12) "وَبَارَكَ يَهْوَه آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولَاهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنَ ٱلْإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ".
الطريقة والخصائص الفريدة لأقوال الخالق رمزٌ لهويّة الخالق وسلطانه الفريدين
يرغب كثيرون في طلب بركات الله ونيلها، ولكن ليس بمقدور الجميع نوال هذه البركات؛ لأن الله له مبادئه الخاصة ويبارك الإنسان بطريقته الخاصة؛ فالوعود التي يُقدّمها الله للإنسان، ومقدار النعمة التي يمنحها للإنسان، تُحسَب على أساس أفكار الإنسان وأفعاله. ما الذي تُظهِره بركات الله إذًا؟ ماذا يمكن للناس أن يروه في داخلها؟ دعونا عند هذه النقطة نضع جانبًا مناقشة أنواع الناس الذين يباركهم الله، أو مبادئ بركة الله للإنسان. وبدلًا من ذلك، دعونا نلقي نظرةً على بركة الله للإنسان بهدف معرفة سلطان الله من منظور معرفة سلطان الله.
المقاطع الأربعة من الكتاب المُقدّس أعلاه جميعها سجلّات عن بركة الله للإنسان. إنها تُقدّم وصفًا مُفصّلًا لمن نالوا بركات الله، مثل إبراهيم وأيُّوب، فضلًا عن الأسباب التي جعلت الله ينعم عليهم ببركاته ومضمون هذه البركات. تسمح نبرة أقوال الله وطريقتها، والمنظور والموقف اللذان تحدّث منهما للناس بفهم أن من يمنح هذه البركات ومن ينالها لهما هويّةٌ ومكانة وجوهر مختلفة تمام الاختلاف. نبرة هذه الأقوال وطريقته، والموقف الذي نُطِقَ فيه، تخصّ الله وحده الذي يملك هويّة الخالق. إنه يملك السلطان والقوّة، وكذلك مهابة الخالق وجلاله اللذين لا يشكّ فيهما أيّ إنسانٍ.
دعونا أوّلًا ننظر في التكوين 17: 4-6: "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ، فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ". كان هذا الكلام هو الميثاق الذي أقامه الله مع إبراهيم، وكذلك بركة الله لإبراهيم: كان الله سيجعل إبراهيم أبًا لجمهورٍ من الأمم ومثمرًا جدًّا ويجعله أممًا وملوكٌ منه يخرجون. هل ترى سلطان الله في هذا الكلام؟ وكيف ترى مثل هذا السلطان؟ أيّ جانبٍ من جوانب سلطان الله تراه؟ من قراءةٍ مُتعمّقة لهذا الكلام ليس من الصعب اكتشاف أن سلطان الله وهويّته ينكشفان بوضوحٍ في صياغة أقوال الله. على سبيل المثال، عندما يقول الله "عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ... أَجْعَلُكَ..."، وعبارات مثل "وَتَكُونُ... أَجْعَلُكَ..."، التي تحمل صياغتها التأكيد على هويّة الله وسلطانه، هي من ناحيةٍ إشارةٌ إلى أمانة الخالق؛ ومن ناحيةٍ أخرى كلماتٌ خاصة يستخدمها الله الذي يملك هويّة الخالق – بالإضافة إلى كونها جزءًا من المفردات التقليديّة. إذا قال شخصٌ ما إنه يأمل لشخصٍ آخر أن يكون مثمرًا ثمرًا وفيرًا وأن يكون أبًا لأممٍ وأن يخرج منه ملوكٌ، فإن هذا بلا شكٍّ أشبه برغبةٍ وليس وعداً أو بركة. وهكذا، لا يجرؤ الناس على القول "سأجعلك كذا وكذا، وسوف كذا وكذا" لأنهم يعرفون أنهم لا يملكون مثل هذا السلطان؛ فالأمر ليس متروكًا لهم، وحتّى إذا قالوا مثل هذه الأشياء، فسوف تكون كلماتهم جوفاء وهراءً مدفوعةً برغبتهم وطموحهم. هل يجرؤ أحدٌ على التحدّث بهذه النغمة السامية إذا شعر أنه لا يستطيع تحقيق رغباته؟ يتمنّى الجميع الخير لأحفادهم ويأملون أن يتفوّقوا ويحقّقوا نجاحًا باهرًا. ويا له من حظ عظيم أن يصبح أحدهم إمبراطورًا! لو أصبح أحدهم حاكمًا لكان الأمر جيّدًا أيضًا – طالما كان شخصًا مُهمًّا! هذه هي رغبات جميع الناس، ولكن الناس لا يسعهم سوى أن يتمنّوا البركات لأحفادهم ولا يمكنهم الوفاء بأيٍّ من وعودهم أو تحقيقها. يعرف كلّ واحدٍ في قلبه بوضوحٍ أنه لا يملك القدرة على تحقيق مثل هذه الأشياء؛ لأن كلّ شيءٍ خارج عن نطاق سيطرته، فكيف له بالتحكّم في مصير الآخرين؟ في حين أن السبب الذي يجعل بإمكان الله أن يقول كلمات مثل هذه هو أن الله يملك مثل هذا السلطان؛ فإنه قادرٌ على إنجاز وتحقيق جميع الوعود التي يُقدّمها للإنسان، وتحقيق جميع البركات التي يمنحها للإنسان. الله خلق الإنسان، وليس هناك ما هو أسهل في نظر الله من أن يجعل شخصًا ما مثمرًا للغاية؛ وأن يجعل نسل شخصٍ ما مثمرًا لا يتطلّب منه سوى كلمةٍ واحدة. لم يكن مطلقاً بحاجةٍ إلى العمل وبذل العرق لتحقيق مثل هذا الشيء أو إرهاق عقله أو إرباك نفسه؛ هذه هي قوّة الله ذاتها، أي سلطان الله ذاته.
بعد قراءة "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ" في التكوين 18: 18، هل يمكنكم أن تشعروا بسلطان الله؟ هل يمكنكم أن تشعروا بتفرّد الخالق؟ هل يمكنكم أن تشعروا بسيادة الخالق؟ كلام الله مُؤكّدٌ. لا يقول الله مثل هذا الكلام بسبب ثقته بالنجاح أو تعبيرًا عنه؛ ولكنه في المقابل دليلٌ على سلطان أقوال الله ووصيةٌ تُحقّق كلام الله. هناك تعبيران يجب عليكم الانتباه إليهما هنا. عندما يقول الله "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ"، فهل هناك أيّ ملمح غموضٍ في هذه الكلمات؟ هل هناك أيّ ملمح قلقٍ؟ هل هناك أيّ ملمح خوفٍ؟ بسبب كلمة "يَكُونُ" التي قالها الله، فإن هذه الملامح التي تخصّ الإنسان وغالبًا ما تتجلى فيه لم تكن لها أيّة علاقةٍ بالخالق مطلقًا. لا يجرؤ أحدٌ على استخدام مثل هذه الكلمات عندما يتمنى الخير للآخرين، ولا يجرؤ أحدٌ على مباركة شخصٍ آخر بأن يكون أمّةً عظيمة وقويّة بمثل هذا اليقين، أو يعده بأن تتبارك به جميع أمم الأرض. كلّما كان كلام الله أكثر تأكيدًا أثبت شيئًا ما – وما هذا الشيء؟ إنه يُثبِت أن الله يملك مثل هذا السلطان، وأن سلطانه يمكن أن يُحقّق هذه الأشياء، وأن إنجازها مُحتّمٌ. كان الله مُتأكّدًا في قلبه، دون أدنى تردّدٍ، من كلّ ما بارك به إبراهيم. وعلاوة على ذلك، فقد تم هذا كلّه وفقًا لكلامه، ولم تستطع أي قوّةٌ تغيير تحقيقه أو عرقلته أو إضعافه أو إعاقته. وبغضّ النظر عمّا حدث، لم يستطع أيّ شيءٍ إبطال تحقيق وإنجاز كلام الله أو التأثير فيه. هذه هي قوّة الكلام الذي تكلّم به الخالق، وسلطان الخالق الذي لا يتساهل مع إنكار الإنسان! بعد قراءة هذه الكلمات، هل ما زلت تشعر بالشكّ؟ هذا الكلام قاله الله، وكلام الله يحمل القوّة والجلال والسلطان. ومثل هذه القوّة والسلطان وحتميّة إنجاز الحقيقة لا يمكن أن يبلغها أيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ، ولا يمكن أن يتجاوزها أيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ. لا يمكن لأحدٍ سوى الخالق التحدّث إلى البشر بمثل هذه النغمة والنبرة، وقد أثبتت الحقائق أن وعوده ليست كلمات فارغة أو ادعاءات باطلة، ولكنها تعبيرٌ عن السلطان الفريد الذي لا يمكن لأيّ شخصٍ أو شيءٍ أو كائنٍ تجاوزه.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 93
(التكوين 17: 4-6) "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ، فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ".
(التكوين 18: 18-19) "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ؟ لِأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ يَهْوَه، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلًا، لِكَيْ يَأْتِيَ يَهْوَه لِإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ".
(التكوين 22: 16-18) وَقَالَ: "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، يَقُولُ يَهْوَه، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي".
(أيُّوب 42: 12) "وَبَارَكَ يَهْوَه آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولَاهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنَ ٱلْإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ".
ما الفرق بين الكلام الذي يتكلّم به الله والكلام الذي يتكلّم به الإنسان؟ عندما تقرأ هذا الكلام الذي يتكلّم به الله تشعر بقوّة كلام الله وسلطان الله. كيف تشعر عندما تسمع الناس يقولون مثل هذا الكلام؟ هل تعتقد أنهم متغطرسون ومتباهون للغاية ويتفاخرون بأنفسهم؟ بما أنهم لا يملكون هذه القوّة ولا يملكون مثل هذا السلطان، فهم غير قادرين تمامًا على تحقيق مثل هذه الأشياء، وكونهم على يقينٍ من وعودهم لا تكشف سوى عن اللامبالاة في كلامهم. إذا قال أحدهم كلامًا مثل هذا، فلا شكَّ في أنه سيكون متغطرسًا ومفرطًا في الثقة ومعلناً نفسه كمثالٍ كلاسيكي على شخصيّة رئيس الملائكة. صدر هذا الكلام من فم الله، فهل تشعر بأيّ ملمح كبرياءٍ هنا؟ هل تشعر أن كلام الله مُجرّد مزحةٍ؟ إن كلام الله سلطانٌ، وكلام الله حقيقةٌ، وقبل أن ينطق الله بالكلام، أيّ عندما يتّخذ القرار بفعل شيءٍ ما، يكون هذا الشيء قد تمّ بالفعل. يمكن القول إن كلّ ما قاله الله لإبراهيم كان عهدًا أقامه الله مع إبراهيم، ووعدًا قطعه الله لإبراهيم. كان هذا الوعد حقيقةً ثابتة، كما أنه كان حقيقةً ملموسة، وهذه الحقائق تحقّقت تدريجيًّا في أفكار الله وفقًا لخطّة الله. وهكذا، عندما يقول الله مثل هذا الكلام فإن هذا لا يعني أنه يملك شخصيّةً متغطرسة؛ لأن الله قادرٌ على تحقيق مثل هذه الأشياء. إنه يملك مثل هذه القوّة والسلطان، وهو قادرٌ تمامًا على تحقيق هذه الأعمال، وإنجازها يقع بالكامل ضمن نطاق قدرته. عندما ينطق الله كلامًا مثل هذا، فهو إعلانٌ وتعبير عن شخصيّة الله الحقيقيّة، وهو إعلانٌ كامل ومظهرٌ من مظاهر جوهر الله وسلطانه، وليس هناك ما هو أكثر ملاءمةً وتناسبًا كدليلٍ على هويّة الخالق. فأسلوب هذه الأقوال ونغمتها وصياغتها هي على وجه التحديد علامةٌ على هويّة الخالق، كما أنه يتطابق تمامًا مع التعبير عن هويّة الله الخاصة، كما أنه لا يحمل أيّة ذريعةٍ أو شائبة؛ إنه، بكل المقاييس، العرض المثاليّ لجوهر الخالق وسلطانه. أمّا المخلوقات فلا تملك مثل هذا السلطان ولا هذا الجوهر، ناهيك عن أنها لا تملك القوّة التي يمنحها الله. إذا كشف الإنسان عن مثل هذا السلوك، فسوف يكون من المُؤكّد ذروة شخصيّته الفاسدة، وسوف يتضمّن التأثير المتدخّل لغطرسة الإنسان وطموحه الجامح، ويكشف عن النوايا الخبيثة لإبليس، الشيطان، الذي يرغب في خداع الناس وحثّهم على خيانة الله. وكيف ينظر الله إلى ما ينكشف بمثل هذه اللغة؟ يقول الله إنك ترغب في اغتصاب مكانه وانتحال شخصيّته والتربّع مكانه. عندما تُقلّد نغمة أقوال الله، تكون نيّتك هي أن تتربّع مكان الله في قلوب الناس وأن تستأثر لنفسك بالبشر الذين ينتمون بحقٍّ إلى الله. هذا هو الشيطان في أبسط صوره؛ هذه هي تصرّفات نسل رئيس الملائكة التي لا تطيقها السماء! هل هناك بينكم أيّ واحدٍ قلّد الله بطريقةٍ معينة من خلال نطق بضع كلماتٍ، بقصد تضليل الناس وخداعهم، وجعلهم يشعرون كما لو كانت كلمات هذا الشخص وأفعاله تتمتّع بسلطان الله وقوّته، وكما لو كان جوهر هذا الشخص وهوّيته فريدين، وحتّى كما لو كانت نغمة كلمات هذا الشخص مشابهةً لنغمة الله؟ هل سبق وعملتم شيئًا مثل هذا؟ هل سبق وقلّدتم نغمة الله في كلامكم بإيماءاتٍ تزعم أنها تُمثّل شخصيّة الله، وبالقوّة والسلطان المفترضين؟ هل غالبًا ما يتصرّف معظمكم أو يُخطّط للتصرّف بهذه الطريقة؟ الآن، عندما تنظرون حقًّا وتُدرِكون وتعرفون سلطان الخالق وتنظرون فيما كنتم تفعلونه وتكشفونه عن أنفسكم، هل تشعرون بالاشمئزاز؟ هل تعترفون بسفالتكم وخزيكم؟ بعد التعرّف إلى تصرّف هؤلاء الناس وجوهرهم، هل يمكن القول إنهم أناس الجحيم الملعونين؟ هل يمكن القول إن كلّ من يفعل مثل هذه الأشياء يجلب الخزي لنفسه؟ هل تعترفون بخطورة طبيعة هذا؟ وما مدى خطورة ذلك؟ إن قصد الناس الذين يتصرّفون بهذه الطريقة هو تقليد الله. إنهم يريدون أن يكونوا الله، وأن يجعلوا الناس يعبدونهم وكأنهم الله. إنهم يريدون إلغاء مكان الله في قلوب الناس، والتخلّص من الله العامل بين البشر، من أجل تحقيق هدف السيطرة على الناس وابتلاعهم والاستيلاء عليهم. يحمل كلّ شخصٍ مثل هذه الرغبات والطموحات اللاشعوريّة، وكلّ شخصٍ يعيش في مثل هذا الجوهر الشيطانيّ الفاسد ويعيش في مثل هذه الطبيعة الشيطانيّة التي يكون فيها معاديًا لله ويخون الله ويرغب في أن يصبح هو الله. بعد خدمتي عن موضوع سلطان الله، هل ما زلتم ترغبون أو تطمحون في انتحال شخصيّة الله أو تقليد الله؟ هل ما زلتم ترغبون في أن تكونوا الله؟ هل ما زلتم ترغبون في أن تصبحوا الله؟ لا يستطيع الإنسان تقليد سلطان الله، كما أنه لا يستطيع انتحال هويّة الله ومكانته. على الرغم من أنه يمكنك تقليد النغمة التي يتحدّث بها الله، فإنك لا تستطيع تقليد جوهر الله. وعلى الرغم من أنه يمكنك الوقوف في مكان الله وانتحال شخصيّته، فإنك لن تستطيع أبدًا أن تفعل ما يعتزم الله عمله، ولن تكون قادرًا أبدًا على التحكّم في جميع الأشياء والسيادة عليها. ففي نظر الله، سوف تكون إلى الأبد مخلوقًا صغيرًا، وبغضّ النظر عن مدى مهاراتك وقدرتك، وبغضّ النظر عن مقدار مواهبك، فأنت بجملتك خاضعٌ لسلطان الخالق. على الرغم من أنك قادرٌ على قول بعض الكلمات الصاخبة، إلّا أن هذا لا يمكنه إظهار أنك تملك جوهر الخالق أو أنك تملك سلطان الخالق. فسلطان الله وقوّته هما جوهر الله نفسه. لم يتم تعلُّمهما أو إضافتهما من مصدرٍ خارجيّ، ولكنهما جوهر الله نفسه. وبالتالي لا يمكن أبدًا تغيير العلاقة بين الخالق والمخلوقات. يتعيّن على الإنسان بصفته أحد عناصر المخلوقات أن يحتفظ بمركزه وأن يتصرّف بضميرٍ حيّ وأن يحرس بإخلاصٍ ما عهده الخالق إليه. كما أن الإنسان ينبغي ألّا يتصرّف ضد القواعد أو يفعل أشياءً خارج نطاق قدراته أو يفعل أشياءً كريهة في نظر الله. ينبغي على الإنسان ألّا يحاول أن يكون عظيمًا أو استثنائيًّا أو فوق الآخرين، وألّا يسعى ليصبح الله. هذا ما يجب على الناس ألّا يتمنوا أن يكونوا عليه؛ فسعي المرء ليصبح عظيمًا أو استثنائيًّا أمرٌ سخيف، وسعي المرء ليصبح الله أشد خزيًا؛ إنه لأمرٍ شائن ومهين. أمّا الجدير بالثناء وما يجب أن تتمسّك به المخلوقات أكثر من أيّ شيءٍ آخر فهو أن تصبح مخلوقًا حقيقيًّا؛ فهذا هو الهدف الوحيد الذي يجب على جميع الناس السعي نحوه.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 94
سلطان الخالق لا يُقيّده الزمن أو المكان أو الجغرافيا، وسلطان الخالق نفيسٌ
دعونا نلقي نظرةً على التكوين 22: 17-18. هذ مقطعٌ آخر تكلّم به يهوه الله وقال فيه لإبراهيم: "أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي". بارك يهوه الله إبراهيم مرّات عديدة بتكثير نسله، فإلى أيّ حدٍّ؟ إلى الحدّ الذي قيل في الكتاب المُقدّس: "كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ". وهذا معناه أن الله أراد أن يمنح إبراهيم نسلًا كثيرًا كعدد نجوم السماء ووفيرًا كعدد الرمال على شاطئ البحر. تكلّم الله باستخدام الصور المجازيّة، ومن هذه الصور المجازيّة ليس من الصعب أن نرى الله يهب إبراهيم حفيدًا أو اثنين أو حتّى الآلاف من الأحفاد، بل عددًا لا يُحصى يكفي أن يصبح جمهور أممٍ؛ لأن الله وعد إبراهيم بأن يكون أبًا لجمهورٍ من الأمم. وهل هذا العدد قرّره الإنسان أم قرّره الله؟ هل يستطيع الإنسان التحكّم في عدد أحفاده؟ هل الأمر متروكٌ له؟ الأمر حتّى ليس متروكًا للإنسان سواء كان لديه العديد أم لا، ناهيك عن "كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ". من لا يرغب في أن يكون نسله عديدًا كالنجوم؟ للأسف، لا تظهر الأشياء دائمًا بالطريقة التي تريدها. بصرف النظر عن مدى مهارة الإنسان أو قدرته، فإن الأمر لا يرجع له؛ فلا أحد يمكنه أن يقف خارج الإطار الذي يُحدّده الله. فالمقدار الذي يسمح به لك هو الذي يكون لك: إذا أعطاك الله قليلًا، فلن يكون لك الكثير، وإذا أعطاك الله كثيرًا، فليس من الفائدة أن تستاء من مقدار ما تملكه. أليس هذا هو ما يحدث؟ الأمر كلّه يعود إلى الله، وليس للإنسان! الله يتحكّم في الإنسان، ولا أحد مستثنى!
عندما قال الله: "وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ"، كان هذا ميثاقًا أقامه الله مع إبراهيم، وكما هو الحال في ميثاق قوس قزح، فإن هذا الميثاق سوف يكون مُحقّقًا إلى الأبد، وكان أيضًا وعدًا من الله لإبراهيم. الله وحده مؤهلٌ وقادرٌ على تحقيق هذا الوعد. بغضّ النظر عمّا إذا كان الإنسان يؤمن به أم لا، وبغضّ النظر عمّا إذا كان الإنسان يقبله أم لا، وبغضّ النظر عن كيفيّة نظر الإنسان له، ورأيه فيه، فإن هذا كله سوف يتحقّق حرفيًّا وفقًا للكلمات التي تكلّم بها الله. لن يتغيّر كلام الله بسبب التغيّرات في إرادة الإنسان أو تصوّراته، ولن تتغيّر بسبب التغيّرات في أيّ شخصٍ أو شيءٍ أو كائنٍ. قد تختفي جميع الأشياء، ولكن كلام الله سوف يبقى إلى الأبد. على العكس تمامًا، فاليوم الذي تختفي فيه جميع الأشياء هو بالضبط اليوم الذي يتحقّق فيه كلام الله تمامًا؛ لأنه هو الخالق ويملك سلطان الخالق وقوّة الخالق ويتحكّم في جميع الأشياء وفي قوّة الحياة؛ إنه قادرٌ على خلق الشيء من اللاشيء، أو تحويل الشيء إلى اللاشيء، كما أنه يتحكّم في تحويل جميع الأشياء الحيّة والمائتة، وهكذا ليس هناك ما هو أبسط بالنسبة لله من تكثير نسل شخصٍ ما. يبدو هذا خياليًّا للإنسان، مثل حكايةٍ خرافيّة، ولكن ما يُقرّر الله أن يفعله ويعد به ليس خيالياً وليس حكاية خرافيّة. بل هو حقيقةٌ شهدها الله بالفعل وسوف تتحقّق بالتأكيد. هل تُدرِكون هذا؟ هل تُثبِت الحقائق أن نسل إبراهيم كان كثيرًا؟ وما مقدار كثرته؟ إنه كثيرٌ "كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ" مثلما تكلّم الله؟ هل انتشروا في جميع الأمم والمناطق وفي كلّ مكانٍ في العالم؟ وما الذي أنجز هذه الحقيقة؟ هل أنجزها سلطان كلام الله؟ لعدّة مئاتٍ أو آلافٍ من السنين بعد أن تكلّم الله، استمرّ كلام الله يتحقّق، وكان باستمرارٍ يصير حقائق؛ هذه هي قوّة كلام الله، ودليلٌ على إثبات سلطان الله. عندما خلق الله جميع الأشياء في البداية، قال الله ليكن نور فكان نورٌ. حدث ذلك بسرعة البرق وتحقّق في وقتٍ قصير جدًّا، ولم يكن هناك أيّ تأخيرٍ في إنجازه وتحقيقه؛ كانت آثار كلام الله فوريّة. وكان الكلام استعراضًا لسلطان الله، ولكن عندما بارك الله إبراهيم سمح للإنسان بأن يرى جانبًا آخر من جوهر سلطان الله وسمح للإنسان بأن يرى مقدار نفاسة سلطان الخالق، وعلاوة على ذلك، سمح للإنسان بأن يرى جانبًا أكثر واقعيّة وروعة من سلطان الخالق.
بُمجرّد أن ينطق الله كلامه، يتولّى سلطان الله مسؤوليّة هذا العمل فيبدأ يتحقّق تدريجيًّا ما وعد به الله. من بين جميع الأشياء، تبدأ تغيّراتٌ في كلّ شيءٍ نتيجةً لذلك، مثل الكيفيّة التي يتحوّل بها العشب إلى اللون الأخضر عند قدوم الربيع وتتفتّح الزهور وتنبت البراعم من الأشجار وتبدأ الطيور في الشدو وتعود طيور الإوزّ وتمتلئ الحقول بالناس... مع قدوم الربيع تتجدّد جميع الأشياء، وهذا هو العمل الإعجازيّ للخالق. عندما يُنجِز الله وعوده، تتجدّد جميع الأشياء في السماء وعلى الأرض وتتغيّر وفقًا لأفكار الله – ولا يكون هناك استثناءٌ. عندما يصدر التزامٌ أو وعد من الله، فإن جميع الأشياء تعمل على تحقيقه وتسعى من أجل تحقيقه، وتتعاون جميع المخلوقات في اتّساقٍ في ظلّ سيادة الخالق بحيث يُؤدّي كلٌ منها دوره ويُتمّم وظيفته المناسبة. هذا هو إظهار سلطان الخالق. ماذا ترى في هذا؟ كيف تعرف سلطان الله؟ هل هناك نطاقٌ لسلطان الله؟ هل هناك حدٌّ زمنيّ؟ هل يمكن القول بأن له ارتفاعاً مُعيّناً أو طولاً مُعيّناً؟ هل يمكن القول بأن له حجماً مُعيّناً أو قوّةً مُعيّنةً؟ هل يمكن قياسه بحسب أبعاد الإنسان؟ سلطان الله لا يعمل ليتوقّف، ولا يبدأ لينتهي، ولا أحد يمكنه قياس مقدار سلطانه. بغضّ النظر عن مقدار الوقت الذي يمرّ، عندما يبارك الله شخصًا ما سوف تستمرّ هذه البركة، وسوف يشهد استمرارها على السلطان النفيس لله، وسوف يسمح للجنس البشريّ برؤية عودة ظهور قوّة حياة الخالق التي لا تهدأ مرارًا وتكرارًا. كلّ إظهارٍ لسلطانه هو الإظهار المثاليّ للكلمات الصادرة من فمه، ويتجلّى في جميع الأشياء ولكلّ البشريّة. والأكثر من ذلك، فإن كلّ شيءٍ يتحقّق بسلطانه يكون رائعًا بما لا يُقاس، ولا تشوبه شائبةٌ. يمكن القول بأن أفكاره وكلماته وسلطانه وكلّ العمل الذي يُنجِزه صورةٌ جميلةُ لا يضاهيها شيءٌ، وبالنسبة إلى المخلوقات، فإن لغة الإنسان تعجز عن التعبير عن أهميّتها وقيمتها. عندما يُقدّم الله وعدًا لشخصٍ ما، سواء كان بخصوص مكان إقامته أو ما يعمله أو شخصيّته قبل أو بعد نواله الوعد أو مقدار التحوّلات في بيئته المعيشيّة – فإن هذا كلّه مألوفٌ تمامًا بالنسبة إلى الله. بغضّ النظر عن مقدار الوقت المنقضي بعد أن ينطق الله كلامه، فإنه يعتبر أنه قد نطقها للتوّ. وهذا يعني أن الله يملك القوّة والسلطان لتتبّع كلّ وعدٍ يُقدّمه للبشر وتدبيره وتحقيقه، وبغضّ النظر عن ماهيّة الوعد، وبغضّ النظر عن المدة التي يستغرقها كي يتحقّق، وبغضّ النظر عن مدى اتّساع نطاق تحقيقه – على سبيل المثال، الزمان والمكان والعِرق وما إلى ذلك – فإن هذا الوعد سوف يتحقّق ويُنجَز، وعلاوة على ذلك، فإن تحقّقه وإنجازه لن يتطلّب منه أدنى مجهودٍ. وماذا يُثبِت هذا؟ يُثبِت أن اتّساع سلطان الله وقوّته يكفي لإدارة الكون كلّه، والبشريّة كلّها. صنع الله النور، لكن هذا لا يعني أن الله لا يدير سوى النور، أو أنه لا يدير سوى الماء لمُجرّد أنه خلق الماء وأن كلّ شيءٍ آخر لا علاقة له بالله. أليس هذا سوء فهمٍ؟ على الرغم من أن بركة الله لإبراهيم تلاشت تدريجيًّا من ذاكرة الإنسان بعد عدّة مئاتٍ من السنين، إلّا أن هذا الوعد كان لا يزال قائمًا بالنسبة إلى الله. كان لا يزال في طور الإنجاز ولم يتوقّف مطلقًا. لم يعرف الإنسان قط أو يسمع عن الكيفيّة التي يمارس بها الله سلطانه وكيفيّة تنظيم جميع الأشياء وترتيبها وعدد القصص الرائعة التي حدثت بين جميع مخلوقات الله في هذا الوقت، ولكن كلّ قطعةٍ رائعة من إظهار سلطان الله وإعلانه كانت تمرّ وتسمو بين جميع الأشياء، وكانت جميع الأشياء تظهر وتُعلِن الأعمال الإعجازيّة للخالق، وكلّ قصةٍ معروفة عن سيادة الخالق على جميع الأشياء سوف تُعلِنها جميع الأشياء إلى الأبد. إن السلطان الذي يحكم به الله جميع الأشياء، وقوّة الله، يُظهِران لجميع الأشياء أن الله موجودٌ في كلّ مكانٍ وفي جميع الأوقات. عندما تشهد على حضور سلطان الله وقوّته في كلّ مكانٍ، سوف ترى أن الله موجودٌ في كلّ مكانٍ وفي جميع الأوقات. إن سلطان الله وقوّته لا يُقيّدهما الزمان أو المكان أو الفضاء أو أيّ شخصٍ أو شيء. كما أن اتّساع سلطان الله وقوتّه يتجاوز خيال الإنسان؛ فالمرء لا يقدر أن يسبر غورهما، كما أنهما يفوقان تصوّر الإنسان ولن يتمكّن من معرفتهما معرفةً إجماليّة.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 95
يحبّ بعض الناس الاستنتاج والتخيّل، ولكن إلى أيّ مدى يمكن أن يصل خيال الإنسان؟ هل يمكن أن يتجاوز هذا العالم؟ هل يمكن للإنسان أن يستنتج ويتخيّل صحة ودقّة سلطان الله؟ هل استنتاج الإنسان وخياله يمكنهما السماح له ببلوغ معرفة سلطان الله؟ هل يمكنهما أن يجعلا الإنسان يُقدّر حقًّا قيمة سلطان الله ويخضع له؟ تُثبِت الحقائق أن استنتاج الإنسان وخياله ليسا سوى نتاجٍ لعقل الإنسان، وأنهما لا يُقدّمان أدنى مساعدةٍ أو فائدة لمعرفة الإنسان عن سلطان الله. بعد قراءة قصص الخيال العلميّ، يمكن للبعض تخيّل القمر وشكل النجوم. ولكن هذا لا يعني أن الإنسان لديه أيّ فهمٍ لسلطان الله. فخيال الإنسان ما هو إلّا خيالٌ. وليس لديه أي فهم لحقائق هذه الأشياء، أي عن صلتها بسلطان الله. ماذا لو صعدتَ إلى القمر؟ هل هذا يدلّ على أن لديك فهمًا مُتعدّد الأبعاد لسلطان الله؟ هل يُظهِر أنك قادرٌ على تخيّل نطاق سلطان الله وقوّته؟ بما أن استنتاج الإنسان وخياله لا يقدران على السماح له بمعرفة سلطان الله، ماذا يجب أن يفعل الإنسان؟ الخيار الأكثر حكمة هو عدم الاستنتاج أو التخيّل، أي أن الإنسان ينبغي ألّا يعتمد أبدًا على الخيال أو يتّكل على الاستدلال عندما يتعلّق الأمر بمعرفة سلطان الله. ما الذي أودّ أن أقوله لكم هنا؟ لا يمكن بلوغ معرفة سلطان الله وقوّة الله وهويّة الله وجوهر الله بالاعتماد على خيالكم. بما أنك لا تستطيع الاعتماد على الخيال لمعرفة سلطان الله، فبأيّة طريقةٍ يمكنك بلوغ معرفة حقيقيّة لسلطان الله؟ من خلال التغذّي على كلام الله، ومن خلال الشركة، ومن خلال اختبار كلام الله، سوف يكون لديك اختبارٌ وتحقّق تدريجيّان لسلطان الله وبالتالي سوف تكتسب فهمًا تدريجيًّا ومعرفةً متزايدة له. هذه هي الطريقة الوحيدة لبلوغ معرفة سلطان الله؛ فلا توجد طرقٌ مختصرة. ومطالبتكم بعدم التخيّل لا تعني مطالبتكم بالركون السلبيّ في انتظار الدمار أو منعكم عن عمل أيّ شيءٍ. كما أن عدم استخدام عقلك في التفكير والتخيّل يعني عدم استخدام المنطق في الاستنتاج وعدم استخدام المعرفة في التحليل وعدم استخدام العلم بصفته الأساس، ويعني بالأحرى التقدير والتحقّق من والتأكيد على أن الله الذي تؤمن به يملك السلطان، والتأكيد على أنه يملك السيادة على مصيرك وأن قوّته في جميع الأوقات تُثبِت أنه الله الحقيقيّ نفسه من خلال كلام الله ومن خلال الحقّ ومن خلال كلّ ما تختبره في الحياة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن لأيّ شخصٍ بها بلوغ فهمٍ لله. يقول البعض إنهم يرغبون في إيجاد طريقة بسيطة لبلوغ هذا الهدف، ولكن هل يمكنكم أن تُفكّروا في مثل هذه الطريقة؟ أقول لك إنه ليست هناك حاجةٌ للتفكير: لا توجد طرقٌ أخرى! الطريقة الوحيدة هي أن تعرف بوعيٍ وبثباتٍ طبيعة الله وتتحقّق من ذلك من خلال كلّ كلمةٍ يُعبّر عنها وكلّ شيءٍ يفعله. هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة الله؛ لأن ماهية الله وما لديه وكلّ شيءٍ عن الله ليس أجوفَ وفارغاً ولكنه حقيقيٌّ.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 96
حقيقة تحكّم الخالق في جميع الأشياء والكائنات الحيّة وسيادته عليها تُعلِن عن الوجود الحقيقيّ لسلطان الخالق
يُسجّل سفر أيُّوب بركة يهوه لأيُّوب. ماذا منح الله أيُّوب؟ "وَبَارَكَ يَهْوَه آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولَاهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنَ ٱلْإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ" (أيُّوب 42: 12). من وجهة نظر الإنسان، ماذا كانت هذه الأشياء المعطاة لأيُّوب؟ هل كانت أملاك الرجل؟ هل كان أيُّوب بهذه الأملاك ثريًّا جدًّا خلال هذا العصر؟ وكيف حصل على هذه الأملاك؟ ما الذي شكّل ثروته؟ غنيٌّ عن القول إن أيُّوب امتلكها بفضل نعمة الله. لن نبحث هنا في كيفيّة نظرة أيُّوب لهذه الأملاك وكيفيّة نظرته لبركات الله. عندما يتعلّق الأمر ببركات الله، يتوق جميع الناس، ليلًا ونهارًا، كي يباركهم الله، ولكن الإنسان لا يتحكّم في عدد الأملاك التي يمكنه أن يكسبها خلال حياته، أو ما إذا كان بإمكانه نوال بركات من الله – وهذه حقيقةٌ لا جدال فيها! الله يملك السلطان والقدرة على منح أيّة أملاكٍ للإنسان، وعلى السماح للإنسان بنوال أيّة بركةٍ، ومع ذلك هناك مبدأ لبركات الله. أيّ نوعٍ من الناس يباركه الله؟ أولئك الذين يحبّهم بالطبع! بارك الله إبراهيم وأيُّوب على حدٍّ سواء، ولكن البركات التي تلقّياها لم تكن هي نفسها. بارك الله إبراهيم بنسلٍ وفير كرمل البحر ونجوم السماء. عندما بارك الله إبراهيم، فإنه جعل نسل رجلٍ واحد، أمّةً واحدة، يصبح قويًّا ومزدهرًا. في هذا، كان سلطان الله يسود البشر الذين شعروا بأنفاس الله بين جميع الأشياء والكائنات الحيّة. في ظلّ سيادة سلطان الله، تكاثرت هذه البشريّة ووُجِدَتْ بمقدار السرعة وضمن النطاق اللذين قرّرهما الله. وعلى وجه التحديد، كان بقاء هذه الأمّة ومُعدّل اتّساعها ومتوسط عمرها المُتوقّع جزءًا من ترتيبات الله، وكان مبدأ هذا كلّه يستند كليًّا إلى الوعد الذي قطعه الله لإبراهيم. وهذا يعني أنه بغضّ النظر عن الظروف، فإن وعود الله سوف تستمرّ دون عائقٍ ويمكن تحقيقها في ظلّ تدبير سلطان الله. في الوعد الذي قطعه الله لإبراهيم، بغضّ النظر عن اضطرابات العالم، وبغضّ النظر عن السنّ، وبغضّ النظر عن الكوارث التي مرّت بها البشريّة، فإن نسل إبراهيم لن يواجه خطر الإبادة وأمّتهم لن تموت. ومع ذلك، فإن نعمة الله لأيُّوب جعلته ثريًّا للغاية. منحه الله مجموعةً من الكائنات الحيّة التي تتنفّس، كما أن الله كان يتحكّم في خصائصها: عددها وسرعة تكاثرها ومُعدّلات بقاءها ومقدار الدهون فيها وما إلى ذلك. على الرغم من أن هذه الكائنات الحيّة لم تملك القدرة على الكلام، فإنها كانت أيضًا جزءًا من ترتيبات الخالق، وكان مبدأ ترتيبات الله وفقًا للبركة التي وعد الله بها أيُّوب. على الرغم من اختلاف الوعد في البركات التي منحها الله لإبراهيم وأيُّوب، فإن السلطان الذي حكم به الخالق جميع الأشياء والكائنات الحيّة كان هو نفسه. كلّ تفصيلٍ لسلطان الله وقوّته يتم التعبير عنه في مختلف وعوده وبركاته لإبراهيم وأيُّوب، ويُظهِر مرّةً أخرى للبشريّة أن سلطان الله أبعد من الخيال البشريّ. تكشف هذه التفاصيل للإنسان مرّةً أخرى أنه إذا أراد أن يعرف سلطان الله فإن هذا لا يمكن أن يتحقّق إلّا من خلال كلام الله ومن خلال اختبار عمل الله.
إن سلطان الله في السيادة على جميع الأشياء يسمح للإنسان بأن يرى حقيقة أن سلطان الله لا يتجسّد فحسب في الكلمات: "وقال الله ليكن نورٌ فكان نورٌ؛ ليكن جَلَدٌ فكان جَلَدٌ؛ لتكن يابسةٌ فكانت يابسةٌ"، بل علاوة على ذلك في الكيفيّة التي جعل بها النور مستمرًّا ومنع الجَلَدْ من الاختفاء وأبقى اليابسة إلى الأبد منفصلةً عن الماء، وكذلك في تفاصيل كيفيّة حكمه وتدبيره للمخلوقات: النور والجَلَدْ واليابسة. ماذا ترون في بركة الله للبشريّة؟ من الواضح أن الله بعد أن بارك إبراهيم وأيُّوب لم تتوقّف خُطاهُ؛ لأنه كان قد بدأ للتوّ يمارس سلطانه ويعتزم أن يجعل كلّ كلمةٍ من كلامه واقعًا، وأن يُحقّق كلّ تفصيلٍ من التفاصيل التي تكلّم عنها، وهكذا، في السنوات التالية، استمرّ في عمل كلّ ما اعتزم عمله. وبما أن الله يملك السلطان، ربّما يبدو للإنسان أن الله يتحدّث وحسب ولا يحتاج إلى رفع أصبعه كي يُحقّق جميع الأمور والأشياء التي يجب تحقيقها. إن تخيّل هذا أمرٌ مثير للسخرية إلى حدٍّ ما! إذا فكرّت فقط في وجهة النظر الأحاديّة لإبرام الله ميثاقه مع الإنسان باستخدام الكلمات وتحقيق الله لكلّ شيءٍ باستخدام الكلمات ولم تستطع رؤية مختلف العلامات والحقائق بأن سلطان الله يسود على وجود جميع الأشياء، فإن فهمك لسلطان الله سطحيٌّ جدًّا وسخيف! إذا كان الإنسان يتخيّل الله هكذا، فلا بدّ من القول إذًا إن معرفة الإنسان لله قد انحدرت إلى أدنى مستوياتها ووصلت إلى طريقٍ مسدود؛ لأن الله الذي يتخيّله الإنسان ليس إلّا آلةً تُصدِر الأوامر وليس الله الذي يملك السلطان. ماذا رأيت في أمثلة إبراهيم وأيُّوب؟ هل رأيت الجانب الحقيقيّ لسلطان الله وقوّته؟ بعد أن بارك الله إبراهيم وأيُّوب، لم يَبق الله في مكانه ولم يُكلّف رسوليه بالعمل بينما كان في انتظار النتيجة. ولكن على العكس من ذلك، بمُجرّد أن نطق الله كلامه، وفي ظلّ سلطان الله، بدأت جميع الأشياء تمتثل للعمل الذي اعتزم الله عمله، فصنع بذلك الناس والأشياء بحسب طلبه. وهذا يعني أنه بمُجرّد أن نطق الله كلامه بدأ سلطانه في النفاذ في جميع أنحاء الأرض، ووضع مسارًا من أجل تحقيق الوعود التي قطعها لإبراهيم وأيُّوب وإنجازها، في حين كان يصنع أيضًا جميع الخطط والاستعدادات المناسبة لكلّ ما هو مطلوبٌ لكلّ خطوةٍ وكلّ مرحلةٍ رئيسيّة كان يُخطّط لعملها. خلال هذا الوقت، لم يُحرّك الله رسله وحسب بل حرّك أيضًا جميع الأشياء التي خلقها. وهذا يعني أن النطاق الذي تمّت فيه ممارسة سلطان الله لم يشمل الرسل فقط، ولكنه شمل علاوة على ذلك جميع الأشياء التي حُرّكت للامتثال للعمل الذي كان ينوي إنجازه. كانت هذه هي السلوكيات المُحدّدة التي تمّت فيها ممارسة سلطان الله. في تصوّراتكم، قد يكون البعض لديهم الفهم التالي لسلطان الله: الله يملك السلطان، والله يملك القوّة، وهكذا فإن الله ليس بحاجةٍ سوى للبقاء في السماء الثالثة أو للبقاء في مكانٍ ثابت ولا يحتاج لأداء أيّ عملٍ مُعيّن وأن عمل الله بأكمله يكتمل في أفكاره. وقد يعتقد البعض أيضًا أنه على الرغم من أن الله بارك إبراهيم فإن الله لم يكن بحاجةٍ لفعل أيّ شيءٍ وأنه كان يكفيه أن ينطق كلامه فقط. هل هذا ما حدث بالفعل؟ لا بالطبع! على الرغم من أن الله يملك السلطان والقوّة، فإن سلطانه حقيقيٌّ وواقعيّ وليس فارغاً. تنكشف أصالة وواقعيّة سلطان الله وقوّته بشكلٍ تدريجيّ وتتجسّدان في خلقه لجميع الأشياء وتحكّمه في جميع الأشياء وفي عمليّة قيادته للبشريّة وتدبيره لها. كلّ طريقةٍ وكلّ منظورٍ وكلّ تفصيلٍ لسيادة الله على البشريّة وجميع الأشياء وكلّ العمل الذي أنجزه بالإضافة إلى فهمه لجميع الأشياء – كلّها تُثبِت حرفيًّا أن سلطان الله وقوّته ليسا كلمات فارغة. يظهر سلطانه وقوّته وينكشفان باستمرارٍ، وفي جميع الأشياء. تتحدّث هذه الإظهارات والانكشافات عن الوجود الحقيقيّ لسلطان الله؛ لأنه يستخدم سلطانه وقوّته للاستمرار في عمله والإشراف على جميع الأشياء وحكم جميع الأشياء في كلّ لحظةٍ، ولا يمكن لقوّته وسلطانه أن يحلّ محلّهما الملائكة أو رسل الله. قرّر الله النعم التي سوف يمنحها لإبراهيم وأيُّوب؛ فالأمر كان يرجع إلى الله. على الرغم من أن رسل الله زاروا شخصيًّا إبراهيم وأيُّوب، إلّا أن تصرّفاتهم كانت وفقًا لوصايا الله وفي ظلّ سلطان الله، كما كانوا في ظلّ سيادة الله. على الرغم من أن الإنسان يرى رسل الله يزورون إبراهيم ولا يشهد يهوه الله يعمل أيّ شيءٍ بصفةٍ شخصيّة في سجلّات الكتاب المُقدّس، فإن الشخص الوحيد في الواقع الذي يمارس القوّة والسلطان هو الله نفسه، وهذا لا يشكّ فيه أيّ إنسانٍ! وعلى الرغم من أنك رأيت أن الملائكة والرسل يملكون قوّةً عظيمة وصنعوا معجزات أو فعلوا بعض الأشياء بتكليفٍ من الله، فإن أفعالهم ليست سوى لإكمال عمل الله، وليست بأيّ حالٍ من الأحوال استعراضًا لسلطان الله – لأنه لا يوجد أيّ إنسانٍ أو كائنٍ يملك سلطان الخالق لخلق جميع الأشياء وحكم جميع الأشياء. وهكذا لا يستطيع أيّ إنسانٍ أو كائنٍ ممارسة سلطان الخالق أو إظهاره.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 97
سلطان الخالق غير قابلٍ للتغيير وغير قابلٍ للإساءة
1. الله يستخدم الكلام لخلق جميع الأشياء
(التكوين 1: 3-5) وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ ٱللهُ بَيْنَ ٱلنُّورِ وَٱلظُّلْمَةِ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلنُّورَ نَهَارًا، وَٱلظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا.
(التكوين 1: 6-7) وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ جَلَدٌ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ. وَلْيَكُنْ فَاصِلًا بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاهٍ". فَعَمِلَ ٱللهُ ٱلْجَلَدَ، وَفَصَلَ بَيْنَ ٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي تَحْتَ ٱلْجَلَدِ وَٱلْمِيَاهِ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلْجَلَدِ. وَكَانَ كَذَلِكَ.
(التكوين 1: 9-11) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَجْتَمِعِ ٱلْمِيَاهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ ٱلْيَابِسَةُ". وَكَانَ كَذَلِكَ. وَدَعَا ٱللهُ ٱلْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَ ٱلْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُنْبِتِ ٱلْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ، بِزْرُهُ فِيهِ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ.
(التكوين 1: 14-15) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَكُنْ أَنْوَارٌ فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتَفْصِلَ بَيْنَ ٱلنَّهَارِ وَٱللَّيْلِ، وَتَكُونَ لِآيَاتٍ وَأَوْقَاتٍ وَأَيَّامٍ وَسِنِينٍ. وَتَكُونَ أَنْوَارًا فِي جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ لِتُنِيرَ عَلَى ٱلْأَرْضِ". وَكَانَ كَذَلِكَ.
(التكوين 1: 20-21) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتَفِضِ ٱلْمِيَاهُ زَحَّافَاتٍ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَلْيَطِرْ طَيْرٌ فَوْقَ ٱلْأَرْضِ عَلَى وَجْهِ جَلَدِ ٱلسَّمَاءِ". فَخَلَقَ ٱللهُ ٱلتَّنَانِينَ ٱلْعِظَامَ، وَكُلَّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحيَّةِ ٱلدَّبَّابَةِ ٱلْتِى فَاضَتْ بِهَا ٱلْمِيَاهُ كَأَجْنَاسِهَا، وَكُلَّ طَائِرٍ ذِي جَنَاحٍ كَجِنْسِهِ. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.
(التكوين 1: 24-25) وَقَالَ ٱللهُ: "لِتُخْرِجِ ٱلْأَرْضُ ذَوَاتِ أَنْفُسٍ حَيَّةٍ كَجِنْسِهَا: بَهَائِمَ، وَدَبَّابَاتٍ، وَوُحُوشَ أَرْضٍ كَأَجْنَاسِهَا". وَكَانَ كَذَلِكَ. فَعَمِلَ ٱللهُ وُحُوشَ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا، وَٱلْبَهَائِمَ كَأَجْنَاسِهَا، وَجَمِيعَ دَبَّابَاتِ ٱلْأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. وَرَأَى ٱللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ.
2. الله يستخدم كلامه لإرساء ميثاقٍ مع الإنسان
(التكوين 9: 11-13) "أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلَا يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ ٱلطُّوفَانِ. وَلَا يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ ٱلْأَرْضَ"؟ وَقَالَ ٱللهُ: "هَذِهِ عَلَامَةُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحَيَّةِ ٱلَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ ٱلدَّهْرِ. وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ فَتَكُونُ عَلَامَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْأَرْضِ".
3. بركات الله
(التكوين 17: 4-6) "أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ، فَلَا يُدْعَى ٱسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ ٱسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لِأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ ٱلْأُمَمِ. وَأُثْمِرُكَ كَثِيرًا جِدًّا، وَأَجْعَلُكَ أُمَمًا، وَمُلُوكٌ مِنْكَ يَخْرُجُونَ".
(التكوين 18: 18-19) "وَإِبْرَاهِيمُ يَكُونُ أُمَّةً كَبِيرَةً وَقَوِيَّةً، وَيَتَبَارَكُ بِهِ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ؟ لِأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ يَهْوَه، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلًا، لِكَيْ يَأْتِيَ يَهْوَه لِإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ".
(التكوين 22: 16-18) وَقَالَ: "بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، يَقُولُ يَهْوَه، أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا ٱلْأَمْرَ، وَلَمْ تُمْسِكِ ٱبْنَكَ وَحِيدَكَ، أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا كَنُجُومِ ٱلسَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى شَاطِئِ ٱلْبَحْرِ، وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ، وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ ٱلْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي".
(أيُّوب 42: 12) "وَبَارَكَ يَهْوَه آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولَاهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ ٱلْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلَافٍ مِنَ ٱلْإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ ٱلْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ".
ماذا رأيتم في هذه الأجزاء الثلاثة من الكتاب المُقدّس؟ هل لاحظتم أن هناك مبدأ يمارس به الله سلطانه؟ على سبيل المثال، استخدم الله قوس قزح لإبرام ميثاقٍ مع الإنسان وضع فيه قوس قزح في السحاب ليُخبِر الإنسان بأنه لن يستخدم الطوفان مرّةً أخرى لإهلاك العالم. هل يرى شعب قوس قزح اليوم نفس ما قاله الله؟ هل تغيّرت طبيعته ومعناه؟ لم تتغيّر دون أدنى شكٍّ. استخدم الله سلطانه ليعمل هذا العمل، والميثاق الذي أبرمه مع الإنسان استمرّ حتّى اليوم، والوقت الذي تبدّل فيه هذا الميثاق يعود بالطبع إلى الله. بعد أن قال الله: "وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ"، التزم الله دائمًا بهذا الميثاق حتّى اليوم. ماذا ترى في هذا؟ على الرغم من أن الله يملك السلطان والقوّة، إلّا أنه شديد الصرامة والانضباط في تصرّفاته ويبقى أمينًا لكلامه. أمّا صرامته وانضباطه في أفعاله فيُظهِران عدم قابليّة الخالق للإساءة وعدم إمكانيّة تجاوز سلطان الخالق. على الرغم من أن الله يملك سلطانًا ساميًا ومن أن جميع الأشياء تقع في ظلّ تحكّمه، وعلى الرغم من أنه يملك القدرة على حكم جميع الأشياء، إلّا أن الله لم يُفسِد خطّته أو يُعطّلها، وفي كلّ مرّةٍ يمارس فيها سلطانه يكون ذلك في اتّفاقٍ تام مع مبادئه الخاصة ويتبع بدقّةٍ كلام فمه ويتبع خطوات وأهداف خطّته. غنيٌّ عن القول إن جميع الأشياء التي يحكمها الله تطيع أيضًا المبادئ التي يُمارَس بها سلطان الله، ولا يُعفى أيّ إنسانٍ أو شيءٍ من ترتيبات سلطانه، ولا يمكنها تغيير المبادئ التي تُمارَس بها سلطانه. في نظر الله، ينال المباركون النصيب الطيّب الذي يُقدّمه سلطانه، وينال الملاعين عقابهم بسبب سلطان الله. في ظلّ سيادة سلطان الله، لا يُعفى أيّ إنسانٍ أو شيءٍ من ممارسة سلطانه، ولا يمكنها تغيير المبادئ التي تُمارَس بها سلطانه. لا يتغيّر سلطان الخالق بالتغييرات في أيّ عاملٍ، وبالمثل، فإن المبادئ التي يُمارَس بها سلطانه لا تتغيّر لأيّ سببٍ من الأسباب. قد تخضع السماء والأرض لاضطراباتٍ كبيرة، لكن سلطان الخالق لن يتغيّر؛ قد تختفي جميع الأشياء، لكن سلطان الخالق لن يختفي أبدًا. هذا هو جوهر سلطان الخالق الخالد وغير القابل للإساءة، وهذا هو تفرّد الخالق!
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 98
أمر الله للشيطان
(أيُّوب 2: 6) فَقَالَ يَهْوَه لِلشَّيْطَانِ: "هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ".
لم يتجرّأ الشيطان قط على تجاوز سلطان الخالق، وبسبب هذا تعيش جميع الأشياء في نظامٍ
هذا مقتطفٌ من سفر أيُّوب، وكلمة "هو" هنا تشير إلى أيُّوب. على الرغم من إيجاز هذه الجملة، إلّا أنها تُوضّح العديد من المسائل. إنها تصف حوارًا مُعيّنًا بين الله والشيطان في العالم الروحيّ، وتُخبِرنا بأن موضوع كلام الله كان الشيطان. كما تُسجّل ما قاله الله على وجه التحديد. كان كلام الله أمرًا وفرضًا للشيطان. تتعلّق التفاصيل المُحدّدة لهذا الأمر بعدم التعرّض لحياة أيُّوب، وحيثما رسم الله الخط في معاملة الشيطان لأيُّوب، كان على الشيطان أن يتجنّب التعرّض لحياة أيُّوب. أوّل شيءٍ نتعلّمه من هذه الجملة هو أن هذه الكلمات قالها الله للشيطان. يُخبِرنا النصّ الأصليّ لسفر أيُّوب عن خلفيّة هذه الكلمات: أراد الشيطان أن يتّهم أيُّوب، ولذا كان عليه أن يحصل على موافقة الله قبل أن يُجرّبه. وعند موافقة الله على طلب الشيطان بتجربة أيُّوب، وضع الله الشرط التالي أمام الشيطان: "هَا هُوَ فِي يَدِكَ، وَلَكِنِ ٱحْفَظْ نَفْسَهُ". ما طبيعة هذه الكلمات؟ من الواضح أنها أمرٌ وفرض. بعد أن فهمت طبيعة هذه الكلمات، يجب عليك بالطبع أن تفهم أيضًا أن من أصدر هذا الأمر هو الله، وأن من تلقّى هذا الأمر وأطاعه كان الشيطان. غنيٌّ عن القول إنه في هذا الأمر تتّضح العلاقة بين الله والشيطان لأيّ شخصٍ يقرأ هذه الكلمات. بالطبع، هذه أيضًا هي العلاقة بين الله والشيطان في العالم الروحيّ، والفرق بين هويّة ومكانة الله والشيطان، المنصوص عليها في سجلّات الحوارات بين الله والشيطان في الكتاب المُقدّس، وحتّى الآن، فهي المثال المُحدّد والسجلّ النصيّ الذي يمكن للإنسان أن يتعلّم فيه الفرق المُعيّن بين هويّة ومكانة الله والشيطان. في هذه المرحلة، ينبغي عليَّ القول بأن سجلّ هذه الكلمات وثيقةٌ مُهمّة في معرفة البشريّة بهويّة الله ومكانته، ويُوفّر معلومات مُهمّة لمعرفة البشريّة بالله. من خلال هذا الحوار بين الخالق والشيطان في العالم الروحيّ، يستطيع الإنسان أن يفهم جانبًا أكثر تحديدًا في سلطان الخالق. هذه الكلمات شهادةٌ أخرى على السلطان الفريد للخالق.
ظاهريًّا، هذه الكلمات حوارٌ بين يهوه الله والشيطان. ومضمونها هو أن الموقف الذي يتكلّم به يهوه الله والمركز الذي يتكلّم منه أعلى من الشيطان. وهذا يعني أن يهوه الله يأمر الشيطان بنبرة الأمر، ويُخبِر الشيطان بما يجب وما لا يجب أن يفعله، وأن أيُّوب بالفعل في يده، وأنه حرٌّ في أن يعامل أيُّوب كما يريد ولكنه غير مسموحٍ له بالتعرّض لحياة أيُّوب. أمّا النصّ الضمنيّ فهو أنه على الرغم من أن أيُّوب قد وُضِعَ في يد الشيطان، إلّا أن حياته لم تُقدّم للشيطان؛ لا يمكن لأحدٍ أن يأخذ حياة أيُّوب من يدي الله ما لم يسمح له الله. إن موقف الله شديد الوضوح في هذا الأمر للشيطان، وهذا الأمر يُظهِر أيضًا ويكشف عن الموقف الذي يتحدّث منه يهوه الله مع الشيطان. في هذا، لا يملك يهوه الله مكانة الإله الذي خلق النور والهواء وجميع الأشياء والكائنات الحيّة، أو الإله الذي يملك السيادة على جميع الأشياء والكائنات الحيّة فحسب، ولكن أيضًا الإله الذي يأمر البشريّة ويسيطر على الجحيم والله الذي يتحكّم في حياة جميع الكائنات الحيّة وموتها. في العالم الروحيّ، مَنْ غيرُ الله يجرؤ على إصدار مثل هذا الأمر للشيطان؟ ولماذا أصدر الله شخصيًّا أمره للشيطان؟ لأن حياة الإنسان، بما فيها حياة أيُّوب، يتحكّم بها الله. لم يسمح الله للشيطان بإيذاء حياة أيُّوب أو بأخذها، وهذا يعني أنه قبل أن يسمح الله للشيطان بتجربة أيُّوب كان الله لا يزال يتذكّر أن يُصدِر مثل هذا الأمر بشكلٍ خاص، فأمر الشيطان مرّةً أخرى بألّا يأخذ حياة أيُّوب. لم يجرؤ الشيطان على تجاوز سلطان الله قط، وعلاوة على ذلك، كان دائمًا ما يستمع إلى أوامر الله وفروضه المُعيّنة ويطيعها، ولا يتجرّأ أبدًا على تحدّيها، وبالطبع لا يتجرّأ على تغيير أيٍّ من أوامر الله. هذه هي الحدود التي وضعها الله للشيطان، وهكذا لم يجرؤ الشيطان قط على تجاوز هذه الحدود. أليست هذه هي قوّة الله؟ أليست هذه شهادةً على سلطان الله؟ من سياق كيفيّة التصرّف تجاه الله وكيفيّة النظر إلى الله، يملك الشيطان فهمًا أكثر وضوحًا بكثيرٍ من البشر، وهكذا، في العالم الروحيّ، يرى الشيطان مكانة الله وسلطانه بوضوحٍ شديد، ولديه تقديرٌ عميق لقوّة سلطان الله والمبادئ التي تستند إليها ممارسة سلطانه. لا يجرؤ الشيطان على الإطلاق على التغاضي عنها ولا يجرؤ على انتهاكها بأيّ شكلٍ من الأشكال أو عمل أيّ شيءٍ يتعدّى سلطان الله ولا يجرؤ على تحدّي غضب الله بأيّ شكلٍ من الأشكال. وعلى الرغم من أن الشيطان شريرٌ ومتكبّر بطبيعته، إلّا أنه لم يجرؤ مطلقًا على تجاوز الحدود والقيود التي حدّدها له الله. لملايين السنين، التزم التزامًا صارمًا بهذه الحدود، والتزم بكلّ أمرٍ وفرضٍ وضعه له الله، ولم يجرؤ قط على تجاوز الحدود. وعلى الرغم من كون الشيطان خبيثًا، فإنه أكثر حكمة من البشر الفاسدين؛ فهو يعرف هويّة الخالق ويعرف حدوده الخاصة. من أعمال الشيطان "الدالة على الخضوع" يمكن أن نرى أن سلطان الله وقوّته مرسومان سماويّان لا يمكن للشيطان تجاوزهما، وبفضل تفرّد وسلطان الله تحديدًا، تتغيّر جميع الأشياء وتتكاثر بطريقةٍ مُنظّمة، ويمكن للبشريّة أن تعيش وتتكاثر في سياق الدورة التي وضعها الله ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ إفساد هذا النظام ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ تغيير هذا القانون لأن هذا كلّه يأتي من يدي الخالق ومن أمر وسلطان الخالق.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 99
دفعت الهويّة الخاصة للشيطان الكثير من الناس لإظهار اهتمامٍ قويّ بإظهاراتها للعديد من الجوانب. هناك حتّى الكثير من الناس الحمقى الذين يعتقدون أن الشيطان، مثل الله، يملك السلطان لأن الشيطان قادرٌ على إظهار المعجزات وقادرٌ على عمل أشياء مستحيلة على البشر. وهكذا، بالإضافة إلى عبادة الله، يحتفظ الإنسان أيضًا بمكانٍ للشيطان في قلبه، كما أنه حتّى يعبد الشيطان باعتبار أنه الله. هؤلاء الناس يبعثون على الرثاء والمقت على حدٍّ سواء. إنهم يبعثون على الرثاء بسبب جهلهم ويبعثون على المقت بسبب بدعتهم وجوهر الشرّ المتأصّل فيهم. في هذه المرحلة، أشعر أنه من الضروريّ أن أُخبِركم بمعنى السلطان وما يرمز إليه وما يُمثّله. بشكلٍ عام، الله نفسه سلطان، وسلطانه يرمز إلى تفوّق الله وجوهره، وسلطان الله نفسه يُمثّل مكانة الله وهويّته. في هذه الحالة، هل يجرؤ الشيطان على القول بأنه هو نفسه الله؟ هل يجرؤ الشيطان على القول بأنه خلق جميع الأشياء ويملك السيادة على جميع الأشياء؟ بالطبع لا يجرؤ! لأنه غير قادرٍ على خلق جميع الأشياء؛ فحتّى الآن، لم يصنع أيّ شيءٍ قط صنعه الله، ولم يخلق قط أيّ شيءٍ له حياةٌ. ولأنه لا يملك سلطان الله، فمن المحتمل ألّا يملك أبدًا مكانة الله وهويّته، وهذا ما يُحدّده جوهره. هل له قوّة الله نفسها؟ بالطبع لا! ماذا نُسمّي أفعال الشيطان، والمعجزات التي أظهرها الشيطان؟ هل نُسمّيها القوّة؟ هل يمكن أن نُسمّيها السلطان؟ بالطبع لا! الشيطان يُوجّه تيار الشرّ، كما أنه يُبطِل كلّ جانبٍ من جوانب عمل الله ويُضعِفه ويُعطّله. على مدى عدّة آلافٍ من السنين الماضية، وبصرف النظر عن إفساد الشيطان وإساءته للإنسان وإغرائه وإغوائه الإنسان بالفساد وبرفض الله حتّى يسير الإنسان نحو وادي ظلّ الموت، هل فعل الشيطان أيّ شيءٍ يستحقّ حتّى أدنى احتفاءٍ أو ثناءٍ أو تقديرٍ من الإنسان؟ لو امتلك الشيطان السلطان والقوّة، فهل كانت البشريّة ستفسد به؟ ولو امتلك الشيطان السلطان والقوّة، فهل كانت البشريّة ستتضرّر به؟ ولو امتلك الشيطان القوّة والسلطان، فهل كانت البشريّة ستترك الله وتتحوّل إلى الموت؟ بما أن الشيطان لا يملك السلطان أو القوّة، ما الذي يجب أن نستنتجه حول جوهر كلّ ما يفعله؟ هناك من يعرّف كلّ ما يفعله الشيطان على أنه مُجرّد خداعٍ، لكنني أعتقد أن هذا التعريف ليس مناسبًا تمامًا. هل الأفعال الشريرة لإفساده البشريّة مُجرّد خداعٍ؟ إن القوّة الشريرة التي آذى بها الشيطان أيُّوب ورغبته الشديدة في إيذائه وابتلاعه لم يكن من الممكن أن تتحقّقا بمُجرّد الخداع. عندما ننظر إلى المشهد نجد أنه في لحظاتٍ اختفت قطعان أيُّوب وماشيته التي كانت ترعى في كلّ مكانٍ عبر التلال والجبال؛ وفي لحظاتٍ اختفت ثروة أيُّوب الهائلة. هل كان من الممكن أن يتحقّق ذلك بمُجرّد الخداع؟ إن طبيعة كلّ ما يعمله الشيطان تتوافق وتنسجم مع المصطلحات السلبيّة مثل الإضعاف والتعطيل والإهلاك والإيذاء والشرّ والخبث والظلمة، وبالتالي فإن حدوث كلّ ما هو آثم وشرير يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأفعال الشيطان، ولا يمكن فصله عن الجوهر الشرير للشيطان. بغضّ النظر عن مدى "قوّة" الشيطان، وبغضّ النظر عن مدى جرأته وتطلّعه، وبغضّ النظر عن مدى قدرته على إلحاق الضرر، وبغضّ النظر عن مدى اتّساع نطاق طرقه التي يُفسِد بها الإنسان ويغويه، وبغضّ النظر عن مدى مهارة الحيل والأفكار التي يُرهِب بها الإنسان، وبغضّ النظر عن مدى قابليّة هيئته التي يوجد عليها للتغيّر، إلّا أنه لم يقدر قط على خلق شيءٍ حيّ واحد، ولم يقدر قط على وضع قوانين أو قواعد لوجود جميع الأشياء، ولم يقدر قط على حكم ومراقبة أيّ كائنٍ، سواء كان مُتحرّكًا أو غير مُتحرّكِ. داخل الكون والجَلَد لا يوجد شخصٌ أو كائن واحد وُلِدَ منه أو يوجد بسببه؛ ولا يوجد شخصٌ أو كائن واحد يخضع لحكمه أو سيطرته. وعلى العكس، فإنه لا يتوجّب عليه أن يعيش في ظلّ سلطان الله وحسب، ولكن، علاوة على ذلك، يتعيّن عليه أن يطيع جميع أوامر الله وفروضه. فبدون إذن الله، من الصعب على الشيطان أن يلمس حتّى قطرة ماءٍ أو حبّة رملٍ على الأرض؛ وبدون إذن الله، لا يملك الشيطان حتّى حريّة تحريك نملةٍ على الأرض – ناهيك عن تحريك الجنس البشريّ الذي خلقه الله. يرى الله أن الشيطان أدنى من الزنابق على الجبل ومن الطيور التي تُحلّق في الهواء ومن الأسماك في البحر ومن الديدان على الأرض. يتمثّل دوره من بين جميع الأشياء في خدمة جميع الأشياء والعمل من أجل البشريّة وخدمة عمل الله وخطة تدبيره. وبغضّ النظر عن مدى خبث طبيعته وشرّ جوهره، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنه عمله هو التقيّد الصارم بوظيفته: كونه خادمًا لله ونقطة تعارض لله. هذا هو جوهر الشيطان ووضعه. إن جوهره غير مرتبطٍ بالحياة غير مرتبط بالقوة وغير مرتبطٍ بالسلطان؛ إنه مُجرّد لعبةٍ في يد الله، مُجرّد آلةٍ في خدمة الله!
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 100
يمكن تفسير السلطان نفسه على أنه قوّة الله. أوّلًا، يمكن القول بكلّ تأكيدٍ إن كلًّا من السلطان والقوّة إيجابيّان. إنهما لا يرتبطان بأيّ شيءٍ سلبيّ، ولا علاقة لهما بأيّة كائناتٍ مخلوقة أو غير مخلوقةٍ. إن قوّة الله قادرةٌ على خلق أشياء من أيّ شكلٍ له حياةٌ وحيويّة، وهذا ما تُحدّده حياة الله. الله هو الحياة، ولذلك فهو مصدر جميع الكائنات الحيّة. علاوة على ذلك، يمكن لسلطان الله أن يجعل جميع الكائنات الحيّة تطيع كلّ كلمةٍ من الله، أي تأتي إلى الوجود وفقًا للكلمات الصادرة من فم الله وتعيش وتتكاثر بأمر الله، وبعد ذلك يحكم الله ويأمر جميع الكائنات الحيّة ولن يكون هناك انحرافٌ مطلقًا إلى أبد الآبدين. لا يوجد شخصٌ أو كائن لديه هذه الأشياء؛ ولكن الخالق وحده هو من يملك ويحمل مثل هذه القوّة، ولذا فإنها تُسمّى السلطان. هذا هو تفرّد الخالق. وعلى هذا النحو، بغضّ النظر عمّا إذا كانت كلمة "سلطان" نفسها أو جوهر هذا السلطان، فإنه لا يمكن ربط كلّ منهما إلّا بالخالق؛ لأنها رمزٌ للهويّة الفريدة ولجوهر الخالق وتُمثّل هويّة الخالق ومكانته. وبصرف النظر عن الخالق، لا يمكن ربط أيّ شخصٍ أو كائنٍ بكلمة "السلطان". هذا تفسيرٌ للسلطان الفريد للخالق.
على الرغم من أن الشيطان نظر إلى أيُّوب بعينٍ حاسدة، إلّا أنه دون إذن الله لم يجرؤ على لمس شعرةٍ واحدة من جسد أيُّوب. وعلى الرغم من كون الشيطان شريرًا وقاسيًا بطبيعته، فإنه بعد أن أصدر الله أمره له لم يكن أمام الشيطان خيارٌ سوى الالتزام بأمر الله. وهكذا، على الرغم من أن الشيطان كان مسعورًا كالذئب بين الحملان عندما هاجم أيُّوب، فإنه لم يجرؤ على نسيان الحدود التي وضعها له الله، ولم يجرؤ على انتهاك أوامر الله، وفي كلّ ما فعله الشيطان لم يجرؤ على الانحراف عن مبادئ كلام الله وحدوده – أليست هذه حقيقةً؟ من هذا يمكن ملاحظة أن الشيطان لا يجرؤ على خرق أيٍّ من كلام يهوه الله. فكلّ كلمةٍ من فم الله هي أمرٌ للشيطان وناموسٌ سماويّ وتعبيرٌ عن سلطان الله – لأنه وراء كلّ كلمةٍ من الله يكمن عقاب الله لأولئك الذين ينتهكون أوامر الله وأولئك الذين لا يطيعون النواميس السماويّة بل يعارضونها. يعرف الشيطان تمام المعرفة أنه إذا انتهك أوامر الله فسوف يتعيّن عليه قبول عواقب انتهاك سلطان الله ومعارضة النواميس السماويّة. وما هي هذه العواقب؟ غنيٌّ عن القول إنها بالطبع عقاب الله. كانت تصرّفات الشيطان ضدّ أيُّوب مُجرّد صورةٍ مُصغّرة لفساد الإنسان، وعندما كان الشيطان يُؤدّي هذه الأعمال كانت الحدود التي وضعها الله والأوامر التي أصدرها للشيطان مُجرّد صورةٍ مُصغّرة للمبادئ وراء كلّ شيءٍ يفعله. علاوة على ذلك، كان دور الشيطان وموقفه في هذا الأمر مُجرّد صورةٍ مُصغّرة لدوره ومكانته في عمل تدبير الله، وكانت طاعة الشيطان الكاملة لله في إغواء أيُّوب مُجرّد صورةٍ مُصغّرة لمدى عدم جرأة الشيطان على عدم وضع أدنى معارضةٍ لله في عمل تدبير الله. ما التحذير الذي تُقدّمه لكم هذه الصور المُصغّرة؟ من بين جميع الأشياء، بما في ذلك الشيطان، لا يوجد شخصٌ أو شيءٌ يمكنه تجاوز النواميس والمراسيم السماويّة التي حدّدها الخالق، ولا يوجد شخصٌ أو شيءٌ يجرؤ على انتهاك هذه النواميس والمراسيم السماويّة، لأنه لا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ تبديلها أو الهروب من العقاب الذي يفرضه الخالق على من يخالفها. لا أحد سوى الخالق يمكنه وضع النواميس والمراسيم السماويّة، ولا أحد سوى الخالق يمكنه وضعها موضع التنفيذ، ولا يمكن لأيّ شخصٍ أو شيء تجاوز قوّة الخالق. هذا هو السلطان الفريد للخالق، وهذا السلطان سامٍ بين جميع الأشياء، وهكذا، فإنه من المستحيل القول بأن "الله هو الأعظم والشيطان في المرتبة الثانية". فباستثناء الخالق الذي يملك السلطان الفريد، لا يوجد إلهٌ آخر!
هل لديكم الآن معرفةٌ جديدة بسلطان الله؟ أوّلًا، هل هناك فرقٌ بين سلطان الله بحسب ما هو مذكورٌ للتوّ وقوّة الإنسان؟ وما الفرق؟ يقول بعض الناس إنه لا توجد مقارنةٌ بين الاثنين. هذا صحيحٌ! على الرغم من أن الناس يقولون إنه لا توجد مقارنةٌ بين الاثنين، إلّا أنه في أفكار الإنسان ومفاهيمه غالبًا ما يتم الخلط بين قوّة الإنسان وبين السلطان، حيث يتمّ مقارنة الاثنين معًا جنبًا إلى جنبٍ. ماذا يجري هنا؟ ألّا يرتكب الناس خطأ استبدال أحدهما بالآخر عن غير قصدٍ؟ الاثنان غير مرتبطين، وليست هناك مقارنةٌ بينهما، ولكن الناس لا يزالون غير قادرين على استيعاب ذلك. كيف يجب حلّ هذا؟ إذا رغبت حقًّا في إيجاد حلٍّ، فإن الطريقة الوحيدة هي فهم ومعرفة السلطان الفريد لله. بعد فهم ومعرفة سلطان الخالق لن تذكر قوّة الإنسان وسلطان الله في الوقت نفسه.
إلى ماذا تشير قوّة الإنسان؟ ببساطةٍ، إنها قدرةٌ أو مهارة تُمكّن طبيعة الإنسان الفاسدة ورغباته وأطماعه من التوسّع أو التحقّق إلى أقصى حدٍّ. هل يمكن اعتبار أن هذا هو السلطان؟ بغضّ النظر عن مدى تضخّم أو كثرة طموحات الإنسان ورغباته، لا يمكن القول إن هذا الشخص يملك السلطان؛ فعلى أقصى تقديرٍ لا يعدو هذا الانتفاخ والنجاح سوى دليلٍ على تهريج الشيطان بين البشر، وعلى أقصى تقديرٍ لا يعدو سوى مهزلةٍ يعمل فيها الشيطان باعتبار أنه سلفه من أجل تحقيق طموحه ليكون الله.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 101
إلى ماذا يرمز سلطان الله؟ هل يرمز إلى هويّة الله نفسه؟ هل يرمز إلى قوّة الله نفسه؟ هل يرمز إلى المكانة الفريدة لله نفسه؟ من بين جميع الأشياء، ما الذي رأيت فيه سلطان الله؟ وكيف رأيته؟ من حيث الفصول الأربعة التي يمرّ بها الإنسان، هل يمكن لأيّ شخصٍ تغيير قانون التبادل بين الربيع والصيف والخريف والشتاء؟ في الربيع تتفتّح الأشجار وتُزهِر؛ وفي الصيف تتغطّى بالأوراق؛ وفي الخريف تُثمِر؛ وفي الشتاء تسقط الأوراق. هل يمكن لأيّ شخصٍ تغيير هذا الناموس؟ هل يعكس هذا أحد جوانب سلطان الله؟ وَقَالَ ٱللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ"، فَكَانَ نُورٌ. هل لا يزال هذا النور موجودًا؟ ولماذا يوجد؟ إنه موجودٌ بسبب كلام الله، بالطبع، وبسبب سلطان الله. هل ما زال الهواء الذي خلقه الله موجودًا؟ هل الهواء الذي يتنفّسه الإنسان يأتي من الله؟ هل يستطيع أيّ أحدٍ أن يأخذ الأشياء التي تأتي من الله؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يُغيّر جوهرها ووظيفتها؟ هل يستطيع أحدٌ إبطال الليل والنهار اللذين عيّنهما الله وناموس الليل والنهار الذي أمر به الله؟ هل يستطيع الشيطان فعل مثل هذا الشيء؟ حتّى إذا كنت لا تنام في الليل وتعتبر الليل نهارًا، فإنه لا يزال ليلًا؛ يمكنك تغيير عاداتك اليوميّة ولكن لا يمكنك تغيير قانون تعاقب الليل والنهار – وهذه الحقيقة لا يمكن لأيّ شخصٍ تغييرها، أليس كذلك؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يجعل أسدًا يحرث الأرض مثل الثور؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ تحويل الفيل إلى حمارٍ؟ هل يستطيع أيّ شخصٍ أن يجعل دجاجة تُحلّق في الهواء كالنسر؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يجعل ذئبًا يأكل العشب كالخروف؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أن يجعل السمك في الماء يعيش على اليابسة الجافة؟ ولم لا؟ لأن الله أمره بالعيش في الماء، وهكذا يعيش في الماء. ولأنه على الأرض لن يتمكّن من البقاء وسوف يموت؛ إنه لا يستطيع تجاوز حدود أمر الله. جميع الأشياء لها ناموسٌ واحد لوجودها، وكلٌ منها لديه غرائزه. هذه أوامر صادرة من الخالق، ولا يمكن لأيّ إنسانٍ تغييرها وتجاوزها. على سبيل المثال، سوف يعيش الأسد دائمًا في البريّة على مسافةٍ من تجمّعات الإنسان، ولا يمكنه أبدًا أن يكون منصاعًا ووفيًّا مثل الثور الذي يعيش مع الإنسان ويعمل لصالحه. على الرغم من أن الأفيال والحمير كلاهما من الحيوانات ولكلٍّ منهما أربع أرجل ويتنفّسان الهواء، إلّا أنهما نوعان مختلفان لأن الله قسّمهما إلى أنواعٍ مختلفة ولكلّ منهما غرائزه، وبالتالي لن يكونا قابلين للتبادل. وعلى الرغم من أن الدجاجة لها ساقان وأجنحة تشبه النسر، فإنها لن تتمكّن أبدًا من الطيران في الهواء؛ فعلى أكثر تقديرٍ يمكنها الطيران على شجرةٍ وهذا ما تُحدّده غرائزها. غنيٌّ عن القول إن هذا كلّه يعود إلى أوامر سلطان الله.
في تطوّر البشريّة اليوم، يمكن القول بأن العلم البشريّ مزدهرٌ، ويمكن وصف إنجازات الاستكشاف العلميّ للإنسان بأنها مثيرةٌ للإعجاب. وينبغي القول بأن قدرة الإنسان تنمو أكبر من أيّ وقتٍ مضى، ولكنْ هناك اختراقٌ علميّ واحد لم تتمكّن البشريّة من تحقيقه: لقد صنع الإنسان الطائرات وحاملات الطائرات والقنبلة الذريّة وصعد إلى الفضاء وسار على القمر واخترع الإنترنت وعاش أسلوب حياة التكنولوجيا المُتقدّمة، ولكن الإنسان عاجزٌ عن خلق شيءٍ حيّ يتنفّس. إن غرائز كلّ كائنٍ حيّ والقوانين التي يعيش بها ودورة حياة وموت كلّ نوعٍ من الكائنات الحيّة – كلّها مستحيلة على علم الإنسان ولا يمكنه التحكّم فيها. في هذه المرحلة ينبغي القول إنه بغضّ النظر عن مدى بلوغ علم الإنسان مستوياتٍ هائلة، فإنه لا يمكن مقارنته بأيٍّ من أفكار الخالق، كما أنه غير قادرٍ على التمييز بين إعجاز خلق الخالق وقوّة سلطانه. هناك الكثير جدًّا من المحيطات على الأرض، لكنها لم تتجاوز حدودها قط ولم تفض بمياهها على الأرض بحسب إرادتها، وذلك لأن الله وضع حدودًا لكلّ منها؛ لقد بقيت حيثما أمرها بالبقاء، وبدون إذن الله لا يمكنها التنقّل بحريّةٍ. بدون إذنٍ من الله لا يمكنها التعدي من بعضها على بعض، ولا يمكنها التحرّك إلّا عندما يأمرها الله بذلك، كما أن مسار ذهابها وبقائها يُحدّده سلطان الله.
بصراحةٍ، "سلطان الله" يعني أن الأمر متروكٌ لله. من حقّ الله أن يُقرّر كيفيّة عمل شيءٍ ما، كما أنه يعمله بالطريقة التي يريدها. يرجع قانون جميع الأشياء إلى الله وليس للإنسان؛ ولا يمكن للإنسان تغييره. لا يمكن لإرادة الإنسان تحريكه، ولكنه يتغيّر بأفكار الله وحكمة الله وأوامر الله، وهذه حقيقةٌ لا يمكن لأيّ إنسانٍ إنكارها. السماوات والأرض وجميع الأشياء والكون والسماء المُرصّعة بالنجوم والفصول الأربعة في السنة وكلّ ما هو مرئيٌّ وغير مرئيٍّ للإنسان – هذه كلّها توجد وتعمل وتتغيّر دون أدنى خطأٍ في ظلّ سلطان الله ووفقًا لأوامر الله ووفقًا لوصايا الله ووفقًا لقوانين بداية الخلق. لا يمكن لأيّ شخصٍ أو كائنٍ واحد تغيير قوانينها أو تغيير المسار المتأصّل الذي تعمل بموجبه؛ لقد جاءت إلى حيّز الوجود بسبب سلطان الله وتفنى بسبب سلطان الله. هذا هو سلطان الله. بعد أن قلنا هذا كلّه، هل يمكن أن تشعر بأن سلطان الله رمزٌ لهويّة الله ومكانته؟ هل يمكن لأيّ كائنٍ مخلوق أو غير مخلوقٍ امتلاك سلطان الله؟ هل يمكن لأيّ شخصٍ أو شيءٍ أو كائنٍ أن يُقلّده أو ينتحل هويّته أو يحلّ محلّه؟
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 102
هويّة الخالق فريدة ويجب ألّا تنسبها إلى فكرة تعدّد الآلهة
على الرغم من أن مهارات الشيطان وقدراته أكبر من مهارات الإنسان، وعلى الرغم من أنه يمكنه أن يفعل أشياءَ لا يمكن للإنسان تحقيقها، وبغضّ النظر عمّا إذا كنت تحسد الشيطان على ما لديه أو ترغبه، وبغضّ النظر عمّا إذا كنت تكره ذلك أو تشعر بالاشمئزاز منه، وبغضّ النظر عمّا إذا كنت قادرًا على رؤية ذلك أم لا، وبغضّ النظر عن مدى ما يمكن أن يُحقّقه الشيطان، أو عدد الأشخاص الذين يمكنه خداعهم لعبادته وتقديسه، وبغضّ النظر عن تعريفك له، فربّما لا يمكنك القول بأنه يملك سلطان الله وقوّته. يجب أن تعرف أن الله هو الله، وأن هناك إلهًا واحدًا فقط، وعلاوة على ذلك، يجب أن تعرف أن الله وحده يملك السلطان والقوّة على حكم وتدبير جميع الأشياء. ولأن الشيطان يملك القدرة على خداع الناس، ويمكنه أن ينتحل شخصيّة الله، ويمكنه تقليد الآيات والمعجزات التي صنعها الله، وصنع أشياءً مشابهة مثل الله، فأنت تؤمن مخطئًا أن الله ليس فريدًا وأن هناك آلهة مُتعدّدة، وأنها تملك مهارات أكبر أو أقلّ، وأن هناك اختلافات في اتّساع القوّة التي تملكها. وأنت تضع عظمتها بترتيب مجيئها وبحسب سنّها، وتؤمن مخطئًا أن هناك آلهة أخرى غير الله، وتعتقد أن قوّة الله وسلطانه ليسا فريدين. إذا كانت لديك مثل هذه الأفكار، وإذا كنت لا تعترف بتفرّد الله ولا تؤمن بأن الله وحده يملك السلطان، وإذا كنت لا تعتقد سوى بتعدّد الآلهة، فإني أقول إنك حثالة المخلوقات، وإنك التجسيد الحقيقيّ للشيطان، وإنك غارقٌ في الشرّ! هل تفهم ما الذي أحاول أن أُعلّمك إياه بقولي هذه الكلمات؟ بغضّ النظر عن الوقت أو المكان أو الخلفيّة، ينبغي ألّا تخلط بين الله وبين أيّ شخصٍ أو شيءٍ أو كائنٍ آخر. بغضّ النظر عن مدى عدم إمكانيّة معرفة أو بلوغ سلطان الله وجوهر الله نفسه، وبغضّ النظر عن مدى توافق أفعال الشيطان وكلماته مع إدراكك وخيالك، وبغضّ النظر عن مدى إرضائها لك، لا تكن أحمق، ولا تخلط بين هذه المفاهيم، ولا تُنكِر وجود الله، ولا تُنكِر هويّة الله ومكانته، ولا تُخرِج الله وتُدخِل الشيطان ليحلّ محلّ الله في قلبك فيكون إلهك. ليس لديّ أدنى شكٍّ في أنكم قادرون على تخيّل عواقب ذلك!
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 103
على الرغم من فساد الإنسان، فإنه لا يزال يعيش في ظلّ سيادة سلطان الخالق
ظلّ الشيطان يُفسِد البشريّة منذ آلاف السنين. لقد تسبّب في مقادير لا تُوصف من الشرّ، وخدع جيلًا بعد جيلٍ، وارتكب جرائم شنيعة في العالم. أساء للإنسان وخدع الإنسان وأغوى الإنسان ليعارض الله وارتكب أعمالًا شريرة أربكت خطّة تدبير الله وعطلّتها مرارًا وتكرارًا. ومع ذلك، فإنه في ظلّ سلطان الله، تستمرّ جميع الأشياء والمخلوقات الحيّة في الالتزام بالقواعد والقوانين التي وضعها الله. وبالمقارنة بسلطان الله، فإن طبيعة الشيطان الشريرة وهياجه في منتهى القبح والاشمئزاز والحقارة والدناءة والضعف. وعلى الرغم من أن الشيطان يتمشّى بين جميع الأشياء التي خلقها الله، فإنه غير قادرٍ على سنّ أيّ تغييرٍ في الناس والأشياء والكائنات التي يأمرها الله. مرّت عدّة آلافٍ من السنين، وما زال الإنسان ينعم بالنور والهواء اللذين منحهما الله، وما زال يتنفّس بالنفس الذي أطلقه الله نفسه، وما زال يتمتّع بالزهور والطيور والأسماك والحشرات التي خلقها الله ويتمتّع بجميع ما قدّمه الله، كما أن الليل والنهار لا يزالان يتعاقبان باستمرارٍ، والفصول الأربعة ما زالت تتعاقب كالمعتاد، والإوزّ المُحلّق في السماء يهاجر في هذا الشتاء وما زال يعود في الربيع المقبل، والأسماك في الماء لا تترك الأنهار والبحيرات مساكنها أبدًا، وحشرة السيكادا (الزيز) المُتحرّكة على الأرض تُغنّي من قلبها خلال أيام الصيف، والصراصير في العشب تُهمهِم بلطفٍ في الوقت المناسب للرياح خلال فصل الخريف، والإوزّ تتجمّع في قطعانٍ بينما تبقى النسور منفردة، والأسود المتفاخرة تعول نفسها بالصيد، والأيائل لا تبتعد عن العشب والأزهار... كلّ نوعٍ من الكائنات الحيّة بين جميع الأشياء يهاجر ويعود ثم يهاجر مرّةً أخرى، بحيث يحدث مليون تغييرٍ في طرفة عينٍ، ولكن ما لا يتغيّر هو غرائزها وقوانين البقاء. إنها تعيش في ظلّ تدبير الله وعنايته، ولا أحد يمكنه تغيير غرائزها، ولا أحد يمكنه إضعاف قواعد البقاء. على الرغم من أن الإنسان، الذي يعيش بين جميع الأشياء، قد تعرّض للفساد والخداع من الشيطان، فإن الإنسان لا يستطيع التخلّي عن الماء الذي خلقه الله، والهواء الذي صنعه الله، وجميع الأشياء التي صنعها الله، وما زال الإنسان يعيش ويتكاثر في هذا الفضاء الذي خلقه الله. إن غرائز الإنسان لم تتغيّر. ما زال الإنسان يعتمد على عينيه للرؤية وعلى أذنيه للسمع وعلى عقله للتفكير وعلى قلبه للفهم وعلى ساقيه وقدميه للمشي وعلى يديه للعمل وهكذا. لم يطرأ تغير على جميع الغرائز التي وهبها الله للإنسان حتّى يتمكّن من قبول تدبير الله، كما أن القدرات التي يتعاون الإنسان من خلالها مع الله لم تتغيّر، فقدرة الإنسان على أداء واجب كائنٍ مخلوق لم تتغيّر، واحتياجات الإنسان الروحيّة لم تتغيّر، ورغبة الإنسان في إيجاد أصوله لم تتغيّر، وحنين الإنسان لخلاص الخالق لم يتغيّر. هذه هي الظروف الحاليّة للإنسان الذي يعيش في ظلّ سلطان الله، وتحمّل الهلاك الدمويّ الذي تسبّب به الشيطان. وعلى الرغم من تعرّض البشريّة لقمع الشيطان، ورغم أنَّها لم تعُد على صورة آدم وحواء التي كانا عليها في بداية الخليقة، بل صارت مليئة بالأمور التي تُعادي الله مثل المعرفة والخيال والمفاهيم، وما إلى ذلك، ومليئة بالشخصيَّة الشيطانيّة الفاسدة، فإن الله ينظر إلى البشريّة على اعتبار أنها البشريّة نفسها التي خلقها. لا يزال الله يحكم البشريّة ويُنظّمها، وما زال الإنسان يعيش ضمن المسار الذي حدّده الله، وهكذا يعتبر الله أن البشريّة التي أفسدها الشيطان أصبحت تُغطّيها الأوساخ، بدون أيّة مقاومةٍ، وبردود أفعالٍ بطيئة، وبذاكرةٍ خائبة ليست كما كانت عليه من قبل، وبعمرٍ أطول قليلًا – ولكن جميع وظائف الإنسان وغرائزه لم تُمَس بأذى على الإطلاق. هذه هي البشريّة التي ينوي الله أن يُخلّصها. وهذه البشريّة ليس عليها سوى أن تسمع نداء الخالق، وتسمع صوته، وتقف وتهرع لتحديد مصدر هذا الصوت. ليس على هذه البشريّة سوى أن ترى شخص الخالق، وأن تصبح غافلةً عن كلّ شيءٍ آخر، وتتخلّى عن كلّ شيءٍ لكي تُكرّس نفسها لله بل لكي تضع حياتها من أجله. عندما يفهم قلب البشريّة كلام الخالق المفعم بالمشاعر، سوف ترفض البشريّة الشيطان وتأتي إلى جانب الخالق، وعندما تغسل البشريّة الأوساخ التي عليها بالتمام وتنعم مرّةً أخرى بتدبير الخالق وعنايته، سوف تُستعاد ذاكرة البشريّة، وحينئذٍ ستكون البشريّة قد عادت حقًا إلى سيادة الخالق.
من "الله ذاته، الفريد (أ)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 104
(سفر التكوين 19: 1-11) " فَجَاءَ ٱلْمَلَاكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لِٱسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ. وَقَالَ: "يَا سَيِّدَيَّ، مِيلَا إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَٱغْسِلَا أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا". فَقَالَا: "لَا، بَلْ فِي ٱلسَّاحَةِ نَبِيتُ". فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالَا إِلَيْهِ وَدَخَلَا بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلَا. وَقَبْلَمَا ٱضْطَجَعَا أَحَاطَ بِٱلْبَيْتِ رِجَالُ ٱلْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ ٱلْحَدَثِ إِلَى ٱلشَّيْخِ، كُلُّ ٱلشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا. فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: "أَيْنَ ٱلرَّجُلَانِ ٱللَّذَانِ دَخَلَا إِلَيْكَ ٱللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا". فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى ٱلْبَابِ وَأَغْلَقَ ٱلْبَابَ وَرَاءَهُ وَقَالَ: "لَا تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هُوَذَا لِي ٱبْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلًا. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَٱفْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هَذَانِ ٱلرَّجُلَانِ فَلَا تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لِأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلَا تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي". فَقَالُوا: "ٱبْعُدْ إِلَى هُنَاكَ". ثُمَّ قَالُوا: "جَاءَ هَذَا ٱلْإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. ٱلْآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا". فَأَلَحُّوا عَلَى ٱلْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا ٱلْبَابَ، فَمَدَّ ٱلرَّجُلَانِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلَا لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى ٱلْبَيْتِ وَأَغْلَقَا ٱلْبَابَ. وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ عَلَى بَابِ ٱلْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِٱلْعَمَى، مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا ٱلْبَابَ".
(سفر التكوين 19: 24-25) " فَأَمْطَرَ يَهْوَه عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ يَهْوَه مِنَ ٱلسَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ ٱلْمُدُنَ، وَكُلَّ ٱلدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمُدُنِ، وَنَبَاتِ ٱلْأَرْضِ".
من هذه النصوص السابقة، ليس من الصعب أن نرى أن إثم سدوم وفسادها قد بلغا بالفعل درجة بغيضة لكل من الإنسان والله، وأن المدينة في نظر الله تستحق أن تُدمر، ولكن ما الذي كان يحدث في المدينة قبل تدميرها؟ ما الإلهام الذي يمكن أن يستمدّه الناس من هذه الأحداث؟ ما الذي يظهر للناس من موقف الله تجاه هذه الأحداث من حيث شخصيته؟ من أجل فهم القصة كاملة، دعونا نستعرض بعناية ما سجله الكتاب المقدس...
فساد سدوم: إغضاب الإنسان، إغضاب لله
في تلك الليلة، استقبل لوط رسولين من الله وأعد لهما وليمة، وبعد أن تناولا الطعام، وقبل أن يناما، حاصر الناس من جميع أرجاء المدينة بيت لوط ودعوا لوطاً إلى الخروج. يسجلهم الكتاب المقدس بقولهم: "أَيْنَ ٱلرَّجُلَانِ ٱللَّذَانِ دَخَلَا إِلَيْكَ ٱللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا". من قال هذه الكلمات؟ لمن وجهوا حديثهم؟ كانت هذه كلمات أهل سدوم، صاحوا خارج بيت لوط، وكانوا يقصدون لوطًا. كيف يبدو الأمر عند سماع هذه الكلمات؟ هل أنت غاضب؟ هل هذه الكلمات تُشعرك بالغثيان؟ هل تشعر بالغيظ؟ ألا تفوح من هذه الكلمات رائحة الشيطان؟ هل يمكنك الإحساس – من خلالها – بالشر والظلام في هذه المدينة؟ هل تستطيع الشعور بقسوة سلوك هؤلاء الناس ووحشيته من خلال كلماتهم؟ هل تستطيع الشعور بعمق فسادهم من خلال سلوكهم؟ ليس صعبًا، من خلال محتوى حديثهم، أن ندرك أن طبيعتهم الآثمة وتصرفهم الوحشي قد بلغا مستوى يتجاوز نطاق سيطرتهم؛ حيث إنه باستثناء لوط، لم يكن يختلف أي شخص آخر في هذه المدينة عن الشيطان؛ فبمجرد رؤية شخص آخر جعل هؤلاء الناس يريدون أن يلحقوا به الأذى ويلتهموه... هذه الأشياء لا تعطي المرء فحسب إحساسًا بالطبيعة المروعة والمرعبة للمدينة، فضلًا عن هالة الموت المحيطة بها؛ إنها تعطي المرء أيضًا إحساسًا بإثمها ودمويتها.
وجد لوط نفسه وجهًا لوجه مع عصابة من السفاحين القساة، تضمّ أشخاصًا كان يملأهم النزوع لالتهام النفوس، كيف تعامل لوط مع الموقف؟ وفقًا للكتاب المقدس: "لَا تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هُوَذَا لِي ٱبْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلًا. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَٱفْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هَذَانِ ٱلرَّجُلَانِ فَلَا تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لِأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلَا تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي". لقد كان لوط يعني بكلماته ما يلي: كان عليه استعداد للتخلي عن ابنتيه من أجل حماية الرسل. كان من المنطق أن يوافق هؤلاء الناس على شروط لوط، وأن يتركوا الرسولين وشأنهما؛ فقد كان المرسلان على أي حال غريبين تمامًا بالنسبة إليهم، شخصين لم يكن لهم علاقة بهما على الإطلاق، وهذان الرسولان لم يضرّا قط بمصالحهم. ومع ذلك، بدافع من طبيعتهم الآثمة، لم يتركوا الأمر عند هذا الحد؛ بل قاموا فقط بتكثيف جهودهم. يمكن هنا لواحدة أخرى من محاوراتهم أن تعطي بلا شك نظرة إضافية على الطبيعة الفاسدة لهؤلاء الناس. إن هذا يتيح أيضًا للمرء في الوقت نفسه معرفة وفهم سبب رغبة الله في تدمير هذه المدينة.
إذن ماذا قالوا بعد ذلك؟ كما يقول الكتاب المقدس: "ٱبْعُدْ إِلَى هُنَاكَ. ثُمَّ قَالُوا: جَاءَ هَذَا ٱلْإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. ٱلْآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا. أَلَحُّوا عَلَى ٱلْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا ٱلْبَابَ". لماذا كانوا يريدون تحطيم الباب؟ السبب هو أنهم كانوا في تَوْقٍ لإيذاء هذين الرسولين. ماذا كان يفعل هذان الرسولان في سدوم؟ كان هدفهما من المجيء إلى هناك هو إنقاذ لوط وأهل بيته، ولكن أهل المدينة ظنوا خطأً أنهما أتيا لتولي المناصب الرسمية. لقد كان مجرد تخمين هو الذي جعل المدينة تريد أن تلحق ضررًا بالغًا بهذين الرسولين، دون أن يسألوا عن غرضهما. كانوا يرغبون في إيذاء شخصين لم يكن لهما أي علاقة بهم. من الواضح أن سكان هذه المدينة قد فقدوا إنسانيتهم وعقولهم؛ ولم تكن درجة جنونهم ووحشيتهم مختلفة عن طبيعة الشيطان الشريرة المتمثلة في إيذاء وإهانة البشر.
عندما طلبوا هذين الرسولين من لوط، ماذا فعل لوط؟ نعرف من النص أن لوطاً لم يقم بتسليمهما. هل كان يعرف لوط أنّ هذين الرسولين من الله؟ بالطبع لم يعرف! ولكن لماذا كان قادرًا على إنقاذ هذين الشخصين؟ هل كان يعرف ما الذي أتَيا ليفعلاه؟ على الرغم من أنه كان غير مدرك لسبب قدومهما، فقد كان يعلم أنهما كانا عبدين لله، ولذلك أخذهما إلى داخل بيته. إن قدرته على أن يطلق على هذين العبدين لله لقب "سيد" يبين أن لوطاً كان من أتباع الله الثابتين، على عكس الآخرين في داخل سدوم. لذلك، عندما جاءه رسولان من الله، خاطر بحياته لاستقبالهما، وعلاوة على ذلك، عرض ابنتيه كبديل من أجل حماية هذين الرسولين. هذا هو عمل لوط البار، وهو أيضًا تعبير ملموس عن طبيعة لوط وجوهره، وهو أيضًا السبب الذي جعل الله يرسل عبديه لإنقاذ لوط؛ فعندما واجه لوط الخطر، قام بحماية هذين الرجلين دون النظر إلى أي شيء آخر، حتى إنه حاول مبادلة ابنتيه مقابل سلامة الرجلين. وباستثناء لوط، هل كان هناك أي شخص آخر داخل المدينة بإمكانه فعل شيء كهذا؟ كما تثبت الحقائق: لا، لم يكن هناك أحد! لذلك، من نافلة القول أن كل شخص داخل سدوم، باستثناء لوط، كان هدفًا للتدمير فضلًا عن كونه هدفًا يستحق الإهلاك.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 105
(سفر التكوين 19: 1-11) " فَجَاءَ ٱلْمَلَاكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لِٱسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ. وَقَالَ: "يَا سَيِّدَيَّ، مِيلَا إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَٱغْسِلَا أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا". فَقَالَا: "لَا، بَلْ فِي ٱلسَّاحَةِ نَبِيتُ". فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالَا إِلَيْهِ وَدَخَلَا بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلَا. وَقَبْلَمَا ٱضْطَجَعَا أَحَاطَ بِٱلْبَيْتِ رِجَالُ ٱلْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ ٱلْحَدَثِ إِلَى ٱلشَّيْخِ، كُلُّ ٱلشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا. فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: "أَيْنَ ٱلرَّجُلَانِ ٱللَّذَانِ دَخَلَا إِلَيْكَ ٱللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا". فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى ٱلْبَابِ وَأَغْلَقَ ٱلْبَابَ وَرَاءَهُ وَقَالَ: "لَا تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هُوَذَا لِي ٱبْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلًا. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَٱفْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هَذَانِ ٱلرَّجُلَانِ فَلَا تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لِأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلَا تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي". فَقَالُوا: "ٱبْعُدْ إِلَى هُنَاكَ". ثُمَّ قَالُوا: "جَاءَ هَذَا ٱلْإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. ٱلْآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا". فَأَلَحُّوا عَلَى ٱلْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا ٱلْبَابَ، فَمَدَّ ٱلرَّجُلَانِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلَا لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى ٱلْبَيْتِ وَأَغْلَقَا ٱلْبَابَ. وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ عَلَى بَابِ ٱلْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِٱلْعَمَى، مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا ٱلْبَابَ".
(سفر التكوين 19: 24-25) " فَأَمْطَرَ يَهْوَه عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ يَهْوَه مِنَ ٱلسَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ ٱلْمُدُنَ، وَكُلَّ ٱلدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمُدُنِ، وَنَبَاتِ ٱلْأَرْضِ".
سدوم تتعرض للإبادة بسبب استحقاقهم غضب الله
عندما رأى أهل سدوم هذين الرسولين، لم يسألوا عن سبب مجيئهما، ولم يسأل أحد ما إذا كانا قد أتيا لنشر مشيئة الله. على العكس من ذلك، شكلوا حشدًا من الغوغاء، وبدون أن ينتظروا تفسيرًا، جاءوا للقبض على هذين الرجلين مثل الكلاب المفترسة أو الذئاب الوحشية. هل رأى الله هذه الأمور عندما حدثت؟ ماذا كان يفكر الله في مكنونه فيما يتعلق بهذا النوع من السلوك البشري، وهذا النوع من الأشياء؟ قرر الله إهلاك هذه المدينة؛ لم يتردد أو ينتظر، ولم يستمر في التحلي بالصبر. لقد حل يومه، فشرع في العمل الذي كان يرغب في القيام به؛ لذا ورد في سفر التكوين 19: 24-25: "فَأَمْطَرَ يَهْوَه عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ يَهْوَه مِنَ ٱلسَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ ٱلْمُدُنَ، وَكُلَّ ٱلدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمُدُنِ، وَنَبَاتِ ٱلْأَرْضِ". تخبر هاتان الآيتان الناس بالطريقة التي أهلك بها الله هذه المدينة، كما تخبران الناس بما أهلكه الله. أولًا، يروي الكتاب المقدس أن الله أحرق المدينة بالنار، وأن مدى الحريق كان كافيًا لهلاك كل الناس وكل ما كان ينمو على الأرض. هذا يعني أن النار التي سقطت من السماء لم تهلك المدينة فحسب، بل دمرت وأهلكت كل الناس وكل الأشياء الحية داخلها، كل ذلك دون أن يترك لهم أي أثر. وبعد تدمير المدينة، كانت الأرض خالية تمامًا من الكائنات الحية؛ إذ لم يعد هناك حياة، ولا أي علامات عليها، لقد أصبحت المدينة أرضًا خاوية، مليئة بالصمت القاتل. لن يكون هناك المزيد من الأفعال الشريرة ضد الله في هذا المكان، ولن يكون هناك المزيد من الذبح أو الدم المسفوح.
لماذا أراد الله حرق هذه المدينة عن بكرة أبيها؟ ماذا يمكنكم أن تلاحظوا هنا؟ هل سيحتمل الله أن يشاهد البشر والطبيعة، مخلوقاته الخاصة، وقد دُمرت هكذا؟ إذا كنت تستطيع أن تدرك غضب يهوه الله من النار التي ألقيت من السماء، فليس من الصعب إدراك مستوى غضبه من هدف تدميره وكذلك من حيث الدرجة التي دُمرت بها هذه المدينة. عندما يزدري الله أي مدينة، سوف يُنزل بها عذابه، عندما يشعر الله بازدراء أي مدينة، سيرسل لها تحذيرات متكررة لإعلام الناس بغضبه، لكن عندما يقرر الله وضع نهاية لمدينة وتدميرها، أي عندما يستثار غضبه ويُساء لجلاله، لن يرسل أي عقوبات أو تحذيرات أخرى. بدلًا من ذلك، سوف يهلكها مباشرة، وسوف يجعلها تزول تمامًا من الوجود؛ هذه هي شخصية الله البارة.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 106
(سفر التكوين 19: 1-11) "فَجَاءَ ٱلْمَلَاكَانِ إِلَى سَدُومَ مَسَاءً، وَكَانَ لُوطٌ جَالِسًا فِي بَابِ سَدُومَ. فَلَمَّا رَآهُمَا لُوطٌ قَامَ لِٱسْتِقْبَالِهِمَا، وَسَجَدَ بِوَجْهِهِ إِلَى ٱلْأَرْضِ. وَقَالَ: "يَا سَيِّدَيَّ، مِيلَا إِلَى بَيْتِ عَبْدِكُمَا وَبِيتَا وَٱغْسِلَا أَرْجُلَكُمَا، ثُمَّ تُبَكِّرَانِ وَتَذْهَبَانِ فِي طَرِيقِكُمَا". فَقَالَا: "لَا، بَلْ فِي ٱلسَّاحَةِ نَبِيتُ". فَأَلَحَّ عَلَيْهِمَا جِدًّا، فَمَالَا إِلَيْهِ وَدَخَلَا بَيْتَهُ، فَصَنَعَ لَهُمَا ضِيَافَةً وَخَبَزَ فَطِيرًا فَأَكَلَا. وَقَبْلَمَا ٱضْطَجَعَا أَحَاطَ بِٱلْبَيْتِ رِجَالُ ٱلْمَدِينَةِ، رِجَالُ سَدُومَ، مِنَ ٱلْحَدَثِ إِلَى ٱلشَّيْخِ، كُلُّ ٱلشَّعْبِ مِنْ أَقْصَاهَا. فَنَادَوْا لُوطًا وَقَالُوا لَهُ: "أَيْنَ ٱلرَّجُلَانِ ٱللَّذَانِ دَخَلَا إِلَيْكَ ٱللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا". فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ لُوطٌ إِلَى ٱلْبَابِ وَأَغْلَقَ ٱلْبَابَ وَرَاءَهُ وَقَالَ: "لَا تَفْعَلُوا شَرًّا يَا إِخْوَتِي. هُوَذَا لِي ٱبْنَتَانِ لَمْ تَعْرِفَا رَجُلًا. أُخْرِجُهُمَا إِلَيْكُمْ فَٱفْعَلُوا بِهِمَا كَمَا يَحْسُنُ فِي عُيُونِكُمْ. وَأَمَّا هَذَانِ ٱلرَّجُلَانِ فَلَا تَفْعَلُوا بِهِمَا شَيْئًا، لِأَنَّهُمَا قَدْ دَخَلَا تَحْتَ ظِلِّ سَقْفِي". فَقَالُوا: "ٱبْعُدْ إِلَى هُنَاكَ". ثُمَّ قَالُوا: "جَاءَ هَذَا ٱلْإِنْسَانُ لِيَتَغَرَّبَ، وَهُوَ يَحْكُمُ حُكْمًا. ٱلْآنَ نَفْعَلُ بِكَ شَرًّا أَكْثَرَ مِنْهُمَا". فَأَلَحُّوا عَلَى ٱلْرَّجُلِ لُوطٍ جِدًّا وَتَقَدَّمُوا لِيُكَسِّرُوا ٱلْبَابَ، فَمَدَّ ٱلرَّجُلَانِ أَيْدِيَهُمَا وَأَدْخَلَا لُوطًا إِلَيْهِمَا إِلَى ٱلْبَيْتِ وَأَغْلَقَا ٱلْبَابَ. وَأَمَّا ٱلرِّجَالُ ٱلَّذِينَ عَلَى بَابِ ٱلْبَيْتِ فَضَرَبَاهُمْ بِٱلْعَمَى، مِنَ ٱلصَّغِيرِ إِلَى ٱلْكَبِيرِ، فَعَجِزُوا عَنْ أَنْ يَجِدُوا ٱلْبَابَ".
(سفر التكوين 19: 24-25) " فَأَمْطَرَ يَهْوَه عَلَى سَدُومَ وَعَمُورَةَ كِبْرِيتًا وَنَارًا مِنْ عِنْدِ يَهْوَه مِنَ ٱلسَّمَاءِ. وَقَلَبَ تِلْكَ ٱلْمُدُنَ، وَكُلَّ ٱلدَّائِرَةِ، وَجَمِيعَ سُكَّانِ ٱلْمُدُنِ، وَنَبَاتِ ٱلْأَرْضِ".
بعد مقاومة سدوم المتكررة والعداء لله، محاها الله تمامًا من الوجود
من منظور إنساني، كانت سدوم مدينة يمكن أن ترضي رغبات الإنسان وشروره؛ فقد أدى الرخاء فيها المصحوب بالإغراء والسحر، مع الموسيقى والرقص ليلة بعد ليلة، إلى افتتان أهلها وجنونهم، وختمت الشرور على قلوب الناس وأغرتهم بالفساد. لقد كانت مدينة خرجت فيها الأرواح النجسة والشريرة عن السيطرة، وكانت تعج بالخطيئة والقتل، وتفوح منها رائحة دموية نتنة. لقد كانت مدينة أرعبت الناس، مدينة تجعل المرء ينكفئ من الرعب. لم يسعَ أحد في هذه المدينة – رجلاً كان أو امرأة، صغيراً أو كبيراً – إلى الطريق الصحيح. لم يكن أحد منهم يتوق إلى النور أو تهفو نفسه إلى الابتعاد عن الخطيئة، بل كانوا يعيشون تحت سيطرة الشيطان والفساد والخداع. لقد فقدوا إنسانيتهم، وفقدوا حواسهم، كما فقدوا الهدف الحقيقي للإنسان من الوجود. لقد ارتكبوا أفعالًا شريرة لا تعد ولا تحصى من معاندة حكم الله، كما رفضوا توجيهه وعارضوا إرادته، فكانت أفعالهم الشريرة هي التي حملت هؤلاء الناس، والمدينة وكل شيء حي داخلها، خطوة خطوة، على طريق الهلاك.
على الرغم من أن هذين المقطعين لا يسجلان التفاصيل التي تصف مدى فساد أهل سدوم، ويسجلان – بدلًا من ذلك – سلوكهم تجاه عبدين من عباد الله بعد وصولهما إلى المدينة، فإن حقيقة بسيطة يمكن أن تكشف إلى أي مدى كان أهل سدوم فاسدين وأشراراً وأنهم عادوا الله، وبذلك تم كشف الوجه والجوهر الحقيقي لأهل المدينة أيضًا. لم يقتصر الأمر على عدم قبول تحذيرات الله، بل تمادوا أيضًا فلم يخشوا عقابه، وإنما على العكس من ذلك، استهزأوا بغضب الله، وعاندوا الله بشكل أعمى، وبغض النظر عمّا فعله الله أو كيف فعله، لم يكن منهم إلا أن تزايدت حدة طباعهم الأثيمة، وعارضوا الله مرارًا وتكرارا. كان شعب سدوم معاديًا لوجود الله ومجيئه وعقابه بل وتحذيراته، ولم يكونوا يرون شيئًا آخرَ جديرًا بالاهتمام من حولهم. لقد أضروا وألحقوا الأذى بجميع الناس الذين يمكنهم الإضرار بهم وإيذاؤهم، ولم تختلف معاملتهم مع الشخصين. فيما يتعلق بجميع الأفعال الشريرة التي ارتكبها أهل سدوم، لم يكن إلحاق الأذى بعباد الله سوى غيض من فيض، كما لم تكن طبيعتهم الشريرة التي كشف عنها هذا في الواقع سوى قطرة في بحر شاسع. لذلك، اختار الله أن يدمرهم بالنار، فلم يستخدم الله طوفانًا، ولم يستخدم إعصارًا أو زلزالًا أو تسونامي أو أي طريقة أخرى لتدمير المدينة. ماذا يعني استخدام الله للنار لتدمير هذه المدينة؟ كان يعني هلاك المدينة الكامل، كان ذلك يعني محو المدينة بالكامل من الأرض ومن الوجود. لا يشير "التدمير" هنا إلى اختفاء شكل المدينة وهيكلها أو مظهرها الخارجي فحسب، بل يعني أيضًا أن نفوس الناس داخل المدينة لم تعد موجودة، بعد أن تم القضاء عليها تمامًا. ببساطة، تم تدمير جميع الناس والأحداث والأشياء المرتبطة بالمدينة، ولن تكون هناك حياة أخرى لهم أو تجسد لهم؛ لقد استأصلهم الله من الإنسانية، ومن الخلق، مرة واحدة وإلى الأبد. إن "استخدام النار" يدل على وقف الخطيئة، وهذا يعني نهاية الخطيئة؛ هذه الخطيئة سوف تتوقف عن الوجود وعن الانتشار. كان ذلك يعني أن شر الشيطان قد فقد تربة احتضانه، فضلًا عن المقبرة التي منحته مكانًا للإقامة والبقاء. في الحرب بين الله والشيطان، يعدّ استخدام الله للنار علامة لانتصاره الذي وصم به الشيطان. إن هلاك سدوم يمثل كبوة كبرى في طموح الشيطان لمعارضة الله عن طريق إفساد الناس وتعريضهم للهلاك، وهو كذلك علامة مهينة على زمن ضمن تطور البشرية عندما رفض الإنسان إرشاد الله واستسلم للرذيلة، كما أنه، علاوة على ذلك، سجل لإعلان حقيقي عن شخصية الله البارة.
عندما أدت النّار التي أرسلها الله من السماء إلى تحويل سدوم إلى شيء دون الرماد، كان ذلك يعني أن المدينة التي سميت "سدوم" محيت من الوجود، وكذلك كل شيء داخل المدينة نفسها. لقد دمرها غضب الله، واختفت بسبب غضب الله وجلاله. ونظراً إلى شخصية الله البارة، حصلت سدوم على عقوبتها العادلة، وبسبب شخصية الله البارة، حصلت على نهايتها العادلة. كانت نهاية وجود سدوم نتيجة شرها، وكانت أيضًا بسبب رغبة الله في عدم رؤية هذه المدينة مرة أخرى، أو أي من الأشخاص الذين عاشوا فيها أو أي حياة نمت داخل المدينة. إن "رغبة الله في عدم رؤية المدينة مرة أخرى" تمثل غضبه، وكذلك جلاله. لقد أحرق الله المدينة؛ لأن إثمها وخطيئتها جعلته يشعر بالغضب والاشمئزاز والبغض تجاهها، وجعلته لا يرغب في رؤيتها أو رؤية أي من الأشخاص أو الكائنات الحية داخلها مرة أخرى. وبمجرد أن انتهى حرق المدينة، تاركًا وراءه الرماد فقط، فقد توقفت حقًا عن الوجود في نظر الله، اختفت حتى ذكرياته عنها، وتم محوها. هذا يعني أن النيران المرسلة من السماء لم تدمر مدينة سدوم بأكملها ولا الأشخاص المملوئين بالآثام فحسب، ولم تدمر كل الأشياء داخل المدينة التي كانت ملطخة بالخطيئة فقط، ولكن أكثر من ذلك، دمر هذا الحريق ذكريات شر البشرية وعدائها لله، كان هذا هدف الله من حرق المدينة.
لقد وصل فساد الإنسانية إلى ذروته، لم يعرفوا من هو الله أو من أين أتوا. إن ذكرت الله، فإن هؤلاء الناس يعادون الله ويفترون ويجدفون على الله، حتى عندما جاء عباد الله لإبلاغ تحذيره، لم يكتفِ هؤلاء الأشخاص الفاسدون بعدم إبداء أي علامات على التوبة، أو التخلي عن سلوكهم الشرير، بل على العكس، لقد أضروا بوقاحة بعباد الله. وكان ما أعربوا عنه وكشفوا عنه يمثل طبيعتهم وجوهرهم شديد العداء تجاه الله، حيث يمكننا أن نرى أن عداء هؤلاء الفاسدين تجاه الله كان أكثر من مجرد كشف عن تصرفهم الفاسد، فقد كان فعلًا أكثر من مجرد مثال على الافتراء أو السخرية النابعة من عدم فهم الحقيقة. فلم يكن الغباء أو الجهل سببًا في سلوكهم الشرير، ولم يكن ذلك بسبب انخداع هؤلاء الناس، ومن المؤكد أنه لم يكن لأنهم تم تضليلهم. وصل سلوكهم إلى مستوى من العداء والوقاحة بشكل صارخ والمعارضة واللغط تجاه الله. مما لا شك فيه أن هذا النوع من السلوك البشري يثير غضب الله، كما يغضب شخصيته التي يجب ألا يساء إليها. لذلك، أطلق الله مباشرة وصراحة غضبه وجلاله، وهذا إعلان حقيقي عن شخصيته البارة. في مواجهة مدينة تفيض بالخطيئة، أراد الله أن يدمرها بأسرع ما يمكن؛ كان يرغب في القضاء على الناس داخلها وعلى ذنوبهم كلها بأتم السبل، لمحو أهل هذه المدينة من الوجود ومنع الخطيئة في هذا المكان من التكاثر. الطريقة الأسرع والأتم للقيام بذلك هي حرقها بالنار. لم يكن موقف الله تجاه أهل سدوم نوعًا من الهجر أو التجاهل؛ بل بالأحرى، استخدم غضبه وجلاله وسلطانه لمعاقبة هؤلاء الناس وضربهم وتدميرهم بالكامل. لم يكن موقف الله تجاههم متعلقًا فقط بالدمار المادي، بل كان يتعلق أيضًا بتدمير النفس، أي الاستئصال الأبدي. هذا هو المعنى الحقيقي لرغبة الله في "محوهم من الوجود".
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 107
على الرغم من أن غضب الله مخفي ومجهول للإنسان، فإنه لا يفوِّت أي مخالفة
إن تعامل الله مع كل جهل وغباء البشرية يعتمد في المقام الأول على الرحمة والتسامح. ومن ناحية أخرى، يتم إخفاء غضبه في الغالبية العظمى من الوقت والأشياء، وهو غير معروف للإنسان؛ ونتيجة لذلك، يصعب على الإنسان أن يرى الله يظهر غضبه، كما يصعب عليه أيضًا فهم غضبه. على هذا النحو، يستخف الإنسان بغضب الله، وعندما تواجه الإنسانية عمل الله الأخير وخطوة الغفران والتسامح مع الإنسان، أي عندما تصل رحمة الله إلى نهايتها ويصلهم تحذيره الأخير، إذا ما استمروا في استخدام الأساليب نفسها لمعاداة الله، ولم يبذلوا أي جهد للتوبة، أو إصلاح طرقهم أو قبول رحمته، فلن يمنحهم الله التسامح والصبر عليهم أكثر من ذلك. بل على العكس، في هذا الوقت بالذات سوف يتراجع الله عن رحمته، وبعد هذا، سوف يرسل غضبه فقط، وهو يمكنه التعبير عن غضبه بطرق مختلفة، تمامًا كما يستطيع استخدام أساليب مختلفة لمعاقبة الناس وإهلاكهم.
إن استخدام الله للنار لإهلاك مدينة سدوم يعتبر أسرع طريقة لإبادة بشر أو شيء، إن حرق أهل سدوم قد دمر ما هو أكثر من أجسادهم المادية؛ لقد أهلك أيضًا أرواحهم وأنفسهم وأجسادهم بالكامل، تأكيدًا على أن الناس داخل هذه المدينة سوف يتم محوهم من الوجود في كل من العالم المادي والعالم غير المرئي للإنسان. هذه هي إحدى الطرق التي يكشف بها الله عن غضبه ويعبّر عنه، وتعتبر طريقة الكشف والتعبير هذه أحد جوانب جوهر غضب الله، تمامًا كما أنها بطبيعة الحال أيضًا إعلان عن جوهر شخصية الله البارة. فعندما يطلق الله غضبه، يتوقف عن إظهار أي رحمة أو شفقة ناشئة عن الحب، ولا يُظهر أي قدر من تسامحه أو صبره، ولا يوجد شخص أو شيء أو سبب يمكن أن يقنعه بالاستمرار في التحلي بالصبر، أو منح رحمته أو إبداء تسامحه مرة أخرى. بدلًا من هذه الأشياء، وبدون أن يتردد للحظة، سوف يطلق الله غضبه وعظمته، ويفعل ما يريد، وسوف يفعل هذه الأشياء بطريقة سريعة ونقية وفقًا لإرادته الخاصة. هذه هي الطريقة التي يرسل بها الله غضبه وجلاله، ويجب ألا يسيء أحد إليها، وهي أيضًا تعبير عن جانب واحد من شخصيته البارة. عندما يرى الناس أن الله يظهر القلق والحب تجاه الإنسان، لا يستطيعون كشف غضبه، أو رؤية جلاله، أو الشعور بعدم التسامح مع الإساءة. لقد دفعت هذه الأمور دائمًا الناس إلى الاعتقاد بأن شخصية الله البارة ما هي إلا شخصية الرحمة والتسامح والمحبة. لكن عندما يرى المرء الله وهو يهلك مدينة أو يكره بشراً، فإن غضبه في هلاك الإنسان وجلاله يسمحان للناس بأن يلموا بالجانب الآخر من شخصيته البارة. ذلك هو عدم تسامح الله مع الإساءة. إن شخصية الله الذي لا يتسامح مع أية مخالفة تتخطى خيال أي كائن مخلوق، ولا يمكن لأي من الكائنات الأخرى غير المخلوقة التدخل أو التأثير فيها؛ بل ولا يمكن تجسيدها أو تقليدها. وهكذا، فإن هذا الجانب من تصرفات الله هو الذي يجب أن تعرفه البشرية أكثر من غيره؛ فالله وحده هو الذي لديه هذا النوع من التصرفات، والله وحده هو الذي يمتلك هذا النوع من الشخصية. يتمتع الله بهذا النوع من الشخصية البارة؛ لأنه يكره الشر والظلمة والتمرد وأفعال الشيطان الشريرة التي تفسد وتهلك البشر، ولأنه يكره كل أفعال الخطيئة في عدائها له، وبسبب جوهره وذاته المقدسة والطاهرة؛ ولهذا السبب، فإنه لن يتحمل من أي كائن مخلوق أو غير مخلوق أن يناصبه علانية العداء أو المعارضة، حتى الشخص الذي كان قد أظهر له مرة الرحمة أو الاختيار لا يحتاج إلا إلى استفزاز شخصيته وتجاوز مبدئه في الصبر والتسامح، وسوف يطلق ويعلن عن شخصيته البارة دون أدنى رحمة أو تردد – شخصية لا تتسامح مع أية إساءة.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 108
غضب الله هو ضمانة لجميع القوى العادلة وكل الأشياء الإيجابية
يمثل عدم تسامح الله مع الإساءة جوهره الشامل، وغضب الله هو تصرفه الشامل، كما أن جلالة الله وعظمته هي جوهره الحصري. يبرهن المبدأ الكامن وراء غضب الله على الهوية والمكانة التي يمتلكهما الله وحده، ولا يحتاج المرء إلى ذكر أنه أيضًا رمزٌ لجوهر الله الفريد نفسه. إن شخصية الله هي حقيقته الجوهرية، ولا تتغير على الإطلاق بمرور الوقت، كما لا تتغير بتغير الأماكن. إن شخصيته المتأصلة هي جوهره الفطري، وبغض النظر عمن يقوم هو بتنفيذ عمله عليه، فإن جوهره وشخصيته البارة لا يتغيران. عندما يُغضب أحدٌ الله، فإن ما يطلقه هو شخصيته المتأصلة؛ حيث لا يتغير في هذا الوقت المبدأ الكامن وراء غضبه، كما لا تتغير هويته ومكانته الفريدتان. وهو لا يغضب بسبب تغير في جوهره أو لأن شخصيته أنتجت عناصر مختلفة، ولكن لأن مخالفة الإنسان له تسيء إلى شخصيته. إن الاستفزاز الصارخ لله من جانب الإنسان يمثل تحدياً قوياً لهوية الله ومكانته. وعندما يتحداه الإنسان، فهو – في نظره – يعارضه ويختبر غضبه. وعندما يعارض الإنسان الله، ويناصبه العداء، وعندما يختبر الإنسان باستمرار غضب الله – وهذا أيضًا عندما تنتشر الخطيئة – يبرز غضب الله ويتجلى بالطبع. لذلك، فإن تعبير الله عن غضبه يرمز إلى حقيقة أن كل قوى الشر سوف تختفي من الوجود، كما يرمز إلى أن جميع القوى المعادية سيتم تدميرها. هذا هو تفرد شخصية الله البارة، وهو تفرد غضب الله. عندما يتم تحدي كرامة الله وقداسته، وعندما يتم إعاقة القوى العادلة ولا يراها الإنسان، يرسل الله غضبه. وبالنظر إلى جوهر الله، فإن كل تلك القوى على الأرض التي تناصب الله العداء وتعارضه وتجادله تعتبر شريرة وفاسدة وغير عادلة، وتأتي من الشيطان وتنتمي إليه. ولأن الله عادل، ومن النور وقدوس منزه عن العيوب، فإن كل الأشياء الشريرة، الفاسدة التي تنتمي إلى الشيطان، سوف تختفي مع إطلاق غضب الله.
على الرغم من أن تدفق غضب الله هو أحد مظاهر التعبير عن تصرفه العادل، فإن غضب الله ليس عشوائيًا بأي حال من الأحوال من حيث هدفه، وليس بدون مبدأ، بل على العكس من ذلك، فإن الله ليس سريع الغضب على الإطلاق، ولا يكشف عن غضبه وجلاله بدون روية. بالإضافة إلى ذلك، فإن غضب الله منضبط ومتزن بشكل كبير، كما لا يمكن مقارنته بكيفية اتقاد غضب الإنسان أو التنفيس عن غضبه. يتضمن الكتاب المقدس العديد من المحاورات بين الإنسان والله. ويعتبر كلام بعض هؤلاء الأفراد ضحل وجاهل وطفوليّ، لكن الله لم يُنزل بهم عقابه، ولم يُدِنْهم. وعلى وجه الخصوص، أثناء محنة أيوب، كيف كان يهوه الله يعامل أصدقاء أيوب الثلاثة والآخرين بعد أن سمع الكلمات التي تحدثوا بها مع أيوب؟ هل أدانهم؟ هل استشاط الله غضبًا بهم؟ إنه لم يفعل شيئًا من هذا القبيل! وبدلًا من ذلك أمر أيوب أن يتضرع وأن يصلّي من أجلهم، ومن ناحية أخرى، لم يأخذ الله أخطاءهم على محمل الجد. كل هذه الحالات تمثل الموقف الأساسي الذي يعامل به الله الإنسانية الفاسدة الجاهلة. لذلك، فإن إطلاق غضب الله ليس بأي حال من الأحوال تعبيرًا عن مزاجه أو تنفيسه. ليس غضب الله ثورة غضب كاملة كما يفهمها الإنسان، كما أن الله لا يطلق غضبه لأنه غير قادر على التحكم في مزاجه أو لأن غضبه بلغ ذروته ولا بد أن ينفجر، بل على العكس من ذلك، يعتبر غضبه عرضاً لتصرفاته العادلة وتعبيراً حقيقياً عن تصرفه العادل. إنه كشف رمزي لجوهره المقدس. إن الله يغضب، ولا يتسامح مع أية مخالفة – وهذا لا يعني أن غضب الله لا يميز بين الأسباب أو أنه مجرد من المبادئ، بل البشرية الفاسدة هي التي لديها تجرد ظاهر من المبادئ وانفجارات غضب عشوائية لا تميز بين الأسباب. بمجرد أن يتمتع الإنسان بمكانة ما، فإنه سيجد أن من الصعوبة بمكان السيطرة على مزاجه، وبالتالي سوف يستمتع باستغلال المواقف للتعبير عن عدم رضاه وتنفيس عواطفه، وغالبًا ما يستشيط غضبًا من دون سبب واضح، ليكشف عن قدرته ويدع الآخرين يعرفون أن مكانته وهويته تختلفان عن الأشخاص العاديين. وبطبيعة الحال، فإن الأشخاص الفاسدين دون أي مكانة يفقدون السيطرة في كثير من الأحيان، وغالبًا ما يحدث غضبهم بسبب الضرر الذي يصيب منافعهم الفردية. ولكي يحمي الفاسدون مكانتهم وكرامتهم، ينفّسون في كثير من الأحيان عن عواطفهم ويكشفون عن طبيعتهم المتعجرفة. يستشيط الإنسان غضبًا وينفس عن مشاعره للدفاع عن وجود الخطيئة، وهذه الأعمال هي الطرق التي يعبر بها الإنسان عن عدم رضاه. وهي تمتلئ بالشوائب، وفساد البشر وشرهم؛ وأكثر من أي شيء آخر، تعجّ بطموحات الإنسان ورغباته الجامحة. عندما تتنافس العدالة مع الشر، لن يستشيط الإنسان غضبًا للدفاع عن العدالة؛ بل على النقيض من ذلك، عندما تتعرض قوى العدالة للتهديد والاضطهاد والاعتداء، فإن موقف الإنسان هو التجاهل أو التهرب أو التراجع. أما عندما يواجه الإنسان قوى الشر، فإن موقفه يتمثل في التموين والانحناء والبقاء على قيد الحياة. ولذلك، فإن تنفيس الإنسان هو هروب لقوى الشر، وتعبير عن السلوك الشرير المتفشي والجامح للإنسان الشهواني. لكن عندما يرسل الله غضبه، سيتم إيقاف جميع قوى الشر، كما سيتم إيقاف جميع الخطايا التي تؤذي الإنسان، وأيضًا سوف تكون جميع القوى المعادية التي تعيق عمل الله ظاهرة ومعزولة وملعونة، كما سيتم عقاب واقتلاع جميع المتواطئين مع الشيطان الذين يعارضون الله، وسوف يتم عمل الله دون أي عقبات، كما ستستمر خطة تدبير الله في التطور خطوة بخطوة وفقًا للجدول الزمني، وسيكون شعب الله المختار خاليًا من إزعاج الشيطان وخداعه. أولئك الذين يتبعون الله سوف يتمتعون بقيادة الله ورزقه في محيط هادئ ومسالم. إن غضب الله هو ضمانة تمنع كل قوى الشر من التكاثر والانتشار، وهي أيضًا ضمانة تحمي الوجود وتنشر كل الأشياء العادلة والإيجابية وتحميها أبديًا من القمع والتخريب.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 109
هل يمكنكم رؤية حقيقة غضب الله في تدميره لسدوم؟ هل خالط أي شيء غضبه؟ هل كان غضب الله خالصًا؟ باستخدام كلمات الإنسان، هل كان غضب الله نقياً؟ هل هناك أي خديعة وراء غضبه؟ هل هناك أية مؤامرة؟ هل هناك أي أسرار لا يصح ذكرها؟ أستطيع أن أقول لكم بشدة ونزاهة: لا يوجد جزء من غضب الله يمكن أن يقود المرء إلى الشك. إن غضبه هو الغضب الصافي المحض، ولا يحمل أي نوايا أو أهداف أخرى. سبب غضبه هو خالص، وغير ملام، وفوق النقد. إنه كشف طبيعي وعرض لجوهره المقدس، هو شيء لا يمتلكه أي من الخلق. هذا جزء من شخصية الله البارة والفريدة، وهو أيضًا اختلاف مذهل بين الجوهر الخاص بكل من الخالق ومخلوقاته.
وبغض النظر عما إذا كان المرء غاضبًا أمام الآخرين أو خلف ظهورهم، فإن لكل شخص نية وغرضاً مختلفين. ربما كانوا يبنون مكانتهم، أو ربما يدافعون عن مصالحهم الخاصة، أو يحافظون على صورتهم أو يصونون كرامتهم. البعض منهم يمارسون ضبط النفس في غضبهم، في حين أن آخرين هم أكثر تهورًا واستشاطة في غضبهم كلما رغبوا في ذلك دون أدنى مجهود لضبط النفس. باختصار، غضب الإنسان مستمد من شخصيته الفاسدة. وبغض النظر عن الغرض منه، فهو من الجسد والطبيعة، وليس له علاقة بالعدالة أو بالظلم؛ لأنه لا يوجد في طبيعة الإنسان وجوهره ما يتفق مع الحقيقة. لذلك، يجب عدم ذكر مزاج الإنسانية الفاسد وغضب الله في الوقت نفسه. وبدون استثناء، يبدأ سلوك الإنسان الذي أفسده الشيطان بالرغبة في حماية الفساد، ويستند إلى الفساد؛ وهكذا، لا يمكن ذكر غضب الإنسان في وقت واحد مع غضب الله، بغض النظر عن مدى ملاءمته من الناحية النظرية. عندما يطلق الله غضبه، يتم كبح قوى الشر، وتدمر الأشياء الشريرة، في حين أن الأشياء العادلة والإيجابية تحظى برعاية الله وحمايته، ويسمح لها بالاستمرار. يرسل الله غضبه؛ لأن الأشياء الظالمة والسلبية والشريرة تحجب أو تزعزع أو تدمر النشاط العادي كما تمنع تطور الأشياء العادلة والإيجابية. إن هدف غضب الله ليس حماية مكانته وهويته الخاصة، بل ضمان وجود أشياء عادلة وإيجابية وجميلة وجيدة، لحماية القوانين وحماية البقاء الطبيعي للبشرية. هذا هو السبب الجذري لغضب الله. إن غضب الله هو إعلان مناسب وطبيعي وصحيح عن شخصيته. لا توجد نوايا وراء غضبه، ولا يوجد غش أو تآمر؛ أو حتى أكثر من ذلك، لا يحتوي غضبه على أي أثر من الرغبة أو الاحتيال أو الخبث أو العنف أو الشر أو أي شيء آخر مما يشترك فيه جميع البشر الفاسدين. قبل أن يرسل الله غضبه، كان يدرك مسبقاً حقيقة كل أمر بشكل واضح وكامل، وقد وضع بالفعل تعريفات واستنتاجات دقيقة وواضحة. وهكذا، فإن هدف الله في كل أمر يفعله واضح تمامًا، مثلما هو موقفه. فهو ليس مشوشًا، ولا أعمى، ولا مندفعًا ولا مهملًا؛ أضف إلى ذلك أنه غير مجرد من المبادئ. هذا هو الجانب العملي لغضب الله، وبسبب هذا الجانب العملي لغضب الله، فإن البشرية قد حققت وجودها الطبيعي. بدون غضب الله، ستنحدر البشرية إلى ظروف معيشية غير طبيعية؛ فكل الأشياء العادلة والجميلة والجيدة ستدمر وتنتهي من الوجود. وبدون غضب الله، فإن قوانين ونظم وجود الخلق سوف تتعطل أو حتى تتحطم تمامًا. منذ خلق الإنسان، استخدم الله باستمرار شخصيته البارة لحماية الوجود الطبيعي للإنسانية والحفاظ عليه. وبما أن شخصيته البارة تشتمل على الغضب والجلال، فإن كل الأشخاص الأشرار، والأشياء، والكائنات وكل الأشياء التي تزعج وتضر بالوجود الطبيعي للإنسانية يتم معاقبتها والسيطرة عليها وتدميرها بسبب غضبه. على مدى آلاف السنين الماضية، استخدم الله باستمرار شخصيته البارة في ضرب وتدمير كل أنواع الأرواح النجسة والشريرة التي تعارضه، والتي تعمل كشركاءَ وخدمٍ للشيطان، وذلك في عمل الله لتدبير الإنسانية. وهكذا، تقدم عمل الله لخلاص الإنسان دائمًا وفقًا لخطته، وهذا يعني أنه بسبب وجود غضب الله، فإن القضية الخيَّرة بين الناس لم يتم تدميرها مطلقاً.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 110
مع أن الشيطان يظهر الإنسانية والعدل والفضيلة، فإنه قاس وشرير في جوهره
الشيطان يكتسب شهرته من خلال تضليل العامة، وغالبًا ما يقيم نفسه كطليعة ونموذج يحتذى به للبر. وهو – تحت راية الحفاظ على البر – يضر البشر ويدمر نفوسهم، ويستخدم كل أنواع الوسائل لتخدير الإنسان وخداعه وتحريضه، وهدفه هو جعل الإنسان يوافق على سلوكه الشرير ويتبعه، وجعله ينضم إليه في معارضة سلطان الله وسيادته. لكن عندما ينمو المرء حكيمًا ومدركًا لمخططاته وتآمره وخصائصه الدنيئة، ولا يرغب في الاستمرار في الخضوع لقسوة الشيطان وتضليله أو استعباده، أو أن يتعرض للعقوبة والدمار معه، يغير الشيطان من سماته القديسة السابقة ويمزق قناعه الزائف للكشف عن وجهه الحقيقي الشرير والخبيث والقبيح والهمجي، ولن يحب شيئاً كحبه إبادة كل الذين يرفضون اتباعه والذين يعارضون قواه الشريرة. عند هذه النقطة لا يعود بإمكان الشيطان أن يتظاهر بمظهر جدير بالثقة ونبيل، وبدلًا من ذلك، يكشف عن ملامحه القبيحة والشيطانية الحقيقية تحت ملابس الخراف؛ وبمجرد إبراز مخططات الشيطان وبمجرد كشف سماته الحقيقية، فإنه يستشيط غيظاً ويكشف عن وحشيته، كما يكثف رغبته في الإضرار بالناس وإلحاق الأذى بهم؛ هذا لأنه غضب من صحوة الإنسان، كما أنه طور نزعة انتقام قوية تجاه الإنسان بسبب طموحهم في التوق إلى الحرية والنور والتحرر من سجنه، كما يهدف غضبه إلى الدفاع عن شره، وهو أيضًا كشف حقيقي لطبيعته الوحشية.
في كل أمر، يعرض سلوك الشيطان طبيعته الشريرة، ومن بين جميع الأفعال الشريرة التي ارتكبها الشيطان تجاه الإنسان – بدءًا من جهوده المبكرة لتضليل الإنسان كيْ يتبعه، إلى استغلاله للإنسان، الذي يجر فيه الإنسان إلى أفعاله الشريرة، ونزعة الشيطان للانتقام من الإنسان بعد كشفه صفات الشيطان الحقيقية ومعرفة الإنسان بها وتخليه عنها – لا يخفق المرء في فضح جوهر الشيطان الشرير، كما أنه لا يخفق أحد في إثبات حقيقة أن الشيطان لا علاقة له بالأمور الإيجابية، وفي إثبات أن الشيطان هو مصدر كل الأمور الشريرة. ويسهم كل واحد من أفعاله في حماية شره والمحافظة على استمرار أفعاله الشريرة، كما تتعارض أفعاله مع الأشياء العادلة والإيجابية، بالإضافة إلى تدمير القوانين وتدمير نظام الوجود الطبيعي للإنسانية. إنها معادية لله، وهي التي سيدمرها غضب الله. وعلى الرغم من أن الشيطان له غضبه الخاص، فإنما هو وسيلة للتنفيس عن طبيعته الشريرة. والسبب في سخط الشيطان وتميزه غضبًا هو ما يلي: كشف مخططاته الشريرة، كما تم صد ومنع مؤامراته التي لا يمكن الإفلات منها بسهولة، وطموحه الجامح ورغبته في استبدال الله والتصرف كأنه الله. إن هدفه المتمثل في السيطرة على البشرية جمعاء لم يصل إلى أي شيء ولا يمكن تحقيقه مطلقاً. إنه استدعاء الله المتكرر لغضبه هو الذي أوقف مؤامرات الشيطان من أن تؤتي ثمارها، وأدى إلى وقف انتشار شر الشيطان وتفشيه؛ لذلك يكره الشيطان الله ويخاف غضبه. إن كل مرة يغضب فيها الله لا تكشف مظهر الشيطان الحقيقي الوضيع فحسب، بل إنها أيضًا تكشف عن رغبات الشيطان الشريرة ضد النور، وتنكشف، في الوقت نفسه، أسباب غضب الشيطان ضد الإنسانية تمامًا. ويمثل اندلاع غضب الشيطان كشفاً حقيقياً لطبيعته الشريرة، كما أنها تكشف عن مخططاته. وبالطبع، ففي كل مرة يتم فيها إغضاب الشيطان، ينذر ذلك بتدمير الأشياء الشريرة، وحماية الأمور الإيجابية واستمرارها، كما أنه يعلن عن طبيعة غضب الله – وهو أمر لا يمكن للمرء أن يعارضه!
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 111
يجب ألاّ يعتمد المرء على التجربة والخيال في معرفة شخصية الله البارة
عندما تجد نفسك تواجه دينونة الله وتوبيخه، هل ستقول إن كلمة الله مزيفة؟ هل ستقول إن هناك حكاية وراء غضب الله، وإن غضبه زائف؟ هل ستقوم بالافتراء على الله، قائلًا إن تصرفه ليس بالضرورة عادلًا بالكامل؟ عندما تتعامل مع كل عمل من أعمال الله، يجب أن تكون على يقين من أن شخصية الله البارة خالية من أي عناصر أخرى، وأنها مقدسة ولا تشوبها شائبة. هذه الأعمال تشمل ضربات الله وعقابه وتدميره للإنسانية. فكل عمل من أعمال الله، بدون استثناء، يتم بالتوافق الكامل مع شخصيته المتأصلة وخطته – وهذا لا يشمل معرفة الإنسانية، وتقاليدها وفلسفتها – ويمثل كل عمل من أعمال الله تعبيراً عن شخصيته وجوهره، ولا علاقة لهما بأي شيء ينتمي إلى الإنسانية الفاسدة. يرى الإنسان في تصوراته أن محبة الله ورحمته وتسامحه تجاه الإنسانية هي الوحيدة المقدسة والنقية والمنزهة عن العيوب. ومع ذلك، لا يعلم أحد أن غضب الله وسُخطه هما كذلك غير زائفين. وعلاوة على ذلك، لم يفكر أحد في أسئلة؛ مثل التساؤل عن سبب عدم تسامح الله مع أي مخالفة أو عن سبب غضبه الشديد. بل على العكس، يخطئ البعض في توصيف غضب الله بسبب مزاج الإنسانية الفاسد؛ حيث إنهم يفهمون غضب الله على أنه غضب على الإنسانية الفاسدة، حتى إنهم يفترضون خطأ أن غضب الله يشبه تمامًا الكشف الطبيعي لشخصية الإنسانية الفاسدة. إنهم يعتقدون خطأً أن إطلاق غضب الله هو تماماً بمنزلة الغضب من الإنسانية الفاسدة والذي ينشأ عن الاستياء، حتى إنهم يعتقدون أن إطلاق غضب الله هو تعبير عن مزاجه. بعد هذه الشركة، آمل ألا يكون لدى أي منكم – بعد الآن – أي مفاهيم خاطئة أو تصورات أو افتراضات حول شخصية الله البارة، وآمل أنه بعد سماع كلامي يمكن أن يكون لديكم معرفة صحيحة في قلوبكم بشخصية الله البارة، كما آمل أن يمكنكم أن تضعوا جانبًا أي فهوم خاطئة سابقة لغضب الله، وأن تتمكنوا من تغيير معتقداتكم وأفكاركم الخاطئة عن جوهر غضب الله. وعلاوة على ذلك، آمل أن يكون لديكم تعريف دقيق لشخصية الله في قلوبكم، وأنكم لن تعود لديكم أية شكوك فيما يتعلق بشخصية الله البارة، وأنكم لن تفرضوا أي استنتاجات أو تخيلات بشرية عن شخصية الله الحقيقية. إن شخصية الله البارة هي الجوهر الحقيقي لله، إنها شيء غير مقولب أو مكتوب من قبل الإنسان. إن شخصيته البارة هي شخصيته البارة، ولا علاقة أو صلة لها بأي من الخليقة، إن الله ذاته هو الله ذاته. لن يصبح أبدًا جزءًا من الخليقة، وحتى إن أصبح فرداً بين المخلوقات، فلن تتغير شخصيته المتأصلة وجوهره. لذلك، فإن معرفة الله ليست معرفة أي كائن، إنها ليست تحليلاً لشيء، ولا هي عبارة عن فهم لشخص ما. إذا كان الإنسان يستخدم مفهومه أو طريقته في معرفة شيء ما أو فهم شخص ما لمعرفة الله، فلن يتمكن أبدًا من تحقيق معرفة الله. إن معرفة الله لا تعتمد على الخبرة أو الخيال، وبالتالي يجب عليك ألا تفرض خبرتك أو خيالك مطلقاً على الله. بغض النظر عن مدى ثراء خبرتك وخيالك، فإنهما ما يزالان محدودين، بل ما هو أكثر من ذلك، إن خيالك لا يتوافق مع الحقائق، ناهيك عن أنه لا ينسجم مع الحقيقة، ولا يتماشى مع الشخصية والجوهر الحقيقيين لله. لن تنجح أبدًا إذا اعتمدت على خيالك لفهم جوهر الله. الطريق الوحيد هو: قبول كل ما يأتي من الله، ثم تجربته وفهمه تدريجيًا. سيكون هناك يومٌ يقوم فيه الله بتنويرك لفهمه ومعرفته على نحو صحيح بسبب تعاونك وبسبب جوعك وتعطشك للحقيقة.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 112
تحذير يهوه الله يصل إلى أهل نينوى
دعونا ننتقل إلى المقطع الثاني، الإصحاح الثالث من سفر يونان: "فَٱبْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ ٱلْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: "بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى". هذه هي الكلمات التي أبلغها الله إلى يونان ليخبر بها أهل نينوى. إذًا، هذه الكلمات، بطبيعة الحال، هي الكلمات التي تمنّى يهوه أن يقولها لأهل نينوى. هذه الكلمات تقول للناس إن الله بدأ يمقت ويكره أهل المدينة؛ لأن شرهم قد وصل إلى نظر الله، ولذلك أراد أن يدمر هذه المدينة. لكن، قبل أن يدمر الله المدينة، أراد أن يقوم بإبلاغ أهل نينوى، ويعطيهم في الوقت نفسه فرصة للتوبة من خطاياهم والبدء من جديد. هذه الفرصة ستستمر أربعين يومًا. وبعبارة أخرى، إذا لم يتب الناس داخل المدينة، أو يعترفوا بخطاياهم أو يسجدوا أمام يهوه الله في غضون أربعين يوما، فإن الله سيدمر المدينة كما فعل بسدوم. هذا ما أراد يهوه الله أن يقوله لأهل نينوى. من الواضح أن هذا لم يكن إعلانًا بسيطًا. لم ينقل ذلك غضب يهوه الله فحسب، بل نقل أيضًا موقفه تجاه أهل نينوى، وفي الوقت نفسه، كان هذا الإعلان البسيط بمثابة تحذير رسمي للناس الذين يعيشون داخل المدينة. هذا التحذير أخبرهم بأن أعمالهم الشريرة أكسبتهم كراهية يهوه الله، وأن أعمالهم الشريرة ستفضي بهم قريبًا إلى حافة الفناء؛ لذلك، كانت حياة كل فرد في نينوى في خطر وشيك.
التباين الصارخ في نينوى ورد فعل سدوم على تحذير يهوه الله
ماذا يعني الإطاحة بها؟ بالاصطلاح العامّي، يعني ذلك أن تختفي. لكن بأي طريقة؟ من يستطيع الإطاحة بمدينة بأكملها؟ بالطبع، من المستحيل أن يقوم الإنسان بمثل هذا الفعل. هؤلاء الناس لم يكونوا حمقى، فبمجرد سماع هذا الإعلان، وصلتهم الفكرة. كانوا يعرفون أنه قد جاء من الله، كما كانوا يعلمون أن الله سوف يؤدي عمله، علموا أيضًا أن شرهم قد أغضب يهوه الله وجلب غضبه عليهم، حتى يتم تدميرهم قريبًا مع مدينتهم. كيف تصرف أهل المدينة بعد الاستماع إلى تحذير يهوه الله؟ يصف الكتاب المقدس بتفاصيل محددة كيف تفاعل هؤلاء الناس، بداية من ملكهم إلى عامة الناس، كما هو مسجل في الكتاب المقدس: "فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِٱللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ ٱلْأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلًا: "لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا ٱلْبَقَرُ وَلَا ٱلْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ".
بعد سماع إعلان يهوه الله، أبدى أهل نينوى موقفًا مخالفًا تمامًا لأهالي سدوم، فقد عارض أهل سدوم علانية الله، ومضوا قدمًا من شر إلى شر، ولكن بعد سماع هذه الكلمات، لم يتجاهل أهل نينوى الأمر، ولم يقاوموا، ولكن بدلًا من ذلك، آمنوا بكلام الله وأعلنوا صيامًا. ما الذي تشير إليه كلمة "آمنوا" هنا؟ الكلمة نفسها تشير إلى الإيمان والخضوع. إذا استخدمنا سلوك أهل نينوى الفعلي لشرح هذه الكلمة، فهذا يعني أنهم صدقوا أن الله يستطيع أن يفعل ما قاله وأنه سوف يفعل ما قاله، وأنهم مستعدون للتوبة. هل شعر أهل نينوى بالخوف من مواجهة كارثة وشيكة؟ كان إيمانهم هو أنهم وضعوا الخوف في قلوبهم. حسنًا، ماذا يمكننا أن نستخدم لإثبات إيمان أهل نينوى وخوفهم؟ إنه كما يقول الكتاب المقدس: "نَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ". هذا يعني أن أهل نينوى آمنوا حقًا، وأن هذا الإيمان جاء خوفًا، مما أدى إلى الصيام وارتداء قماش الخيش. هكذا أظهروا بدايةَ توبَتِهمْ. في تناقض تام مع أهل سدوم، فإن أهل نينوى لم يعارضوا الله، بل إنهم أيضًا أظهروا بوضوح تام التوبة من خلال سلوكهم وأفعالهم. بالطبع، لم ينطبق هذا على عامة الناس في نينوى فحسب؛ إذ لم يكن مَلِكُهم استثناء من ذلك.
توبة ملك نينوى تحظى بالثناء من يهوه الله
عندما سمع ملك نينوى هذا الخبر، نهض من عرشه، وخلع ثوبه، وألبس نفسه المسوح، وجلس في الرماد، ثم أعلن أنه لن يُسمح لأي شخص في المدينة بتذوق أي شيء، وأن المواشي والخراف والثيران لن ترعى أو تشرب الماء. كان على الإنسان والماشية على حد سواء أن يلبسوا مسوحًا، وكان الناس يتضرعون بجدية إلى الله، كما أعلن الملك أيضاً أن كل واحد منهم سيبتعد عن طرقه الشريرة ويتخلى عن الظلم الذي في يديه. انطلاقًا من هذه السلسلة من الأعمال، أظهر ملك نينوى توبته الصادقة، كما أن سلسلة الإجراءات التي اتخذها – بدءًا من قيامه عن عرشه، وإلغاء ثوب ملكه، وارتدائه المسوح وجلوسه في الرماد – تخبر الناس أن ملك نينوى وضع جانبًا وضعه الملكي وارتدى مسحًا جنبًا إلى جنب مع عامة الناس. هذا يعني أن ملك نينوى لم يشغل منصبه الملكي لمواصلة طريقه الشرير أو الظلم الذي في يديه بعد سماع إعلان يهوه الله، ولكنه بدلًا من ذلك، وضع جانًبا السلطان التي كان يتولاه وتاب أمام يهوه الله. في هذه اللحظة لم يكن ملك نينوى يتوب باعتباره ملكًا، لقد جاء أمام الله ليعترف ويتوب عن خطاياه باعتباره تابعًا عاديًا لله. علاوة على ذلك، أمر المدينة كلها أن تعترف وتتوب من ذنوبها أمام يهوه الله بنفس الطريقة. بالإضافة إلى ذلك، كان لديه خطة محددة لكيفية القيام بذلك، كما هو موضح في الكتاب المقدس: "لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا ٱلْبَقَرُ وَلَا ٱلْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. ... وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ". يتمتع الملك بمكانة وقوة عليا بحكم منصبه كحاكم المدينة، ويمكنه فعل أي شيء يرغب فيه. عندما واجه إعلان يهوه الله، كان يمكنه أن يتجاهل الأمر أو ببساطة يندم ويعترف بذنوبه لوحده. وفيما يتعلق بالناس في المدينة هل يختارون التوبة أم لا، فقد كان بإمكانه تجاهل المسألة بالكامل. لكن ملك نينوى لم يفعل ذلك مطلقًا. لم يكتفِ بأن قام عن عرشه، وارتدى المسوح والرماد، واعترف وتاب عن خطاياه أمام يهوه الله، بل أمر أيضاً جميع الناس والماشية داخل المدينة بأن تفعل الشيء نفسه. حتى إنه أمر الناس بأن "يصرخوا إلى الله بشدة" من خلال هذه السلسلة من الأعمال، حقق ملك نينوى بالفعل ما يجب على الحاكم القيام به؛ سلسلة أعماله هي سلسلة يصعب على أي ملك في تاريخ البشرية أن يحققها، وهي أيضًا سلسلة لم يحققها أحد آخر. هذه الأعمال يمكن أن تسمى تعهدات غير مسبوقة في تاريخ البشرية؛ فهي جديرة بأن يتم تخليدها والاقتداء بها من قبل البشر. منذ فجر الإنسانية، قاد كل ملك رعاياه لمقاومة الله ومعارضته. لم يسبق لأحد أن قاد رعاياه إلى التضحية لله لطلب الفداء من شرهم، والحصول على عفو يهوه الله وتجنب العقوبة الوشيكة. غير أن ملك نينوى تمكن من قيادة رعاياه للتوجه إلى الله، وترك طرقهم الشريرة، والتخلي عن الظلم الذي في أيديهم. علاوة على ذلك، كان قادرًا أيضًا على وضع عرشه جانبًا، وفي المقابل، عاد يهوه الله وندم ورجع عن غضبه، فسمح لأهل المدينة بالبقاء وحفظهم من الدمار. لا يمكن وصف أعمال الملك إلا بأنها معجزة نادرة في تاريخ البشرية؛ حتى يمكن أن يطلق عليهم أنهم نموذج للإنسانية الفاسدة التي تعترف بخطاياها وتتوب عنها أمام الله.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 113
(سفر يونان 3) "ثُمَّ صَارَ قَوْلُ يَهْوَه إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً قَائِلًا: "قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا ٱلْمُنَادَاةَ ٱلَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا". فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ قَوْلِ يَهْوَه. أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً للهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَٱبْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ ٱلْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: "بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى". فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِٱللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ ٱلْأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلًا: "لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا ٱلْبَقَرُ وَلَا ٱلْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ ٱللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجِعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلَا نَهْلِكَ". فَلَمَّا رَأَى ٱللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ، نَدِمَ ٱللهُ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ.
الله يرى التوبة الصادقة في صميم قلوب أهل نينوى
بعد الاستماع إلى إعلان الله، أجرى ملك نينوى ورعيته سلسلة من الأفعال. ما هي طبيعة سلوكهم وأفعالهم؟ بمعنى آخر، ما هو جوهر مجمل سلوكهم؟ لماذا فعلوا ما فعلوه؟ في نظر الله كانوا قد تابوا بإخلاص، ليس فقط لأنهم تضرعوا إلى الله بصدق واعترفوا بخطاياهم أمامه، بل لأنهم أيضًا تخلوا عن سلوكهم الشرير. تصرفوا بهذه الطريقة لأنهم بعد سماع كلمات الله، كانوا خائفين بشكل لا يصدق، واعتقدوا أنه سيفعل ما قاله. فقد لجأوا إلى الصيام، وارتداء المسوح والجلوس في الرماد، رغبة في التعبير عن استعدادهم لإصلاح طرقهم والامتناع عن الشر، والصلاة إلى يهوه الله لكي يكبح غضبه، والتوسل إلى يهوه الله ليرجع عن قراره وعن الكارثة الوشيكة التي كانت ستصيبهم. يمكننا – من خلال تدقيق مجمل سلوكهم – أن نرى أنهم أدركوا بالفعل أن أفعالهم الشريرة السابقة كانت بغيضة لدى يهوه الله، وأنهم فهموا لماذا يوشك الله على إهلاكهم. لهذه الأسباب، كانوا جميعًا يرغبون في التوبة تمامًا، والابتعاد عن طرقهم الشريرة والتخلي عن الظلم الذي في أيديهم. بعبارة أخرى، بمجرد علمهم بإعلان يهوه الله، شعر كل واحد منهم بالخوف في قلبه، فلم يعودوا يواصلون سلوكهم الشرير، أو يستمرون في ارتكاب تلك الأعمال التي يكرهها يهوه الله. بالإضافة إلى ذلك، تضرعوا إلى يهوه الله أن يغفر خطاياهم الماضية، وألا يعاملهم حسب أفعالهم السابقة. كانوا مستعدين لعدم الانخراط مرة أخرى في الشر، وللعمل وفقًا لتعليمات يهوه الله، فقط لو لم يغضبوا يهوه الله مرة أخرى. كانت توبتهم صادقة وشاملة؛ فلقد جاءت من صميم قلوبهم ولم تكن تظاهرًا، كما لم تكن مؤقتة.
بمجرد أن علم أهل نينوى، بداية من الملك الأعلى إلى رعاياه، أن يهوه الله غاضب منهم، أصبح كل فعل من أفعالهم وكل سلوك من سلوكهم، وكذلك كل قرار من قراراتهم وخياراتهم، واضحة جليّة في نظر الله. وتغير قلب الله وفقًا لسلوكهم. ماذا كان مزاج الله في تلك اللحظة بالذات؟ يمكن للكتاب المقدس أن يجيبك عن هذا السؤال. كما هو مسجل في الكتاب المقدس: "فَلَمَّا رَأَى ٱللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ، نَدِمَ ٱللهُ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ". على الرغم من أن الله غير رأيه، لم يكن هناك شيء معقد حول مزاجه؛ فقد انتقل ببساطة من التعبير عن غضبه إلى تهدئة غضبه، ثم قرر عدم جلب الكارثة على مدينة نينوى. السبب في أن قرار الله تجنيب نينوى الكارثة كان سريعًا هو أن الله قد لاحظ قلب كل شخص في نينوى. لقد رأى ما احتفظوا به في أعماق قلوبهم: اعترافهم الصادق والتوبة عن خطاياهم، وإيمانهم الصادق به، وإحساسهم العميق بكيف أن أفعالهم الشريرة قد أغضبت شخصيته، والخوف الناتج من عقاب يهوه الله الوشيك. في نفس الوقت، سمع يهوه الله صلوات من أعماق قلوبهم تتوسل إليه أن يكف عن غضبه عليهم حتى يتجنبوا هذه الكارثة. عندما لاحظ الله كل هذه الحقائق، اختفى غضبه شيئًا فشيئًا. وبغض النظر عن مدى غضبه العظيم في السابق، عندما رأى التوبة الصادقة في أعماق قلوب هؤلاء الناس تأثر قلبه بهذا، ولم يستطع تحمل الكارثة عليهم، ولم يعد غاضبًا عليهم. وبدلًا من ذلك استمر في مد رحمته وتسامحه تجاههم واستمر في إرشادهم وتزويدهم.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 114
(سفر يونان 3) "ثُمَّ صَارَ قَوْلُ يَهْوَه إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً قَائِلًا: "قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا ٱلْمُنَادَاةَ ٱلَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا". فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ قَوْلِ يَهْوَه. أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً للهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَٱبْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ ٱلْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: "بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى". فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِٱللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ ٱلْأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلًا: "لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا ٱلْبَقَرُ وَلَا ٱلْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ ٱللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجِعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلَا نَهْلِكَ". فَلَمَّا رَأَى ٱللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ، نَدِمَ ٱللهُ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ.
إن كان إيمانك بالله صحيحًا، فستحصل على رعايته في كثير من الأحيان
إن تغيير الله لنواياه تجاه شعب نينوى لم يكن يعتريه أي تردد أو غموض، بل بالأحرى، كان التحول من الغضب الخالص إلى التسامح الخالص. هذا هو كشف حقيقي عن جوهر الله؛ إن الله لا يتزعزع أبدًا في أفعاله أو يتردد حيالها. إن المبادئ والمقاصد وراء تصرفاته واضحة وشفافة ونقية وخالية من العيوب، مع عدم وجود أي شوائب أو مكائد على الإطلاق. بمعنى آخر، لا يحتوي جوهر الله على ظلام أو شر. كان غضب الله من أهل نينوى لأن أعمالهم الشريرة وصلت إلى نظره. في ذلك الوقت كان غضبه مستمدًا من جوهره. لكنه عندما اختفى غضب الله ومنح تسامحه لأهل نينوى مرة أخرى، كل ما كشف عنه كان لا يزال جوهره. كان كل هذا التغيير بسبب تغير في موقف الإنسان تجاه الله. خلال هذه الفترة الزمنية بأكملها، لم تتغير شخصية الله التي لا تقبل الإساءة إليها؛ لم يتغير جوهر الله المتسامح، كما لم يتغير جوهر الله المحب الرحيم. عندما يرتكب الناس الأفعال الشريرة ويسيئون إلى الله، سوف يُنزل غضبه عليهم. عندما يتوب الناس حقًا، سيتغير قلب الله، وسيتوقف غضبه. وعندما يستمر الناس في معارضة الله بعناد، سيكون غضبه غير متوقف؛ وسيضغط عليهم غضبه شيئًا فشيئًا حتى يتم هلاكهم. هذا هو جوهر شخصية الله. بغض النظر عما إذا كان الله يعبر عن الغضب أو الرحمة والمحبة، فإن سلوك الإنسان واتجاهه وموقفه تجاه الله في أعماق قلبه يملي ما يعبر عنه من خلال الإعلان عن شخصية الله. إن أخضع الله شخصًا لغضبه باستمرار، فلا ريب في أن قلب هذا الشخص يعارض الله. ولأنه لم يتب بصدق أبدًا، أو لم يركع أمام الله أو لم يكن يمتلك إيمانًا حقيقيًا بالله، فإنه لم يحصل قط على رحمة الله وتسامحه. أما إن كان المرء كثيرًا ما يحصل على رعاية الله، وغالبًا ما يحصل على رحمته وتسامحه، فإن هذا الشخص، بدون شك، لديه إيمان حقيقي بالله في قلبه، ولا يعارض قلبه الله. إنه كثيرًا ما يتوب أمام الله؛ لذلك، حتى لو كان تأديب الله كثيرًا ما ينزل على هذا الشخص، فإن غضبه لن ينزل عليه.
يتيح هذا الوصف الموجز للناس رؤية قلب الله، لكي يروا حقيقة جوهره، لرؤية أن غضب الله وتغير قلبه ليسا بدون سبب. وعلى الرغم من التباين الصارخ الذي أظهره الله عندما كان غاضبًا وعندما غيَّر قلبه، مما يجعل الناس يعتقدون أن هناك فجوة كبرى أو تباينًا كبيرًا يبدو قائمًا بين هذين الجانبين من جوهر الله – غضبه وتسامحه – فإن موقف الله نحو توبة أهل نينوى مرة أخرى يسمح للناس برؤية جانب آخر من شخصية الله الحقيقية. إن تغير قلب الله يسمح للإنسانية مرة أخرى برؤية حقيقة رحمة الله وحنانه، وبرؤية الإعلان الحقيقي لجوهر الله. ليس أمام الإنسانية إلا أن تعترف بأن رحمة الله وحنانه ليسا خرافات ولا افتراءات. هذا لأن شعور الله في تلك اللحظة كان صحيحًا، كما كان تغيّر قلب الله صحيحًا؛ لقد أنعم الله حقًا برحمته وتسامحه على الإنسانية مرة أخرى.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 115
(سفر يونان 3) "ثُمَّ صَارَ قَوْلُ يَهْوَه إِلَى يُونَانَ ثَانِيَةً قَائِلًا: "قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَنَادِ لَهَا ٱلْمُنَادَاةَ ٱلَّتِي أَنَا مُكَلِّمُكَ بِهَا". فَقَامَ يُونَانُ وَذَهَبَ إِلَى نِينَوَى بِحَسَبِ قَوْلِ يَهْوَه. أَمَّا نِينَوَى فَكَانَتْ مَدِينَةً عَظِيمَةً للهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. فَٱبْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ ٱلْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: "بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى". فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِٱللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ ٱلْأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلًا: "لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا ٱلْبَقَرُ وَلَا ٱلْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ ٱللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجِعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلَا نَهْلِكَ". فَلَمَّا رَأَى ٱللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ، نَدِمَ ٱللهُ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ.
التوبة الحقيقة في قلوب أهل نينوى تُكسبهم رحمة الله وتغير من خواتيمهم
هل هناك من تعارُض بين تغير قلب الله وغضبه؟ بالطبع لا! وهذا لأنَّ تسامح الله في ذلك الوقت بالأخص كان له سببه. ما هو ذلك السبب يا ترى؟ إنه السبب المذكور في الكتاب المُقدس: "وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ".
لا تُشير "الطريق الرديئة" هذه إلى مقدار ضئيل من الأفعال الشريرة، بل إلى مصدر الشر وراء سلوك الناس. "وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ" تُعني أنَّ أولئك المُتحدَّث عنهم لن يرتكبوا مثل هذه الأفعال مرة أخرى. بمعنى آخر، إنهم لن يسلكوا أبدًا في هذه الطريق الشريرة مرةً أخرى؛ حيث تغير أسلوب أفعالهم ومصدرها وغايتها ومقصدها ومبدأها جميعًا؛ ولن يستخدموا مرةً أخرى مطلقًا تلك الطرائق والأساليب لجلب المُتعة والسعادة لقلوبهم. إنَّ كلمة "يَرْجِعُوا عن" الواردة في نص الآية " وَيَرْجِعُوا ... وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ" تُعني أنْ يُلقوا، أو يُنحّوا جانبًا، وأنْ يتجردوا تمامًا من الماضي، وألَّا يعودوا إليه مرةً أخرى. عندما رجعَ أهل نينوي عن ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، برهنوا ودللوا على توبتهم الحقيقية. فالله يُراقب ظواهر الناس كما يرى دواخل قلوبهم. فعندما رأى الله التوبة الحقيقة في قلوب أهل نينوى دون أي شك، ولاحظ أيضًا أنهم تركوا طرقهم الشريرة ورجعوا عن الظلم الذي في أيديهم، غيّر قلبه. وهذا يَعني أنَّ تصرفات هؤلاء الناس وسلوكياتهم وطرقهم المختلفة في فعل الأشياء، فضلًا عن الاعتراف الحقيقي والتوبة عن الخطايا التي في قلوبهم، نتج عنها أنَّ الله غيّر قلبه، وغَيّر نواياه، ليرجع في قراره ولا يُعاقبهم أو يُبيدهم. وهكذا، حقق شعب نينوى نهايةً مختلفة. لقد فدوا حياة أنفسهم، وفي الوقت ذاته فازوا برحمة الله وصفحه، وفي ذلك الوقت أيضًا تراجع الله عن نقمته.
رحمة الله وتسامحه ليسا نادرين – بل توبة الإنسان الصادقة هي النادرة
بغض النظر عن مدى غضب الله على أهل نينوى، فبمجرد إعلانهم عن الصوم وارتدائهم المُسوح وجلوسهم على الرماد، رقَّ قلبه تدريجيًا، وبدأ يُغيّر قلبه. عندما أعلن لهم أنه سيدمر مدينتهم، في اللحظة التي سبقت اعترافهم وتوبتهم عن خطاياهم، كان الله لا يزال غاضبًا منهم. ولكن عندما مروا بسلسلة من أعمال التوبة، تحول تدريجيًا غضب الله تجاه أهل نينوى إلى رحمةٍ لهم وغفرانٍ لخطاياهم. ليس ثمة تعارض في تزامن الإعلان عن هذين الجانبين من شخصية الله في الحدث نفسه. كيف ينبغي أن يفهم الإنسان ويعرف عدم التعارض هذا؟ عبّر الله وكشف تباعًا عن جوهر هذين القطبين المتضادين حينما تاب أهل نينوى، ليسمح للناس أنْ يروا واقعية جوهر الله وتنزهه عن الإساءة. استخدم الله موقفه هذا ليُخبر الناس بما يلي: ليس الأمر هو أن الله لا يسامح الناس، أو أنه لا يريد أن يُريهم رحمتَه؛ ولكن حقيقة الأمر أنهم نادرًا ما يتجهون بتوبة حقيقية إلى الله، وأنه لمن النادر أنْ يتحول الناس عن طرقهم الشريرة ويهجروا الظُلم الذي في أيديهم. وبعبارة أخرى، عندما يغضب الله من الإنسان، فهو يأمل أن يتمكن الإنسان من التوبة الحقيقية، ويرجو أن يَرى توبة الإنسان الصادقة، وعندها يستمر بسخاء في منح رحمته وتسامحه للإنسان. وهذا يعني أنَّ سلوك الإنسان الشرير يستجلب غضب الله، بينما تُمنح رحمة الله وتسامحه للذين يستمعون إلى الله ويتوبون توبة حقيقية أمامه، ولأولئك الذين يستطيعون الابتعاد عن طرقهم الشريرة والتخلي عن الظُلم الذي في أيديهم. كان موقف الله مُعلنًا بوضوح شديد في تعامله مع أهل نينوى: إنَّ رحمة الله وتسامحه ليسا بالصعوبِة التي تحول دون الحصول عليهما؛ فهو يطلُب من الإنسان أن يتوب توبًة حقيقيًة. وما دام َ الناس يبتعدون عن طرقهم الشريرة ويتخلون عن الظُلم الذي في أيديهم؛ فَسيغيّر الله قلبه ويُغيّر موقفه تجاههم.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 116
شخصية الخالق البارة حقيقية وحيّة
عندما غيّر الله قلبه تجاه أهل نينوى، هل كانت رحمتُه وتسامحه تُعدان واجهة زائفة؟ بالطبع لا! إذًا، ماذا يمكنك أن ترى في التحول بين هذين الجانبين في شخصية الله أثناء الأمر نفسه؟ إنَّ شخصية الله هي كلٌّ كاملٌ لا يتجزّأ مطلقًا. وبغض النظر عما إذا كان يعبّر عن غضبِه أو رحمته وتسامُحِه تِجاه الناس، فهذه كُلها ما هي إلّا تعبيرات عن شخصيته البارّة، فشخصية الله واقعية وحية، وهو يُغيّر أفكاره ومواقفه تبعًا لتطور الأمور. إنَّ التحول في موقفه تِجاه أهل نينوى يُخبر البشرية بأنه يملك آراءه وأفكاره؛ فهو ليس إنسانًا آليًا، أو تمثالًا حجريًا ولكنه الله الحيُّ بذاته. باستطاعته أنْ يكون غاضبًا من شعب نينوى، كما أنه يستطيع أنْ يَغفر لهم ماضيهم تبعًا لمواقفهم، ويمكنه أن يقرر جلب البلاء على أهل نينوى، كما يمكنه أيضًا أنْ يُغيرَ قراره نتيجةً لتوبتهم. يحب الناس تطبيق القواعد بجمود، واستخدام مثل هذه القواعد لتحديد الله وتعريفه، تمامًا كما يحبون استخدام صيغٍ سعيًا منهم لفهم شخصية الله. ولذلك، ووفقًا لعَالَم الفكر الإنساني، فإن الله لا يُفكر، وليس لديه أي أفكار جوهرية. والواقع أنَّ أفكار الله تتغير باستمرار وفقًا للتغيرات في الأشياء وفي البيئات، وفي الوقت الذي تتغير فيه هذه الأفكار، تتكشف جوانب مُختلفة في جوهر الله. وأثناء عملية التغير هذه، وفي اللحظة التي يُغير فيها الله قلبه، يُعلن للبشرية حقيقة وجود حياته، ويعلن أن شخصيته البارة حقيقية وحيّة. علاوًة على ذلك، يستخدم الله إعلاناته الحقيقية ليُثبت للبشرية حقيقة وجود نقمته ورحمته وحنانه وتسامحه. سيستعلن جوهره في أي وقت وفي أي مكان وفقًا لتطورات الأشياء؛ فهو يَملُك غضب الأسد ورحمة الأم وتسامحها. ولا يُسمَح لأي شخص بالتشكيك في شخصيته البارة أو انتهاكها أو تغييرها أو تشويهها. من بين جميع الأمور وجميع الأشياء، يمكن أن تستعلن شخصية الله البارة، أي غضب الله ورحمته، في أي وقتٍ وفي أي مكانٍ. وهو يُعبر بشكل حي عن هذه الجوانب في كل زاوية وركن في الطبيعة وينفذها بشكلٍ جليَّ في كل لحظة. شخصية الله البارة غير محدودة لا بالزمان ولا بالمكان، أو بمعنى آخر، إنَّ شخصية الله لا يُعبر عنها بطريقة آلية أو يُكشف عنها حسب ما تُمليه حدود الزمان أو المكان. بالأحرى، إنَّ شخصية الله البارة يُعَبَّرُ ويعلن عنها بحرية في أي زمان وأي مكان. عندما ترى الله يغيّر قلبه ويوقف التعبير عن غضبه، ويكف عن تدمير مدينة نينوى، هل يمكنك القول إنَّ الله رحيم ومُحب فقط؟ هل يمكنك القول إنَّ غضب الله يتكون من كلام فارغ؟ عندما يُعبّر الله عن غضبه الشديد ويتراجع عن رحمته، هل تستطيع أن تقول إنه لا يشعُر بحب حقيقي تِجاه البشرية؟ يُعبر الله عن غضبه الشديد ردًا على أفعال الناس الشريرة، وغضبه هذا لا يكون مَعيبًا. يتأثر قلب الله بتوبة الناس؛ وهذه التوبة هي التي تغير قلبه. إن تأثره وتغير قلبه، فضلًا عن رحمته وتسامحه تجاه الإنسان، كُلها تامة دون أي نقصٍ؛ فهي طاهرة ونقية وخالصة لا تشوبها شائبة. إنَّ تسامح الله هو تسامح محض، ورحمته هي رحمة محضة. وستُعلن شخصيته غضبه، فضلًا عن رحمته وتسامحه، وفقًا لتوبة الإنسان وسلوكياته المُختلفة. وبغض النظر عما يُعلنه الله ويُعبر عنه، فهذه جميعُها مستقيمة، وجوهرها متميز عن جوهر أي شيء في الخليقة. إنَّ مبادئ الأفعال التي يُعبر عنها الله، وأفكاره وآرائه، أو أي قرار محدد، فضلًا عن أي إجراء خاص، هي خالية من أي عيوب أو الشوائب. فكما يقرر الله ويتصرف، كذلك يُكَمل تعهداته. وهذه الأنواع من النتائج دقيقة وبلا عيب بسبب أنَّ مصدرها بلا عيب، ولا تشوبه شائبة. إن غضب الله بلا عيب، وكذلك رحمة الله وتسامحه، اللذان لا تمتلكهما أي خليقة، ويتصفان بالقدسية والكمال، ويمكنهما الوقوف في وجه المناقشة والاختبار.
بعد فهمنا لقصة نينوى، هل ترون الجانب الآخر لجوهر شخصية الله البارة؟ هل ترون الجانب الآخر من شخصية الله البارة الفريدة؟ هل يمتلك أي شخص من البشر هذا النوع من الشخصية؟ هل يَملُك أي أحد هذا النوع من الغضب مثل الله؟ هل يمتلك أي أحد رحمة وتسامحًا مثل الله؟ مَنْ مِن بين الخليقة يستطيع أن يستجمع قوة نقمته الشديدة ويُقرر أنْ يُدمر أو يجلب كارثة على البشرية؟ ومَنْ هو مؤهل كي يمنح الرحمة، والمسامحة والعفو للإنسان؛ وبذلك يغير قراره تدمير الإنسان؟ يُعبر الخالق عن شخصيته البارة من خلال طرائقه ومبادئه الفريدة؛ فهو لا يخضع لسيطرة أو قيود أي شعب، أو أحداث، أو أشياء. وبشخصيته الفريدة، لا يقدر أحد أنْ يُغير من أفكاره أو خُططه، ولا يقدر أحد أنْ يُقنعه أن يُغير أيًا من قراراته. يتواجد كامل سلوك وأفكار الخليقة تحت دينونة شخصية الله البارة. لا أحد يستطيع أنْ يتحكم فيما إذا كان يمارس الغضب أو الرحمة؛ إن جوهر الخالق وحده، أو بتعبير آخر، شخصية الخالق البارة، قادرة على تقرير ذلك. هذه هي الطبيعة الفريدة لشخصية الخالق البارة!
فبمجرد أنْ نُحلل ونفهم تحول موقف الله تِجاه أهل نينوى، هل تقدرون أن تستخدموا كلمة "فريد" لوصف الرحمة الموجودة داخل شخصية الله البارة؟ قلنا قبلًا إن غضب الله هو جانب من جوهر شخصيته البارة الفريدة. يتعين عليّ الآن أن أعرّف جانبين، غضب الله ورحمة الله، على أنهما شخصيته البارة. شخصية الله البارة مُقدسة، وهي منزهة عن الإساءة أو الشكوك. فهي شيء لا يمتلكه أحد من الكائنات المخلوقة وغير المخلوقة. إنها فريدة وحصرية لله وحده. وهذا معناه أنَّ غضب الله مُقدس، وغير قابل للإساءة، وبالطريقة نفسها، يعتبر الجانب الآخر من شخصية الله البارة – رحمة الله – مُقدسًا ولا يمكن الإساءة إليه. لا يمكن لأحد ما من الكائنات المخلوقة أو غير المخلوقة أن يحل محل الله أو يُمثله في أفعاله، كما لا يمكن لأحد أن يحل محله أو يمثله في دمار سدوم أو في خلاص نينوى. وهذا هو التعبير الحقيقي عن شخصية الله الفريدة والبارة.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 117
مشاعر الخالق الصادقة نحو البشرية
كثيرًا ما يقول الناس إنه ليس سهلًا أن تعرف الله. لكنني أقول إن معرفة الله ليست أمرًا صعبًا على الإطلاق؛ لأنّهَ كثيرًا ما يسمح الله للإنسان أنْ يشهد أفعاله. فالله لم يوقف أبدًا حواره مع البشرية، لم يحجب نفسه عن الإنسان، ولم يخف ذاته. فقد أُعلنت للبشرية جميع أفكاره وآرائه وكلماته وأفعاله. ولذلك، ما دام الإنسان يرغب في معرفة الله، يُمكنه أن يسعى ليفهم الله ويعرفه من خلال جميع أنواع وسائله وطرائقه. إنَّ السبب وراء الاعتقاد الأعمى لدى الإنسان أن الله يتجنبه عن قصد، وأنَّ الله يخفي نفسه عمدًا عن البشرية، وأنَّ الله ليس لديه نية أن يسمح للإنسان أن يفهمه ويعرفه، هو أنه لا يعرف ماهية الله، ولا يرغب أن يفهم الله؛ بل وأكثر من ذلك، فهو لا يهتم بأفكار الخالق أو كلماته أو أفعاله... وصدقًا، إذا استخدم المرء وقته الضائع في التركيز على كلمات الخالق وأفعاله وفهمها، وأعطى القليل من انتباهه لأفكار الخالق ولسماع صوت قلبه، فلن يكون صعبًا عليه أن يدرك أن أفكار الخالق وكلماته وأفعاله ظاهرة وجلية. كذلك سيتطلب الأمر القليل من الجهد لإدراك أنَّ الخالق هو بين البشر في جميع الأوقات، وهو دائمًا في حديث مع الإنسان والخليقة كُلها، كما أنه يؤدي أعمالًا جديدة في كل يوم، ويعبر عن جوهره وشخصيته في حواره مع الإنسان، وتُعلَن أفكاره وآراءه بالكامل في أعماله. إنه يرافق ويلاحظ البشرية في كل وقت. فهو يتحدث بهدوء إلى الإنسان وكل الخليقة بكلماته الصامتة: أنا في السماوات، وأنا بين خليقتي. أنا أراقبهم؛ أنا أنتظرهم، أنا إلى جانبك... يداه دافئتان وقويتان، خطوات أقدامه رشيقة، صوته رقيق ولطيف، هيئته تسير وتتحول، يحتضن جميع البشر، طلعته بهية وجميلة. لم يغادرهم قط، ولم يختف عنهم. وهو رفيق دائم للبشرية في الليل والنهار؛ فلا يغادر جانبهم. عنايته المُكرسة ومودته الخاصة للبشرية، فضلًا عن اهتمامه الحقيقي ومحبته للإنسان، تكشفت شيئًا فشيئًا عندما خلّص مدينة نينوى. وبالأخص، فإن الحوار بين يهوه الله ويونان كشف عن شفقة الخالق على البشرية التي خلقها بنفسه. من خلال هذه الكلمات، يمكنك أنْ تحصل على فهم عميق لمشاعر الله الصادقة تِجاه الإنسانية...
ما يلي وارد في سفر يونان الإصحاح الرابع الآية 10-11: "فَقَالَ يَهْوَه: "أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى ٱلْيَقْطِينَةِ ٱلَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلَا رَبَّيْتَهَا، ٱلَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. أَفَلَا أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟". هذه هي الكلمات الفعلية ليهوه، محادثة بينه وبين يونان. وبينما كان هذا الحوار موجزًا، إلَّا إنه يفيض برعاية الخالق للإنسان وإحجامه عن التخلي عنه. تعبر هذه الكلمات عن الموقف الحقيقي لله والمشاعر التي يحملها الله في داخل قلبه تِجاه خليقته، وبهذه الكلمات الواضحة والمُحددة، والتي نادرًا ما يسمع نظيرها الإنسان، يعلن الله عن مقاصده الحقيقية للبشرية. ويُمثل هذا الحديث الموقف الذي اتخذه الله تِجاه أهل نينوى. ولكن ما نوع هذا الموقف؟ إنه الموقف الذي اتخذه نحو شعب نينوى قبل توبتهم وبعدها. يُعامل الله الإنسانية بالطريقة نفسها، وبداخل هذه الكلمات يمكن للمرء أنْ يجد أفكار الله، فضلًا عن شخصيته.
ما هي أفكار الله التي أُعلنت في هذه الكلمات؟ تكشف القراءة المتأنية على الفور أنه استخدم كلمة "الشفقة"، ويُظهر استخدام هذه الكلمة موقف الله الحقيقي تِجاه البشرية.
على مستوى المعنى الحرفي، يُمكن للناس تفسير كلمة "الشفقة" بطرقٍ مختلفةٍ: أولًا، أن تحب وتحمي، وأن تَشعُر بالحنو تِجاه شيء ما، ثانيًا، أن تُحب كثيرًا، وأخيرًا، أن تكون غير راغب في إيذائه وفي الوقت نفسه غير قادر على أن تتحمل فعل ذلك. باختصار، ينطوي هذا على الحب والمودة العطوفة، فضلًا عن عدم الرغبة في التخلي عن شخص ما أو شيء ما، وهذا يعني رحمة الله وتسامحه تِجاه الإنسان. وبالرغم من استخدام الله لكلمة شائعة الاستخدام بين الناس، فإن استخدام هذه الكلمة كشف عن صوت قلب الله وموقفه تجاه البشرية.
على الرغم من أن مدينة نينوى كانت تعج بأُناس فاسدين وأشرار وظالمين مثل أهل سدوم، جعلت توبتهم الله يُغير قلبه ويُقرر عدم إهلاكهم. وبالنظر إلى أن استجابتهم لكلمات الله وتعليماته أظهرت موقفًا مباينًا بشكلٍ صارخ لموقف أهل سدوم، وبسبب خضوعهم الصادق لله وتوبتهم الصادقة عن خطاياهم، فضلًا عن سلوكهم الحقيقي والمخلص من كل ناحية، أظهر الله مرةً أخرى شفقته الصادقة ومنحهم إياها. إنَّ مكافأة الله للإنسان وشفقته عليه من المستحيل لأي شخص أنْ يستنسخها؛ فلا أحد باستطاعته أن يملك رحمة الله أو تسامحه، ولا مشاعره الصادقة نحو الإنسانية. هل يوجد شخص تعدّه عظيمًا، رجلًا كان أم امرأة أو حتى رجلًا خارقًا، يتحدث من مستوى أعلى أو نقطة أعلى بصفته رجلًا عظيمًا أو امرأةً عظيمةً، ويُقدم هذا النوع من البيان للجنس البشري أو للخليقة؟ من يستطيع من بين البشر أنْ يعرف الظروف المعيشية للبشر كما يعرف راحة كفّه؟ من يقدر أن يتحمل عبء ومسؤولية الوجود الإنساني؟ من هو مؤهل للإعلان عن تدمير مدينة؟ ومن هو مؤهل لأن يعفو عن مدينة؟ من يستطيع أن يقول إنهم خليقته المحبوبة؟ وحده الخالق! الخالق هو وحده الذي لديه شفقة تجاه هذا الجنس البشري. الخالق وحده هو الذي يُظهر هذا الحنان والعطف تجاه الجنس البشري. الخالق وحده هو الذي يحمل حبًا حقيقيًا لا ينفصم نحو هذا الجنس البشري. كذلك فإن الخالق وحده هو الذي يستطيع أن يمنح رحمتَه للجنس البشري ويرعى بحنان جميع خليقته. يقفز قلبه ويتوجع أمام كل فعل من أفعال الإنسان: فهو يغضب ويغتمّ ويحزن على شر الإنسان وفساده، كما أنه يُسر ويفرح ويغفر ويبتهج بتوبة الإنسان وإيمانه، وكل فكرة من أفكاره وآرائه إنَّما تُوجَدُ من أجل البشريَّة وتتمحور حولها. يُعبّر تعبيرًا كاملاً عمّا لدى الله ومَنْ هو من أجل البشريّة. عواطفه بأكملها متشابكة مع الوجود البشري. كذلك يتحرك ويندفع من أجل البشرية، ويُعطي بصمت كل جزء من حياته، ويُكرس كل دقيقة وكل ثانية من حياته... لم يعرف أبدًا كيف يشفق على نفسه، ومع ذلك دومًا ما يشفق ويعتز بالإنسانية التي خلقها بنفسه... إنه يُعطي البشرية كل ما لديه... يضمن لها رحمته وتسامحه غير المشروطين ودون توقع أي تعويض. يفعل هذا فقط كي تستمر البشرية باقية أمام عينيه، وتتلقى رزقه للحياة، يفعل هذا فقط حتى تقف البشرية يومًا ما بين يديه وتعرف أنه الواحد الذي يُغذّي الوجود الإنساني ويُشبِع حياة جميع المخلوقات.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 118
(سفر يونان 4) "فَغَمَّ ذَلِكَ يُونَانَ غَمًّا شَدِيدًا، فَٱغْتَاظَ. وَصَلَّى إِلَى يَهْوَه وَقَالَ: "آهِ يا يَهْوَه، أَلَيْسَ هَذَا كَلَامِي إِذْ كُنْتُ بَعْدُ فِي أَرْضِي؟ لِذَلِكَ بَادَرْتُ إِلَى ٱلْهَرَبِ إِلَى تَرْشِيشَ، لِأَنِّي عَلِمْتُ أَنَّكَ إِلَهٌ رَؤُوفٌ وَرَحِيمٌ بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ وَنَادِمٌ عَلَى ٱلشَّرِّ. فَٱلْآنَ يا يَهْوَه، خُذْ نَفْسِي مِنِّي، لِأَنَّ مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي". فَقَالَ يَهْوَه: "هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ؟" وَخَرَجَ يُونَانُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ وَجَلَسَ شَرْقِيَّ ٱلْمَدِينَةِ، وَصَنَعَ لِنَفْسِهِ هُنَاكَ مَظَلَّةً وَجَلَسَ تَحْتَهَا فِي ٱلظِّلِّ، حَتَّى يَرَى مَاذَا يَحْدُثُ فِي ٱلْمَدِينَةِ. فَأَعَدَّ يَهْوَه الله يَقْطِينَةً فَٱرْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلًّا عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ ٱلْيَقْطِينَةِ فَرَحًا عَظِيمًا. ثُمَّ أَعَدَّ يَهْوَه ٱللهُ دُودَةً عِنْدَ طُلُوعِ ٱلْفَجْرِ في ٱلْغَدِ، فَضَرَبَتِ ٱلْيَقْطِينَةَ فَيَبِسَتْ. وَحَدَثَ عِنْدَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ أَنَّ ٱللهَ أَعَدَّ رِيحًا شَرْقِيَّةً حَارَّةً، فَضَرَبَتِ ٱلشَّمْسُ عَلَى رَأْسِ يُونَانَ فَذَبُلَ. فَطَلَبَ لِنَفْسِهِ ٱلْمَوْتَ، وَقَالَ: "مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي". فَقَالَ ٱللهُ لِيُونَانَ: "هَلِ ٱغْتَظْتَ بِٱلصَّوَابِ مِنْ أَجْلِ ٱلْيَقْطِينَةِ؟" فَقَالَ: "ٱغْتَظْتُ بِٱلصَّوَابِ حَتَّى ٱلْمَوْتِ". فَقَالَ يَهْوَه: "أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى ٱلْيَقْطِينَةِ ٱلَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلَا رَبَّيْتَهَا، ٱلَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. أَفَلَا أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟".
الخالق يُعبر عن مشاعره الحقيقية تجاه الإنسانية
هذه المحادثة بين يهوه الله ويونان هي بلا شك تعبير عن مشاعر الخالق الحقيقية للبشرية؛ فهي من ناحية، تُعْلم الناس بفهم الخالق لجميع الخليقة تحت قيادته، كما قال يهوه الله: "أَفَلَا أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ ٱثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟". وبعبارة أخرى، كان فهم الله لنينوى فهمًا بعيدًا عن الفهم الظاهري السطحي. فهو لم يكن يعلم عدد الكائنات الحية داخل المدينة (بما فيها الناس والماشية). فحسب، بل كان يعلم أيضًا عدد الناس الذين لا يمكنهم التمييز بين أيديهم اليمنى وأيديهم اليُسرى، أيْ كم عدد الأطفال والشباب الموجودين. وما هذا إلَّا دليل ملموس على فهم الله العظيم للجنس البشري. ومن ناحية أخرى، تُعلم هذه المحادثة الناس عن موقف الخالق تجاه الإنسانية؛ وهذا يعني وزن الإنسانية ومكانتها في قلب الخالق؛ كما قال بالضبط يهوه الله ليونان: "أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى ٱلْيَقْطِينَةِ ٱلَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلَا رَبَّيْتَهَا، ٱلَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. أَفَلَا أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ؟" وكانت هذه هي كلمات يهوه الله التي لام فيها يونان؛ ولكنها كانت كُلها صحيحة.
على الرُغم من أنَّ يونان قد أُوكل إليه إعلان كلمات يهوه الله إلى أهل نينوى، فإنه لم يفهم مقاصد يهوه الله، ولا فَهِمَ همومه وتوقعاته من أجل شعب تلك المدينة؛ وقد قصد الله من هذا التأنيب أنْ يُخبره أن الإنسانية كانت هي نتاج عمل يديه، وأنَّ الله بذل جهدًا مضنيًا من أجل كل شخص؛ فكل الأشخاص يحملون معهم آمال الله، وكل شخص يتمتع بإمداد الحياة له من الله، وقد دفع الله لكل شخص تكلفةً باهظة. أخبر يونان بهذا التوبيخ أيضًا بأنَّ الله يعتني بالبشرية، التي هي نتاج عمل يديه، كما اعتنى يونان نفسه باليقطينة. لم يكن الله بأي حال من الأحول ليتخلى عنهم قبل آخر لحظة ممكنة، وعلاوة على ذلك، كان هناك الكثير من الأطفال والبهائم البريئة داخل المدينة. فعندما تتعامل مع هذه المنتجات الصغيرة والجاهلة من خليقة الله، التي لا تستطيع حتى أن تميز بين أياديها اليمنى واليسرى، كان الله غير قادر على إنهاء حياتهم وتحديد نهاياتهم بهذه الطريقة المتهورة. كان الله يأمل في أن يراهم ينمون، كما كان يرجو ألَّا يسلكوا في السبل نفسها التي سار فيها آباؤهم من قبلهم، وأنهم لن يضطروا إلى سماع تحذير يهوه الله مرة أخرى، وهكذا فإنهم يقدمون الشهادة عن ماضي نينوى. أضف إلى ذلك أن الله كان يأمل أنْ يرى نينوى بعد توبتها، ليرى مستقبلها الذي يتبع توبتها، والأهم من ذلك، أنْ تُرى نينوى تعيش تحت رحمة الله مرة أخرى. ومن ثَم، ففي نظر الله، كان هؤلاء العناصر من الخليقة الذين لا يستطيعون تمييز أياديهم اليمنى من اليسرى هم مستقبل نينوى. كانوا سيحملون ماضي نينوى المهين، بالضبط كما سيحملون الواجب الهام في تقديم الشهادة عن ماضي نينوى ومستقبلها بإرشاد يهوه الله. في هذا الإعلان لمشاعره الحقيقية، قدم يهوه الله رحمة الخالق للإنسانية بكاملها. لقد أظهر للبشرية أنَّ "رحمة الخالق" ليست عبارة فارغة، وليست وعدًا أجوف؛ بل إنها تحمل مبادئ وأساليب وأهداف ملموسة. إنه صادق وحقيقي، ولا يستخدم البُهتان أو التخفي، وبنفس هذه الطريقة مُنحت رحمته اللانهائية للبشرية في كل زمان وفي كل عصر. غير أنه حتى يومنا هذا، يعتبر الحديث المتبادل بين الخالق ويونان هو بيان الله الأوحد والحصري الشفهي حول سبب إظهار الله رحمته للبشرية، وكيف أظهر هذه الرحمة للبشرية، وكم كان متسامحًا تجاه البشرية، وكم كان مقدار مشاعره الحقيقية للبشرية. عبرت المحادثة الموجزة ليهوه الله عن أفكاره الكاملة من أجل البشرية، وهي تعبير حقيقي عما بقلبه تِجاه الإنسانية، كما أنها أيضًا دليل مادي على إغداق رحمته الوفيرة على الإنسانية. لم تُمنح رحمته للأجيال السابقة في الإنسانية فحسب، بل منحت أيضًا إلى الأعضاء الجدد في الإنسانية، تمامًا كما كانت دومًا، من جيٍل إلى جيل. وبالرغم من أنَّ غضب الله كثيرًا ما يأتي على الأماكن المحددة وفي عصور محددة للبشرية؛ فإن رحمة الله لم تتوقف أبدًا! برحمته، يرشد ويوجه جيلاً بعد جيل من خليقته، ويمدهم ويغذيهم أيضاً جيلاً بعد جيل؛ لأن مشاعره الحقيقية تِجاه الإنسانية لن تتغير أبداً، بالضبط مثلما قال يهوه الله ليونان: "أَفَلَا أَشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى...؟" فهو دائمًا يعتني بخليقته. وهذه هي رحمة شخصية الخالق البارة، وهي أيضًا التفرد الخالص للخالق!
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"
كلمات الله اليومية اقتباس 119
خمسة أنواع من الناس
سأصنف أتباع الله إلى عدة فئات وفقًا لفهمهم لله، ولفهمهم وخبرتهم في شخصيته البارة، كي تعرفوا المرحلة التي تنتمون إليها حاليًا، فضلًا عن معرفتكم بقامتكم الحالية. وفيما يتعلق بمعرفتهم بالله وفهمهم لشخصيته البارة، يمكن بصورة عامة تقسيم المراحل المُختلفة والقامات التي يشغلها الناس إلى خمسة أنواع. يقوم هذا الموضوع على أساس معرفة الله الفريد، وشخصيته البارة؛ ولذلك، ففي حين تقرؤون المحتوى التالي، ينبغي عليكم أن تحاولوا بعناية أنْ تعرفوا بالضبط مقدار الفهم والمعرفة التي لديكم فيما يتعلق بتفرد الله وشخصيته البارة، ثُم استخدموا ذلك لتحديد المرحلة التي تنتمون إليها بالفعل، وما حجم قامتكم الفعلية، وأي نوع من الأشخاص أنتم بالفعل تكونون.
النوع الأول: مرحلة "الطفل المُقمط"
ما هو الطفل المُقمط؟ هو رضيع ملفوف في القماط جاء توًا لهذا العالم، مولود جديد. وهذه المرحلة هي عندما يكون الناس فيها في أصغر حالاتهم وأقل نضجهم.
الناس في هذه المرحلة بالأساس لا يملكون أي وعيّ أو إدراك لمسائل الإيمان بالله؛ فهم بهذه المرحلة يكونون متحيرين وجهلاء بكل شيء. قد يكون هؤلاء الناس آمنوا بالله مُنذُ فترة طويلة أو مُنذ فترة ليست بطويلة جدًا مطلقاً، ولكن حالتهم المتحيرة والجاهلة وقامتهم الفعلية تضعهم ضمن مرحلة طفل في القماط. إنَّ التعريف الدقيق لشروط "مرحلة الطفل في الملابس المُقمطة" تكون على النحو التالي: بغض النظر عن طول المُدة التي آمن فيها هذا النوع من الناس بالله، سيبقون دومًا مشوشين جدًا، مرتبكين وذوي عقول بسيطة، ولا يعرف أحدهم لماذا هو مؤمن بالله، ولا يعلم ماهية الله، أو من هو الله. وبالرُغم من أنه يتبع الله، فإنه لا يوجد في قلبه تعريف محدد لله، ولا يستطع أن يُحدد ما إذا كان الذي يتبعه هو الله، ناهيكَ عما إذا كان ينبغي عليه أنْ يؤمن حقًا بالله ويتبعه. هذه هي الشروط الحقيقية لهذه الفئة من الأشخاص. وأفكار هؤلاء الناس ضبابية، ومصوغة ببساطة، لذا يُعد إيمانهم هذا أحد أسباب ارتباكهم. ودومًا ما يوجدون في حالةٍ من الحيرة والظلام، والبلبلة، والارتباك، وضحالة التفكير؛ وهذه كُلها هي تلخيص لحالتهم؛ فهم لم يروا الله أبدًا ، ولا شعروا بوجوده، ولهذا، فإن التحدث معهم حول معرفة الله تكون فائدته مثل جعلك إياهم يقرؤون كتاباً مكتوباً باللغة الهيروغليفية؛ إذ لن يفهموه أو يقبلوه. فبالنسبة إليهم، تعد معرفة الله أشبه بسماع قصة خيالية. ففي حين أنْ أفكارهم ضبابية، إلَّا إنهم في الحقيقة يؤمنون إيمانًا راسخًا أنَّ معرفة الله هي مضيعة كاملة للوقت والجهد. هذا هو النوع الأول من هؤلاء الأشخاص: طفل في قماط.
النوع الثاني: مرحلة "الطفل الرضيع"
مقارنًة بمرحلة الطفل في الملابس المُقمطة، حقق هذا النوع من الأشخاص بعض التقدم؛ ولكن للأسف، ما زالوا لا يفهمون ماهية الله. هم ما زالوا مفتقرين إلى فهم واضح ورؤية صحيحة لله، وليس لديهم وضوح جيد حول ضرورة الإيمان بالله، ولكن لديهم في قلوبهم هدفهم الخاص وأفكارهم الواضحة، ولا يشغلون أنفسهم بما إذا كان من الصحيح أن يؤمنوا بالله. إن الهدف والغرض الذين يسعون إليه من خلال الإيمان بالله هو أن يسعدوا بنعمته، وأن يحصلوا على الفرح والسلام، ليعيشوا عيشة مريحة، وأن يحصلوا على رعاية الله وحمايته، وأنْ يعيشوا في ظل بركات الله. إنهم لا يهتمون بالدرجة التي يعرفون بها الله؛ ليس لديهم أي حافز لأن يسعوا لفهم الله، ولا يهتمون بما يفعله الله أو ما يرغب في عمله. إنهم يسعون فقط وبشكلٍ أعمى للاستمتاع بنعمته، والحصول على المزيد من بركاته، فهم يسعون إلى أخذ مئة ضعف في العصر الحالي، والحياة الأبدية في الدهر الآتي. إنَّ أفكارهم وما ينفقونه، وتكريسهم، فضلًا عن معاناتهم، كلها تشترك في الهدف نفسه؛ وهو الحصول على نعمة الله وبركاته. ليس لديهم اهتمام بأي شيء آخر. هذا النوع من الأشخاص لا يوقن إلا بأن الله قادر على حفظهم وإسباغ نعمته عليهم. قد يقول قائل إنهم غير مهتمين وليست لديهم رؤية واضحة جداً حول سبب رغبة الله في أن يخلّص الإنسان، أو بشأن النتيجة التي يرغب الله في أن تحدث بكلماته وعمله. لم يبذلوا على الإطلاق أي مجهود ليعرفوا جوهر الله وشخصيته البارة، ولا يستطيعون أنْ يستجمعوا اهتمامهم لعمل هذا. إنهم لا يشعرون بمثل هذا الاهتمام تجاه هذه الأشياء، ولا يرغبون في معرفتها. لا يرغبون في أنْ يسألوا عن عمل الله، أو ماذا يطلُب الله من الإنسان، أو عن مشيئة الله أو أي شيء آخر يتعلق بالله؛ ولا يهمهم السؤال عن هذه الأشياء؛ وهذا لأنهم يعتقدون أن هذه الأشياء لا علاقة لها بتمتعهم بنعمة الله، فهُم لا يهتمون إلا بإله يمنحهم النعمة، ويرتبط بمصالحهم الشخصية. ليس لديهم أي اهتمام بأي شيء آخر؛ ولذا لا يمكنهم الدخول إلى واقعية الحق، بغض النظر عن عدد السنين التي آمنوا بالله فيها. فمن دون أن يسقيهم أو يطعمهم أي أحد في أغلب الأحيان، من الصعب عليهم الاستمرار في طريق الإيمان بالله. إنْ لم يستطيعوا أن يستمتعوا بفرحهم وسلامهم السابق، أو يتمتعوا بنعمة الله، فإنهم يكونون عُرضة للتراجع بشدة. هذا هو النوع الثاني من الأشخاص: الأشخاص الموجودون في مرحلة "الطفل الرضيع".
النوع الثالث: مرحلة "الطفل الفطيم" – مرحلة الطفل الصغير
تملك هذه الفئة من الناس بعض الوعي الواضح. يدرك هؤلاء الناس أنَّ الاستمتاع بنعمة الله لا يعني أنهم هم أنفسهم يمتلكون خبرةً حقيقيةً؛ فهم يُدركون أنهم إن لم يتعبوا في السعي للفرح والسلام، والسعي من أجل الحصول على النعمة، أو أنهم إن كانوا قادرين على تقديم الشهادة من خلال مشاركتهم خبراتهم في التمتع بنعمة الله، أو من خلال تسبيح الله على البركات التي أنعم عليهم بها، فهذه الأشياء لا تعني أنهم امتلكوا الحياة، أو أنهم امتلكوا واقع الحقيقة. وينطلقون من وعيهم، فيتوقفون عن التعلل بآمالهم الجامحة في ألّا يصحبهم سوى نعمة الله، وبالأحرى، فإنهم – حينما يتمتعون بنعمة الله – يرغبون في الوقت نفسه في أنْ يفعلوا شيئًا من أجل الله، حيث يكونون على استعداد لتأدية واجبهم، وتحمُّل شيء من المشقة والتعب، وأن تكون لهم درجة من التعاون مع الله. لكن نظراً لأن ممارستهم في الإيمان بالله تُعد مغشوشة جدًا، بسبب أنَّ نواياهم الشخصية ورغباتهم التي يخفونها قوية جدًا، ولأنَّ شخصيتهم جامحة متغطرسة بشدة، فمن الصعب عليهم أنْ يُرضوا رغبة الله، أو أن يكونوا أوفياء لله، وبالتالي، لا يستطيعون في الغالب إدراك رغباتهم الفردية، أو أن يفوا بوعودهم لله. إنهم غالبًا ما يجدون أنفسهم في حالاتٍ متناقضة؛ فهم يرغبون بشدة في إرضاء الله إلى أقصى درجة ممكنة، ومع ذلك يستخدمون كل قوتهم لمعارضته. غالبًا ما يقدمون نذوراً لله ولكن سرعان ما ينكثون عهودهم. حتى إنهم في أغلب الأحيان يجدون أنفسهم في حالاتٍ أخرى متعارضة: إنهم يؤمنون بإخلاص ومع ذلك ينكرون الله أو أي شيء يأتي منه؛ فهم يأملون بقلقٍ أن ينيرهم الله، ويقودهم، ويدعمهم ويساعدهم، لكنهم ما زالوا يبحثون عن مخرج لهم. إنهم يتمنون أن يفهموا الله، ويعرفوه، ولكنهم غير راغبين في القرب منه. وبدلًا من ذلك، يتجنبون الله، وقلوبهم مُغلقة تجاهه. وفي الوقت الذي يمتلكون فيه فهمًا وخبرة سطحيّين بالمعنى الحرفي لكلمات الله والحق، ومفهوماً سطحياً عن الله والحق، فهم ما زالوا لا يستطيعون لا شعوريًا أنْ يؤكدوا أو يحددوا ما إذا كان الله هو الحق؛ كما لا يمكنهم أنْ يجزموا ما إذا كان الله بارّاً حقّاً، ولا أن يُحددوا واقعية شخصية الله وجوهره، ناهيكَ عن وجوده الحقيقي. يحتوي إيمانهم بالله على شكوك ومفاهيم مغلوطة، ويحتوي أيضًا على تصورات وتخيُلات. وكما يتمتعون بنعمة الله، فإنهم يختبرون على مضض أو يمارسون بعضاً مما يعتقدون أنه حقائق يمكن تطبيقها عمليًا، وذلك من أجل إثراء معتقدهم، ولكي يعززوا خبرتهم في الإيمان بالله، ويتحققوا من فهمهم للإيمان بالله، ويُرضوا كبرياءهم للسير في درب الحياة الذي صنعوه بأنفسهم، وإنجاز قضية صالحة للجنس البشري. وهم في الوقت نفسه يفعلون هذه الأشياء أيضًا من أجل إشباع رغباتهم الخاصة كي يحصلوا على البركات، ومن أجل أنْ يعملوا على تقديم بركات عظيمة للإنسانية، ولكي يحققوا الطموحات والتطلعات، والرغبة طويلة الأمد في عدم الراحة حتى يكسبوا الله. هؤلاء الناس نادرًا ما يكونون قادرين على تلقي استنارة الله؛ لأن رغبتهم ومقصدهم في الحصول على البركات هي الأهم بالنسبة إليهم. إنهم لا يرغبون ولا يحتملون التخلي عن ذلك. فهم يخشون أنهم بدون الرغبة في الحصول على البركات، ودون الطموح الذي راودهم طويلاً بأنهم لن يستريحوا حتى يحظوا بالله، سيفقدون الدافع للإيمان بالله، ولذلك فهم لا يرغبون في مواجهة الواقع، أو مواجهة كلمات الله أو عمل الله. إنهم لا يرغبون في مواجهة شخصية الله أو جوهره، ناهيكَ عن إثارة موضوع معرفة الله؛ ذلك أنه بمجرد أن يَحِلَّ الله وجوهرُه، وشخصيته البارة، محل تخيلاتهم، ستتطاير أحلامهم كالدخان. إن ما يدعونه الإيمان النقي "واستحقاقاته" المتراكمة خلال سنوات من العمل المضني سيتلاشى ويذهب أدراج الرياح، وستغدو أرضهم التي أخضعوها بالعَرَق والدماءِ على مر السنين على شفا الانهيار. وهذا سيدل على أن سنواتهم العديدة من العمل الشاق والجهد المبذول صارت عقيمة، وأنَّ عليهم أنْ يبدؤوا من جديد مرةً أخرى من لا شيء. وهذا هو الألم الأكثر صعوبة بالنسبة إليهم كي يتحملوه في قلوبهم، وهذه هي النتيجة التي لا يرغبون إطلاقًا في رؤيتها؛ ولذا فهم دائمًا عالقون في هذا النوع من الطريق المسدود، ويرفضون العودة إلى الوراء. هذا هو النوع الثالث لهؤلاء الأشخاص: الشخص الموجود في مرحلة "الطفل الفطيم".
الأنواع الثلاثة من الأشخاص المذكورين أعلاه؛ أو بعبارة أخرى، الأشخاص الموجودون في هذه المراحل الثلاث، لا يمتلكون أي إيمان حقيقي بهوية الله، أو مكانته، أو شخصيته البارة، وليس لديهم أي معرفة واضحة ومحددة أو تأكيد لمثل هذه الأشياء. ولذلك، فمن الصعب جدًا على هذه الأنواع الثلاثة من الناس أن تدخل إلى واقعية الحقيقة، وأيضًا من الصعب بالنسبة إليهم أن يستقبلوا رحمة الله، واستنارته، أو نوره؛ لأن طريقة إيمانهم بالله ومواقفهم الخاطئة تِجاه الله تجعل من المستحيل له أن يؤدي عمله داخل قلوبهم. لقد تجاوزت شكوكهم، ومفاهيمهم الخاطئة، وتخيلاتهم فيما يتعلق بالله إيمانهم ومعرفتهم لله. هذه ثلاثة أنواع من الناس المعرضين لخطر كبير، وهي ثلاث مراحل خطرة جدًا. عندما يتخذ المرء موقف الشك تجاه الله وجوهر الله، وهُويِة الله، ومسألة إذا ما كان الله هو الحق، وواقعية وجوده، ولا يستطيع أن يوقن بهذه الأشياء، فكيف للإنسان أن يتقبل كل شيء يأتي من الله؟ كيف للمرء أن يتقبل حقيقة أنَّ الله هو الحق، وهو الطريق، والحياة؟ كيف للمرء أن يقبل توبيخ الله ودينونته؟ كيف للمرء أنْ يتقبل خلاص الله؟ كيف يُمكن لهذا النوع من الأشخاص أن يحصل على إرشاد الله الحقيقي ودعمه؟ يستطيع أولئك الذين هم في هذه المراحل الثلاث أن يُقاوموا الله أو يدينوه أو يجدفوا عليه أو يخونوه في أي وقت. يمكنهم أنْ يتخلوا عن الطريق الحق ويهجروا الله في أي وقت. يمكن القول بأن الناس في هذه المراحل الثلاثة موجودون في فترة حرجة؛ لأنهم لم يسلكوا المسار الصحيح للإيمان بالله.
النوع الرابع: مرحلة "الطفل الناضج"، أو الطفولة
بعد الفطام – أي بعد الاستمتاع بكمية وفيرة من النعمة، يبدأ الإنسان باستكشاف ما يعنيه الإيمان بالله، ثم يتمنى أن يفهم أسئلة مختلفة؛ مثل لماذا يحيا الإنسان، وكيف ينبغي أن يحيا، ولماذا يصنع الله عمله على الإنسان. عندما تنشأ فيهم هذه الأفكار غير الواضحة ونماذج الفكر المشوشة وتوجد داخلهم، فإنهم يستقبلون الارتواء باستمرار، ويكونون قادرين أيضًا على أداء واجباتهم. لم يعد لديهم شك أثناء هذه الفترة في حقيقة وجود الله، ولديهم فهم دقيق لما يعنيه الإيمان بالله. على هذا الأساس يكون لديهم معرفة متدرجة بالله، ويحصلون بالتدريج على بعض الإجابات عن أفكارهم غير الواضحة ونماذج فكرهم المشوشة حول شخصية الله وجوهره. أما فيما يتعلق بالتغيرات في شخصيتهم، وأيضًا في معرفتهم بالله، يبدأ الناس في هذه المرحلة بالسير في الطريق الصحيح والدخول في مرحلة انتقالية، وفي اقتناء الحياة. إن الدلالات الواضحة على اقتناء الحياة هي الحل التدريجي لمختلف الأسئلة التي تتعلق بمعرفة الله التي يحملها الناس في قلوبهم؛ مثل سوء الفهم، والتصورات، والمفاهيم، والتعريفات المبهمة عن الله؛ فهم لا يؤمنون حقاً ويعرفون حقيقة وجود الله فحسب، بل يتوصلون أيضًا إلى امتلاك تعريف دقيق لله ويملكون المكان الصحيح له في قلوبهم، وهو أن الاتباع الحقيقي لله يحل محل إيمانهم المبهم. وخلال هذه المرحلة، يتعرف الناس تدريجيًا على مفاهيمهم الخاطئة عن الله وممارستهم الخاطئة وطرق الإيمان، ويبدأون في التماس الحقيقة، ويتوقون لاختبار الدينونة والتوبيخ والتأديب من الله اشتياقًا للتغيير في شخصيتهم. فهم يتخلون بالتدريج عن كل أنواع التصورات والخيالات عن الله أثناء هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه يتغيرون ويعدلون معرفتهم غير الصحيحة عن الله ويكتسبون بعض المعرفة الأساسية عن الله. وعلى الرغم من أن قسط المعرفة الذي يمتلكه الناس في هذه المرحلة محدد أو دقيق للغاية، فإنهم يبدؤون على الأقل في التخلي عن تصوراتهم بالتدريج ومعرفتهم الخاطئة وسوء فهمهم لله، ولا يعودون يحفظون ما لديهم من مفاهيم وتصورات عن الله. فهم يبدؤون تعلم كيفية التخلي – التخلي عن الأشياء التي وجدت ضمن مفاهيمهم من المعرفة ومن الشيطان، ويستعدون للخضوع للأشياء الصحيحة والإيجابية، حتى تلك الأشياء التي مصدرها كلمات الله وتنسجم مع الحق. وأيضًا يبدأون السعي لاختبار كلام الله ليتعرفوا على كلامه وينفذوه بشكل شخصي، وليقبلوا كلماته باعتبارها مبادئ لأعمالهم وأساس تغيير شخصيتهم. يقبل الناس خلال هذه الفترة ودون وعي دينونة الله وتوبيخه، ويقبلون بلاوعي أيضاً كلماته باعتبارها حياتهم. وفي الوقت الذي يقبلون فيه من الله دينونته وتوبيخه وكلامه، فإنهم يزدادون وعيًا وقدرة على إدراك أن الله الذي يؤمنون به في قلوبهم موجود حقًا. ويتزايد شعورهم – من خلال كلمات الله، وخبراتهم، وحياتهم – بأن الله يدبر مصير الإنسان، ويقوده، ويسدّ احتياجاته. من خلال ارتباطهم بالله، يؤكدون وجوده تدريجيًا. لذلك، سرعان ما وافقوا لا شعوريًا – دون إدراك منهم لذلك – وآمنوا إيمانًا راسخًا بعمل الله وأقروا بكلماته. فبمجرد أن يقر الناس بكلمات الله وبعمله، ينكرون أنفسهم دوماً، وينكرون تصوراتهم ومعرفتهم وتخيلاتهم، ويبحثون في الوقت نفسه دون توقف عن ماهية الحق وماهية إرادة الله. إن معرفة الناس بالله سطحية تماماً خلال هذه الفترة من النمو؛ فهم غير قادرين حتى على التعمق في هذه المعرفة بشكل واضح باستخدام الكلمات، ولا يستطيعون التوسع فيها بالذات، وليس لديهم سوى فهم متبصر، غير أنه عند المقارنة مع المراحل الثلاث السابقة، فإن حياة الناس غير الناضجة في هذه الفترة قد ارتوت وزُودت بكلمات الله وبدأت تنمو بالفعل؛ فهي مثل بذرة مدفونة في الأرض، وبعد حصولها على الرطوبة والمواد الغذائية، تخترق التربة، ويمثل إنباتها ميلاد حياة جديدة. إن هذا الميلاد للحياة الجديدة يسمح للمرء أن يلمح مؤشرات الحياة. سينمو الناس بهذه الطريقة بالحياة، ولذلك – وبناء على هذه الأسس – يتجهون تدريجيًا نحو الطريق الصحيح للإيمان بالله والتخلي عن مفاهيمهم الخاطئة، نائلين إرشاد الله. ستنمو حتمًا حياة البشر خطوة بخطوة، على أي أساس يقاس هذا النمو؟ إنه يقاس وفقًا لاختبارهم كلمات الله وفهمهم الحقيقي لشخصية الله البارة. وعلى الرغم من أنهم يجدون صعوبة كبيرة في استخدام كلماتهم الخاصة ليصفوا معرفتهم بالله وجوهره بدقة خلال هذه الفترة من النمو، فإن هذه المجموعة من الناس لم تعد مستعدة بشكل ذاتي للسعي إلى السرور من خلال الاستمتاع بنعمة الله، أو السعي نحو الهدف من الإيمان بالله، وهو الحصول على نعمته. بدلًا من ذلك، هم على استعداد للبحث عن العيش بكلمة الله، ليصبحوا موضوع خلاص الله. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يملكون الثقة ومستعدون لقبول دينونة الله وتوبيخه؛ هذه هي علامة الإنسان في مرحلة النمو.
على الرغم من أن الناس في هذه المرحلة يمتلكون بعض المعرفة عن شخصية الله البارة، فإن هذه المعرفة مبهمة للغاية وباهتة. وفي حين أنهم لا يستطيعون تفصيل ذلك بوضوح، فهم يشعرون أنهم قد اكتسبوا شيئًا ما داخليًا، لأنهم حصلوا على قدر من المعرفة والفهم لشخصية الله البارة من خلال توبيخ الله ودينونته، لكنها كلها سطحية إلى حد ما، وما تزال في مرحلة تمهيدية. لدى هذه المجموعة من الناس وجهة نظر ثابتة يتعاملون بها مع نعمة الله. وقد عبرت التغيرات في الأهداف التي يسعون إليها والطريقة التي يتبعونها عن وجهة النظر هذه. لقد رأوا بالفعل – في كلمات الله وعمله، وفي كل أنواع مطالبه من الإنسان وفي إعلاناته للإنسان – أنهم إن كانوا مازالوا لا يبتغون الحقيقة، ومازالوا لا يسعون لدخول الواقع، وإن كانوا لا يسعون لإرضاء الله ومعرفته بينما يختبرون كلماته، فإنهم سيفقدون أهمية الإيمان بالله. إنهم يرون أنه بغض النظر عن مدى تمتعهم بنعمة الله، فإنهم لا يستطيعون تغيير شخصيتهم، أو إرضاء الله، أو معرفة الله، وأنه إذا عاش الناس باستمرار في نعمة الله، فلن يحققوا النمو أبدًا أو الحصول على الحياة أو القدرة على قبول الخلاص. باختصار، إذا لم يكن المرء قادراً حقًا على اختبار كلمات الله، وغير قادر على معرفة الله من خلال كلماته، فسيبقى الإنسان في مرحلة الرضيع إلى الأبد، ولن يقوم بخطوة واحدة أبدًا في نمو حياة الإنسان. إذا ظللت للأبد في مرحلة الطفل الرضيع، ولم تدخل إلى حقيقة كلمة الله، ولم تمتلك كلمة الله كامتلاكك لحياتك، وإن لم يكن لديك إيمان حقيقي ومعرفة بالله، فهل ستكون ثمة إمكانية لأن يكملك الله؟ من أجل هذا، فإن من يدخل إلى حقيقة كلمة الله، وكل من يقبل كلمة الله باعتبارها حياته، وكل من يبدأ تقبل توبيخ الله ودينونته، وكل من تبدأ شخصيته الفاسدة بالتغير، وكل من له قلب يسعى للحق، ولديه رغبة لمعرفة الله ولقبول خلاص الله – هؤلاء هم الذين يملكون حقًا الحياة. هذا هو في الحقيقة النوع الرابع من الأشخاص، الطفل الناضج، الشخص في مرحلة الطفولة.
النوع الخامس: مرحلة "الحياة الناضجة"، أو مرحلة الرشد
بعد اختبار مرحلة المشي في الطفولة، تلك المرحلة المليئة بالانتكاسات المتكررة، تستقر بالفعل حياة الناس، ولا تعود تتوقف خطواتهم في المشي، ولا يستطيع أحد أن يعيق سيرهم. وبالرغم من أن الطريق مازال صعبًا ووعرًا، فإنهم لم يعودوا ضعفاء أو خائفين، ولم يعودوا يتعثرون أو يفقدون اتجاهاتهم. لقد ضربت أساساتهم بجذورها في العمق من خلال الاختبار الحقيقي لكلمة الله. لقد جذب مجد الله وعظمته قلوبهم، وهم يتوقون إلى اتباع خطوات الله، ليعرفوا جوهر الله، وليعرفوا الله كليًا.
يعرف الناس بالفعل وبصورة واضحة بمن يؤمنون، ويعرفون بوضوح لماذا يجب أن يؤمنوا بالله، ومعاني الحياة الخاصة لكل منهم، ويعرفون بوضوح أيضًا أن كل ما يعبر الله عنه هو الحق. كما يدركون في سنوات خبرتهم الطويلة أنه من دون دينونة الله وتوبيخه لن يتمكن الإنسان من إرضاء الله أو معرفته، كما أنه لن يستطيع أن يقف أمام الله. وتكمن في قلوب هؤلاء الناس رغبة قوية في أن يختبرهم الله لكي يروا شخصية الله البارة أثناء اختبارهم، ليصلوا إلى محبة أكثر نقاء، وفي الوقت نفسه ليكونوا أكثر قدرة على فهم الله ومعرفته حقًا. إن هؤلاء الذين ينتمون إلى هذه المرحلة قد ودعوا بالكامل مرحلة الرضيع، وهي مرحلة الاستمتاع بنعمة الله وأكل الخبز والشبع. لم يعودوا يعلقون آمالًا عريضة على أن يسامحهم الله أو أن يُظهر رحمة نحوهم. بل بالأحرى هم واثقون في أنهم سيتلقون التوبيخ والدينونة من الله ويرجون ذلك، حتى يفصلوا أنفسهم عن شخصيتهم الفاسدة وينالوا رضى الله. إن معرفتهم بالله، ومساعيهم أو الأهداف النهائية لمساعيهم: هذه الأشياء جميعها واضحة في قلوبهم. ولذلك، فإن الناس في مرحلة الرشد قد ودعوا تمامًا الإيمان المبهم، إلى المرحلة التي يعتمدون فيها على النعمة من أجل الخلاص، ثم إلى المرحلة غير الناضجة التي لا يمكن أن تصمد أمام التجارب، ثم إلى المرحلة الضبابية ثم مرحلة التحسس، إلى مرحلة عدم إيجاد المسار الذي يسلكه بشكل متكرر، إلى فترة غير مستقرة من التناوب بين الحرارة المفاجئة والرطوبة، إلى المرحلة التي يتبع فيها الإنسان الله وهو مغمض العينين. يتلقى هذا النوع من الأشخاص استنارة الله وضياءه بشكل متكرر، وكثيرًا ما ينخرط في ارتباط وتواصل حقيقي مع الله. يمكن القول إن الناس الذين يعيشون في هذه المرحلة قد أدركوا بالفعل جزءًا من إرادة الله؛ فهم قادرون على إيجاد مبادئ الحق في كل ما يفعلونه، وهم يعرفون كيف يرضون رغبة الله. والأكثر من ذلك، أنهم وجدوا أيضًا الطريق إلى معرفة الله وبدأوا يشهدون بمعرفتهم لله. أثناء عملية النمو التدريجي، يكون لديهم فهم تدريجي ومعرفة بإرادة الله، في خلق البشر، ومشيئة الله في تدبير البشرية، وبالإضافة إلى ذلك، لديهم أيضًا فهم تدريجي ومعرفة لشخصية الله البارة من حيث الجوهر. لن تستطيع المفاهيم أو التصورات البشرية أن تحل محل هذه المعرفة. وفي حين لا يمكن القول بأن المرحلة الخامسة من حياة الشخص ناضجة تمامًا أو وصف هذا الشخص بأنه بار أو كامل، فإنه قد اتخذ بالفعل خطوة نحو النضج في الحياة. لقد أصبح هذا الشخص قادرًا على أن يأتي أمام الله، ويقف وجهًا لوجه مع الله ومع كلمته. ولأن مثل هذا النوع قد اختبر الكثير جدًا من كلمة الله، ومر بعدد لا يحصى من الخبرات، واختبر حالات لا حصر لها من التأديب والدينونة والتوبيخ من الله، فإن خضوعهم لله ليس نسبيًا بل مطلقًا. لقد تحولت معرفتهم بالله من اللاوعي إلى معرفة واضحة ودقيقة، ومن السطح إلى العمق، ومن الباهتة والضبابية، إلى شديدة الدقة والملموسة، وتحولوا من البحث المضني والسعي الشاق والسلبي إلى المعرفة الهينة والشهادة الفعالة. يمكن القول إن الناس في هذه المرحلة قد اقتنوا مصداقية حق كلمة الله، واتخذوا خطوة نحو طريق الكمال مثل بطرس. هذا هو النوع الخامس من الأشخاص الذين يعيشون في حالة من النضج: مرحلة الرشد.
من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"