9. كلمات عن كشف الفرق بين عمل الله وعمل الإنسان

310. يتضمن عمل الله نفسه عمل البشرية جمعاء، وهو يمثِّل أيضًا عمل العصر بأسرِه. بمعنى أن عمل الله الخاص يمثِّل كل ديناميةٍ وتوجهٍ لعمل الروح القدس، في حين أن عمل الرسل يأتي بعد عمل الله الخاص ولا يقود العصر، ولا يمثل اتجاهات عمل الروح القدس في العصر بأسره. إنهم لا يفعلون سوى العمل الذي ينبغي على الإنسان فعله، وهو ما لا علاقة له إطلاقًا بعمل التدبير. إن العمل الذي يقوم الله به بنفسه هو مشروع ضمن عمل التدبير، أما عمل الإنسان فما هو سوى الواجب الذي يؤديه الأشخاص المستخدَمون، ولا علاقة له بعمل التدبير. وعلى الرغم من أن كليهما هو عمل الروح القدس، فإنه بالنظر إلى الاختلافات والتعارضات توجد اختلافات جوهرية وواضحة بين عمل الله الخاص وعمل الإنسان، بالإضافة إلى تنوع حدود العمل الذي يقوم به الروح القدس على أهداف لها هويات مختلفة. هذه هي مبادئ ونطاق عمل الروح القدس.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

311. يبدأ عمل الله المتجسِّد عصرًا جديدًا، وأولئك الذين يستمرّون في عمله هم الأشخاص الذين يستخدمهم. فالعمل الذي يقوم به الإنسان كلّه في نطاق خدمة الله في الجسد، وهذا العمل يعجز عن الخروج عن هذا النطاق. إن لم يأتِ الله المتجسِّد ليقوم بعمله، لا يستطيع الإنسان أن يُنهي العصر القديم، ولا يستطيع أن يعلن عن عصر جديد. العمل الذي يقوم به الإنسان هو فقط داخل نطاق واجبه الممكن بشريًا، ولا يمثِّل عمل الله. الله المتجسِّد وحده بإمكانه أن يأتي ويتمّم العمل الذي ينبغي عليه القيام به، ولا أحد يستطيع القيام بهذا العمل نيابةً عنه. بالطبع ما أتكلَّم عنه يتعلَّق بعمل التجسُّد.

من "أحوج ما تكون إليه البشرية الفاسدة هو خلاص الله المتجسِّد" في "الكلمة يظهر في الجسد"

312. كلمة الله لا يُمكن أن تُقال مثل كلمة الإنسان، وكلمة الإنسان لا يمكن أن تُقال على أنها كلمة الله. الإنسان الذي يستخدمه الله ليس هو الله المُتجسّد، والله المُتجسّد ليس إنسانًا يستخدمه الله؛ أي أن هناك اختلافًا جوهريًّا. ربما بعد قراءتك لهذا الكلام لا تقبله على أنه كلام الله، وترى أنه فقط كلام إنسان حصل على الاستنارة. في هذه الحالة يكون الجهل قد أعماك. كيف يمكن لكلام الله أن يكون مثل كلام إنسان حصل على الاستنارة؟ إن كلام الله المُتجسّد يبدأ عصرًا جديدًا، ويرشد الجنس البشري كله، ويكشف الأسرار، ويُظهر للإنسان طريق العصر الجديد. أمّا الاستنارة التي يحصل عليها الإنسان ليست إلا معرفة أو ممارسة بسيطة، ولا يمكنها إرشاد البشرية جمعاء إلى عصر جديد أو الكشف عن سرِّ الله نفسه. الله في النهاية هو الله، والإنسان مجرَّد إنسان. الله يحمل جوهر الله، والإنسان يحمل جوهر الإنسان. إن رأى الإنسان أن الكلمات التي يقولها الله على أنها استنارة بسيطة من الروح القدس، وأخذ كلمات الرسل والأنبياء على أنها كلمات تحدّث بها الله شخصيًا، فعندها يكون الإنسان مُخطئًا. بغض النظر عن ذلك، لا يجب عليك أبدًا أن تحوّل الصواب خطأً، أو تتحدث عن العالي وكأنه منخفض، أو تتحدث عن العميق كأنه ضحل. وبغض النظر عن ذلك، لا يجب أبدًا أن تدحض ما تعرف أنه حق عمدًا. يجب أن يفكر كل شخص يؤمن بوجود الله في هذه المشكلة من وجهة نظر صحيحة، ويجب أن يقبل عمل الله الجديد وكلماته كمخلوق من الله، وإلا سينبذهم الله.

من تمهيد "الكلمة يظهر في الجسد"

313. العمل الذي يقوم به الشخص الذي يستخدمه الله يهدف إلى التعاون مع عمل المسيح أو الروح القدس. هذا الإنسان الذي أقامه الله بين البشر موجود لقيادة كل المختارين من الله، والله أيضًا يقيمه من أجل أداء أعمال التعاون الإنساني. من خلال شخص مثل هذا قادر على القيام بعمل التعاون الإنساني، يمكن تحقيق المزيد من متطلبات الله تجاه الإنسان والعمل الذي يجب على الروح القدس القيام به بين البشر. يمكن صياغة هذا بطريقة أخرى على هذا النحو: هدف الله من استخدام هذا الإنسان هو أن يتمكن كل أولئك الذين يتبعون الله من أن يفهموا إرادة الله بشكل أفضل، وأن يتمكنوا من تحقيق المزيد من متطلبات الله. ولأن الناس غير قادرين على فهم كلمات الله أو إرادة الله بشكل مباشر، فقد أقام الله شخصًا يستخدمه في تنفيذ مثل هذا العمل. هذا الشخص الذي يستخدمه الله يمكن وصفه أيضًا بكونه وسيلة يوجه بها الله الناس، "كالمترجم" الذي يتواصل بين الله والناس. وهكذا، فإن مثل هذا الإنسان لا يشبه أياً من أولئك الذين يعملون في بيت الله أو رسله. وكما هو الأمر بالنسبة إليهم، يُمكن أن يقال إنه شخص يخدم الله، لكنه يختلف عن العاملين والرسل الآخرين اختلافًا كبيرًا في جوهر عمله وخلفية استخدامه بواسطة الله. من حيث جوهر عمله وخلفية استخدامه، فإن الإنسان الذي يستخدمه الله قد أقامه الله وأعده لعمل الله، وهو يتعاون في عمل الله نفسه. لا يمكن لأي شخص أن يقوم بعمله بدلاً منه؛ هذا تعاون إنساني لا غنى عنه إلى جانب العمل الإلهي. وفي الوقت نفسه، فإن العمل الذي يقوم به عاملون أو رسل آخرون هو مجرد نقل وتنفيذ العديد من جوانب الترتيبات الخاصة بالكنائس خلال كل فترة، أو عمل بعض الإمدادات الحياتية البسيطة من أجل الحفاظ على حياة الكنيسة. لا يتم تعيين هؤلاء العاملين والرسل بواسطة الله، كما لا يمكن تسميتهم بأنهم أولئك الذين يستخدمهم الروح القدس، بل يتم اختيارهم من بين الكنائس، وبعد أن يتم تدريبهم وتكريسهم لفترة من الزمن، يتم الإبقاء على أولئك الذين يصلحون، في حين يتم إرجاع أولئك الذين لا يصلحون إلى حيثما أتوا. ولأن هؤلاء الناس يتم اختيارهم من بين الكنائس، فإن البعض يظهرون على حقيقتهم بعد أن يصبحوا قادة، بل ويفعل بعضهم الكثير من الأشياء السيئة وينتهي الأمر باستبعاده. أما الإنسان الذي يستخدمه الله فهو الشخص الذي أعده الله، ويمتلك مكانة معيّنة، ويتمتع بإنسانية. لقد أعده الروح القدس وكمَّله مُسبقًا، ويوجهه الروح القدس توجيهًا كاملاً، ويقوده الروح القدس ويوجهه لاسيما عندما يتعلق الأمر بعمله – ونتيجة لذلك، لا يوجد انحراف عن الطريق أثناء قيادة المختارين من الله، لأن الله بالتأكيد يتحمل مسؤولية عمله الخاص، ويقوم الله بعمله الخاص في جميع الأزمنة.

من "حول استخدام الله للإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

314. لو، في صيرورته جسدًا، قام الله فقط بعمل اللاهوت دون أن يحصل إضافةً على القليل من الناس الذين هم بحسب قلب الله ليعملوا معه، لما كانت هناك طريقة للإنسان كي يفهم مشيئة الله أو يتواصل معه. يجب أن يستخدم الله أُناسًا عاديين بحسب قلبه لإكمال هذا العمل، وحراسة ورعاية الكنائس، للوصول إلى مستوى يمكن لعمليات الإنسان المعرفية وعقله مجاراته. بمعنى آخر يستخدم الله عددًا من الناس الذين على حسب قلبه "لترجمة" العمل الذي يقوم به داخل لاهوته، لكي يكون مُعلنًا، أي يتحول من اللغة الإلهية إلى لغة بشرية، لكي تستطيع الناس أن تفهمه كله وتستوعبه. لو لم يفعل الله هذا، لما استطاع أحد أن يفهم لغة الله اللاهوتية، لأن الناس الذين على حسب قلبه، هم، في المقام الأول، أقلية صغيرة، وقدرة الإنسان على الاستيعاب ضعيفة. لهذا يختار الله هذه الطريقة فقط حين يعمل في الجسد المتجسد. لو كان هناك فقط العمل اللاهوتي، لما كانت هناك وسيلة تجعل الإنسان يفهم الله أو يتواصل معه، لأن الإنسان لا يفهم لغة الله. الإنسان قادر على فهم هذه اللغة فقط من خلال وساطة الناس الذين هم على حسب قلب الله والذين يوضحون كلماته. مع ذلك، لو كان هناك فقط أولئك الناس الذين يعملون داخل الطبيعة البشرية، لكان العمل حافظ فقط على حياة الإنسان الطبيعية؛ ولما استطاع تغيير شخصيته. ولما أمكن أن تكون هناك نقطة بداية لعمل الله؛ كانت ستبقى نفس الأغاني القديمة، ونفس التفاهات القديمة. فقط من خلال وساطة الله المتجسد، الذي يقول كل ما ينبغي أن يُقال ويفعل كل ما ينبغي أن يُفعل أثناء فترة تجسده، التي بعدها يعمل الناس ويختبرون وفقًا لكلماته، أمكن لشخصية حياتهم أن تصير قادرة على التغير وصاروا قادرين على التماشي مع الأزمنة. إن من يعمل داخل اللاهوت يمثل الله، بينما أولئك الذين يعملون داخل الطبيعة البشرية هم أناس يستخدمهم الله. هذا يعني أن الله المتجسد مختلف جوهريًّا عن الناس الذين يستخدمهم الله. الله المتجسد قادر على القيام بعمل اللاهوت، بينما الناس الذين يستخدمهم الله ليسوا كذلك. في بداية كل عصر، يتحدث روح الله شخصيًّا ليفتتح العصر الجديد ويأتي بالإنسان إلى بداية جديدة. عندما ينتهي من التحدث، فهذا يشير إلى أن عمل الله في إطار اللاهوت قد انتهى. لذلك، يتبع كل الناس قيادة أولئك الذين يستخدمهم الله للدخول في خبرتهم الحياتية. وبنفس الرمزية، هذه أيضًا المرحلة التي يأتي الله فيها بالإنسان إلى عصر جديد ويعطي كل شخص نقطة بداية جديدة. بهذا يُختتم عمل الله في الجسد.

من "الاختلاف الجوهري بين الله المتجسد وبين الأناس الذين يستخدمهم الله" في "الكلمة يظهر في الجسد"

315. حتى الإنسان الذي يستخدمه الروح القدس لا يمكن أن يمثل الله نفسه، ولا يمكن لهذا الإنسان أن يمثل الله فحسب، بل أيضًا عمله لا يمكن أن يمثل الله مباشرة. بمعنى آخر، لا يمكن أن توضع خبرة الإنسان مباشرةً داخل تدبير الله، ولا يمكنها أن تمثل تدبيره. كل العمل الذي يقوم به الله نفسه ينوي القيام به في خطة تدبيره وهو يرتبط بالتدبير العظيم. العمل الذي يقوم به الإنسان يدعم خبرته الفردية؛ فهو يجد طريقًا جديدًا للخبرة غير ذاك الذي سار فيه من هم قبله فيقود إخوته وأخواته تحت إرشاد الروح القدس. ما يقدمه هؤلاء الناس هو خبرتهم الشخصية والكتابات الروحية لأناس روحيين. ومع أن الروح القدس يستخدمهم، إلا أن عمل هؤلاء الناس لا يتعلق بعمل التدبير العظيم في خطة الله الممتدة على مدى ستة آلاف عام. لقد أقامهم الروح القدس فقط في فترات مختلفة لقيادة الناس في تيار الروح القدس إلى أن يتمموا وظيفتهم أو إلى أن تنتهي حياتهم. العمل الذي يقومون به هو فقط إعداد طريق مناسب لله نفسه أو الاستمرار في بند واحد من بنود تدبير الله على الأرض. هؤلاء الناس غير قادرين على القيام بالعمل الأعظم في تدبيره، ولا يمكنهم افتتاح طرق جديدة، فضلًا عن أنهم لا يستطيعون اختتام كل عمل الله من العصر السابق. لذلك فإن العمل الذي يقومون به يمثل فقط كيانًا مخلوقًا يؤدي وظيفته ولا يمثل الله الذي يؤدي خدمته بنفسه. هذا لأن العمل الذي يقومون به مختلف عن العمل الذي يقوم به الله نفسه. لا يمكن أن يحل إنسان محل الله ويتمم عمل القيادة لعصر جديد، فهذا عمل لا يمكن إلا لله القيام به بنفسه. كل العمل الذي يقوم به الإنسان هو أداء لواجبه كواحد من الخليقة، وهو يقوم به عندما ينيره الروح القدس أو يحركه. الإرشاد الذي يقدمه مثل هذا الإنسان هو عن كيفية الممارسة في الحياة اليومية الإنسانية وكيف ينبغي التصرف وفقًا لمشيئة الله. لا يتضمن عمل الإنسان تدبير الله ولا يمثل عمل الروح. على سبيل المثال كان عمل كل من ويتنيس لي ووتشمان ني قيادة الطريق. سواء كان الطريق جديدًا أم قديمًا، فقد تأسَّس على مبدأ البقاء ضمن إطار الكتاب المقدس. سواء تمت استعادة الكنائس المحلية أو تم بناؤها، فإن عملهما يتعلق بتأسيس كنائس. العمل الذي قاما به هو استمرارية للعمل الذي لم ينهِه يسوع وتلاميذه في عصر النعمة. ما فعلاه في عملهما هو استعادة ما طلبه يسوع في عمله في الأجيال التي جاءت بعده، مثل تغطية الرأس أو المعمودية أو كسر الخبز أو شرب الخمر. يمكن أن يُقال إن عملهما فقط كان الالتزام بالكتاب المقدس والسعي وراء الطرق الموجودة فقط داخله. لم يقوما بأي تقدم جديد على الإطلاق. ... بما أن عمل الناس الذين استخدمهم الروح القدس يختلف عن العمل الذي يقوم به الله نفسه، فإن هوياتهم ومن يعملون نيابةً عنه مختلفة أيضًا. هذا لأن العمل الذي ينوي الروح القدس القيام به مختلف، وفقًا للهويات والأوضاع المختلفة لمن يعملون كافة. قد يقوم أيضًا الأشخاص الذين يستخدمهم الروح القدس ببعض العمل الجديد وقد يمحون بعضًا من العمل الذي تم في عصر سابق، ولكن عملهم لا يمكن أن يعبر عن شخصية ومشيئة الله في العصر الجديد. هم فقط يعملون ليتخلصوا من عمل العصر السابق، وليس للقيام بعمل جديد يمثل شخصية الله نفسه تمثيلًا مباشرًا. وهكذا، لا يهم كم الممارسات عتيقة الطراز اللاتي يُبطلونها ولا الممارسات الجديدة التي يقدمونها، هم لا يزالون يمثلون الإنسان والكيانات المخلوقة. ولكن عندما ينفذ الله نفسه العمل، فإنه لا يعلن على الملأ عن محو ممارسات العصر القديم أو الإعلان عن بدء عصر جديد بصورة مباشرة. إنه مباشر ومستقيم في عمله. إنه صريح في أداء العمل الذي ينويه؛ أي إنه يعبر عن العمل الذي جاء به مباشرة، ويقوم بعمله مباشرةً بالصورة الأصلية التي انتواها، ويعبر عن كيانه وشخصيته. كما يرى الإنسان، فإن شخصية الله وأيضًا عمله مختلفان عن العصور الماضية. ولكن من منظور الله نفسه، هذا مجرد استمرار وتطور إضافي لعمله. عندما يعمل الله نفسه، يعبر عن كلمته ويأتي بالعمل الجديد مباشرةً. على النقيض، عندما يعمل الإنسان فإنه يعمل من خلال المناقشة أو الدراسة أو يكون عمله تطويرًا للمعرفة وتنظيم الممارسة المبنية على أساس عمل الآخرين. بمعنى آخر، جوهر العمل الذي يقوم به الإنسان هو الحفاظ على التقليد و"السير في الطرق القديمة بأحذية جديدة". هذا يعني أنه حتى الطريق الذي سار فيه البشر الذين استخدمهم الروح القدس مبني على ما افتتحه الله نفسه. لذلك فإن الإنسان في المقام الأول ما زال إنسانًا، والله هو الله.

من "سر التجسُّد (1)" في "الكلمة يظهر في الجسد"

316. أثناء عصر النعمة، نطق يسوع ببعض الكلام ونفذ مرحلة من مراحل العمل، وقد جاء جميع كلامه في سياق معين مناسبًا للحالات التي كانت عليها الناس آنذاك. إذًا، فقد جاء حديث يسوع وعمله ملائمين للسياق السائد حينذاك. كذلك نطق يسوع ببعض النبوات، إذ تنبأ بمجيئ روح الحق في الأيام الأخيرة حيث ينفذ مرحلة من العمل. وهذا يعني أنه لم يفهم أي شيء آخر بخلاف العمل الذي كان عليه أن يقوم به شخصيًا في ذلك العصر؛ أي أن العمل الذي قدمه الله المتجسِّد هو عمل محدود. ومن ثم، فإنه لا يعمل إلا العمل الخاص بالعصر الذي هو فيه، دون أن يعمل أي عملٍ آخر لا علاقة له به. لم يعمل يسوع في ذلك الوقت وفقًا لمشاعر أو رؤى، لكن وفقًا لما يناسب الزمان والسياق. لم يوجهه أو يرشده أحدٌ، بل كان عمله برمته هو كينونته الذاتية، وكان العمل الذي كان لا بُدَّ أن يقوم به روح الله المتجسِّد، أي إنه كان مُجمَل العمل الذي بدأ بالتجسُّد. لم يعمل يسوع إلا وفقًا لما رآه وسمعه بنفسه. بعبارة أخرى، كان الروح يعمل بصورة مباشرة، ولم تكن ثمة حاجة إلى رُسل يظهرون له ويقدمون له أحلامًا، أو أي نور عظيم يبرق فوقه ليسمح له بالرؤية. لقد عمل بحرية دون قيد، ذلك لأن عمله لم يكن معتمدًا على المشاعر. يمكن القول بعبارة أخرى إنه إبان عمله لم يكن يتلمَّس طريقه أو يُخمِّن، لكنه أنجز الأشياء بيسرٍ، وعمل وتكلم وفقًا لأفكاره الشخصية ووفقًا لما رآه بعينيّ رأسه، مقدمًا عونًا في حينه لكل واحد من التلاميذ الذين تبعوه. وهذا هو الفارق بين عمل الله وعمل الناس؛ فالناس عندما يعملون يبحثون ويتلمَّسون طريقهم، ويقلدون ويدرسون استنادًا إلى الأساس الذي أرساه آخرون حتى يتعمّقوا. أما عمل الله فهو تقديم كُنه الله. إنه يقوم بالعمل الذي ينبغي عليه ذاته أن يقوم به، ولا يقدم عونًا للكنيسة مستخدمًا معارف من أي بشرٍ. بل يقوم بالعمل الحاضر على أساس حالات الناس.

من "الممارسة (5)" في "الكلمة يظهر في الجسد"

317. يدل عمل الإنسان على خبرته وطبيعته البشرية، كما أن ما يقدمه الإنسان والعمل الذي يقوم به يمثلانه. كذلك يتضمن عمل الإنسان رؤيته وتفكيره ومنطقه وخياله الغني. وبإمكان خبرة الإنسان بخاصّةٍ أن تدل على عمله، وما يختبره الشخص يمثل مكونات عمله. يمكن أن يعبر عمل الإنسان عن خبرته. وعندما يختبر بعض الناس حالة سلبية، تتألف اللغة المستخدمة في شركتهم في معظمها من عناصر سلبية. وإن كانت خبرتهم إيجابية لفترة من الزمن وكانوا يمتلكون بصورة خاصة مسارًا في الجانب الإيجابي، فإن شركتهم تكون مشجعة جدًا، ويمكن أن يحصل الناس على إمدادات إيجابية منهم. وإذا ما صار العامل سلبيًّا لفترة من الزمن، فسوف تحمل شركته عناصر سلبية دائمًا. وهذا النوع من الشركة يسبب الاكتئاب، وسوف يشعر الآخرون لا شعوريًا بالاكتئاب بعد شركته. تتغير حالة الأتباع على حسب حالة القائد. أيًّا كان ما بداخل العامل فهو ما يعبر عنه، وعمل الروح القدس غالبًا ما يتغير مع حالة الإنسان. إنه يعمل وفقًا لخبرة الناس ولا يجبرهم بل يقوم بمطالبه منهم حسب مسار خبرتهم العادي. أي أن شركة الإنسان تختلف عن كلمة الله. ما يقدمه الناس في الشركة ينقل رؤاهم وخبراتهم الفردية، ويعبر عما يرونه ويختبرونه على أساس عمل الله. وتتمثل مسؤوليتهم، بعد أن يعمل الله أو يتكلم، في اكتشاف ما ينبغي عليهم ممارسته أو الدخول فيه من ذلك، ثم نقله إلى الأتباع. لذلك يمثل عمل الإنسان دخوله وممارسته. وبالطبع هذا العمل مختلط بدروس وخبرة بشرية أو ببعض الأفكار البشرية. وكيفما عمل الروح القدس، سواء كان يعمل على الإنسان أو في الله المتجسد، يعبر العاملون دائمًا عن ماهيتهم. وعلى الرغم من أن الروح القدس هو من يعمل، فإن العمل يتأسس على ماهية الإنسان المتأصلة؛ لأن الروح القدس لا يعمل بلا أساس. بمعنى آخر، لا يتم العمل من لا شيء، بل دائمًا يتم وفقًا لظروف فعلية وأحوال حقيقية. وبهذه الطريقة وحدها يمكن أن تتغير شخصية الإنسان، ويمكن أن تتغير مفاهيمه وأفكاره القديمة. ما يعبر عنه الإنسان هو ما يراه ويختبره ويمكنه أن يتخيله، ويمكن أن يصل إليه تفكيره حتى لو كان تعاليمَ أو مفاهيمَ. لا يمكن أن يتجاوز عمل الإنسان نطاق خبراته، وما يراه، وما يمكنه تخيله أو تصوره، بغض النظر عن حجم ذلك العمل. ما يعبر عنه الله هو ماهيته، وهذا بعيد عن منال الإنسان، أي بعيد عما يمكن أن يصله بتفكيره. يُعبِّر الله عن عمله لقيادة البشرية جمعاء، وهذا لا يتعلَّق بتفاصيل خبرة بشرية، بل يختص بدلًا من ذلك بتدبيره الخاص، وما يعبر الإنسان عنه هو خبرته، أما ما يعبر الله عنه فهو كيانه، أي شخصيته المتأصلة، وهو بعيد عن منال الإنسان. خبرة الإنسان هي رؤيته ومعرفته التي حصل عليها بناءً على تعبير الله عن كيانه. ويُطلق على هذه الرؤية والمعرفة كيان الإنسان. ويتم التعبير عنها على أساس شخصية الإنسان المتأصلة وإمكانياته؛ ولهذا يُطلق أيضًا عليها كيان الإنسان. الإنسان قادر على الشركة فيما يتعلق بما يختبره ويراه. ولا يستطيع أحد الشركةَ فيما لم يختبره أو يَرَهُ أو لا يستطيع ذهنه الوصول له، أي الأشياء غير الموجودة بداخله. إن كان ما يعبر الإنسان عنه ليس من خبرته، فهو إذًا خياله أو تعاليمه. ببساطة، ليست هناك أية واقعية في كلماته. إن لم تتواصل أبدًا مع أمور المجتمع، فلن تكون قادرًا على أن تشارك بوضوح بشأن علاقات المجتمع المعقدة. إن لم تكن لديك أسرة بينما يتكلم أناس آخرون عن قضايا الأسرة، فلن تفهم معظمَ ما يقولونه. ولذلك، فإن ما يقدمه الإنسان في الشركة والعمل الذي يقوم به يمثلان كيانه الداخلي.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

318. إن خطابي يمثل كياني، ولكن ما أقوله بعيد عن منال الإنسان. ما أقوله ليس ما يختبره الإنسان، وهو ليس شيئًا يمكن للإنسان أن يراه، كما أنه أيضًا ليس شيئًا يمكن للإنسان أن يلمسه، بل هو ماهيتي. يقر بعض الناس فقط بأن ما أُشارك به هو ما قد اختبرته، ولكنهم لا يعرفون أنه تعبير مباشر للروح. بالطبع، ما أقوله هو ما قد اختبرته. فأنا من قُمت بأداء عمل التدبير على مرّ ستة آلاف عام. لقد اختبرت كل شيء من بداية خلق البشرية حتى الآن؛ فكيف لا يمكنني أن أناقش ذلك؟ عندما يتعلق الأمر بطبيعة الإنسان، فقد رأيتها بوضوح، وقد راقبتها منذ مدة طويلة؛ فكيف يمكن ألا أكون قادرًا على التحدث عنها بوضوح؟ وبما أنني رأيت جوهر الإنسان بوضوح، فأنا أهلٌ لتوبيخ الإنسان ودينونته؛ لأن كل البشر قد جاؤوا مني ولكن الشيطان قد أفسدهم. ومن المؤكد أنني أيضًا أهل لتقييم العمل الذي قد قمت به. وعلى الرغم من أن هذا العمل لم يتم بجسدي، فإنه التعبير المباشر للروح، وهذا هو ما لدي وما أنا عليه. ولذلك فأنا مؤهل للتعبير عنه والقيام بالعمل الذي ينبغي عليَّ القيام به. ما يقوله الناس هو ما قد اختبروه، وهو ما قد رأوه، وما يمكن لعقولهم أن تصل إليه، وما يمكن لحواسهم أن تكشفه. هذا هو ما يمكنهم أن يتشاركوا به. الكلمات التي قالها جسد الله المتجسِّد هي التعبير المباشر للروح، وهي تُعبِّر عن العمل الذي قد قام به الروح، والذي لم يره الجسد أو يعبِّر عنه، ولكنَّه ما زال يعبِّر عن كيانه لأن جوهر الجسد هو الروح، وهو يعبر عن عمل الروح. إنه العمل الذي قام به الروح بالفعل، على الرغم من أنه بعيد عن متناول الجسد. فهو من بعد التجسد، ومن خلال تعبير الجسد، يُمكِّن الناس من معرفة كيان الله ويسمح للناس برؤية شخصية الله والعمل الذي قام به. إن عمل الإنسان يتيح للناس أن تكون لديهم صورة أكثر وضوحًا عما ينبغي أن يدخلوا فيه وما ينبغي أن يفهموه؛ وهذا يتضمن قيادة الناس نحو فهم الحق واختباره. فعمل الإنسان هو مؤازرة الناس، وعمل الله هو فتح طرق جديدة وعصور جديدة للبشرية، وأن يعلن للناس ما هو غير معروف للفانين، فيمكّنهم من معرفة شخصيته. عمل الله هو قيادة البشرية كافة.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

319. يؤدي الروح القدس عمله كله لمنفعة الناس؛ حيث يهدف كله لبنيان الناس؛ فلا يوجد عمل لا يفيد الناس. لا يهم ما إذا كان الحق عميقًا أو ضحلاً، ولا يهم شكل قدرات أولئك الذين يقبلون الحق، مهما كان ما يفعله الروح القدس، فهو مفيد للناس. ولكن عمل الروح القدس لا يمكن تنفيذه مباشرةً؛ بل يجب التعبير عنه من خلال البشر الذين يتعاونون معه، وبهذه الطريقة وحدها يمكن الحصول على نتائج عمل الروح القدس. بالطبع حين يكون عمل الروح القدس مباشرًا، فلا يمكن تشويهه على الإطلاق؛ أما عندما يعمل الروح القدس من خلال الإنسان، فإنه يصبح مشوبًا جدًا ولا يكون عملَ الروح القدس الأصلي. بهذه الطريقة يتغير الحق بدرجات متفاوتة. لا يستقبل الأتباع المقصد الأصلي للروح القدس بل مزيجًا من عمل الروح القدس وخبرة الإنسان ومعرفته. الجزء الذي يستقبله الأتباع والذي يمثل عمل الروح القدس هو الجزء الصحيح، بينما تتنوع المعرفة والخبرة التي ينالها الإنسان؛ بسبب اختلاف العاملين. فبمجرد أن يحصل العاملون على استنارة وإرشاد من الروح القدس، يستمرون في تلقي الخبرات بناءً على هذه الاستنارة والإرشاد. وضمن هذه الخبرات تختلط خبرة الإنسان وعقله، وأيضًا كيان الطبيعة البشرية، وبعد ذلك يحصل الإنسان على المعرفة أو الرؤية التي ينبغي عليه الحصول عليها. هذه هي طريقة ممارسة الإنسان بعد أن يكون قد اختبر الحق. طريقة الممارسة هذه ليست دائمًا واحدة؛ لأن الناس لديهم خبرات مختلفة والأشياء التي يختبرها الناس مختلفة. بهذه الطريقة، تفضي استنارة الروح القدس نفسها إلى معرفة وممارسة مختلفتين؛ لأن الأشخاص الذين يستقبلون الاستنارة مختلفون. يرتكب بعض الناس أخطاءً صغيرة أثناء الممارسة، ويرتكب البعض أخطاءً كبيرة، بينما لا يفعل آخرون شيئًا إلا ارتكاب الأخطاء. ذلك لأن الناس يختلفون في قدرتهم على الفهم، ولأن قدراتهم الفطرية تختلف أيضًا. يملك بعض الناس نوعًا من الفهم بعد سماع الرسالة، ويملك بعض الناس نوعًا آخر من الفهم بعد سماع الحق. يحيد بعض الناس قليلاً، والبعض الآخر لا يفهم المعنى الحقيقي للحق على الإطلاق. لذلك، يملي فهم المرء عليه كيف يقود الآخرين. هذا صحيح تمامًا، لأن عمل الإنسان هو مجرد تعبير عن ماهيته. فالأشخاص الذين يقودهم أشخاص يتمتعون بفهم صحيح للحق يحصلون أيضًا على فهم صحيح للحق. حتى لو كان هناك أناس لديهم أخطاء في فهمهم، فهم قلة قليلة، ولا يعاني الجميع الأخطاء. إن كان لدى أحد أخطاء في فهمه للحق، فإن الذين يتبعونه سيكونون خاطئين بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تعتمد درجة فهم الحق بين الأتباع إلى حد كبير على العاملين. فالحق من الله صحيح بالطبع وخالٍ من الخطأ، وهو يقينيّ تمامًا. ولكن العاملين ليسوا على صواب بالكامل ولا يمكن أن يُقال إنهم موثوق بهم بالكامل. إن كان لدى العاملين طريقة عملية جدًا لممارسة الحق، فسيكون لدى الأتباع أيضًا طريقة للممارسة. فإذا لم يكن لدى العاملين طريقة لممارسة الحق ولكن لديهم تعاليمُ فقط، فلن يكون لدى الأتباع أية حقيقة. يتم تحديد قدرات الأتباع وطبيعتهم بالفطرة وليست مرتبطة بالعاملين. ولكن مدى فهم الأتباع للحق ومعرفة الله يعتمد على العاملين (هذا الأمر ينطبق فقط على بعض الناس). أيًّا كان شكل العامل، سيكون شكل الأتباع الذين يقودهم مثله. ما يعبر عنه العامل هو كيانه الشخصي ودون أي تَحَفُّظ، والمطالب التي يفرضها على أتباعه هي ما هو نفسه مستعد أو قادر على تحقيقه. ويستخدم معظم العاملين ما يفعلونه هم أنفسهم كأساس لجعله مطالب من أتباعهم، على الرغم من وجود الكثير الذي لا يستطيع أتباعهم تحقيقه على الإطلاق، وما لا يستطيع المرء تحقيقه يغدو عقبة أمام دخوله.

ثمّةَ انحرافٌ أقلُّ كثيرًا في عمل أولئك الذين خضعوا للتهذيب والتعامل معهم والدينونة والتوبيخ، وكان التعبير عن عملهم أكثر دقة. أما الذين يعتمدون على بداهتهم في العمل فهم يرتكبون أخطاءً كبيرة تمامًا. إن عمل الناس الذين لم يُمنَحوا الكمالَ يعبر كثيرًا عن بداهتهم، مما يشكِّل عائقًا كبيرًا أمام عمل الروح القدس. ومهما تكن مكانة المرء جيدة، فلا بدّ أيضًا أن يخضعَ للتهذيب والتعامل معه والدينونة قبل أن يتمكن من تنفيذ عملِ إرساليةِ الله. فإن لم يخضع لمثل هذه الدينونة، فإن عمله لا يمكن أن يتماشى مع مبادئ الحق، مهما كان متقنًا، وسيكون دومًا نتاجَ بساطة وصلاح بشريين. أمّا عمل الذين خضعوا للتهذيب والتعامل معهم والدينونة، فهو أكثر دقة من عمل الذين لم يتم تهذيبهم والتعامل معهم ودينونتهم. إن الذين لم يخضعوا للدينونة لا يعبرون إلا عن الجسد والأفكار البشرية المختلِطة بالكثير من الذكاء الإنساني والمواهب الفطرية. ليس هذا تعبيرًا دقيقًا من الإنسان عن عمل الله. والذين يتبعون أمثال هؤلاء الناس تدفعهم إمكانياتهم الفطرية للمجيء أمامهم. وبما أنهم يعبرون عن العديد من الرؤى والخبرات الإنسانية، التي هي في الغالب لا ترتبط بالمقصد الأصلي لله، وتحيد بعيدًا جدًا عنه، فإن عمل هذا النوع من الأشخاص لا يمكن أن يأتي بالناس أمام الله، بل يأتي بهم أمام الإنسان. ولذلك فإن أولئك الذين لم يجتازوا الدينونة والتوبيخ غير مؤهلين لتنفيذ عمل إرسالية الله. ... إن لم يُكمَّل الإنسان، ولم يتم تهذيب شخصيته الفاسدة والتعامل معها، فستكون هناك فجوة كبيرة بين ما يعبر عنه وبين الحق؛ وسيمتزج ما يعبر عنه بأمور مبهمة؛ مثل خياله والخبرة أحادية الجانب. وبالإضافة إلى ذلك، فبغض النظر عن كيف يعمل، يشعر الناس أن ليس هناك هدف كلي ولا يوجد حق مناسب لدخول كل الناس. إن معظم ما هو مطلوب من الناس يفوق قدرتهم، كما لو أنهم كانوا بطّاتٍ اضطرت للجلوس على الفراخ وأصبحت هدفًا سهلًا. هذا هو عمل الإرادة البشرية. تتخلل شخصية الإنسان الفاسدة وأفكاره ومفاهيمه كافة أجزاء جسده. لم يولد الإنسان بغريزة ممارسة الحق، وليس لديه غريزة لفهم الحق بصورة مباشرة. أضف إلى ذلك شخصية الإنسان الفاسدة، عندما يعمل هذا النوع الطبيعي من الأشخاص، ألا يسبب هذا تعطيلاً؟ ولكن الإنسان الذي نال الكمال يتمتع بخبرة في الحق ينبغي على الناس فهمها، ولديه معرفة بطباعه الفاسدة، بحيث تزول الأمور المبهمة وغير الواقعية في عمله تدريجيًّا، وتقل خدع الإنسان، ويغدو عمله وخدمته أقرب ما تكونان إلى المعايير التي يطلبها الله. وبهذا دخل عمله في واقع الحق وأصبح واقعيًا. تسهم الأفكار الموجودة في ذهن الإنسان تحديدًا في إعاقة عمل الروح القدس. لدى الإنسان خيال غني ومنطق معقول وخبرة قديمة في التعامل مع الأمور. إن لم تخضع هذه الجوانب في الإنسان للتهذيب والتقويم، تصير جميعها عقبات أمام العمل؛ ولذلك لا يمكن أن يصل عمل الإنسان لأكثر المستويات دقةً، وبالأخص عمل الناس غير المكملين.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

320. يبقى عمل الإنسان محدودًا وضمن نطاق. ولا يمكن لشخص واحد أداء عمل مرحلة معينة كما لا يمكنه أداء عمل العصر بأسره، وإلّا قاد الناس إلى الخضوع للقواعد. كذلك لا يمكن أن ينطبق عمل الإنسان إلا على زمن أو مرحلة معينة؛ وذلك لأن خبرة الإنسان لها نطاقها، ولا يمكن للمرء أن يقارن عمل الإنسان بعمل الله. فطرق الإنسان للممارسة ومعرفته بالحق جميعها قابلة للتطبيق في نطاق محدد. لا يمكنك أن تقول إن الطريق الذي يسلكه الإنسان هو مشيئة الروح القدس بالكامل، لأن الإنسان يمكنه فقط أن يستنير بالروح القدس ولا يمكن أن يمتلئ بالروح القدس بالكامل. والأمور التي يختبرها الإنسان هي كلها داخل نطاق طبيعته البشرية ولا يمكن أن تتجاوز حدود الأفكار الموجودة في الذهن البشري العادي. وكل الذين يعيشون واقع الحق يَختبرون ضمن هذه الحدود. وعندما يختبرون الحق، يكون ذلك في العادة اختبارًا للحياة البشرية العادية التي تستمد استنارتها من الروح القدس، وليست طريقة اختبار تحيد عن الحياة البشرية العادية. إنهم يختبرون الحق مستنيرين بالروح القدس على أساس عيشهم حياتَهم البشرية، بالإضافة إلى أن هذا الحق يتنوع من شخص لآخر، ومدى عمقه مرتبطٌ بحالة الشخص. ولا يمكن سوى القول إن الطريق الذي يسلكونه هو طريق الحياة البشرية العادية لإنسان يسعى وراء الحق، ويمكن أن يَسمَّى 'الطريقَ الذي يسلكه إنسان عادي مستنير بالروح القدس'. لا يمكن للمرء القول إن الطريق الذي يسلكه هو الطريق الذي يأخذه الروح القدس. وبما أن الناس الذين يسعون ليسوا متشابهين في الخبرة البشرية العادية، فإن عمل الروح القدس أيضًا ليس واحدًا، بالإضافة إلى أنه ما دامت البيئات التي يختبرها الناس ومدى خبرتهم غير متماثلة، ونظرًا للامتزاج بين أفكارهم وعقلهم، فإن خبرتهم مختلطة بدرجات متفاوتة. يفهم كل شخص الحقّ وفقًا لظروفه الفردية المختلفة، وفهمهم للمعنى الحقيقي للحق ليس مكتملاً، بل هو مجرد جانب أو جوانب قليلة منه. ويختلف نطاق الحق الذي يختبره الإنسان بين شخص وآخر، وذلك وفقًا لظروف كل شخص. بهذه الطريقة، لا تتطابق معرفة الحق نفسه الذي يعبر عنه أشخاص مختلفون. أي أن خبرة الإنسان دائمًا لها حدود، ولا يمكنها أن تمثل بالكامل مشيئة الروح القدس، كما لا يمكن تصور عمل الإنسان بأنه عمل الله، حتى إنْ ما كان يعبر عنه الإنسان متوافقًا بصورة لصيقة مع مشيئة الله، وحتى لو أن خبرة الإنسان وثيقة الصلة بعمل التكميل الذي يؤديه الروح القدس. لا يمكن للإنسان إلّا أن يكون خادمًا لله، يقوم بالعمل الذي ائتمنه الله عليه. كذلك لا يمكن للإنسان إلّا أن يعبّر عن المعرفة باستنارة الروح القدس والحقائق التي حصل عليها من تجاربه الشخصية. فالإنسان غير مؤهل وليست لديه الشروط اللازمة ليكون مَخرجًا للروح القدس، ولا يحق له أن يقول إن عمله هو عمل الله؛ فللإنسان مبادئ تحكم عمل الإنسان، وكل البشر لديهم خبرات مختلفة وظروف متنوعة. يتضمن عمل الإنسان كل خبراته بموجب استنارة الروح القدس. ولا يمكن لهذه الخبرات أن تمثل سوى كيان الإنسان، وهي لا تمثل كيان الله أو مشيئة الروح القدس. ولذلك فالطريق الذي يسلكه الإنسان لا يمكن القول إنه الطريق الذي يسلكه الروح القدس؛ لأن عملَ الإنسان لا يمكن أن يمثل عمل الله، وعملُ الإنسان وخبرتُه ليسا مشيئة الروح القدس الكاملة. فعمل الإنسان عرضة للخضوع للقواعد، وتنحصر طريقة عمله بسهولة ضمن نطاق محدد، وهو غير قادر على قيادة الناس إلى طريق سالك. يعيش معظم الأتباع داخل نطاق محدد، وطريقة ممارستهم أيضًا محدودة في نطاقها. كذلك خبرة الإنسان دائمًا محدودة؛ وطريقة عمله أيضًا مقتصرة على أنواع قليلة، ولا يمكن أن تُقارن مع عمل الروح القدس أو عمل الله نفسه؛ هذا لأن خبرة الإنسان، في النهاية، محدودة. كيفما قام الله بعمله، فعمله غير مقيد بقواعد، وكيفما تم العمل، فهو ليس مقصورًا على طريقة واحدة. ليست هناك قواعدُ أيًّا كانت لعمل الله، فكل عمله حر ومنطلق. لا يهم كم الوقت الذي يقضيه البشر في اتباعه، حيث لا يمكنهم أن يستخلصوا قوانين تحكم طرق عمل الله. وعلى الرغم من أن عمله له مبادئ، فإنه يتمّ دائمًا بطرق جديدة وبه تطورات جديدة دائمًا، وهو بعيد عن منال الإنسان. أثناء فترة واحدة من الزمن، قد يكون لدى الله عدة أنواع مختلفة من العمل وطرق مختلفة لقيادة الناس، بحيث يكون للناس دائمًا الحصول على مداخل وتغييرات جديدة. لا يمكنك تمييز قوانين عمله؛ لأنه دائمًا يعمل بطرق جديدة، ومن خلال هذه الطريقة فقط يمكن لأتباع الله ألا يكونوا مقيدين بالقواعد. يتجنب عمل الله نفسُه مفاهيم الناس دائمًا ويواجهها. وأولئك الذين يتبعون الله ويسعون إليه بقلب صادق هم وحدهم من يمكن أن تتغير شخصياتهم ويصبحوا قادرين على العيش بحرية دون الخضوع لأية قواعد أو التقيد بأية مفاهيم دينية. إن عمل الإنسان يفرض عليه مطالب مبنية على خبرة الإنسان الشخصية وما يستطيع هو نفسه تحقيقه. ومعيار هذه المتطلبات محدود في نطاق معين، وطرق الممارسة أيضًا محدودة جدًا. وهكذا يعيش الأتباع بلا وعي داخل هذا النطاق المحدود؛ ومع مرور الوقت، تصير هذه الأمور بمثابة قواعد وشعائر. لو أن شخصًا لم يخضع لعملية تكميل الله الشخصي له، ولم ينل الدينونة، تولى قيادة العمل لفترة واحدة، فإن أتباعه سيصبحون جميعًا متدينيين وخبراء في مقاومة الله. لذلك إن كان شخصٌ ما قائدًا مؤهلاً، فإن ذلك الشخص لا بد أن يكون قد خضع للدينونة وقبل التكميل. أما أولئك الذين لم يخضعوا للدينونة، حتى إنْ كان لديهم عمل الروح القدس، فإنهم لا يعبّرون إلا عن أمور غير واقعية ومبهمة. ومع مرور الوقت، سيقودون الناس للخضوع لقواعد مبهمة وفوق طبيعية. فالعمل الذي يؤديه الله لا يتوافق مع جسد الإنسان وأفكاره، بل يقاوم مفاهيمه؛ ولا يشوبه لون ديني مبهم. ولا يمكن تحقيق نتائج عمل الله بواسطة إنسان لم يُكمله الله؛ فهي بعيدة عن منال الفكر الإنساني.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

321. العمل الموجود في ذهن الإنسان يحققه الإنسان بسهولة. فالقُسوس والقادة في العالم الديني، على سبيل المثال، يعتمدون على مواهبهم ومراكزهم في أداء عملهم. أما الناس الذين يتبعونهم لمدة طويلة فيُصابون بعدوى مواهبهم ويتأثرون ببعض ما هم عليه. هم يركزون على مواهب الناس وقدراتهم ومعارفهم، ويهتمون بالأمور الفائقة للطبيعة والعديد من التعاليم العميقة غير الواقعية (بالطبع هذه التعاليم العميقة لا يمكن الوصول إليها)، ولا يركزون على التغيرات في طباع الناس، بل يركزون على تدريب الناس على الوعظ والعمل وتحسين معرفتهم وإثراء تعاليمهم الدينية. لا يركزون على مقدار تغير شخصية الناس ومقدار فهمهم للحق، ولا يركزون على مدى تغير شخصية الناس، ولا على مدى فهمهم للحق، ولا يشغلون أنفسهم بجوهر الناس، فضلاً عن أن يحاولوا معرفة حالات الناس العادية وغير العادية. إنهم لا يواجهون مفاهيم الناس، ولا يكشفون تصوراتهم، فضلاً عن أن يهذبوا الناس فيصلحوا نقائصهم أو فسادهم. ومعظم الناس الذين يتبعونهم يخدمون بمواهبهم، وكل ما يصدر عنهم هو مفاهيم دينية ونظريات لاهوتية بعيدة عن الواقع وعاجزة تمامًا عن منح الناس حياةً. فجوهر عملهم في الواقع هو رعاية الموهبة، ورعاية الشخص الذي لا يتمتع بشيء ليصبح خريجًا موهوبًا من معهد لاهوتي، ثم بعد ذلك يمضي للعمل والقيادة. هل يمكنك أن تجد أية قوانين في عمل الله الذي استمر ستة آلاف عام؟ هناك العديد من القواعد والقيود في العمل الذي يقوم به الإنسان، والعقل البشري عقائدي بدرجة مفرطة. ولذلك فما يعبر عنه الإنسان هو المعرفة والإدراك داخل حدود خبرته، ولا يستطيع الإنسان التعبير عن أي شيء بخلاف ذلك؛ ذلك أن خبرات الإنسان أو معرفته لا تنبع من مواهبه الفطرية أو غريزته؛ بل تنشأ بسبب إرشاد الله ورعايته المباشرة. لا يملك الإنسان سوى الاستعداد لقبول هذه الرعاية، وليس الاستعداد للتعبير المباشر عن ماهية اللاهوت. فالإنسان غير قادر أن يكون هو المصدر، بل يمكنه فقط أن يكون وعاءً يقبل الماء من المصدر؛ هذه هي الغريزة البشرية، وهي الاستعداد الذي ينبغي أن يكون لدى المرء ككائن بشري. إنْ فَقَد الشخص الاستعداد لقبول كلمة الله وفقد الغريزة البشرية، فإنه يفقد أيضًا ما هو أكثر قيمة، ويفقد واجبه كإنسان مخلوق. إن لم يكن لدى الشخص معرفة أو خبرة بكلمة الله أو عمله، فإن هذا الشخص يفقد واجبه، أي الواجب الذي ينبغي عليه أداؤه ككائن مخلوق، ويفقد كرامة الكائن المخلوق. تقضي الفطرة الإلهية بالتعبير عن ماهية اللاهوت؛ سواء كان يتم التعبير عنه في الجسد أو مباشرةً بواسطة الروح؛ هذه هي خدمة الله. يعبر الإنسان عن خبراته أو معرفته الشخصية (أي أنه يعبر عن ماهيته) أثناء عمل الله أو بعد ذلك؛ هذه هي غريزة الإنسان وواجبه، وهو ما يجب على الإنسان تحقيقه. على الرغم من أن تعبير الإنسان يتصف بالقصور الشديد فيما يتعلق بما يعبر الله عنه، وأن تعبير الإنسان مقيد بالكثير من القواعد، يجب على الإنسان أن يؤدي الواجب الذي ينبغي عليه أداؤه، وأن يفعل ما يتعين عليه فعله. يجب على الإنسان أن يفعل كل ما يمكن للبشر فعله لأداء واجبه، ولا ينبغي أن يكون هناك حتى أدنى تحفظ.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

322. سيسأل بعض الناس: "ما هو الفرق بين العمل الذي قام به الله المتجسِّد والعمل الذي قام به أنبياء ورسل الأزمنة القديمة؟" لُقِّبَ داود أيضًا بالسيد، وكذلك يسوع؛ ومع أنهما قاما بعمل مختلف، فقد أُطلق عليهما نفس اللقب. أنت تقول، لماذا لم تكن لهما نفس الهوية؟ما رآه يوحنا كان رؤيا جاءت من الروح القدس، وكان قادرًا على قول الكلمات التي نوى الروح القدس قولها؛ لماذا تختلف هوية يوحنا عن يسوع؟ الكلمات التي قالها يسوع كانت قادرة على تمثيل الله وعمله تمثيلاً تامًا. ما رآه يوحنا كان رؤيا، ولم يكن قادرًا على تمثيل عمل الله تمثيلاً تامًا. لماذا تكلم يوحنا وبطرس وبولس العديد من الكلمات – مثلما فعل يسوع – ومع ذلك لم تكن لهم نفس هوية يسوع؟ يرجع السبب في هذا أساسًا إلى أن العمل الذي قاموا به كان مختلفًا. مثَّل يسوع روح الله، وكان هو روح الله الذي يعمل مباشرة. أتمَّ عمل العصر الجديد، وهو عمل لم يقم به أحد من قبل. فتح طريقًا جديدًا، ومثَّل يهوه، ومثل الله نفسه. في حين أن بطرس وبولس وداود، بغض النظر عن ألقابهم، مثَّلوا فقط هوية أحد مخلوقات الله، وأرسلهم يسوع أو يهوه. لذلك بغض النظر عن كم العمل الذي قاموا به، وعظمة المعجزات التي صنعوها، هم لا يزالون مخلوقات الله، وعاجزين عن تمثيل روح الله. لقد عملوا باسم الله أو بعدما أرسلهم الله؛ بالإضافة إلى أنهم عملوا في عصور بدأها يسوع أو يهوه، ولم يكن عملهم عملاً منفصلاً. كانوا في المقام الأول مجرد مخلوقات خلقها الله.

من "بخصوص الألقاب والهوية" في "الكلمة يظهر في الجسد"

323. تكلم يسوع في عصر النعمة أيضًا وفعل الكثير. كيف اختلفَ عن إشعياء؟ وكيف اختلف عن دانيال؟ هل كان نبيًا؟ ولماذا قيل عنه إنه المسيح؟ ما أوجه الاختلاف بينهم؟ كانوا جميعهم أناسًا تفوّهوا بكلامٍ، وبدا كلامهم، كثيره أو قليله، للإنسان كأنه الكلام نفسه. كلهم تحدثوا وعملوا. تنبأ أنبياء العهد القديم بنبوءات، واستطاع يسوع أن يأتي بالمِثل. لِمَ الأمر على هذا النحو؟ إن التمييز هنا يعتمد على طبيعة العمل. لكي تميز هذا الأمر، لا يمكنك النظر إلى طبيعة الجسد وعليك ألا تفكر في عمق كلمات المرء أو سطحيتها. إنما عليك دائماً النظر أولاً لعمله والنتائج التي يحققها عمله في الإنسان، إذ لم تُشبِع النبوءات التي تكلم عنها الأنبياء آنذاك حياةَ الإنسان، وكانت الرسائل التي تلقاها أشخاصٌ مثل إشعياء ودانيال مجرد نبوءات ولم تكن طريق الحياة. لولا الوحي المباشر من يهوه، لما أمكن لأيٍّ من كان القيام بذاك العمل، فهو غير ممكن للبشر. تكلم يسوع أيضًا كثيرًا، لكن أقواله كانت طريق الحياة التي يمكن للإنسان أن يجد من خلالها سبيلاً لممارستها. هذا يعني أولاً، أن بإمكان يسوع أن يُشبع حياة الإنسان، لأن يسوع هو الحياة. ثانياً، يمكنه أن يغيّر انحرافات الإنسان. ثالثاً، أمكن لعمله أن يُنجح عمل يهوه ليكمل العصر. رابعًا، يمكن ليسوع استيعاب احتياجات الإنسان الداخلية وأن يفهم ما يفتقر إليه الإنسان. وخامسًا، يمكنه أن يبدأ عهدًا جديدًا ويختتم القديم. ولهذا السبب دُعِيَ يسوعُ اللهَ والمسيح. وهو ليس مختلف عن إشعياء فحسب، إنما عن جميع الأنبياء الآخرين أيضًا. خذ إشعياء فيما يخص عمل الأنبياء مثالاً. أولاً، لم يتمكن إشعياء من إشباع حياة الإنسان. ثانيًا، لم يتمكن من بدء عهد جديد. كان يعمل تحت قيادة يهوه وليس لبدء عهد جديد. ثالثًا، ما تحدث عنه بنفسه تجاوز إدراكه. كان يتلقى الإعلانات مباشرة من روح الله، ولم يفهمها البعضُ حتى بعد أن استمعوا إليها. هذه الأمورُ القليلة وحدها تكفي لإثبات أن أقوال إشعياء لم تكن سوى نبوءات، ولم تكن سوى أحد جوانب العمل المُنجَز باسم يهوه فحسب. ومع ذلك، فهو لا يستطيع أن يمثّل يهوه تمثيلاً كاملاً. كان خادم يهوه وأداة لعمله. كان يقوم بالعمل فقط في إطار عصر الناموس وفي نطاق عمل يهوه، ولم يعمل بعد عصر الناموس. أما عمل يسوع فكان مختلفًا. لقد تجاوز نطاق عمل يهوه. كان يعمل كالله المتجسد وخضع للصلب ليخلّص كل البشرية. وهذا يعني أنه قام بعمل جديد خارج العمل الذي قام به يهوه. وكانت هذه بداية عهد جديد. والأمر الآخر هو أنه استطاع التحدث بما لا يمكن للإنسان تحقيقه. كان عمله عملاً في إطار تدبير الله وشمل كل البشرية. لم يعمل فقط في عدد قليل من الناس، ولم يكن عمله لقيادة عدد محدود من الناس. أما كيف تجسَّد الله ليكون إنسانًا، وكيف أعطى الروح إعلاناتٍ حينها، وكيف نزل الروح على إنسانٍ ليقوم بالعمل، فهذه أمور لا يستطيع الإنسان رؤيتها أو لمسها. من المستحيل تمامًا أن تكون هذه الحقائق دليلاً على أنه الله المتجسِّد. ولهذا، لا يمكن التمييز إلا بالنظر إلى كلام الله وعمله، والتي هي أمورٌ ملموسة للإنسان. هذا فقط يُعد حقيقيًا. هذا لأن أمور الروح غير مرئية منك ولا تُدرَك إدراكًا جليّاً إلا من الله نفسه، وحتى جسد الله المتجسِّد لا يعرف الأشياء كلها. يمكنك فقط التحقق مما إذا كان هو الله من العمل الذي قام به. فمن خلال عمله، يمكن ملاحظة أنه أولاً قادر على فتح عهد جديد. وثانياً، هو قادر أن يشبع حياة الإنسان ويُريه الطريق ليتبعه. هذا كافٍ ليثبت أنه الله نفسه. على أقل تقدير، يمكن للعمل الذي يقوم به أن يمثّل روح الله تمامًا، ويمكن أن يُرى من عمل مثل هذا أن روح الله يسكنُ فيه. وبما أن العمل الذي قام به الله المتجسِّد كان أساسًا لبدء عهد وعمل جديدين، ولفتح عمل جديد، فهذه الأمور القليلة وحدها كافية لتثبت أنه الله نفسه. وهذا ما يميز يسوع عن إشعياء ودانيال والأنبياء الآخرين العظام.

من "وجه الاختلاف بين خدمة الله المتجسّد وواجب الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

324. مهد يوحنا السبيل ليسوع في عصر النعمة. لم يمكنه أن يقوم بعمل الله نفسه ويتمم واجب الإنسان فحسب. ومع أن يوحنا كان السابق الذي بشَّر بالرب، لكنه لم يستطع أن يمثل الله؛ كان مجرد إنسان استخدمه الروح القدس. بعد معمودية يسوع، حل الروح القدس عليه مثل حمامة. ثم بدأ عمله، أي إنه بدأ أداء خدمة المسيح. لهذا اتخذ هوية الله، لأنه أتى من الله. لا يهم كيف كان إيمانه قبل هذا – ربما كان أحيانًا ضعيفًا وأحيانًا قويًّا – كانت هذه كلها هي حياته الإنسانية العادية قبل أداء خدمته. بعد أن تعمد (أي مُسِحَ)، نال على الفور قوة الله ومجده، وهكذا بدأ أداء خدمته. كان بإمكانه أن يصنع آيات وعجائب ومعجزات، كان لديه قوة وسلطان، إذ كان يعمل مباشرةً بالنيابة عن الله نفسه؛ كان يقوم بعمل الروح بدلًا منه وعبَّر عن صوت الروح؛ وبذلك كان هو الله نفسه. هذا أمر مُثبت ولا شك فيه. استخدم الروح القدس يوحنا، ولكن يوحنا لم يستطع أن يمثل الله، ولم يكن ممكنًا له أن يمثل الله. إذا رغب في أن يفعل هذا، لكان الروح القدس قد منعه، لأنه لم يستطع أن يقوم بالعمل الذي نوى الله أن يحققه بنفسه. ربما كان بداخل يوحنا الكثير من مشيئة الإنسان أو ربما كان هناك شيء منحرف بداخله؛ لم يمكنه بأي حال من الأحوال أن يمثل الله تمثيلًا مباشرًا. كانت أخطاؤه وزلاّته تمثله هو وحده، ولكن عمله كان يمثل الروح القدس. ومع ذلك لا يمكن أن نقول إن يوحنا بمجمله كان يمثل الله. هل يمكن لانحرافه وخطئه أن يمثلا الله أيضًا؟ أن يكون خاطئًا حين يمثل الإنسان فهذا أمر عادي، ولكن لو كان لديه انحراف في تمثيل الله، ألا يكون هذا خزيًا لله؟ ألا يكون هذا تجديفًا على الروح القدس؟ لا يسمح الروح القدس للإنسان أن يقف في مكان الله، حتى لو عظَّمه آخرون. إن لم يكن هو الله، فلن يستطيع الصمود في النهاية. لا يسمح الروح القدس للإنسان أن يمثل الله حسبما يرضي الإنسان! على سبيل المثال، قدم الروح القدس شهادةً ليوحنا وأيضًا أعلن عن أنه الشخص الذي يمهد السبيل ليسوع، ولكن العمل الذي تم فيه من قبل الروح القدس كان مُقدَّرًا تقديرًا جيدًا. كل ما كان مطلوبًا من يوحنا أن يكون مُمَهِّد السبيل ليسوع، ويعد الطريق له. أي إن الروح القدس قد أيد عمله فقط في تمهيد السبيل وسمح له أن يقوم بهذا العمل فقط لا غير. مثَّل يوحنا إيليا، ومثَّل نبيًّا أعد الطريق. لقد أيَّده الروح القدس في هذا؛ طالما أن عمله هو تمهيد السبيل، كان الروح القدس يؤيده. ولكن لو ادعى أنه الله نفسه وأنه أتى ليتمم عمل الفداء، لوجب على الروح القدس تأديبه. ولكن على الرغم من عظمة عمل يوحنا وتأييد الروح القدس له، إلا أن عمله ظل داخل حدود. صحيح أن عمله كان مؤيدًا بالروح القدس، ولكن القوة المعطاة له آنذاك كانت قاصرة على إعداد الطريق. لم يستطع بتاتًا أن يقوم بأي عمل آخر، لأنه كان فقط يوحنا الذي أعد الطريق، وليس يسوع. لذلك فإن شهادة الروح القدس أمر مهم، ولكن العمل الذي يسمح الروح القدس للإنسان بأدائه هو أمر أكثر أهمية. ألم يكن يوحنا مشهودًا له شهادة مدوِّية؟ ألم يكن عمله أيضًا عظيمًا؟ لكن العمل الذي قام به لم يتخطَّ عمل يسوع، لأنه لم يكن أكثر من مجرد إنسان استخدمه الروح القدس ولم يستطع أن يمثل الله مباشرةً، ولذلك فإن العمل الذي قام به كان محدودًا. بعدما انتهى من عمل تمهيد السبيل، لم يستمر الروح القدس في تأييد شهادته، ولم يتبعه أي عمل جديد مجددًا، وقد اختفى من المشهد إذ بدأ عمل الله نفسه.

من "سر التجسُّد (1)" في "الكلمة يظهر في الجسد"

325. على الرغم من أن يوحنا قال أيضًا: "تُوبُوا لأَنَّ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَدِ اقْتَرَبَ"، وكرز أيضًا بإنجيل ملكوت السماوات، لم يكن عمله في الصميم وكان عمله يشكل فقط مجرد بداية. على النقيض، أرشد يسوع إلى عصر جديد وأنهى القديم، ولكنه أيضًا تمم ناموس العهد القديم. كان العمل الذي قام به يسوع أعظم من عمل يوحنا، وقد أتى ليفدي البشرية جمعاء، لقد قام بهذه المرحلة من العمل. أعد يوحنا الطريق فقط. على الرغم من أن عمل يوحنا كان عظيمًا، وكلماته كانت عديدة، وأيضًا العديد من التلاميذ اتبعوه، لكن عمله لم يحقق إلا إعلان بداية جديدة للإنسان. لم ينل الإنسان منه حياةً أبدًا أو الطريق أو حقائق أعمق ولم يحصل الإنسان منه على فهم لمشيئة الله. كان يوحنا نبيًّا عظيمًا (إيليا) مهد طريقًا جديدًا لعمل الله وأعد المختارين؛ كان بشير عصر النعمة. هذه الأمر لا يمكن تمييزه ببساطة من خلال ملاحظات مظاهرهم البشرية العادية. وبالأخص أن يوحنا أيضًا قام بالكثير من العمل العظيم؛ بالإضافة إلى أنه ولد بوعد الروح القدس، وأيد الروح القدس عمله. وعليه، فإن التمييز بين هوياتهم المختصة يمكن أن يتم فقط من خلال عملهم، لأن مظهر الإنسان الخارجي لا يدل على جوهره، والإنسان غير قادر على التيقن من شهادة الروح القدس الحقيقية. العمل الذي قام به يوحنا والعمل الذي قام به يسوع ليسا متشابهين ولهما طبيعة مختلفة. هذا ما ينبغي أن يحدد إذا كان هذا هو الله أم لا. كان عمل يسوع سيبدأ ويستمر ويُختتم ويُنجز. كل واحدة من هذه الخطوات نفذها يسوع حيث إن عمل يوحنا لم يكن إلا بداية. في البداية، نشر يسوع الإنجيل وكرز بطريق التوبة، ثم بدأ يُعمِّد الناس ويشفي المرضى ويطرد الأرواح الشريرة. في النهاية فدى البشرية من الخطية وأكمل عمله للعصر كله. كرز للإنسان ونشر إنجيل ملكوت السماوات في الأماكن كافة. نفس الشيء حدث مع يوحنا، ولكن الفرق أن يسوع أرشد لعصر جديد وجلب عصر النعمة للإنسان. من فمه جاءت الكلمة حول ما يجب أن يمارسه الإنسان، والطريقة التي يجب أن يتبعها في عصر النعمة، وفي النهاية أنهى عمل الفداء. لم يكن هذا العمل ليتم قط من خلال يوحنا. وعليه، كان يسوع هو من قام بعمل الله نفسه، وهو الله ويمثل الله نفسه.

من "سر التجسُّد (1)" في "الكلمة يظهر في الجسد"

326. إن عمل الأنبياء وأقوالهم التي استخدمها الروح القدس قامت بواجب الإنسان، مؤدية وظيفته كمخلوق، وفعلت ما يجب على الإنسان فعله. إلا أن كلمة الله المتجسّد وعمله كانا لتأدية خدمته. مع أن شكله الخارجي كان مثل كائن مخلوق، إلا أن عمله لم يتمثل في أداء وظيفته إنما في خدمته. يُستخدم مصطلح "واجب" في إشارة إلى المخلوقات، في حين أن مصطلح "خدمة" يستخدم في إشارة إلى جسد الله المتجسّد. يوجد اختلاف جوهري بين الاثنين، ولا يمكن استبدال أحدهما بالآخر. يتمثل عمل الإنسان فقط في أداء واجبه، في حين أن عمل الله هو تدبير خدمته وإتمامها. لذلك، مع أن الروح القدس استخدم العديد من الرُسل وملأ الكثير من الأنبياء، إلا أن عملهم وأقوالهم كانت فقط لتنفيذ واجبهم كمخلوقات. مع أن نبوءاتهم قد تكون أعظم من طريق الحياة الذي تحدث عنه الله المتجسِّد، وحتى بشريتهم كانت أكثر سموًّا من بشرية الله المتجسِّد، إلا أنهم كانوا يؤدون واجبهم فحسب، ولم يكونوا يؤدّون خدمتهم. يشير واجب الإنسان إلى وظيفة الإنسان، وهو أمرٌ يمكن للإنسان تحقيقه. إلا أن الخدمة التي يؤديها الله المتجسِّد ترتبط بتدبيره، وهذا لا يمكن للإنسان تحقيقه. سواء أكان الله المتجسِّد يتكلم أم يعمل أم يُظهِر العجائب، فهو يقوم بالعمل العظيم في إطار تدبيره، ولا يمكن للإنسان القيام بهذا العمل بدلاً منه. يتمثل عمل الإنسان فقط في تنفيذ واجبه كمخلوق في مرحلة معينة من مراحل عمل تدبير الله. بدون تدبير الله، أي إذا لم تكن خدمة الله المتجسّد موجودة، سينتفي واجب المخلوق أيضًا. إن عمل الله في القيام بخدمته هو تدبير الإنسان، في حين أن تنفيذ الإنسان لواجبه يتمثل في الوفاء بالتزاماته تلبيةً لمطالب الخالق ولا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال تأدية لخدمة الشخص ذاته. من جهة جوهر الله المتأصل، أي روحُه، يُعد عملُ الله هو تدبيره، أما من جهة الله المتجسِّد الذي يلبس الشكل الخارجي لمخلوق، فيُعد عمله هو تأدية خدمته. أيًا كان العمل الذي يقوم به الله، فهو يعمله ليُنجزَ خدمته هو، وكل ما يستطيع فعله الإنسان هو أن يقدّم أفضل ما لديه في نطاق تدبير الله وتحت قيادته.

من "وجه الاختلاف بين خدمة الله المتجسّد وواجب الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

327. إن عمل الله في المقام الأول مختلف عن عمل الإنسان، فكيف يمكن إذًا أن تكون تعبيرات الله هي نفسها تعبيرات الإنسان؟ لله شخصية خاصة، بينما للإنسان واجبات ينبغي عليه إتمامها. شخصية الله معبَّر عنها في عمله، بينما واجب الإنسان متجسِّد في خبراته ومُعبَّر عنه في مساعيه. لذلك من الممكن معرفة ما إذا كان هذا تعبير الله أم تعبير الإنسان من خلال العمل الذي يقوم كل منهما به. الأمر لا يحتاج إلى أن يشرحه الله بنفسه أو يحتاج إلى أن يسعى الإنسان إلى تقديم شهادة، كما لا يحتاج الله نفسه إلى أن يتفوَّق على أي إنسان. كل هذا يأتي كإعلان طبيعي؛ هو ليس أمرًا إجباريًّا وليس شيئًا يمكن للإنسان أن يتدخل فيه. يمكن معرفة واجب الإنسان من خلال خبرته ولا يتطلب هذا من الناس أن يقوموا بأي عمل تجريبي إضافي. كل جوهر الإنسان يمكن أن ينكشف إذ يؤدي واجبه، بينما يعبِّر الله عن شخصيته المتأصلة بينما يؤدي عمله. إن كان هذا هو عمل الإنسان فلا يمكن أن يستتر. وإن كان هذا هو عمل الله فإن شخصيته أكثر استحالةً من قدرة أي شخصٍ على حجبها، ولا يمكن لأي إنسان أن يتحكَّم فيها. لا يمكن أن يُقال عن إنسان إنه الله، وكذلك لا يمكن النظر إلى عمله وكلماته على أنها مقدسة أو غير متغيرة. يمكن أن يُقال عن الله إنه إنسان لأنه لبس جسدًا، ولكن لا يمكن اعتبار عمله عمل إنسان أو واجب إنسان. إضافة إلى ذلك، فإن أقوال الله ورسائل بولس لا يمكن أن يستويا ولا يمكن أن يُقال إن دينونة الله وتوبيخه يتساويان مع كلمات الإنسان الإرشادية. لذلك توجد مبادئ تميِّز عمل الله عن عمل الإنسان. تتنوع وفقًا لجوهرها، وليس وفقًا لنطاق العمل أو كفاءة العمل المؤقتة. يرتكب معظم الناس أخطاءً متعلقة بالمبدأ عن هذا الموضوع. هذا لأن الإنسان ينظر إلى الخارج، الذي يمكنه أن يحقِّقه، بينما الله ينظر إلى الجوهر، الذي لا يمكن لعين الإنسان الجسدية ملاحظته. إن كنت تنظر إلى كلمات الله وعمله على أنها واجبات للإنسان العادي، وتنظر إلى عمل الإنسان واسعِ النطاق على أنه عمل الله الذي لبس جسدًا بدلًا من النظر إليه على أنه واجب يؤديه الإنسان، أفلست إذًا مخطئًا في المبدأ؟ يمكن كتابة رسائل الإنسان وسيره الذاتية بسهولة، ولكنها مؤسَّسة على أساس عمل الروح القدس. مع ذلك، فإن أقوال الله وعمله لا يمكن أن يحققهما الإنسان بسهولة ولا يمكن للحكمة والتفكير البشريين تحقيقهما، كما لا يمكن شرحهما بصورة شاملة بعد استكشافهما. إن لم يكن لديك أي رد فعل تجاه هذه المسائل المتعلقة بالمبدأ، فهذا يثبت أن إيمانك ليس حقيقيًّا ولا منقَّى للغاية. يمكن أن يُقال فقط إن إيمانك مملوء بالغموض وهو أيضًا مشوَّش وبلا مبدأ. بدون فهم أكثر القضايا الجوهرية الأساسية عن الله والإنسان، ألا يكون هذا النوع من الإيمان هو إيمان بدون فطنة؟

من "ما هو موقفك تجاه الرسائل الثلاث عشرة؟" في "الكلمة يظهر في الجسد"

328. عليكم أن تعرفوا كيفية تمييز عمل الله عن عمل الإنسان. ما الذي يمكنك أن تراه في عمل الإنسان؟ هناك الكثير من عناصر خبرة الإنسان في عمله؛ فما يعبر عنه الإنسان هو ماهيّته. كذلك يعبر عمل الله الشخصي أيضًا عن ماهيّته، ولكن ماهيته تختلف عن ماهية الإنسان. فماهية الإنسان تمثل خبرة الإنسان وحياته (ما يختبره الإنسان ويواجهه في حياته أو فلسفات المعيشة التي يؤمن بها)، ويعبر الناس الذين يعيشون في بيئات مختلفة عن ماهيات مختلفة. ويمكن من خلال ما تعبّر عنه رؤيةُ ما إذا كانت لديك خبرات في المجتمع وكيف تعيش فعليًّا وتختبر في أسرتك، فيما تعبر عنه، بينما لا يمكنك أن ترى من خلال عمل الله المتجسد إن كانت لديه خبرات اجتماعية. إنه على دراية تامّة بجوهر الإنسان، ويمكنه أن يكشف كل أنواع الممارسات المتعلقة بجميع أنواع الناس. إنه حتى أفضل في كشف الشخصيات الفاسدة والسلوك المتمرد لدى البشر. إنه لا يعيش بين الناس في هذا العالم، لكنه عالم بطبيعة الفانين وكل أنواع فساد البشر في العالم. هذه هي ماهيّته. على الرغم من أنه لا يتعامل مع العالم، فهو يعرف قواعد التعامل مع العالم؛ لأنه يفهم بالتمام الطبيعة البشرية. إنه يعرف عمل الروح الذي لا يمكن لعيون الإنسان أن تراه ولا يمكن لآذان الإنسان أن تسمعه، في الحاضر والماضي على السواء. يتضمن هذا حكمة ليست فلسفة للمعيشة أو عجائب يصعب على الناس فهمها. هذه هي ماهيته المعلَنة للناس وأيضًا المحجوبة عنهم. ما يعبر عنه ليس ماهية شخص استثنائي، بل هو ماهية الروح وصفاته المتأصلة. فهو لا يجوب العالم ولكنه يعرف كل شيء فيه. إنه يتواصل مع "أشباه الإنسان" الذين ليس لديهم أية معرفة أو بصيرة، لكنه يعبر بكلمات أعلى من المعرفة وفوق مستوى الرجال العظماء. إنه يعيش بين جماعة من الناس البليدين وفاقدي الإحساس الذين يفتقرون إلى الطبيعة البشرية ولا يفهمون الأعراف والحياة البشرية، لكنه يستطيع أن يطلب من البشرية أن تعيش حياة بشرية عادية، وفي الوقت ذاته يكشف الطبيعة البشرية المتدنية والمنحطّة للبشر. كل هذا هو ماهيته، وهي أسمى من ماهية أي شخص من لحم ودم. بالنسبة إليه، من غير الضروري أن يختبر حياة اجتماعية معقدة ومربكة ومتدنية لكي يقوم بالعمل الذي يحتاج أن يقوم به وأن يكشف بصورة شاملة جوهر البشرية الفاسدة. إن الحياة الاجتماعية الدنيئة لا تبني جسده. فعمله وكلامه لا يكشفان سوى عصيان الإنسان، ولا يقدمان للإنسان خبرة ودروسًا من أجل التعامل مع العالم. إنه لا يحتاج إلى أن يتحرى عن المجتمع أو أسرة الشخص عندما يمد الإنسان بالحياة. إن كشف الإنسان ودينونته ليسا تعبيرًا عن خبرات جسده؛ بل هي لكشف إثم الإنسان بعد معرفة طويلة الأمد بعصيان الإنسان وكراهية فساد البشرية. ويهدف العمل الذي يقوم به كله لكشف شخصيته للإنسان والتعبير عن ماهيته. وحده هو من يمكنه أن يقوم بهذا العمل، وهو شيء لا يمكن للشخص الذي من لحم ودم تحقيقه.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

329. يصير الله جسدًا فقط ليقود العصر ويطلق عملًا جديدًا. من الضروري أن تفهموا هذه النقطة. هذا يختلف كثيرًا عن وظيفة الإنسان، ولا يمكن مقارنة الاثنين ببعضهما في الوقت نفسه. يحتاج الإنسان إلى مدة طويلة من التهذيب والتكميل قبل أن يُستخدم لتنفيذ عمل، وينبغي أن يكون نوع الطبيعة البشرية اللازمة لذلك من مستويات عالية على نحو استثنائي. لا يجب أن يكون الإنسان قادرًا على الحفاظ على حسه البشري العادي فحسب، بل يجب أيضًا أن يفهم العديد من قواعد ومبادئ السلوك أمام آخرين، بالإضافة إلى أنه يجب عليه أن يتعلم المزيد من حكمة وأخلاقيات الإنسان. هذا ما يجب أن يتحلى به الإنسان. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الله الصائر جسدًا؛ لأن عمله لا يمثل إنسانًا ولا هو عمل الإنسان؛ بل هو تعبير مباشر عن كيانه وتنفيذ مباشر للعمل الذي ينبغي عليه القيام به. (بطبيعة الحال، يُنفَّذ عملُه في الوقت المناسب، وليس عرّضًا أو عشوائيًّا، ويبدأ عمله عندما يحين وقت إتمام خدمته). وهو لا يشارك في حياة الإنسان أو عمله، أي إن طبيعته البشرية لا تتحلى بأي من هذا (علمًا أن هذا لا يؤثر في عمله). فهو لا يُتمُّ خدمته إلّا عندما يحين وقت إتمامها؛ وأيًّا كانت حالته، فإنه ببساطة يمضي قُدُمًا في العمل الذي يجب أن يفعله. وأيًّا كان ما يعرفه الإنسان عنه أو رأيه فيه، فإن عمله لا يتأثر بتاتًا.

من "سر التجسُّد (3)" في "الكلمة يظهر في الجسد"

330. إن العمل الذي يقوم به الله لا يمثل اختبار جسده؛ أما العمل الذي يقوم به الإنسان فهو يمثل اختباره. يتكلم كل شخص عن خبرته الشخصية. يمكن لله أن يعبر عن الحق مباشرةً، بينما لا يمكن للإنسان إلا أن يعبر عن الخبرة المقابلة بعد اختبار الحق. ليس لعمل الله قواعد ولا يخضع لزمن أو قيود جغرافية، وهو يستطيع أن يعبِّر عن ماهيته في أي وقت وأي مكان. إنه يعمل كما يحلو له. أما عمل الإنسان فله شروط وسياق؛ وبدونهما لن يكون قادرًا على العمل أو التعبير عن معرفته بالله أو خبرته بالحق. ولكي تعرف ما إذا كان هذا هو عمل الله أم عمل الإنسان، ما عليك سوى أن تقارن الاختلافات بين الاثنين. إن لم يكن هناك عمل قام به الله نفسه، وكان هناك عمل الإنسان فقط، ستعرف ببساطة أن تعاليم الإنسان عالية، وخارج نطاق استطاعة أي شخص آخر؛ وأسلوب كلامهم ومبادئهم في التعامل مع الأمور وأسلوبهم المحنك الثابت في العمل كلها أمور بعيدة عن منال الآخرين. أنتم جميعًا تعجبون بهؤلاء الناس الذين يتمتعون بقدرات جيدة ومعرفة راقية، لكنك لا تستطيع أن ترى من عمل الله وكلامه مدى سمو طبيعته البشرية. بل هو عادي، وعندما يعمل يكون عاديًا وواقعيًّا لكنه أيضًا غير قابل للقياس من قبل الفانين، مما يجعل الناس لهذا يشعرون بنوع من التقوى له. ربما تكون خبرة الشخص في عمله متقدمة بصورة خاصة، أو يكون خياله وتفكيره متقدمًا أيضًا على نحو خاص، وتكون طبيعته البشرية جيدة بشكل خاص، وهذه الصفات لا يمكن إلا أن تحظى بإعجاب الناس، ولكنها لن تثير رهبتهم وخوفهم. إن جميع الناس يعجبون بالأشخاص الذين يستطيعون إتقان العمل، ولديهم خبرة خاصة وعميقة، ويمكنهم ممارسة الحق، ولكن مثل هؤلاء الأشخاص لا يمكنهم أبدًا إثارة الرهبة، بل الإعجاب والحسد. غير أن الناس الذين اختبروا عمل الله لا يعجبون بالله، بل يشعرون بدلًا من ذلك بأن عمله بعيد عن منال الإنسان وعن فهمه، وأنه جديد وبديع. وعندما يختبر الناس عمل الله، تكون أول معرفة لهم عنه أنه فوق الإدراك وحكيم وبديع، ويتقونه لا شعوريًا، ويشعرون بغموض العمل الذي يقوم به، فهو خارج نطاق عقل الإنسان. لا يريد الناس سوى أن يكونوا قادرين على تلبية مطالبه، وإرضاء رغباته؛ ولا يرغبون في تجاوزه؛ لأن العمل الذي يقوم به يتجاوز مستوى تفكير الإنسان وخياله، ولا يمكن للإنسان أن يقوم به بدلاً منه. حتى الإنسان نفسه لا يعرف عيوبه الخاصة، لكن الله فتح طريقًا جديدًا، وجاء لينقل الإنسان إلى عالم أكثر جِدّةً وجمالاً، ولذلك استطاعت البشرية أن تحقق تقدمًا جديدًا وبداية جديدة. ما يشعر به الناس نحوه ليس إعجابًا، أو بالأحرى ليس مجرد إعجاب. خبرتهم الأعمق هي الرهبة والمحبة، وشعورهم هو أن الله بديع بالفعل؛ فهو يقوم بعمل لا يستطيع الإنسان القيام به، ويقول أمورًا لا يستطيع الإنسان أن يقولها، والناس الذين اختبروا عمله يختبرون دائمًا شعورًا لا يوصف. فالناس ذوو الخبرة العميقة بدرجة كافية يستطيعون فهم محبة الله، كما يستطيعون الإحساس بجماله، وبأن عمله حكيم ورائع للغاية، وبذلك تتولد قوة مطلقة بينهم. إنها ليست مشاعر الخوف ولا المحبة أو الاحترام التي تأتي عرضيًا، بل إحساس عميق برحمة الله وتسامحه مع الإنسان. لكن الناس الذين قد اختبروا توبيخه ودينونته يشعرون بجلاله وبأنه لا يتسامح مع أي إساءة إليه. حتى الناس الذين قد اختبروا كثيرًا من عمله لا يستطيعون فهمه؛ وكل الذين يتّقونه حقًّا يعرفون أن عمله لا يتماشى مع مفاهيم الناس، بل يسير دائمًا ضدها. إنه لا يحتاج إلى إعجاب الناس الكامل به أو تقديمهم مظهر الخضوع له، بل أن يكون لديهم تقوى وخضوع حقيقيان. في الكثير من عمله، يشعر أي شخص له خبرة حقيقية بالتقوى له، وهذه التقوى أعلى من الإعجاب. لقد رأى الناس شخصيته بسبب عمله في التوبيخ والدينونة؛ ولذلك فهم يتّقونه في قلوبهم. الله جدير بالاتقاء والطاعة؛ لأن ماهيته وشخصيته ليسا مثل ماهية الكائن المخلوق وشخصيته، وهما أسمى من كل الكائنات المخلوقة. الله موجود بذاته وأزلي، وهو كائن غير مخلوق، والله وحده مستحق للاتقاء والطاعة؛ أما الإنسان فهو غير أهلٍ لذلك.

من "عمل الله وعمل الإنسان" في "الكلمة يظهر في الجسد"

السابق: 8. كلمات عن معرفة عمل الله

التالي: 10. كلمات عن كيفيَّة الدخول إلى واقع الحقّ في إيمان المرء بالله

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب