كيفية السعي إلى الحق (2)

في اجتماعنا السالف، عقدنا شركة عن موضوع كبير؛ ألا وهو كيفية السعي إلى الحق. كيفية السعي إلى الحق؛ كيف عقدنا شركة حول هذه القضية؟ (خاطبت شركة الله جانبين: أولهما "التخلي"، وثانيهما "التكريس". بخصوص التخلي، تحَّدث الله عن المشاعر السلبيَّة الموجودة في الإنسان. عقد الله الشركة على وجه الخصوص عن التأثيرات والعواقب المحددة التي تتركها مشاعر الدونيَّة والغضب والكراهية والسلبيَّة على واجبنا. وقدَّمت لنا شركة الله فهمًا مختلفًا لكيفية السعي إلى الحق. لقد رأينا كيف أننا غالبًا ما نتجاهل المشاعر السلبيَّة التي نكشفها يوميًّا، وعادةً ما لا نميِّز مشاعرنا السلبيَّة أو نفهمها؛ إنما نُصدِر حكمًا أحادي الجانب مفاده أنَّ هذا نوع الأشخاص الذي نحن عليه فحسب. نَجلِب هذه المشاعر السلبيَّة إلى واجبنا، ولهذا تأثير مباشر في نتائج ذلك الواجب، وفي كيفية رؤيتنا للناس والأشياء وكيفية تعاملنا مع المشكلات في حياتنا. وهذا يَجعَل السير في طريق السعي إلى الحق صعبًا للغاية علينا). في اجتماعنا الماضي، عقدتُ شركة عن كيفية السعي إلى الحق. ثمة طريقان رئيسيان عندما يتعلق الأمر بالممارسة: طريق التخلي، وطريق التكريس. في المرة السابقة، لخَّصنا القضايا الرئيسية المرتبطة بالجانب الأول من ذلك المسار الأول، "التخلي"، أي أنَّه يجب على المرء التخلي عن أنواع مختلفة من المشاعر؛ هي في الأساس مشاعر سلبيَّة: تلك المشاعر غير الطبيعية وغير العقلانية والتي لا تتوافق مع الضمير والعقل. من بين هذه المشاعر، ركَّزت شركتنا على المشاعر السلبيَّة التالية: الدونيَّة والغضب والكراهية، إضافةً إلى بعض السلوكيات التي تنتج عن العيش داخل هذه المشاعر السلبيَّة، والمشاعر السلبيَّة المختلفة الناتجة عن ظروف محددة أو خلفية تنموية، والمشاعر السلبيَّة التي تعكسها شخصية غير طبيعية. لماذا لا بد من التخلي عن هذه المشاعر السلبيَّة؟ ذلك لأن هذه المشاعر، من الناحية الموضوعية، تؤدي إلى تشكُّل عقليات ووجهات نظر سلبيَّة لدى الأشخاص، مما يؤثر في الموقف الذي يتخذونه عند مواجهة الأشخاص أو الأحداث أو الأشياء. ولهذا، فإن الجانب الأول من طريقة الممارسة هذه، أي التخلي، يتطلب من الناس التخلي عن جميع أنواع المشاعر السلبيَّة. في المرة السابقة عقدنا جزءًا من الشركة حول هذه المشاعر السلبيَّة، لكن إلى جانب مشاعر الدونيَّة والغضب والكراهية، التي عقدنا الشركة عنها، توجد بالطبع مجموعة متنوعة من المشاعر التي يمكنها التأثير في وجهات نظر الإنسانية الطبيعية. إنها تتداخل مع ضمير الإنسانية الطبيعية وعقلها وتفكيرها وحكمها، ومن الممكن أن تؤثر في نتائج سعي الإنسان إلى الحق. وهذا يعني أنَّ هذه المشاعر السلبيَّة هي أول الأشياء التي يجب على البشريَّة التخلي عنها في سعيها إلى الحق. سوف تواصل شركتنا اليوم تناول الموضوع المطروح؛ وهو كيفية التخلص من المشاعر السلبيَّة المختلفة. أولًا، سنعقد شركة حول المظاهر المختلفة للمشاعر السلبيَّة، ومن خلال شركتي حول هذه المظاهر، يمكن للإنسان أن يربح معرفة بالمشاعر السلبيَّة، ويعقد مقارنة بينها وبين نفسه، ثم يبدأ في علاجها، واحدًا تلو الآخر، في حياته اليومية. من خلال طلب الحق وفهمه، ومن خلال معرفة الأفكار والآراء السلبيَّة وتشريحها، ومعرفة وجهات النظر والمواقف غير الطبيعية التي تثيرها المشاعر السلبيَّة لدى الناس، يمكنهم البدء في علاج تلك المشاعر السلبيَّة.

تحدثنا في المرة الماضية عن المشاعر السلبيَّة الناجمة عن "الاكتئاب". أولًا، هل يعاني معظم الناس من مشاعر الاكتئاب هذه؟ هل بمقدوركم إدراك نوع الشعور والمزاج اللذين يمثلهما الاكتئاب، وإدراك مظاهره؟ (نعم). هذا مما يسهل فهمه. لن نتحدث عن "الاكتئاب" باستفاضة كبيرة، بل سنصِف فحسب المظاهر الناجمة عن مشاعر الاكتئاب لدى أولئك الذين يؤمنون بالله ويتبعونه. ماذا يعني "الاكتئاب"؟ إنه يعني أن تشعر بالتعاسة، وأنك لست بخير، وأنك لست مهتمًا بأي شيء تفعله، وألا يكون لديك أي حافز أو دافع، وأن يكون لديك موقف سلبي تمامًا وغير فعال في الأشياء التي تفعلها، وأن تفتقر إلى الإيجابية والعزم القوي لتحقيق شيء ما. فما السبب الجذري لهذه المظاهر؟ هذه هي القضية الأساسية التي لا بد من تشريحها. حالما تفهم مظاهر الاكتئاب المختلفة، وتفهم ما ينجم عن هذا الشعور السلبي من حالات ذهنية مختلفة وأفكار ومواقف في فعل الأشياء، ستفهم أسباب هذه المشاعر السلبيَّة، أي الأسباب الجذرية التي تكمن وراء هذه المشاعر السلبيَّة وتؤدي إلى ظهورها لدى الناس. لماذا يُصاب الناس بالاكتئاب؟ لماذا لا يشعرون بأي دافع لفعل الأشياء؟ لماذا يكونون دائمًا سلبيين وخاملين ودون عزمٍ عندما يَفعلون الأشياء؟ مِن المؤكد أن ثمة سببًا لذلك. على سبيل المثال، ترى شخصًا دائمًا ما يكون مكتئبًا وسلبيًا عندما يفعل الأشياء غير قادر على استجماع أي طاقة، ودائمًا ما تكون مشاعره ومواقفه ليست إيجابية جدًا أو متفائلة وهو يعبِّر عن موقف سلبي يتمثل في اللوم واليأس. تقدِّم له النُصح لكنه لا يستمع إليه أبدًا، ورغم اعترافه بأن السبيل الذي التي أشرت به عليه هو السبيل الصحيح وأن طريقة تفكيرك رائعة، فإنه لا يستطيع استجماع أي قدر من الطاقة عندما يفعل الأشياء ولا يزال سلبيًا وخاملًا. في الحالات الخطيرة، يمكنك من خلال حركات جسم هذا الشخص وهيئته ومِشيته ونبرة كلامه والكلمات التي يقولها، رؤية أنَّ مشاعره مكتئبة للغاية وأنه يفتقر إلى الطاقة في كل ما يفعله، وأنه مثل ثمرة مسحوقة وكل مَن يقضي وقتًا طويلًا مع ذلك الشخص سيتأثر به. بمَ يتعلق كل هذا؟ إن مختلف السلوكيات وتعبيرات الوجه ونبرات الكلام وحتى الأفكار ووجهات النظر التي يُعبِّر عنها الأشخاص الذين يعيشون في الاكتئاب لها صفات سلبيَّة. فما السبب وراء هذه الظواهر السلبيَّة؟ أين يكمن الجذر؟ إن السبب الجذري لظهور شعور الاكتئاب السلبي يختلف من شخص لآخر بطبيعة الحال. قد ينشأ أحد أنواع مشاعر الاكتئاب لدى الشخص بسبب إيمانه المتواصل بأنَّ قدَره مريع. أليس هذا أحد الأسباب؟ (بلى). كان مثل هذا الشخص في طفولته يعيش في الريف أو في منطقة فقيرة، ولم تكن أسرته ثرية ولا كان لديها أي شيء ذي قيمة كبيرة باستثناء بعض الأثاث البسيط. ربما كانت لديه طقم أو اثنين من الملابس التي كان عليه ارتداؤها رغم وجود بعض الثقوب فيها، ولم يكن بمقدوره قط أن يأكل طعامًا جيدًا في المعتاد، بل كان عليه الانتظار حتى رأس السنة الجديدة أو العطلات لتناول اللحوم. أحيانًا ما كان يعاني من الجوع ولم يكن لديه من الملابس ما يكفي للتدفئة، وكان الحصول على وعاء كبير مليء باللحوم لتناوله بمثابة حلم بعيد المنال، وحتى العثور على قطعة فاكهة لأكلها كان صعبًا. ولعيشه في مثل هذه البيئة، كان يشعر أنه مختلف عن الآخرين الذين يعيشون في المدينة الكبيرة، والذين كان والداهم من ذوي الإمكانيات المادية، الذين يمكنهم تناول ما يشاؤون وارتداء ما يبتغون، والذين كانوا يحصلون على كل ما يريدونه وقتما وأينما أرادوا، والذين كانوا على دراية بالأشياء. إنه يفكر: "لديهم مثل هذا القَدَر الجيد. لماذا قدَري سيئ للغاية؟" دائمًا ما يريدون أن يتميزوا عن الجميع ويغيروا قدَرهم؛ غير أنه ليس من السهل أن يغير المرء قدَره. عندما يُولَد المرء في مثل هذا الوضع، فإلى أي مدى يمكنه تغيير قدَره، وإلى أي مدى يمكنه تحسينه، رغم محاولاته؟ بعدما يصير بالغًا تعرقله العقبات حيثما ذهَبَ في المجتمع، ويتعرَّض للمضايقات أينما خَطَت قدماه، ولذلك يَشعُر دائمًا بالأسف الشديد؛ ويفكِّر: "لماذا أنا سيئ الحظ إلى هذا الحد؟ لماذا أقابل دائمًا أشخاصًا لئيمين؟ كانت الحياة صعبة في طفولتي، كانت كذلك فحسب. والآن بعدما كبرت، لا يزال الوضع سيئًا للغاية. دائمًا ما أرغب في إظهار قدراتي، لكن الفرصة لا تسنح لي قط. إذا لم أنل الفرصة أبدًا، فليكن. لا أريد سوى أن أعمَل بجد وأكسب ما يكفي من المال لأعيش حياة جيدة. لماذا لا يمكنني حتى عمل ذلك؟ كيف يمكن أن يكون عيش حياة جيدة أمرًا صعبًا للغاية؟ ليس ضروريًّا أن أعيش حياة متفوقة على أي شخص آخر. أريد على الأقل أن أعيش حياة أحد سكان المدينة، وألا يزدريني الناس، وألا أكون مواطنًا من الدرجة الثانية أو الثالثة. على الأقل، لا يهتف الناس حينما ينادونني: "أنت، تعال إلى هنا"! على الأقل ينادونني باسمي ويخاطبونني باحترام. لكنني لا أستطيع حتى الاستمتاع بمخاطبتي باحترام. لماذا قدَري قاسٍ جدًّا؟ متى سينتهي؟" عندما كان مثل هذا الشخص لا يؤمن بالله، اعتبرَ قدَره قسوة. وبعد أن بدأ يؤمن بالله ويرى أن هذا هو الطريق الحق، فإنه يفكِّر: "كل تلك المعاناة فيما سبق كانت تستحق العناء. لقد كان كل ذلك من عمل الله وتنظيمه، وكان عمَل الله حسنًا. لو لم أعانِ على ذلك النحو، لما آمنت بالله. والآن وقد آمنت بالله، فسيتغيَّر قدَري نحو الأفضل إذا تمكَّنت من قبول الحق. الآن يمكنني أن أعيش حياة متساوية في الكنيسة مع إخوتي وأخواتي، والناس ينادونني بـ "الأخ" أو "الأخت"، ويخاطبونني باحترام. إنني الآن أستمتع بالشعور باحترام الآخرين". يبدو كما لو أنَّ قدَره تغيَّر، ويبدو أنه لم يعُد يعاني ولم يعد قدَره سيئًا. حالما يبدأ في الإيمان بالله، يعقد العزم على أداء واجبه جيدًا في بيت الله، ويصبح قادرًا على تحمُّل المشقة والعمل الجاد وعلى أن يتحمل في أي أمر أكثر مما يمكن لأي شخص آخر، وهو يسعى جاهدًا للفوز باستحسان معظم الناس وتقديرهم. يعتقد حتى أنَّ الاختيار قد يقع عليه ليكون قائدَ كنيسة، أو شخصًا مسؤولًا، أو قائد فريق؛ ألا يكون في ذلك تكريم لأسلافه وعائلته؟ ألا يكون بذلك قد غيَّر قدَره؟ ومع ذلك، فإن الواقع لا يرقى إلى مستوى رغباته تمامًا، فيشعر بالاكتئاب، ويفكِّر: "إنني أومن بالله منذ سنوات وأنا على وفاق جيد مع إخوتي وأخواتي، لكن لماذا كلما يحين وقت اختيار قائد أو شخص مسؤول، أو قائد فريق، لا يأتي دوري أبدًا؟ هل لأنني أبدو بسيطًا جدًّا، أم لأنَّ أدائي لم يكن جيدًا بما فيه الكفاية ولم يلاحظني أحد؟ في كل مرة يكون هناك تصويت، قد يكون لدي قدر طفيف من الأمل، وسأكون سعيدًا حتى باختياري قائد فريق. أنا مملوء حماسًا لرد الجميل لله، لكن ينتهي بي المطاف بخيبة الأمل في كل مرة يجري فيها التصويت ويجري استبعادي من كل شيء. فما الأمر؟ أيكون حقًّا أنني لا أستطيع سوى أن أكون شخصًا متوسطًا، شخصًا عاديًا، شخصًا غير ملحوظ طيلة حياتي؟ عندما أتذكر طفولتي وشبابي وسنوات منتصف العمر، أجد أن هذا الطريق الذي سلكته كان دائمًا عاديًا للغاية ولم أفعل أي شيء جدير بالملاحظة. وليس الأمر أنني لا أملك أي طموح، أو أن مستوى قدراتي ضعيف للغاية؛ وليس الأمر أنني لا أبذل جهدًا كافيًا أو أنني لا أستطيع تحمُّل المشقة. لدي تطلعت وأهداف، بل يمكن القول أيضًا إنَّ لي طموح. فلماذا لا أستطيع التميز عن الآخرين أبدًا؟ في التحليل النهائي، قدَري سيئ ومقدَّرٌ لي أن أعاني، وهكذا رتَّب الله الأمور لي". وكلما فكَّر في هذا الأمر، ازداد سوء قدَره في اعتقاده. وإذا قدَّم – في السياق العادي لواجباته – بعض الاقتراحات أو عبَّر عن بعض الآراء وتلقى دحضًا لها دائمًا، ولم يستمع أحد إليه أو يأخذه على محمل الجد، فإنه يصير أكثر اكتئابًا، ويفكِّر: "أواه، قدَري سيئ جدًّا! في كل مجموعة أنتمي إليها دائمًا ما يوجد شخص لئيم يعوق طريق تقدمي ويضطهدني. لا أحد يأخذني على محمل الجد ولا أستطيع أن أتميز أبدًا. فرغم كل شيء، يعود الأمر إلى هذا: لي قدَر سيئ فحسب!" بصرف النظر عما يحدث له، فإنه ينسب ذلك دائمًا إلى سوء قدره؛ ودائمًا ما يبذل جهدًا في فكرة القدَر السيئ هذه، ويسعى جاهدًا للحصول على فهم وتقدير أعمق لها، وبينما يقلِّب الأمر في ذهنه، تزداد مشاعر الاكتئاب لديه أكثر من أي وقت مضى. وعندما يرتكب خطأً صغيرًا في أداء واجبه، يفكِّر: "أواه، كيف يمكنني القيام بواجبي جيدًا بينما لي مثل هذا القدَر السيئ؟" في الاجتماعات يقدم إخوته وأخواته شركة، وهو يفكِّر في الأمور مرارًا وتكرارًا، لكنه لا يفهم، ويدور في ذهنه: "أواه، كيف يمكنني أن أفهم الأشياء بينما لي مثل هذا القدَر السيئ؟" وكلما رأى شخصًا يتحدث على نحو أفضل منه، ويناقش فهمه بطريقة أوضح وأكثر إضاءة منه، ازداد شعوره بالاكتئاب. وعندما يرى شخصًا يمكنه تحمل الضيقات ودفع الثمن، ويرى نتائج في أداء واجبه، وينال استحسان إخوته وأخواته ويحصل على ترقية، فإنه يشعر بالتعاسة في قلبه. وعندما يرى شخصًا ما يصبح قائدًا أو عاملًا، يشعر بمزيد من الاكتئاب، وحتى عندما يرى شخصًا يرنِّم ويرقص على نحو أفضل منه، ويشعر بالدونية تجاه ذلك الشخص، يُصاب بالاكتئاب. أيًا كان ما يواجهه من الأشخاص أو الأحداث أو الأشياء أو المواقف، فإنه دائمًا ما يستجيب لها بهذا الشعور بالاكتئاب. حتى عندما يرى شخصًا يرتدي ملابس أجمل قليلًا من ملابسه أو يصفِّف شعره بطريقة أفضل قليلًا، فإنه دائمًا ما يشعر بالحزن، وتنشأ الغيرة والحسد في قلبه حتى يعود أخيرًا إلى ذلك الشعور بالاكتئاب. ما الأسباب التي يتوصَّل إليها بشأن ذلك؟ إنه يفكِّر: "أواه، أليس هذا لأن قدَري سيئ؟ لو كان مظهري أفضل قليلًا، ولو كنت على مثل ما يتمتع به من الوقار، ولو كنت طويلًا وحسن القوام، وأرتدي ملابس جيدة ولي أموال كثيرة ووالدان جيدان، أما كانت الأمور لتصبح مختلفة عما هي عليه الآن؟ أما كان الناس لينظروا إليَّ آنذاك بتقدير كبير، ويحسدونني ويغارون مني؟ في النهاية، قدَري سيئ ولا يمكنني لوم أي شخص آخر على ذلك. في ظل هذا القدَر السيئ، لا شيء يسير على ما يرام بالنسبة لي، ولا يمكنني السير في أي مكان دون أن أسقط فوق شيء ما. إنه قدَري السيئ فحسب، وليس ثمة ما يمكنني فعله حيال ذلك. وبالمثل، عندما يجري تهذيبه أو عندما يوبخه الإخوة والأخوات أو ينتقدونه، أو يقدمون له اقتراحات، فإنه يستجيب لذلك أيضًا بشعور الاكتئاب. على أي حال، سواء كان الأمر يتعلق بشيء يحدث له أو بكل شيء من حوله، فإنه دائمًا ما يستجيب لذلك بمختلف الأفكار والآراء والمواقف ووجهات النظر السلبيَّة التي تنشأ من شعور الاكتئاب لديه.

مثل هؤلاء الأشخاص، الذين يعتقدون دائمًا أن قدَرهم سيئ، يشعرون دائمًا وكأن صخرة عظيمة تَسحق قلوبهم. لأنهم يعتقدون دائمًا أن كل ما يحدث لهم إنما هو بسبب قدَرهم السيئ، ويشعرون أنهم لا يستطيعون تغيير أي شيء من ذلك القَدر مهما حدَث. فماذا يفعلون؟ إنهم يشعرون بالسلبيَّة ويتقاعسون ويستسلمون لمصائبهم. ماذا أقصد بقولي إنهم يستسلمون لمصائبهم؟ أقصد أنهم يفكِّرون: "أواه، سيكون عليَّ الاستمرار في الحياة بهذه الطريقة فحسب!" عندما يُهذَّب الآخرون، يمكن لهؤلاء أن يتأملوا في أنفسهم ويقولوا: "لماذا هُذبتُ؟ ماذا فعلتُ يتعارض مع مبادئ الحق؟ ما الشخصيات الفاسدة التي كشفتُها؟ هل فهمي عميق بما فيه الكفاية وملموس بما فيه الكفاية؟ كيف ينبغي أن أفهم هذه المشكلات وأعالجها؟" إنهم يقولون أشياءً من هذا القبيل، وهكذا يكون الشخص الذي يسعى إلى الحق. وعندما يُهذَّب الشخص الذي يعاني مما يسمى بالقدَر السيئ، فإنه يشعر أن الآخرين يزدرونه، وأن قدَره سيئ، ولهذا لا أحد يحبه، وأن كلَّ من يشاء تهذيبه يستطيع فعل ذلك. عندما لا يهذبه أحد، يخف اكتئابه قليلًا، لكنه يعاوده وبحدة أكبر فور أن يهذبه شخص ما. عندما يُهذَّب أناس آخرون، قد يشعرون بالسلبيَّة لعدة أيام. يقرؤون كلام الله، وبالمساعدة والدعم من إخوتهم وأخواتهم، يصبحون قادرين على قبول الحق وببطء يغيرون اتجاههم، تاركين وراءهم تلك الحالة السلبيَّة. أما أولئك الذين يعتقدون أن قدَرهم سيئ، فليس الأمر أنهم لا يتركون هذه المشاعر السلبيَّة خلفهم فحسب، بل هم يصبحون – على النقيض من ذلك – أكثر تيقنًا من أن قدَرهم سيئ بالفعل. لمَ يحدث هذا؟ إنهم يأتون إلى بيت الله وهم يشعرون أنَّ مهاراتهم لا تُوظَّف أبدًا على نحو كامل، وأنهم دائمًا ما يُهَّذبون ويُستخدمون ككبش فداء. يفكر الواحد منهم: "أترى؟ يفعل الآخرون هذا ولا يُهذَّبون، فلماذا أُهذَّب أنا عندما أفعل هذا؟ هذا يثبت بالتأكيد أنَّ قدَري سيئ! ولهذا يُصابون بهذا الاكتئاب ويغرقون في اليأس. بغض النظر عن الطريقة التي يحاول بها الآخرون الشركة معهم عن الحق، فإنها لا تترسخ في قلوبهم، ويقولون: "أنتم تُهذَّبون للحظة فحسب، لكن الأمر مختلف بالنسبة لي. أنا لا أستطيع أن أفعل أي شيء على نحو صحيح، وقد وُلدتُ لأتحمل التعرض للتهذيب. لا يمكنني لوم أحدٍ، كل ما في الأمر أن قدَري سيئ". لأنهم يعتقدون دائمًا أن قدَرهم سيئ، وأنهم سيظلون على هذا النحو دائمًا طوال حياتهم، مهما كانت الطريقة التي يُخبِر بها بيت الله الناس كيفية السعي إلى الحق، وكيفية أداء واجب الكائن المخلوق، وكيفية أداء واجبهم بما يرقى إلى المعايير، لا شيء من ذلك يترسخ لديهم. لأنهم على يقين دائمًا من أن قدَرهم سيئ، فإنهم يشعرون أن هذا الشيء الرائع المتمثل في السعي إلى الحق وبلوغ الخلاص لا يخصهم إطلاقًا، ولذلك لا يؤدون واجبهم بضمير حيٍّ. إنهم متأكدون في قلوبهم أن "الأشخاص الذين لديهم قدَر سيئ لا يمكنهم أداء واجبهم جيدًا؛ وحدهم الأشخاص الذين لديهم قدَر جيد يستطيعون أداء واجبهم جيدًا. عندما يحظى شخص ما بقدَر حسن، فإن الناس يحبونه حيثما ذهب، وكل شيء يسير بسلاسة بالنسبة له. أما أنا، فقدَري سيئ ودائمًا ما أقابل أشخاصًا لئيمين، ولا يراودني أبدًا شعور جيد عند أداء واجباتي، فهذه البلايا تأتي واحدة تلو الأخرى!" لأنهم يعتقدون أن قدَرهم سيئ، يشعرون دائمًا بالتعاسة والاكتئاب. إنهم يعتقدون دائمًا أن السعي إلى الحق هو موضوع للحديث فحسب، وأن شخصًا مثلهم له قدَر سيئ لا يمكنه أبدًا بلوغ أي شيء من خلال السعي إلى الحق. يشعرون أنهم، حتى لو سعوا إلى الحق، فلن يربحوا أي شيء في النهاية، ويفكِّرون دائمًا: "كيف يمكن لذوي القدَر السيئ أن يدخلوا الملكوت؟ كيف يمكن لذوي القدَر السيئ أن يبلغوا الخلاص؟" إنهم لا يجرؤون على تصديق ذلك، ولذا يضعون حدودًا لأنفسهم باستمرار، ويفكرون: "لأن قدَري سيئ وقد ولدتُ لأعاني، فلن يكون الأمر سيئًا للغاية أن أبقى على قيد الحياة وأصير في النهاية عامل خدمة. هذا يعني أن أعمال أسلافي الصالحة ستؤتي ثمارها فيَّ، وسيباركونني بحُسن الحظ. ولأن قدَري سيئ، فأنا لا أصلح إلا لأداء ببعض الواجبات غير الملحوظة، مثل الطبخ أو التنظيف أو رعاية أطفال الإخوة والأخوات، أو بعض الأعمال الغريبة، وما إلى ذلك. أما بالنسبة لتلك المهام التي تتيح لك التألق في بيت الله، فالأرجح أنه لن يكون لي أي علاقة بها طيلة حياتي. مثلما ترى، لقد جئت إلى بيت الله مملوءًا بالحماس، وكيف انتهى بي الأمر؟ أطهو الطعام وأقوم ببعض الأعمال اليدوية فحسب. لا أحد يلاحظ مدى إرهاقي أو مدى صعوبة الأمر، لا أحد يرى، ولا أحد يهتم. إذا لم يكن هذا حظًا عاثرًا، فلستُ أعرف ماذا قد يُعَد حظًا عاثرًا! ثمة أشخاص آخرون هم ممثلون رئيسيون أو ممثلون مساعدون، يصورون فيلمًا تلو آخر، وفيديو تلو آخر؛ فما أروع ذلك! إنني لم ألمع قط، ولا مرة واحدة. ما أسوأ هذا الحظ! قدَري سيئ للغاية! مَن يُلام على قدَري السيئ؟ أليس هذا خطأي؟ سأستمر في المضي قدمًا فحسب، حتى يحين وقت الموت". إنهم يغرقون في هذا الشعور السلبي إلى ما هو أعمق فأعمق. لا يقتصر الأمر على أنهم غير قادرين على التأمل في مشاعرهم السلبيَّة ومعرفتها، أو معرفة سبب ظهورها لديهم، أو ما إذا كان لأي من ذلك علاقة بقدَر جيد أو قدَر سيئ، ولا أنهم لا يطلبون الحق لفهم هذه الأشياء، بل هم أيضًا يتشبثون على نحو أعمى بفكرة أن قدَرهم السيئ هو سبب كل مشكلاتهم. والنتيجة أنهم يغرقون في هذه المشاعر السلبيَّة إلى ما هو أعمق وأعمق ولا يستطيعون تخليص أنفسهم. وفي النهاية، لأنهم يعتقدون دائمًا أن قدَرهم سيئ، يقعون في اليأس، ويعيشون دون أي هدف حقيقي، ويأكلون وينامون فحسب، في انتظار الموت؛ ومن ثم يصبحون – على نحو متزايد – غير مهتمين بالسعي إلى الحق، وأداء واجبهم جيدًا، وبلوغ الخلاص، وغيرها من متطلبات الله، بل إنهم يُبعِدون عنهم هذه الأشياء ويزداد رفضهم لها أكثر فأكثر. إنهم يتخذون من قدَرهم السيئ سببًا وأساسًا لهم لعدم السعي إلى الحق وعدم القدرة على بلوغ الخلاص كنتيجة أكيدة. هم لا يُشرِّحون شخصياتهم الفاسدة أو مشاعرهم السلبيَّة في المواقف التي يواجهونها، ومن ثم يعرفون شخصياتهم الفاسدة ويعالجونها، بل يستخدمون وجهة نظرهم بشأن قدَرهم السيئ في كيفية استجابتهم لكل ما يواجهونه ويختبرونه من الأشخاص والأحداث والأشياء، مما يؤدي إلى وقوعهم في شعور الاكتئاب على نحو أعمق. أليس كذلك؟ (إنه كذلك). إذًا، هل مشاعر الاكتئاب التي تجعَل الناس يعتقدون أن قدَرهم سيئ صحيحة أم لا؟ (ليست صحيحة). كيف لا تكون صحيحة؟ (أعتقد أن هذه المشاعر جذرية تمامًا. فهم يقحمون قدَرهم السيئ في تفسير كل ما يحدث لهم وتحديده. عندما تحدث لهم الأشياء، لا يتأملون ثم يتوصلون إلى استنتاج بشأن سبب ظهور هذه المشكلات، ولا هم يسعون أو يتدبرون. إنها طريقة جذرية تمامًا ومحدِّدة في التعامل مع الأشياء). كيف تنشأ هذه الطريقة الجذرية والسخيفة للتعامل مع الأشياء؟ ما السبب الجذري لمشاعر الاكتئاب؟ (أعتقد أن السبب الجذري لهذه المشاعر هو أنهم يتبعون الطريق الخاطئ، ونقطة البداية في سعيهم خاطئة. إنَّ لديهم بعض الرغبات الجامحة، فهم يتنافسون دائمًا ويقارنون أنفسهم بالآخرين، وعندما لا يستطيعون إشباع رغباتهم الجامحة، فإنَّ هذه المشاعر السلبيَّة التي بداخلهم تطِّل برأسها). أنتم لم تفهموا جوهر هذه القضية فهمًا واضحًا؛ فالسبب الرئيسي أنَّ وجهة نظرهم بشأن مسألة "القدَر" غير دقيقة. إنهم يسعون دائمًا إلى قدَر جيد أو يريدون أن يكون قدَرهم جيدًا بحيث يسير معهم كل شيء بسلاسة ويُسر. هم ينظرون دائمًا إلى أقدار الناس، فماذا يحدث لهم عندما يبدؤون في السعي وراء شيء كهذا؟ إنهم ينظرون إلى الأشخاص في جميع البيئات المختلفة، ينظرون إلى ما يأكلونه وما يرتدونه وما يستمتعون به، ثم يقارنوا ذلك بوضعهم ويشعرون أنهم أسوأ حالًا في كل شيء، وأنَّ الجميع أفضل منهم، ومن ثمَّ يعتقدون أن قدَرهم سيئ. الواقع أنهم ليسوا الأسوأ حالًا بالضرورة، لكنهم دائمًا ما يعقدون المقارنات ويقيسون أنفسهم على الآخرين، ودائمًا ما يبذلون جهدًا في التفكير بشأن مسألة "القدَر" هذه، وملاحظتها والتعمق في دراستها. إنهم يستخدمون المنظور ووجهة النظر بشأن ما إذا كان القدَر جيدًا أم سيئًا لقياس كل شيء، وهم يقيسون كل شيء دائمًا، إلى أن يحشروا أنفسهم في زاوية ولا يكون أي سبيل للمضي قدمًا، وفي النهاية يَغرقون في السلبيَّة. إنهم يستخدمون باستمرار وجهة النظر بشأن ما إذا كان القدَر جيدًا أم سيئًا لقياس المظهر الخارجي لكل ما يحدث عوضًا عن النظر إلى جوهر الأشياء. ما الخطأ الذي يرتكبونه في فعلهم هذا؟ إن خواطرهم ووجهات نظرهم محرَّفة، وأفكارهم حول القدَر غير دقيقة. إن قدَر الإنسان لأمرٍ عميقٍ لا يمكن لأحد أن يفهمه بوضوح. ليس تاريخ ميلاد الشخص وحده أو الوقت المحدد لميلاده هو ما يشير إلى ما إذا كان قدَر الشخص سيكون جيدًا أم سيئًا؛ إنما ذلك سرٌّ.

إن ترتيب الله لقَدَر الإنسان، جيدًا كان أم سيئًا، لا ينبغي النظر إليه أو قياسه بعين إنسان ولا عين عرَّاف، ولا يُقاس بمقدار به هذا الشخص في حياته من الثروة والمجد، ولا بمقدار ما يختبره من معاناة، ولا بمدى نجاحه في سعيه وراء التطلعات والشهرة والثراء. ورغم ذلك، فهذا على وجه التحديد هو الخطأ الجسيم الذي يرتكبه أولئك الذين يقولون إن قَدَرهم سيئ، وثمة خطأ أيضًا في الطريقة التي يستخدمها غالبية الناس لقياس قَدَر المرء. كيف يقيس معظم الناس قَدَرهم؟ كيف يقيس الناس الدنيويون ما إذا كان قَدَر الشخص جيدًا أم سيئًا؟ إنهم يبنون ذلك في المقام الأول على ما إذا كانت حياة ذلك الشخص تمضي بسلاسة أم لا، وما إذا كان بوسعه الاستمتاع بالثروة والمجد أم لا، وما إذا كان بوسعه أن يعيش نمط حياة أفضل مما يعيشه الآخرون، ومدى معاناته ومقدار ما لديه مما يستمتع به خلال حياته، ومدى طول عمره، والمهنة التي يمارسها، وما إذا كانت حياته مليئة بالكدِّ أم كانت هيِّنة وليِّنة؛ هذه الأشياء وأكثر هي ما يستخدمه الناس الدنيويون لقياس ما إذا كان قَدَر الشخص جيدًا أم سيئًا. ألا تقيسون الأمر بالطريقة نفسها أيضًا؟ (نعم). لذا، فإن معظمكم عندما يواجه شيئًا لا يعجبه، أو عندما تكون الأوقات عصيبة، أو لا تكونون قادرين على الاستمتاع بأسلوب حياة متفوق، فستظنون أن قَدَركم سيئ هو أيضًا، وسوف تغرقون في الاكتئاب. أولئك الذين يقولون إنَّ قَدَرهم سيء، ليس قدرهم سيئًا حقًّا بالضرورة، وليس جيدًا بالضرورة قدر مَن يقولون إنَّ قدَرهم حسن. كيف يُقاس حُسن القدَر أو رداءته؟ إذا كنتَ تؤمن بالله فقَدَرك جيد، وهو ليس جيدًا إذا كنت لا تؤمن بالله؛ أهذا صحيح؟ (ليس بالضرورة). إنكم تقولون: "ليس بالضرورة"، مما يعني أن بعض الذين يؤمنون بالله لديهم حقًّا قَدَر سيئ والبعض الآخر قَدَرهم جيد. إذا كان الأمر كذلك، فإن بعض الذين لا يؤمنون بالله هم أيضًا لديهم قَدَرهم جيد، بينما قدر آخرين منهم سيئ، فهل هذا صحيح؟ (لا، هذا خطأ). أخبروني بأسباب قولكم هذا. لماذا هذا خطأ؟ (لا أعتقد أن قَدَر الشخص له أي علاقة بما إذا كان يؤمن بالله أم لا). هذا صحيح؛ سواء كان قَدَر الشخص جيدًا أم سيئًا، فلا علاقة لذلك بالإيمان بالله. بمَ يتعلق الأمر إذًا؟ أله علاقة بالمسار الذي يسلكه الناس أو بسعيهم؟ أيكون قَدَر الشخص جيدًا إذا سعى إلى الحق، ويكون عصيبًا إذا هو لم يسعَ؟ أخبروني، هل الأرملة قَدَرها جيد؟ بالنسبة إلى الناس الدنيويين، فإن قَدَر الأرامل سيئ. إذا ترملن في الثلاثينيات أو الأربعينيات من العمر، فإن قَدَرهن سيئ حقًّا، وهذا صعب عليهن بحق! ولكن إذا كانت الأرملة تعاني كثيرًا لفقدانها شريك حياتها، وآمنت بالله، فهل سيكون قَدَرها عسيرًا إذًا؟ (لا). لأن أولئك الذين لم يترمَّلن يعيشن حياة سعيدة، وكل شيء يسير معهن على ما يرام، ولديهن قدر كبير من المساندة والطعام والملبس، وأسرة مليئة بالأطفال والأحفاد؛ فهن يعشن حياة مريحة، دون أي مشقة ودون الشعور بأي حاجة روحية؛ هنَّ لا يؤمنَّ بالله ولن يؤمنَّ به مهما حاولت نشر الإنجيل لهن. من صاحب القَدَر الجيد إذًا؟ (للأرملة قَدَرٌ جيد لأنها آمنت بالله). مثلما ترى، لأن الناس الدنيويون يعتبرون الأرملة سيئة القدَر وأنها تعاني كثيرًا، وهي تغيِّر اتجاهها بعد ذلك وتبدأ في اتباع طريق مختلف، وتؤمن بالله وتتبعه، ألا يعني هذا أن قَدَرها جيد الآن، وتعيش بسعادة؟ (نعم). لقد تغيَّر قَدَرها السيئ إلى قَدَر جيد. إذا قلتَ إن قَدَرها سيئ، فلا بد أن يكون قَدَرها في الحياة سيئًا دائمًا ولا يمكنها تغييره؛ فكيف يمكن تغييره إذًا؟ هل تغيَّر قَدَرها عندما بدأت تؤمن بالله؟ (لا، لأن نظرتها إلى الأشياء قد تغيرت). لأن الطريقة التي ترى بها الأشياء قد تغيَّرت. هل تغيَّرت الحقيقة الموضوعية لقَدَرها؟ (لا). قبل أن تؤمن الأرملة بالله، كانت تحسِد النساء اللاتي لم يترملن، وتقول: "انظروا إليها، لديها مثل هذا القَدَر الجيد. لديها زوج ومنزل، وتعيش حياة سعيدة وراضية. إنها لا تعاني من ألم الترمُّل". لكنها بعد أن تؤمن بالله، تفكر: "أنا الآن أؤمن بالله وقد اختارني الله لأتبعه، وبوسعي أداء واجبي وربح الحق. سأتمكن في المستقبل من بلوغ الخلاص ودخول الملكوت. ما أجمل هذا القَدَر! إنها لم تترمّل، لكن ما قَدَرها؟ إنها دائمة السعي للاستمتاع بالحياة، ساعيةً وراء الشهرة والثروة والمكانة، وتتطلع إلى أن تبلي بلاءً حسنًا في حياتها المهنية، وأن تستمتع بالرخاء والثروة، لكنها مع ذلك ستذهب إلى الجحيم عندما تموت فيما بعد. لديها قَدَر سيئ. إن قَدَري لأفضل من قَدَرها!" لقد تغيَّرت آراءها، لكن الحقائق الموضوعية لم تتغير. أما مَن لا تؤمن بالله فهي لا تزال تفكر: "لا يهمني! قَدَري أفضل من قَدَرك! أنتِ أرملة، أنا لست كذلك. حياتي أفضل من حياتك. لدي قَدَر جيد!" لكن قدَرها ليس بجيد في نظر المرأة التي آمنت بالله. كيف حدثَ هذا التغيير؟ هل تغيرت البيئة الموضوعية للأرملة؟ (لا). كيف تغيرت آراؤها إذًا؟ (لقد تغيرت معاييرها لقياس ما إذا كانت الأمور جيدة أو سيئة). نعم، لقد تغيرت آراؤها بشأن كيفية قياس الأشياء والنظر إلى الأمور. لقد انتقلت من الاعتقاد بأن المرأة التي لم تترمّل قَدَرها حسن إلى الاعتقاد بأن قَدَرها سيئ، ومن اعتقاد أنها هي نفسها قَدَرها سيئ إلى الاعتقاد بأنه جيد. هاتان النظرتان مختلفتان تمامًا عما كانتا عليه من قبل، وقد انقلبتا تمامًا. ماذا يجري هنا؟ لم تتغير الحقائق الموضوعية ولا البيئة تغيرت، فكيف انتهى بها الأمر إلى تغير آرائها حول الأشياء؟ (إنها الآن تطبق على آرائها حول قياس الأشياء بأنها جيدة أو سيئة المعايير الصحيحة، وذلك بعد أن قبِلت الحقَّ وقبِلت الأشياء الإيجابية). لقد تغيَّرت آراؤها حول الأشياء، لكن هل تغيرت الحقائق الفعلية؟ (لا). الأرملة لا تزال أرملة، والمرأة التي تحيا حياة سعيدة لا تزال تحيا حياة سعادة؛ لم يكن ثمة تغيير في الحقائق الفعلية. مَن إذًا قَدَرها جيد ومن قَدَرها سيئ في النهاية؟ هل يمكنك الشرح؟ كانت الأرملة تظن أن قَدَرها سيئ، وأحد أسباب ذلك هو وضعها المعيشي الموضوعي، وثمة سبب آخر هو الأفكار والآراء التي تسببها بيئتها الموضوعية. بعد أن تتحول إلى الإيمان بالله، فمن خلال قراءة كلام الله وفهم بعض الحقائق، تحذو أفكارها حذوها وتتغير، ويصبح منظورها تجاه الأشياء مختلفًا. لذلك، لا تعود تعتبر أن قدَرها سيئ بعد أن صارت تؤمن بالله، بل تُعد نفسها ذات قَدَر جيد، إذ أتيحت لها فرصة قبول عمل الله، ويمكنها فهم الحق وبلوغ الخلاص؛ وهذا أمرٌ قدَّره الله لها، وهي مباركة جدًّا. فور أن تؤمن بالله، فإنها لا تركز سوى على السعي إلى الحق، وهو ما يختلف عن الأهداف التي كانت تسعى إليها من قبل. على الرغم من أن ظروفها المعيشية وبيئتها المعيشية ونوعية حياتها هي ذاتها كما كانت من قبل ولم تتغير، فإن نظرتها للأشياء تغيرت. فهل نالت في الواقع حقًّا قَدَرًا جيدًا لأنها صارت تؤمن بالله؟ ليس بالضرورة. كل ما في الأمر أنها الآن تؤمن بالله، ولديها رجاء، وتشعر ببعض الرضا في قلبها، وقد تغيرت الأهداف التي تسعى لتحقيقها، وتغيرت آراؤها، ومن ثمَّ صارت بيئة معيشتها الحالية تُشعرها بالسعادة والرضا والفرح والسلام. إنها تشعر أن قَدَرها جيد جدًّا الآن، وأفضل بكثير من قَدَر المرأة التي لم تترمَّل. الآن فقط أدركت خطأ رأيها المتمثل في أن قَدَرها سيئ، وهو الرأي الذي كانت تتبناه من قبل. ماذا يمكنكم رؤيته من هذا؟ هل ثمة أشياء مثل "القدَر الجيد" و"القدَر السيئ"؟ (لا.) لا، ليس هناك.

لقد عيَّن الله أقدار الناس مسبقًا منذ زمن بعيد، وهي غير قابلة للتغيير. إنَّ "القدر الجيد" و"القدر السيئ" يختلفان من شخص لآخر، وتعتمدان على البيئة، وعلى ما يشعر الناس به وما يَسعون إليه. ولهذا السبب فإن قَدَر المرء ليس جيدًا ولا سيئًا. ربما تعيش حياة قاسية للغاية، لكنك قد تفكر: "أنا لا أتطلع إلى عيش حياة رغدة. فقط يسعدني وجود ما يكفي من الطعام لتناوله وما يكفي من الملابس لارتدائها. الجميع يعانون في حياتهم. يقول الناس الدنيويون: 'لا يمكنك رؤية قوس قزح إلا إذا هطل المطر'، لذلك فثمة قيمة للمعاناة. هذا ليس سيئًا للغاية، وقَدَري ليس سيئًا. لقد منحتني السماء في الأعلى بعض الألم، وبعض التجارب والمِحَن. وذلك لأن الله يظن بي ظنًا حسنًا. هذا قَدَر جيد!" يعتقد بعض الناس أن المعاناة أمر سيئ، وأنها تعني أن قَدَرهم سيئ، ووحدها الحياة الخالية من المعاناة، حياة من الراحة واليُسر، هي ما يعني أن قَدَرهم جيد. ويقول غير المؤمنين عن هذا الأمر إنه "مسألة رأي". كيف يرى المؤمنون بالله مسألة "القدر" هذه؟ هل نتحدث عن أن يكون لدى المرء "قدَر جيد" أو "قدَر سيئ"؟ (كلا). إننا لا نقول أشياءَ كهذه. لنفترض أن قَدَرك جيد لأنك تؤمن بالله، فإذا لم تتبع السبيل الصحيح في إيمانك، وإذا عوقبتَ وكُشفتَ واُستبعدتَ، فهل هذا يعني أنك قدرك جيد، أم يعني أنه سيئ؟ إذا كنتَ لا تؤمن بالله، فلا يمكن أن تُكشف أو تُستبعَد. إنَّ غير المؤمنين والمتدينين لا يتحدثون عن كشف الناس أو تمييزهم، ولا يتحدثون عن إخراج الناس أو استبعادهم. لا بد أن يعني القدَر الجيد للناس أنَّ بوسعهم الإيمان بالله، ولكن إذا عوقبوا في النهاية، فهل يعني ذلك أن قَدَرهم سيئ؟ في لحظة يكون قَدَرهم جيدًا، وفي التالية يكون سيئًا، أهو جيد أم سيء؟ ما إذا كان قَدَر الشخص جيدًا أم لا، فهذا أمر لا يمكن الحكم عليه؛ لا يمكن للناس الحكم على هذه المسألة. كلُّ شيء يعمله الله، وكل ما يدبِّره الله حسنٌ. الأمر كله أن مسار قَدَر كل فرد، أو بيئته، والأشخاص والأحداث والأشياء التي يواجهونها، ومسار الحياة الذي يختبرونه خلال حياتهم كلها مختلفة؛ فهذه الأشياء تختلف من شخص لآخر. تختلف البيئة المعيشية لكل فرد والبيئة التي ينمو فيها، وكلتاهما رتَّبه الله له. وكذلك تختلف الأشياء كلها التي يواجهها كل فرد خلال حياته. ليس ثمة ما يسمى بقَدَر جيد أو قَدَر سيئ، فالله يرتِّب كل شيء، وكل ذلك يعمله الله. إذا نظرنا إلى الأمر من منظور أن كل شيء من عمل الله، وكل ما يفعله الله حسنٌ وصواب؛ فإنَّ كل ما في الأمر هو أنه من منظور ميول الناس ومشاعرهم وخياراتهم، يختار بعض الناس عيش حياة مريحة، ويختارون الاستمتاع بالشهرة والثروة، والسمعة الطيبة، والاستمتاع بالرخاء في العالم وتحقيق مكاسبهم الخاصة. إنهم يعتقدون أن هذا يعني أن قَدَرهم جيد، وأن حياة متواضعة من الفشل والعيش الدائم في قاع المجتمع، هي قَدَر سيئ. هكذا تبدو الأمور من وجهة نظر غير المؤمنين والدنيويين الذين يسعون إلى الأمور الدنيوية ويسعون للعيش في العالَم، وهكذا تنشأ فكرة القدَر الجيد والقدر السيئ. إنَّ فكرة القدر الجيد والقدر السيئ لا تنشأ إلا من فَهم البشر الضيق وإدراكهم السطحي للقدَر، ومن أحكام الناس على مقدار المعاناة الجسدية التي يتحملونها، ومقدار المتعة والشهرة والثروة التي يربحونها، وما إلى ذلك. في الواقع، إذا نظرنا إلى الأمر من منظور ترتيب الله لقَدَر الإنسان وسيادته عليه، فلا توجد مثل هذه التفسيرات للقَدَر الجيد أو القَدَر السيئ. أليس هذا دقيقًا؟ (إنه كذلك). إذا نظرتم إلى قَدَر الإنسان من منظور سيادة الله، فكل ما يفعله الله هو خير، وهو ما يحتاج إليه كل فرد. ذلك لأن السبب والنتيجة يلعبان دورًا في الحيوات الماضية والحاضرة، وقد عيَّنهما الله مسبقًا، والله له السيادة عليهما، والله يخطط لهما ويرتبهما، وليس للبشرية خيار. إذا نظرنا إلى الأمر من هذا المنطلق، فلا ينبغي للناس أن يحكموا على قَدَرهم بأنه جيد أو سيئ، أليس كذلك؟ ألن يرتكب الناس خطأً فادحًا إذا أصدروا أحكامًا اعتباطية حول هذا الأمر؟ ألا يرتكبون خطأ الحكم على خطط الله وترتيباته وسيادته؟ (إنهم كذلك). أليس ذلك الخطأ خطيرًا؟ ألن يؤثر ذلك في السبيل الذي يسلكونه في الحياة؟ (سيؤثر فيه). إذًا، هذا الخطأ سوف يقودهم إلى الهلاك.

ماذا ينبغي أن يفعل الناس استجابةً لترتيبات الله لأقدارهم وسيادته عليها؟ (الخضوع لتنظيمات الله وترتيباته). أولًا، ينبغي أن تطلب فهم سبب ترتيب الخالق لهذا النوع من القدر والبيئة المعيشية لك، والسبب الذي يجعلك تواجه أشياء معينة وتختبرها، والسبب الذي يجعل قدرك هكذا. ينبغي من هذا أن تفهم ما يتوق إليه قلبك وما يحتاجه، وكذلك سيادة الله وترتيباته. بعد أن تفهم هذه الأشياء وتعرفها، ينبغي ألا تقاوم أو تتخذ قراراتك الخاصة بشأن قدرك أو ترفضه أو تناقضه أو تتجنبه. وبالطبع، ينبغي أيضًا ألا تحاول المساومة مع الله. بدلًا من ذلك، ينبغي أن تخضع. لماذا ينبغي أن تخضع؟ لأنك مخلوق، لا تستطيع تنظيم قدرك ولا تملك السيادة عليه. فالله هو الذي يحدد قدرك. عندما يتعلق الأمر بقدرك، فأنت سلبي وليست لديك خيارات. والشيء الوحيد الذي ينبغي عليك فعله هو الخضوع. ينبغي ألا تتخذ قرارات شخصية بشأن قدرك أو تتجنبه، وألا تساوم الله، وألا تعارض قدَرك أو تشكو. وبالطبع، ينبغي على وجه الخصوص ألا تقول كلامًا مثل: "القدر الذي رتبه الله لي رديء. إنه بائس وأسوأ من قدر الآخرين"، أو "إن قدري رديء ولا يمكنني الاستمتاع بأي سعادة أو رخاء. لقد أساء الله ترتيب أموري". هذه كلمات دينونة، وبقولها تتجاوز موضعك. إنها ليست كلمات ينبغي أن يقولها مخلوق، وليست وجهات نظر أو مواقف يجب أن تكون لدى مخلوق. بدلًا من ذلك، ينبغي أن تتخلى عن هذه الأفهام والتعريفات ووجهات النظر والمفاهيم المغلوطة الخاصة بالقدر. وفي الوقت نفسه، ينبغي أن تتمكن من اتخاذ توجه وموقف صحيحين حتى تخضع لجميع الأشياء التي ستحدث كجزء من القدر الذي رتبه الله لك. ينبغي ألا تقاوم، وبالتأكيد ينبغي ألا تشعر بالاكتئاب وتشكو من أن السماء ليست عادلة، وأن الله أساء ترتيب الأمور لك ولم يوفر لك الأفضل. لا يحق للمخلوقات اختيار قدرها. فالله لم يمنحك هذا النوع من الالتزام ولم يمنحك هذا الحق. ولذلك، ينبغي ألا تحاول الاختيار أو التجادل مع الله أو مطالبته بمطالب إضافية. ينبغي أن تتوافق مع ترتيبات الله وتتقبلها بصرف النظر عن ماهيتها. ينبغي أن تتقبل ما رتبه الله وتختبره وتُقدِّره. ينبغي أن تخضع تمامًا لكل شيء تختبره من خلال ترتيبات الله. ينبغي أن تمتثل للقدر الذي رتبه الله لك. وحتى إن كنت لا تحب شيئًا ما، أو كنت تعاني بسببه، وحتى إن كان يهدد كبرياءك وكرامتك ويقمعهما، فطالما أنه شيء ينبغي أن تختبره وشيء نظمه الله ورتبه لك، ينبغي أن تخضع له ولا خيار لديك بشأنه. فنظرًا لأن الله يرتب أقدار الناس ويملك السيادة عليها، لا يمكن التفاوض معه بخصوصها. ولذلك، إن كان الناس عاقلين وكانوا يتمتعون بعقل الإنسانية الطبيعية، ينبغي ألا يشتكوا من أن قدرهم سيئ أو أن هذا الشيء أو ذاك ليس جيدًا لهم. ينبغي ألا يتعاملوا مع واجبهم أو حياتهم أو الطريق الذي يسلكونه في إيمانهم أو المواقف التي رتبها الله أو مطالبه منهم بتوجه مكتئب لمجرد أنهم يشعرون أن قدرهم سيئ. هذا النوع من الاكتئاب ليس تمرُّدًا بسيطًا أو مؤقتًا، كما أنه ليس تدفقًا مؤقتًا لشخصية فاسدة، ناهيك عن أن يكون تدفق حالة فاسدة. بل هي مقاومة صامتة لله، ومقاومة صامتة غير راضية للقدَر الذي رتَّبه الله لهم. ورغم أنَّها قد لا تكون سوى عاطفة سلبية بسيطة، فإنَّ العواقب التي تجلبها على الناس أكثر خطورة من تلك التي تجلبها الشخصية الفاسدة. فالأمر لا يقتصر على أنها تمنعك من تبني موقف إيجابي وصحيح تجاه الواجب الذي يجب عليك تأديته، وحياتك اليومية ورحلة حياتك، ولكن الأخطر من ذلك، أن بوسعها أيضًا التسبب في هلاكك من الاكتئاب. لذلك، على الأناس الأذكياء أن يسارعوا إلى تغيير آرائهم المغلوطة، والتأمل في أنفسهم ومعرفتها في ضوء كلام الله، ومعرفة ما يجعلهم يعتقدون أن قَدَرهم سيئ؛ عليهم أن ينظروا ليروا كيف جُرحت كرامتهم أو تأذت قلوبهم، مما أدى إلى أفكار سلبية مثل الشعور بأن قَدَرهم سيئ، مما قادهم للوقوع في مشاعر الاكتئاب السلبية التي لم يتعافوا منها قط حتى إلى يومنا هذا. هذه مسألة عليك التأمل فيها وفحصها. ربما يكون هناك أمر محفور في قلبك بعمق، أو ربما قال لك شخص ما كلامًا سيئًا جرح احترامك لذاتك، مما أشعرك بأن قَدَرك سيئ، وبالتالي تقع في شراك الاكتئاب؛ أو ربما ظهرت في حياتك أو أثناء نشأتك بعض الأفكار أو وجهات النظر الشيطانية أو العالمية وقادتك إلى هذا الفهم غير الصحيح للقدَر لتصبح حساسًا بصورة مذهلة حيال ما إذا كان لديك قَدَر جيد أم قَدَر سيئ؛ أو ربما بعد اختبار شيء مزعج في مرحلة ما، أصبحت جادًا بصورة خاصة وحساسًا لقَدَرك، ثم أصبحت متحمسًا للغاية لتغيير قَدَرك ومكرسًا لذلك؛ هذه كلها أشياء عليك فحصها. ومع ذلك، بصرف النظر عن كيفية فحصك لهذه الأشياء، فإن ما عليك فهمه في النهاية هو: لا ينبغي عليك استخدام الأفكار والآراء حول ما إذا كان القدَر جيدًا أم سيئًا لقياس قَدَرك. إن قَدَر حياة الإنسان بيدِّ الله وقد رتَّبه الله منذ زمن بعيد؛ هذا ليس شيئًا يمكن للناس تغييره. غير أنَّ نوع المسار الذي يسلكه الشخص خلال حياته، وما إذا كان بوسعه عيش حياة ذات قيمة هي خيارات يمكن للناس اتخاذها لأنفسهم. يمكنك اختيار عيش حياة ذات قيمة، وأن تعيش حياتك من أجل أشياء ذات قيمة، أن وتعيش من أجل خِطط الخالق وتدبيره، ومن أجل القضية العادلة للبشرية. ويمكنك أيضًا بالطبع اختيار عدم العيش من أجل الأشياء الإيجابية، بل أن تعيش عوضًا عن ذلك من أجل السعي وراء الشهرة والثروة، والوظائف الرسمية، والثروات، والاتجاهات الدنيوية. يمكنك أن تختار عيش حياة بلا أي قيمة على الإطلاق وأن تكون واحدًا من الموتى الأحياء. هذه كلها اختيارات يمكنك القيام بها.

هل فهمتم، من خلال الشركة على هذا النحو، ما إذا كانت أفكار وآراء هؤلاء الأشخاص الذين يقولون دائمًا إن قَدَرهم سيء صحيحة أم خاطئة؟ (إنها خاطئة). من الواضح أن هؤلاء الأشخاص يختبرون مشاعر الاكتئاب بسبب غرقهم في التطرف. نظرًا لأنَّ لديهم هذا الشعور المتطرف المتمثل في الاكتئاب بسبب وجود أفكار وآراء متطرفة لديهم، فإنهم لا يقدرون على مواجهة الأشياء التي تحدث في الحياة على نحو صحيح، ولا يمكنهم عادةً استخدام الوظائف التي ينبغي أن يمتلكها الأشخاص، ولا أداء واجبات الكائن المخلوق أو مسؤولياته أو التزاماته. ولذلك، فإنهم تمامًا مثل تلك الأنواع المختلفة من الأشخاص الذين يغرقون في المشاعر السلبية ممَن ناقشناهم في شركتنا الماضية. على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص الذين يعتقدون أنَّ لديهم قَدَرًا سيئًا يؤمنون بالله، وقادرون على التخلي عن الأشياء وبذل أنفسهم واتباع الله، فإنهم بالمثل غير قادرين على أداء واجبهم في بيت الله في حريَّة وتحرُّر وارتياح. لماذا لا يمكنهم فعل هذا؟ ذلك لأنهم يكِّنون داخلهم عددًا من الأفكار والآراء المتطرفة وغير الطبيعية التي تتسبب في أن تنشأ فيهم مشاعر متطرفة. هذه المشاعر المتطرفة تتسبب في أن تنبع الطريقة التي يحكمون بها على الأشياء وطريقة تفكيرهم وآرائهم حول الأشياء، من وجهة نظر متطرفة وغير صحيحة ومحرَّفة. إنهم ينظرون إلى القضايا والأشخاص من وجهة النظر المتطرفة هذه وغير الصحيحة، ومن ثمَّ يعيشون ويرون الأشخاص والأشياء ويتصرفون ويفعلون تحت تأثير هذه المشاعر السلبية ونفوذها، وهذا بشكل متكرر. في النهاية، مهما كانت الطريقة التي يعيشون بها، فإنه يبدو أنهم متعبَون جدًّا لدرجة أنهم لا يقدرون على حشد أي حماس لإيمانهم بالله والسعي إلى الحق. بصرف النظر عن الطريقة التي يختارون أن يعيشوا بها حياتهم، فإنهم لا يستطيعون أداء واجبهم على نحو إيجابي أو فعال، ورغم أنهم يؤمنون بالله منذ سنوات كثيرة، فإنهم لا يركزون أبدًا على أداء واجبهم بكل قلوبهم ونفوسهم، أو على أداء واجبهم بصورة مُرضية، ناهيك عن أن يسعوا إلى الحق، أو يمارسوا حسب مبادئ الحق. لمَ هذا؟ في التحليل النهائي، هذا لأنهم يعتقدون دائمًا أن لديهم قدر سيء، وهذا يقود إلى أن ينتابهم شعور عميق بالاكتئاب. إنهم يصبحون محبَطين تمامًا وعاجزين كأنهم جثث تسير، دون أي حيوية، ولا يُظهرون أي سلوك إيجابي أو تفاؤلي، ناهيك عن أي تصميم أو قدرة على التحمُّل لتكريس الولاء الذي ينبغي أن يكرسوه لواجبهم ومسؤولياتهم والتزاماتهم. هم بالأحرى يكافحون كرهًا من يوم إلى آخر بموقف مقصِّر؛ إذ يمضون الأيام بلا هدف مشوَّشي الذهن، وحتى دون وعي. ليست لديهم أي فكرة عن طول المدة التي سيظلون يمضون خلالها مشوَّشين. في النهاية، ليس لديهم من ملاذ سوى إلقاء اللائمة على أنفسهم قائلين: "أواه، سأظل أمضي مشوَّشًا لأطول فترة ممكنة! إذا لم أستطع الاستمرار ذات يوم، وأرادت الكنيسة طردي واستبعادي، فعليها باستبعادي. هذا لأن قَدَري سيئ!" مثلما ترى، حتى ما يقولونه مهزوم للغاية. إن شعور الاكتئاب هذا ليس مجرد حالة مزاجية بسيطة، لكن الأهم من ذلك أنَّ له تأثير مدمِّر في أفكار الناس وقلوبهم وسعيهم. إذا لم تستطع تغيير مشاعر الاكتئاب لديك في الوقت المناسب وبسرعة، فلن يؤثر ذلك في حياتك بأكملها فحسب، بل سيدِّمر حياتك أيضًا ويقودك إلى هلاكك. حتى لو كنت تؤمن بالله، فلن يمكنك ربح الحق وبلوغ الخلاص، وستهلك في النهاية. ولهذا السبب، ينبغي لأولئك الذين يعتقدون أن قَدَرهم سيء أن يستيقظوا الآن؛ ليس بالأمر الجيد أن ينظر الناس دائمًا فيما إذا كان قَدَرهم جيدًا أم سيئًا، وأن يسعوا دائمًا وراء نوع ما من القَدَر، وأن يكونوا مهمومين دائمًا بشأن قَدَرهم. لما كنت تأخذ قَدَرك دائمًا على محمل الجد، فإنك عندما تواجه اضطرابًا طفيفًا أو خيبة أمل، أو عندما يأتي الإخفاق أو النكسات أو الإحراج، سرعان ما تعتقد أن ذلك بسبب قَدَرك السيء، وحظك السيء. ولهذا؛ فأنت تذكر نفسك دائمًا بأنك شخص سيء القَدَر، وأنَّ ليس لديك قَدَر جيد مثل أناس آخرين، وتغمر نفسك مرارًا وتكرارًا في الاكتئاب محاطًا بمشاعر الاكتئاب السلبية ومقيدًا بها ومحاصَرًا، غير قادر على الفكاك منها. وهذا شيء حدوثه مخيف وخطير للغاية. على الرغم من أن مشاعر الاكتئاب هذه قد لا تجعلك تصبح أكثر غطرسة أو خداعًا، أو تجعلك تكشف عن الشر أو تصلب الرأي، أو غير ذلك من مثل تلك الشخصيات الفاسدة؛ وعلى الرغم من أنها قد لا توصلك إلى المستوى حيث تكشف عن شخصية فاسدة وتتحدى الله، أو حيث تكشف عن شخصية فاسدة وتنتهك مبادئ الحق، أو أن تسبب إزعاجات واضطرابات، أو تقوم بأفعال شريرة، فإنَّ مشاعر الاكتئاب هذه في جوهرها مظهر خطير للغاية من مظاهر عدم رضا الناس عن الواقع. ففي جوهره، هذا المظهر من عدم الرضا عن الواقع هو أيضًا عدم رضا عن سيادة الله وترتيباته. وما عواقب عدم الرضا عن سيادة الله وترتيباته؟ إنها خطيرة جدًا بالتأكيد وستجعلك على الأقل تتمرد على الله وتتحداه، وتؤدي بك إلى عدم القدرة على قبول أقوال الله وإعالته، وعدم القدرة على الفهم وعدم الرغبة في سماع تعاليم الله وعظاته وتذكيراته وتحذيراته. نظرًا لأنك ممتلئ بمشاعر الاكتئاب، فأنت غير قادر على قبول أقوال الله الحالية، وليست لديك طريقة لقبول عمل الله الواقعي ولا استنارة الروح القدس لك ولا إرشاده ومعونته ومساندته وإعالته. رغم أن الله يعمل، فإنك غير قادر على الشعور به؛ على الرغم من أن الله والروح القدس يعملان، فإنك غير قادر على قبول ذلك. لا يمكنك قبول هذه الأشياء الإيجابية، وهذه المتطلبات وهذه الإعالة من الله، فقلبك لا يملأه أي شيء ولا يشغله سوى شعور الاكتئاب هذا، ولا شيء يفعله الله له أي تأثير فيك. في النهاية، ستفوتك كل خطوة من خطوات عمل الله، وستفوتك كل مرحلة من أقواله، وستفوتك أيضًا كل مرحلة من عمل الله وإعالته لك. عندما تكتمل أقوال الله وخطوات عمله، ستظل غير قادر على علاج مشاعر الاكتئاب لديك، وستكون غير قادر تركها وراءك، وستظل محاطًا بعاطفة الاكتئاب ومملوءًا بها، وحينئذ سيكون عمل الله قد فاتك تمامًا. بمجرد أن يكون عمل الله قد فاتك تمامًا، فستكون في نهاية المطاف في مواجهة دينونة الله العلنية وإدانته للبشرية، وهذا هو الوقت الذي سيعلِن فيه الله نهايات البشر. عندئذ فحسب ستدرك: "أواه، عليَّ أن أتأمل في نفسي، وأن أترك مشاعر الاكتئاب هذه ورائي، وأقرأ كلام الله أكثر، وأقف أمام الله لأطلب معونته ومساندته، وأطلب إعالته، وأطلب كيفية قبول توبيخه ودينونته وأن أُطهَّر، لأتمكن من الخضوع لسيادته وترتيباته". لقد فات الأوان! هذا كله صار خلفك الآن. لقد فات أوان النهوض الآن، وما ذاك الذي ينتظرك؟ ستضرب صدرك وتولول وتمتلئ بالندم. رغم أن الاكتئاب محض نوع من المشاعر، فلأن طبيعته والعواقب التي يجلبها خطيرة جدًا، عليك فحص نفسك بعناية وعدم السماح لمشاعر الاكتئاب هذه بالسيطرة عليك أو التحكُّم في أفكارك والأهداف التي تسعى إليها. عليك بعلاجها وألا تدعها تصبح حجر عثرة على سبيلك في السعي إلى الحق، أو جدارًا يعقيك عن المجيء أمام الله. إذا كان بإمكانك أن تصبح واعيًا بذلك على نحو واضح، أو إذا وجدت مشاعر الاكتئاب الخطيرة هذه من خلال فحص الذات، فعليك تغيير المسار على الفور، والتخلي عن هذه المشاعر وترك شعور الاكتئاب وراءك. لا تتشبث بمسارك بتعنت، وتفكِّر بعناد: "بغض النظر عما يقوله الله أو يفعله، فأنا أعلم أن قَدَري سيء. وفي ظل قدر سيء، يجب أن أشعر بالاكتئاب. في ظل قدر سيء، عليَّ قبوله فحسب والتخلي عن كل رجاء". إن مواجهة كل ما يحدث بمثل هذا الموقف السلبي يعني أنك عاقد العزم على العناد. عندما تدرك أنَّ مشاعر الاكتئاب هذه لديك، عليك أن تغير حالتك وتعالج المشكلة في أقرب وقت ممكن. لا تنتظر حتى تسيطر عليك تمامًا، إذ سيكون أوان النهوض قد فات حينئذٍ.

أخبروني، هل يمكن اعتبار الإيمان بالقدَر تعبير عن السعي إلى الحق؟ (لا، ليس كذلك). ما هو إذًا الموقف الصحيح الذي ينبغي للناس اتباعه عند التعامل مع مسألة القدَر؟ (ينبغي لهم الإيمان بترتيبات الله وتدابيره والخضوع لها). هذا صحيح. إذا كان شخص ما يركز دائمًا على ما إذا كان قَدَره جيدًا أم سيئًا، فما المشكلة التي يمكن أن يعالجها ذلك؟ الاعتراف بأن قَدَرهم سيء لكن الإيمان بأن قَدَرهم السيء من ترتيب الله وتدبيره والاستعداد للخضوع لسيادة الله وتدابيره، هل وجهة النظر هذه صحيحة أم لا؟ (لا، إنها خاطئة). ما وجه الخطأ؟ (أن وجهة النظر هذه لا تزال تحمل التأويل المتمثل في أنَّ قَدَرهم جيد أو سيء). هل هذه قاعدة؟ ما الحق الذي يجب على الناس فهمه هنا؟ (لا يمكن القول إنَّ القَدَر جيد أو سيء. كل ما سبق الله فعيَّنه خير، وعلى الناس أن يخضعوا لترتيبات الله كلها). على الناس الإيمان بأن القدَرَ من ترتيب الله وتدبيره، وبما أنه كله من ترتيب الله وتدبيره، فلا يمكنهم التحدث عن كونه جيدًا أو سيئًا. ما إذا كان جيدًا أم سيئًا هو حكم يصدر على أساس منظور الناس وآرائهم وميولهم ومشاعرهم، وهذا الحكم يعتمد على تصوراتهم وآرائهم ولا يتوافق مع الحق. يقول بعض الناس: "لدي قَدَر رائع، لقد وُلدت في عائلة من المؤمنين. لم أتأثر قط ببيئة غير المؤمنين ولم تؤثر فيَّ اتجاهات غير المؤمنين قط أو تغوني أو تضللني. نشأت في الكنيسة ولم أضل قط رغم أن لدي شخصيات فاسدة أيضًا. لدي مثل هذا القَدَر الجيد!". فهل ما يقولونه صحيح؟ (لا). لمَ لا؟ (إن ولادتهم في عائلة مؤمنة كان معيَّنًا مسبقًا من الله، وكانت تلك سيادة الله وتدابيره؛ ولا علاقة له بكون قَدَرهم جيدًا أو سيئًا). صحيح، لقد أصبت كبد الحقيقة. كانت هذه سيادة الله وتدابيره. إنها إحدى الطرق التي بها يدبر الله أقدار الإنسان ويتولى السيادة عليها، وهي أحد الأشكال التي يمكن أن يتخذها القَدَر؛ يجب على الناس ألا يستخدموا ما إذا كان قَدَرهم جيدًا أم سيئًا للحكم على هذه المسألة. بعض الناس يقولون إن قَدَرهم جيد لأنهم ولدوا في عائلة مسيحية، فكيف ستدحض ذلك؟ يمكنك أن تقول: "لقد ولدتَ في عائلة مسيحية وتقول إن قَدَرك جيد، لذا فإن أي شخص لم يولد في عائلة مسيحية لا بد أن يكون قَدَره سيئًا. هل تقول إن القَدَر الذي دبره الله لكل هؤلاء الناس سيء؟" هل من الصواب تفنيد حجتهم بهذه الطريقة؟ (إنه صواب). من الصواب تفنيد حجتهم هكذا. من خلال تفنيد حجتهم هكذا، فإنك تُظهر أن ما يقولونه من أن الأشخاص الذين يولدون في عائلات مسيحية يتمتعون بقَدَر جيد، هو شيء يتعذر الدفاع عنه ولا يتوافق مع الحق. الآن، هل رأيكم بشأن الأقدار الجيدة والسيئة أكثر دقة بعض الشيء؟ (نعم). ما الرأي الأصح والأكثر ملاءمة ويتوافق مع الحق، الذي يجب للناس تبنيه تجاه مسألة الإيمان بالقَدَر؟ أولًا، لا يمكنك الحكم على القدَر بأنه جيد أو سيء من منظور الناس الدنيويين. إضافة إلى ذلك، عليك الإيمان بأن قَدَر كل فرد من أفراد الجنس البشري مدبَّر بيد الله. يسأل بعض الناس: "هل التدبير بيد الله يعني أن الله دبَّره بنفسه؟" لا، لا يعني ذلك. ثمة عدد لا يحصى من الطرق والوسائل والقنوات التي يدبر بها الله أقدار الإنسان، وثمة تفاصيل معقدة لهذا في العالم الروحي والتي لن أتحدث عنها هنا. إنها مسألة غاية في التعقيد، لكن بصورة عامة، يدبر الخالق كل شيء. بعض هذه التدابير يجريها الله بنفسه لأنواع مختلفة من الناس، بينما يتضمن بعضها تصنيف الأنواع المختلفة من الناس ومجموعات الناس حسب اللوائح والمراسيم الإدارية والمبادئ والأنظمة التي وضعها الله؛ حسب فئتهم ومسار قَدَرهم الذي حدَّده الله. يجري تدبير أقدار الناس وصياغتها في العالم الروحي، ثم يولدون. هذه مسألة مفصلة للغاية، ولكن بصورة عامة، يرتِّب الله كل شيء ويتولى السيادة عليه؛ وتتضمن سيادة الله وتدابيره المبادئ والقوانين والقواعد الخاصة بسيادته وترتيباته. ليس ثمة جيد أو سيء هنا، فكله أمر طبيعي بالنسبة لله بالتأكيد، بما في ذلك السبب والنتيجة. فيما يتعلق بكيفية شعور الناس بشأن القدَر، يمكن أن تكون لديهم مشاعر طيبة ومشاعر سيئة، ويمكن أن توجد أقدار يسير فيها كل شيء بسلاسة، وأخرى مملوءة بالعقبات، وأخرى صعبة، وأقدار غير سعيدة؛ ليس ثمة أقدارًا جيدة أو سيئة. ما الموقف الذي يجب أن يتحلى به الناس تجاه القَدَر؟ عليك الامتثال لتدابير الخالق، وطلب مغزى الخالق ومعناه في تدبيره لكل هذه الأشياء بنشاط واجتهاد، وتحقيق فهم الحق، وتفعيل أعظم وظائفك في هذه الحياة التي دبرها لك الله، وتتميم واجبات الكائن المخلوق ومسؤولياته والتزاماته، وجعل حياتك ذات معنى وذا قيمة بدرجة أكبر، لكي يَرضى الخالق عنك في النهاية ويتذكرك. بالطبع، ما سيكون أفضل حتى من ذلك هو نيل الخلاص من خلال طلبك وجهدك المضني-وستكون هذه هي النتيجة الأفضل. على أي حال، فيما يتعلق بالقَدَر، فإن الموقف الأنسب الذي ينبغي للبشرية المخلوقة التحلي به ليس هو موقف الحكم المستهتر والتعريف، أو استخدام أساليب متطرفة للتعامل معه. وبالطبع لا ينبغي للناس أن يحاولوا مقاومة قَدَرهم أو اختياره أو تغييره، بل عليهم استخدام قلوبهم لتقديره وطلبه واستكشافه والامتثال له، قبل مواجهته بإيجابية. أخيرًا، في البيئة المعيشية وفي الرحلة التي حددها لك الله في الحياة، عليك أن تطلب سبيل السلوك الذي يعلمه لك الله، وتطلب المسار الذي يتطلب الله منك أن تتخذه، وتختبر القَدَر الذي دبره الله لك على هذا النحو، وفي النهاية، ستكون مبارَكًا. عندما تختبر القَدَر الذي دبره لك الخالق بهذه الطريقة، فإن ما ستصبح تقدِّره ليس فقط الأسف والحزن والدموع والألم والإحباط والإخفاق، لكن الأهم من ذلك، أنك ستختبر الفرح والسلام والراحة، إضافة إلى استنارة الحق وإضاءته اللذين ينعم بهما الله عليك. علاوةً على ذلك، عندما تضل في طريقك عبر الحياة، وعندما تواجه الإحباط والإخفاق، ويكون لديك خيار لتتخذه، ستختبر إرشاد الخالق، وفي النهاية ستبلُغ الفهم والاختبار والتقدير لكيفية عيش الحياة ذات المعنى الأكبر. وحينئذٍ، لن تضيع في الحياة مرة أخرى أبدًا، ولن تكون أبدًا في حالة قلق دائم مرة أخرى، وبالطبع، لن تشكو ثانيةً أبدًا من أنَّ قَدَرك سيء، ناهيك عن أنك لن تغرق في مشاعر الاكتئاب لأنك تشعر أن قَدَرك سيء. إذا كان لديك هذا الموقف واستخدمت هذه الطريقة لمواجهة القَدَر الذي دبَّره الخالق لك، فلن تصبح إنسانيتك طبيعية بدرجة أكبر فحسب، بل ستكون لديك إنسانية طبيعية، وكذلك التفكير والآراء والمبادئ حول كيفية رؤية الأشياء المتعلقة بالإنسانية الطبيعية، لكنك بالطبع ستمتلك أيضًا الآراء والفهم – التي لن يمتلكها غير المؤمنين أبدًا – حول معنى الحياة. دائمًا ما يقول غير المؤمنين: "من أين نأتي؟ إلى أين نذهب؟ لماذا نحن أحياء؟ هناك دائمًا من يطرح هذه الأسئلة، وما الإجابات التي يتوصل إليها في النهاية؟ إنهم ينتهون بعلامات استفهام وليس إجابات. لماذا لا يجدون إجابات لهذه الأسئلة؟ على الرغم من أن بعض الأذكياء يؤمنون بالقدر، فإنه ليست لديه أي فكرة عن كيفية التعامل مع مسألة القدر أو كيفية التعامل مع الصعوبات المتعددة والإحباطات والإخفاقات والتعاسة التي تنشأ في قَدَرهم؛ ولا يعرفون كيفية التعامل مع الأشياء التي تحدُث في قَدَرهم وتجعلهم يشعرون بالبهجة والسعادة، ولا يعرفون كيفية التعامل معها. في دقيقة يقولون إن قَدَرهم جيد، وفي الدقيقة التالية يقولون إن قَدَرهم سيئ؛ في دقيقة يقولون إنهم يعيشون حياة سعيدة، وفي التالية يقولون إن لديهم حياة سيئة الحظ؛ إنهم يقولون هذين الأمرين بالفم ذاته. إنهم يقولون شيئًا عندما يكونون سعداء، وشيئًا آخر عندما يكونون غير سعداء؛ يقولون شيئًا عندما تسير أمورهم بسلاسة، وشيئًا آخر عندما لا تسير بسلاسة؛ هم الذين يقولون إنهم سيئو الحظ، وهم الذين يقولون إن قَدَرهم جيد. من الواضح أنهم يعيشون بلا وضوح أو فهم. إنهم دائمًا ما يتلمسون الطريق في الضباب، ويعيشون في تشوش، بلا مخرج. لذلك، يجب أن يتحلى الناس بفهم واضح وطريق واضح للمضي قدمًا فيما يتعلق بكيفية التعامل مع القدَر بصورة صحيحة، وما ينبغي لهم فعله، والكيفية التي يتعين أن يواجهوا بها هذه القضية الرئيسية في الحياة. حالما تُعالَج هذه المشكلة، ستكون مواقف الناس وآراؤهم تجاه القَدَر صحيحة نسبيًّا ومتوافقة مع مبادئ الحق، ومن ثم لن يتطرفوا أبدًا في هذا الأمر.

هل هذه الأقوال عن القَدَر التي عقدت الشركة حولها للتو تتوافق مع الحق؟ (إنها كذلك). هل تعرفون خصائص الأقوال التي تتوافق مع الحق؟ (يشعر الناس بمزيد من الوضوح والراحة عندما يسمعونها). (إنها عملية بدرجة أكبر وتحتوي على مسارات للممارسة). هذا صحيح، إنها عملية بدرجة أكبر؛ هذه طريقة أدق لوصفها. ثمة طرق أدق بدرجة أكبر لوصف هذا. من سيتحدث تاليًا؟ (يمكنها علاج مشكلات الناس الحالية). هذا هو تأثير عمليتها. يمكنها علاج المشكلات لأنها عملية. يؤمن الناس بالقدَر، لكن عقولهم متورطة دائمًا في فكرة الأقدار الجيدة والأقدار السيئة، لذا، أخبرني، هل هم متحررون وأحرار في أعمق أعماق قلوبهم، أم مقيَّدون؟ (إنهم مقيَّدون). إذا لم تفهموا الحق، فسوف تكونون مقيَّدين دائمًا بهذه الفكرة. بمجرد أن تفهم الحقَّ، إلى جانب الشعور بأنه عمليٌّ وأن لديك طريقًا للمضي قدمًا، بماذا ستشعر أيضًا؟ (أنني متحرر). هذا صحيح، ستشعر أنك حر ومتحرر. عندما يكون لديك طريق للممارسة ولم تعد محاصرًا، ألن تكون روحك حينئذٍ متحررة وحرة؟ لن تتمكن تلك الآراء المحرفة والسخيفة من تقييد أفكارك أو تقييد يديك وقدميك؛ سيكون لديك مسار لتتبعه، ولن تعود تلك الآراء تتحكم فيك. بمجرد أن تسمع شركة الله عن أقدار الإنسان، ستشعر بالحرية والتحرر، وستقول: "هكذا هو الأمر إذًا! يا للعجب، لقد كان فهمي للقدر محرفًا ومتطرفًا جدًّا من قبل! الآن أفهم، ولم أعد منزعجًا من الفكرة المغلوطة المتمثلة في كون الأقدار جيدة أو سيئة. لم يعد ذلك يزعجني. لو لم أكن قد فهمت هذا، لكنت سأفكر دائمًا في أن قدَري كان جيدًا في دقيقة وسيئًا فجأة في الدقيقة التالية، ولكنت أتساءل عما إذا كان قدري جيدًا أم سيئًا! كنت سأشعر بالقلق بشأن ذلك باستمرار". بمجرد أن تكون قد فهمت هذا الحق، سيكون لديك طريق تتبعه، وسيكون لديك رأي دقيق حول الأمر، وسيكون لديك طريق دقيق للممارسة؛ وهذا يعني أنك حر ومتحرر. لذا، لكي تميز ما إذا كانت كلمات شخص ما متوافقة مع مبادئ الحق، وما إذا كانت هي الحق، عليك الاستماع لمعرفة ما إذا كانت هذه الكلمات عملية أم لا؛ وعليك في الوقت نفسه مراقبة ما إذا كانت صعوباتك ومشكلاتك قد عولِجَت فور أن سمعت هذه الكلمات. إذا كانت قد عولِجَت، فستشعر بالحرية والتحرر، كما لو أنَّ ثقلًا ثقيل قد رُفعَ عنك. لذلك، في كل مرة تتمكن فيها من فهم أحد مبادئ الحق، ستكون قادرًا على علاج بعض المشكلات ذات الصلة وتطبيق بعض الحقائق، وهذا سيجعلك تشعر بالتحرر والحرية. ألن تكون هذه هي العاقبة؟ (ستكون بالفعل). هل تفهم الآن ما تأثير الحق بالضبط؟ (نعم). ما التأثير الذي يمكن أن يكون للحق؟ (يمكن أن يجعل أرواح الناس تشعر بالحرية والتحرر). هل للحق هذا التأثير الوحيد؟ هذا الشعور وحده؟ (في المقام الأول، إنه يعالج الآراء المغلوطة والمتطرفة التي يحملها الناس تجاه الأشياء. بمجرد أن يرى الناس الأشياء بطريقة نقية وتتوافق مع الحق، سيشعرون بالتحرر والحرية في أرواحهم، ولن يعودوا مقيدين أو منزعجين من الأشياء السلبية التي تأتي من الشيطان). إلى جانب الشعور بحرية روحك وتحررها، فإن الشيء الحاسم هو أن بوسعه تمكينك من الدخول إلى واقع حق معين، بحيث لا تعود مقيدًا أو متأثرًا بأفكار ووجهات نظر خاطئة ومحرفة. ستحل مبادئ ممارسة الحق محلها، ومن ثم يمكنك الدخول إلى واقع الحق ذاك. هنا سأنهي شركتي حول مظاهر الأشخاص الذين يشعرون بالاكتئاب لأنهم يظنون أن قَدَرهم سيء.

من الأسباب الأخرى التي تجعل بعض الناس يصيروا مكتئبين هو أنه رغم اعتقادهم أن أقدارهم ليست سيئة جدًا، يشعرون أنهم تعساء الحظ على الدوام، وأنه ما من شيء جيد يحدث لهم أبدًا، تمامًا كما يقول غير المؤمنين: "إله الحظ يتجاهلني دائمًا". ورغم أنهم لا يشعرون أن ظروفهم سيئة جدًا، وأنهم طوال القامة وحسنو المظهر، ومتعلمون وموهوبون، وأنهم عمال قادرون، فإنهم يتساءلون عن السبب في أنَّ إله الحظ لا يفضِّلهم أبدًا. وهذا يُشعرهم دائمًا بعدم الرضا، وهم يعتقدون دائمًا أنهم غير محظوظين. بدايةً من العام الذي سيؤدون فيه امتحانات الالتحاق بالجامعة، تمتلئ قلوبهم بالأمل في الالتحاق بجامعة، لكنهم يصابون بالأنفلونزا والحمى في يوم الامتحانات. ويؤثر هذا في أدائهم الامتحانات، وتفوتهم فرصة الالتحاق بالجامعة بسبب درجتين أو ثلاث. يفكِّر الواحد منهم بينه وبين نفسه: "كيف كنتُ غير محظوظ إلى هذا الحد؟ أنا جيد في دراساتي وعادة ما أعمل بجد. لماذا أصبت بالحمى يوم امتحانات القبول في الجامعة من بين كل الأيام؟ إنه مجرد حظ سيء. رباه! إنه أول حدث كبير في حياتي وقد تعرضتُ لانتكاسة. ما العمل الآن؟ أتمنى أن يكون حظي أفضل في المستقبل". لكنه يواجه جميع أنواع الصعوبات والمشكلات في وقت لاحق من حياته. على سبيل المثال، توجد شركة ما تعين موظفين جددًا، وحالما يستعد للتقديم يكتشف أن جميع الوظائف الشاغرة قد شُغلت وأن الشركة لا تحتاج أي شخص آخر. فيتساءل: "كيف يمكن أن يكون لي مثل هذا الحظ السيء؟ لماذا يفوتني أي شيء جيد متى ما لاح؟ إنه حظ سيء للغاية! وفي اليوم الأول الذي يبدأ فيه العمل في مكان ما، يُرقى آخرون إلى منصب مدير ونائب مدير ورئيس قسم. وبصرف النظر عن مدى عمله بجدٍ، فلا فائدة من ذلك؛ عليه الانتظار إلى المرة التالية حتى ينال ترقية. نظرًا لأنه يؤدي أداءً حسنًا في العمل ويقدره رؤساؤه جيدًا؛ فإنه يظن أن الترقية ستكون من نصيبه في المرة التالية، لكن رؤساءه يجلبون مديرًا من مكان آخر في النهاية، ويخسر مرة أخرى. إنه يفكر بينه وبين نفسه: "رباه! يبدو حقًا أنني سيء الحظ. حظي لا يكون جيدًا أبدًا- إله الحظ لا يفضِّلني أبدًا". فيما بعد، يؤمن بالله، ولأنه يستمتع بالكتابة، يأمل أن يتمكن من أداء واجب قائم على النصوص الكتابية، لكنه في النهاية لا يبلي حسنًا في الاختبار ويخفق؛ يفكر: "إنني عادةً ما أكتب جيدًا جدًا، فلماذا لم أتمكن من تقديم أداء حسن في الاختبار؟ لم ينرني الله أو يقدني! اعتقدت أنني سأكون قادرًا على أكل كلام الله وشربه أكثر وفهم الحق أكثر، من خلال أداء واجب قائم على النصوص الكتابية. إنه لأمر سيء للغاية أنني لم أكن حسن الحظ. لم تفلح الخطة مع أنها كانت خطة جيدة". وفي النهاية يَختار من بين العديد من الواجبات الأخرى قائلًا: "سأذهب لنشر الإنجيل ضمن أحد فرق الإنجيل". تكون الأمور مع فريق الإنجيل رائعة في البداية، ويَشعر أنه وَجد مكانه هذه المرة، وأن بوسعه استخدام مهاراته جيدًا. يعتقد أنه ذكي وبارع في عمله، وأنه على استعداد للقيام بعمل عملي. وبجهد يتمكن من تحقيق بعض النتائج، ويصبح مشرِفًا. غير أنه يفعل شيئًا خاطئًا، ويَكتشف قائده ذلك. يُقال له إن ما فعله يتعارض مع المبادئ وإنه أثَّر في عمل الكنيسة. وبعد تهذيب فريقه يقول له أحدهم: "كنا نقوم بعمل رائع قبل مجيئك، ثم وصلت أنت وهُذبنا للمرة الأولى". فيتساءل: "ألا يزال هذا حظي السيء؟" في وقت لاحق، يُعاد تخصيص الأشخاص بسبب تغييرات في عمل الإنجيل ويتحول من مشرف إلى مجرد عضو في الفريق، ويُرسَل إلى منطقة جديدة لنشر الإنجيل. فيفكر: "أواه، إنني أهبط بدلًا من أن أرتقي. ما من شخص أُعيد تخصيصه قَبل وصولي هناك، فلماذا تحدُث عملية إعادة التخصيص الكبيرة هذه الآن بعد أن وصلت؟ والآن بعدما أُرسلت إلى هنا، انعدم أملي مطلقًا في بلوغ ترقية" ثمة عدد قليل من الكنائس وعدد قليل من أعضاء الكنيسة في هذه المنطقة الجديدة. إنه يختبر صعوبات في بدء العمل وليست لديه أي خبرة. يتعين عليه الاستكشاف لبعض الوقت، وثمة صعوبات لغوية أيضًا، فماذا يمكنه أن يفعل؟ إنه يريد أن يكف يديه عن العمل ويبتعد، لكنه لا يجرؤ على فعل ذلك؛ إنه يريد القيام بواجباته جيدًا، لكن الأمر صعب للغاية ومرهق، ويفكِّر: "أواه، هذا لأنني سيء الحظ للغاية! كيف يمكنني تغيير حظي؟" حيثما ذهب يجد طريقًا مسدودًا، ودائمًا ما يشعر أنه سيء الحظ، وأن ثمة شيء يعوق كل تحركاته، وكل خطوة يخطوها صعبة للغاية. لقد استغرق الأمر منه الكثير من الجهد لتحقيق بعض النتائج، ورؤية بصيص من الأمل، ثم تغيرت ظروفه، وتلاشى الأمل، ولم يعد لديه خيار سوى البدء من جديد. يصير مكتئبًا أكثر فأكثر، ويفكِّر: "لماذا هو صعب جدًا عليَّ أن أحقق بضع نتائج وأنال استحسان الناس؟ لماذا يصعب الحصول على موطئ قدم راسخ في مجموعة من الناس؟ لماذا يصعب جدًّا أن أكون شخصًا يستحسنه الناس ويحبونه؟ لماذا من الصعب جدًّا أن يسير كل شيء على ما يرام وبسلاسة؟ لماذا تسير أشياء كثيرة في حياتي على غير ما يُرام؟ لماذا توجد الكثير جدًا من العقبات؟ لماذا أصل إلى طريق مسدود في كل ما أفعله؟" على وجه الخصوص، بعض الأشخاص لا يؤدون واجباتهم حسنًا أبدًا، بصرف النظر عن المكان الذي يذهبون إليه، ودائمًا ما يُستبدَلون ويُستبعدون. إنهم يصبحون مكتئبين جدًا، ودائمًا ما يعتقدون أنهم غير محظوظين، ويفكر الواحد منهم: "أنا مثل حصان سريع لا يُلاحظ أبدًا. ومثلما يرد في القول: «هناك الكثير من الخيول السريعة، لكن قليلون من يمكنهم التعرف عليها». أنا مثل حصان سريع لم يُكتشف بعد. في نهاية المطاف، أنا سيء الحظ ولا أستطيع تحقيق أي شيء أو القيام بعمل جيد في أي مجال، بصرف النظر عن المكان الذي أذهب إليه. لا يمكنني أبدًا استخدام نقاط قوتي أو إظهارها أو بلوغ مرادي. أواه، أنا سيء الحظ جدًّا! ماذا يجري هنا؟" إنه يشعر دائمًا أن حظه سيء، ويقضي كل يوم في سحابة من القلق، مفكِّرًا: "أواه، كلا! أرجوك لا تسمح بإعادة تخصيصي إلى واجب آخر"، أو "أواه، كلا! أرجوك لا تدع أي شيء سيء يحدث"، أو "أواه، كلا! أرجوك لا تدع أي شيء يتغير"، أو "أواه، كلا! أرجوك لا تسمح بحدوث المزيد من المشكلات الكبرى". وليس الأمر أنه يصاب بالاكتئاب فحسب، بل يشعر أيضًا بعدم الارتياح والتململ والانزعاج والقلق بصورة مذهلة. إنه يعتقد دائمًا أن حظه سيء، لذلك يصبح مكتئبًا بصورة مذهلة، وينشأ هذا الاكتئاب من شعوره الشخصي بأنه سيء الحظ. إنه يشعر دائمًا بأنه سيء الحظ، ولا ينال ترقية أبدًا، ولا يمكنه أبدًا أن يصبح قائد فريق أو مشرف، ولا تتاح له الفرصة أبدًا للتميُّز عن الآخرين. هذه الأشياء الحسنة لا تحدث له أبدًا، ولا يمكنه معرفة سبب حدوث ذلك بحق السماء. إنه يفكر: "أنا لا ينقصني أي جانب من الجوانب، فلماذا لا يحبني أحد أينما ذهبت؟ لم أسئ إلى أي شخص ولم أُرِد أن أسبب المتاعب لأي شخص، فلماذا أنا سيء الحظ للغاية؟ نظرًا لأنه يتشبث دائمًا بمثل هذه المشاعر، فإن مشاعر الاكتئاب هذه تذكِّره باستمرار قائلة: "أنت سيء الحظ، لذا لا تكن راضيًا عن نفسك، ولا تختل، ولا تكن لديك دائمًا رغبة في التميُّز. أنت غير محظوظ، لذا لا تفكِّر حتى في أن تصبح قائدًا. أنت غير محظوظ، فيجب أن تكون أكثر حذرًا بينما تؤدي واجبك وتحجم قليلًا، تحسبًا لأن تُكشف في يوم من الأيام وتُستبدل، أو لأن يبلغ عنك من وراء ظهرك شخص ما ويتحصل على شيء ما ليؤذيك به، أو تحسبًا لكونك تأخذ زمام المبادرة دائمًا وترتكب خطأً وتُهذَّب. وحتى إذا أصبحت قائدًا، فلا يزال يتعين عليك توخي الحيطة والحذر طوال الوقت، كما لو كنت تمشي على نصل سكين. لا تكن متعجرفًا، بل عليك بالتواضع". هذه المشاعر السلبية تذكِّره دائمًا بالتواضع، وأن يسير دائمًا متسللًا في خزي، وألا يتصرف بأي كرامة مرة أخرى. إن الفكرة – أو الخاطرة أو المنظور أو الوعي – بأن حظه سيء تذكره طوال الوقت بألا يكون إيجابيًا أو نشطًا، وألا يثبت نفسه، وألا يتخذ أي مخاطرة. وعوضًا عن ذلك، عليه أن يظل مكتئبًا لا يجرؤ على العيش أمام الآخرين. حتى وإن كان الجميع في نفس المنزل، عليه العثور على مكان غير ظاهر للجلوس فيه كيلا يكون ملحوظًا. يجب ألا يظهر على أنه متعجرف للغاية، لأنَّ حظه السيء سيجده فور أن يبدأ في إظهار أي عجرفة. ولأن شعور الاكتئاب يحاوطه باستمرار ويحذره دائمًا من هذه الأمور في أعماق قلبه، فهو هيَّاب وحذر في كل ما يفعله. إنهم يشعر دائمًا بعدم الارتياح في قلبه، ولا يمكنه أبدًا العثور على موضعه المناسب، ولا يمكنه أبدًا بذل كل قلبه وعقله وقوته في تتميم مسؤولياته والتزاماته. يبدو الأمر كما لو أنه يحترس من شيء ما وينتظر حدوث شيء ما. إنه يحترس من مجيء الحظ السيء، ومن الأشياء السيئة والإحراج الذي سيجلبه عليه حظه السيء. لذلك، بخلاف الصراعات في أعماق قوبه، فإن عاطفة الاكتئاب هي التي تهيمن أكثر على الطرق والأساليب التي يرى من خلالها الناس والأشياء ويتصرف ويفعل. دائمًا ما يستخدم الحظ الجيد والحظ السيء لقياس سلوك، وقياس ما إذا كانت الطرق التي يرى بها الأشخاص والأشياء ويتصرف ويفعل صحيحة، وهذا هو السبب في أنه يغرق بشكل متكرر في مشاعر الاكتئاب هذه ولا يمكنه انتشال نفسه، ولا يتمكن من استخدام التفكير ووجهات النظر الصحيحة لمواجهة ما يسمى بالأشياء التي هي "من سوء الحظ"، أو التعامل مع ما يسميه حظه المريع، ومعالجته. في مثل هذه الحلقة المفرغة، فإنَّ مشاعر الاكتئاب هذه تتحكم فيه باستمرار وتؤثر فيه. وبقَدر كبير من الجهد، يتمكن من فتح قلبه وإقامة الشركة مع الآخرين حول حالته أو أفكاره، لكن حينئذٍ في الاجتماعات، فإنَّ الكلمات التي يتحدث بها الإخوة والأخوات في الشركة تمس حالته وجوهر مشكلته – عن قصد أو عن غير قصد – مما يُشعره بأن كبرياءه وكرامته قد جُرحا. ويظل معتقدًا أن هذا مظهر من مظاهر سوء حظه، ويقول: "أترى؟ كان من الصعب عليَّ جدًّا أن أتحدَّث عما كان في قلبي، وبمجرد أن أفعل ذلك، يستغل ذلك شخص ما ويحاول إيذائي. أنا سيء الحظ للغاية!" إنه يعتقد أن هذا نتاج حظه السيء، وأنه عندما يكون الشخص سيء الحظ، فإن كل شيء على الإطلاق يكون ضده.

ما مشكلة الأشخاص الذين يظنون دائمًا أنهم غير محظوظين؟ إنهم دائمًا ما يستخدمون معيار الحظ لقياس ما إن كانت أفعالهم صحيحة أم خاطئة، ولتقييم أي من المسارات يجب عليهم اتخاذه، والأشياء التي ينبغي لهم اختبارها، وأي مشكلات يواجهونها. هل هذا صحيح أم خطأ؟ (إنه خطأ). إنهم يصفون الأشياء السيئة كسوء حظ والأشياء الجيدة كحُسن حظ أو ذات فائدة. فهل هذه النظرة صحيحة أم خاطئة؟ (إنها خاطئة). قياس الأشياء بناءً على منظور من هذا النوع أمر خاطئ. إنها طريقة ومعيار متطرفان وغير صحيحين لقياس الأشياء. غالبًا ما يؤدي هذا النوع من الأساليب إلى غرق الأشخاص في الاكتئاب، وغالبًا ما يُشعرهم بعدم الارتياح، وألا شيء أبدًا يسير كما يريدون، وأنهم لا ينالون مبتغاهم أبدًا، مما يقودهم في النهاية إلى الشعور بالقلق والانزعاج وعدم الارتياح بشكل مستمر. عندما تظل هذه المشاعر السلبية دون علاج، فإنَّ هؤلاء الأشخاص يغرقون باستمرار في الاكتئاب ويشعرون أنَّ الله لا يفضلهم. إنهم يعتقدون أنَّ الله يعامِل الآخرين بالنعمة دونهم، وأن الله يعتني بالآخرين دونهم. "لماذا دائمًا ما أشعر بعدم الارتياح والقلق؟ لماذا دائمًا ما تحدُث لي أشياء سيئة؟ لماذا لا تأتي الأشياء الجيدة في طريقي أبدًا؟ إن كلَّ ما أطلبه هو مرة واحدة!" عندما ترى الأمور بهذه الطريقة الخاطئة في التفكير والمنظور، ستقع في فخ الحظ الجيد والسيء؛ وعندما تقع في هذا الفخ باستمرار ستشعر دائمًا بالاكتئاب. في خضم هذا الاكتئاب، ستكون حساسًا على نحو خاص لما إذا كانت الأشياء التي تصيبك هي من حُسن الحظ أم من سوء الحظ. عندما يحدث هذا، فإنه يثبت أن هذا المنظور – والفكرة – المتمثل في الحظ الجيد والسيء قد صار يتحكم فيك. عندما يتحكم فيك منظور من هذا النوع، فإن آراءك وموقف تجاه الأشخاص والأحداث والأشياء لا تعود ضمن نطاق ضمير الإنسانية الطبيعية وعقلها، بل سقطت في نوع من التطرف. وعندما تسقط في هذا التطرف، لن تخرج من اكتئابك، وإنما ستظل تُصاب بالاكتئاب مرارًا وتكرارًا، وحتى إذا كنت لا تشعر بالاكتئاب عادة، فبمجرد حدوث خطأ ما، بمجرد أن تشعر أن شيئًا من سوء الحظ قد حدث، سوف تغرق على الفور في الاكتئاب. سيؤثر هذا الاكتئاب في حكمك الطبيعي واتخاذك للقرارات، وحتى في سعادتك وغضبك وحزنك وفرحك. عندما يؤثر في سعادتك وغضبك وحزنك وفرحك، فإنه سوف يزعِج أداء واجبك ويدمره، وكذلك إرادتك ورغبتك في اتباع الله. عندما تُدمَّر هذه الأشياء الإيجابية، فإن الحقائق القليلة التي صرت تفهمها ستتبخر ولن تعينك على الإطلاق. وذلك هو السبب في أنك عندما تقع في هذه الحلقة المفرغة، سيكون من الصعب عليك تطبيق مبادئ الحق القليلة التي تفهمها. فقط عندما تشعر أن حظك جيد وعندما لا يقمعك الاكتئاب، يمكنك كرهًا دفع القليل من الثمن ومعاناة القليل من المشقة، وإظهار القَدْر الضئيل من الإخلاص في أثناء القيام بالأشياء التي أنت مستعد لفعلها. حالما تشعر أنَّ الحظ الجيد قد هجرك وأنَّ الأشياء المؤسفة تحدث لك مرة أخرى، فإن اكتئابك سرعان ما يسيطر عليك مرة أخرى، وفورًا يتركك صدقك وإخلاصك ورغبتك في تحمُّل المشقة. لذلك، فإن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم غير محظوظين أو الذين يأخذون الحظ على محمل الجد هم تمامًا مثل أولئك الذين يعتقدون أنَّ أقدارهم سيئة. غالبًا ما تكون لديهم مشاعر متطرفة للغاية، وعلى وجه الخصوص، كثيرًا ما ينزلقون إلى مشاعر سلبية مثل الاكتئاب. إنهم سلبيون وضعفاء بصورة خاصة، بل إنهم عرضة لتقلبات المزاج. عندما يشعرون بأنهم محظوظون، فإنهم يمتلؤون بهجة، ويزخرون بالطاقة، ويمكنهم تحمُّل المشقات ودفع الثمن؛ يمكنهم النوم لفترة أقل في الليل، وتناول كميات أقل من الطعام في النهار، ويكونون على استعداد لمعاناة أي مشقة، وإذا شعروا بالإثارة لحظيًا، فسيكونون سعداء بالتضحية بحياتهم. ورغم ذلك، ففي اللحظة التي يشعرون فيها أن الحظ لم يحالفهم مؤخرًا، عندما يبدو ألا شيء يسير على ما يرام بالنسبة لهم على الإطلاق، فإن مشاعر الاكتئاب تسيطر على قلوبهم على الفور. كل الوعود والقرارات التي اتخذوها من قبل، يتجاهلونها؛ وفجأة يصحون مثل كرة مفرَّغة، غير قادرين على حشد أي طاقة، أو مثل قطعة هلام، غير راغبين في فعل أي شيء أو قول أي شيء على الإطلاق. إنهم يفكرون: "مبادئ الحق، والسعي إلى الحق، وبلوغ الخلاص، والخضوع لله- لا شيء من هذا له أي علاقة بي. أنا سيء الحظ ولا جدوى مهما كان عدد الحقائق التي أمارسها أو مقدار الثمن الذي أدفعه، فلن أنال الخلاص. لقد انتهيت. أنا مثل تعويذة نحس، شخص سيء الحظ. حسنًا، فليكن، أنا سيء الحظ على أي حال!" انظر، في دقيقة يكونون مثل كرة مملوء هواءً لدرجة أنها على وشك الانفجار، وهم في اللحظة التالية ككرة مفرَّغة. أليس هذا مسببًا للمتاعب؟ كيف تظهر هذه المشكلة؟ ما السبب الجذري؟ أنهم دائمًا ما يراقبون حظوظهم، كما لو كانوا يراقبون سوق الأوراق المالية، لمعرفة ما إذا كانت سترتفع أم تنخفض، وما إذا كانت سوقًا صاعدة أم هابطة. إنهم عصابيون دائمًا وحساسون بصورة مذهلة لمسألة حظهم، وعنيدون بشكل مذهل. غالبًا ما يصبح هذا النوع من الأشخاص المتطرفين غارقين في مشاعر الاكتئاب، لأنهم يهتمون كثيرًا بحظوظهم ويعيشون بناءً على حالتهم المزاجية. إذا كانوا في مزاج سيء عندما يستيقظون في الصباح، فإنهم يفكرون: "أواه كلا! أراهن أن اليوم لن يكون يوم حظٍ جيد. كانت عيني اليسرى ترفُّ قبل عدة أيام، وأشعر أن لساني متصلب وعقلي خامل. لقد عضضت لساني أثناء تناول الطعام، وحلمت حلمًا سيئًا عندما نمت الليلة الماضية". أو يفكرون: "أول كلمات سمعت أحدهم يقولها اليوم تبدو وكأنها نذير شؤم". إنهم مصابون دائمًا بجنون العظمة، ويثرثرون دائمًا بشأن هذه الخرافات، ويَدرسون مثل هذه الأشياء. إنهم منشغلون للغاية بشأن حظوظهم واتجاههم ومزاجهم كل يوم وفي كل فترة. إنهم يراقبون نظرات جميع إخوتهم وأخواتهم في الكنيسة تجاههم وكذلك موقفهم وحتى نبرة صوتهم. إنَّ قلوبهم مشغولة بهذه الأمور، مما يجعلهم مكتئبين باستمرار. إنهم يعرفون أنهم ليسوا في حالة جيدة، ومع ذلك لا يصلُّون إلى الله، أو يطلبون الحق لعلاجها، ومهما كشفوا عن شخصيات فاسدة، فإنهم لا يعيرونها أي اهتمام أو يأخذونها على محمل الجد. أليست هذه مشكلة؟ (بلى).

هؤلاء الأشخاص المنشغلون دائمًا بما إذا كان حظهم جيدًا أم سيئًا، هل الطريقة التي يرون بها الأمور صحيحة؟ هل للحظ الجيد أو الحظ السيء وجود؟ (كلا). ما أساس القول بعدم وجودهما؟ (الأناس الذين نقابلهم والأشياء التي تحدث لنا كل يوم تحددها سيادة الله وتدابيره. لا وجود لشيء كحظ جيد أو حظ سيئ؛ كل شيء يحدث بدافع الضرورة وله معنى وراؤه). هل هذا صحيح؟ (إنه كذلك). هذا الرأي صحيح، وهو الأساس النظري للقول بعدم وجود الحظ. مهما يحدث لك، سواء كان جيدًا أو سيئًا، فهو أمر طبيعي، تمامًا مثل الطقس خلال الفصول الأربعة، لا يمكن أن يكون كل يوم مشمسًا. لا يمكنك قول إنَّ الله دبَّر الأيام المشمسة، بينما لم يدبِّر الأيام الغائمة والمطر والرياح والعواصف. كل شيء تحدِّده سيادة الله وتدابيره، وتولِّده البيئة الطبيعية. وهذه البيئة الطبيعية تنشأ وفق القوانين والقواعد التي دبرها الله وأسسها. كل هذا ضروري وحتمي؛ مهما كانت حالة الطقس، فهو يتولد ويحدث عن طريق قوانين طبيعية. ما من شيء جيد فيه أو سيء، فقط مشاعر الناس تجاهه هي الجيدة أو السيئة. لا يحس الناس بشعور جيد عندما يهطل المطر أو تهب الريح أو تظهَر الغيوم أو أثناء العواصف الثلجية. وعلى وجه الخصوص، لا يحب الناس الطقس عندما يكون ممطرًا ورطبًا؛ إذ تؤلمهم مفاصلهم ويشعرون بالضَعف. ربما ينتابك شعور سيء تجاه الأيام الممطرة، لكن هل يمكنك القول إن الأيام الممطرة سوء حظ؟ هذا مجرد شعور يثيره الطقس لدى الناس، ولا علاقة للحظ بحقيقة أنَّ المطر يسقط. قد تقول إن الأيام المشمسة جيدة؛ فالناس ينتابهم شعور جيد إذا كان الجو مشمسًا لثلاثة أشهر، دون قطرة مطر، حيث يمكنهم رؤية الشمس كل يوم، ويكون الجو جافًا ودافئًا مع نسيم خفيف من حين لآخر، ويمكنهم الخروج في الهواء الطلق وقتما شاءوا. لكن النباتات لا تتحمل ذلك، وتموت المحاصيل بسبب الجفاف، فلا يكون ثمة حصاد في تلك السنة. إذًا، هل شعورك الجيد معناه أنَّ الأمر جيد حقًّا؟ سيحلُّ الخريف، وعندما لا يكون لديك طعام لتأكله، ستقول: "رباه، ليس حسنًا أيضًا أن تكون لديك الكثير جدًا من الأيام مشمسة. إذا لم تهطل الأمطار، فستعاني المحاصيل، ولن يكون هناك طعام يمكن حصاده، وسيعاني الناس الجوع". في هذه المرحلة، تدرك أن الأيام المشمسة التي لا نهاية لها ليست حسنة أيضًا. والحقيقة أنه، ما إذا كان الشخص لديه شعور جيد تجاه شيء ما أو شعور سيء، إنما يتوقف على دوافعه الأنانية ورغباته ومصلحته الذاتية، وليس على جوهر الشيء نفسه. لذا، فإن الأساس الذي يعتمد عليه الناس في قياس ما إذا كان شيء ما جيدًا أم سيئًا هو أساس غير دقيق. ولأن الأساس غير دقيق، فإن الاستنتاجات النهائية التي يتوصلون إليها غير دقيقة أيضًا. وبالعودة إلى موضوع الحظ الجيد والحظ السيء، يعلم الجميع الآن أن مقولة الحظ هذه واهية، وأنه ليس جيدًا ولا سيئًا. إن الأشخاص والأحداث والأشياء التي تواجهها، سواء كانت جيدة أو سيئة، كلها تحددها سيادة الله وترتيباته، لذلك عليك مواجهتها بصورة صحيحة. اقبل من الله ما هو جيد، واقبل من الله أيضًا ما هو سيء. لا تقل إنك محظوظ حينما تقع أشياء جيدة، وإنك لست محظوظًا حينما تقع أشياء سيئة. لا يمكن القول سوى أنه ثمة دروس على الناس تعلمها في كل هذه الأشياء، ويجب ألا يرفضوها أو يتجنبوها. اشكر الله على الأشياء الجيدة، لكن اشكره أيضًا على الأشياء السيئة، لأنه هو مَن دبر هذه الأشياء كلها. إنَّ كل ما هو جيد من أناس وأحداث وأشياء وبيئات يقدم دروسًا يجب للناس أن يتعلموها، لكن ما يمكن تعلمه من الأشخاص والأحداث والأشياء والبيئات السيئة، أكثر. هذه كلها اختبارات ووقائع لا بد أن تكون جزءًا من حياة المرء. لا ينبغي للناس أن يستخدموا فكرة الحظ لقياسها. إذًا، ما أفكار ووجهات نظر الناس الذين يستخدمون الحظ لقياس ما إذا كانت الأمور جيدة أم سيئة؟ ما جوهر مثل هؤلاء الناس؟ لماذا يهتمون كثيرًا بالحظ الجيد والحظ السيء؟ هل يرجو الأناس الذين يركزون كثيرًا على الحظ أن يكون حظهم جيدًا، أم يرجون أن يكون سيئًا؟ (يرجون أن يكون جيدًا). هذا صحيح. هم يسعون بالفعل إلى الحظ الجيد وإلى حدوث الأشياء الجيدة لهم، وهم يستغلونها فقط ويستفيدون منها. إنهم لا يهتمون بمدى معاناة الآخرين، أو عدد المشاق أو الصعوبات التي يتعين على الآخرين تحملها. إنهم لا يريدون أن يحدث لهم أي شيء يعتبرونه حظًا سيئًا. بعبارة أخرى، هم لا يريدون أن تحدث لهم أي أشياء سيئة: لا نكسات ولا فشل أو إحراج، ولا تعرضهم للتهذيب، ولا خسارة أشياء، ولا التعرض للخداع. وإذا حدث أي من ذلك، فإنهم يعتبرونه حظًا سيئًا. بصرف النظر عمن يدبر ذلك، إذا وقعت أشياء سيئة، فهذا من سوء الحظ. إنهم يأملون أن تحدث لهم كل الأشياء الجيدة؛ بدءًا من الترقي، والتميز عن الآخرين، والانتفاع على حساب الآخرين، إلى الربح من شيء ما، وجني الكثير من المال، أو أن يصبح الواحد منهم مسؤولًا رفيع المستوى، ويعتقدون أن ذلك حظ جيد. إنهم دائمًا ما يقيسون الأشخاص والأحداث والأشياء التي يقابونها بناءً على الحظ. إنهم يسعون إلى الحظ الجيد، وليس الحظ السيء. بمجرد ألا يسير أتفه الأشياء على ما يرام، فإنهم يغضبون وينزعجون ويصبحون غير راضين. لأقولها دون مواربة، هذه الأنواع من الناس أنانية. إنهم يسعون إلى إفادة أنفسهم على حساب الآخرين، وتحقيق الربح لأنفسهم، والتربُّع على القمة، والتميز عن الآخرين. سيكونون راضين إذا حدث كل شيء جيد لهم وحدهم. هذا هو جوهر طبيعتهم؛ هذا هو وجههم الحقيقي.

على الجميع المرور بالكثير من النكسات والإخفاقات في الحياة. من لديه حياة لا يملؤها إلا الرضا؟ من منا لا يواجه أي إخفاقات أو انتكاسات؟ عندما لا تسير الأمور على ما يرام في بعض الأحيان بالنسبة لك، أو تواجه انتكاسات وإخفاقات، فليس هذا حظًا سيئًا، بل ما يتعيَّن عليك اختباره. الأمر مثل تناول الطعام: عليك أن تأكل الحامض والحلو والمرَّ والحار على حد سواء. لا يمكن للناس الاستغناء عن الملح وعليهم تناول بعض الأطعمة المالحة، ولكن إذا تناولتَ الكثير من الملح، فسيضر ذلك بكليتيك. عليك تناول بعض الأطعمة الحامضة في بعض المواسم، ولكن لن يكون من المقبول تناول الكثير منها، لأنها ليست جيدة لأسنانك ولا معدتك. كل شيء يجب أن يؤكل باعتدال، فأنت تتناول الأطعمة الحامضة والمالحة والحلوة، وعليك أن تتناول بعض الأطعمة المرَّة أيضًا، فهي نافعة لبعض الأعضاء الداخلية، لذلك عليك تناول القليل منها. وبالمثل تكون حياة الشخص؛ فمعظم الأشخاص والأحداث والأشياء التي تصادفها في كل مرحلة من حياتك، لن تعجبك. لماذا؟ لأن الناس يسعون إلى أشياء مختلفة. إن كنتَ تسعى إلى الشهرة واليُمن والمكانة والثروة، لكي تتفوق على الآخرين وتحقق نجاحًا كبيرًا، وما إلى ذلك، فإن 99 بالمئة من الأشياء لن تنال إعجابك. فتمامًا مثلما يقول الناس: الأمر كله حظ سيئ ونحس. رغم ذلك، إذا تخليتَ عن فكرة كم أنت محظوظ أو غير محظوظ، وتعاملتَ مع هذه الأشياء بهدوء وعلى نحو صحيح، فستجد أن معظم الأشياء ليست غير مواتية أو يصعب التعامل معها. عندما تتخلى عن طموحاتك ورغباتك، وتتوقف عن رفض أيما مصيبة تحلُّ بك أو تجنُّبها، وتتوقف عن قياس هذه الأشياء بمدى حسن حظك أو سوئه، فعندئذٍ سترى الكثير من الأشياء – التي كنت تراها مؤسفة وسيئة – على أنها حسنة؛ ستتحول الأشياء السيئة إلى أشياء حسنة. ستتغير عقليتك وطريقة رؤيتك للأشياء، مما سيمكِّنك من أن يكون لديك شعور مختلف تجاه اختبارات حياتك، وأن تجني – في الوقت نفسه – مكافآت مختلفة. هذا اختبار غير عادي، سيجلب لك مكافآت لا تتخيلها. إنه لأمر جيد، وليس بالرديء. على سبيل المثال، بعض الأفراد دائمًا ما ينالون التقدير، ودائمًا ما يبلغون الترقيات، ودائمًا ما يتلقون الثناء والتشجيع، وكثيرًا ما ينالون استحسان إخوانهم وأخواتهم، والجميع ينظرون إليهم بحسد. أهذا شيء جيد؟ يعتقد معظم الناس أن هذه الأشياء تحدث لأن الحظ يحالف هؤلاء الأفراد. إنهم يقولون: "انظر، هذا الرجل يتمتع بمستوى قدرات جيد، وقد وُلد محظوظًا وأبلى بلاءً حسنًا في حياته، فهو ينال الفرص الجيدة ويفوز بالترقيات. كم إنه محظوظ حقًّا!" إنهم يحسدونه بدرجة مذهلة. لكن في النهاية، يُعفى هذا الفرد في غضون سنوات قليلة ويصير مؤمنًا عاديًّا، فيبكي على حاله ويحاول شنق نفسه، وفي غضون أيام قليلة يُخرَج. أهذا حظ حسن؟ إذا نظرت إلى الأمر على هذا النحو، فهو سيئ الحظ للغاية. لكن هل هذه في الواقع حالة من سوء الحظ؟ (كلا). الواقع أنَّ حظه لم يكن سيئًا، إنما هو لم يتبع الطريق الصحيح. ولأنه لم يتبع الطريق الصحيح، فعندما حدثت له أشياء يعتبرها الناس "حُسن حظ"، أصبحت إغواءً وفخًا ومحفِّزًا سرَّع تدميره. أهذا شيء جيد؟ كان دائمًا ما يطمح إلى الترقية، وأن يكون متميزًا عن الجميع، وأن يكون مركز الاهتمام، وأن يسير كل شيء على ما يرام وبالطريقة التي يريدها، لكن ماذا حدث في النهاية؟ ألم يُستبعَد؟ هذه هي النتيجة التي تتحقق عندما لا يتبع الناس الطريق الصحيح. ليس السعي وراء الحظ الحسن في حد ذاته هو الطريق الصحيح. من المؤكد أن الأشخاص الذين يسعون وراء الحظ سيرفضون كل الأشياء السيئة ويتجنبونها؛ كل الأشياء التي غالبًا ما يعتبرها الناس غير مرغوب بها، والأشياء التي لا تتوافق مع أمزجة الناس ومصالحهم الجسدية. إنهم يخشون حدوث هذه الأشياء ويتجنبونه ويرفضونه. وعندما تحدث هذه الأشياء، فإنهم يصفونها بأنها "سوء حظ". هل يمكنهم طلب الحق بينما يعتقدون أنهم غير محظوظين؟ (لا). هل تعتقد أن الأشخاص الذين لا يستطيعون طلب الحق والذين يظنون دائمًا أنهم غير محظوظين يمكنهم السير في المسار الصحيح؟ (كلا). لا يمكنهم ذلك قطعًا. ولذلك، فإن الأشخاص الذين يسعون دائمًا وراء الحظ، والذين لا يركزون دائمًا سوى على حظهم ويتأملون في حظهم، هم أشخاص لا يتبعون المسار الصحيح. مثل هؤلاء الناس لا يضطلعون بواجباتهم الصحيحة، ولا يتبعون المسار الصحيح، لذلك يظلون يغرقون في الاكتئاب. هذا خطؤهم، وهم يستحقون ذلك! هذا لأنهم يتبعون المسار الخطأ! إنهم يستحقون أن يغرقوا في الاكتئاب. هل من السهل الخروج من هذا الاكتئاب؟ الأمر سهل في الواقع. فقط تخلَّ عن وجهات نظرك الخاطئة، ولا تتوقع أن يسير كل شيء على ما يرام، أو بالطريقة التي تريدها تمامًا، أو بسلاسة. لا تخَشَّ الأشياء التي لا تسير على ما يُرام أو تقاومها أو ترفضها. عوضًا عن ذلك، تخلَّ عن مقاومتك واهدأ، وائتِ أمام الله بموقف الخضوع، واقبل كل ما يرتبه الله. لا تسعى وراء ما يسمى بـ "حُسن الحظ" ولا ترفض ما يسمى بـ "سوء الحظ". قدِّم قلبك وكيانك بأكمله لله، ودعه يقوم بالفعل والترتيب، واخضَع لترتيباته وتدابيره. سيعطيك الله ما تحتاج إليه بالمقدار العادل وقتما تحتاج إليه. سيرِّتب الله البيئات والأشخاص والأحداث والأشياء التي تتطلبها، حسب احتياجاتك وأوجه القصور لديك، حتى تتمكن من تعلُّم الدروس التي يتعين عليك تعلُّمها من الأشخاص والأحداث والأشياء التي تصادفها. الشرط المسبق لكل هذا بالطبع أن تكون لديك عقلية الخضوع لتنظيمات الله وترتيباته. لذلك، لا تسعى إلى الكمال؛ لا ترفض حدوث أشياء غير مرغوب بها أو محرجة أو غير مواتية أو تخشاه، لا تستخدم اكتئابك لتقاوم داخليًّا حدوث الأشياء السيئة. على سبيل المثال، إذا أصيب مرنِّم بالتهاب في الحلق ذات يوم ولم يكن أداؤه جيدًا، فسيفكر: "أنا سيء الحظ للغاية! لماذا لا يعتني الله بصوتي؟ عادةً ما أرنمِّ جيدًا جدًا عندما أكون بمفردي، لكنني أحرجت نفسي اليوم بالترنيم أمام الجميع. لم أتمكن من إعطاء النغمة الصحيحة، ولم أستطع إدراك الإيقاع. لقد جعلت من نفسي أضحوكة كبيرة!". من الجيد أن تجعل من نفسك أضحوكة. فهذا يساعدك على رؤية نقائصك وحبك للغرور. ويكشف لك مكمن مشكلاتك ويساعدك على أن تفهم بوضوح أنك لست شخصًا كاملًا. لا يوجد أناس كاملون، ومن الطبيعي جدًا أن تجعل من نفسك أضحوكة. يمر جميع الناس بأوقات يجعلون فيها من أنفسهم أضحوكة أو يشعرون بالإحراج. جميع الناس يفشلون ويمرون بانتكاسات ولديهم نقاط ضعف. أن تجعل من نفسك أضحوكة ليس بالأمر السيئ. عندما تفعل ذلك ولا تشعر بالإحراج ولا تصبح مكتئبًا في أعماقك، فذلك لا يعني أنك بليد الحس؛ بل يعني أنك لا تهتم بما إذا كانت مسألة أن تجعل من نفسك أضحوكة سوف تؤثر على سمعتك، ويعني أن غرورك لم يعد يشغل أفكارك. وهذا يعني أنك نضجت في إنسانيتك. هذا رائع! أليس ذلك شيئًا جيدًا؟ إنه شيء جيد. لا تعتقد أنك لم تقدم أداءً جيدًا، أو أن حظك سيئ، ولا تبحث عن الأسباب الموضوعية وراء ذلك. هذا أمر طبيعي. من الممكن أن تجعل من نفسك أضحوكة، ومن الممكن أن يجعل الآخرون من أنفسهم أضحوكة، ومن الممكن للجميع أن يجعلوا من أنفسهم أضحوكة؛ ستكتشف في النهاية أن الجميع متماثلون، فجميعهم أناس عاديون، وجميعهم فانون، وأنه لا يوجد أحد أعظم من أحد، ولا أحد أفضل من أحد. الجميع يجعل من نفسه أضحوكة في بعض الأحيان، لذلك لا ينبغي لأحد أن يسخر من أي شخص آخر. إنك تنضج تدريجيًّا في إنسانيتك بمجرد أن تكون اختبرت الكثير من الإخفاقات؛ لذلك متى ما واجهت هذه الأشياء مرة أخرى، فلن تعود مقيدًا، ولن يكون لها تأثير على الأداء الطبيعي لواجبك. ستكون إنسانيتك طبيعية، وعندما تكون إنسانيتك طبيعية، سيكون عقلك أيضًا طبيعي.

هؤلاء الأشخاص الذين يستمتعون بالسعي وراء الحظ هم أولئك الذين يسعون وراء اليُمن في هذه الحياة، ويأخذون الأمور إلى أقصى الحدود. ما يسعى إليه هؤلاء الأشخاص هو أمر خاطئ وعليهم التخلي عنه. لقد عقدنا شركة الآن للتو حول كيفية التعامل مع هذه الأشياء غير المرغوب بها واتخاذ النهج الصحيح تجاهها؛ هل تفهمون هذا الآن؟ كيف عقدنا شركة حول هذا؟ (ينبغي للناس أن يخضعوا لكل ما يرتبه الله. ويجب ألا يطلبوا أن يصيروا أناسًا كاملين، ولا يجب أن يخافوا أي شيء يجعلهم يشعرون بالحرج أو يخشون من حدوث أي شيء غير مواتٍ، ويجب ألا يستخدم الناس شعور الاكتئاب لديهم لمقاومة هذه الأشياء عندما تحدث). هدئ عقلك وواجه كل شيء بالعقلية الصحيحة. عندما تحدث لك أشياء سيئة، لا بد أن يكون لديك المسار الصحيح للتعامل معها ومعالجتها، وحتى إذا لم تتعامل معها جيدًا، فلا يزال عليك ألا تغرق في الاكتئاب. إذا أخفقت، فيمكنك المحاولة مرة أخرى؛ فالإخفاق درس في أسوأ الأحوال، وحتى إن أخفقتَ فلا يزال هذا أفضل من النفور والمقاومة والرفض والهروب. لذا، بغض النظر عما يحدث أو ما يجب أن تواجهه في المستقبل، فلا ينبغي أبدًا أن ترفضه أو تحاول الهروب منه، ناهيك عن قياسه وفقًا لمنظور أن حظك حسن أو سيء. لما كنت تؤكد أن كل شيء مرتَّب بيد الله، فلا ينبغي لك قياس كل هذه الأشياء من منظور وعقلية أن حظك جيد أو سيئ، ناهيك عن أن ترفض الأشياء السيئة التي تحدث. يجب بالطبع أيضًا ألا تتعامل مع هذه الأمور بمشاعر الاكتئاب. عوضًا عن ذلك، عليك أن تتبنى موقفًا استباقيًّا ومزاجًا إيجابيًّا لمواجهة هذه الأشياء والتعامل معها، ومعرفة الدروس التي يمكنك تعلُّمها والفهم الذي عليك استخلاصه منها؛ وهذا ما عليك فعله. ألن تكون أفكارك ووجهات نظرك حينئذ صحيحة؟ (ستكون صحيحة) وعندما تواجه مرة أخرى حدوث بعض الأشياء السيئة أو المؤسفة، سيمكنك التعامل معها وفقًا لكلام الله، وستكون لديك الأفكار ووجهات النظر الصحيحة، وبهذه الطريقة، ستصبح إنسانيتك وعقلك طبيعيين. عندما تنظر إلى الأمر بهذه الطريقة، أليس من المهم جدًّا أن تكون لديك وجهة النظر الصحيحة؟ أليس من الأهمية بمكان أن نفهم بوضوح مسألة القدَر وفقًا لكلام الله؟ (بلى). الآن بعد أن انتهينا تقريبًا من الشركة حول هذا القول بأن الحظ جيد أو سيئ، هل تفهمون الآن؟ (نعم). إذا تمكنتم من فهم جوهر هذا النوع من المشكلات بوضوح، فستكون لديكم وجهة النظر الصحيحة بشأن مسألة القدر.

هناك أيضًا سبب آخر لغرق الأشخاص في مشاعر الاكتئاب، وهو أن بعض الأشياء المحددة تحدث للناس قبل أن يبلغوا سن الرشد أو بعد أن يصبحوا بالغين، أي إنهم يرتكبون بعض التعديات أو يقومون ببعض الحماقات أو الأشياء الغبية أو الأشياء الجاهلة؛ وهم يغرقون في الاكتئاب بسبب هذه التعديات، وبسبب هذه الأشياء الغبية والجاهلة التي فعلوها. هذا النوع من الاكتئاب هو إدانة للذات، وهو أيضًا نوع من التحديد لنوع الشخص الذي هم عليه. ليس هذا النوع من التعديات مجرد سبِّ شخص ما أو التحدث عن شخص ما بشيء من السوء من وراء ظهره، أو شيء تافه من هذا القبيل، بل أمر ينطوي على الخزي والشخصية والكرامة، وحتى القانون. وبينما يستحضرون الحدث باستمرار في أذهانهم، تتجمع مشاعر الاكتئاب شيئًا فشيئًا في أعماق قلوبهم، حتى الوقت الحاضر. ما هذه التعديات؟ كما قلت للتو، إنها أشياء جاهلة وغبية وحمقاء فعلها الناس، إما وهم أطفال أو وهم بالغون. هل تعرفون ما تتضمنه هذه الأشياء الغبية والحمقاء والجاهلة؟ إنها تشمل الأشياء التي تضرُّ الآخرين لكنها تفيدك، والأشياء التي يصعب التحدث عنها، والأشياء التي تشعر بالخزي منها. قد يكون شيئًا قذرًا أو خسيسًا أو فاحشًا أو غير لائق، مما يدفعك للغرق في مشاعر الاكتئاب هذه. وهذا الاكتئاب ليس مجرد نوع بسيط من لوم الذات، بل هو بالأحرى إدانة المرء لذاته. هل يمكنكم التفكير فيما يمكن تضمينه في هذا النطاق الذي حددته؟ هاتوا مثالًا على ذلك. (الفحش). أجل، الفحش أحدها. على سبيل المثال، خان بعض الناس أزواجهم أو زوجاتهم بالفكر أو الفعل؛ لقد ارتكب بعض الناس الزنا وانخرطوا في الفحش، لكنهم لا يزالون لا يتركونه ويفكرون دائمًا فيمن يريدون ارتكاب الزنا معه؛ وسلب بعض الأشخاص المال من آخرين بالخداع، وربما مبالغ كبيرة من المال؛ وسرق بعض الأشخاص أشياء مملوكة للآخرين؛ وقام بعض الأشخاص بتلفيق تهم لآخرين أو انتقموا منهم. بعض هذه الأشياء يقترب من خرق القانون، وبعضها ينتهك القانون بالفعل؛ وقد يكون بعضها على هامش الحدود الأخلاقية، بينما قد يتعارض بعضها الآخر بالفعل مع أخلاقيات الإنسانية الطبيعية. هذه الأشياء مدفونة عميقًا في ذكريات الناس في أعمق أعماق قلوبهم، وهي تتبادر إلى الأذهان من وقت لآخر. عندما تجد نفسك وحيدًا، عندما لا تتمكن من النوم في منتصف الليل، لا يسعك إلا أن تفكر في هذه الأشياء. إنها تمر بعين عقلك وكأنها فيلم، مشهد تلو آخر، ولا يمكنك محوها أو التخلص منها. إنك تشعر بالاكتئاب في كل مرة تفكر بهذه الأشياء، ويحترق وجهك، ويرتجف قلبك، وتشعر بالحرج، وتمتلئ روحك بعدم الارتياح. على الرغم من أنك تؤمن بالله، فإنك لا تزال تشعر وكأن هذه الأشياء التي قمت بها قد حدثت بالأمس فحسب. لا يمكنك الهروب منها، ولا يمكنك الاختباء منها، وليست لديك أي فكرة عن كيفية تركها وراءك. على الرغم من أن عددًا قليلًا فقط من الآخرين هم مَن يعرفون ما فعلته، أو ربما لا أحد يعرفه، فإنك تشعر في قلبك بإحساس خافت من عدم الارتياح. ومن عدم الارتياح هذا ينبع الاكتئاب، وهذا الاكتئاب يدفعك للشعور بالجرم بينما تتبع الله وتؤدي واجبك. سواء كان هذا الشعور بالإدانة نابعًا من ضميرك، أم من القانون، أم من حسك بالأخلاق والقيم، فلا يمكنك أن تقول ذلك على وجه اليقين. على أي حال، غالبًا ما يشعر الأشخاص الذين فعلوا هذه الأشياء بعدم الارتياح عن غير قصد، عندما يحدث شيء معين، أو في بعض البيئات والسياقات المحددة. هذا الشعور بعدم الارتياح يجعلهم يقعون في اكتئاب عميق دون أن يدروا بذلك، ويصبحون مكبَّلين باكتئابهم ومقيَّدين. وعندما يستمعون إلى عظة أو شركة عن الحق، يتسلل هذا الاكتئاب ببطء إلى أذهانهم وإلى أعمق أعماق قلوبهم فيخضعون أنفسهم لاستجواب مكثف سائلين: "هل يمكنني أن أفعل هذا؟ هل أنا قادر على السعي إلى الحق؟ هل أنا قادر على نيل الخلاص؟ أي نوع من الأشخاص أنا؟ لقد فعلت هذا الشيء من قبل، لقد كنت ذلك النوع من الأشخاص من قبل. هل أنا بعيد جدًا عن الخلاص؟ هل لا يزال الله يخلصني؟" يمكن لبعض الناس أحيانًا أن يتخلوا عن مشاعر الاكتئاب وأن يخلفوها وراءهم. إنهم يأخذون إخلاصهم وكل الطاقة التي يمكنهم حشدها ويستخدمونهما لأداء واجبهم والتزاماتهم ومسؤولياتهم، ويمكنهم أيضًا أن يضعوا كل قلوبهم وعقولهم في السعي إلى الحق والتأمل في كلام الله، وهم يبذلون جهدهم في كلام الله. ورغم ذلك، فإنَّ مشاعر الاكتئاب تتملكهم مرة أخرى في اللحظة التي يأتي فيها موقف أو ظرف خاص، وتجعلهم يشعرون بالجرم مجددًا في أعماق قلوبهم. إنهم يفكرون بينهم وبين أنفسهم: "لقد فعلت ذلك الشيء من قبل، وكنت ذلك النوع من الأشخاص. هل تستطيع نيل الخلاص؟ هل ثمة أي فائدة من ممارسة الحق؟ ما رأي الله فيما فعلت؟ هل سيسامحك الله على ما فعلته؟ أيمكن لدفع الثمن بهذه الطريقة الآن أن يكون إصلاحًا لذلك التعدي؟" إنهم غالبًا ما يلومون أنفسهم ويشعرون بالجرم في أعماقهم، وهم متشككون دائمًا، ويعذبون أنفسهم دائمًا بالأسئلة. لا يمكنهم أبدًا ترك مشاعر الاكتئاب هذه خلفهم أو التخلص منها، ويشعرون بإحساس دائم بعدم الارتياح حيال الشيء المخزي الذي فعلوه. لذلك، على الرغم من أنهم يؤمنون بالله منذ سنوات كثيرة جدًا، يبدو الأمر كما لو أنهم لم يستمعوا قط إلى أي شيء قاله الله أو فهموه. يبدو الأمر كما لو أنهم لا يعرفون ما إذا كان لنيل الخلاص أي علاقة بهم، أو ما إذا كان من الممكن الصفح عنهم وافتداؤهم، أو ما إذا كانوا مؤهلين لتلقي دينونة الله وتوبيخه وخلاصه. ليست لديهم فكرة عن كل هذه الأشياء. ولأنهم لا يتلقون أي إجابات، ولأنهم لا ينالون أي حكم دقيق، يشعرون باستمرار بالاكتئاب عميقًا في داخلهم. في أعمق أعماق قلوبهم، يتذكرون ما فعلوه مرارًا وتكرارًا، ويعيدون تصوره في أذهانهم مرارًا وتكرارًا، متذكِّرين كيف بدأ الأمر كله وكيف انتهى، ومتذكِّرين الأمر كله من البداية إلى النهاية. ومهما كانت كيفية تذكرهم لذلك، فإنهم يشعرون دائما أنهم خاطئون، ومن ثمَّ يشعرون بالاكتئاب بشأن هذا الأمر باستمرار على مر السنين. حتى عندما يقومون بواجبهم، وحتى عندما يكونون مسؤولين عن وظيفة معينة، فإنهم يظلون يشعرون أن ليس لديهم أمل في أن يُخلَّصوا. ولذلك، فإنهم لا يواجهون مسألة السعي إلى الحق مباشرة أبدًا، ولا يعتبرونها الأمر الأصح والأهم. إنهم يعتقدون معظم الناس يزدرون الخطأ الذي ارتكبوه أو الشيء الذي فعلوه في الماضي، أو أن الناس قد يدينونهم ويحتقرونهم، أو يعتقدون حتى أنَّ الله يدينهم. مهما كانت المرحلة التي وصل إليها عمل الله أو عدد الأقوال التي عبَّر عنها، فإنهم لا يواجهون مسألة السعي إلى الحق بالطريقة الصحيحة أبدًا. لمَ هذا؟ ليست لديهم الشجاعة لترك اكتئابهم خلفهم. هذا هو الاستنتاج النهائي الذي يستخلصه هذا النوع من الأشخاص من اختبار هذا النوع من الأشياء، ولأنهم لا يتوصلون إلى الاستنتاج الصحيح، فهم غير قادرين على ترك اكتئابهم خلفهم.

من المحتم أن يكون هناك الكثير من الناس الذين ارتكبوا أحد التعديات أو غيرها، سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، لكن الأرجح أنه يوجد عدد قليل جدًّا ممن ارتكبوا تعديات خطيرة؛ أي تعديات من النوع الذي يتعدى الحدود الأخلاقية. لن نتحدَّث هنا عن أولئك الذين ارتكبوا تعديات أخرى متنوعة، سنتحدث فحسب عما يجب أن يفعله الأشخاص الذين ارتكبوا تعديات خطيرة، والذين ارتكبوا تعديات من النوع الذي يتعدى حدود الأخلاق والآداب. بخصوص الأشخاص الذين ارتكبوا تعديات خطيرة – وأنا هنا أتحدث عن تعديات تتجاوز الحدود الأخلاقية – هذا لا يتضمن الإساءة إلى شخصية الله وانتهاك مراسيمه الإدارية. هل تفهمون؟ أنا لا أتحدث عن التعديات التي تسيء إلى شخصية الله أو جوهره أو هويته ومكانته، ولا أتحدث عن التعديات التي هي تجديف على الله. ما أتحدث عنه هو التعديات التي تتجاوز الحدود الأخلاقية. ثمة ما سنقوله أيضًا عن الكيفية التي يمكن بها لهؤلاء الأشخاص الذين ارتكبوا مثل هذه التعديات أن يعالجوا مشاعر الاكتئاب لديهم. مثل هؤلاء الأشخاص لديهم طريقان يمكنهم اتباعهما، وهذه مسألة بسيطة. أولًا- إذا شعرت في قلبك أن بوسعك التخلي عن ذلك الشيء الذي فعلته، أو لديك الفرصة للاعتذار للشخص الآخر وتعويضه، فيمكنك الذهاب للاعتذار له وتعويضه، وسوف تسترد روحك مشاعر السلام والارتياح؛ إذا لم تكن لديك الفرصة للقيام بذلك، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، وإذا صرت حقًّا تعرف مشكلتك في أعماق قلبك وأدركت مدى خطورة هذا الشيء الذي فعلته وكنت تشعر بالندم حقًا، فعليك أن تأتي أمام الله لتعترف وتتوب. عندما تفكِّر في الشيء الذي فعلته وتشعر بالجرم، وهو على وجه التحديد الوقت الذي عليك بالمجيء فيه أمام الله للاعتراف والتوبة، عليك أن تجلب إخلاصك ومشاعرك الحقيقية لتنال تبرئة الله وغفرانه. وكيف يمكنك نوال تبرئة الله وغفرانه؟ هذا يتوقف على قلبك. إذا اعترفت حقًّا، وأدركت حقًّا خطأك ومشكلتك، وسواء كان ذلك تعديًا ارتكبته أو خطية، تتبنى موقف الاعتراف الحقيقي، وتشعر بالكراهية الحقيقية تجاه ما فعلته، وتقوم بتغيير نفسك حقًّا، كيلا تفعل ذلك الشيء الخاطئ مجددًا، فإنك ستنال تبرئة الله وغفرانه ذات يوم؛ أي إنَّ الله لن يحدِّد بعدئذٍ نهايتك بناءً على الجهالات والحماقات من والأشياء القذرة التي فعلتَها من قبل. سوف ينسى الله الأمر بالكامل عندما تصل إلى هذا المستوى؛ ستكون مثل غيرك الأشخاص العاديين فحسب، دون أدنى اختلاف. غير أنَّ الفرضية لهذا أنك لا بد أن تكون مُخلِصًا وأن يكون لديك موقف توبة حقيقي مثل داود. كم من الدموع ذرف داود بسبب التعدي الذي ارتكبه؟ دموع لا تحصى. كم مرة بكى؟ مرات لا تحصى. ويمكن وصف الدموع التي بكاها بهذه الكلمات: "أُعَوِّمُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ سَرِيرِي بِدُمُوعِي". لا أعرف مدى خطورة تعديك. إذا كان خطيرًا حقًّا، فربما تحتاج إلى البكاء حتى يطفو سريرك على مياه دموعك- قد يكون عليك أن تعترف وتتوب حتى ذلك المستوى قبل أن تتمكن من نوال غفران الله. وإذا لم تفعل هذا، فمن المؤسف أن تعديك سيصير خطية في عيني الله، ولن تُبرأ منه. ستكون حينئذٍ في ورطة ولن تكون ثمة جدوى من قول أي شيء آخر بشأن هذا. لذلك، فإن الخطوة الأولى لتلقي تبرئة الله وغفرانه هي أن تكون مُخلِصًا وتتخذ إجراءات عملية للاعتراف والتوبة حقًّا. يسأل البعض: هل يتعين عليَّ إخبار الجميع به؟ ليس ذلك ضروريًّا؛ فلتذهب فقط وتصلي إلى الله بنفسك. متى ما شعرت في قلبك بعدم الارتياح وبأنك أجرمت، فعليك أن تأتي على الفور أمام الله للصلاة وتلقي غفرانه. يسأل بعض الناس: "كم مرَّة عليَّ أن أصلي قبل أن أعرف أن الله قد غَفر لي؟" عندما لا تشعر أنك مجرم بسبب هذا الأمر، وعندما لا تنزلق إلى الاكتئاب بسبب هذا الأمر، فهذا هو الوقت الذي ستكون قد حققتَ فيه نتائج، وسيُظهر ذلك أن الله قد برَّأك. عندما لا يستطيع أحد ولا قدرة ولا قوة خارجية أن تزعجك، وعندما لا يقيدك أي شخص أو حدث أو شيء، عندئذٍ ستكون قد حققت النتائج. هذه هي الخطوة الأولى التي يتعين عليك اتخاذها. والخطوة الثانية أنك بينما تتوسل باستمرار إلى الله من أجل التبرئة، عليك أن تطلب بنشاط المبادئ التي عليك اتباعها بينما تؤدي واجبك؛ فقط من خلال القيام بذلك ستكون قادرًا على أداء واجبك جيدًا. وبالطبع، هذا أيضًا فعل عملي، وتعبير عملي وموقف يعوِّض عن تعديك، ويثبت أنك تائب، وأنك غيَّرت نفسك؛ هذا شيء يتعين عليك القيام به. ما مدى قيامك بواجبك جيدًا، والإرسالية التي يعطيها الله لك؟ هل تتعامل معهما بموقف مكتئب، أم بالمبادئ التي يتطلب الله منك اتباعها؟ هل تقدم ولاءك؟ على أي أساس سيبرئك الله؟ هل عبَّرت عن أي توبة؟ ماذا تُظهِر أمام الله؟ إذا كنت ترغب في تلقي تبرئة الله، فيجب أن تكون مُخلِصًا أولًا: لا بد أن يكون لديك موقف الاعتراف الجاد من ناحية، ويجب أيضًا أن تُظهِر إخلاصك وتؤدي واجبك جيدًا، وإلا فليس ثمة ما يمكن الحديث عنه. إذا كان بوسعك عمل هذين الأمرين، وإذا كان بوسعك التأثير في الله بإخلاصك وحُسن إيمانك، وأن تجعل الله يبرئك من خطاياك، فستكون مثل الأشخاص الآخرين بالضبط. سينظر الله إليك بالطريقة نفسها التي ينظر بها إلى الآخرين، وسيعاملك بالطريقة نفسها التي يعامل بها الآخرين، وسيدينك ويوبخك ويمتحنك وينقيك تمامًا كما يفعل مع الآخرين- لن يعاملك معاملة مختلفة. بهذه الطريقة، لن يكون لديك العزم والرغبة في السعي إلى الحق فحسب، بل سينيرك الله أيضًا ويرشدك ويعولك بالطريقة نفسها في سعيك إلى الحق. وبالطبع، نظرًا لأن لديك الآن رغبة صادقة وحقيقية وموقف مخلِص، فلن يعاملك الله بصورة مختلفة عن أي شخص آخر؛ وستكون لديك الفرصة لبلوغ الخلاص تمامًا مثل الآخرين. أنتم تفهمون هذا، أليس كذلك؟ (بلى). إنَّ ارتكاب تعدٍ خطير هو حالة خاصة. لا يمكننا القول إنه ليس مخيفًا، فهي مشكلة خطيرة للغاية. إنه لا يكافئ الشخصية الفاسدة العادية أو وجود بعض الآراء والأفكار غير الصحيحة لدى شخص ما. إنه شيء قد حدَثَ بالفعل، وصار حقيقة، ويجلب عواقب وخيمة. ولهذا السبب لا بد من معاملته بطريقة خاصة. سواء جرى التعامل معه بطريقة خاصة أو عادية، فدائمًا ما توجد طريقة للمضي قدمًا وطريقة لمعالجة الأمر، وهذا يتوقف على ما إذا كان بوسعك الممارسة وفقًا للطرق والأساليب التي أخبرك بها وأرشدك إليها. إذا كنت تمارس بهذه الطريقة حقًّا، فإن آمالك في بلوغ الخلاص في النهاية ستكون مثل آمال الآخرين بالضبط. وبطبيعة الحال، فإن علاج كل هذا لا يهدف فحسب إلى تمكين الناس من ترك مشاعر الاكتئاب وراءهم. الهدف النهائي هو أن يتمكنوا – من خلال علاج مشاعر الاكتئاب الموجودة لديهم – من اتباع النهج الصحيح تجاه كل هذه الأشياء التي تقع في نطاق ضمير الإنسانية الطبيعية وعقلها عندما يقابلون الأشخاص والأحداث والأشياء. عليهم ألا ينحوا إلى التطرف، وعليهم ألا يكونوا عنيدين؛ عليهم التقدم بدرجة أكبر في طلب مقاصد الله وطلب الحق، وتتميم المسؤوليات والواجبات التي ينبغي للكائن المخلوق أن يؤديها، ليتمكنوا أخيرًا من رؤية الناس والأشياء والتصرُّف والفعل وفقًا لكلام الله بحيث يكون الحق معيارًا لهم. سيقترب الناس تدريجيًّا من طريق الخلاص بمجرد دخولهم إلى هذا الواقع، وبهذه الطريقة سيكون لديهم رجاء في بلوغ الخلاص. هل أصبح الآن طريق كيفية علاج مشاعر الاكتئاب الناتجة عن التعديات الجسيمة واضحًا لكم؟ (نعم إنه كذلك).

هل علاج مشاعر الاكتئاب مشكلة صعبة؟ أعتقد أنها صعبة جدًا، إذ إنها تتضمن أمورًا مهمة في الحياة، فهي تتضمن الطريق الذي يسلكه الناس في إيمانهم بالله، وما إذا كان بإمكانهم بلوغ الخلاص في المستقبل أو ما إذا كان إيمانهم سيذهب سدى؛ فهذه قضية رئيسية. في الظاهر ما ينكشف هو مشاعر، بينما في الواقع ثمة أسباب لنشوء هذه المشاعر. لقد عقدتُ الشركة حول هذه الأسباب اليوم بوضوح، وقدمت الآن طريقة للمضي قُدمًا لعلاج مشكلة هذه الأسباب، لذا ألا يمكن الآن علاج مشاعر الاكتئاب بسهولة؟ (يمكن بالفعل). لقد عُولجت هذه المشكلة من الناحية النظرية. من خلال التحلي بالفهم من جهة التعليم، ثم مقارنة هذا التعليم بما فعلتَه في الماضي، واستخدام هذا التعليم أساسًا لحل صعوباتك في الحياة تدريجيًّا، وصعوبات تفكيرك، واتباع هذا المسار باستمرار، يمكنك الشروع تدريجيًّا في طريق السعي إلى الحق. ما رأيك بهذه الطريقة لحل المشكلة؟ (إنها جيدة). هذه هي الطريقة التي يجب على الناس حل المشكلة بها. إذا لم يفعلوا ذلك، فإنَّ المشكلات المعقدة داخلهم – مشكلات تفكيرهم، ومشكلات قلوبهم، ومشكلاتهم الذهنية، وكذلك شخصياتهم الفاسدة – تقيدهم بإحكام. إنهم يصبحون مقيَّدين ومحاصَرين بهذه الطريقة، ويعانون ويَشعرون بالإرهاق طوال الوقت، ولا يعرفون ما إذا كان عليهم الضحك أم البكاء، ولا يمكنهم أبدًا إيجاد طريق للخروج. عندما تنتهي من الاستماع إلى شركة اليوم، يمكنك التأمل فيها بعناية والتوصل إلى فهم لها فيما يتعلق بالتعاليم. بعد ذلك، من خلال اختباراتك العملية والشخصية في حياتك اليومية، يمكنك الخروج تدريجيًّا من هذه المشاعر السلبية ومختلف حالات شخصياتك الفاسدة. بمجرد أن تتركها وراءك، لن تكون قد تحررت حقًا وصرت وحرًا فحسب، ولن تكون قد دخلت إلى واقع الحق فحسب، بل الأهم من ذلك أنك ستكون قد فهمت الحق، وستكون قد ربحت الحق أيضًا، وستكون قادرًا على عيش واقع الحق. ستكون حينذاك عظيم النفع، وستعيش حياة ذات قيمة. هل ترغبون في العيش هكذا؟ (نعم). معظم الناس يريدون فَهْم الحق والدخول إلى واقع الحق، ولا يريدون قضاء حياتهم في مشاعر الجسد السلبية، ورغبات الجسد الشهوانية، والاتجاهات الدنيوية، والشخصيات الفاسدة؛ ذلك النوع من الحياة صعب ومرهق للغاية. هل ستكون لحياتك عاقبة جيدة إذا كنت تعيش في هذه الشخصيات الفاسدة والمشاعر السلبية؟ إن العيش في هذه المشاعر السلبية هو بمثابة العيش تحت نفوذ الشيطان. إنه يشبه العيش في مفرمة لحم، فعاجلًا أم آجلًا ستُفرم، ويكون من الصعب العثور على مخرج. رغم ذلك، إذا كان بإمكانك قبول الحق، فسيكون لديك رجاء في ترك الارتباك والألم خلفك، وستكون قادرًا على الفكاك من الألم الناتج عن تورطك في المشاعر السلبية والارتباك الذي تسببه لك.

كنت قد خططت في الأصل لعقد شركة حول أكثر من موضوع واحد اليوم، لكن المطاف قد انتهي بي إلى عقد شركة حول الاكتئاب لفترة طويلة. ثمة الكثير مما يُقال عن أي مسألة؛ لا شيء يمكن تفسيره بوضوح في بضع كلمات فحسب. مهما يكن ما أتحدث عنه، فلا يمكنني شرح التعليم المتعلق بمسألة ما ثم أكتفي بذلك. أي مسألة تنطوي على جوانب كثيرة من الحق والواقع؛ فهي تشمل أفكار الناس وآرائهم، والطرق والوسائل التي يسلكون بها، والسبيل الذي يسيرونه، وكل هذا يتعلق بنيلكم الخلاص. لا يمكنني أن أكون مهملًا عند الشركة حول حق أو موضوع ما، ولهذا السبب أحاول أن أقول لكم هذه الأشياء مرارًا وتكرارًا بكل الطرق الممكنة لي؛ وأنا في ذلك مثل الجدة العجوز المزعجة. لا تشتكي من أن الشركة متعبة، ولا تشتكي من أنها تتسم بالإطناب. ربما تحدثتُ عن موضوع من قبل، فلماذا أتحدث عنه مجددًا؟ إذا تحدثت عن الأمر مجددًا، فيمكنك الاستماع إليه ثانية واعتباره مراجعة. هذا جيد، أليس كذلك؟ (نعم). باختصار، عليك التعامل مع الأمور المتعلقة بالحق والطريق الذي يسلكه الناس بضمير حي، وينبغي ألا تكون مهملًا. كلما زادت التفاصيل التي أتناولها وأصبحتُ أكثر تحديدًا، أصبح فهمكم للعلاقة بين مختلف الحقائق وكذلك الاختلافات والارتباطات في التفاصيل بينها، من بين جوانب أخرى، أكثر تفصيلًا ووضوحًا. لو تحدثت بعبارات عامة وعن بعض الأشياء إجمالًا فحسب، لوجدتم صعوبة في فهمها والدخول فيها، ولوجدتم محاولة التفكير في هذه الأشياء واكتشافها بأنفسكم أمرًا مرهقًا للغاية، أليس كذلك؟ (بلى). لنضرب مثالًا بموضوعنا لهذا اليوم؛ المشاعر السلبية التي تنشأ من القدَر، والحظ، والتعديات المحددة التي ارتكبها الناس في الماضي؛ ما كنتم لتقدروا على التفكير في هذه الأشياء بنفسكم، وحتى إذا فعلتَ ذلك، فلن تتمكن أبدًا من أن تجد مخرجًا منها. نظرًا لأنك لا تفهم الحق في هذه الأشياء، فلن تتمكن أبدًا من التوصل إلى الإجابة الصحيحة لمسألة ارتكاب تعديات معينة في الماضي، وستظل دائمًا لغزًا بالنسبة لك، لغزٌ يزعجك إلى الأبد ويورطك، ويسلب السلام والفرح والحرية والتحرر من أعماق قلبك. أو ربما لأنك لم تتعامل مع الأمر بصورة صحيحة ولم تتبع السبيل الصحيح، كان لذلك تأثير في نوالك الخلاص. في النهاية، جرى نبذ بعض الناس واستبعادهم. لماذا يحدث هذا؟ لأنهم فعلوا بعض الأشياء التي لا توصف في الماضي ولم يتعاملوا معها جيدًا ولم ينالوا التبرئة عنها. كانت قلوبهم مشغولة دائمًا بهذه الأشياء؛ لم يشعروا برغبة في السعي إلى الحق، وأدوا واجبهم على نحو رث، ولم يدخلوا إلى واقع الحق، وشعروا ألا أمل لهم من السعي إلى الحق. لقد حملوا هذه النظرة السلبية حتى النهاية، ولم يتحدثوا أبدًا عن شهادة اختبارية، ولم يربحوا الحق. وعندئذ فحسب بدأوا يشعرون بالندم، لكن بعد فوات الأوان. فهل هذه الأمور كلها تتعلق بالحق ونوال الخلاص؟ (إنها كذلك) لا تظن أنه لمجرد أن هذه الأمور لم تحدث لك، أو لم تحدث لشخص آخر، أو لم تحدث للأشخاص من حولك، فإنها غير موجودة. دعني أخبرك، ربما تكون قد فعلت بعض الأشياء سيئة السمعة من قبل ولم تُسفر بعد عن أي عواقب مخيفة، أو ربما تكون أصبحت في السابق غارقًا في هذا النوع من المشاعر السلبية أو أنت غارقٌ فيه الآن، لكنك لم تلاحظ ذلك فحسب ولم تكن على علم به، ثم في ذات يوم يحدث شيء حقيقي، ويكون لهذه المشاعر تأثير شديد فيك وتؤدي إلى عواقب وخيمة. فقط عندما تفحص نفسك بعمق تكتشف أنك غارق في هذه المشاعر السلبية منذ سنوات كثيرة أو حتى لفترة أطول دون أن تكون واعيًا بذلك. ولهذا السبب يحتاج الناس إلى التأمل باستمرار في هذه الأشياء والتفكُّر فيها وفهمها وتقديرها واختبارها من أجل اكتشافها ببطء. وبالطبع، فإنَّ اكتشاف هذه الأشياء أخيرًا يعني أخبارًا جيدة للغاية بالنسبة لك ويمثل فرصة عظيمة لنوال الخلاص. عندما تكتشفها بالفعل، سيكون هذا هو الوقت الذي تتاح لك فيه الفرصة أو الأمل في تركها وراءك، ولن يكون ما تحدثت عنه اليوم قد ذهب سدى. ليس من حق ولا موضوع ولا كلمات يمكن فهمها بالكامل واختبارها في يوم أو اثنين. وبما أن الأمر يتضمن الحق، فهو يشمل الإنسانية وشخصيات الناس الفاسدة والسبيل الذي يسلكه الناس وبلوغ الناس للخلاص. لذلك، لا يمكنك التغاضي عن أي حق، ولكن عليك اتباع نهج يتسم بالضمير الحي تجاهها كلها. حتى إذا كنت لا تفهم هذه الحقائق جيدًا بعد ولا تعرف كيف تفحص نفسك لمعرفة المشكلات التي لديك وفقًا لهذه الحقائق، فربما بعد أن تختبر هذه الحقائق لبضع سنوات تخلِّصك من قيود شخصياتك الفاسدة، وتصبح هي الحقائق الثمينة التي تخلِّصك. عندما يحدث ذلك، سترشدك هذه الحقائق إلى السبيل الصحيح في الحياة، وربما في غضون عشر سنوات أو نحو ذلك، ستكون هذه الكلمات والحقائق قد غيرت أفكارك وآرائك، وحوَّلت أهدافك واتجاهك في الحياة كليًا.

تلك نهاية شركتنا لهذا اليوم. إلى اللقاء!

1 أكتوبر 2022

السابق: كيفية السعي إلى الحق (1)

التالي: كيفية السعي إلى الحق (3)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب