كيفية السعي إلى الحق (3)
إلام وصلنا في شركتنا في اجتماعنا الأخير؟ كنا نعقد شركة حول كيفية السعي إلى الحق، وهي تتعلق بموضوعين رئيسيين هما بصفة أساسية جانبان من جوانب الممارسة. ما الموضوع الأول؟ (إنه التخلي). وما الثاني؟ (إنه التكريس) الأول هو التخلي والثاني هو التكريس. فيما يتعلق بممارسة "التخلي"، عقدنا أولًا شركة حول التخلي عن مختلف المشاعر السلبية. ينطوي الجانب الأول من "التخلي" على التخلي عن مختلف المشاعر السلبية، فما المشاعر التي ذكرناها عندما تحدثنا عن التخلي عن مختلف المشاعر السلبية؟ (في المرة الأولى تحدَّث الله عن الدونية، والكراهية، والغضب، ثم تحدَّث في المرة الثانية عن الاكتئاب). لقد تحدثتُ في المرة الأولى عن ضرورة التخلي عن الكراهية والغضب والدونية؛ هذه المشاعر السلبية الثلاثة هي ما تحدثت عنه بصفة أساسية، وتحدثت أيضًا عن الاكتئاب بقدر من الإسهاب. وفي المرة الثانية تحدثت عن ممارسة التخلي عن الاكتئاب باعتباره أحد المشاعر السلبية. من الممكن أن يُصاب الناس بالاكتئاب للكثير جدًا من الأسباب، وقد تحدثت بصورة أساسية في المرة الآنفة عن طرق عدة يمكن لمشاعر الاكتئاب السلبية أن تنشأ بها. أخبرني، ما الأسباب الرئيسية التي ذكرتُها لنشوء مشاعر الاكتئاب؟ (توجد بالإجمال أسباب ثلاثة يا الله؛ الأول هو شعور الناس الدائم بأنَّ قدَرهم سيء؛ والثاني هو إلقاء الناس باللائمة على حظهم السيئ حال وقوع أشياء لهم؛ والثالث هو عندما يكون الناس قد ارتكبوا تعديات خطيرة في الماضي، أو عندما يكونون قد فعلوا حماقات أو جهالات، مما دفع بهم إلى الغرق في الاكتئاب). هذه هي الأسباب الرئيسية الثلاثة. الأول هو اعتقاد الناس أنَّ قدرهم سيء، ولذلك غالبًا ما يصابون بالاكتئاب؛ والثاني هو اعتقاد الناس أنهم غير محظوظين، ولهذا أيضًا غالبًا ما يصابون بالاكتئاب؛ والثالث هو ارتكاب الناس تعديات جسيمة، مما يدفعهم في أحيان كثيرة إلى الشعور بالاكتئاب. هذه هي الأسباب الرئيسية الثلاثة. إنَّ مشاعر الاكتئاب ليست شعورًا عابرًا بالسلبية أو الحزن، وإنما هي مشاعر سلبية في العقل معتادة ومتكررة تنجم عن أسباب معينة. هذه المشاعر السلبية تدفَع الناس لتكوين الكثير من الأفكار والآراء ووجهات النظر السلبية، وحتى الكثير من الأفكار والآراء والسلوكيات والأساليب المتطرفة والمحرَّفة. إنها ليست حالة مزاجية مؤقتة أو فكرة عابرة؛ وإنما مشاعر سلبية متكررة ومعتادة تكون مع الناس في كل وقت، وترافقهم في حيواتهم وأعماق قلوبهم وأعماق أرواحهم، وفي أفكارهم وأفعالهم. إنَّ هذه المشاعر السلبية لا تؤثر في ضمير الإنسانية الطبيعية وعقلها لدى الناس فحسب، بل يمكن لتأثيرها أن يمتد إلى مختلف وجهات النظر والآراء والمنظورات التي تكون لدى الناس في كيفية رؤيتهم للأشخاص والأشياء، وفي سلوكهم وأفعالهم في حياتهم اليوميَّة. لذلك، من الضروري أن نحلِّل مختلف المشاعر السلبية ونشرِّحها ونميِّزها قبل أن تتخلى عنها وتغيِّرها شعورًا تلو الآخر، بينما تسعى جاهدًا إلى أن تخلِّفها وراءك تدريجيًّا لكي يصبح ضميرك وعقلك، وكذلك تفكير إنسانيتك، طبيعيًّا وعمليًّا، ومن ثمَّ لا تعود الطريقة التي ترى بها الأشخاص والأشياء، والطريقة التي تسلك بها وتفعل الأشياء في حياتك اليومية، متأثرة بهذه المشاعر السلبية أو تحت سيطرتها أو حتى قمعها. هذا هو الهدف الرئيسي لتشريح هذه المشاعر السلبية المتنوعة وتمييزها. ليس الهدف الرئيسي أن تستمع إلى ما أقول وتعرفه وتفهمه ثم تكتفي بذلك، بل أنْ تعرِف بالضبط من كلماتي مدى ضرر المشاعر السلبية على الناس؛ أن تعرف مدى ضررها وعِظَم تأثيرها في حياة الناس اليومية، وفي الكيفية التي يرون بها الناس والأشياء، والكيفية التي بها يسلكون ويتصرفون.
لقد عقدنا فيما سبق أيضًا شركة عن كيف أنَّ هذه المشاعر السلبية – إلى حد معين – لا تصل إلى مستوى الشخصيات الفاسدة والجوهر الفاسد، ولكنها تيسِّر شخصيات الناس الفاسدة وتفاقِم منها إلى حد ما، مما يوفر أساسًا لفعلهم الأشياء بناءً على شخصياتهم الفاسدة، وتعطي الناس ذريعة إضافية للعيش حسب شخصياتهم الفاسدة استنادًا إلى هذه المشاعر السلبية، وكذلك ذريعة لرؤية أي شخص أو شيء بناءً على شخصياتهم الفاسدة. لذلك، فإنَّ هذه المشاعر السلبية تؤثر كلها في حياة الناس اليومية بدرجات متفاوتة، وتؤثر، إلى حد ما، في مختلف أفكار الناس وتتحكم فيها، وتؤثر في مواقفهم ومنظوراتهم ووجهات نظرهم تجاه الحق والله. ويمكن القول إنَّ هذه المشاعر السلبية ليس لها أي تأثير حسن في الناس على الإطلاق، ولا أي تأثير إيجابي أو نافع، بل هي على النقيض من ذلك، لا يمكنها إلا أنْ تؤذي الناس. وهذا هو السبب في أنَّ الناس عندما يعيشون في ظل هذه المشاعر السلبية، فإنها تؤثر في قلوبهم طبيعيًا وتسيطر عليها، ولا يسعهم إيقاف أنفسهم عن العيش في حالة من السلبية، بل إنهم يتبنون آراءً متطرفة حول الأشخاص والأشياء استنادًا إلى وجهات نظر عبثية. عندما يرى الناس شخصًا ما أو شيئًا ما من منظور المشاعر السلبية ووجهة نظرها، من الطبيعي أن تتشوش سلوكياتهم وأساليبهم وتأثيرات تصرفهم وأفعالهم بمشاعر متطرفة وسلبية واكتئابية. من شأن هذه المشاعر السلبية والاكتئابية والمتطرفة أن تؤدي بالناس إلى عصيان الله، وعدم الرضا عنه، وإلقاء اللائمة عليه وتحديه وحتى معارضته، إضافةً إلى كرهه بالطبع. فمثلًا، عندما يظن شخص ما أنه قدره سيء، على من يلقي باللوم؟ ربما لا يتفوه بذلك، لكنه في قلبه يؤمن أنَّ الله تصرَّف على نحو خاطئ وأنه غير عادل، ويفكر: "لماذا خلقه الله بهذه الوسامة؟ لماذا سمح الله له أنْ يولد في مثل هذه العائلة العظيمة؟ لماذا أعطاه مثل هذه المواهب؟ لماذا أعطاه مثل مستوى القدرات الجيد هذا؟ لماذا مستوى قدراتي سيئ للغاية؟ لماذا رتَّب الله له أن يكون قائدًا؟ لماذا لا يحين دوري أبدًا؛ لماذا لم أتمكن من أن أصبح قائدًا ولو لمرة واحدة؟ لماذا تسير كل أموره بسلاسة شديدة وعندما أفعل أي شيء فإنه لا يمضي أبدًا على نحو صحيح أو سلس؟ لماذا قدَري بائس جدًّا؟ لماذا الأشياء التي تحدث لي مختلفة للغاية؟ لماذا لا تحدث لي إلا الأشياء السيئة؟" على الرغم من أنَّ هذه الأفكار التي تنشأ من المشاعر الاكتئابية لا تدفع الناس إلى إلقاء اللوم على الله، أو معارضة الله وقدَرهم في وعيهم الذاتي، فإنها تدفع الناس – في كثير من الأحيان وعلى نحو لا إرادي – إلى الغرق في مشاعر العصيان وعدم الرضا والاستياء والحسد والكراهية في أعماق قلوبهم. وفي الحالات الشديدة، يمكنها حتى أن تدفع الناس إلى إنتاج أفكار وسلوكيات أكثر تطرفًا. على سبيل المثال، يشعر بعض الناس بالحسد والبغضاء عندما يرون شخصًا آخر يؤدي أفضل منهم وينال ثناء الله. ونتيجةً لهذا، تبدأ سلسلة من التصرفات الوضيعة: يتحدث الواحد منهم عن الشخص الآخر بالسوء ويقوِّضه من وراء ظهره، ويفعل سرًا بعض الأشياء غير العقلانية والمنحرفة، وما إلى ذلك. إنَّ ظهور هذه السلسلة من المشكلات يرتبط ارتباطًا مباشرًا باكتئابهم ومشاعرهم السلبية. قد يبدو في بادئ الأمر أنَّ هذه السلسلة من الأفكار والسلوكيات والأساليب التي تنشأ من مشاعرهم الاكتئابية أنواع من المشاعر فحسب، لكن مع تقدم الأمور، يمكن لهذه المشاعر السلبية والاكتئابية تشجيع الناس على نحو متزايد على العيش حسب شخصياتهم الشيطانية الفاسدة. على الرغم من ذلك، إذا كان الناس يفهمون الحقَّ ويعيشون بإنسانية طبيعية، فعندما تنشأ هذه المشاعر السلبية والاكتئابية داخلهم، يمكن لضميرهم وعقلهم المبادرة بالعمل من فورهما، ويمكن لهؤلاء الناس إدراك حضور هذه المشاعر الاكتئابية وإزعاجها، ويمكنهم كشف مكنونها. ويمكنهم بعد ذلك أن يخلِّفوا مشاعرهم الاكتئابية ورائهم بسرعة كبيرة، وعندما يواجهون أشخاصًا وأحداثًا وأشياءَ في وضعهم الحالي، يمكنهم إصدار أحكام عقلانية ورؤية المواقف التي يواجهونها والأشياء التي يختبرونها بعقلانية ومن المنظور الصحيح. عندما يفعل الناس كل هذه الأشياء بعقلانية، فإن الشيء الأساسي الذي سيتمكنون من تحقيقه هو قبول حكم ضمير الإنسانية الطبيعية وعقلها. والأفضل من ذلك، أنهم إذا فهموا الحقَّ، فسيكون بوسعهم التصرف وفقًا لمبادئ الحق بصورة أكثر عقلانية، على أساس ضميرهم وعقلهم، ولن يكون تصرفهم أو فعلهم تحت سيطرة شخصياتهم الفاسدة. أما إذا احتلت المشاعر السلبية المكانة الغالبة في قلوبهم، وصارت مؤثرة في أفكارهم وآرائهم وطريقة تعاملهم مع الأمور وسلوكهم، فمن الطبيعي أن تؤثر هذه المشاعر السلبية في تقدمهم في الحياة، وأن تؤدي إلى عرقلة أفكارهم واختياراتهم وسلوكهم ونهجهم في جميع أنواع المواقف، وكذلك إزعاجها. من جهة ما، تيسّر هذه المشاعر السلبية شخصيات الناس الفاسدة، مما يدفع الناس إلى الشعور بارتياح تجاه العيش في شخصياتهم الفاسدة وبأن لديهم ما يبرر ذلك؛ ومن جهة أخرى، يمكنها أيضًا أن تدفع الناس إلى مقاومة الأشياء الإيجابية والعيش في سلبية، غير راغبين في رؤية النور. وهكذا، تصير المشاعر السلبية أكثر تفشيًا وشدة لدى الناس، وهي لا تسمح لهم إطلاقًا بالتصرف بعقلانية ضمن حدود الضمير والعقل. وعوضًا عن ذلك، فإنها تمنع الناس من طلب الحق ومن العيش أمام الله؛ وبهذه الطريقة، يتدهور الناس طبيعيًا بدرجة أكبر، فلا يشعرون بالسلبية فحسب بل يبتعدون أيضًا عن الله. ما العواقب التي ستترتب على استمرار الأمور على هذا النحو؟ لن يقتصر الأمر على أنَّ المشاعر السلبية لا يمكنها معالجة شخصيات الناس الفاسدة فحسب، بل إنها ستيسِّرها، مما سيدفع الناس إلى التعامل مع الأمور والسلوك بناءً على شخصياتهم الفاسدة، وإلى السير في طريقهم الخاص. ماذا سيفعل الناس عندما يقعون تحت هيمنة الأفكار والآراء المغلوطة والمتطرفة؟ هل سيزعجون عمل الكنيسة؟ هل سينشرون السلبية، ويدينون الله وترتيبات عمل بيت الله؟ هل سيلومون الله ويتحدُّونه؟ سيفعلون بالتأكيد! هذه هي العواقب النهائية. ستنشأ داخل الناس سلسلة من النُهُج، مثل العصيان وعدم الرضا والسلبية والمعارضة؛ وكلها عواقب لاحتلال المشاعر السلبية موقعًا مهيمنًا في قلوب الناس على مدى فترة طويلة من الزمن. انظروا، محض مشاعر سلبية صغيرة – مشاعر يبدو أن الناس غير قادرين على الشعور بها، وليس بوسعهم الإحساس بوجودها أو الإحساس بأي تأثير لها فيهم – لكن هذه المشاعر السلبية الصغيرة تظل تلازمهم كما لو كانت موجودة معهم منذ الميلاد. إنها تسبب للناس الأذى من جميع الأشكال والأحجام، بل إنها تخيِّم عليك باستمرار وتروِّعك وتقمعك وتقيدك، إلى أن تصل إلى مرحلة مرافقتك طوال الوقت، مثل حياتك تمامًا، لكنك غير مدرك لها على الإطلاق، وغالبًا ما تعيش فيها وتُعد ذلك من المسلمات، وتفكِّر في أشياء مثل: "هكذا من المفترض أن يفكر الناس، لا حرج في ذلك، إنه طبيعي جدًّا. من ليست لديه بعض الأفكار النشطة كهذه؟ من ليست لديه بعض المشاعر السلبية"؟ أنت غير قادر على الشعور بالضرر الذي تسببه لك هذه المشاعر السلبية، لكن الضرر حقيقي جدًّا، وكثيرًا ما سيحثك ذلك الضرر – لا إراديًّا – على إظهار شخصياتك الفاسدة على نحو طبيعي، وعلى أن تفعل وتتصرف بناءً على شخصياتك الفاسدة، إلى أن تصبح في نهاية المطاف تفعل كل شيء بناءً على شخصياتك الفاسدة. يمكنك تخيل ما النتائج النهائية لهذا: كلها سلبية، وكلها ضارة، وليس بها ما هو نافع أو إيجابي، ناهيك عن أي شيء يمكنه أن يُعين الناس على ربح الحق وثناء الله؛ وما هذه عواقب تدعو للتفاؤل. لذلك، ما دامت المشاعر السلبية موجودة في الشخص، فإن جميع أنواع الأفكار السلبية والآراء ستؤثر في حياته بشدة وتهيمن عليها. وما دامت الأفكار السلبية والآراء تؤثر في حياته وتهيمن عليها، فستكون هناك عقبات كبيرة تمنعه من السعي إلى الحق وممارسة الحق والدخول إلى واقع الحق. ولهذا، من الضروري لنا أن نواصل كشف هذه المشاعر السلبية وتشريحها، لكي يمكن علاجها كلها.
إن المشاعر السلبية التي عقدنا الشركة عنها للتو لها تأثير خطير وتسبب للناس ضررًا بالغًا، لكن ثمة مشاعر سلبية أخرى تؤثر بالمثل في الناس وتؤذيهم. إلى جانب المشاعر السلبية من الكراهية والغضب والدونية والاكتئاب التي تحدثنا عنها سابقًا، توجد المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم. وهذه المشاعر متجذرة بالمثل في أعماق قلوب الناس، وترافقهم في حياتهم اليومية وفي أقوالهم وأفعالهم. وبطبيعة الحال، عندما تحدث للناس أشياء، فإنها تؤثر أيضًا في الأفكار والآراء التي تنشأ داخلهم، وكذلك في وجهات النظر والمنظورات التي يتبنونها. اليوم، سنشرِّح ونكشف المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم، ونسعى لمساعدة الناس على اكتشافها فيهم. بعد أن يكتشِف الناس هذه المشاعر السلبية في أنفسهم، فإن الهدف النهائي هو أن يعرفوا هذه المشاعر السلبية معرفة تامة، وأن يطردوها، وألا يعودوا يعيشون تحت تأثيرها، وألا يعودوا يعيشون ويتصرفون متخذين من هذه المشاعر السلبية أساسًا وقاعدة لهم. لننظر أولًا إلى الكلمات: "الضيق والقلق والهم". أليست هذه وسائل للتعبير عن المشاعر؟ (إنها كذلك). لنتأمل في هذا الموضوع أولًا قبل أن نعقد شركة عنه، لكي يكون لديكم المفهوم الأساسي للغاية لكل من "الضيق والقلق والهم". سواء وصلت إلى فهم حرفي للكلمات، أو إلى فهم أعمق يتجاوز معناها الحرفي، ستكون لديك معرفة أساسية بهذه المشاعر السلبية. أخبروني أولًا ما الذي سبَّب لكم الهم في الماضي، أو ما الأشياء التي تشعر حيالها دائمًا بالضيق والقلق والهم. يمكن أن تكون مثل حجَر عظيم يسحقك، أو مثل ظل يتبعك دائمًا، ويقيِّدك. (سأقول بضع كلمات يا الله. إنَّ هذه المشاعر تبرز لدي عندما لا أحقق أي نتائج في واجبي، وأكون مهمومًا بشأن ما إذا كنت سأُكشف وأُستبعَد، وما إذا كان سيكون لي مستقبل وغاية جيدين. لا أشعر بذلك حينما أحقق نتائج في واجبي، لكن متى ما لم أحقق نتائج فيه لبعض الوقت، يصير هذا النوع من المشاعر السلبية جليًّا للغاية). أليس هذا مظهرًا من مظاهر المشاعر السلبية من ضيق وقلق وهمٍّ؟ (إنه كذلك). هذا صحيح. يختبئ هذا النوع من المشاعر السلبية في أعماق قلوب الناس في الأوقات كافة، ويؤثر في أفكارهم باستمرار. على الرغم من أن الناس لا يمكنهم الشعور بهذا النوع من المشاعر السلبية عندما لا يقع شيء سيء، فإنه يشبه رائحة ما أو نوعًا من الغاز أو هو أكثر شبهًا بموجة كهربائية؛ شيء لا يمكنك رؤيته، وعندما لا تكون على علم به، فإنك لا تستطيع الشعور به أيضًا. ورغم ذلك، يمكنك دائمًا أن تحس بوجوده في أعماق قلبك، مثل ما يسمى بالحاسة السادسة، ويمكنك أن تشعر دائمًا – على نحو غير واع – بوجود هذا النوع من الأفكار والمشاعر. وفي الوقت المناسب والمكان المناسب والسياق المناسب، سيرتفع هذا النوع من المشاعر السلبية شيئًا فشيئًا، وينبثق شيئًا فشيئًا. أليس كذلك؟ (بلى). إذن، ما الأشياء الأخرى التي تجعلكم تشعرون بالضيق والقلق والهم؟ أليس من شيء غير ما ذُكِر للتو؟ إذا كان الأمر كذلك، فلابد أنكم تعيشوا بسعادة كبيرة وبدون أي هم ولا قلق ولا شعور بالضيق حيال أي شيء؛ وأنتم حينئذٍ أناس أحرار بالفعل. هل هذا هو الحال؟ (كلا). حسنًا إذن، أخبروني بما في قلوبكم. (عندما لا أؤدي جيدًا في واجبي، أكون مهمومًا دائمًا حيال فقدان السمعة والمكانة، وبشأن ما سيكون عليه رأي إخوتي وأخواتي فيَّ، ورأي قائدي فيَّ. وأيضًا عندما أعمل مع إخوتي وأخواتي للقيام بواجبي وأظل أكشف عن شخصياتي الفاسدة، أكون مهمومًا دائمًا بشأن أنني أؤمن بالله منذ فترة طويلة لكنني لم أتغيَّر إطلاقًا، وأنه إذا استمرَّ هذا، فربما أُستبعَد ذات يوم. هذه هي الهواجس التي تراودني). حينما تكون لديك هذه الهواجس، هل تنشأ فيك المشاعر السلبية من الضيق والقلق والهمِّ؟ (أجل، تنشأ) إذن، فإن معظمكم يشعر بالقلق والهمِّ لأنكم لا تؤدون واجباتكم جيدًا، أهذا صحيح؟ (في الغالب، أكون مهمومًا بشأن مستقبلي وقدَري) إن شعور المرء بالهم حيال مستقبل المرء وقدَره هو النوع السائد من هذه المشاعر. عندما يعجَز الناس عن إدراك البيئات التي ينظِّمها الله وعن إدراك سيادته أو فهمها أو قبولها والخضوع لها، وعندما يواجه الناس مختلف الصعوبات في حياتهم اليومية، أو عندما تتجاوز هذه الصعوبات ما يمكن للأشخاص العاديين احتماله، فإنهم يشعرون لا شعوريًّا بجميع أنواع القلق والهم، وحتى الضيق. إنهم لا يعرفون ما سيكون عليه الغد أو اليوم الذي يليه، أو مآلة الأمور بعد بضع سنوات، أو ما سيكون عليه مستقبلهم، ولذلك يشعرون بالضيق والقلق والهم حيال جميع صنوف الأشياء. ما السياق الذي يشعر فيه الناس بالضيق والقلق والهم حيال كل صنوف الأشياء؟ إنه سياق أنهم لا يؤمنون بسيادة الله؛ أي إنهم غير قادرين على الإيمان بسيادة الله وإدراكها. حتى إذا رأوها بأعينهم، فلن يفهموها أو يصدقوها. إنهم لا يؤمنون أن لله السيادة على قدَرهم، ولا يؤمنون أن حياتهم في يد الله، ولذلك تنشأ في قلوبهم عدم الثقة تجاه سيادة الله وترتيباته، ومن ثم ينشأ اللوم، ويصيرون غير قادرين على الخضوع. وإلى جانب إلقاء اللوم وعدم القدرة على الخضوع، فإنهم يبتغون أن يكونوا أسياد مصيرهم وأن يتصرفوا بمبادرة منهم. فماذا يصبح الوضع الفعلي بعد أن يبدأوا في التصرف بمبادرتهم منهم؟ كل ما يمكنهم فعله هو العيش متكلين على مستوى قدراتهم وإمكانياتهم، لكن ثمة الكثير من الأشياء التي لا يمكنهم تحقيقها أو الوصول إليها أو إنجازها بمستوى قدراتهم وإمكانياتهم. على سبيل المثال: ما الذي سيحدث لهم في المستقبل، وما إذا كان بوسعهم الالتحاق بالجامعة أم لا، وما إذا كان بوسعهم نيل وظيفة جيدة عند الانتهاء من الجامعة أم لا، وما إذا كانت كل أمورهم ستكون على ما يرام فور حصولهم على وظيفة؛ وإذا ما كانوا يريدون الارتقاء والثراء، وهل سيمكنهم تحقيق مُثُلهم ورغباتهم في غضون بضع سنوات؛ وبعد ذلك عندما يريدون العثور على شريك والزواج وتكوين أسرة، ما نوع الشريك المناسب لهم؟ أمور مثل هذه غير معروفة للإنسان. يشعر الناس أنهم ضائعون في ظل عدم معرفة مثل هذه الأمور. عندما يشعر الناس أنهم ضائعون، فإنهم يشعرون بالضيق والقلق والهم؛ يشعرون بالضيق والقلق والهم حيال كل ما قد يخبئه المستقبل لهم. لمَ هذا؟ هذا لأنه، في نطاق الإنسانية الطبيعية، لا يمكن للناس تحمُّل كل هذه الأشياء. لا أحد يعرف كيف سيكون حاله في غضون سنوات قليلة، ولا أحد يعرف كيف ستكون وظيفته في المستقبل، أو كيف سيكون زواجه أو أطفاله؛ لا يعرف الناس هذه الأشياء. هذه أشياء لا يمكن معرفتها مسبقًا في نطاق قدرات الإنسانية الطبيعية؛ وذلك هو السبب في أنَّ الناس يشعرون حيالها دائمًا بالضيق والقلق والهم. بغض النظر عن مدى بساطة عقل الشخص، ما دام قادرًا على التفكير، فإن هذه المشاعر السلبية ستنشأ في أعماق قلبه حالما يصل إلى مرحلة البلوغ، شعورًا تلو الآخر. لماذا ينشأ الضيق والقلق والهم في الناس؟ لأن الناس دائمًا ما يقلقون وينزعجون حيال أشياء تتجاوز نطاق قدرتهم؛ إنهم دائمًا ما يريدون أن يَعرفوا ويفهموا ويحققوا أشياءَ تتجاوز نطاق قدرتهم، بل إنهم حتى يريدون التحكم في أشياء خارج نطاق قدرات الإنسانية الطبيعية. إنهم يريدون التحكم في كل هذا، وليس ذلك فحسب، بل يريدون أيضًا أن تتقدم قوانين تطوُّر هذه الأشياء وعواقبها وأن تنفذ وفقًا لإرادتهم. ونتيجة لهذا، يشعر الناس بالضيق والقلق والهم إذ تسيطر عليهم مثل هذه الأفكار غير العقلانية، وتختلف نتائج هذه المشاعر من شخص لآخر. أيًا كانت الأشياء التي يشعر الناس حيالها شعورًا مكثفًا من الضيق أو القلق أو الهم، ومن ثمَّ تتشكل لديهم هذه المشاعر السلبية، فإنه يتعيَّن على الناس أخذها على محمل الجد وطلب الحق لعلاجها.
سوف نعقد شركة عن المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم، وسيكون ذلك من جانبين بصورة أساسية: الجانب الأول هو تشريح الصعوبات التي يواجهها الناس في رؤية ماهية هذه المشاعر، ومِن ثمَّ نرى بالضبط أسباب نشوء المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم، وكيفية نشأتها بالضبط؛ أما الجانب الثاني فهو تشريح المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم فيما يتعلق بمختلف المواقف التي تكون لدى الناس تجاه عمل الله. هل تفهم؟ (أجل). كم جانب لدينا؟ (اثنان). سنشرِّح أسباب ظهور المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم، أولًا مِن جانب الصعوبات التي لدى الناس، وثانيًا من جانب مواقف الناس تجاه عمل الله. كرَّروا ذلك لي. (سنشرِّح أسباب ظهور المشاعر السلبية كالضيق والقلق والهم، أولًا مِن جانب الصعوبات التي لدى الناس، وثانيًا من جانب مواقف الناس تجاه عمل الله). ثمة الكثير من الصعوبات التي يمكن أنْ تكون لدى الناس، وكلها يواجهها الناس في حياتهم اليوميَّة، وهي صعوبات غالبًا ما تنشأ في نطاق عيش حياة إنسانية طبيعية. وكيف تحدث هذه الصعوبات؟ إنها تحدث لأن الناس دائمًا ما يحاولون تجاوز حدود أنفسهم، ودائمًا ما يحاولون التحكم في قدَرهم، ومعرفة مستقبلهم مسبقًا. ما لم يبدُ مستقبلهم جيدًا، فإنهم يذهبون على الفور للبحث عن خبير في الفنغ شوي أو عرَّاف لإصلاحه وتصحيحه. ولهذا يواجه الناس الكثير جدًا من الصعوبات في حياتهم اليومية، وهذه الصعوبات هي ما يجعل الناس ينزلقون غالبًا إلى المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم. ما هذه الصعوبات؟ لنلقِ أولًا نظرة على ما يعتبره الناس أكبر صعوباتهم؛ فما هي؟ إنها آفاقهم المستقبلية، أي ما سيكون عليه مستقبل الشخص في هذه الحياة؛ ما إذا كان سيغدو ثريًّا في المستقبل أم على حال عاديٍّ في المستقبل، وما إذا كان سيستطيع التميُّز وتحقيق نجاح كبير والازدهار في العالم وبين الناس. ومن بين أولئك الذين يؤمنون بالله على وجه الخصوص من قد لا يعرفون ما سيحدث للآخرين في المستقبل، لكنهم كثيرًا ما يقلقون حيال مستقبلهم ودائمًا ما يتساءلون: "أهذا كلُّ ما في الإيمان بالله؟ هل سأكون قادرًا أبدًا على التميز من بين الجموع في المستقبل؟ هل سيكون بوسعي الاضطلاع بدور مهم في بيت الله؟ هل سيكون بمقدوري أن أصبح قائدًا لفريق أو شخصًا مسؤولًا؟ هل سيكون بمقدوري أن أكون قائدًا؟ ماذا سيحدث لي؟ ماذا سيحدث لي في النهاية إذا أديتُ واجبي باستمرار بهذه الطريقة في بيت الله؟ هل سأبلغ الخلاص؟ هل لديَّ أي آفاق مستقبلية؟ هل لا يزال يتعين عليَّ الاستمرار في القيام بعملي في العالم؟ هل عليَّ الاستمرار في دراسة المهارة المهنية التي كنت أتعلمها من قبل، أو الانتقال بها إلى مرحلة تعليمية أعلى؟ إذا كان بإمكاني مواصلة أداء واجبي في بيت الله بدوام كامل، فلن تكون لدي أي مشكلات مع ضروريات الحياة الأساسية، ولكن إذا لم أقم بواجبي جيدًا وجرت إعادة تخصيصي أو استبدالي، فكيف سأعيش إذن؟ هل عليَّ اغتنام الفرصة الآن، قبل أن يجري استبدالي أو إقصائي، استعدادًا لذلك الاحتمال؟". إنهم يتساءلون بشأن هذه الأمور ويرون أن لديهم بعض المدخرات، ويفكرون: "لكم سنة يمكنني الاعتماد على ما ادخرته؟ أنا الآن في الثلاثينيات من عمري، وبعد عشر سنوات سأكون في الأربعينيات. إذا أُخرِجت من الكنيسة، فهل سيكون بمقدوري مواكبة الأمور عند عودتي إلى العالم؟ هل ستكون صحتي جيدة بما يكفي للسماح لي بمواصلة العمل؟ هل سيكون بمقدوري كسب ما يكفي للعيش؟ هل سأجد العيش صعبًا؟ أنا أؤدي واجبي في بيت الله، ولكن هل سيبقيني الله إلى النهاية؟" إنهم لا يجدون الإجابات أبدًا رغم أنهم يفكِّرون في هذه الأشياء طوال الوقت. ورغم أنه لا توجد أي نتيجة على الإطلاق، لا يسعهم إلا الاستمرار في التفكير في هذه الأشياء؛ فهو أمر خارج عن سيطرتهم. عندما يواجهون عقبة ما أو صعوبة، أو عندما لا يسير شيء ما كيفما أرادوا، فإنهم يفكرون بشأن بهذه الأمور في أعماق قلوبهم، دون إخبار أي أحد. عندما يُهذَّب بعض الأشخاص، أو عندما يُستبدَلون في واجباتهم، أو عندما يُعاد تخصيصهم إلى واجبات مختلفة، أو عندما يواجهون أزمة ما أو غيرها، فإنهم يبحثون لا إراديًّا عن طريق للتراجع، ولا يسعهم سوى وضع خطط ومخططات لخطواتهم المقبلة. بصرف النظر عما يحدث في النهاية، لا يزال الناس في أحيان كثيرة يضعون خططًا ومخططات للأشياء التي يشعرون بالقلق والهم والضيق حيالها. أليست هذه أشياء يفكِّر فيها الناس من أجل آفاقهم المستقبلية؟ أليست هذه المشاعر السلبية تنشأ بسبب عدم قدرة الناس على التخلي عن آفاقهم المستقبلية؟ (أجل، إنها كذلك) عندما يشعر الناس بحماس شديد وعندما تسير الأمور في أداء واجباتهم بسلاسة شديدة، وخاصة عندما يُرقُّون، ويُستخدمون في بعض المهام المهمة، وعندما يستمتعون بدعم معظم إخوتهم وأخواتهم، وعندما تنعكس قيمتهم الخاصة؛ فإنهم لا يفكرون في هذه الأشياء. وفور أن تُهدَّد سمعتهم ومكانتهم ومصالحهم، لا يسعهم إلا التراجع مجددًا إلى المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم. وعندما يعودون إلى هذه المشاعر السلبية، فإن الطريقة التي يتعاملون بها مع هذه المشاعر السلبية لا تتمثل في الهروب منها أو رفضها، بل الاهتمام بها، ومحاولة العمل جاهدين للغوص في مشاعر الضيق والقلق والهم. لماذا أقول هذا؟ عندما يغوص الناس في هذه المشاعر السلبية، يكون لديهم حينئذٍ سبب أقوى وعذر أقوى، ويمكنهم وضع خطط لمستقبلهم ولخطواتهم التالية بحريَّة أكبر. وفي أثناء وضعهم هذه الخطط، يظنون أن هذا بالضبط ما ينبغي أن تكون عليه الأمور، وأن هذا ما يفترض بهم فعله، ويستخدمون القول: "يبحث كل إنسان عن مصلحته قائلًا اللهم نفسي."، وكذلك القول: "العثرات تنتظر من لا يخطط للمستقبل."؛ وهذا يعني أنك إذا لم تخطط لمستقبلك وقدَرك وتفكر فيهما مقدمًا، فلا أحد آخر سيقلق حيالهما نيابة عنك، ولا أحد سيهتم بهما نيابة عنك. عندما لا تكون لديك أي فكرة عن كيفية اتخاذ خطوتك التالية، فسوف تواجه الشعور بالغرابة والألم والإحراج، وستكون أنت من تعاني الصعوبات وتتحملها. لذلك، يشعر الناس أنهم أذكياء للغاية، وفي كل خطوة يخطونها، سيتطلعون إلى عشر خطوات. وحالما يواجهون أي صعوبات أو خيبات أمل، يعودون على الفور إلى مشاعرهم السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم من أجل حماية أنفسهم، ولكي يكون مستقبلهم وخطوتهم التالية في الحياة مضمونَين، وليجدوا طعامًا ليأكلوه وملابس ليرتدوها، ولئلا يهيموا على وجوههم في الشوارع ولا ينقصهم طعام أو ملبَس. لذلك، فهم كثيرًا ما يحذرون أنفسهم تحت تأثير هذه المشاعر السلبية، مفكرين: "عليَّ بالتخطيط المسبق، وإمساك بعض الأشياء، وأن أترك لنفسي طريقًا كافيًا للتراجع. عليَّ ألا أكون غبيًا، فقدَري بين يديَّ. كثيرًا ما يقول الناس: "أقدارنا في يد الله، ولله السيادة على أقدار الإنسان"، لكن هذه ليست سوى مجاملات فارغة. من رأى هذا فعلًا؟ كيف يملك الله السيادة على أقدارنا؟ من رأى الله يرتب بنفسه ثلاث وجبات يوميًّا لأي شخص، أو يرتب له كل الأشياء التي يحتاج إليها في الحياة؟ لا أحد". الناس يظنون أنهم عندما لا يرون سيادة الله، وإذا شعروا بالضيق والقلق والهم حيال آفاقهم المستقبلية، فإن هذه المشاعر السلبية تكون بمثابة حمايةً لهم، كدرع وملاذ آمن. إنهم يحذِّرون أنفسهم باستمرار ويذكِّرونها بالتخطيط للمستقبل، وأن عليهم القلق حيال الغد، وأن عليهم ألا يكتفوا بملء بطونهم بالطعام طوال اليوم والبقاء خاملين؛ وأنه ليس من الخطأ أن يضع المرء خططًا لنفسه، وأن يجد مخرجًا لنفسه، وأن يعمل ليلًا ونهارًا من أجل مستقبله. إنهم يقولون لأنفسهم إن هذا أمر طبيعي ومبررٌ تمامًا وليس شيئًا يُخجَل منه. لذلك، رغم أن الناس يؤمنون أن الضيق والقلق والهم من المشاعر السلبية، فإنهم لا يعتقدون أبدًا أن الشعور بها أمر سيئ، ولا يعتقدون أبدًا أن هذه المشاعر السلبية ربما تضرهم بأي شكل من الأشكال، أو أنها قد تمثل عقبات في طريق سعيهم إلى الحق والدخول إلى واقع الحق. وعوضًا عن ذلك، فإنهم يستمتعون بها بلا كلل، ويعيشون في هذه المشاعر السلبية طواعية ودون كلل. وذلك لأنهم يظنون أنهم لا يمكنهم الشعور بالأمان إلا من خلال العيش في ظل هذه المشاعر السلبية والشعور المستمر بالضيق والقلق والهم حيال آفاقهم المستقبلية. وإلا فمن سيشعر بالضيق والقلق والهم على مستقبلهم؟ لا أحد. لا أحد يحبهم أكثر مما يحبون أنفسهم، ولا أحد يفهمهم مثلما يفهمون أنفسهم، أو يفطن لهم مثلما يفطنون لأنفسهم. لذلك، حتى إذا كان الناس يدركون إلى حد ما، ومن حيث الكلمات والتعاليم أن وجود مثل هذه المشاعر السلبية يضر بهم، فإنهم يظلون غير راغبين في التخلي عن مثل هذه المشاعر السلبية، لأنها تسمَح لهم بالإمساك بزمام المبادرة لفهم مستقبلهم والسيطرة عليه. هل ما أقوله صحيح؟ (أجل). لذلك، بالنسبة للناس، فإن الهم والشعور بالقلق والضيق حيال مستقبلهم هو مسألة مسؤولية هائلة. إنه ليس أمرًا مخزيًّا، ولا مثيرًا للشفقة، ولا كريهًا، إنما هو بالنسبة لهم ما ينبغي للأمور أن تكون عليه فحسب. ولهذا السبب يصعُب على الناس التخلي عن هذه المشاعر السلبية، كما لو أنها كانت معهم منذ ميلادهم. إنَّ الناس لا يفكرون منذ ميلادهم إلا فيما لأنفسهم، والأمر الأهم بالنسبة لهم هو آفاقهم المستقبلية. إنهم يظنون أنهم إذا ملكوا زمام مستقبلهم وراقبوه، فسوف يعيشون حياة خالية من الهم. إنهم يظنون أنه مع وجود آفاق مستقبلية جيدة، سيكون لديهم كل ما يريدون، وسيكون كل ذلك يسيرًا. وهكذا، لا يمل الناس أبدًا من الشعور بالضيق والقلق والهم حيال مستقبلهم مرارًا وتكرارًا. حتى إذا أعطى الله وعده؛ حتى إذا استمتع الناس بالكثير من نعمة الله أو تلقوا الكثير منها؛ وحتى إذا رأوا الله يمنح كل أنواع البركات للبشرية، ورأوا حقائق أخرى من هذا القبيل، فإنَّ الناس يظلون راغبين في العيش في المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم، ووضع الخطط والتصميمات لمستقبلهم.
ثمة شيء آخر مهم إلى جانب الآفاق المستقبلية، وهو شيء غالبًا ما يشعر الناس حياله بالضيق والقلق والهم، ألا وهو الزواج. بعض الناس لا يقلقون حيال ذلك ولا يهمهم إذا كانوا في الثلاثينيات من عمرهم ولم يتزوجوا بعد، لأنه يوجد الآن الكثير من الأشخاص في الثلاثينيات دون زواج. هذا شيء كثيرًا ما يُرى في المجتمع، ولا أحد يسخر منك بسبب ذلك، ولا أحد يقول إن ثمة خطب بك. على الرغم من ذلك، إذا وصل شخص ما إلى الأربعينيات من عمره دون أن يتزوج، فإنه يبدأ على نحو خافت في الشعور بالذعر العميق داخله، ويفكر: "هل عليَّ البحث عن شريك أم لا؟ هل عليَّ أن أتزوج أم لا؟ إذا لم أتزوج وأكوِّن عائلة، وإذا لم يكن لدي أي أطفال، فهل سيكون هناك من يعتني بي في كِبري؟ هل سيعتني بي أحد في مَرَضي؟ هل سيكون هناك أي شخص للترتيب لجنازتي عندما أموت؟ يقلق الناس حيال هذه الأشياء. أولئك الذين لا يخططون للزواج لا يشعرون بدرجة كبيرة من الضيق أو القلق أو الهم. على سبيل المثال، يقول بعض الناس: "أنا أؤمن بالله الآن، وأنا مستعدٌ لبذل نفسي من أجل الله. لن أبحث عن شريك، ولن أتزوج. لن أشعر بالضيق بشأن هذه الأشياء مهما تقدَّم بي العُمر". لا ينبغي أن يكون لدى العازبين، الأناس الذين ظلوا عازبين لعشر أعوام أو عشرين، أو الذين ظلوا عازبين من سن العشرين إلى سن الأربعين، أي مخاوف كبيرة. ورغم أنهم قد يشعرون أحيانًا بدرجة طفيفة من الهم والضيق بسبب عوامل بيئية أو لأسباب موضوعية، فإن نوع القلق الذي يشعرون به فضفاض، لا يأتي إلا بين الفينة والأخرى ولا يمثل مشكلة كبيرة؛ وذلك لأنهم يؤمنون بالله ومنشغلون بأداء واجبهم، ولأن عزمهم الحالي لم يتغيَّر. هذا النوع من المشاعر الذي لا يؤثر في الأداء الطبيعي للواجبات لا يضر بالناس، ولا يمكن اعتباره عاطفة سلبية؛ أي إنَّ هذا الأمر لم يتحول إلى عاطفة سلبية لك. وبالنسبة إلى أولئك الذين تزوجوا بالفعل، ما نوع الأشياء التي تهمهم؟ إذا كان الزوج والزوجة يؤمنان بالله ويؤديان واجباتهما، فهل سيُصان هذا الزواج؟ هل الأسرة موجودة؟ ماذا عن الأطفال؟ إضافةً إلى ذلك، إذا كان أحد الاثنين يسعى إلى الحق بينما لا يسعى إليه الآخر؛ وإذا كان الشخص الذي لا يسعى إلى الحق دائمًا ما يسعى إلى العالم ويسعى إلى حياة ثرية والذي يسعى إلى الحق يرغب دائمًا في أداء واجبه، في حين أن الشخص الذي لا يسعى إلى الحق دائمًا ما يحاول إيقاف شريكه لكنه يتحرج من ذلك، وأحيانًا ما يبث بعض الشكوى أو يتفوه بأمور سلبية لتثبيط شريكه، فإن الشخص الذي يسعى إلى الحق سوف يتساءل: "أواه، إنَّ زوجي لا يؤمن حقًّا بالله، فكيف ستمضي الأمور بيننا مستقبلًا؟ إذا طُلقنا، فسأكون عزباء ولن يكون بمقدوري حفظ معاشي. وإذا بقيت معه، فلن نسير المسار نفسه، بل ستكون أحلامنا مختلفة، فماذا سأفعل حينذاك؟". إنهم يشعرون بالضيق والقلق والهم حيال هذه الأشياء. تعتقد بعض الأخوات – فور أن تكنَّ قد بدأن في الإيمان بالله – أنه رغم عدم إيمان أزواجهن بالله، فإنهم لا يحاولون جاهدين عرقلة إيمانهن بالله، ولا يضطهدونهن، ولهذا فليس ثمة سبب للطلاق. لكن إذا بقيا معًا، فإنهن دائمًا ما يشعرن بأنهن مقيدات ويخضعن لتأثير ما. بماذا يتأثرن؟ إنهن مقيدات ومتأثرات بعواطفهن، كما أنَّ مختلف الصعوبات في الحياة الأسرية والزوجية تثير الأشياء في أعماق قلوبهن بين الحين والآخر، مما يتسبب في اختبارهن لقدر من الضيق والقلق والهم من نوع ليس بالجلل ولا بالطفيف. في مثل هذه الظروف، يكون الزواج إجراءً شكليًّا يحافظ على حياة أسريَّة طبيعية، ويصير شيئًا يقيِّد تفكير الزوجات الطبيعي، وحياتهن الطبيعية، وحتى الأداء الطبيعي لواجباتهن؛ فمن الصعب استمرار الزواج، لكنهن لا يستطعن تخليص أنفسهن منه. لا يوجد سبب محدد لاستمرار هذا الزواج، ولا يوجد أيضًا سبب محدد للطلاق؛ ما من سبب كافٍ لاتخاذ أي من الإجراءين. إنهن لا يعرفن ما الخيار الذي سيكون اتخاذه صوابًا، ولا يعرفن ما الشيء الذي سيكون فعله خطأً. ولذلك ينشأ فيهن الضيق والقلق والهم. إنَّ مشاعر الضيق والقلق والهم هذه تطفو في أذهانهن باستمرار وتكبلهن في حياتهن اليومية، كما أنها تؤثر في حياتهن الطبيعية. وفي أثناء أداء واجباتهن، دائمًا ما تطفو هذه الأشياء في أذهانهن وتنشأ في أعماق قلوبهن، مما يؤثر في الأداء الطبيعي لواجباتهن. ورغم أن هذه الأمور لا تبدو وكأنها كلمة واضحة عما يتعين على هؤلاء الزوجات عمله، أو الاختيار الذي ينبغي عليهن اتخاذه، فإن هذه الأمور تدفعهن للغوص في المشاعر السلبية من الضيق والقلق والهم، مما يشعرهن أنهن يتعرضن للقمع والحصار. أليس هذا نوعًا آخر من الصعوبة؟ (إنه كذلك). إنه نوع آخر من الصعوبة، صعوبة ناتجة عن الزواج.
هناك أيضًا أولئك الذين لن يكون لديهم أي وقت للتواصل بصورة طبيعية مع أبنائهم غير المؤمنين، أو زوجاتهم (أو أزواجهن) أو والديهم أو أصدقائهم وأقاربهم، لأنهم آمنوا بالله، ويعيشون حياة الكنيسة، ويقرؤون كلام الله، ويؤدون واجباتهم. لن يكون بمقدورهم – على الأخص – رعاية أبنائهم غير المؤمنين على نحو صحيح، أو القيام بالأشياء التي يتطلبها أبناؤهم، ولذلك يصيبهم الهم بشأن مستقبل أبنائهم وآفاقهم. ولا سيما عندما يكبر أبناؤهم، سيبدأ بعض الناس في القلق: هل سيذهب ابني إلى الجامعة أم لا؟ وما الذي سيتخصص فيه إذا دخل الجامعة؟ ابني لا يؤمن بالله ويرغب في الالتحاق بالجامعة، فهل يتعين عليَّ، بصفتي شخصًا يؤمن بالله، أن أدفع تكاليف دراسته؟ هل يتعين عليَّ الاهتمام باحتياجاته اليومية ومساندته في دراسته؟ وعندما يتعلق الأمر بزواجه، والحصول على وظيفة، وحتى تكوين أسرة خاصة به وإنجاب أطفال، ما الدور الذي ينبغي لي القيام به؟ ما الأشياء التي عليَّ أن أفعلها أو ألا أفعلها؟ ليست لديهم أي فكرة عن هذه الأشياء. في اللحظة التي يحدث فيها شيء كهذا، وفي اللحظة التي يجدون فيها أنفسهم في مثل هذا الموقف، يصبحون في حيرة من أمرهم ولا يكون لديهم أي فكرة بشأن ما يجب عليهم فعله، ولا يعرفون كيفية التعامل مع مثل هذه الأشياء. بمرور الوقت، ينشأ الضيق والقلق والهم حيال هذه الأشياء: إذا فعلوا هذه الأشياء من أجل أبنائهم، فإنهم يخشون مخالفة مقاصد الله وإغضاب الله، وإذا لم يفعلوها فإنهم يخشون عدم تتميم مسؤولياتهم الأبوية وإلقاء أبنائهم وأفراد الأسرة الآخرين اللوم عليهم؛ إذا فعلوا هذه الأشياء، فإنهم يخشون من أنهم سيفقدون شهادتهم، وإذا لم يفعلوها فإنهم يخشون أن يسخر منهم الناس الدنيويون، وأن يسخر منهم جيرانهم ويهزؤون بهم ويدينونهم؛ إنهم يخشون إهانة الله، لكنهم يخشون أيضًا أن يكسبوا لأنفسهم سمعة سيئة وأن يشعروا بالخزي الشديد لدرجة ألا يمكنهم إظهار وجوههم. وإذ يتأرجحون بين هذه الأشياء، ينشأ في قلوبهم ضيقٌ وقلقٌ وهمٌّ؛ يشعرون بالضيق لعدم معرفة ما عليهم فعله، ويشعرون بالقلق حيال فعل الشيء الخطأ بصرف النظر عما يختارونه، وعدم معرفة ما إذا كان أي شيء يفعلونه مناسبًا، ويصيبهم الهم من أن تستمر هذه الأشياء في الحدوث، ثم في أحد الأيام لا يكونون قادرين على التأقلم معها، وإذا تعرضوا لانهيار، فستكون الأمور أكثر صعوبة بالنسبة لهم. في مثل هذا الوضع، يشعر الأشخاص بالضيق والقلق والهم حيال كل هذه الأشياء التي تظهر في الحياة، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. وحالما تظهر هذه المشاعر السلبية فيهم، يصبحون غارقين في هذا الضيق والقلق والهم، ولا يمكنهم تحرير أنفسهم: إذا فعلوا هذا فهو خطأ، وإذا فعلوا ذاك فهو خطأ، وهم لا يعرفون ما الشيء الصائب الذي ينبغي عمله؛ إنهم يريدون إرضاء الآخرين، لكنهم يخشون إغضاب الله؛ ويريدون أن يفعلوا أشياء للآخرين لكي تكون سيرتهم حسنة، لكنهم لا يريدون إهانة الله أو أن يتسببوا في أن يمقتهم لله. ولذلك يصبحون غارقين دائمًا في مشاعر الضيق والقلق والهم. إنهم يشعرون بالضيق من أجل الآخرين ومن أجل أنفسهم؛ ويشعرون بالقلق بشأن أشياء من أجل الآخرين وكذلك من أجل أنفسهم؛ وهم أيضًا يشعرون بالهم حيال أشياء من أجل الآخرين وكذلك من أجل أنفسهم، ولذلك يغرقون في صعوبة مضاعفة لا يمكنهم الفكاك منها. مثل هذه المشاعر السلبية لا تؤثر في حياتهم اليومية فحسب، بل تؤثر في أداء واجباتهم أيضًا، كما تؤثر بالطبع في سعيهم إلى الحق إلى حد ما. وهذا نوع من الصعوبة، أي إن هذه صعوبات تتعلق بالزواج والحياة الأسرية والحياة الشخصية، وبسبب هذه الصعوبات كثيرًا ما يقع الناس في ضيقٍ وقلقٍ وهمٍّ. ألا يستحق الناس الشفقة عندما يصبحون عالقين في هذا النوع من المشاعر السلبية؟ (إنهم يستحقونها). هل يستحقون الشفقة؟ ما زلتم تقولون: "إنهم يستحقونها"، مما يدل على أنكم لا تزالون متعاطفين جدًّا معهم. عندما يصبح شخص ما غارقًا في مشاعر سلبية، فما سبب ظهور تلك المشاعر السلبية بصرف النظر عن الخلفية التي أدت إلى ظهورها؟ هل بسبب البيئة، أم بسبب الأشخاص والأحداث والأشياء المحيطة بذلك الشخص؟ أم لأن الحقَّ الذي يعبِّر عنه الله يزعجه؟ أهي البيئة التي تؤثر في الشخص، أم أنَّ كلام الله يزعج حياته؟ ما السبب بالضبط؟ هل تعرفون؟ أخبروني، سواء كان ذلك في حياة الناس الطبيعية أو في أداء واجبهم، هل تظهر هذه الصعوبات إذا كانوا يسعون إلى الحق وكانوا على استعداد لممارسته؟ (لا). هذه الصعوبات موجودة من حيث الحقيقة الموضوعية. أنتم تقولون إنها غير موجودة، فهل من الممكن أنكم قد عالجتم هذه الصعوبات؟ هل أنتم قادرون على فعل ذلك؟ هذه الصعوبات لا يمكن علاجها، وهي موجودة من حيث الحقيقة الموضوعية. ماذا ستكون عاقبة هذه الصعوبات لدى الأشخاص الذين يسعون إلى الحق؟ وماذا ستكون عاقبتها لدى أولئك الذين لا يسعون إلى الحق؟ سيكون لهذه الصعوبات عاقبتان مختلفتان تمامًا. لن يتورط الناس في هذه الصعوبات ويغرقوا في المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم إذا هم سعوا إلى الحق. وعلى العكس من ذلك، إذا لم يسع الناس إلى الحق، فإنَّ هذه الصعوبات توجد فيهم بالطريقة نفسها؛ وماذا ستكون العاقبة؟ ستوقعك هذه الصعوبات في شَرَكها كيلا تستطيع الفكاك، وإذا لم تكن قادرًا على معالجتها، فستصير في النهاية مشاعرَ سلبية تشكِّل نفسها في صورة عقد متشابكة توجد في أعماق قلبك؛ ستؤثر في حياتك الطبيعية وأدائك الطبيعي لواجباتك، وتجعلك تشعر أنك مقموع وغير قادر على إيجاد متنفَس؛ وهذه هي العاقبة التي ستُحدثها فيك. هاتان العاقبتان مختلفتان، أليس كذلك؟ (أجل). لذا، دعونا نعود إلى ذلك السؤال الذي طرحتُه للتو. ماذا كان ما سألته؟ (أهي التأثيرات البيئية هي التي تسبب نشوء المشاعر السلبية لدى الناس أم أنَّ إزعاج كلام لله لهم هو ما يسبب نشؤها فيهم؟) ما السبب إذن؟ ما الجواب؟ (السبب أن الناس لا يسعون إلى الحق). هذا صحيح، ليس السبب هذا ولا ذاك، وإنما أن الناس لا يسعون إلى الحق. عندما لا يسعى الناس إلى الحق، فإنهم غالبًا ما يصبحون غارقين في أفكار متطرفة ومشاعر سلبية ولا يقدرون على تحرير أنفسهم. كرِّر السؤال الذي طرحته للتو. (هل سبب نشوء المشاعر السلبية لدى الناس هو بيئتهم والأشخاص والأحداث والأشياء المحيطة بهم، أم السبب أن الحق الذي يعبِّر عنه الله يزعج الناس؟) لنعيد طرح السؤال ببساطة: هل السبب هو التأثيرات البيئية أم السبب أن كلام الله يزعج الناس؟ أيهما؟ (لا واحد منهما) صحيح، لا واحد منهما. تؤثر البيئات في الجميع بإنصاف؛ إذا كنتَ تسعى إلى الحق، فلن تغرق في أحد المشاعر السلبية بسبب بيئة ما. لكن إذا كنت لا تسعى إلى الحق، فمن الطبيعي جدًّا أن تغلبك بيئتك مرارًا وتكرارًا، وستصبح عالقًا في المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم. بالنظر إلى الأمر من هذا المنظور، أليس السعي إلى الحق مهمًا؟ (بلى). هناك مبادئ الحق التي يجب طلبها في كل ما يحدث. ولكن في الواقع، لأن الناس لا يطلبون الحق ولا يسعون إلى مبادئ الحق، أو لأنهم يعرفون بوضوح ما يطلبه الله وما مبادئ الحق، وما المسار الذي عليهم ممارسته، وما معايير الممارسة، لكنهم لا يعيرونها أي اهتمام أو يتبعونها، فماذا سيحدث لهم في النهاية عندما يتخذون دائمًا خياراتهم الخاصة وخططهم؟ عندما لا يمارس الناس وفقًا لكلام الله، ويصيبهم الهم دائمًا بشأن هذا وذاك، فلن تكون هناك سوى عاقبة واحدة، وهي أنهم يصيرون غارقين في الضيق والقلق والهم، ولا يستطيعون الارتداد عن هذه المشاعر مجددًا. هل من الممكن أن يعتمد الناس دائمًا على تصوراتهم الخاصة، وأن تسير الأمور دائمًا كما يرغبون، وأن يُبقوا الآخرين سعداء ويتلقوا أيضًا استحسان الله؟ هذا مستحيل! إنهم دائمًا ما يريدون التعامل مع الأمور بطريقة تجعل كل مَن حولهم سعداء ومسرورين ومملوءين بالثناء لهم. إنهم يريدون أن يُدعَوا أناسًا صالحين، وأن يكون الله راضيًا، ويشعرون بالضيق إذا لم يستوفوا هذا المعيار. ألا يستحقون أن يشعروا بالضيق؟ (بلى). هذا ما يختاره الناس لأنفسهم.
يقول بعض الناس من المعرَّضين للتحريفات: "لو لم يتكلم الله بالكثير من الكلمات، لكنت فعلتُ الأشياء حسب المعايير الأخلاقية لكون المرء شخصًا صالحًا. كان ذلك سيصبح بسيطًا جدًّا، ولما كانت هناك الكثير من التعبيرات. تمامًا مثلما كان الحال في عصر النعمة، حفظ الناس الوصايا، واحتملوا وتسامحوا، وحملوا الصليب وعانوا، وكان الأمر بسيطًا جدًا. ألم تكن تلك نهاية الأمر؟ الآن، مع وجود الكثير للغاية من الحقائق التي يتحدث بها الله والكثير للغاية من مبادئ الممارسة المقدَّمة في الشركة، لماذا لا يستطيع الناس تحقيقها بعد كل هذا الوقت الطويل؟ إن مستويات قدرات الناس معوزة للغاية، وليس بمقدورهم فهْم كل شيء، وثمة الكثير من الحقائق التي لا يمكنهم بلوغها؛ توجد أيضًا الكثير من الصعوبات التي يواجهها الأشخاص في ممارسة الحق، وحتى إذا فهموه، فإنهم يظلون يجدون صعوبة في بلوغه. إذا كنت تفهمَ الحق لكنك لا تمارسه، فستشعر بعدم الارتياح، ولكن عندما تمارسه، ثمة صعوبات عملية كثيرة للغاية". يعتقد الناس أن كلام الله يزعجهم، ولكن هل هذا هو الحال في الواقع؟ (لا). وهذا ما يُطلق عليه أن يكون المرء غير معقول وغير عقلاني. إنهم نافرون من الحق ولا يسعون إليه ولا يمارسونه، لكنهم لا يزالون يريدون التظاهر بأنهم روحانيون، والتظاهر بأنهم يمارسون الحق، وهم يرغبون في بلوغ الخلاص. وفي النهاية، يشعرون بالاكتئاب والضيق عندما لا يمكنهم تحقيق هذه الأشياء، ويفكرون: "من بوسعه الموازنة بين هذه الأشياء كلها؟ كان سيصير من الأفضل لو أنَّ الله خفض معاييره قليلًا، وحينئذ كان الناس سيصبحون على ما يُرام، والله على ما يُرام، والجميع على ما يرام؛ كم كانت تلك لتصبح حياة سماوية!" دائمًا ما يعتقد مثل هؤلاء الأشخاص أنَّ الكلمات التي يتحدَّث بها الله لا تراعي الإنسان. وبالفعل، عندما يشعرون بالضيق والقلق والهم، يكونون غير راضين عن الله في أشياء كثيرة. وفيما يتعلَّق بكيفية مقاربتهم لمبادئ الحق على وجه التحديد، فإنهم لا يستطيعون تحقيقها أو بلوغها، ولا يمكنهم التحدث عنها مطلقًا، ولهذا تأثير بالغ في سمعتهم ومكانتهم في نظر الآخرين، وكذلك في رغبتهم في نيل البركة، مما يجعلهم غارقين في الضيق والقلق والهم، ولهذا يعتقدون أن ثمة أشياءَ كثيرة يفعلها الله وهم غير مسرورين بها. بل إن هناك البعض ممن يقولون: "الله بارٌّ، ولا أنكر ذلك؛ الله قدُّوس، ولا أنكر ذلك أيضًا. كلُّ ما يقوله الله هو الحق بالتأكيد. الأمر فقط أنه من المخزي أنَّ ما يقوله الله الآن سامٍ للغاية، ومطالبه من الناس صارمة للغاية، وليس من اليسير على الناس تحقيق ذلك كله!" إنهم بلا محبة للحق، ويُلقون بالمسؤولية كلها على الله. يبدؤون بمقدمة أنَّ الله بارٌّ، والله قدوسٌ، ويؤمنون أنَّ كل هذا صحيح. الله بارٌّ، والله قدوسٌ؛ هل من الضروري أنْ تعترف بجوهر الله؟ هذه حقائق. إنها ليست حقيقية فحسب لأنك تعترف بها. ولكيلا يُدانون على لومهم الله، فإنهم يسرعون بالقول إنَّ الله بارٌّ، والله قدوسٌ. رغم ذلك، بصرف النظر عما يقولونه عن كون الله بارًّا وقدوسًا، فإنَّ مشاعرهم السلبية من الضيق والقلق والهم لا تزال موجودة، وليست هذه المشاعر موجودة فحسب، بل إنهم غير راغبين في التخلي عنها، وغير راغبين في تركها خلفهم، وغير راغبين في تغيير مبادئهم في الممارسة، وتغيير اتجاه سعيهم، وتغيير المسار الذي يتبعونه خلال الحياة. مثل هؤلاء الناس مثيرون للشفقة والكراهية على حدٍ سواء. إنهم ببساطة لا يستحقون التعاطف، ومهما كانت معاناتهم، فإنهم لا يستحقون شفقتنا. كل ما علينا عمله هو أنْ نقول لهم هذه الكلمات القليلة: هذا ما تستحقه! وحتى إذا متَّ من الشعور بالضيق الشديد فلن يشفق عليك أحد! مَن الذي دفعك إلى عدم طلب الحق لعلاج مشكلاتك؟ مَن ذا جعلك غير قادر على الخضوع لله وممارسة الحق؟ لأجل مَن تشعر بالضيق والقلق والهم؟ أتشعر بتلك الأشياء لكي تربح الحق؟ أم لتربح الله؟ أم من أجل عمل الله؟ أم من أجل مجد الله؟ (كلا). ما هو إذن سبب شعورك بهذه المشاعر؟ كل هذا من أجل نفسك، من أجل أبنائك، من أجل أسرتك، من أجل احترامك لذاتك، من أجل سمعتك، من أجل مستقبلك وآفاقك، من أجل كل ما يتعلق بذاتك. مثل هذا الشخص لا يهجُر أي شيء، أو يتخلى عن أي شيء، أو يتمرَّد على أي شيء، أو ينبذ أي شيء؛ ليس لديه إيمان حقيقي بالله، وليس لديه ولاء حقيقي لأداء واجبه. إنه لا يبذل ذاته حقًّا في إيمانه بالله، بل يؤمن لينال البركات ليس إلا، ولا يؤمن بالله إلا مع اقتناع لتلقي لبركات. إنه مملوء "إيمانًا" بالله وبعمل الله ووعوده، لكنَّ إيمانًا كهذا لا يمدحه الله ولا يتذكره، بل إنه يبغضه. مثل هؤلاء الأشخاص لا يتبعون المبادئ للتعامل مع أي أمر يطلبه الله منهم أو يمارسونها، ولا يتخلون عن الأشياء التي ينبغي لهم التخلي عنها، ولا يتركون الأشياء التي ينبغي لهم تركها، ولا ينبذون الأشياء التي ينبغي لهم نبذها، ولا يقدِّمون الولاء الذي ينبغي لهم تقديمه، ولذلك فهم يستحقون الغرق في المشاعر السلبية من الضيق والقلق والهم. ومهما كان حجم معاناتهم، فإنهم لا يفعلون ذلك إلا من أجل أنفسهم، وليس من أجل واجبهم ولا من أجل عمل الكنيسة. لذلك، فإن هؤلاء الناس ببساطة لا يسعون إلى الحق، بل هم مجرَّد مجموعة من الناس الذين يؤمنون بالله بالاسم. إنهم يعرفون تمامًا أن هذا هو الطريق الحق، لكنهم لا يمارسونه ولا يتبعونه. إن إيمانهم مثير للشفقة ولا يمكنه الفوز باستحسان الله، ولن يتذكره الله. يصبح هؤلاء الأشخاص غارقين في المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم، بسبب الصعوبات المتشعبة في حياتهم الأسريَّة.
ثم هناك أولئك الذين بصحة ضعيفة، والذين هم ضعيفو البنية ممن يفتقرون إلى الطاقة وغالبًا ما يَمرضون بأمراض خطيرة أو بسيطة، ولا يمكنهم حتى القيام بالضروريات الأساسية في الحياة اليومية، ولا يمكنهم العيش أو التحرك مثل الأشخاص العاديين. غالبًا ما يشعر هؤلاء الأشخاص بعدم الارتياح والتوعك في أثناء أداء واجباتهم؛ بعضهم ضعيف جسمانيًّا، وبعضهم يعاني أمراضًا حقيقية، وبالطبع هناك البعض ممن لديهم أمراض معروفة أو محتمل وقوعها من نوع أو آخر. غالبًا ما يغرق هؤلاء الأشخاص في المشاعر السلبية ويشعرون بالضيق والقلق والهم نظرًا لمواجهتهم مثل هذه الصعوبات الجسمانية العملية. ما الذي يشعرون حياله بالضيق والقلق والهم؟ إنهم مهمومون بأنهم إذا واصلوا أداء واجبهم على هذا النحو يبذلون أنفسهم من أجل الله هكذا ويجتهدون، وكانوا دومًا يشعرون بهذا التعب، فهل ستتدهور صحتهم أكثر فأكثر؟ وهل سيلزمون مضاجعهم عندما يبلغون الأربعين أو الخمسين؟ هل تصمد هذه المخاوف؟ هل سيقدم أي شخص طريقة ملموسة للتعامل مع هذا؟ من سيتحمل المسؤولية عن هذا؟ من سيكون المؤاخَذ؟ يشعر الناس الذين يعانون سوء الحالة الصحية والذين لا يتمتعون بلياقة جسمانية بالضيق والقلق والهم حيال مثل هذه الأمور. غالبًا ما سيفكر المصابون بداء ما على هذا النحو: "أواه، أنا عاقد العزم على أداء واجبي جيدًا، لكنني مصاب بهذا المرض. أسأل الله أن يحفظني من الأذى، وفي ظل حماية الله لا داعي للخوف. لكن هل ستتردى حالتي إذا أُنهِكت في أداء واجباتي؟ ماذا سأفعل إذا تردَّت حالتي فعلًا؟ إذا كنت بحاجة إلى دخول المستشفى لإجراء جراحة، فليس لدي المال لدفع تكاليفها، فهل ستزداد حالتي سوءًا إن لم أقترض المال لدفع تكاليف العلاج؟ وهل سأموت إذا ساءت حالتي للغاية؟ هل يمكن اعتبار مثل هذا الموت موتًا طبيعيًا؟ وإذا مت حقًّا، فهل سيتذكر الله الواجبات التي أديتها؟ هل سيوضع في الاعتبار أنني عملت أعمالًا صالحة؟ هل سأبلغ الخلاص؟" كما أن هناك البعض الذين يعرفون بالفعل أنهم مرضى؛ أي إنهم يعرفون أنهم مصابون بداء حقيقي أو غيره، مثل أمراض المعدة، وآلام أسفل الظهر والساقين، والتهاب المفاصل، والروماتيزم، وكذلك الأمراض الجلدية، وأمراض النساء، وأمراض الكبد، وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وما إلى ذلك. إنهم يفكرون: "هل سيدفع بيت الله تكاليف علاج مرضي، إذا واصلت أداء واجبي؟ وهل يشفيني الله إذا اشتدَّ مرضي وأثر في أداء واجبي؟ لقد شُفي أشخاص آخرون بعد الإيمان بالله، فهل سأُشفى أنا أيضًا؟ فهل سيشفيني الله مثلما أنه يُظهر لطفًا بالآخرين؟ إذا أديت واجبي بإخلاص، فينبغي لله أن يشفيني، لكن إذا تمنيت فحسب أن يشفيني الله ولم يفعل، فماذا سأفعل إذن؟" متى ما فكروا في هذه الأمور، انتابهم شعور عميق بالقلق يتصاعد في قلوبهم. إنهم يفكرون باستمرار في مرضهم وصحتهم ومستقبلهم وحياتهم وموتهم، رغم أنهم لا يتوقفون أبدًا عن أداء واجبهم ويقومون دائمًا بما يفترض بهم القيام به. وأخيرًا، يَصلون إلى نتيجة أنهم يفكرون متمِّنين: "الله سيشفيني، الله سيحفظني آمنًا. الله لن ينبذني، ولن يقف فحسب لا يحرك ساكنًا إذا رآني أمرض". مثل هذه الأفكار ليس لها أساس إطلاقًا، ويمكن حتى القول إنها نوع من المفاهيم. لن يتمكن الناس أبدًا من معالجة صعوباتهم العملية بمثل هذه المفاهيم والتصورات، بينما يشعرون على نحو غامض في أعماق قلوبهم بالضيق والقلق والهم حيال صحتهم وأمراضهم؛ ليس لديهم أي فكرة عمن سيتحمل المسؤولية عن هذه الأشياء، أو ما إذا كان أي شخص سيتحمل المسؤولية عنها على الإطلاق.
هناك أيضًا بعض الأشخاص الذين، رغم عدم شعورهم الفعلي بالمرض وعدم تشخيصهم بأي شيء، فإنهم يعرفون أنهم مصابون بمرض ما كامن. أي مرض كامن؟ على سبيل المثال، يمكن أن يكون مرضًا وراثيًّا مثل أمراض القلب أو السكري أو ارتفاع ضغط الدم، أو يمكن أن يكون مرض ألزهايمر أو داء باركنسون أو نوع من أنواع السرطان؛ فهذه كلها أمراض كامنة. بعض الناس يعرفون أنه نظرًا لأنهم وُلدوا في مثل هذه العائلة، فإن هذا المرض الوراثي سيصيبهم عاجلًا أم آجلًا. إنهم يتساءلون، إذا كانوا يؤمنون بالله ويتبعون الحق، ويؤدون واجبهم جيدًا، ويؤدون أعمالًا صالحة كافية، ويستطيعون إرضاء الله، فهل سيعبُر عنهم هذا المرض الكامن ولا يصيبهم؟ غير أنَّ الله لم يقطع لهم مثل هذا الوعد قط، ولم يكن لديهم قط مثل هذا النوع من الإيمان بالله، ولم يجرؤوا على تقديم أي ضمانات أو أن تكون لديهم أي أفكار غير واقعية. لأنهم لا يملكون أي ضمان أو تأكيد، فإنهم يبذلون الكثير من الطاقة ويجتهدون جهدًا كبيرًا في أداء واجباتهم، ويركزون على المعاناة ودفع الثمن، وسيفعلون دائمًا أكثر من غيرهم، ويَبرزون أكثر من غيرهم، مفكرين: "سأكون أول من يتألم وآخر من يستمتع". إنهم دائمًا ما يحفزون أنفسهم بهذا النوع من الشعارات، ورغم ذلك لا يمكن إبعاد الخوف والهم العميقين بداخلهم حيال مرضهم الكامن، ودائمًا ما يرافقهم هذا الهم وهذا الضيق. رغم أنهم قد يكونوا قادرين على تحمُّل المعاناة والعمل الشاق وراغبين في دفع الثمن في أداء واجباتهم، فإنهم لا يزالون يشعرون أنهم غير قادرين على نوال وعد الله أو كلمة دقيقة من الله بشأن هذا الموضوع، ولذلك يظلون ممتلئين بالضيق والقلق والهم حيال هذا الأمر. ورغم أنهم يبذلون قصارى جهدهم لعدم فعل أي شيء حيال مرضهم الكامن، فإنهم لا يزالون يبحثون بين الحين والآخر – على نحوٍ غير واعٍ – عن جميع أنواع العلاجات الشعبية لمنع هذا المرض الكامن من إصابتهم فجأة في يوم معين، أو ساعة معينة، أو دون أن يكونوا على دراية بذلك. قد يقوم بعض الأشخاص من حين لآخر بإعداد بعض الأعشاب الطبية الصينية لتناولها، ويتساءل البعض أحيانًا عن مستحضرات العلاج الشعبي التي يمكنهم تناولها عند الحاجة، بينما يقوم البعض من وقت لآخر بالبحث عبر الإنترنت عن نصائح للتمارين الرياضية ليمكنهم ممارسة التمرينات والتجريب. ورغم أنه قد يكون مجرَّد مرض كامن، فإنه لا يزال يحتل صدارة تفكيرهم؛ رغم أنَّ هؤلاء الأشخاص قد لا يشعرون بتوعك أو تظهر عليهم أي أعراض إطلاقًا، فإن القلق والهم لا يزالان يملآنهم حيال ذلك، ويشعرون في أعماقهم بالضيق والاكتئاب بشأنه، ودائمًا ما يأملون في تحسين هذه المشاعر السلبية أو تبديدها من داخلهم من خلال الصلاة أو أداء واجباتهم. هؤلاء الأشخاص المصابون بداء حقيقي أو مَن لديهم داء كامن، إلى جانب أولئك المهمومين بشأن الإصابة بالمرض في المستقبل، وأولئك الذين ولدوا بصحة ضعيفة، والذين يعانون باستمرار من أمراض بسيطة دون وجود مرض خطير؛ إنهم دائمًا ما يشعرون بالضيق والهم حيال الأمراض ومختلف صعوبات الجسد. إنهم يرغبون في الهروب منها، الفرار منها، لكنهم بلا حيلة للقيام بذلك؛ يرغبون في التخلي عنها لكنهم لا يستطيعون ذلك؛ إنهم يريدون أن يطلبوا من الله أن يرفع عنهم هذه الأمراض والصعوبات، لكنهم لا يستطيعون نطق الكلمات ويَشعرون بالحرج، إذ يشعرون ألا مبرر لهذا النوع من الطلبات. إنهم يعرفون حق المعرفة أنه لا ينبغي مناشدة الله بخصوص هذه الأمور، لكنهم يشعرون في قلوبهم أنهم بلا قوة؛ ويتساءلون عما إذا كانوا سيشعرون براحة أكبر وسترتاح ضمائرهم إنْ وضعوا كل آمالهم على الله؟ لذلك؛ فإنهم من حين لآخر يصلُّون بصمت في أعماق قلوبهم حول هذا الأمر. إذا نالوا من الله ما هو إضافي أو غير متوقع من فضل أو نعمة، فإنهم يشعرون بالقليل من الفرح أو الراحة؛ وإذا لم يتلقوا أي رعاية خاصة من بيت الله إطلاقًا، ولم يشعروا بأي لطف من الله إطلاقًا، فإنهم ينزلقون مرة أخرى دون معرفة منهم إلى المشاعر السلبية المتمثلة في الضيق والقلق والهم. رغم أن الولادة والشيخوخة والمرض والموت ثوابت بين البشر ولا يمكن تجنبها في الحياة، يوجد من لديهم بنية جسدية معينة أو مرض خاص ممَن يقعون في الضيق والقلق والهم حيال صعوبات الجسد وأمراضه، وهذا سواء كانوا يؤدون واجباتهم أم لا. إنهم مهمومون بشأن مرضهم، ومهمون بشأن المصاعب الكثيرة التي قد يسببها لهم مرضهم، وما إذا كان سيصبح خطيرًا، وبشأن ما ستكون العواقب إذا صار خطيرًا، وبشأن ما إذا كان سيسبب لهم الموت. وفي مواقف خاصة وسياقات معينة، تتسبب هذه السلسلة من الأسئلة في أن يصيروا غارقين في الضيق والقلق والهم وغير قادرين على انتشال أنفسهم؛ بل إنَّ بعض الناس يعيشون في حالة من الضيق والقلق والهم بسبب المرض الخطير الذي يعرفون بالفعل أنهم مصابون به أو بسبب مرض كامن لا يمكنهم فعل أي شيء لتجنبه، ويقعون تحت تأثير هذه المشاعر السلبية ونفوذها وسيطرتها. بعض الناس حالما يقعون تحت سيطرة هذه المشاعر السلبية، يتخلون تمامًا عن كل فرصة وأمل في نيل الخلاص؛ لقد اختاروا ترك أداء واجبهم وحتى أي فرصة لتلقي لطف الله. وعوضًا عن ذلك، يختارون مواجهة مرضهم والتعامل معه دون طلب المساعدة من أي شخص آخر ودون انتظار أي فرصة. إنهم يكرِّسون أنفسهم لعلاج مرضهم، ولا يعودون يؤدون أي واجب، وحتى إذا كانوا قادرين جسديًّا على أداء واجبهم، فإنهم لا يقومون به رغم ذلك. ما سبب هذا؟ إنهم مهمومون: "إذا استمر مَرَضي على هذا النحو ولم يشفني الله، فيمكنني الاستمرار في أداء واجبي كيفما أقوم به الآن وسأموت في النهاية رغم ذلك. إذا توقفت عن أداء واجبي وطلبت العلاج، فيمكنني العيش لبضع سنوات أخرى، وربما حتى يمكن علاجه. إذا واصلت أداء واجبي ولم يقل الله إنه سيشفيني، فقد تتدهور صحتي أكثر. لا أريد تأدية واجبي لعشر سنوات أخرى أو عشرين سنة ثم أموت. أريد العيش لبضع سنوات أخرى، ولا أرغب في الموت بهذه السرعة، مبكرًا جدًّا!" لذا، يؤدون واجبهم في بيت الله لبعض الوقت، ويراقبون لبعض الوقت، ويمكننا القول إنهم يلاحظون ليروا ما يحدث لبعض الوقت، ثم يبدؤون في التساؤل: "لقد كنت أقوم بواجبي، لكن حالتي المرضية لم تتحسَّن ولم تخف وطأتها. يبدو كما لو أنه لا رجاء في التحسُّن. كانت لدي خطة في الماضي، إذ اعتقدت أن الله قد يرفَع عني هذا المرض إذا نبذت كل شيء وقمت بواجبي بإخلاص. لكن شيئًا لم يحدث كما خططت وتصورت وتمنيت. مرضي هو نفسه كما كان. لقد مرَّت كل هذه السنوات، ولم يزل هذا المرض لم تخف شدته بأي درجة. يبدو كما لو أنَّ عليَّ علاج هذا المرض بنفسي. لا يمكنني الاتكال على أي شخص آخر، ما من شخص آخر يمكن الاتكال عليه. لا بد لي من تولي مصيري بيدي. لقد تطورت العلوم والتكنولوجيا الآن للغاية وكذلك الطب، وتتوفر أدوية فعالة لعلاج الأمراض كافة، وثمة طرق علاج متقدمة لكل شيء. أنا على يقين من أن هذا المرض يمكن علاجه". وبعد وضع مثل هذه الخطط، يبدؤون في البحث عبر الإنترنت أو طرح الأسئلة والاستفسارات، حتى يجدوا في النهاية بعض الحلول. وفي النهاية، يقررون الدواء الذي سيتناولونه وكيفية علاج مرضهم، وكيفية ممارسة الرياضة، وكيفية الاعتناء بصحتهم. إنهم يفكرون: "إذا لم أقم بواجبي وركزت على علاج هذا المرض، فسيكون ثمة أمل في الشفاء. ثمة حالات كثيرة يُعالَج فيها هذا النوع من الأمراض". بعد وضع الخطط والمخططات على هذا النحو لفترة من الزمن، يقررون أخيرًا عدم أداء واجبهم بعد ذلك ويصير علاج مرضهم أولويتهم الأولى؛ لا شيء بالنسبة لهم أكثر أهمية من العيش. ويتحول ضيقهم وقلقهم وهمِّهم إلى نوع من الفعل العمليِّ؛ ويتحول قلقهم وهمِّهم من مجرد أفكار إلى نوع من الفعل. ثمة مقولة لدى غير المؤمنين يرد فيها: "الفعل أفضل من التفكير، وخير الفعل عاجله". مثل هؤلاء الناس يفكرون ثم يفعلون، وهم يفعلون بسرعة. ذات يوم، يفكرون في علاج مرضهم، وفي صباح اليوم التالي يحزمون أمتعتهم ويستعدون للمغادرة. وبعد أشهر قلائل تصل الأخبار السيئة بأنهم ماتوا دون شفاء من مرضهم. هل تعافوا من مرضهم؟ (لا). ليس ممكنًا بالضرورة أن تعالج مرضًا بنفسك، لكن هل من المؤكد أنك لن تمرض في أثناء أداء واجبك في بيت الله؟ مثل هذا الوعد لن يقدِّمه لك أحد. فكيف عليك إذن الاختيار، وكيف عليك التعامل مع مسألة الإصابة بالمرض؟ الأمر بسيط جدًا؛ فثمة طريق واحد عليك اتباعه: السعي إلى الحق. اسعَ إلى الحق وتعامل مع الأمر وفقًا لكلام الله ووفقًا لمبادئ الحق، هذا هو الفهم الذي ينبغي أن يكون لدى الناس. وكيف عليك أن تمارس؟ تأخذ كل هذه الاختبارات وتمارس الفهم الذي ربحته ومبادئ الحق التي فهمتها وفقًا للحق وكلام الله، وتجعلها واقعك وحياتك؛ وهذا جانب. الجانب الآخر هو أنه يجب عليك ألا تنبذ واجبك. سواء كنت مريضًا أو تتألم، ما دام فيك نَفسٌ واحد، وما دمت لا تزال حيًّا، وما دمت لا تزال قادرًا على التحدُّث والمشي، فلديك الطاقة اللازمة لأداء واجبك، ويجب أن تكون حسن السلوك في أداء واجبك وعمليًا جدًا. عليك ألا تنبذ واجب الكائن المخلوق أو المسؤولية التي أعطاها لك الخالق. ما دمت لم تمت بعد، فعليك أداء واجبك وتتميمه جيدًا. يقول بعض الناس: "هذه الأشياء التي تقولها لا تراعينا كثيرًا. أنا مريض ومن الصعب عليَّ أن أتحمل!" عندما يكون الأمر صعبًا عليك، يمكنك أن تأخذ قسطًا من الراحة، ويمكنك الاعتناء بنفسك وتلقي العلاج. إذا كنت لا تزال ترغب في أداء واجبك، فيمكنك تقليل عبء العمل الخاص بك وأداء بعض الواجبات المناسبة، التي لا تؤثر في تعافيك. سيثبت هذا أنك لم تنبذ في قلبك واجبك، وأن قلبك لم ينحرف عن الله، وأنك لم تنكر اسم الله في قلبك، وأنك لم تنبذ في قلبك الرغبة في أن تكون كائنًا مخلوقًا صالحًا. يقول بعض الناس: لقد فعلت كل ذلك، فهل سيرفع الله عني هذا الداء؟ هل سيرفعه؟ (ليس بالضرورة). سواء رَفَع الله عنك هذا الداء أم لا، وسواء شفاك أم لا، فإن ما تفعله هو ما يتعين على الكائن المخلوق عمله. سواء كنت قادرًا جسديًّا على أداء واجبك أم لا، وسواء كنت قادرًا على القيام بأي عمل أم لا، وسواء كانت صحتك تسمح لك بأداء واجبك أم لا، فيجب ألا ينحرف قلبك عن الله، وألا تنبذ في قلبك واجبك. بهذه الطريقة، ستتمم مسؤولياتك والتزاماتك وواجبك؛ وهذه هي الأمانة التي عليك التمسُّك بها. لمجرد أنه ليس بوسعك عمل الأشياء بيديك أو أنك لم تعد قادرًا على التحدث، أو أن عينيك ما عادتا تبصران، أو أنك لم تعد قادرًا على تحريك جسدك، يجب ألا تعتقد أنه يتعين على الله شفاؤك؛ وإن لم يشفِك، تريد إنكاره في أعماق قلبك، وتنبذ واجبك، وتترك الله وراءك. ما طبيعة مثل هذا الفعل؟ (إنه خيانة لله). إنه خيانة! كثيرًا ما يأتي بعض الناس أمام الله للصلاة عندما لا يكونون مرضى، وعندما يمرضون ويأملون أن يشفيهم الله، واضعين كل آمالهم على الله، فإنهم سيظلون يأتون أمام الله ولن ينبذوه. ورغم ذلك، يخيب أملهم في الله إذا مر بعض الوقت ولم يشفهم، وفي أعماق قلوبهم ينبذون الله وينبذون واجباتهم. بعض الناس لا ينبذون الله عندما لا يكون مرضهم سيئًا للغاية ولا يشفيهم الله، لكن عندما يصبح مرضهم خطيرًا، ويواجهون الموت، فإنهم يعلمون علم اليقين أن الله لم يشفهم حقًا، وأنهم لم ينتظروا كل هذا الوقت إلا انتظارًا للموت، ومن ثمَّ ينبذون الله وينكرونه في قلوبهم. إنهم يعتقدون أنه إذا لم يشفهم الله، فلا بد أنه غير موجود؛ وأنه إن لم يشفهم فلا يجب أن يكون هو الله إطلاقًا، ولا يستحق الإيمان به. ولأن الله لم يشفهم، فإنهم يندمون على إيمانهم به، ويتوقفون عن الإيمان به. أليست هذه خيانة لله؟ هذه خيانة خطيرة لله. لذلك، لا يجب عليك مطلقًا أن تسلك هذا الطريق، وحدهم أولئك الذين يَخضعون لله حتى الموت هم الذين لديهم إيمان حقيقي.
أي مسار ينبغي للناس اتباعه عندما يدقُّ المرض بابهم؟ كيف ينبغي لهم الاختيار؟ ينبغي للناس ألا يغرَقوا في الضيق والقلق والهم، وأنْ يتأملوا في آفاقهم المستقبلية ومساراتهم. بدلًا من ذلك، كلما وجد الناس أنفسهم في مثل هذه الأوقات بدرجة أكبر، وفي مثل هذه المواقف والسياقات الخاصة، وكلما وجدوا أنفسهم في مثل هذه الصعوبات المباشرة، فإنه ينبغي لهم طلب الحق والسعي إليه بدرجة أكبر. فمن خلال ذلك وحده، لن تذهب المواعظ التي سمعتها في الماضي والحقائق التي فهمتها سدى وستُحقق تأثيرها. كلما وجدتَ نفسك في مثل هذه الصعوبات بدرجة أكبر، كان عليك الانصراف عن رغباتك والخضوع لترتيبات الله. ليس غرض الله مِن إعداد هذا النوع من الأوضاع وترتيب هذه الظروف لك، أن تغرق في مشاعر الضيق والقلق والهم، وهو ليس لكي تتمكن من امتحان الله لترى إن كان سيشفيك عندما يحلُّ بك مرض، أو لاستطلاع الحق في الأمر؛ إنما يضع الله لك هذه الأوضاع والظروف الخاصة ليمكنك تعلُّم الدروس العملية في مثل هذه الأوضاع والظروف، وتنال دخولًا أعمق إلى الحق وإلى الخضوع لله، ولتعرِف بوضوح ودقة أكبر كيف يرتِّب الله الناس والأحداث والأشياء جميعًا. إنَّ أقدار الإنسان بين يديِّ الله، وسواء كان الناس يحسون ذلك أم لا، وسواء كانوا واعين به حقًّا أم لا، فعليهم الخضوع وعدم المقاومة، وعدم الرفض، وبالتأكيد عدم امتحان الله. قد تموت على أي حال، وإذا قاومتَ الله ورفضته واختبرته، فجلي تمامًا ما ستكون نهايتك. على العكس من ذلك، إذا كنتَ في الأوضاع والظروف نفسها قادرًا على طلب الكيفية التي ينبغي أن يخضع بها كائن مخلوق لترتيبات الخالق، وأن تطلب الدروس التي عليك تعلمها والشخصيات الفاسدة التي عليك معرفتها في الأوضاع التي يجلبها الله لك، وتفهَم مقاصد الله في مثل هذه الأوضاع، وتقدِّم شهادتك حسنًا لتلبية مطالب الله، فهذا ما ينبغي لك عمله. عندما يرتِّب الله لشخص ما أن يُصاب بمرض، سواء كان خطيرًا أو هيِّنًا، فإن غرضه من فعل ذلك ليس أن يجعلك تقدِّر التفاصيل الدقيقة لكونك مريضًا، والضرر الذي يلحقه بك المرض، والمشقات والصعوبات التي يسببِّها لك المرض، وكل المشاعر التي لا تعد ولا تحصى التي يتسبب المرض في شعورك بها؛ ليس غرضه أن تقدِّر المرض من خلال كونك مريضًا، بل أن تتعلَّم الدروس من المرض، وأن تتعلَّم كيف تشعُر بمقاصد الله، وأن تعرِف الشخصيات الفاسدة التي تكشف عنها والمواقف الخاطئة التي تتبناها تجاه الله عندما تكون مريضًا، وأن تتعلَّم كيفية الخضوع لسيادة الله وتدابيره، ليمكنك تحقيق الخضوع الحقيقي لله ولتكون قادرًا على الثبات في شهادتك؛ هذا أمر جوهري بالقطع. يرغب الله في أن يخلِّصك ويطهِّرك من خلال المرض. ما الذي يرغب الله في تطهيره فيك؟ إنه يرغب في تطهير سائر رغباتك المفرطة ومطالبك تجاه الله، وحتى تطهير مختلف الخطط والأحكام والمخططات التي تقوم بها بأي ثمن من أجل البقاء والعيش. الله لا يطلُب منك أن تخطط، ولا يطلب منك أن تدين، ولا يَسمح لك بأن تكون لديك أي رغبات مفرطة تجاهه؛ إنه لا يطلب منك إلا الخضوع له، وأن تعرف موقفك تجاه المرض في ممارستك واختبارك للخضوع، وأن تعرِف موقفك تجاه هذه الحالات الجسدية التي يعطيها لك، وكذلك رغباتك الشخصية. عندما تعرِف هذه الأشياء، يمكنك حينئذٍ أن تقدِّر كم كان نافعًا لك أن الله قد رتَّب لك ظروف المرض أو أنه أعطاك هذه الحالات الجسدية؛ ويمكنك أن تقدِّر مدى نفعها في تغيير شخصيتك وبلوغك الخلاص، ودخولك إلى الحياة. ولهذا، عندما يأتي المرض، يجب ألا تتساءل دائمًا عن كيفية الهروب منه أو الفكاك منه أو رفضه. يقول بعض الناس: "تقول إنه عليَّ ألَّا أهرب منه أو أرفضه، وإن عليَّ ألَّا أحاول الفكاك منه، فقصدك إذًا هو أنني يجب ألا أذهب وأتلقى علاجًا له!" أنا لم أقل ذلك قَط؛ هذا فهمك الخاطئ. إني أساندك في علاج أمراضك على نحو فعال، لكني لا أريدك أن تعيش في مرضك أو تقع في الضيق والقلق والهم بسبب التأثير الناجم عن مرضك، حتى تبتعد عن الله أخيرًا وتنبذه بسبب كل الألم الناجم عن مرضك. إذا كان مرضك يسبب لك معاناة كبيرة وترغب في تلقي العلاج وزوال مرضك، فلا بأس بذلك بالطبع. هذا حقك. لك الحق في اختيار تلقي العلاج، ولا يحق لأحد أن يمنعك. على الرغم من ذلك، عليك ألا تعيش في مرضك وترفُض أداء واجبك، أو تنبذ واجبك، أو ترفض ترتيباته الله وتدابيره لأنك تتلقى العلاج. إذا كان مرضك لا يمكن علاجه فستقع في الضيق والقلق والهم، وبالتالي ستمتلئ بالشكاوى والشك فيما يتعلق الله، وستفقد حتى الإيمان بالله، وتفقد الرجاء، وسيختار البعض نبذ واجباتهم؛ هذا شيء ينبغي حقًّا ألا تفعله. يمكنك، عند مواجهة المرض، أن تسعى حثيثًا إلى العلاج لكن عليك أيضًا التعامل مع مرضك بموقف إيجابي. وبخصوص مدى إمكانية علاج مرضك وما إذا كان من الممكن علاجه أم لا، وما قد يحدث في النهاية، فعليك دائمًا الخضوع وعدم الشكوى. هذا هو الموقف الذي عليك تبنيه، لأنك كائن مخلوق وليس لديك خيار آخر. لا يمكنك القول: "إذا شُفيت من هذا المرض، فسأؤمن أنها قوَّة الله العظيمة، لكن إن لم أُشف، فلن أكون مسرورًا بالله. لماذا أعطاني الله هذا المرض؟ ولماذا لا يشفيني منه؟ لماذا أصبتُ بهذا المرض وليس شخصًا آخر؟ أنا لا أريده! لماذا يتعين عليَّ الموت مبكرًا في مثل هذه السن الصغيرة؟ لماذا يتأتى لأشخاص آخرين أن يستمروا في العيش؟ لماذا؟" لا تسأل عن السبب، هذا ترتيب الله. ليس ثمة سبب، ولا ينبغي لك السؤال عن السبب؛ فالسؤال عن السبب حديث تمرُّد، وليس هذا سؤالًا ينبغي لكائن مخلوق أن يسأله. لا تسأل عن السبب؛ لا يوجد سبب. لقد رتَّب الله الأشياء وخطَّط لأشياء مثل هذه. إذا سألت عن السبب، فلن يمكن وصفك إلا بأنك شديد التمرد، ومتصلب الرأي جدًا. عندما لا يرضيك شيء ما، أو لا يفعل الله مثلما ترغب، أو يدعك تتصرف كما يحلو لك، فإنك تصير غير سعيد وغير راضٍ، وتسأل دومًا عن السبب. لذلك، يسألك الله: " لماذا لم تقم بواجبك جيدًا بصفتك كائنًا مخلوقًا؟ لماذا لم تؤدِ واجبك بإخلاص؟" وكيف ستَردُّ على ذلك؟ ستقول: "ليس من سبب، هكذا أنا فحسب". أهذا مقبول؟ (لا). من المقبول أن يتحدث الله معك بتلك الطريقة، لكن ليس من المقبول أن تتحدث أنت بها مع الله. وجهة نظرك خاطئة، وأنت بلا حس للغاية. مهما كانت الصعوبات التي يقابلها الكائن المخلوق، فمن الطبيعي والمبرَّر تمامًا أنه ينبغي لك الخضوع لترتيبات الخالق وتدابيره. على سبيل المثال، أنجبك والداك وربياك، وأنت تدعوهما أمًّا وأبًا؛ هذا أمر طبيعي ومبرَّر تمامًا، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الأمر؛ ليس ثمة سبب. لذلك، يرتب الله سائر هذه الأشياء لك، وسواء كنت تتمتع بالبركات أو تعاني المشقات، فهذا أيضًا طبيعي ومبرَّر تمامًا، وليس لديك أي خيار في هذا الأمر. إذا كان بوسعك الخضوع حتى النهاية، فسوف تبلُغ الخلاص كما بلَغه بطرس، لكن إذا ألقيت اللوم على الله، ونبذت الله، وخنته بسبب مرض مؤقت، فإن كل ما قد فعلته من قبل من ترك وبذل وأداء لواجبك ودفع للثمن الذي دفعته، سيكون قد صار سُدى. هذا لأن كل عملك الشاق في الماضي لن يكون قد وضع لك أي أساس لك لأداء واجب الكائن المخلوق جيدًا أو لاتخاذ مكانك الملائم بصفتك كائنًا مخلوقًا، ولن يكون ذلك قد غيَّر أي شيء بشأنك. سيؤدي هذا بك لاحقًّا إلى خيانة الله بسبب مرضك، وستكون نهايتك مثل نهاية بولس: أن تُعاقب في النهاية. سبب هذه الإرادة هو أن كل ما فعلته قبلًا كان من أجل الحصول على إكليل أو نوال البركات. أما إذا كنتَ لا تزال قادرًا على الخضوع دون أي شكوى عندما تواجه المرض والموت أخيرًا، فهذا يثبت أن كل ما فعلتَه من قبل قد فعلته بإخلاص وعن طيب خاطر من أجل الله. إنك خاضع لله، وفي النهاية سيكون خضوعك بمثابة نهاية مثالية لحياة إيمانك بالله، وهذا أمر يمدحه الله. لذا، يمكن أن يتسبب المرض في أن تكون نهايتك حسنة، أو يمكن أن يتسبب في أن تكون نهايتك سيئة؛ يعتمد نوع النهاية التي ستبلغها على المسار الذي تتبعه وموقفك تجاه الله.
هل عولِجتْ الآن مشكلة وقوع الناس في المشاعر السلبية بسبب المرض؟ (لقد عولِجتْ). هل لديك الآن الأفكار والآراء الصحيحة حول كيفية مواجهة المرض؟ (نعم). هل تعرف كيف تمارِس هذا؟ إذا لم تعرف بعد، فسأعطيك الورقة الرابحة، التي هي أفضل شيء يمكنك القيام به. هل تعرفون ما هو؟ إذا أصابك مرض، وأنت لا تزال غير قادر على التغلُّب عليه مهما بلغ مقدار ما فهمت من التعاليم، فسيظل قلبك ضيِّقًا وقلقًا ومهمومًا، ولن تتمكن من مواجهة الأمر بهدوء، بل سيكون قلبك أيضًا مملوءًا بالشكاوى. ستتساءل باستمرار: لماذا لا يوجد أي شخص آخر مريض بهذا المرض؟ لماذا تجعلني أصاب بهذا المرض؟ كيف حدث هذا لي؟ هذا لأنني غير محظوظ وقدَري سيء. لم أسِئ إلى أحد قط، ولم أرتكب أي خطيِّة، فلماذا حدث لي هذا؟ الله يعاملني بطريقة ظالمة جدًا! مثلما ترى، إلى جانب الضيق والقلق والهم، ستقع في الاكتئاب أيضًا، وستتبع أحد المشاعر السلبية واحدة غيرها، دون أن يكون لديك سبيل للفرار منها مهما بلغت رغبتك في ذلك. ما الذي ينبغي أن تفعله إذًا لأنه مرض حقيقي، لا يمكن رفعه عنك أو علاجه بسهولة؟ إنك تريد الخضوع لكنك لا تستطيع، وإذا خضعتَ في يوم، ففي التالي تسوء حالتك وتتألم كثيرًا، فلا تعود راغبًا في الخضوع، وتبدأ في الشكوى مجددًا. إنك لتتأرجح هكذا طوال الوقت، فماذا عليك أن تفعل؟ دعني أخبرك بسرِّ النجاح. سواء واجهتَ مرضًا خطيرًا أو هيِّنًا، في اللحظة التي يصبح فيها مرضك خطيرًا أو تواجه الموت، تذكَّر شيئًا واحدًا فقط: لا تخشَّ الموت. حتى لو كنت في المراحل النهائية من السرطان، وحتى لو كان معدل الوفيات بسبب مرضك شديد الارتفاع، فلا تخشى الموت. مهما عظم حجم معاناتك، إذا كنت تخشى الموت فلن تَخضَع. يقول بعض الناس: "عندما أسمعك تقول هذا، أشعر بالإلهام ولدي حتى فكرة أفضل. لن يقتصر الأمر على أنني لن أخشى الموت فحسب، بل سأتوسل طالبًا إياه. ألن يجعل ذلك اجتياز الأمر أيسَر؟" لماذا تتوسل طلبًا للموت؟ إن التوسل طلبًا للموت فكرة متطرفة، بينما عدم خشية الموت موقف معقول ينبغي تبنيه. أليس هذا صحيحًا؟ (صحيح). ما الموقف الصحيح الذي عليك تبنيه كيلا تخشى الموت؟ إذا أصبح مرضك خطيرًا لدرجة أنك قد تموت، وكانت نسبة الوفيات بسببه مرتفعة بصرف النظر عن عُمْر المصاب به، والوقت بين إصابة الناس بالمرض وموتهم قصير جدًّا، بماذا عليك أن تفكِّر في قلبك؟ "يجب ألا أخشى الموت، الجميع يموتون في النهاية. على الرغم من ذلك، فالخضوع لله أمر لا يستطيع معظم الناس فعله، ويمكنني استخدام هذا المرض لممارسة الخضوع لله. لا بد أن يكون لديَّ التفكير والموقف للخضوع لترتيبات الله وتدابيره، ويجب ألا أخشى الموت." الموت يسير، أيسر كثيرًا من العيش. يمكن أن تكون في أشد الألم ولن تكون واعيًا بذلك، وحالما تُغمض عينيك، يتوقف نفسك، وتغادر روحك جسدك وتنتهي حياتك. هكذا يسير الموت؛ الأمر بهذه البساطة. عدم الخوف من الموت هو أحد المواقف التي يجب تبنيها. إضافة إلى ذلك، لا داعي للشعور بالهمِّ حيال ما إذا كان مرضك سيتفاقم أم لا، أو ما إذا كنت ستموت إذا لم يمكن شفاؤك، أو المدة التي ستستغرقها حتى تموت، أو ما الألم الذي ستشعر به عندما يحين الوقت لتموت. عليك ألَّا تشعر بالهمِّ حيال هذه الأشياء؛ ليست هذه بأشياء يجب أن تشعر بالهمِّ حيالها. هذا لأنَّ اليوم لا بد أن يجيء، لا بد أن يجيء في سنة بعينها، وشهر بعينه ويوم بعينه. لا يمكنك الاختباء منه ولا الهروب منه، فهذا قَدَرك. هذا المدعو قدَرك قد سبق الله وعيَّنه ورتَّبه بالفعل. إن مدة سنواتك والعمر الذي تموت فيه والوقت، كلها أشياء حددها الله بالفعل، فماذا يُشعرك بالهمِّ؟ يمكنك أن تشعر بالهمِّ حيال ذلك، لكن ذلك لن يغير شيئًا؛ يمكنك أن تشعر بالهمِّ حيال ذلك، لكن لا يمكنك منعه من الحدوث؛ يمكنك أن تشعر بالهمِّ حيال ذلك، لكنك لا تستطيع منع ذاك اليوم من المجيء. لذلك فإن همَّك لا لزوم له وكل ما يفعله هو أنه يثقل من عبء مرضك. أحد الجوانب هو عدم الشعور بالهمِّ، وثانيها عدم خشية الموت، وثمة جانب آخر هو عدم القلق، والقول: "هل سيتزوج زوجي (أو زوجتي) مرة أخرى بعد موتي؟ من سيعتني بطفلي؟ من سيتولى واجبي؟ من سيتذكرني؟ وبعد موتي، ماذا سيحدد الله أن تكون نهايتي عليه؟" مثل هذه الأمور لا ينبغي أن تشعر بالهمِّ حيالها. كل الأشخاص الذين يموتون لهم مكانهم الملائم الذي سيذهبون إليه وقد أعدَّ الله التدابير. أما الأحياء فسوف يستمرون في العيش؛ إن وجود أي شخص واحد لن يؤثر في النشاط الطبيعي وبقاء البشرية، ولن يغيِّر اختفاء أي شخص أي شيء، ومن ثمَّ فإن هذه الأشياء ليست شيئًا يجب الشعور بالهمِّ حياله. من غير الضروري أن تشعر بالهمِّ حيال مختلف أقاربك، ومن غير الضروري بدرجة أكبر أن تشعر بالهمِّ بشأن ما إذا كان أي شخص سيتذكرك بعد موتك. ماذا ستكون الفائدة من تذكُّر أي شخص لك؟ إذا كنتَ مثل بطرس، فسيكون هناك بعض القيمة لتذكرك؛ أما إذا كنت كبولس، فكل ما ستجلبه للناس سيكون كارثة، فلماذا يتذكرك أي شخص؟ ثمة أمر آخر تشعر بالهمِّ حياله، وهي خاطرة واقعية للغاية لدى الناس. إنهم يقولون: "بمجرد موتي، لن تبصر عيناي هذا العالم مجددًا، ولن يمكنني الاستمتاع مرة أخرى بالحياة المادية لكل هذه الأشياء. بمجرد موتي، لا شيء في هذا العالم سيهمني بعدئذٍ، وسيختفي الشعور بالحياة. إلى أين أذهب بمجرد أن أموت؟" حيثما تذهب ليس شيئًا يجب أن تشعر بالهمِّ حياله، ولا هو شيئًا يجب أن تقلق بشأنه. لن تعود شخصًا حيًّا بعد ذلك، وأنت تشعر بالهمِّ لأنك لن تستطيع مجددًا الشعور بكل الأشخاص والأحداث والأشياء والبيئات وما إلى ذلك في العالم المادي. هذا أمر ينبغي بدرجة أكبر كثيرًا ألا تشعر بالهمِّ حياله، وحتى إذا لم تتمكن من التخلي عن هذه الأشياء، فسيكون ذلك دون فائدة. على الرغم من ذلك، فإنَّ ما يمكن أن يجلِب لك القليل من الراحة هو أن موتك أو رحيلك ربما يكون بداية جديدة لتجسدك المقبل، بداية أفضل، بداية صحية، بداية حسنة كليًّا، بداية لعودة روحك من جديد. لن يكون هذا أمرًا سيئًا بالضرورة، إذ ربما يمكنك العودة للوجود بطريقة مختلفة وهيئة مختلفة. بخصوص ما الهيئة التي ستتخذها تحديدًا فهي تتوقف على تدابير الله والخالق. عند هذه النقطة، يمكن القول إنه على الجميع أن ينتظروا ويروا. إذا اخترت العيش بطريقة أفضل وفي هيئة أفضل بعد أن تموت في هذه الحياة، فبصرف النظر عن درجة السوء التي يصل إليها مرضك، فإن الشيء الأهم هو كيفية مواجهتك له، والأعمال الصالحة التي عليك إعدادها، وليس مشاعرك من الضيق والقلق والهم التي لا جدوى منها. ألا يقل مستوى خوفك ورعبك ورفضك للموت، عندما تفكِّر بهذه الطريقة؟ (نعم). ما عدد الجوانب التي تحدثنا عنها للتو؟ كان أحدها عدم خشية الموت. ماذا كانت الجوانب الأخرى هناك؟ (لا ينبغي لنا أن نشعر بالهمِّ حيال ما إذا كان مرضنا سيتفاقم أم لا، ولا ينبغي لنا أن نقلق حيال أزواجنا أو أطفالنا، أو حيال نهاياتنا وغاياتنا، وما إلى ذلك). اترك هذا كله بين يديِّ الله. ماذا أيضًا؟ (لا ينبغي لنا أن نشعر بالهمِّ حيال المكان الذي سنذهب إليه بعدما نموت). لا جدوى من أن يصيبك الهم حيال هذه الأشياء. عِش في الحاضر وافعل الأشياء التي عليك عملها هنا والآن جيدًا. إنك لا تعرف كيف ستسير الأمور في المستقبل، لذا عليك أن تترك كل هذا بين يديِّ الله. ماذا أيضًا؟ (علينا أن نسارع لإعداد الأعمال الصالحة لغايتنا المستقبلية) هذا صحيح، على الناس إعداد المزيد من الأعمال الصالحة للمستقبل، وعليهم أن يسعوا إلى الحق ويكونوا أشخاصًا يفهمون الحق ويمتلكون واقع الحق. يقول بعض الناس: "أنت تتحدث عن الموت الآن، فهل تقصد أن الجميع سيواجهون الموت في المستقبل؟ هل هذا نذير شؤم؟" إنه ليس نذير شؤم، ولا يمثل لقاحًا وقائيًا، وهو بالطبع ليس لعن أي شخص ليموت، فهذه الكلمات ليست لعنات. ما هي إذًا؟ (إنها مسار ممارسة للناس) صحيح؛ إنها ما ينبغي للناس ممارسته، وهي الآراء والمواقف الصحيحة التي ينبغي للناس التمسُّك بها، وهي الحقائق التي ينبغي للناس فهمها. حتى الناس الذين لا يعانون أي نوع من المرض عليهم أيضًا تبني هذا النوع من المواقف لمواجهة الموت. لذلك، يقول بعض الناس: "إذا كنا لا نخشى الموت، فهل هذا يعني أن الموت لن يأتي علينا؟" أهذا هو الحق؟ (لا) ما هو إذًا؟ (إنه مفهوم وتصوراتهم). إنه تحريف، إنه استدلال منطقي، وفلسفة شيطانية؛ إنه ليس بالحق. ليس الأمر أنك إذا كنتَ لا تخشى الموت أو تشعر بالهمِّ حياله، فلن يأتيك الموت ولن تموت؛ ليس هذا هو الحق. ما أتحدث عنه هو الموقف الذي ينبغي أن يكون لدى الناس تجاه الموت والمرض. عندما تتبنى هذا النوع من المواقف، يمكنك حينئذٍ أن تترك خلفك المشاعر السلبية من الضيق والقلق والهم. عندئذٍ لن تكون منهمكًا في مرضك، ولن يتضرر تفكيرك وعالَم روحك أو يضطربان بسبب حقيقة مرضك. إحدى الصعوبات الشخصية التي يواجهها الناس هي آفاقهم المستقبلية، وأخرى هي المرض والموت. يمكن للآفاق المستقبلية والوفاة أن تسيطران على قلوب الناس، ولكن إذا تمكنت من مواجهة هاتين المشكلتين على نحو صحيح والتغلب على مشاعرك السلبية، فلن تهزمك الصعوبات الشائعة.
إلى جانب المرض، كثيرًا ما يَشعُر الناس بالضيق والقلق والهم حيال بعض المشكلات الحقيقية الأخرى في حياتهم. ثمة الكثير من المشكلات الحقيقية في الحياة، هناك مثلًا كبار سن أو أطفال في منزلك ممَن يحتاجون إلى اعتناء بهم أو تربية، والمال الذي يحتاجه أبناؤك لتعليمهم ونفقات المعيشة، وكبار السن الذين يحتاجون المال لعلاج الحالات الطبية، والمبالغ المالية الكبيرة اللازمة لتغطية نفقات المعيشة اليومية. إنك تريد أداء واجبك، لكن كيف ستعيش إذا تركت وظيفتك؟ سرعان ما سوف تستنفد مدخراتك المنزلية، فماذا أنت بفاعل بعد ذلك دون أي أموال؟ إذا خرجتَ لكسب المال فسيتسبب ذلك في تأخيرات في أداء واجبك، أما إذا تركت وظيفتك لتؤدي واجبك فلن يكون مِن سبيل أمامك لحل صعوبات المنزل. ماذا عليك أن تفعل إذًا؟ يكافح كثير من الناس مع مثل هذه الأشياء وهي تربكهم، ولذلك فإنهم جميعًا يتوقون إلى مجيء يوم الله، ويتساءلون عن الموعد الذي ستحل فيه الكوارث الكبرى، وعما إذا كانوا بحاجة إلى تخزين الطعام. إذا استعدوا، فلن يكون لديهم في المنزل مال احتياطي وستصير الحياة صعبة جدًا. إنهم يَرون أناسًا آخرين يرتدون لباسًا أفضل ويأكلون طعامًا أفضل، فيشعرون أنهم غير سعداء وأن حياتهم شاقة جدًا. إنهم يقضون فترة طويلة دون تناول اللحوم، وإذا كان لديهم بعض البيض فهم يشعرون أنهم عازفون عن أكله، ويسارعون إلى السوق لبيعه وكسب بضعة دولارات. وبينما يفكرون في كل هذه الصعوبات، يبدؤون في الشعور بالهمِّ: "متى تنتهي هذه الأيام الصعبة؟ يقولون دائمًا: «يوم الله آتٍ، يوم الله آتٍ»، و«سينتهي عمل الله قريبًا»، لكن متى سيخبرني أي أحد متى سيحدث هذا بالفعل؟ من بوسعه قول هذا على وجه اليقين؟" بعض الناس يقضون سنوات في أداء واجبهم بمنأى عن الوطن، ومن وقت لآخر يفكرون: "ليست لديَّ أي فكرة عن مدى كِبَر أطفالي الآن، أو عما إذا كان والداي بصحة جيدة. لقد ظللتُ بعيدًا عن المنزل طيلة هذه السنوات ولم أعتنِ بهما. ألديهما أي صعوبات؟ ماذا سيفعلان إذا مَرِضا؟ هل سيعتني أحدٌ بهما؟ لا بد أن يكون والداي في الثمانينيات أو التسعينيات من عمرهما الآن، وليست لدي أي فكرة حتى عما إذا كانا لا يزالان على قيد الحياة". عندما يفكرون في هذه الأمور، ينشأ في قلوبهم قلق لا اسم له. وإلى جانب الشعور بالقلق سيشعرون بالهمِّ، لكن الهمَّ لا يحلُّ أي شيء أبدًا، ومن ثمَّ يبدؤون في الشعور بالضيق. عندما يشعرون بضيق شديد، يتحول انتباههم إلى عمل الله ويوم الله، ويتساءلون: "لماذا لم يأتِ يوم الله بعد؟ هل سنعيش دائمًا حياة من التيه والعزلة هكذا؟ متى سيأتي يوم الله؟ متى سينتهي عمل الله؟ متى سيدِّمر الله هذا العالَم؟ متى سيَظهَر ملكوت الله على الأرض؟ متى سنرى شخص الله يَظهَر؟" إنهم يفكرون بشأن هذه الأشياء مرارًا وتكرارًا، وتتصاعد المشاعر السلبية من الهمِّ والقلق والضيق إلى قلوبهم، وتظهر عليهم في الحال تعبيرات الهمِّ، ولا يعودون يشعرون بأي فرح، ويسيرون بفتور همة، ويأكلون دون شهية، وتكون أذهانهم في دوامة في كل يوم يقضونه. أهو شيء جيد أنْ نحيا في مثل هذه المشاعر السلبية؟ (كلا). حتى صعوبة ضئيلة في الحياة يمكنها أن تدفع الناس للسقوط أحيانًا في هذه المشاعر السلبية المتمثلة في الحالة السلبية، وأحيانًا تتسلل هذه المشاعر السلبية إلى قلوبهم دون دراية منهم، وحتى دون أي سبب على الإطلاق، أو دون أي سياق معيَّن، أو دون أن يقول أي شخص معيَّن أي شيء خاص. عندما تتدفَّق هذه المشاعر السلبية إلى قلوب الناس، فإن أمنيات الناس المتمثلة في التوق إلى مجيء يوم الله، وإلى انتهاء عمله، وإلى مجيء ملكوته، تصير أكثر إلحاحًا. حتى إنَّ بعض الناس يَجثُون بحرارة ويصلُّون إلى الله بدموع منهمرة قائلين: "يا الله، أكره هذا العالم، وأكره هذه البشرية. أرجوك أن تنهي كل هذا في أسرع وقت ممكن، وأن تنهي حياة الناس الجسدية، وأن تنهي هذه الصعوبات جميعًا". إنهم يصلُّون هكذا مرات كثيرة دون نتيجة، ولا تزال المشاعر السلبية من الهم والقلق الضيق محيطة بقلوبهم، وتظل في أفكارهم وأعماق أرواحهم، مؤثِّرةً فيهم بعمق ومكتنفة لهم. والواقع أنه ما مِن سبب لحدوث هذا سوى أنهم يشتاقون إلى مجيء يوم الله قريبًا، وإلى أنْ ينتهي عمل الله عاجلًا، وإلى أنْ ينالوا البركات بأسرع ما يمكن، وأن تكون لهم غاية جيدة، وأن يدخلوا السماء أو الملكوت الذي يتخيلونه ويتوقون إليه في مفاهيمهم الخاصة؛ وهذا هو السبب في أنهم دائمًا ما يهتاجون في أعمق أعماق قلوبهم بشأن هذه الأمور. يُبدون في الظاهر أنهم مهتاجون، لكنهم في الواقع يشعرون بالضيق والقلق والهم. عندما تحيط مثل هذه المشاعر من الضيق والقلق والهم بالناس باستمرار، فثمة فكرة نشطة تخطر لهم، إذ يفكِّرون: "إذا كان يوم الله لن يأتي قريبًا، ولن يكتمل عمل الله في أسرع وقت ممكن، فعليَّ الاستفادة بشبابي وقدرتي على العمل الشاق. أريد أن أعمل وأكسب المال؛ أعمل بجدٍ في العالَم لفترة وأستمتع بالحياة. إذا كان يوم الله لن يأتي قريبًا، فأنا أريد العودة إلى بيتي وأن يجتمع شملي بعائلتي، وإيجاد شريك، والعيش جيدًا لفترة من الوقت، ومساندة والديَّ، وتربية أطفالي. عندما أكبُر، سيكون لديَّ الكثير من الأطفال وسيعيشون معي، وسنستمتع بالحياة العائلية؛ يا له من مشهد رائع! يا لها من صورة حلوة!" وبالتفكير على هذا النحو، يتطلعون إلى الاستمتاع ذلك النوع من الحياة. متى ما ظنَّ الناس أنَّ يوم الله سيأتي قريبًا وأنَّ عمل الله سينتهي قريبًا، تشتعل رغباتهم بقوة أكبر، ويزداد اشتداد توقهم إلى انتهاء عمل الله في أقرب وقت ممكن. في مثل هذا الوضع، عندما لا توافق الحقائق ما يتمناه الناس، وعندما لا يتمكن الناس من رؤية أي مؤشر على انتهاء عمل الله أو مجيء يوم الله، فإنَّ مشاعر الضيق والقلق والهم لديهم تزداد حدة أكثر فأكثر. إنهم يشعرون بالهمِّ من أنهم، في غضون سنوات قليلة، سيكونون قد تقدموا في السن وهم لم يجدوا شريكًا يعتني بهم في شيخوختهم. إنهم يشعرون بالهمِّ مما إذا كان بوسعهم الاندماج مرة أخرى في المجتمع عندما يعودون إلى الوطن للعيش فيه، إذا كانوا يؤدون واجبهم باستمرار في بيت الله وقطعوا بالفعل كل علاقاتهم مع المجتمع. إنهم يشعرون بالهمَّ مما إذا كانوا سيتمكنون من مواكبة العصر، وما إذا كانوا سيتمكنون من التميُّز بين الآخرين، وما إذا كانوا سيتمكنون من البقاء إذا هم عادوا إلى أعمالهم التجارية في غضون بضع سنوات أو عادوا إلى العمل. كلما زاد قلقهم حيال مثل هذه الأمور، وكلما زاد شعورهم بالقلق والضيق تجاهها، صاروا غير قادرين على أداء واجبهم بهدوء واتباع الله في بيت الله. وبالتالي فإنهم يشعرون بالهمِّ حيال مستقبلهم وآفاقهم وحياتهم العائلية أكثر فأكثر، إضافةً إلى الشعور بالهمِّ بشأن جميع الصعوبات التي قد تنشأ في الحياة في المستقبل. إنهم يفكرون في كل ما يمكنهم التفكير به، ويشعرون بالهمِّ حيال كل ما يسعهم الشعور بالهمِّ حياله؛ حتى إنهم يشعرون بالهمِّ حيال أحفادهم وبشأن كيف ستكون الحياة لنسل أحفادهم. تبلغ أفكارهم حدودًا بعيدة، وهي أفكار شاملة للغاية، وهم يفكرون في كل شيء مليًّا. عندما يشعر الناس بهذه الهموم والقلق ومشاعر الضيق، فإنهم يصبحون غير قادرين على أداء واجباتهم بهدوء، ولا يمكنهم ببساطة اتباع الله، بل غالبًا ما تكون لديهم، عوضًا عن ذلك، أفكار نشطة ويتأرجحون بين نقيضين. عندما يرون أن عمل الإنجيل يسير جيدًا جدًّا، يفكرون: "سيأتي يوم الله قريبًا. عليَّ تأدية واجبي جيدًا، نعم! هيا! يجب أن أواصل لبضع سنوات أخرى، ولم يعد الطريق طويلًا الآن. الأمر يستحق كلَّ هذه المعاناة، وهي ستؤتي ثمارها، ولن تعود لدي بعدئذٍ أي هموم!" على الرغم من ذلك، فبعد بضع سنوات، لا تكون الكوارث الكبرى قد حلت بعد، ولا أحد يذكُر يوم الله، فتفتُر قلوبهم. هذا الضيق والقلق والهمُّ، وكذلك أفكارهم النشطة، تظل تأتي وتروح وتتكرر مرارًا وتكرارًا بهذه الطريقة، سائرةً في دوائر مفرغة حسب الوضع الدولي والوضع في بيت الله، وليس ثمة شيء يسعهم عمله للسيطرة عليها؛ فهم غير قادرين على تغيير الحالة التي هم فيها مهما يقل أي شخص. هل مِثل هؤلاء الناس موجودون؟ (نعم). هل من اليسير على أشخاص مثلهم أن يتمسكوا؟ (لا). إنَّ موقفهم في أداء واجباتهم ومزاجهم، ومقدار الطاقة التي يضعونها في واجباتهم، كلها تتوقف على "آخر الأخبار". يقول بعض الناس: "حسب الأخبار الموثوقة، ينتشر إنجيل الله على نحو رائع!" ويقول آخرون: "آخر الأخبار هي أن الكوارث تحدث الآن في جميع أنحاء العالم على نحو شديد التكرار، ويبدو أن وضع العالَم والكوارث قد تمَّمت الآن كارثة كذا وكذا في "سِفر الرؤيا". سيكتمل عمل الله قريبًا، وسيأتي يوم الله عما قريب، والعالم الديني كله في حالة من الضجة!" متى ما سمعوا "آخر الأخبار" أو "الأخبار الموثوقة"، يتوقف ضيقهم وقلقهم وهمُّهم مؤقتًا ولا يعود يزعجهم، ويتخلون عن أفكارهم النشطة لبعض الوقت. لكن عندما لا يَسمعون أي "أخبار موثوقة" أو أي "أخبار دقيقة" مؤخرًا، فإنَّ ضيقهم وقلقهم وهمُّهم وكذلك أفكارهم النشطة، تبدأ في التدفق؛ حتى إنَّ بعض الأشخاص يستعدون بالتفكير إلى أي الأماكن التي سيتقدمون للحصول على وظيفة، وعدد الأطفال الذين سينجبونهم، وإلى أي المدارس سيذهب أطفالهم في غضون سنوات قليلة، وكيفية الاستعداد لرسوم التعليم الجامعي، بل إنهم يخططون لشراء منزل أو أرض أو سيارة. على الرغم من ذلك، فعند سماع "أخبار موثوقة"، تُعلَّق هذه الأمور مؤقتًا. ألا يبدو هذا وكأنه مزحة؟ (بلى). إنهم يؤمنون بالله لكنهم لا يثبِّتون قلوبهم على هذا، ويقولون إن الإيمان بالله هو السبيل القويم في الحياة، وإنها الحياة الأكثر معنى، وإن العيش بهذه الطريقة له القيمة الأكبر؛ مهما كانت الطريقة التي يقودهم بها الله أو ما يفعله، فإنهم على يقين من أن كل ما يفعله الله هو لخلاص الناس، ولذلك سيتبعون الله حتى النهاية. سواء كان الأمر سيستغرق حتى تهرَم السماء والأرض، وحتى تغيِّر النجوم مواقعها، وسواء كان سيستغرق حتى تجفَّ البحار، وتتحوَّل الصخور إلى تراب، أو تصير البحار يابسة وتصبح اليابسة بحارًا، فإنَّ قلوبهم تظل كما هي، والأمر مستقر. سوف تُعطى قلوبهم لله لبقية حياتهم، وإذا كانت ثمة حياة أخرى بعد هذه الحياة، فسيظلون يتبعون الله. لكن هؤلاء الأناس الذين لديهم الكثير من الصعوبات في حياتهم، لا يفكرون هكذا. إن إيمانهم بالله يتضمن المراقبة على مدار الوقت الحاضر، وهم يعيشون حياتهم بأي طريقة كانت يعتقدون أنَّه يتعين عليهم العيش بها. لن يغيِّروا الطرق والسبل التي يعيشون فيها، ولن يغيِّروا رغباتهم أو خططهم لمجرد أنهم يؤمنون بالله ويتبعون مسار الإيمان بالله. مهما كانت خططهم في البداية، فإنهم لا يغيِّرونها لمجرد أنهم يؤمنون بالله، ولا يغيِّرون شيئًا على الإطلاق، ويَسعون للعيش بطريقة غير المؤمنين، أيًا كانت. ورغم ذلك، فإن الإيمان بالله ينطوي على شيء خاص واحد، وهو أن يوم الله آتٍ عن قريب، وملكوت الله آت عن قريب، وستحلُّ الكوارث الكبرى. بوسع أولئك الذين يؤمنون بالله الهروب حينئذٍ من الكوارث، ولن يقعوا فيها، ويمكن أن يُخلَّصوا؛ بسبب هذا الشيء الخاص وحده يهتمون أشدَّ الاهتمام بالإيمان بالله. لذا فإن غرضهم وما يركزون عليه في إيمانهم بالله، هو هذا الشيء وحده فقط. مهما كان عدد العظات التي يستمعون إليها، أو عدد الحقائق التي يسمعون شركة الناس عنها، أو مدة إيمانهم بالله، فإن طريقة إيمانهم بالله لا تتغيَّر أبدًا، وهم لا يتركونها أبدًا. إنهم لا يتغيَّرون ولا يتخلون عن آرائهم الخاطئة حول الإيمان بالله، لا بسبب المواعظ التي يستمعون إليها ولا الحقائق التي يفهمونها. وهكذا، سواء كان هناك بعض التغيير في وضع العالَم الخارجي أو بيت الله، أو كانت هناك بعض الأقوال عن ذلك، فدائمًا ما يكون لهذا تأثير في هذا الشيء الذي هو أكثر ما يهتمون به في أعمق أعماق قلوبهم. سيشعرون بسعادة غامرة إذا سمعوا أنَّ عمل الله سيكتمل قريبًا، لكن إذا سمعوا أن الوقت لا يزال مبكرًا على اكتمال عمل الله، ولا يمكنهم المواصلة، فإن ضيقهم وقلقهم وهمهم سيتزايد يومًا بعد يوم، وسيبدؤون في الاستعداد لأخذ إجازتهم من بيت الله، ومن وإخوتهم وأخواتهم في أي وقت، لينفصلوا عن بيت الله انفصالًا كاملًا. يوجد أيضًا بالطبع، أولئك الذين يقومون في أي وقت بالبدء في الاستعداد لمحو سائر تفاصيل الاتصال بإخوتهم وأخواتهم وجميع رسائلهم تمامًا، وإعادة كُتب كلام الله – التي أرسلها لهم بيت الله – إلى الكنيسة. إنهم يفكرون: "لا يمكنني حقًّا مواصلة اتباع مسار الإيمان بالله هذا والسعي إلى الحق. كنت أظنَّ أن الإيمان بالله يعني أنني سأحيا حياة سعيدة وأنجب أطفالًا وأنال بركات وأدخل ملكوت السموات. والآن قد تحطَّم هذا الحلم الجميل، لذلك سأظل أختار أن أعيش حياة سعيدة وأنجب أطفالًا وأستمتع بالحياة، لكني ما زلت لا أستطيع التخلي عن إيماني بالله. إذا كانت ثمة فرصة لأنال مئة ضعف في هذه الحياة وفي الحياة الأبدية في الحياة الآتية، ألن يكون ذلك أفضل؟" هذا رأيهم بشأن الإيمان بالله، وهذه خطتهم، وهذا ما يفعلونه أيضًا بالطبع. هذا هو التفكير والتخطيط في أعمق أعماق قلوب أولئك الذين يستندون إلى تصوراتهم في إيمانهم بالله، والذين دائمًا ما يشعرون بالضيق والقلق والهم حيال حياتهم الجسدية، وهو يمثل ما يسعون إليه والسبيل الذي يتبعونه في إيمانهم بالله. ما أكثر ما هم مهووسون به؟ أكثر ما هم مهووسون به هو موعد مجيء يوم الله، وموعد انتهاء عمل الله، وموعد وقوع الكوارث الكبرى، وما إذا كان سيمكنهم الهرب من الكوارث الكبرى أم لا؛ هذا هو أكثر ما هم مهوسون به.
بالنسبة إلى أولئك الذين يشعرون دائمًا بالضيق والقلق والهم حيال حياتهم الجسدية، فإن سعيهم في إيمانهم بالله هو "أن ينالوا مئة ضعف في هذه الحياة وفي الحياة الأبدية في الحياة الآتية". ورغم ذلك، فهم لا يحبون أن يسمعوا عن مدى تقدُّم عمل الله، وعما إذا كان أولئك الذين يؤمنون بالله يحققون نتيجة نيل الخلاص، وكم من الناس قد ربحوا الحق، وأصبحوا يعرِفون الله، وقدموا شهادة حسنة، كما لو كانت هذه الأشياء لا شأن لها بهم. ما الذي يبغون سماعه إذًا؟ (موعد وصول عمل الله إلى نهايته). لديهم آمال أعظم، أليس كذلك؟ معظم الناس محدودو التفكير للغاية. انظروا إلى ما يضعونه نُصب أعينهم، وهم لا يأملون إلا في أشياء عظيمة؛ يا لها من حالة سامية تلك التي هم فيها! معظم الناس مبتذَلون للغاية فحسب، يتحدثون دائمًا عن التغييرات في الشخصية، ويَخضعون لله، ويؤدون واجبهم بأمانة، ويفعلون الأشياء وفقًا لمبادئ الحق؛ ما هؤلاء الناس؟ إنهم محدودو التفكير للغاية! ماذا يسميهم الشعب الصيني؟ إنهم وضعاء جدًّا. ما معنى وضعاء؟ يعني أنهم مبتذلون للغاية. وأين يضَع هؤلاء الناس نُصب أعينهم؟ إنهم يأملون في أشياء عظيمة، وأشياء سامية، وأشياء راقية. أولئك الذين يأملون في أشياء راقية دائمًا ما يريدون التقدم إلى الأمام، ولا يزالون يأملون عبثًا أن الله سيرفعهم ذات يوم إلى الهواء للقائه. أنت تريد لقاء الله لكنك لا تسأل عما إذا كان الله يرغب لقاءك أم لا؛ إنك تستمر فحسب في الرغبة بهذه الأشياء الرائعة! هل التقيتَ الله مرات قليلة فحسب؟ الناس لا يعرفون الله، لذا حتى عندما تلقاه ستظل متحديًا له. فما سبب ضيق هؤلاء الناس وقلقهم وهمهم؟ هل كل هذا حقًّا بسبب الصعوبات في حياتهم؟ لا، ليس السبب أنهم يواجهون فعلًا صعوبات في حياتهم، إنما أنهم وضعوا محور تركيز إيمانهم بالله على حياتهم الجسدية. ليس الحق محورَ تركيز سعيهم، إنما هو عيش حياة سعيدة والاستمتاع بالحياة الجيدة والاستمتاع بمستقبل حسن. هل مشكلات هؤلاء الناس يسير علاجها؟ هل يوجد مثل هؤلاء الناس في الكنيسة؟ إنهم يسألون الآخرين دائمًا: "أواه، متى سيأتي يوم الله؟ ألم يُقل قبل نحو سنتين إنَّ عمل الله على وشك الانتهاء؟ فلماذا لم ينتهِ بعد؟" هل ثمة طريقة للتعامل مع مثل هؤلاء الناس؟ فقط قل لهم كلمة واحدة وأخبرهم: "قريبًا!" عندما يتعلق الأمر بأناس مثل هؤلاء، اسألهم أولًا: "أنت دائمًا ما تسأل عن هذا. فهل وضعتَ بعض الخطط؟ إذا كان الأمر كذلك، فلا تزعج نفسك بالبقاء هنا بينما أنت لا ترغب ذلك. افعل ما تشاء فحسب. لا تتصرف ضد رغباتك، ولا تصعِّب الحياة على نفسك. بيت الله لا يبقيكَ هنا، ولا يبقيك محاصرًا هنا. يمكنك المغادرة وقتما شئتَ. لا تسأل دائمًا عما هو جديد في الكَرمة. بخصوص أي أخبار عن الكرمة سيقال لك فحسب "قريبًا!" إذا لم تكن راضيًا بتلك الإجابة، وإذا كنت قد وضعتَ في قلبك خططًا بالفعل وسوف تنفِّذها عاجلًا أم آجلًا على أي حال، فخذ بنصيحتي: أعِد كتب كلام الله التي لديك إلى الكنيسة بأسرع ما في الإمكان، واحزم أمتعتك وامضِ. سيودع كلٌّ منا الآخر، ولن يكون عليك الشعور بالضيق أو القلق أو الهم حيال هذه الأشياء مرة أخرى أبدًا. عُد إلى بيتك وعش حياتك. أتمنى لك الخير! أتمنى لك حياة سعيدة وراضية، وآمل أن تسير أمورك على ما يرام في المستقبل! ما رأيك بهذا؟ (إنه حسنٌ). انصحهم بمغادرة الكنيسة؛ لا تحاول إبقاءهم. لماذا لا تحاول إبقاءهم؟ (إنهم لا يؤمنون بالله حقًّا، فلا فائدة من إبقائهم). هذا صحيح؛ إنهم عديمو إيمان! ما الهدف من إبقاء عديمي إيمان وعدم طردهم؟ يقول بعض الناس: "لكنهم لم يفعلوا أي شيء شرير، ولم يعطلوا شيئًا". هل يتعين أن يعطِّلوا أي شيء؟ أخبرني، ألا يمثِّل بقاء شخص كهذا وسط مجموعة من الناس تعطيلًا؟ أينما ذهبوا، فإن سلوكهم وأفعالهم تشكل بالفعل تعطيلًا. إنهم لا ينفذون عبادات روحية أبدًا، ولا يقرؤون كلام الله أبدًا، ولا يصلُّون أبدًا أو يقدمون شركة في الاجتماعات، إنما يؤدون واجباتهم شكليًّا فقط، ودائمًا ما يسألون عن كل ما هو جديد. إنهم عاطفيون ومتقلبون على نحو استثنائي. كما أنهم يركزون استثنائيًا على الأكل والشرب والاستمتاع، بل إنَّ منهم بعض الكسالى، الذين ينغمسون في الطعام، والذين ينغمسون في النوم، والذين يعبثون، والموجودون في بيت الله كمالة عدد فحسب. إنهم لا يشغلون أنفسهم بأداء واجباتهم، وهم ليسوا سوى متسكعين. إنهم لا يأتون إلى بيت الله إلا من أجل البحث عن أشياء تنفعهم ويستفيدون منها. إذا لم يستطيعوا الاستفادة، فسوف يغادرون في لمح البصر. نظرًا لأنهم سيغادرون في لمح البصر، أليس من الأفضل لهم المغادرة عاجلًا وليس آجلًا؟ أناس مثل هؤلاء لا يمكنهم حتى العمل حتى النهاية، وعملهم ليس له أي تأثير حسن. إنهم لا يفعلون الأشياء الصحيحة عندما يعملون، فهم مجرد عديمي إيمان. وفي إيمانهم بالله، ينظرون إلى القضايا من منظور ثالث. إنهم يُسرُّون عندما يزدهر بيت الله، معتقدين أنَّ لديهم أمل في أن يُباركوا، وأن لهم الأفضلية، وأن إيمانهم بالله لم يكن بلا جدوى، وأنهم لم يخسروا، وأنهم راهنوا على الطرف الرابح. لكن إذا كان بيت الله تحت اضطهاد القوى الشيطانية، ومنبوذ من المجتمع، ويتعرَّض للافتراء والاضطهاد، وكان في ضائقة شديدة، فإنهم لن ينزعجوا فحسب، بل سيضحَكون من أيضًا. هل يمكننا إبقاء أناس كهؤلاء في الكنيسة؟ (كلا). إنهم عديمي إيمان وأعداء! إذا كان ثمة عدو إلى جوارك ومع ذلك تعدَّه أخًا أو أختًا، أفلا يجعلك هذا غبيًّا؟ إذا كان أناس كهؤلاء غير قادرين على العمل عن طيب خاطر، فلا بد من طردهم، أليس كذلك؟ (صحيح). صحيح بالتأكيد، افعل ذلك بسرعة وعلى نحو كامل. ليست ثمة حاجة لنصحهم، فقط اطلب منهم المغادرة بارتياح، ليست ثمة حاجة لتضييع طاقتك معهم، لا عليك سوى إرسالهم إلى المنزل. فهم ليسوا في الأساس أناسًا ينتمون إلى بيت الله، بل مجرد عديمي إيمان شقوا طريقهم إلى الكنيسة. يمكنهم العودة إلى المكان الذي أتوا منه فحسب، ويمكنك أن تطلب منهم المغادرة فحسب. إنَّ بعض الناس بعد أن يكونوا قد دخلوا إلى الكنيسة، يَفصِلون بوضوح بين أنفسهم وبين الإخوة والأخوات وبيت الله. هذا لأنهم يعرفون ما جاءوا من أجله، ويَعرفون ما إذا كانوا يؤمنون حقًّا أم لا، وبخلاف آمالهم فيما يتعلق بموعد انتهاء عمل الله وما إذا كان بإمكانهم نوال البركات، فليس ثمة عمل من أعمال بيت الله ولا أي من الحقائق التي يتطلب الله من الناس الدخول إليها لها أي علاقة بهم على الإطلاق؛ إنهم لا ينتبهون لمثل هذه الأشياء، ولا يقرؤون كتب كلام الله التي ترسلها الكنيسة إليهم لقراءتها، ويتركونها ملقاة لم تُفَض أغلفتها بعد. مثل هؤلاء الناس يقولون فحسب إنهم يؤمنون بالله؛ إنهم يبدون في الظاهر كأنهم يؤمنون مثلما يؤمن الآخرون، وهم يؤدون واجباتهم شكليًّا، لكنهم لا يقرؤون كلام الله أبدًا. إنهم لم يفتحوا ولو لمرة واحدة كتابًا لكلام الله، ولم يُقلِّبوا صفحة واحدة قَط؛ لم يقرؤوا أيًّا منه قَط. إنهم لا يشاهدون أبدًا مقاطع فيديو الشهادات الاختبارية، أو أفلام الإنجيل، أو الترانيم، أو غير ذلك من المواد التي يضعها بيت الله على الإنترنت. ماذا يشاهدون عادة؟ إنهم يشاهدون الأخبار والبرامج الرائجة ومقاطع الفيديو والكوميديا؛ فلا يشاهدون إلا ما هو عديم الجدوى. ما هؤلاء الناس؟ إنهم يزورون أحيانًا الكنيسة ليسألوا: "كم عدد البلدان التي انتشر فيها عمل الإنجيل الآن؟ كم عدد الناس الذين تحولوا إلى الله؟ كم دولة أُقيمَت فيها كنائس الآن؟ كم عدد الكنائس هناك؟ إلى أي مرحلة وصل عمل الله؟" إنهم يسألون دائمًا في أوقات فراغهم عن هذه الأشياء. أليس ثمة شك في أن هذا الشخص جاسوس؟ أخبرني، هل من المقبول الإبقاء على شخص مثل هذا؟ (كلا). إذا لم يغادروا الكنيسة من تلقاء أنفسهم، فعليكم طردهم فور اكتشافهم وتخليص الكنيسة من هذه الآفات، فلا جدوى من إبقائهم وسوف يسببون المتاعب. إذًا، فإن الأشياء التي يشعر هؤلاء الأشخاص حيالها بالضيق والقلق والهم لا علاقة لها بنا على الإطلاق. لا تهتموا بتقديم النُصح لهم، ولا فائدة من الشركة معهم عن الحق. تخلَّصوا منهم فحسب وانتهوا من الأمر، فهذه هي الطريقة الأفضل للتعامل مع أناس مثل هؤلاء.
إلى جانب عديمي الإيمان، يوجد أيضًا بين الإخوة والأخوات كبار سن تتراوح أعمارهم من ستين سنة إلى حوالي ثمانين أو تسعين سنة، والذين يختبرون أيضًا بعض الصعوبات بسبب سنهم المتقدمة. ورغم سنهم، فليس تفكيرهم بالضرورة قويمًا أو عقلانيًّا، كما أن أفكارهم ووجهات نظرهم لا تتوافق بالضرورة مع الحق. لدى كبار السن هؤلاء مشكلات على النحو نفسه تمامًا، ودائمًا ما يكونون مهمومين: "صحتي لم تعد على ما يرام والواجبات التي يمكنني أداؤها محدودة. فهل سيتذكرني الله إذا أديتُ هذا الواجب الضئيل فحسب؟ إنني أمرَض أحيانًا وأحتاج إلى مَن يعتني بي؛ وحينما لا يوجَد مَن يعتني بي أعجَز عن أداء واجبي، فماذا بوسعي أنْ أفعل؟ أنا عجوز ولا أتذكر كلام الله عندما أقرأه، وفهم الحق صعبٌ عليَّ. عند إقامة شركة عن الحق، أتكلم بطريقة مشوشة وغير منطقية، وليس لديَّ أي اختبارات تستحق المشاركة. أنا عجوز وليس لدي ما يكفي من الطاقة، ونظري ليس بخير حال ولم أعد قويًّا. كل شيء صعب عليَّ. ليس الأمر أنني لا أستطيع أداء واجبي فحسب، بل إنني أنسى الأشياء بسهولة وأخطئ في فهم الأمور. أحيانًا ما تختلط عليَّ الأمور وأتسبَّب في مشكلات للكنيسة ولإخوتي وأخواتي. أريد بلوغ الخلاص والسعي إلى الحق، لكن الأمر صعب جدًا. ماذا يمكنني أن أفعل؟" عندما يفكرون في هذه الأشياء، يبدؤون في الاضطراب، ويفكرون: "لماذا بدأتُ الإيمان بالله في هذا العمر فحسب؟ لماذا أنا لست مثل أولئك الذين هم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، أو حتى أولئك الذين هم في الأربعينيات والخمسينيات من العمر؟ لماذا لم أتعرَّف على عمل الله إلا الآن عندما صرت عجوزًا؟ ليس الأمر أن قدَري سيئ؛ فالآن على الأقل قد قابلتُ عملَ الله. إن قدَري جيد، وقد أحسنَ الله إليَّ! ثمة شيء واحد فحسب لست سعيدًا بشأنه، وهو أنني عجوز جدًا. ذاكرتي ليست بخير حال، وصحتي ليست على ما يرام، لكن لديَّ قوة داخلية لا تتزعزع. الأمر فحسب أن جسدي لا يطيعني، وأشعر بالنعاس بعد الاستماع لفترة في الاجتماعات. أحيانًا أغمض عينيَّ للصلاة فأنام، ويتشتت ذهني عندما أقرأ كلام الله. بعد القراءة لفترة قصيرة، أشعر بالنعاس وأغفو ولا تستقر الكلمات في ذهني. ماذا يمكنني أن أفعل؟ هل أنا لا أزال قادرًا على السعي إلى الحق وفهمه في ظل هذه الصعوبات العملية؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، وإذا كنت غير قادر على الممارسة بما يتماشى مع مبادئ الحق، أفلن يكون إيماني كله سُدى؟ ألن أفشل في بلوغ الخلاص؟ ماذا يمكنني أن أفعل؟ أنا مهموم للغاية! في هذه السن، لم يعد هناك ما يهم. الآن وقد صرت أومن بالله، لم يعد لديَّ أي هموم أخرى أو أي شيء أشعر بالقلق حياله، وقد كبر أبنائي ولم يعودوا بحاجة إلي لرعايتهم أو تربيتهم، وأعظم أمنياتي في الحياة هي السعي إلى الحق وأداء واجب كائن مخلوق، وفي نهاية المطاف بلوغ الخلاص في السنوات المتبقية لي. على الرغم من ذلك، فبالنظر الآن إلى وضعي الفعلي، وقد وهن نظري لتقدمي في السن وصرت مشوَّش الذهن ومعتل الصحة، وغير قادر على أداء واجبي جيدًا، وأحيانًا ما أخلق مشكلات عندما أحاول القيام بأقصى ما في وسعي، يبدو أنَّ بلوغ الخلاص لن يكون يسيرًا لي". إنهم يفكرون في هذه الأشياء مرارًا وتكرارًا ويغدون قلقين، ثم يفكرون: "يبدو كما لو أن حِسان الأمور لا تحدث إلا للشباب وليس للعجائز. يبدو كما لو أنني لن يمكنني الاستمتاع بالأشياء بعد الآن، مهما كانت حسنة". كلما فكروا في هذه الأمور أكثر، زاد اضطرابهم وقلقهم. هم ليسوا مهمومين بشأن أنفسهم فحسب، بل يشعرون أيضًا بالتأذي. إذا بكوا، فإنهم يشعرون أن الأمر لا يستحق البكاء عليه حقًّا، وإذا لم يبكوا، فإن ذلك الألم: ذلك التأذي، يكون معهم دائمًا. ماذا عليهم إذًا أن يفعلوا؟ على وجه الخصوص، ثمة بعض كبار السن الذين يرغبون في قضاء كل وقتهم في بذل أنفسهم من أجل الله وأداء واجبهم، لكنهم ليسوا على ما يرام جسديًّا. بعضهم لديه ارتفاع في ضغط الدم، وبعضهم لديه ارتفاع في سكر الدم، والبعض لديه مشكلات في الجهاز الهضمي، ولا يمكن لقوتهم البدنية مجاراة متطلبات واجبهم، ولذلك يضطربون. إنهم يَرون شبابًا بوسعهم الأكل والشرب والجري والقفز، فيشعرون بالحسد. كلما رأوا الشباب يفعلون مثل هذه الأشياء، يزيد شعورهم بالضيق، ويفكرون: "أريد القيام بواجبي جيدًا والسعي إلى الحق وفهمه، وأريد ممارسة الحق أيضًا، فلماذا هذا صعب للغاية؟ أنا عجوز جدًا وعديم الفائدة! ألا يريد الله كبار السن؟ هل كبار السن عديمو الفائدة حقًّا؟ ألا نستطيع بلوغ الخلاص؟" إنهم حزانى وغير قادرين على الشعور بالسعادة مهما كانت طريقة تفكيرهم في الأمر. إنهم لا يريدون تفويت مثل هذا الوقت الرائع وهذه الفرصة العظيمة، لكنهم غير قادرين على بذل أنفسهم وأداء واجبهم من كل قلوبهم ونفوسهم كما يفعل الشباب. يقَع كبار السن هؤلاء في أعماق الضيق والقلق والهم بسبب سنهم. في كل مرة يواجهون صعوبة أو انتكاسة أو مشقة أو عقبة، فإنهم يلقون باللائمة على سنهم، وهم حتى يكرهون أنفسهم ولا يُحبُّون أنفسهم. لكن ذلك بلا طائل على أية حال، وليس ثمة حل، وليس أمامهم أي طريق للمضي قُدمًا. أيمكن حقًّا ألا يكون لديهم أي طريق للمضي قُدمًا؟ هل ثمة أي حل؟ (ينبغي لكبار السن أيضًا أداء واجباتهم بقدر استطاعتهم). من المقبول أن يؤدي كبار السن واجباتهم قدر استطاعتهم، أليس كذلك؟ هل يمكن لكبار السن ألا يسعوا إلى الحق بعد الآن بسبب أعمارهم؟ أليسوا قادرين على فهم الحق؟ (بلى، قادرون). هل يمكن لكبار السن فهم الحق؟ يمكنهم فهم بعضه، وحتى الشباب أيضًا لا يمكنهم فهمه كله. دائمًا ما يكون لدى كبار السن فكرة خاطئة، إذ يعتقدون أنهم مشوشون، وأن ذاكرتهم سيئة، ولهذا لا يمكنهم فهم الحق. أهم محقون؟ (كلا). رغم أنَّ الشباب لديهم طاقة أكبر بكثير من كبار السن، وهم أقوى بدنيًا، فإن قدرتهم على الفهم والاستيعاب والمعرفة مماثلة تمامًا لقدرة كبار السن على ذلك في واقع الأمر. ألم يكن كبار السن أيضًا صغارًا ذات يوم؟ لم يولدوا كبارًا، والشباب جميعًا سيكبرون ذات يوم كذلك. يجب على كبار السن ألا يفكروا دائمًا في أنهم مختلفون عن الشباب لأنهم عجائز، وضعفاء جسديًّا، ومعتلون، ولديهم ذاكرة سيئة. ليس ثمة اختلاف في الواقع. ماذا أعني بقولي إنه ما من اختلاف؟ سواء كان الشخص عجوزًا أو شابًا، فإن شخصياته الفاسدة هي نفسها، ومواقفه ووجهات نظره حيال الأشياء كافة هي نفسها، ومنظوراته ووجهات نظره حيال الأشياء كافة هي نفسها. لذا، يجب على كبار السن ألا يعتقدوا أنهم نظرًا لكبر سنهم، وأنَّ رغباتهم المفرطة أقل مما لدى الشباب، ولأنهم قادرون على أن يكونوا مستقرين، فليست لديهم طموحات أو رغبات جامحة، وأن لديهم شخصيات فاسدة أقل؛ هذه فكرة خاطئة. يمكن للشباب التنافس على المنصب، أفلا يمكن لكبار السن التنافس على المنصب؟ يمكن للشباب أن يفعلوا أشياء تتعارض مع المبادئ ويتصرفوا تعسفيًّا، أفلا يمكن لكبار السن أن يفعلوا الشيء نفسه؟ (بلى، يمكنهم ذلك) يمكن للشباب أن يكونوا متعجرفين، أفلا يمكن لكبار السن أن يكونوا متعجرفين أيضًا؟ على الرغم من ذلك، عندما يكون كبار السن متعجرفين، لا يكونون عدوانيين جدًّا نظرًا لتقدمهم في السن، ولا تكون مثل تلك العجرفة بالمتعالية. تَظهر لدى الشباب مظاهر أكثر وضوحًا للعجرفة بسبب مرونة أطرافهم وعقولهم، بينما تَظهر عند كبار السن مظاهر أقل وضوحًا بسبب تصلُّب أطرافهم وجمود عقولهم. على الرغم من ذلك، فإن جوهر عجرفتهم وجوهر شخصياتهم الفاسدة هما الشي نفسه. مهما طالت المدة التي آمن فيها الشخص المسن بالله، أو كثُر عدد السنوات التي قضاها في أداء واجبه، فإنَّ شخصياته الفاسدة سوف تبقى ما لم يكن في سعيٍ إلى الحق. على سبيل المثال، بعض كبار السن الذين يعيشون بمفردهم لديهم عادات محددة للغاية: لقد حددوا أوقاتًا وترتيبات خاصة بهم لتناول الطعام والنوم والراحة، وهم غير راغبين في تعطيل ترتيب الأشياء في حياتهم. يبدو كبار السن هؤلاء أناسًا رائعين من الخارج، لكن لا تزال لديهم شخصيات فاسدة، وأنت تعرف هذا بعد تعامُل طويل المدى معهم. بعض كبار السن متقلبون ومتعجرفون بشكل مذهل؛ إذ لا بد أن يحصلوا قطعًا على ما يريدون تناوله، ولا يمكن لأحد أن يوقفهم عندما يريدون الذهاب إلى مكان ما لقضاء وقت الفراغ. عندما يعقدون العزم على فعل شيء ما، حتى فحول الخيل الجامحة لا تستطيع إثناءهم عن ذلك. لا يمكن لأحد تغييرهم، وهم متقلبون طوال حياتهم. مثل كبار السن العنيدين هؤلاء أكثر إزعاجًا من الشباب المنفلتين! لذلك، عندما يقول بعض الناس: "كبار السن ليسوا فاسدين بعمق فساد الشباب. لقد عاش كبار السن في زمن كان أكثر تحفظًا وانغلاقًا، ولهذا فإن هذا الجيل من كبار السن ليسوا فاسدين بعمق؛" فهل هذا القول صحيح؟ (لا). هذه مجرد مراوغة لمصلحتهم الشخصية. الشباب لا يحبون العمل مع الآخرين، أليس كبار السن أيضًا يمكن أن يكونوا مثلهم تمامًا؟ (يمكنهم ذلك) بعض كبار السن لديهم شخصيات فاسدة أخطر من تلك التي لدى الشباب، ودائمًا ما يتباهون بشيخوختهم ويفتخرون بما لديهم من سنوات التمرس، قائلين: "أنا متقدم في الأيام. كم عمرك؟ هل أنا الأكبر أم أنت؟ لن تحب سماع هذا، لكن لدي من الخبرات أكثر بكثير مما لديك، وعليك الاستماع لي. أنا صاحب خبرة ومعرفة. ماذا تفهمون أنتم أيها الصغار؟ لقد كنت أؤمن بالله حتى قبل أن تولد!" أليس هذا متعبًا بدرجة أكبر؟ (إنه كذلك). قد يصبح كبار السن متعبين بدرجة أكبر فور حصولهم على لقب "كبار السن". لذا، ليس الأمر أن كبار السن ليس لديهم ما يفعلونه، ولا أنهم غير قادرين على أداء واجباتهم، ناهيك عن أن يكونوا غير قادرين على السعي إلى الحق؛ فثمة أشياء كثيرة لديهم للقيام بها. إن مختلف الهرطقات والمغالطات التي تراكمت لديك خلال حياتك، إضافةً إلى مختلف الأفكار والمفاهيم التقليدية، والأشياء الجاهلة والعنيدة، والأشياء المحافظة، والأشياء غير العقلانية، والأشياء المشوَّهة التي تراكمت لديك، قد تكدَّست كلها في قلبك، وعليك قضاء وقت أطول مما يقضيه الشباب، من أجل إخراج هذه الأشياء وتشريحها وتمييزها. ليس الحال أنَّ ليس لديك ما تفعله، أو أنَّ عليك الشعور بالضيق والقلق والهم عندما لا تعرف تحديدًا ما ستفعله- ليست هذه مهمَّتك ولا مسؤوليتك. بادئ ذي بدء، ينبغي أن يكون لدى كبار السن العقلية الصحيحة. رغم أنك ربما تتقدم في العمر وأنك كبرت نسبيًّا من الناحية الجسديَّة، فينبغي أن يكون لديك عقلية شابة. على الرغم من أنك تتقدم في السن، وتفكيرك يتباطأ وذاكرتك ضعيفة، إذا كنت لا تزال قادرًا على معرفة نفسك، ولا تزال تفهم الكلمات التي أقولها، ولا تزال تفهم الحق، فهذا يثبت أنك لست عجوزًا وأن مستوى قدراتك ليس ناقصًا. إذا كان شخص ما في السبعينيات من عمره لكنه غير قادر على فهم الحق، فهذا يدل على أن قامته صغيرة جدًّا ولا ترقى إلى مستوى المهمة. لذلك، فإنَّ العمر غير ذي صلة عندما يتعلَّق الأمر بالحق؛ وعلاوةً على ذلك، فإنَّ العمر غير ذي صلة عندما يتعلق الأمر بالشخصيات الفاسدة. لقد كان الشيطان موجودًا منذ عشرات الآلاف من السنين، بل مئات الملايين من السنين، وهو لا يزال الشيطان، لكن لا يزال علينا إضافة صفة إسناد قبل كلمة "الشيطان"، وهي "الشيطان القديم"، مما يعني أنه شرٌ إلى أقصى درجة، أليس كذلك؟ (بلى). كيف ينبغي إذًا أن يمارس كبار السن؟ أحد الجوانب هو أنَّ عليك التمتع بعقلية الشباب نفسها، وأن تطلب الحقَّ وتعرِف نفسك؛ وحالما تعرف نفسك، يجب أن تتوب. جانب آخر هو أن عليك أن تطلب المبادئ في أداء واجبك وتمارس وفقًا لمبادئ الحق. لا ينبغي أن تعفي نفسك من السعي إلى الحق، قائلًا إنك عجوز، ومتقدم في الأيام، وإنك لا تملك الأفكار النشطة التي لدى الشباب، وإنك لا تملك الشخصيات الفاسدة التي لدى الشباب، وإنك اختبرت كل شيء في هذه الحياة، وربحت نظرة ثاقبة لكل ذلك، ومن ثمَّ ليس لديك طموحات جامحة أو رغبات. ما تعنيه فعلًا بقولك هذا هو: "شخصياتي الفاسدة ليست بتلك الخطورة، لذا فإن السعي إلى الحق لكم أنتم أيها الشباب. وليس لنا نحن كبار السن أي علاقة به. نحن كبار السن نقوم في بيت الله بأي عمل فحسب نقدر عليه ونبذل أي جهد، وسنكون قد قمنا بواجبنا جيدًا وسنخلَّص. أما بخصوص كشف الله عن شخصيات الناس الفاسدة، وشخصيات ضد المسيح، وجوهر ضد المسيح، فذلك ما ينبغي لكم أنتم أن تفهموه أيها الشباب. يمكنكم الاستماع إليه بعناية، ويكفي أننا نُحسِن ضيافتكم ونراقب المناطق المحيطة حفاظًا على سلامتكم. نحن كبار السن ليست لدينا طموحات جامحة. إننا نتقدم في السن، وأدمغتنا تستجيب ببطء، ولهذا فإنَّ جميع استجاباتنا إيجابية. قبل أن نموت، نصبح طيبي القلب. عندما يكبر الناس، يصبحون حسني السلوك، لذلك نحن أناس حسنو السلوك". ما يقصدونه حقًّا هو أنه ليست لديهم أي شخصيات فاسدة. متى قلنا من قبل إنَّ كبار السن ليس عليهم السعي إلى الحق أو إن السعي إلى الحق يختلف حسب عمرك؟ هل قلنا هذا من قبل؟ لا، لم نقل ذلك. في بيت الله وعندما يتعلق الأمر بالحق، هل كبار السن مجموعة خاصة؟ لا ليسوا كذلك. عندما يتعلق الأمر بالحق فالعمر غير ذي صلة، مثلما هو الحال عندما يتعلق الأمر بشخصياتك الفاسدة، أو عمق فسادك، أو ما إذا كنت مؤهلًا للسعي إلى الحق، أو ما إذا كان بإمكانك بلوغ الخلاص، أو ما احتمال أن تخلُص. أليس كذلك؟ (إنه كذلك). لقد عقدنا شركة حول الحق لسنوات كثيرة حتى الآن، لكننا لم نعقد قط شركة حول أنواع مختلفة من الحقائق حسب الأعمار المختلفة للناس. لم تُعقد قَط شركة عن الحق ولم تُكشف الشخصيات الفاسدة للشباب حصرًا أو لكبار السن، ولم يُقَل إنَّ شخصياتهم الفاسدة تتناقص وتتغير طبيعيًا، بسبب كبر سنهم، وتفكيرهم المتصلب، وعدم قدرتهم على قبول أشياء جديدة- هذه الأشياء لم تُقل قط. لم تُعقد قَط شركة حول حق واحد حسب أعمار الأشخاص على وجه التحديد مع استبعاد كبار السن. كبار السن ليسوا مجموعة خاصة في الكنيسة، أو في بيت الله، أو أمام الله، بل هم مثل أي فئة عمرية أخرى. ما من شيء خاص بشأنهم، كل ما في الأمر أنهم عاشوا لفترة أطول قليلًا من الآخرين، وأنهم وصلوا هذا العالم قَبل الآخرين ببضع سنوات، وأنَّ شعرهم أصبح أشيب بعض الشيء من شعر الآخرين، وأن أجسادهم قد شاخت في وقت سابق قليلًا عن الآخرين؛ وبخلاف هذه الأشياء، ليس ثمة اختلاف. ولهذا، إذا كان كبار السن دائمًا ما يفكرون: "أنا كبير السن، فهذا يعني أنني شخص حسن السلوك، وأنه ليست لدي شخصيات فاسدة، وليس لدي سوى قد ضئيل من الفساد"، أليس هذا فهمًا مغلوطًا؟ (إنه كذلك). أليست هذه وقاحة إلى حدٍ ما؟ بعض كبار السن هم أوغاد قدامى ماكرون ومخادعون إلى أقصى درجة. إنهم يقولون إنه ليست لديهم شخصيات فاسدة، وحتى إن شخصياتهم الفاسدة قد بَلَت، في حين أن تدفقات شخصياتهم الفاسدة ليست أقل في الواقع من تدفقات الشخصيات الفاسدة لدى الناس الآخرين. في الواقع، ثمة الكثير من الطرق التي يمكننا بها وصف الشخصية الفاسدة ونوعية الإنسانية لهذا النوع من الأشخاص المسنين. على سبيل المثال، "الأوغاد القدامى الماكرون" و"الزنجبيل الأقدم أزكى مذاقًا؛ والخبرة تهزم الشباب"؛ كلاهما يستخدم صفة "قديم"، أليس كذلك؟ (صحيح). ما الأوصاف الأخرى الموجودة التي تستخدم كلمة "قدامى"؟ (المتآمرون القدامى) نعم، ذلك مثال جيد، "المتآمرون القدامى". كما ترى، جميعها يستخدم صفة "قديم". ثم هناك "الشيطان القديم" و"الأبالسة القدامى"؛ النموذج الأمثل القدامى ماذا يعتقد الناس عندما يكونون جزءًا من مجموعة من كبار السن؟ إنهم يؤمنون: "شخصياتنا الفاسدة كلها قد بَلت. الشخصيات الفاسدة أمر يخصكم أنتم أيها الشباب. أنتم فاسدون بدرجة أعمق منا". أليس هذا تحريفًا متعمدًا؟ إنهم يريدون أن يرسموا صورة أنفسهم بطريقة حسنة وأن يتفاخروا بأنفسهم، لكن ليس ذلك هو الحال في الواقع، والأشياء ليست كذلك. "الأبالسة القدامى"، و"الشيطان القديم"، و"المتآمرون القدامى"، و"الأوغاد القدامى الماكرون"، و"تباهي المرء بسنه القديمة"؛ هذه الأوصاف التي تستخدِم صفة "قديم" ليست أشياء جيدة، ولا إيجابية.
إننا نعقد شركة بشأن هذا الآن لنحذر كبار السن وننصحهم ونرشدهم، وأيضًا لكي نعطي الشباب جرعة وقاية. ما المشكلة التي نقول هذه الأشياء في المقام الأول بغرض علاجها؟ الغرض هو علاج مشكلة ضيق كبار السن وقلقهم وهمهم، والتأكد من أنهم يفهمون أن مشاعر الضيق والقلق والهم هذه لا لزوم لها وغير ضرورية. إذا كنت راغبًا في أداء واجب وكنت مناسبًا لأداء واجب، فهل سيرفضك بيت الله؟ (كلا). سيمنحك بيت الله فرصة بالتأكيد لأداء واجب ما. من المؤكد أنه لن يقول: "لا يمكنك أداء واجب ما لأنك كبير في السن. اخرج. لن نمنحك فرصة". كلا، بيت الله يعمل جميع الناس بإنصاف. ما دمتَ مناسبًا لأداء واجب وليس من خطر خفي، فإن بيت الله سيمنحك الفرصة ويسمح لكم بأداء واجبٍ قدر طاقتك. إضافةً إلى ذلك، إذا كنت ترغب في معرفة نفسك والسعي إلى الحق، فهل سيسخر منك أي أحد ويقول: "هل عجوز مثلك مؤهل للسعي إلى الحق؟" هل سيسخر منك أي أحد؟ (كلا). هل سيقول أي أحد: "أنت كبير في السن ومرتبك. ما الفائدة من سعيك إلى الحق؟ لن يُخلِّص الله شخصًا في مثل سنك الكبيرة"؟ (كلا) لا، لن يفعل أحد ذلك. الجميع سيان أمام الحق، ويجري التعامل مع الجميع بإنصاف. كل ما في الأمر أنك قد لا تسعى إلى الحق، ودائمًا ما سيأتي الجندي العجوز، ويفكر دائمًا: "أنا مُسن ولا يمكنني أداء أي واجب". في الواقع، ثمة واجبات كثيرة يمكنك أداءها في نطاق قدرتك. إذا لم تؤدِ أي واجب بل تتباهى بكبر سنك وترغب في إلقاء المحاضرات على الآخرين، فمن سيود الاستماع إليك؟ لا أحد. إنك تقول دائمًا: "أواه، أنتم أيها الشباب لا تفهمون الأشياء!" و"أواه، أنتم أيها الشباب أنانيون فحسب!" و"أواه، أنتم أيها الشباب متعجرفون فحسب!" و"أواه، أنتم أيها الشباب كسالى فحسب. نحن كبار السن نعمل بجد، وفي أيامي كنا كذا وكذا". ما فائدة قول مثل هذه الأشياء؟ لا تستمر في الحديث عن تاريخك "الرائع"؛ لا أحد يريد سماعه. من غير المجدي الحديث عن تلك الأشياء العتيقة؛ إنها لا تمثل الحق. إذا كنت تريد التحدث عن شيء ما، فابذل بعض الجهد مع الحق، وافهم الحق أكثر قليلًا، واعرف نفسك، وانظر إلى نفسك بصفتك شخصًا عاديًّا آخر فحسب وليس بوصفك عضوًا في مجموعة خاصة على الآخرين احترامها وتبجيلها وتقديرها، بينما يحتشد أناس آخرون من حولك. هذه لرغبة مفرطة، وتفكير خاطئ. العمر ليس رمزًا لهويتك، لا يمثل الأهلية، ولا يمثل الأقدمية، ناهيك عن أنه لا يمثل أنك تملك الحق أو الإنسانية، والعمر لا يمكن أن يُضعِف شخصياتك الفاسدة. أنت إذًا مثل الآخرين تمامًا. لا تصنف نفسك دائمًا على أنك "مُسِن" لفصل نفسك عن الآخرين، وحتى لتمييز نفسك كقديس. هذا يظهر أنك لا تعرف نفسك إطلاقًا! في أثناء حياتهم، ينبغي لكبار السن الاجتهاد بدرجة أكبر في السعي إلى الحق، والسعي إلى دخول الحياة، والعمل بانسجام مع الإخوة والأخوات لأداء واجبهم؛ بهذه الطريقة وحدها يمكن لقامتهم النمو. على كبار السن ألا يفترضوا مطلقًا أقدميتهم على الآخرين وألا يتباهوا بكبر سنهم. من الممكن أن يكشف الشباب عن جميع أنواع الشخصيات الفاسدة، وكذلك أنت؛ من الممكن أن يرتكب الشباب جميع أنواع الحماقات، وكذلك أنت؛ لدى الشباب مفاهيم، وكذلك كبار السن؛ يمكن للشباب أن يكونوا متمردين، وكذلك كبار السن؛ يمكن للشباب الكشف عن شخصية ضد المسيح، وكذلك كبار السن؛ لدى الشباب طموحات جامحة ورغبات، وكذلك كبار السن دون أدنى فرق؛ من الممكن أن يتسبب الشباب في اضطرابات وإزعاجات وأن يُخرجوا من الكنيسة، وكذلك الأمر بالنسبة لكبار السن. لذلك، إلى جانب قدرتهم على أداء واجبهم جيدًا على أفضل نحو ممكن في حدود قدراتهم، ثمة العديد من الأشياء التي يمكنهم عملها. ما لم تكن غبيًّا وخرفًا ولا يمكنك فهم الحق، وما لم تكن غير قادر على الاعتناء بنفسك، فثمة أشياء كثيرة يجب عليك عملها. تمامًا مثل الشباب، يمكنك السعي إلى الحق، ويمكنك طلب الحق، وينبغي أن تأتي كثيرًا أمام الله للصلاة، ويمكنك أن تطلب مبادئ الحق، وأن تسعى جاهدًا لرؤية الناس والأشياء، وتتصرَّف وتفعل وفقًا لكلام الله كليًّا، بحيث يكون الحق معيارًا لك. هذا هو السبيل الذي ينبغي لك اتباعه، وينبغي ألا تشعر بالضيق أو القلق أو الهم بسبب تقدمك في السن أو إصابتك بكثير من الاعتلالات أو بسبب شيخوخة جسدك. ليس الشعور بالضيق والقلق والهم بالشيء الصحيح فعله- فهي مظاهر غير عقلانية. على كبار السن التخلي عن لقب "كبير"، والاندماج مع الشباب والجلوس معهم كأنداد. عليك ألا تتباهى بكبر سنك، معتقدًا على الدوام أنَّ لك فضيلة سامية جديرة بالاحترام، وأنك تستحق الاحترام، وأنك مؤهل للغاية، وأنك تستطيع إدارة الشباب، وأنك كبير السن ولك الأقدمية على الشباب، ولديك دائمًا الطموح للسيطرة على الشباب، ولديك دائمًا الرغبة في إدارة الشباب- هذه شخصية فاسدة كليًا. بما أن كبار السن لديهم شخصيات فاسدة، تمامًا مثل الشباب، وغالبًا ما يكشفون عن شخصياتهم الفاسدة في الحياة وعند أداء واجباتهم، تمامًا كما يفعل الشباب، فلماذا لا يفعل كبار السن ما هو لائق، وعوضًا عن ذلك يَشعرون دائمًا بالضيق والقلق والهم حيال كِبر سنهم وما يحدث لهم بعد الموت؟ لماذا لا يؤدون واجباتهم كما يفعل الشباب؟ لماذا لا يسعون إلى الحق كما يفعل الشباب؟ لقد أتيحت لك هذه الفرصة، لذا إذا لم تغتنمها، وصرتَ كبير السن لدرجة ألا يمكنك أن تسمع أو ترى أو تعتني بنفسك، فسوف تندم عليها، وسوف تمضي حياتك بهذه الطريقة. هل تفهم؟ (نعم).
هل عولِجَت الآن مشكلة المشاعر السلبية لكبار السن؟ هل ستتباهون بكبر سنكم عندما تتقدمون في السن؟ هل ستصبحون الأوغاد القدامى الماكرون والمتآمرون القدامى؟ عندما ترون شخصًا كبير السن، هل ستنادونه بـ "الأخ الكبير" أو "الأخت الكبيرة"؟ لديهم أسماء لكنكم لا تدعونهم بها، بل تضيفون كلمة "كبير". إذا كنت دائمًا ما تضيف كلمة "كبير" عند التحدث إلى كبار السن، ألن يضرهم ذلك؟ إنهم يعتقدون بالفعل أنهم كبار في السن ولديهم بعض المشاعر السلبية، لذلك إذا كنت تدعوهم بكلمة "كبير"، فهذا كما لو كنت تقول للواحد منهم: "أنت كبير في السن، أكبر مني سنًّا، ولم تعُد لك أي فائدة" هل سيشعر بالراحة عندما يسمعك تقول هذا؟ بالتأكيد سيشعر بالتعاسة. ألن يتأذى إذا خاطبته على هذا النحو؟ سيُسَر بعض كبار السن عندما يسمعونك تخاطبهم هكذا، وسيفكرون: "انظر، لدي فضيلة سامية تستحق الاحترام وسمعة قيَّمة. عندما يراني الإخوة والأخوات، لا يدعونني باسمي. في بيت الله، لا يدعو الناس كبار السن عمًّا، أو جدًّا، أو جدة. بدلًا من ذلك، عندما يخاطبني الإخوة والأخوات، يضيفون كلمة "كبير"، ويطلقون عليَّ "الأخ الكبير" (أو "الأخت الكبيرة"). انظروا كم أنا مُكرَّم، وانظروا كم أنا محتَرَم أمام الآخرين. بيت الله صالح، والناس يحترمون الكبار ويهتمون بالصغار!" هل تستحق الاحترام؟ ما الاستنارة التي قدمتها لإخوتك وأخواتك؟ ما المنفعة التي جلبتها لهم؟ ما مساهمتك إلى بيت الله؟ ما مقدار الحق الذي تفهمه؟ ما مقدار الحق الذي تطبقه؟ أنت تعتقد أنك ذو فضيلة سامية تستحق الاحترام لكنك لم تقدم أي مساهمة على الإطلاق، فهل تستحق أن يطلق عليك إخوتك وأخواتك لقب "الأخ الكبير" أو "الأخت الكبيرة"؟ بالطبع لا! إنك لتتباهى بكبر سنك ودائمًا ما تريد أن يحترمك الآخرون! هل من الجيد أن تُخاطَب بلقب "الأخ الكبير" أو "الأخت الكبيرة"؟ (كلا) لا، ليس جيدًا، لكني أسمع ذلك كثيرًا. إنه أمر شديد السوء، ومع ذلك لا يزال الناس في كثير من الأحيان يخاطبون كبار السن بهذه الطريقة. أي مناخ يخلقه هذا؟ إنه أمر مثير للاشمئزاز، أليس كذلك؟ كلما خاطبتَ المسنين بـ "الأخ الكبير" أو "الأخت الكبيرة"، زاد اعتقادهم بأنهم مؤهلون، وأنهم يتمتع بفضيلة سامية تستحق الاحترام؛ وكلما خاطبتهم بلقب "الكبير فلان"، زاد اعتقادهم بأنهم متميزون وأكثر أهمية من الآخرين وأفضل منهم، وتميل قلوبهم لقيادة الآخرين، وابتعدوا أكثر عن السعي إلى الحق. إنهم دائمًا ما يريدون قيادة الآخرين وإدارة الآخرين، ويعتبرون أنفسهم دائمًا أفضل من الآخرين، ويجدون الآخرين دائمًا غير مقبولين، ويرون دائمًا المشكلات التي لدى الآخرين ولا يرون أيًّا منها في أنفسهم. أخبرني، هل لا يزال بوسع شخص كهذا أن يسعى إلى الحق؟ لا، لا يمكنه ذلك. لذا، فمخاطبة الناس بـ "الأخ الكبير" أو "الأخت الكبيرة" لا تنفعهم، وكل ما يمكن أن تفعله هو أذيتهم وضررهم. إذا دعوتهم ببساطة بأسمائهم وأسقطت لقب "كبير"، وإذا نظرت إليهم على النحو الصحيح، وعاملتهم كأنداد، فإن حالتهم وعقليتهم ستصبحان طبيعيتان، ولن يعودوا يفخرون بسنوات تمرسهم بينما ينظرون إلى الآخرين بازدراء. هكذا سيصبح من اليسير عليهم اعتبار أنفسهم متساوين مع الآخرين، وسيكونون قادرين على النظر إلى أنفسهم والآخرين على نحو صحيح، وقادرين على رؤية أنفسهم على أنهم مثل الآخرين تمامًا، مثل الأناس العاديين تمامًا، وليسوا أفضل من غيرهم من الناس إطلاقًا. بهذه الطريقة، ستصغر الصعوبات التي يواجهونها، ولن يختبروا المشاعر السلبية التي يمكن أن تنشأ بسبب كبر سنهم وعدم ربحهم للحق، وسيكون لديهم عندئذٍ أمل في السعي إلى الحق. عندما لا تنشأ هذه المشاعر السلبية، سينظرون إلى مشكلاتهم الخاصة، ولا سيما شخصياتهم الفاسدة، بالعقلية الصحيحة. ولهذا تأثير إيجابي ونافع في سعيهم إلى الحق، ومعرفتهم بالذات، وقدرتهم على اتباع طريق السعي إلى الحق. ألن تُعالج حينئذٍ مشكلات المشاعر السلبية لدى كبار السن؟ (سوف تُعالَج) سوف تُعالَج، ولن يكون ثمة المزيد من الصعوبات. ما هي إذًا العقلية التي على كبار السن تبنيها أولًا؟ عليهم تبني عقلية إيجابية؛ عليهم ألا يكونوا متعقلين فحسب، بل أن يكونوا سمحاء. عليهم ألا يثيروا ضجة بشأن الأشياء مع الشباب، بل أن يكونوا قدوة ويرشدوا الشباب، ولا يكونوا قساة جدًا عليهم. الشباب سريعو الغضب ويتكلمون بإلحاح، فلا تثر معهم ضجة بشأن الأشياء. إنهم صغار، وغير ناضجين، وعديمي الخبرة، وسوف تساعدهم بضع سنوات من التليين. هذا ما ينبغي أن تكون عليه الأمور، وعلى كبار السن أن يفهموا هذا. ما هي إذًا العقلية التي على كبار السن تبنيها والتي تكون في توافق مع الحق؟ عليهم بمعاملة الشباب بصورة صحيحة، وعليهم في الوقت نفسه، ألا يكونوا متغطرسين ومغترين بأنفسهم معتقدِّين أنهم يتمتعون بخبرة عظيمة وبصيرة. ينبغي عليهم اعتبار أنفسهم أشخاصًا عاديين مثل أي شخص آخر، وهذا هو الشيء الصحيح فعله. على كبار السن ألا يُلجَموا بعمرهم، ولا أن يتحولوا إلى أن تكون لديهم عقلية الشباب. فليس التحول إلى أن تكون لديك عقلية شاب أمرًا طبيعيًّا أيضًا، فلا يلجمك عمرك فحسب. لا تفكر دائمًا: "أواه، أنا كبير السن، لا يمكنني فعل هذا، لا يمكنني قول هذا، لا يمكنني عمل ذاك. لأنني كبير السن للغاية فعليَّ أن أفعل هذا، وعليَّ أن أفعل ذاك، لا بد أن أجلس بطريقة معينة وأقف بطريقة معينة، ولا بد حتى أن أتناول الطعام بصورة جيدة معينة، وكل ذلك لكي يراه الشباب فلا يزدرون كبار السن". هذه العقلية خاطئة، ومن خلال التفكير في هذا، يتحكم فيك نوع من التفكير الخاطئ ويقيدك، وأنت تصير مصطنعًا بعض الشيء ومزيفًا وكاذبًا. لا يلجمك عمرك، وكُن مثل أي شخص آخر، وافعل كل ما أنت قادر على عمله، وافعل ما يتعين عليك فعله. هكذا، ستكون لديك عقلية طبيعية. هل تفهم؟ (نعم). إذًا، عندما يتمتع شخص كبير السن بعقلية طبيعية، فإن مختلف المشاعر السلبية التي يمكن أن تنشأ لديه بسبب تقدمه في السن تختفي دون أن يكون على وعي بذلك؛ فلا يعود بإمكان هذه المشاعر السلبية أن تعرقلهم، ويختفي أيضًا الضرر الذي تسببه هذه المشاعر لهم، ومن ثم فإنَّ إنسانيتهم وعقلهم وضميرهم كلها تصير طبيعية نسبيًّا. وفي ظل فرضية وجود ضمير وعقلانية طبيعيين، تصبح نقطة انطلاق الناس صحيحة نسبيًّا للسعي إلى الحق، وأداء واجبهم، والانخراط في أي نشاط وأي عمل، والنتائج التي تتحقق هي أيضًا تكون صحيحة نسبيًّا. أولًا، لن يعود كبار السن ملجمون بأعمارهم، بل سيكونوا قادرين على اتخاذ تدابيرهم الخاصة بصورة موضوعية وعملية، وعمل ما يتعين عليهم عمله، وسيكونوا مثل الآخرين، ويؤدوا الواجب الذي يتعين عليهم تأديته على أفضل نحو ممكن في نطاق قدرتهم. ولا ينبغي للشباب أن يفكروا: "أنت كبير للغاية، أنت لا تفسح لي الطريق أبدًا، ولا تعتني بي. أنت كبير للغاية، ولا بد أن لديك خبرة، لكنك لا تقدم لي نصائح حول كيفية القيام بالأشياء وليس ثمة منفعة من الوجود معك. أنت كبير للغاية، فكيف أنك لا تعرف كيف تكون متفهمًا تجاه الشباب؟" هل هذا قول يصح؟ (كلا). من غير الملائم مطالبة كبار السن بهذه المطالب. ولذلك فإن جميع الناس متساوون أمام الحق. إذا كان كل تفكيرك عمليًّا وموضوعيًّا ودقيقًا وعقلانيًّا، فمن المؤكد أنه سيتوافق مع مبادئ الحق. إذا كنت غير متأثر بأي حالة موضوعية أو سبب أو بيئة أو حتى أي عامل على الإطلاق؛ وإذا كنت لا تفعل سوى ما ينبغي للناس فعله، وسوى ما يعلِّم الله الناس أن يفعلوه، فإن ما تفعله سيكون ملائمًا على وجه اليقين ومناسبًا وفي توافق مع الحق على نحو أساسي. لن تصير غارقًا في المشاعر السلبية من ضيق وقلق وهمٍّ بسبب كِبر سنك، وستُحل هذه المشكلة.
رائع، سأختتم شركة اليوم هنا. مع السلامة!
22 أكتوبر 2022