26. مطلوبة ولكنها بريئة
في أيار / مايو 2014، لفّق الحزب الشيوعي الصيني قضية زاهويان في شاندونغ لتوريط كنيسة الله القدير والافتراء عليها، وعلى الفور أطلق "حملة قمع المائة يوم" على صعيد البلاد لاعتقال أعضاء كنيسة الله القدير؛ حيث تم اعتقال العديد من الإخوة والأخوات. في ظرف شهرين فحسب، وذلك من سبتمبر لغاية نوفمبر، أُلقي القبض تباعًا على أكثر من 30 أخًا وأختًا في مقاطعتي. في ذلك الوقت، كنتُ مسؤولة عن العمل في عدة كنائس، وفي كل يوم، كنت أرتب لإخوتي وأخواتي المعرّضين للخطر - تحت أعين الشرطة اليقظة – لتغيير موقع الإقامة ولنقل الكتب عن الإيمان بالله. وفي كل لحظة، كنت معرضة لخطر الاعتقال. وفي إحدى الليالي، أخبرني أحد الإخوة – الذي كان معتقلاً وأُفرج عنه – أنه عندما حقق معه رجال الشرطة، ذكروا معلوماتي الشخصية، وحتى أَرَوه صورتي وسألوه إنْ كان يعرفني. وقال الأخ إنني كنت هدفًا رئيسيًا للاعتقال، ونصحني بالمغادرة بسرعة. فكرت في نفسي: "لقد تم اعتقال عدد كبير من الإخوة والأخوات، ولا يزال هناك كثير من العمل في أعقاب ذلك بحاجة إلى التعامل معه. وبالإضافة إلى ذلك، يشعر بعض الإخوة والأخوات بالضعف نتيجة حملة الاعتقالات والاضطهاد الكبرى التي ينفذها التنين العظيم الأحمر، وهم بحاجة إلى دعم ومساعدة. سوف أغادر بعد بضعة أيام". ولكن أخي ألح عليّ بإصرار: "من الأفضل أن تغادري هذه الليلة. لا تبقي هنا. توجد كاميرات في كل مكان على الطريق، وسيعثر عليك رجال الشرطة حالما يفحصون سجلات المراقبة". بمجرد أن سمعت ذلك، سيطر علي الرعب فجأة، وبدأ يدب فيّ الذعر؛ لذلك سارعت إلى وضع ترتيبات لبقية عمل الكنيسة وهربت إلى مقاطعة مجاورة.
قام أخ وأخت من كبار السن بتحمل مخاطر استقبالي. وبما أنه كانت هناك كاميرات في الخارج، لم أستطع الخروج، ولهذا اضطررت إلى المُكوث في بيتهما. كان ابنهما يعمل في مدرسة، وكانت الحكومة قد أصدرت تعميمًا يقول إن جميع الكادر التعليمي وأفراد عائلاتهم لا يمكنهم حمل معتقدات دينية، وإلّا فسيتم طردهم من وظائفهم؛ وبالتالي كان ابنهما خائفًا على مستقبله من أن يتأثر، وعارض إيمان والديه بالله. خشيت الأخت أن يراني ابنها في البيت فيبلغ عني الشرطة؛ ولذلك كان عليها أن ترتب لي أن أعيش في العلّيّة. في كل مرة كان يعود فيها ابن اختي، كان يعتريني توتر شديد. في إحدى المرات، صعد ابنها إلى الطابق العلوي ليُحضر شيئًا؛ فخشيت أن يكتشفني؛ ولذلك اختبأت وراء الباب ولم أجرؤ على الحركة. في تلك اللحظة صادف أن كان دخان الزيت يتصاعد من المدخنة، ولم أتمالك نفسي عن السعال، فسارعت إلى تغطية رأسي وفمي بلحاف، وتنفست بصعوبة بالغة. كان للأخت ولد آخر يعيش في الغرفة المجاورة، وكنت أستطيع سماع صوت تلفازه. ولذلك لكي أبقى مختبئة، لم أجرؤ على إشعال الأنوار في العلّيّة، وكنت عادةً أخفض صوتي إلى أدنى مستوى. كان الوقت هو فصل الشتاء، وكانت الغرفة باردة جدًا، ولكنني لم أجرؤ على الخروج إلى أشعة الشمس. وبعد فترة طويلة، بدأت أشعر بإحباط شديد، وتساءلت: "متى سأكون قادرة على التوقف عن العيش على هذا النحو؟ متى أستطيع العودة للانضمام إلى عائلتي، والخروج مع إخوتي وأخواتي لأداء واجبي؟" في ذلك الوقت، كنت كثيرًا ما أصلي لله طالبةً منه إرشادي وإنارتي كي أستطيع فهم مشيئته وأعرف كيف أجتاز هذه البيئة.
لاحقًا، قرأت مقطعًا من كلام الله، يقول: "ربما تتذكرون جميعكم هذه الكلمات: "لِأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا ٱلْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا". كلكم قد سمعتم هذه الكلمات من قبل، لكن أحدًا منكم لم يفهم معناها الحقيقي. أما اليوم فأنتم تدركون تمامًا أهميتها الحقيقية. هذه هي الكلمات التي سيحققها الله خلال الأيام الأخيرة، وستتحقق في أولئك الذين اضطُهِدوا بوحشية من قبل التنين العظيم الأحمر في الأرض التي يقطنها ملفوفًا. إنَّ التنين العظيم الأحمر يضطهِدُ اللهَ وهو عدوّه، ولذلك يتعرّضُ المؤمنون بالله في هذه الأرض إلى الإذلال والاضطهاد، وكنتيجة لذلك، تتحقق هذه الكلمات فيكم أيتها الجماعة من الناس. ولأنه يتم في أرضٍ تُعارضه، فإن عمل الله كله يواجه عقبات هائلة، كما أن تحقيق الكثير من كلماته يستغرق وقتًا، ومن ثمَّ تتم تنقية الناس كنتيجة لكلمات الله، وهذا أيضًا أحد جوانب المعاناة. إنه لأمرٌ شاقٌ للغاية أنْ يقوم الله بتنفيذ عمله في أرض التنين العظيم الأحمر، لكنه يُتَمِّمَ من خلال هذه المعاناة مرحلةً واحدةً من عمله ليُظهِرَ حكمته وأعماله العجيبة، وينتهزُ هذه الفرصة ليُكَمِّلَ هذه الجماعة من الناس" (من "هل عملُ الله بالبساطة التي يتصورها الإنسان؟" في "الكلمة يظهر في الجسد"). فهمت من كلمة الله أنه عندما يؤمن المرء بالله في البلاد التي يحكمها الحزب الشيوعي الصيني، فالاضطهاد حتمي، ولكن الله يستخدم مثل هذه البيئة ليُكَمِّلَ إيمان الناس. عدت بتفكيري إلى الفترة التي لم أكنْ فيها في مثل هذه البيئة، حيث كنت أعتقد أنني قادرة على تحمل المشقة وأن لديّ إيمانًا بالله. لكنني بمجرد أن تمت ملاحقتي إلى درجة أن أصبحت مشردة ومتخفية، وفقدت حريتي تمامًا، واضطررتُ للمعاناة حقًا، أضمرت الشكوى في قلبي، كان كل ما أردته هو الفرار. وكان من خلال ما كشفت عنه الوقائع أن أدركت أنني لا أتمتع بإيمان صادق بالله مطلقًا، ولا بالطاعة، وأن قامتي كانت صغيرة للغاية. فكرت كذلك كيف أنه خلال هذه الأشهر القليلة، أَقْدم الحزب الشيوعي الصيني بشكل محموم على نهب البيوت واعتقال الناس، ومصادرة أموال الكنيسة، ودفع العديد من الإخوة والأخوات إلى الهرب من بيوتهم، وقلب حياتهم تمامًا رأسًا على عقب، وتركهم حتى بدون بيت يعيشون فيه. لقد ارتكب الحزب الشيوعي الصيني الكثير من الشرور، باعتقاله الناس واضطهادهم. ألم تكن الغاية هي صرف الناس عن الله وجعلهم يخونون الله؟ إن ضعفتُ وانسحبت أو تذمرت في مثل هذه البيئة، سأسقط في حبائل الشيطان وأخسر شهادتي. بعد أن أدركت ذلك، خفّ شعوري بالألم والعذاب في فؤادي، وفكرت قائلة في نفسي: "مهما تكن المدة التي يتعين عليّ أن أمكثها هنا، أو مقدار المعاناة التي أتحملها، أريد أن أخضع لترتيبات الله".
بعد بضعة أشهر، بدا أن التحقيقات لم تعد مشددة جدًّا؛ لذلك ذهبت إلى مدينة أخرى لأداء واجبي. ولأضمن السلامة، قصرت شعري الطويل، وكنت أرتدي قبعة وكمامة ونظارات عندما كنت أخرج إلى الاجتماعات. وكنت أسلك شوارع ضيقة، وطرقًا ملتوية، محاولةً ألا ألفت الانتباه. كنت أرى أنني ما دمت حريصة، فما زال بإمكاني القيام بواجبي. فوجئت حين هُرع إليّ قائدي ذات ليلة، بعد بضعة أشهر، وقال: "نشرت الشرطة معلوماتك على شبكة الإنترنت، وهم يبحثون عنك. أُرسل إشعار "مطلوبة" إلى الهواتف المحمولة للسكان في المنطقة المركزية من مدينتنا وعدّة أحياء مجاورة، يطلب منهم إبلاغ الشرطة إن رأوكِ. ولقد اكتشف رجال الشرطة أن عمك كان يعظك بالإنجيل، واعتقلوه بالفعل هو وعمتك. وحفاظًا على سلامتك، لا يمكنك الخروج لأداء واجبك بعد الآن". في وقت لاحق، وردتني أخبار بأن رجال الشرطة عثروا على جدي البالغ من العمر 80 عامًا واستجوبوه حول مكان وجودي. وكانوا قد أغلقوا مركز عمي للعلاج الطبيعي. وفوق ذلك، كان رجال الشرطة يبحثون عن أمي وأختي؛ ولذلك لم تستطيعا الذهاب إلى البيت. عندما سمعت هذه الأخبار غضبت كثيرًا. كان إيماني بالله صحيحًا وحقيقيًا. لِمَ يا تُرَى يقمع الحزب الشيوعي الناس الذين يؤمنون بالله بهذه الوحشية البالغة؟ ولماذا لا يوجد عدل وحرية اعتقاد في الصين؟ كنت قد خططت في الأصل للعودة سرًّا ورؤية عائلتي، ولكنني لم أكن أتوقع أن اسمي وارد في قائمة المطلوبين، أو أنهم سيهددون ويخوّفون عائلتي. حتى على الرغم من أنني كان لديّ منزل، فإنني لم أستطع العودة، وقد وُرِّطَت عائلتي وتعرضت للاعتقال. تحققت الآن من أنني مطلوبة كمجرمة، وتساءلت ما الذي سيقوله أقربائي وأصدقائي عني. هل سيعتقدون أنني قد فعلت شيئًا سيّئًا؟ كيف يمكنني مواجهتهم في المستقبل؟ حينما فكرت بذلك لم يسعني أن أمنع دموعي من الانهمار. كلما فكرت بذلك، شعرت بمزيد من البؤس. أحسست بأنه من الصعب جدًا الإيمان بالله في الصين. صليت إلى الله في ألم قائلة: "إلهي! لا أعرف كيف أتغلّب على هذا. أرجوك أن تهبني الإيمان والقوة، وأرشدني لفهم مشيئتك". وبعد أن صليت، فكرت بترنيمة من كلام الله بعنوان: "الحياة ذات المعنى الأعظم" تقول: "أنت مخلوق وعليك أن تعبد الله وأن تنشد حياة ذات معنى. بما أنك مخلوق أن تبذل نفسك من أجل الله وأن تتحمل كل ضيق. عليك أن تقبل بسرور وثقة الضيق القليل الذي تكابده اليوم، وأن تعيش حياة ذات معنى مثل أيوب وبطرس. أنتم أناس يسعون نحو الطريق الصحيح، وينشدون التحسُّن. أنتم أناس قد نهضوا في أمة التنين العظيم الأحمر، ويدعوهم الله أبرارًا. أليس هذا أسمى معاني الحياة؟" (من "اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). وبينما كنت أستمع إليها، تأثرت فأجهشت بالبكاء. إنه لأمر حقّ ومناسب أن يؤمن الخلق بالله ويعبدوه، والله يرضى عن ذلك. فكرت بأيوب الذي كان يتقي الله وينبذ الشر. فعلى الرغم من فقده أولاده وممتلكاته، وأصيب بدمامل غطت جسمه كله، وأدانته زوجته وأصحابه وأساؤوا فهمه، ومع ذلك فقد ظل يحافظ على إيمانه بالله، ويسبّح لله في معاناته، وظل صامدًا وقدم شهادته لله، وأذلّ الشيطان. وكان هناك أيضًا بطرس الذي سعى لمعرفة الله ومحبته طوال حياته، وخاض مئات الاختبارات والتنقيات، وتحمل ألمًا عظيمًا، وفي النهاية صُلب مقلوبًا رأسًا على عقب لأجل الله، ليصنع بذلك شهادة جميلة ومدوية. إنه لَأمر ذو دلالة كبرى أن تكون قادرًا، كمخلوق، على الثبات والشهادة لله، وكسب رضى الخالق! وحين أكون مطلوبة وملاحقة من قبل الحزب الشيوعي الصيني بسبب إيماني بالله. وحتى إن أساء أقاربي وأصدقائي فهمي وتخلَّوا عني، فهذا ليس بأمر يدعو إلى الخجل؛ لأنني كنت أتبع الطريق القويم في الحياة، وأفعل أبرّ الأشياء. حينما فكرت بذلك، خفّ شعوري بالألم، وبدلًا منه شعرت بالاعتزاز بنفسي لقدرتي على المعاناة بهذه الطريقة.
في أحد أيام يناير كانون الثاني من عام 2016، أعطتني إحدى الأخوات مجموعة من أوراق اللعب؛ فأخذتها ووجدت أن صورتي ومعلومات هويتي مطبوعة عليها. كان اسمي ورقم هويتي وعنوان تسجيل المنزل كل ذلك موجودٌ هناك، وكان مكتوبًا أن مكتب الأمن العام قد أدرج اسمي على الإنترنت بوصفي فارّة من العدالة على اعتبار أنني "مجرمة مشتبه بتنظيمي منظمة طائفية واستخدامها لتقويض إنفاذ القانون". وكان هناك رقم خط ساخن للإبلاغ مطبوع على ورق اللعب، وعبارة أنه يمكن مكافأة المبلغين. وقالت أختي إن الشرطة كانت توزع مجموعات من ورق اللعب تحتوي على الصور والمعلومات عني وعن ثلاث أخوات مسؤولات عن عمل الكنيسة جنبًا إلى جنب مع القتلة واللصوص. وفيما بعد سمعت من إخوتي وأخواتي أنهم رأوا مذكرة توقيف بحقي على شاشات كبرى خارج محطة القطار ولوحة الإعلانات في مدخل مكتب الأمن العام. بعد أن سمعت هذا كله شعرت بالدهشة. كنت أريد أن أسألهم: "ما القانون الذي خالفته؟ ما الذي فعلته مخالفًا للقانون؟ لماذا تستخدمون مثل هذه الوسائل المخالفة للضمير لملاحقتي واعتقالي؟" لم يسعني سوى أن أتذكر مقطعًا من كلام الله يقول: "لقد بقيت هذه الأرض أرض الدنس لآلاف الأعوام. إنها قذرة بصورة لا تُحتمل، وزاخرة بالبؤس، وتجري الأشباح هائجة في كل مكان، خادعة ومخادعة ومقدِّمة اتهامات بلا أساس، وهي بلا رحمة وقاسية، تطأ مدينة الأشباح هذه، وتتركها مملوءة بالجثث الميّتة؛ تغطي رائحة العفن الأرض وتنتشر في الهواء، وهي محروسة بشدة. مَن يمكنه أن يرى عالم ما وراء السماوات؟ يحزم الشيطان جسد الإنسان كله بإحكام، إنه يحجب كلتا عينيه، ويغلق شفتيه بإحكام. لقد ثار ملك الشياطين لعدة آلاف عام، وحتى يومنا هذا، حيث ما زال يراقب عن كثب مدينة الأشباح، كما لو كانت قصرًا منيعًا للشياطين. في هذه الأثناء تحملق هذه الشرذمة من كلاب الحراسة بعيون متوهجة وتخشى بعمق أن يمسك بها الله على حين غرة ويبيدها جميعًا، ويتركها بلا مكان للسلام والسعادة. كيف يمكن لأناس في مدينة أشباح كهذه أن يكونوا قد رأوا الله أبدًا؟ هل تمتعوا من قبل بمعزة الله وجماله؟ ما التقدير الذي لديهم لأمور العالم البشري؟ مَن منهم يمكنه أن يفهم مشيئة الله التوَّاقة؟ أعجوبة صغيرة إذًا أن يبقى الله المتجسد مختفيًا بالكامل: في مجتمع مظلم مثل هذا، فيه الشياطين قساةٌ ومتوحشون، كيف يمكن لملك الشياطين، الذي يقتل الناس دون أن يطرف له جفن، أن يتسامح مع وجود إله جميل وطيب وأيضًا قدوس؟ كيف يمكنه أن يهتف ويبتهج بوصول الله؟ هؤلاء الأذناب! إنهم يقابلون اللطف بالكراهية، وقد ازدروا الله طويلًا، ويسيئون إليه، إنهم وحشيون بصورة مفرطة، ولا يظهرون أدنى احترام لله، إنهم ينهبون ويسلبون، وليس لهم ضمير على الإطلاق، ويخالفون كل ما يمليه الضمير، ويغرون البريئين بالحماقة. الآباء الأقدمون؟ القادة الأحباء؟ كلّهم يعارضون الله! ترك تطفّلهم كل شيء تحت السماء في حالة من الظلمة والفوضى! الحرية الدينية؟ حقوق المواطنين المشروعة ومصالحهم؟ كلها حيلٌ للتستّر على الخطية!" (من "العمل والدخول (8)" في "الكلمة يظهر في الجسد"). كشفت كلمات الله الطبيعة الحقيقية للتنين العظيم الأحمر. فالحزب الشيوعي الصيني عدو لله، وأنه إبليس يقاوم الله ويكرهه، والمكان الذي يحكمه هو عرين الشيطان الإبليس، وهو ببساطة يرفض أن يسمح لله بالوجود، فضلًا عن أن يسمح للشعب بالإيمان بالإله الحق واتباع الطريق القويم. لهذا يعرّف المسيحية بأنها "طائفة" والكتاب المقدس بأنه أدبيات "طائفية"، ويعتقل المسيحيين بشكل تعسفي. ويعمد إلى إقصاء عمل الله في الأيام الأخيرة من خلال تلفيق جميع أنواع الإشاعات واختلاق قضايا جنائية زائفة لتأطير كنيسة الله القدير وتشويه سمعتها، وكذلك ملاحقة المؤمنين بالله واعتقالهم كما لو أنهم كانوا أبشع المجرمين، وخداع الذين لا يعرفون الحقائق، وتحريضهم على كراهية المؤمنين بالله ومقاومة الله إلى جانب ذلك. إن الحزب الشيوعي في الواقع يأتي بكل فرية ممكنة، ويقترف كل شر يمكن تخيله! بمجرد أن عرفت ذلك، عزز تصميمي على التخلي عن التنين العظيم الأحمر واتباع الله حتى النهاية! سمعت لاحقًا من قائدي أنه قد تم اعتقال الأختين المدرجتين على قائمة المطلوبين في أوراق اللعب وصدر الحكم عليهما بالسجن لمدة أربع سنوات.
بعد مرور أربعة أشهر، عرضت الشرطة مكافأة مالية إضافية بقيمة 10000 يوان مقابل المعلومات التي تؤدي لاعتقالي. أرسلت لي أخت في مدينتي رسالة تخبرني فيها أن أمين الحزب في القرية كان ينشر شائعات بأنني بسبب إيماني بالله لم أعد أرغب في رؤية عائلتي أو أقربائي، وأنني كنت أعمل ضد الحكومة. ومع مرور الوقت، ازدادت الشائعات ضراوة، وبدأ البعض يقول إنني أصبت بلوثة الجنون أو أنني كنت أبيع المخدرات. وعندما سمع الناس في القرى المجاورة هذه الشائعات، راحوا يفترون عليّ ويدينونني. وقد وجد أخي الأصغر هذه الشائعات صعبة الاحتمال وانزعج كثيرًا من أجلي حتى إنه أجهش بالبكاء وأراد أن يأتي ليعثر علي. وعندما سمعت هذه الأخبار، لم أتمالك نفسي أو أمنع نفسي من البكاء. كنت في الواقع أريد أن أقف أمام أقربائي وأصدقائي وأوضح لهم أنني آمنت بالله الحق، واتبعت الطريق القويم، ولم أقترف أي شيء مخالف للقانون. كنت أريد أن أطير مباشرة إلى أخي وأطمئنه، وأخبره بألّا يقلق عليّ. لكنني إن عدت على هذا النحو، فسيتم اعتقالي حتمًا من قبل رجال الشرطة، وسأضع أيضًا الإخوة والأخوات الذين كنت على اتصال بهم في خطر. رحت أذرع الغرفة جيئة وذهابًا في قلق. وكلما فكرت أكثر بهذه الأمور، ازددت اضطرابًا وتململًا، وأخيرًا قررت أن أخاطر وأتصل بأخي.
كنت أعلم أن هاتف أخي المحمول قد يكون تحت مراقبة رجال الشرطة، ولكن كل ما كنت أريد فعله في تلك اللحظة هو أن اتحدث إليه؛ ولذلك لم أُعرْ اهتمامًا لمثل هذه التفاصيل. موّهت نفسي وذهبت على متن دراجتي إلى مكان على بعد عشرات الأميال لأتصل به، ولكن المكالمة لم تتم. لم أكن على استعداد للاستسلام، ولذلك حاولت من جديد، وكانت النتيجة نفسها. وفجأة خطرت ببالي فكرة غامضة بأن هذا على الأغلب تدخّل من الله. إن كان هاتف أخي المحمول تحت المراقبة، فسأكون أنا وإياه عرضة للخطر. صليت إلى الله وقد أدركت ذلك، فقلت: "إلهي! كدت أقع اليوم في إحدى أحابيل الشيطان، ولولا أن أوقفتَني في الوقت المناسب، لوقعت في الخطر. إلهي، أنت تعلم مواطن ضعفي. أرجوك أن تقودني وترشدني وتهبني الإيمان والقوة..." عندما عدت إلى بيت مضيفي لأداء العبادات الروحية، شاهدت نصًّا من كلام الله: "إن الذين يشير إليهم الله على أنهم "غالبون" هم الذين لا يزالون قادرين على التمسك بالشهادة والحفاظ على ثقتهم وإخلاصهم لله حتى في ظل تأثير الشيطان وأثناء حصاره لهم، أي عندما يجدون أنفسهم وسط قوى الظلام. إن كنت لا تزال قادرًا على الحفاظ على قلب طاهر أمام الله، وعلى محبتك الحقيقية لله مهما حدث، فأنت إذًا متمسك بالشهادة أمام الله، وهذا ما يشير الله إليه بكونك "غالبًا" (من "يجب عليك أن تحافظ على عبادتك لله" في "الكلمة يظهر في الجسد"). أدركت من كلمة الله أن الله يوجِد جماعة من الغالبين في الأيام الأخيرة. مهما كان حجم الألم أو التنقية التي يتحملونها، أو كيفما أزعجتهم قوى الشيطان وهاجمتهم، فهم قادرون على الحفاظ على إيمانهم بالله واتباع الله حتى النهاية. بعد ذلك فكرت كيف أنني عندما افتُريَ علي وشُوِّهت سمعتي أصبحت سلبية وضعيفة؛ لأنني خفت من أن تُدمَّر سمعتي. وكنت أخشى أيضًا ألّا يفهم أخي الأصغر، وبالتالي تجاهلت سلامة إخوتي وأخواتي لكي أمنحه راحة البال. أدركت أنني لم يكن لدي أي إيمان أو وفاء لله. ألم أكن بذلك أخسر شهادتي؟ كان التنين العظيم الأحمر حينها يلاحقني كما لو أنني كنت مجرمة، ويغري الجميع بمهاجمتي والافتراء علي، ويجعل أقربائي يسيئون فهمي. كان يفعل كل هذه الأمور تحديدًا لأنه كان يريد أن يجعلني سلبية وضعيفة، ويجبرني على خيانة الله. لم يكن بوسعي أن أدع حيل الشيطان المخادعة تنجح. وحالما أدركت ذلك اتخذت قراري: سأتمسّك بالشهادة تحت حصار الشيطان إرضاءً لله، وسأُذِلّ التنين العظيم الأحمر!
كان المرض أيضًا يمثل مشكلة ابتليتُ بها أثناء أيام هروبي. فقد أجريت عملية استئصال رئتي اليسرى عندما كنت في سن الخامسة عشرة، ولم تكن رئتي اليمنى في حال جيدة جدًّا أيضًا. في ذلك الوقت قال لي الطبيب إن عليّ أن أتنفس مزيدًا من الهواء النقي وأن أجري تمرينات مناسبة لتوسيع رئتي. لكن بسبب كوني مطلوبة من رجال الشرطة، فقد اضطررت للاختباء داخل المنزل مدة طويلة. لم أكن أستطيع الخروج لاستنشاق الهواء الطلق، ولم تتح لي حتى الفرصة للوقوف على شرفة للتمرين. كان علي أن أكون حريصة عندما كنت في بعض الأحيان أفتح النافذة لأحصل على بعض الهواء النقي؛ لأنني إن اكتشفني الجيران فلن أكون وحدي في خطر، بل سأعرّض الإخوة والأخوات الذين استضافوني للخطر. وبعد البقاء في بيئة من هذا النوع مدةً طويلة، بدأت حالة جسدي الصحية تتدهور؛ إذ لم أستطع تدوير الهواء في الداخل، ولذلك ساءت حال تنفسي، وفيما بعد بدأت رئتي تؤلمني، وكنت كثيرًا ما أسعل. وعندما جثوت وصليت، شعرت بسائل على وشك أن يخرج من فمي. وعندما نمت على جانبي، شعرت بالسائل يتحرك في رئتي. وفيما بعد، عندما زاد سوء حالتي، بدأت أسعل دمًا. نصحني إخوتي وأخواتي بالذهاب إلى المستشفى، غير أنني لكي أذهب إلى المستشفى ورؤية الطبيب، لا بد من التسجيل ببطاقة هويتي الشخصية، فقد كنت ملاحقة، ولذلك إن حدث شيء فسيتم اعتقالي وكذلك سيتورط الإخوة والأخوات الذين اعتنَوا بي؛ ولذلك لم أذهب إلى المستشفى، قام بعض الإخوة والأخوات بإحضار أدوية صينية تقليدية لي، ولكن حالتي لم تتحسن بعد تناولها، فقد كنت لا أزال أسعل دمًا، ولم أستطع الأكل، وازداد جسمي ضعفًا على نحو متزايد. شعرت بشيء من الخوف؛ لأنني إن استمررت في ترك حالتي دون علاج فساءت، ألن ينتهي بي الأمر إلى التوقف عن التنفس والاختناق؟ ألا يعني ذلك أن أملي في الخلاص والغاية الجميلة قد تلاشى؟ ألن تذهب سدىً سنوات الهجر والبذل والعمل الجاد الذي قمت به في إيماني بالله؟ في الواقع لم أكن أريد أن أموت. عندما رأيت حالتي تتدهور يومًا عن يوم، وكنت أسعل دمًا، لم يسعني سوى البكاء، وشعرت ببؤس شديد.
فيما بعد، بحثت عن مقاطع من كلمة الله التي تنطبق على حالي، وعثرت على هذا المقطع: "لم يكن أيُّوب يتحدّث بلغة المال مع الله، ولم يُقدّم أيّة طلباتٍ إلى الله أو طلب مطالب منه. كان تسبيحه اسم الله يرجع لقوّة الله وسلطانه العظيم في حكم كلّ شيءٍ، ولم يكن يعتمد على ما إذا كان قد نال بركاتٍ أو أنه تعرّض لبلية. كان يؤمن أنه بغضّ النظر عمّا إذا كان الله يبارك الناس أو يجلب عليهم البلايا، فإن قوّة الله وسلطانه لن يتغيّرا، ومن ثمَّ، بغضّ النظر عن ظروف المرء، فإنه يجب تسبيح اسم الله. بارك الله هذا الرجل بسبب سيادة الله، وعندما تحلّ بلية بالمرء، فإن هذا أيضًا بسبب سيادة الله. قوّة الله وسلطانه يسودان على كل ما للإنسان ويُرتّبانه؛ أمّا تقلّبات مصائر المرء فهي إظهار قوّة الله وسلطانه، وبغضّ النظر عن وجهة نظر المرء، فإنه يجب تسبيح اسم الله. هذا ما اختبره أيُّوب وعرفه خلال سنوات حياته. بلغت جميع أفكار أيُّوب وأفعاله مسامع الله ومثلت أمام الله، واعتبرها الله مهمّة. قدّر الله معرفة أيُّوب هذه واعتزّ بأيُّوب لامتلاكه ذلك القلب. لطالما انتظر هذا القلب وصية الله دائمًا، انتظرها في كلّ مكانٍ، وبغضّ النظر عن الزمان أو المكان، فقد كان يقبل كلّ ما أصابه. لم يكن أيُّوب يُطالِب الله بشيءٍ. كان ما يُطالِب به نفسه هو أن ينتظر جميع الترتيبات التي جاءت من الله ويقبلها ويرضاها ويطيعها؛ آمن أيُّوب أن هذه هي مهمّته، وكانت هي بالضبط ما أراده الله" (من "عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"). بعد قراءة كلام الله، فهمت قليلاً حول مشيئة الله. فحقيقة أن مرضي كان يزداد سوءًا كان أمرًا أَذِنَ به الله. كان ذلك بمثابة اختبار الله لي ليرى إن كنت أحمل إيمانًا وطاعة حقيقيين. ولكن عندما كنت أعاني الألم، كل ما كنت أفكر فيه هو حياتي وموتي والغاية النهائية. كنت أخشى أن أخسر خلاصي إن متّ. رأيت أنني آمنت بالله لمجرد نيل البركات، وأنني كنت أسعى لإقامة تعاملات مع الله، وأنني كنت أفتقر إلى الضمير الحي والمنطق اللذين ينبغي أن يمتلكهما المخلوق، وأنني لم يكن لديّ طاعة لله مطلقًأ. فكرت بأيوب. بغض النظر عمّا إذا كان الله قد وهبه ثروة كبيرة أو سمح للشيطان بحرمانه من كل شيء، فقد سبّح باسم الله، وكان يؤمن أنه بغض النظر عّما إذا أعطى اللهُ أو أخذ فإن الله بارّ. لم يكن لإيمان أيوب أي دوافع شخصية، فهو لم يكن يأخذ في الاعتبار مصالحه أو مكاسبه أو خسائره، ومهما كان ما يفعله الله، فقد استطاع الثبات في موقف الإنسان المخلوق وإطاعة الله بكل بساطة؛ إذ كان يعتبر طاعة الله أهم من حياته. لقد جعلتني إنسانية أيوب وضميره الحي أشعر خاصّة بالخجل. فطوال فترة إيماني وحتى هذه المرحلة كنت أحاول أن اقوم بصفقات مع الله، وكنت لا أزال في غاية التمرد والفساد. وحتى إن كنت حقًّا سأموت جرّاء مرضي، فسيكون ذلك بِرَّ الله. عندما أدركت ذلك، عرفت كيف أواجه المرض والموت، ولذلك فكرت في نفسي: "مهما تطور مرضي، فأنا أسلّم نفسي لله وأخضع لترتيبات الله."
ذات صباح في شهر نوفمبر تشرين الثاني من عام 2016، حين هممت أريد النهوض، بدأت رئتي تؤلمني. استغرقني الأمر نحو عشر دقائق، وتطلّب كل قوّتي حتى تمكنت من القيام والاتّكاء على اللوح الأمامي للسرير. في تلك اللحظة، دخلت رياح باردة حتى درجة التجمد من النافذة، وشعرت بيأس شديد، ولم يسعني إلا أن أبكي. وبعد هنيهة، بدأت أتنفس بسرعة، وتسارعت دقات قلبي، وعمّ التوتر جسمي كله، وصارعت لأجل الزفير والشهيق، وأصاب التعب الشديد جسدي كله. شعرت كما لو أنني على وشك أن أختنق، وغلب على ظني أنني قد لا أنجو في هذه المرة. عندما رأتني الأخوات في هذه الحالة، أصابهن قلق شديد حتى إنهن لم يعرفن ماذا يفعلن؛ ولذلك اتصلن بأخت لديها عيادة لكي تأتي. سارعت الأخت بإعطائي حقنة في الوريد، ولكنها حتى بعد أن أدخلت الإبرة لم تدخل الحقنة لأن تدفق الدم لدي كاد أن يتوقف، فمشت إلى باب الغرفة في حالة من اليأس، وهزت رأسها، وقالت: "ليس ثمة ما يمكننا فعله". التفتت بعض الأخوات بعيدًا ومسحن دموعهن بصمت. أدركت أنني شارفت على الموت، وأصبت بشيء من الخوف. كنت أخشى إن متّ أنني لن أرى تحقق الملكوت. في هذا الوقت، ظلت كلمات أيوب حاضرة في ذهني: "يَهْوَه أَعْطَى وَيَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا" (أيوب 1: 21). وفكرت أيضًا بنص من كلام الله كنت قد قرأته قبل ذلك: "عندما تواجه المعاناة، يجب أن تكون قادرًا على التخلِّي عن الاهتمام بالجسد وعدم التذمّر من الله. عندما يحجب الله نفسه عنك، يجب أن تكون قادرًا على أن يكون لديك الإيمان لتتبعه، وأن تحتفظ بمحبتك السابقة دون أن تسمح لها بأن تتعثَّر أو تتبدَّد. مهما كان ما يفعله الله، يجب أن تخضع لتخطيطه، وتكون مستعدًا للعن جسدك بدلاً من التذمر من الله. عندما تواجهك التجارب، يجب عليك إرضاء الله حتى إن بكيت بمرارةٍ أو شعرت بالتردّد في التخلّي عن شيء تحبه. هذا وحده هو الحب والإيمان الحقيقيان" (من "أولئك المُزمَع تكميلهم لا بدّ أنْ يخضعوا للتنقية" في "الكلمة يظهر في الجسد"). ألهمتني كلمات الله كثيرًا. كنت أخاف من الموت من قبل، ولذلك لم أُطِع الله مطلقًا، أما هذه المرة فلم أعد أستطيع معصية الله. وحتى إن تُوُفِّيت بالفعل فلا شكاوى لدي. فأنا كائن مخلوق، وبالتالي يتعيّن عليّ أن أطيع الله، وفوق ذلك، فقد كنت محظوظة إذْ تقبّلت إنجيل الله في الأيام الأخيرة، وسمعت حقائق لم يكن قد سمعها القديسون في العصور الماضية. كان هذا بالفعل نعمة وفضلًا من الله عليّ. وحتى إن كنت على شفا الموت، ما زال عليّ أن أشكر الله! ولذا جاهدت لأنطق بكلمتين: ورقة، قلم. فسارعت الأخوات إلى إحضارهما، واتكأت على الأخوات، واستخدمت كل قوّتي لأدوّن في المفكرة: الله بارٌّ إلى الأبد! إنه يستحق ثناءنا على الدوام! في اللحظة التي توقفت فيها عن الكتابة ورفعت يدي، راح بصري يُعتم تدريجيًّا.
صرخت الأخوات وأمسكن بيدِي، يشجّعنني على الاتكال على الله والمصابرة، ولكنني إذ وُوجهت بالحقائق أمامي شعرت أنني لم أعد أقوى على التماسك. شعرت أنه من المستحيل أن أعيش. في ذلك الوقت شعرت كما لو أن قلبي كان يغرق شيئًا فشيئًا في المحيط، وتلاشت الأصوات حولي. ولكنني ما إن أحسست أنه ليس هناك من أمل، لمع في ذهني نص من كلام الله يقول: "إيمان الناس مطلوبٌ عندما لا يمكن رؤية شيء ما بالعين المجرَّدة، وإيمانك مطلوب حينما لا يمكنك التخلِّي عن مفاهيمك الخاصة. عندما لا تفهم عمل الله فهمًا واضحًا، فإن المطلوب هو أن يكون لديك إيمان، وأنْ تتَّخذ موقفًا ثابتًا، وتتمسَّك بالشهادة. حينما وصل أيوب إلى هذه النقطة، ظهر له الله وتكلَّم معه. بمعنى أنَّك لن تتمكن من رؤية الله إلَّا من داخل إيمانك، وسيكمِّلك الله عندما يكون لديك إيمان. بدون إيمان لا يمكنه فعل هذا" (من "أولئك المُزمَع تكميلهم لا بدّ أنْ يخضعوا للتنقية" في "الكلمة يظهر في الجسد"). منحتني الاستنارة في كلمة الله قدرًا عظيمًا من الراحة والتشجيع. فحياتي صادرة عن الله، وسواء عشت أم متّ في ذلك اليوم فذلك في يدَي الله. فمن غير إذن الله لا تستطيع قوى شر الشيطان ولا المرض أخذ روحي. وما دام فيّ نفَس واحد فلن أستسلم، ولا ينبغي لي أن أفقد الأمل في الله. صليت إلى الله قائلة: "إلهي! رغم أنني أواجه الموت اليوم، فقد أحسست في أعماقي أنك كنت دومًا إلى جانبي. يا إلهي، أتمنى أن أتوكل عليك تمامًا، وأترك حياتي وموتي كلّيًّا لك! أنا أومن أنك مهما فعلتَ، فأنت بارّ. لقد مثلتُ بين يديك في هذه الحياة، وكسبت بعض المعرفة بك؛ لذا فحتى إن متُّ، لن يكون لديّ أي شكوى أو ندم. إن لم أمت اليوم واستمررت في الحياة، فإنني مستعدة للسعي إلى الحق، وإتقان أداء واجبي، ومبادلتك حبك العظيم". في تلك الآونة، عزفت إحدى الأخوات الترنيمة التالية: "الحبُّ الصافي بلا شائبة"، "تشير "المحبّة" إلى عاطفةٍ نقيّة وبدون عيبٍ، حيث يمكنك استخدام قلبك في المحبّة والشعور والمراعاة. في المحبّة لا شروط ولا حواجز ولا مسافة. في المحبّة لا اشتباه ولا خداع ولا دهاء. في المحبّة لا مسافة ولا شيء نجس. إذا كنت تُحبّ فسوف تُضحِّي بكلّ سرورٍ وتتحمَّل المشقّة وسوف تكون متوافقًا معي..." (من "اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). بعد سماع هذه الكلمات، شعرت بالذنب الشديد. فبعد الإيمان بالله هذه المدة الطويلة، لم أضع موضع التطبيق أي كلمة لله، فضلًا عن أن أكون قد أحببت الله بصدق. والآن سواء عشت أم متُّ، فلا أريد سوى السعي لطاعة الله. وبينما كنت أتأمل كلام الله حدثت معجزة؛ إذْ ما شعرت إلّا وقد تحسّن تنفَسي تدريجيًّا، وأصبحت أنفاسي أقل سرعة، وقلبي أكثر هدوءًا. عندما رأت الأخوات أنني تعافيت شكرن الله بحماس، وشهدتُ حقًّا أعمال الله المعجزة. فعلى الرغم من أنني استطعت أن أتنفس بشكل طبيعي من جديد، كان جسدي قد أُنهِك بالفعل بشدة، ولذلك ظلت أخواتي ينصحنني بدخول المستشفى، وأعطتني إحداهن بطاقة هويتها، ولكنني خشيت أن أورّطها، فأمسكتْ بيدي وقالت: "لنصلِّ إلى الله معًا. ما يهمّ الآن هو الوصول إلى المستشفى، ما عليك سوى الصلاة لله لأجل الصمود، وستكون الأمور على ما يرام". تأثرت كثيرًا حتى إنني لم أعرف ما أقول، ولا كنت أملك القوة لأن أقوله، ولذلك لم أستطع سوى أن أومئ برأسي، مدركةً أن هذا كله كان يمثل محبة الله. بعد الوصول إلى المستشفى، وعلى الرغم من أن الطبيب ساورته بعض الشكوك حول بطاقة هويتي، فإنهم لم يدققوا في تفاصيل هويتي الحقيقية، وسارت عملية المعالجة بسلاسة نسبيًا. تحسنت حالتي تدريجيًا، وتم إخراجي من المستشفى بعد نحو أسبوع.
بعد خروجي من المستشفى، استأنفت حياتي مختبئة. وبما أن الإخوة والأخوات حولي كانوا غالبًا ما يُعتقلون، فكنت في كثير من الأحيان أُضطر إلى الانتقال على عجل إلى مكان جديد، الأمر الذي أصبح عملًا روتينيًّا مريعًا بالنسبة إليّ. كان عليّ أن أرتدي قناعًا عندما كنت أتجول تفاديًا لالتقاط الكاميرات صورًا لي، غير أنه جعلني أتنفس بصعوبة. ذات مرة، عندما كنت مسرعة في الطريق مرتدية قناعًا، لم أستطع التنفس. كان من الصعب ركوب الحافلة، وقد ركبتها في إحدى المرات، وكان في داخلها كثير من الناس، وكان الهواء خانقًا جدًا حتى إنني كنت آخذ أنفاسًا عميقة. ضاق صدري بشكل مؤلم، واتسعت عيناي لا إراديًا. شعرت بأنني إن لم أنزل من الحافلة فقد أموت داخلها، كنت أصلي دومًا وأناجي الله في قلبي، وبعد برهة بدأت أشعر بالتحسن. وبعد التنقل مرات عديدة للغاية، شعرت بالضعف، وكنت أخشى ألا يقوى جسمي على تحمل ذلك، وأن يقتلني هذا العذاب إن استمر. وفيما بعد رأيت مقطعًا من كلام الله: "لإيمان العظيم والمحبة العظيمة مطلوبان منا في هذه المرحلة من العمل. قد نتعثر من أقل إهمال لأن هذه المرحلة من العمل مختلفة عن جميع المراحل السابقة. ما يُكمّله الله هو إيمان البشرية – والمرء لا يمكن أن يراه أو يلمسه. ما يفعله الله هو تحويل الكلمات إلى إيمان ومحبة وحياة. يجب على الناس الوصول إلى النقطة التي يتحملون فيها مئات التنقيات، ويمتلكون إيمانًا أعظم من إيمان أيوب. وعليهم تحمل معاناة هائلة وكل صنوف العذاب دون التخلي عن الله في أي وقت. عندما يطيعون حتى الموت، ويكون لديهم إيمان عظيم بالله، فستكتمل هذه المرحلة من عمل الله" (من "الطريق... (8)" في "الكلمة يظهر في الجسد"). ذلك صحيح، إن طريق اتّباع الله بطبيعته وعر وصعب؛ فاضطهاد الحزب الشيوعي للمسيحيين لم يتوقف يومًا. إنْ آمنّا بالله، واجهنا خطر الاعتقال والتعذيب، أو حتى القتل في أي وقت من الأوقات، ولكن الله يستخدم مثل هذه البيئات لتكميل إيمان الناس. عرفت كشخص يؤمن ويتبع الله أن عليّ تحمّل هذه الاضطهادات والمحن. عندما فكرت بهذا شعرت أن إيماني تجدد.
بالعودة بذاكرتي إلى الأعوام التي آمنت فيها بالله، عرفت أن الحزب الشيوعي الصيني قد استخدم وسائل متنوعة لدفعي، خطوة خطوة، إلى طريق مسدود، ولكن كلام الله كان دومًا يقودني وينيرني. وقد ميزت الآن الجوهر الشيطاني للحزب الشيوعي الصيني، واكتسبت بعض الفهم للشوائب التي ينطوي عليها طلب البركات في إيماني، وتعلمت كيف أكون عقلانية أمام الله. شهدت أيضًا أفعال الله المعجزة. فعندما كنت على شفا الموت، أرشدني الله نحو الإصرار على النجاة، وغَدا إيماني بالله أقوى. كل هذه أشياء لم أكن لأكسبها في بيئة مريحة. لقد حزمت أمري على أنني، مهما تكن الكيفية التي يضطهدني بها الحزب الشيوعي الصيني، ومهما كانت الأمور شاقة وصعبة، فسأتّبع الله، وأؤدي واجبي كما ينبغي، وأقابل محبة الله بالمثل.