30. هل دَماثة الخُلق معيار مناسب للإنسانية الصالحة؟

في طفولتي، كان الناس يقولون دائمًا إنني كنت راجح العقل وحسن السلوك، وباختصار، طفل مطيع. قلما كنت أغضب من الآخرين ولم أتسبب قط في أي مشكلات. بعد دخولي في الإيمان، كنت أيضًا دَمِث الخُلق للغاية مع الإخوة والأخوات الآخرين. كنت متسامحًا وصبورًا ومحبًّا. أتذكر إحدى الفترات التي كنت أعلِّم فيها بعض الأعضاء الأكبر سنًّا كيفية استخدام أجهزة الكمبيوتر. لقد علمتهم بصبر مرة تلو الأخرى. على الرغم من أنهم كانوا بطيئي التعلم أحيانًا وكنت أغتاظ بعض الشيء، كنت أحاول جاهدًا ألا أُظهر نفاد صبري، خوفًا من أن يقول الآخرون إنني أفتقر إلى العطف المحب. ونتيجة لذلك، كثيرًا ما كان الإخوة والأخوات يقولون إنني أتمتع بإنسانية صالحة، واختارني قائدي لأسقي القادمين الجدد، قائلًا إنه لا يستطيع القيام بهذا الواجب بشكل جيد إلا الأشخاص الذين يتمتعون بالطيبة والصبر. شعرت بالرضا الشديد عن نفسي عندما سمعت ذلك، بل وازددت يقينًا بأن كوني دَمِث الخُلق وطيبًا كانا علامة على الإنسانية الصالحة.

لاحقًا، دخلت أنا والأخ لي مينغ في شراكة بصفتنا قائدين في الكنيسة. وبعد أن عملنا معًا لبعض الوقت، لاحظت أن لي مينغ يريد أن يفعل الأمور بطريقته الخاصة، وكان عصبي المزاج بعض الشيء. وكثيرًا ما كان يغضب، إن لم تسر الأمور كما يشتهي. أيضًا، لم يكن يتمتع بالشفافية في عمله، وكثيرًا ما كان مخادعًا. لم يتصرف وفقًا للمبادئ ولم يحمِ عمل الكنيسة. ولفترة من الزمن، ظل يستخدم هاتفه الخلوي للاتصال بالإخوة والأخوات. كنت أعلم أن هذا قد يتيح للشرطة مراقبتهم ويمكن أن يسبب مشكلات للكنيسة، وفكرت في منعه عدة مرات، لكنني كنت أتراجع كلما أوشكت على التحدث عن هذا. شعرت أنني إذا أوضحت مشكلته بشكل مباشر، فقد يعتقد أنه على الرغم من أنني كنت أتصرف كشخص لطيف في الظاهر، فإنني قاسي في كلماتي وأفعالي، ومن ثمَّ يصعب التفاهم معي. بعد التفكير في الأمر، قررت أن أستخدم حلًا وسطًا، وأن أسأله ببساطة عما إذا كان يستخدم هاتفه الخلوي للاتصال بالإخوة والأخوات الآخرين أم لا. وعندما لم يُقر بأنه كان يفعل ذلك، علمت أنه يكذب، لكنني لم أكشفه وأمنعه، خوفًا من أن يتسبب ذلك في إحداث شِقاق بيننا ويجعله لا يقيم لي وزنًا. لاحقًا، لاحظت أن مشكلات لي مينغ كانت تتفاقم أكثر فأكثر. في إحدى المرات، أخبرني بعض الإخوة والأخوات أن زوجته كانت دائمًا ما تتحدث بكلمات وتعاليم لتتباهى أثناء الاجتماعات، ولم تحل المشكلات الفعلية، وأنها أخبرتْ الآخرين عن مدى معاناتها وتضحيتها في واجبها، لتثير إعجابهم بها فحسب. وبعد إجراء تحقيق، تقرَّر أنها لم تكن مناسبة لتولي منصب القائدة، ويجب إعفاؤها. عندما أبلغتُ لي مينغ بهذا الأمر، استشاط غضبًا، قائلًا إن تقييم الإخوة والأخوات كان كاذبًا وغير عادل لزوجته. بل إنه تساءل عن سبب عدم تحقيقنا مع أولئك الذين أبلغوا عن المشكلة، واكتفائنا بالتحقيق مع زوجته فحسب. كنت مصدومً – إذ لم أتخيل قط أن لي مينغ سيكون لديه مثل هذا الموقف السيء. وفي محاولة لتلطيف الأمور، قلت له: "هدِّئ قلبك واطلب مقصد الله في هذه المسألة. حاول ألا تدع عواطفك تتغلب عليك". لكنه لم يستمع إلي إطلاقًا ولم يلن قط. وبسبب عرقلة لي مينغ المتعمَّدة، تُركت مشكلة زوجته دون حل. بعد ذلك، وبَّخ لي مينغ أيضًا الإخوة والأخوات خلال أحد الاجتماعات، بل إنه دفع إحدى الأخوات إلى البكاء بمحاضرته. شعرتُ أن مشكلة لي مينغ تغدو خطيرة للغاية. لقد قيَّم الآخرون زوجته بموضوعية وإنصاف، ولم يذكروا سوى حقائق، لكن لأن ذلك كان يهدد مصالحه، غضب منهم وعنَّفهم. كانت لديه إنسانية شريرة! أردت إبلاغ قائدنا الأعلى بمشكلته، لكني بعد ذلك فكرت: "أليست هذه مجرد وشاية وطعن له في الظهر؟ أيضًا، إذا أبلغت عنه، فسيستدعيه ذلك القائد بالتأكيد للشركة – وإذا اكتشف أنني أنا من أبلغ عنه، فماذا سيظن بي؟ ألن يقول إنني كنت أنتقص من قدره دون علمه، وإنني ضعيف الإنسانية؟". وإذ أدركت ذلك، أحجمتُ عن الإبلاغ عنه، لكنني شعرت ببعض الكبت والألم.

ولاحقًا، وبسبب إبلاغ أشخاص آخرين عن مشكلته، أُعفي لي مينغ في النهاية. وفي أعقاب ذلك، كشفني القائد الأعلى، قائلًا: "بينما يبدو في الظاهر أنك على وفاق مع الجميع، فإنك لا تملك ولاءً حقيقيًا تجاه الله. لماذا لم تكشف لي مينغ وتوقفه عندما لاحظت مشكلته؟ كيف أمكنك ألا تبلغ عن مثل هذه المسألة الحاسمة؟ هل تريد حماية عمل الكنيسة أم لا؟". لم أستفق إلا بعد أن هذَّبني قائدي وبدأت في الصلاة إلى الله والتأمل. صادفتُ فقرة من كلمات الله تقول: "يجب أن يكون هناك معيار للطبيعة البشرية الصالحة. إنه لا ينطوي على اتخاذ طريق الاعتدال، وليس الالتزام بالمبادئ، والسعي إلى عدم الإساءة إلى أي شخص، والتملُّق في كل مكان تذهب إليه، والتعامل بسلاسة وبراعة مع كل شخص تقابله، وجعل الجميع يثنون عليك. هذا ليس المعيار. إذن ما هو المعيار؟ إنه القدرة على الخضوع لله وللحق، ومقاربة الفرد لواجبه ولجميع الأشخاص والأحداث والأشياء بحسب المبادئ وبحس المسؤولية. وهذا واضح يراه الجميع؛ فكل امرئ يدرك هذا بوضوح في قلبه، بالإضافة إلى أن الله يفحص قلوب الناس، ويعرف حالهم واحدًا واحدًا، بغض النظر عمّن هم؛ فلا أحد يستطيع أن يخدع الله. يتفاخر بعض الناس دائمًا بأنهم يمتلكون طبيعة بشرية جيدة، وأنهم لا يغتابون الآخرين، ولا يُضرّون بمصالح أي شخص آخر، ويدّعون أنهم لم يطمعوا قطّ في ممتلكات الآخرين. عندما يكون هناك نزاع على المصالح، فإنهم حتى يفضّلون تكبُّد الخسارة على أن يستغلّوا الآخرين، فيظن الآخرون جميعًا أنهم أناسٌ صالحون. ومع ذلك، عندما يؤدون واجباتهم في بيت الله، فإنهم ماكرون ومراوغون، ودائمًا ما يخططون لأنفسهم، ولا يفكرون أبدًا في مصالح بيت الله، ولا يتعاملون أبدًا بجدية مع الأشياء التي يتعامل معها الله على أنها مُلحَّة، أو يفكرون كما يفكر الله، ولا يمكنهم أبدًا تنحية مصالحهم جانبًا لأداء واجباتهم. إنهم لا يتخلون عن مصالحهم الشخصية. حتى عندما يرون فاعلي الشر يرتكبون الشر، فإنهم لا يفضحونهم. ليس لديهم أي مبادئ على الإطلاق. ما نوع هذه الطبيعة البشرية؛ فهي ليست طبيعة بشرية صالحة. لا تهتمّ لما يقوله مثل هؤلاء الناس. يجب أن ترى ما يحيون بحسبه وما يكشفونه وما هو سلوكهم عندما يؤدُّون واجباتهم، وما هي حالتهم الداخلية وما يحبّونه أيضًا. إن كانت محبتهم لشهرتهم وكسبهم تفوق إخلاصهم لله، أو إن كانت محبتهم لشهرتهم وكسبهم تفوق مصالح بيت الله، أو إن كانت محبتهم لشهرتهم وكسبهم تفوق الاعتبار الذي يُظهره لله، فهل يملك إذن أناس كهؤلاء إنسانية؟ ليس هؤلاء أناسًا يتمتّعون بإنسانية" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. بتسليم المرء قلبه لله يمكنه نيل الحق). من خلال كلمات الله، أدركت أنه لا يمكن الحكم على إنسانية الشخص بناءً على صفاته الخارجية مثل ما إذا كان وديعًا، أو ما إذا كان بإمكانه التوافق مع الآخرين بانسجام، بل على موقفه تجاه الله والحق، وما إذا كان مسؤولًا في أداء واجبه، وما إذا كان يقف مع الله ويتصرف وفقًا لمبادئ الحق عند مواجهة المشكلات. اعتقدت في الماضي أنني أتمتع بإنسانية لائقة. كنت طيبًا في الظاهر وذا شخصية لطيفة، لكن عندما لاحظتُ أن لي مينغ كان يستخدم هاتفه الخلوي للاتصال بالإخوة والأخوات، مما عرَّض سلامة الكنيسة للخطر، خشيت أن يؤدي استدعاؤه مباشرة إلى إفساد علاقتنا، ولذلك قدَّمت له تذكيرًا لبقًا ومهذبًا فحسب. عندما لم يعترف بسلوكه، لم أكشفه أو أمنعه. قلت لنفسي: "إذا ساءت الأمور، فلا يمكنه الادعاء بأنني لم أذكره". اعتقدت أن الممارسة بهذه الطريقة لن تشوه صورتي وتعفيني من المسؤولية إذا ساءت الأمور. لم أكن أفكر إلا في مصالحي الخاصة ومكانتي وصورتي، بينما لم أُعر اهتمامًا لعمل الكنيسة أو سلامة الإخوة والأخوات. لقد كنت في غاية الأنانية والخداع! عندما رأيت كيف أنَّ لي مينغ، بدافع العاطفة تجاه زوجته، قد عنَّف الآخرين بشدة بسبب المشكلة مع زوجته، كان يجب أن أبلغ قائدنا الأعلى بذلك على الفور، لكنني خشيت أن يعتقد أنني كنت أخونه، لذلك التزمت الصمت. لقد تراجعت وتركت لي مينغ يعيث فسادًا، مما أثر سلبًا على عمل الكنيسة، وجلب الهجمات والأذى للإخوة والأخوات. أين كانت إنسانيتي؟ وعندما نظرت إلى أفعالي في ضوء كلام الله عن الدينونة والكشف، شعرت بالذنب الشديد. لطالما اعتقدت أنني أتمتع بإنسانية صالحة، ولكن من خلال إعلان كلام الله وكشفي من خلال الحقائق، تغيَّر إدراكي لذاتي تمامًا. كنتُ طيّبًا في الظاهر، لكن وراء هذه الطيبة كنت أحمل نية دنيئة. لم أهتم إلا بمصالحي الشخصية ولم أحمِ عمل الكنيسة على الإطلاق. تعاملت بطيبة زائفة وحاولت إرضاء الجميع. لقد كنت وَرِعًا كاذبًا وشخصًا مخادعًا. لم أعد أجرؤ على تصوير نفسي على أنني شخص يتمتع بإنسانية صالحة. لاحقًا، صادفت فقرة أخرى من كلمات الله: "يمكن وصف جوهر السلوك الجيد مثل أن تكون ودودًا وأنيسًا في كلمة واحدة: التظاهر. فمثل هذا السلوك الجيد لا يولد من كلام الله، وليس نتيجة ممارسة الحق أو التصرف وفقًا للمبدأ. ما منبعه؟ إنه يأتي من دوافع الناس ومخططاتهم وتظاهرهم وادعائهم وخداعهم. عندما يتمسك الناس بهذه السلوكيات "الجيدة"، فإن الهدف هو الحصول على الأشياء التي يريدونها؛ وإذا لم يحدث هذا، فلن يُحزِنوا أنفسهم بهذه الطريقة أبدًا ويعيشوا بعكس رغباتهم الخاصة. ماذا يعني العيش بعكس رغباتهم؟ يعني أن طبيعتهم الحقيقية ليست لطيفة وبريئة ورقيقة وعطوفة وفاضلة كما يتصور الناس. إنهم لا يعيشون بالضمير والإحساس؛ لكنهم بدلًا من ذلك يعيشون من أجل تحقيق هدف أو طلب معين. ما طبيعة الانسان الحقيقية؟ إنها مشوشة وجاهلة. فلولا النواميس والوصايا التي منحها الله، لما كان لدى الناس أي فكرة عن ماهية الخطية. أليس هذا ما كانت عليه البشرية؟ فالناس لم يكن لديهم مفهوم عن الخطية إلا عندما أصدر الله النواميس والوصايا. ولكنهم كانوا مع ذلك يفتقرون إلى مفهوم الصواب والخطأ، أو الأشياء الإيجابية والسلبية. إذا كانت هذه هي الحالة، فكيف كانوا على دراية إذًا بالمبادئ الصحيحة للتحدث والتصرف؟ هل أمكنهم معرفة أيّ طُرق تصرف وأي سلوكيات جيدة يجب أن توجد في الطبيعة البشرية؟ هل أمكنهم معرفة ما الذي ينتج سلوكًا جيدًا حقًا، والطريق الذي يجب عليهم اتباعه ليعيشوا مثل البشر؟ لم يتمكنوا من ذلك. فبالنظر إلى الطبيعة الشيطانية لدى الناس، وبسبب غرائزهم، لم يكن بإمكانهم إلا التظاهر والادعاء بأنهم يعيشون بلياقة وكرامة - وهو ما أدى إلى مظاهر الخداع مثل أن يكونوا متعلمين وعقلانيين، وأن يكونوا لطفاء ومهذبين، وأن يكونوا مجاملين، وأن يحترموا كبار السن ويرعوا الصغار، وأن يكونوا أنيسين، وأن يكونوا ودودين؛ وهكذا ظهرت هذه الحيل وأساليب الخداع. وبمجرد ظهور مظاهر الخداع هذه، يتمسك الناس بشكل انتقائي بواحدة أو أكثر منها. اختار البعض أن يكون أنيسًا وودودًا، واختار البعض أن يكون متعلمًا وعقلانيًا ولطيفًا ومهذبًا، واختار البعض أن يكون مجاملًا وأن يحترم كبار السن ويرعى الصغار، واختار البعض أن يكون هذه الأشياء جميعها. ومع ذلك، فإنني أُعرِّف الناس الذين لديهم مثل هذه السلوكيات الجيدة بمصطلح واحد. ما هو ذلك المصطلح؟ "أحجار ملساء". ما هي الأحجار الملساء؟ إنها تلك الأحجار الملساء في الأنهار التي صُقلت ونُظفت من أي حواف حادة نتيجة أعوام طويلة من المياه العابرة. وعلى الرغم من أنها قد لا تؤذي الناس عندما يطؤونها، فإنهم يمكن أن ينزلقوا عليها دون انتباه. هذه الأحجار رائعة في المظهر والشكل، ولكنها بمجرد أن تأخذها إلى المنزل تصبح عديمة الفائدة تمامًا. لا يمكنك حملها لكي ترميها بعيدًا، ولكن لا فائدة من الاحتفاظ بها أيضًا – وهذا هو معنى "الحجر الأملس". أرى أن الناس الذين لديهم هذه السلوكيات الجيدة ظاهريًا هم أناس فاترون. إنهم يتظاهرون بأنهم صالحون من الخارج، لكنهم لا يقبلون الحق على الإطلاق، ويقولون كلمات تبدو لطيفة، لكنهم لا يفعلون أي شيء حقيقي. إنهم أحجار ملساء لا غير. إذا أقمت معهم شركة عن الحق والمبادئ، فسوف يتحدثون إليك عن أن تكون لطيفًا ومهذبًا وأن تكون مجاملًا. وإذا تحدثت معهم عن تمييز أضداد المسيح، فسوف يتحدثون إليك عن احترام كبار السن ورعاية الصغار، وعن أن تكون متعلمًا وعقلانيًا. إذا أخبرتهم أنه يجب أن توجد مبادئ لتصرُّف المرء وأنه يجب على المرء أن يسعى إلى المبادئ في واجبه وألا يتصرف بإرادته، فماذا سيكون موقفهم؟ سوف يقولون: "التصرف وفقًا لمبادئ الحق أمر آخر. فأنا لا أريد إلا أن أكون متعلمًا وعقلانيًا، وأن يرضى الآخرون بأفعالي. ما دمت أحترم كبار السن وأرعى الصغار، وأحظى برضا الآخرين، فذلك يكفي". إنهم لا يهتمون إلا بالسلوكيات الجيدة، ولا يركزون على الحق" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ماذا يعني السعي إلى الحق (3)]. من خلال كلمات الله، أدركت أن كون المرء دَمِث الخلق وودودًا، وهي سلوكيات تُعتبَر جيدة في الثقافة التقليدية، ليست في جوهرها سوى ادعاء. أولئك الذين يتصرفون على هذا النحو إنما يجمِّلون أنفسهم فحسب، ويتظاهرون بمظهر زائف ليكسبوا إعجاب الناس ويخدعوهم لينالوا احترامهم ومديحهم. الأمر برمته مؤامرة وخداع، وتصرفهم بهذه الطريقة يجعلهم محتالين. أدركت أيضًا أنَّ السبب في أنني كنت لا أزال أنانيًّا ومخادعًا، رغم سعيي إلى التحلي بالسلوك الحسن طوال هذه السنوات، كان لوجود نوايا شريرة تكمن وراء كل هذا. أردت أن أترك انطباعًا جيدًا لدى الناس حتى يحترموني ويمدحوني. كانت الثقافة التقليدية قد علَّمتني منذ نعومة أظافري تقدير السلوك الحسن وكيَّفتني على ذلك. اعتقدت أن التحلي بالسلوك الحسن سيُكسبني ثناء الناس من حولي. بعد دخولي الإيمان، ظللت أحاول أن أكون شخصًا دَمِث الخلق وودودًا وأن أحافظ على صورة ومكانة جيدتين بين الإخوة والأخوات، ولا سيَّما عندما دخلتُ في شراكة مع لي مينغ. لاحظت أنه استخدم هاتفه للاتصال بالإخوة والأخوات عدة مرات، منتهكًا المبادئ، ومعرِّضًا الإخوة والأخوات للخطر، ومتجاهلًا مصالح الكنيسة، وكان يجب أن أكشفه وأوقفه، لكنني خشيت أن يكوِّن انطباعًا سيئًا عني، فتركت الأمر يمر مرور الكرام. رأيت بوضوح أن لي مينغ كان يتستَّر على زوجته بل إنه قمع الإخوة والأخوات، وأنَّ هذه لم تكن مجرد حالة فساد بسيطة – فقد كانت إنسانيته شريرة، ولم يكن قائدًا مناسبًا، وكان يجب الإبلاغ عنه على الفور. لكنني بدلًا من ذلك اخترت الصمت مجددًا لحماية مكانتي وصورتي. ولأحمي صورتي، عضضتُ اليد التي أطعمتني. لم أحمِ مصالح الكنيسة على الإطلاق. وأصبحت أدرك بعمق كيف أن طلبي لأن أكون دَمِث الخُلق وودودًا، لم يعجز فحسب عن مساعدتي في تغيير شخصيتي الفاسدة، بل جعلني في الواقع أكثر أنانية وخداعًا. كنت أهدف إلى حسن السلوك بدلًا من ممارسة الحق، وأظهرتُ صورة زائفة لإخفاء نواياي الدنيئة، ولإيهام الجميع بأنني أملك واقع الحق وأنني محب ولطيف، خادعًا إياهم ليثقوا بي ويمنحوني احترامهم ورضاهم. كنت أسلك طريق الفريسيين الأتقياء الكاذبين وكنت أقاوم الله. لو كنتُ استمررتُ على هذا المنوال، لأدانني الله واستبعدني.

لاحقًا، قرأت فقرتين أخريين من كلمات الله تقولان: "وما العاقبة التي تحدث عندما يفكر الناس دائمًا في مصلحتهم الذاتية الخاصة، ويحاولون دائمًا حماية كبريائهم وغرورهم، ويكشفون عن شخصية فاسدة لكنهم لا يطلبون الحق لإصلاحها؟ العاقبة هي أنهم لا يحظون بمدخل إلى الحياة، ويفتقرون إلى الشهادة الاختبارية الحقيقية. وهذا أمر خطير، أليس كذلك؟ إذا لم تمارس الحق أبدًا، وإذا لم تكن لديك أي شهادة اختبارية، فسوف تنكشف وتُستبعَد عندما يحين الأوان. ما فائدة الناس الذين ليست لديهم اختبارات وشهادة في بيت الله؟ إنَّ أداءهم لأي واجب سيكون رديئًا لا محالة، ولن يتمكنوا من فعل أي شيء بشكل صحيح. أليسوا مجرد نفاية؟ إذا كان الناس لا يمارسون الحق أبدًا بعد أعوام من الإيمان بالله، فهم غير مؤمنين وهم أشرار. إذا كنت لا تمارس الحق أبدًا، وإذا كانت آثامك تزداد أكثر من أي وقت مضى، فإن عاقبتك قد تحددت. من الواضح أنَّ جميع آثامك، والطريق الخاطئ الذي تسلكه، ورفضك للتوبة، هذا كله يؤدي إلى الكثير جدًا من الأفعال الشريرة؛ ومن ثمَّ ستكون عاقبتك أنك ستذهب إلى الجحيم؛ سوف تُعاقَب. هل تعتقد أن هذا أمر تافه؟ إذا لم تكن قد عوقِبَـت، فلن يكون لديك أي إدراك لمدى رعب هذا الأمر. وعندما يأتي اليوم الذي تواجه فيه مصيبة بالفعل، وتواجه الموت، سيكون أوان الندم قد فات. إذا كنت لا تقبل الحق في إيمانك بالله، وإذا كنت قد آمنت بالله منذ أعوام دون أن يحدث فيك أي تغيير، فإن العاقبة النهائية هي استبعادك والتخلي عنك" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. الجزء الثالث). "ولن يكون لدى الناس أساس حقيقي إلّا عندما يعملون ويتصرَّفون وفقًا لكلام الله. وإذا لم يتصرَّفوا وفقًا لكلام الله ولم يُركِّزوا إلّا على التظاهر بالتصرُّف الجيِّد، فهل يمكن أن يصبحوا أناسًا صالحين نتيجةً لذلك؟ بالطبع لا. فلا يمكن للتعاليم الجيدة والسلوك الجيِّد تغيير شخصيات الإنسان الفاسدة ولا يمكنها تغييرها جوهره. والحقّ وكلام الله وحدهما يمكنهما تغيير شخصيَّات الناس الفاسدة وأفكارهم وآرائهم، ويمكن أن يصبحا حياة الناس. ... ماذا يجب أن يكون أساس كلام الناس وأفعالهم؟ كلام الله. ما المتطلبات والمعايير التي وضعها الله إذًا لكلام الناس وأفعالهم؟ (أن تكون هادفة للناس). هذا صحيح. الجانب الأكثر جوهرية هو أنه ينبغي عليك قول الحق والتحدث بصدق وإفادة الآخرين. وعلى أقل تقدير، ينبغي لكلامك أن يبني الناس، لا أن يخدعهم أو يضللهم أو يسخر منهم أو يهجوهم أو يهزأ بهم أو يتهكم عليهم أو يقيدهم أو يكشف ضعفاتهم أو يؤذيهم. هذا هو التعبير عن الطبيعة البشرية. إنها فضيلة الإنسانية. ... وأيضًا، يصبح من الضروري في بعض الحالات الخاصة كشف أخطاء الآخرين مباشرةً والتعامل معهم وتهذيبهم حتى يربحوا معرفة عن الحق ويرغبوا في التوبة. فحينها فقط يتحقق التأثير الواجب. وطريقة الممارسة هذه تعود بفائدة كبيرة على الناس. فهذا مفيدٌ جدًّا للناس، ويُمثِّل مساعدةً حقيقيَّة لهم، وهو بنّاء بالنسبة إليهم، أليس كذلك؟" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ماذا يعني السعي إلى الحق (3)]. انزعجت من كلمات الله، وشعرت بالخوف. إذا اختار شخص ما التمسك بمصالحه الخاصة في موقف تلو الآخر، وكان لا يمارس الحق أبدًا، فسيراكم المزيد والمزيد من التعديات، وفي النهاية سيكشفه الله تمامًا ويستبعده. فكرت في نفسي – عندما رأيت سلامة إخوتي وأخواتي مهددة وعمل الكنيسة يتأثر، ولم أتمسك بالمبادئ وأحمي عمل الكنيسة، وبدلًا من ذلك طلبت دائمًا أن أكون ما يُدعى بشخص صالح. حتى لو نلتُ احترام الآخرين واستحسانهم، فقد كنتُ في نظر الله فاعل شر، وكان سيزدريني في النهاية ويعاقبني. ارتعبتُ عندما أدركت هذه العواقب وكنت على استعداد لتصحيح مسعاي المُضلَّل. لقد أظهرت لي كلمات الله أيضًا الطريق الصحيح للممارسة. ولا يمكننا أن ننفع الآخرين وننيرهم إلا من خلال العمل والتحدث وفقًا لكلام الله. لا يهم أسلوب حديثنا، سواء تحدثنا بصوت قوي أو ناعم، أو مدى لباقتنا في انتقاء كلماتنا. أكثر ما يهم هو أن نتحدث بطريقة تنويرية للإخوة والأخوات. ما دام الشخص مناسبًا؛ شخص يمكن أن يتقبل الحق، فيجب أن نساعده بالمحبة. إذا كان لا يفهم الحق ويضر بالعمل، فيمكننا أن نعقد الشركة معه لتقديم الإرشاد والدعم. وإذا ظل الوضع على حاله دون تحسن حقيقي بعد الشركة، فيمكننا أن نهذِّبه ونكشف جوهر مشكلته. حتى لو بدت هذه الطريقة قاسية أو بدت وكأنها تتجاهل مشاعرهم، فإن هذه الطريقة في التصرف يمكن أن تعود عليهم بالنفع وتدعمهم. إذا كان هذا الشخص ضدًّا للمسيح أو شريرًا يعطل عمل الكنيسة، فعلينا أن نتخذ موقفًا لكشفه وإيقافه، أو أن نبلغ عنه رؤساءنا، لنحافظ على عمل الكنيسة ونحمي الإخوة والأخوات من الاضطراب والتضليل. فقط من خلال القيام بذلك، نمارس الحق بالفعل ونُظهر الإنسانية والطيبة الحقيقيتين. صحَّحت لي كلمات الله أيضًا وجهة نظر مغلوطة كانت لدي. كنت أعتقد أن الإبلاغ عن شخص ما لانتهاكه المبادئ هو وشاية أو طعن في الظهر أو خيانة. كانت هذه وجهة نظر خاطئة. إن القيام بذلك يحمي عمل الكنيسة في واقع الأمر ويعدُّ عملًا صالحًا. لقد عانى لي مينغ من مشكلة خطيرة كانت تؤثر على عمل الكنيسة وتقيِّد الإخوة والأخوات وتؤذيهم، وكانت هذه مسألة مبدأ تتعلق بعمل الكنيسة، وكان يجب عليَّ أن أذكرها للقيادة العليا على الفور أو حتى أُبلغ عنه. ما كان هذا ليُعدَّ طعنًا في الظهر؛ بل حماية لعمل الكنيسة. وبعد أن أدركت ذلك، تلاشت الكثير من مخاوفي وشعرت بقدر أكبر كثيرًا من الارتياح.

في إحدى المرات، أبلغ أحدهم أن أحد الإخوة كان دائم التراخي ويتجنب أي مشقة أثناء قيامه بواجبه، وبعد أن أوضح له الآخرون ذلك، وهذَّبوه عدة مرات، كان لا يزال لا يقبل ذلك على الإطلاق. واستنادًا إلى المبادئ، قررنا أنه يجب إعفاؤه، وأننا يجب أن نُشرِِّح له مشكلاته بوضوح حتى يتمكن من تأمل ذاته. في ذلك الوقت، فكرت: "قد يكون من المهين أن أُشرِِّح لشخص ما مشكلاته. ربما سأترك شريكي يعقد الشركة معه ويمكنني البقاء بمَنْأى عن ذلك. وإلا فقد أعطيه انطباعاً سيئًا". ولكنني أدركت فجأة أنني كنت أحاول حماية مكانتي وصورتي مرة أخرى. تذكرت كلمات الله التي تقول: "لأن كل من يؤدي واجبًا، مهما كان مدى عمق فهمه للحق أو ضحالته، فإن أبسط طريقة لممارسة الدخول في واقع الحق هي التفكير في مصالح بيت الله في كل شيء، والتخلِّي عن رغبات المرء الأنانية، والمقاصد الشخصية، والدوافع، والكبرياء، والمكانة. ضع مصالح بيت الله أولًا؛ هذا أقل ما يجب أن يفعله المرء" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. لا يمكن كسب الحرية والتحرير إلّا بتخلص المرء من شخصيته الفاسدة). لقد أظهرتْ لي كلمات الله طريقًا للممارسة. عندما نواجه المشكلات، لا بد أن نُنحِّي رغباتنا وسمعتنا جانبًا، ونعطي الأولوية لمصالح الكنيسة وأن نراعي مقاصد الله. هذه هي الطريقة الوحيدة للتصرف بصراحة، وسيثني عليها الله. وبمجرد أن فهمت مطالب الله، شعرت أنَّ لدي حافز، ومن ثمَّ شرَّحتُ سلوك الأخ بالتفصيل وفقًا لكلام الله. شعرتُ براحة كبيرة بعد الممارسة بهذه الطريقة. أدركت أنه لا يمكننا تحقيق السلام والسعادة الحقيقيين إلا من خلال ممارسة الحق.

بعد هذه الاختبار، غمرتني مشاعر الامتنان لله. كان كلام الله هو الذي ساعدني على رؤية مدى سخافة أن يكون المرء دمث الخُلق وودودًا، اللذان تنادي بهما الثقافة التقليدية، وما يُلحقه ذلك من ضرر بالناس. كما أتاح لي أيضًا أن أختبر التحرر والانطلاق اللذين ينبعان من التحرر من قيود وأغلال الثقافة التقليدية. الشكر لله على خلاصه!

السابق: 28. لا تدع الغيرة تسيطر عليك

التالي: 31. لا أحتاج إلى إشرافك

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

21. التحرر من مصيدة الشائعات

بقلم شايون – الصينكنتُ أعمل كضابطة في الجيش. وفي أحد أيام عام 1999، بشرني قسٌّ كوريٌّ بإنجيل الرب يسوع. وبسبب سعيي الجادّ، سرعان ما أصبحتُ...

13. من أين يأتي هذا الصوت؟

بقلم شيين – الصينوُلِدتُ في عائلة مسيحية، والكثير من أقاربي هم واعظون. وقد آمنت بالرب مع والدَيَّ منذ أن كنتُ صغيرة. وبعد أن كبُرت، صلَّيتُ...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب