لا يمكن إلا للمُكَمَّلين وحدهم أن يعيشوا حياة ذات مغزى
في الحقيقة، يهدف العمل الذي يجري الآن إلى جَعل الناس ينبذون الشيطان، سلفهم القديم. تهدف كل الدينونات التي تجري بالكلمة إلى فضح شخصية البشر الفاسدة وتمكين الناس من فهم جوهر الحياة. تَنفذ هذه الدينونات المتكررة إلى قلوب الناس، وتتصل كل دينونة اتصالًا مباشرًا بمصيرهم، وتهدف إلى جرح قلوبهم بحيث يمكنهم التخلي عن جميع تلك الأمور، وبذلك يتوصلون إلى معرفة الحياة، ومعرفة هذا العالم الدنس، ومعرفة حكمة الله وقدرته، وأيضًا معرفة الجنس البشري الذي أفسده الشيطان. فكلما ازداد تلقي الإنسان لهذا النوع من التوبيخ والدينونة، زادت إمكانية جرحِ قلب الإنسان، وإيقاظ روحه. إن إيقاظ أرواح هؤلاء الأشخاص الممعنين في الفساد والموغلين في الضلال هو الهدف من هذا النوع من الدينونة. ليس للإنسان روح، بمعنى أن روحه قد ماتت منذ أمدٍ بعيد، ولا يعلم أن هناك سماءً، ولا أن هناك إلهًا، وبالتأكيد لا يعلم أنه يُنازِعُ في غياهب الموت. فكيف يمكنه معرفة أنه يعيش في هذا الجحيم المشؤوم على الأرض؟ كيف يمكنه معرفة أن جثته العفنة هذه قد طُرِحَت في هاوية الموت جرّاء فساد الشيطان؟ كيف يمكنه معرفة أن كل شيء على الأرض قد دمره البشر منذ أمد بعيد ولا سبيل لإصلاحه؟ وكيف يمكنه معرفة أن الخالق قد جاء إلى الأرض اليوم ويبحث عن جماعة من الأشخاص الفاسدين يمكنه أن يُخلِّصهم؟ وحتى بعد أن يختبر الإنسان كل تنقية ودينونة ممكنتين، لا يزال وعيه البليد بالكاد يَنشَطُ وفي الواقع لا يستجيب فعليًا. كم هي مُنحَطّة البشرية! على الرغم من أن هذا النوع من الدينونة يشبه البَرَدَ اللاذع الساقط من السماء، فإنه ذو فائدة عظيمة للإنسان. لو لم يُدَن أشخاصٌ كهؤلاء، لما كانت هناك نتيجة، ولكان من المستحيل تمامًا تخليص الناس من غياهب البؤس. ولولا هذا العمل، لكان من الصعب جدًا على الناس الخروج من الهاوية؛ لأن قلوبهم قد ماتت وداس الشيطانُ على أرواحهم منذ أمد بعيد. يتطلب خلاصكم أنتم الذين انحدرتم إلى أعماق الانحطاط السحيقة أن تُدعَوا وتدانوا دون كللٍ أو ملل، وعندها فقط بالإمكان إيقاظ قلوبكم المتجمّدة.
إن جسدكم ورغباتكم الجامحة وجشعكم وأهواءكم متجذرة بعمق فيكم. تتحكَّمُ هذه الأمورُ في قلوبكم باستمرار لدرجة أنكم تعجزون عن التخلص من نير تلك الأفكار القديمة المنحطة. لا تتوقون إلى تغيير وضعكم الحالي، ولا إلى الهروب من تأثير الظلمة. أنتم ببساطة مقيَّدون بتلك الأمور. وحتى لو كنتم جميعًا تعرفون أن هذه الحياة مؤلمةٌ جدًا، وعالم الناس هذا مظلم جدًا، حتى حينها، لا يملك أيٌّ منكم الشجاعة لتغيير حياتكم. تتوقون فقط للهروب من حقائق هذه الحياة، وتحقيق تسامي الروح، والعيش في جوٍّ هادئ مفعم بالسعادة شبيه بالجنة. أنتم لا ترغبون في تحمُّل المشقّات لتغيير حياتكم الحالية، كما أنكم غير مستعدين للبحث في هذه الدينونة وهذا التوبيخ لأجل الحياة التي ستدخلونها. تحلمون بدلاً من ذلك أحلامًا غير واقعية مطلقًا عن هذا العالم الجميل خارج الجسد. إن الحياة التي تتوقون إليها يمكنكم الحصول عليها دون عناء أو ألم. هذا غير واقعي مطلقًا! ذلك لأن ما تتطلعون إليه ليس العيش في الجسد حياة ذات مغزى وإدراك الحق فيها، أي أن تحيوا لأجل الحق وتدافعوا عن العدل. هذا ما لا تعتبرونه حياةً مُشرقة ومذهلة. أنتم تشعرون بأن حياة كهذه لن تكون حياة متألقة أو ذات مغزى. يبدو عيش حياةٍ كهذه في نظركم شبيهًا بالظلم! ومع أنكم تقبلون هذا التوبيخ اليوم، فإن ما تسعون إليه لا يكمن في إدراككم الحق أو عيشه في الوقت الحاضر، بل بالأحرى في أن تتمكّنوا لاحقًا من دخول حياة رغيدة خارج الجسد. أنتم لا تطلبون الحق، ولا تدافعون عنه، وقطعًا لا تحيون لأجله. أنتم لا تسعون للدخول اليوم، ولكن أفكاركم بدلاً من ذلك مشغولة بالمستقبل وبما يمكن أن يكون عليه الحال ذات يوم: أنتم تتمعّنون في السماء الزرقاء، وتذرفون الدموع المريرة، وتتوقعون أن تؤخذوا إلى السماء ذات يوم. ألا تعلمون أن طريقتكم في التفكير بالفعل لا صلة لها بالواقع؟ أنتم تفكرون باستمرار أن المُخلِّص ذا اللطف والحنان اللامتناهيين سيأتي يومًا ما دون شك ليأخذك معه، أنت الذي تحملت الضيقة والمعاناة في هذا العالم، وأنه سيعالج مظالمك وسيثأر نيابة عنك أنت الضحية والمُضطَهد. ألستَ مملوءًا بالخطيَّة؟ هل أنت الشخص الوحيد الذي عانى في هذا العالم؟ لقد سقطت في ميدان الشيطان بنفسك وعانيت، فهل ما زال الله حقًّا بحاجة إلى أن يعالج مظالمك؟ أولئك الذين لا يستطيعون تلبية مطالب الله، أليسوا جميعًا أعداء الله؟ أولئك الذين لا يؤمنون بالله المُتجسِّد، أليسوا ضد المسيح؟ ما نفع أعمالك الحسنة؟ هل يمكن أن تحلَّ أعمالك مكان قلب يعبد الله؟ لا يمكنك الحصول على بركة الله ببساطة عن طريق القيام ببعض الأعمال الحسنة، ولن يعالج الله مظالمك وينتقم لما أخطأ به الناس في حقك لمجرد أنك كنت ضحية ومُضطَهدًا. أما أولئك الذين يؤمنون بالله دون أن يعرفوا الله، ولكنهم يفعلون الحسنات، ألا يُوبَّخون جميعًا أيضًا؟ أنت تؤمن بالله فحسب، وتريد فقط أن يُصَحِّحَ اللهُ الأخطاء وأن ينتقم للمظالم التي صُنِعَت ضدّك، وتريد من الله أن يعطيك يومك؛ يومًا تستطيع فيه أخيرًا أن ترفع رسك عالياً. ولكنك ترفض أن تولي الحق انتباهك؛ كما أنك لا تتعطش للحياة بحسب الحق، فضلاً عن أن تستطيع تجنّب هذه الحياة الصعبة والفارغة. وبدلاً من ذلك، وبينما تعيش حياتك في الخطيَّة وفي الجسد، تتطلّعُ إلى الله منتظرًا منه إنصاف مظالمك وتبديد ضباب وجودك. ولكن هل هذا ممكن؟ يمكنك اتباع الله إذا كنت تمتلك الحق. وإذا كنت تعيش بحسبه، فيمكنك أن تكون تجليّاً لكلمة الله. إذا كنت تمتلك الحياة، يمكنك التمتّع ببركة الله. إن أولئك الذين يملكون الحق يمكنهم التمتع ببركة الله. يضمن الله أن يُنصِفَ أولئك الذين يحبونه من كل قلوبهم ويتحملون المشقّات والآلام، لا أولئك الذين يحبون أنفسهم فقط وقد وقعوا فريسةً لخِدَع الشيطان. كيف يمكن للخير أن يوجد في مَنْ يبغضون الحق؟ كيف يمكن للبِرِّ أن يوجد فيمن يحبون الجسد فقط؟ ألا يَرِد الحديث عن البرّ والخير على حد سواء بالإشارة إلى الحق؟ أليسا محفوظين حصرًا لأولئك الذين يحبون الله من كل قلوبهم؟ أمّا أولئك الذين يبغضون الحق، والذين ليسوا سوى مجرّد جثث عفنة، ألا يُضْمِر كل هؤلاء الشر؟ أليس جميع أولئك غير القادرين على العيش بحسب الحق أعداءً له؟ وماذا عنكم؟
إذا استطعت الهروب من تأثيرات الظلمة هذه، وفصلت نفسك نهائيًا عن تلك الأمور النجسة، وإذا كنت تقدر أن تصبح قدّيسًا، فأنت تمتلك الحق حينئذ. هذا لا يعني أن طبيعتك قد تغيرت، بل تعني فقط أنك قادر على وضع الحق موضع التطبيق وعلى التخلي عن الجسد. هذه هي الصفة التي يمتلكها أولئك الذين تطهّروا. إن الهدف الرئيسي لعمل الإخضاع هو تطهير البشرية ليتمكن الإنسان من امتلاك الحق؛ ذلك لأن الإنسان لا يفهم من الحق إلا النزر اليسير! ولذا فإن عمل إخضاع أمثال هؤلاء الناس ذو أهمية كبرى. لقد وقعتم جميعًا تحت تأثير الظلمة وتضرّرتم للغاية. الهدف من هذا العمل، إذًا، هو تمكينكم من معرفة الطبيعة البشرية ومن ثمَّ العيش بحسب الحق. إن نيل الكمال هو ما ينبغي أن تتقبله كل المخلوقات. إذا كان عمل هذه المرحلة لا ينطوي إلّا على تكميل الناس، فيمكن عندئذ القيام به في بريطانيا أو أمريكا أو إسرائيل، أي يمكن القيام به في شعب أيّ أمة. لكن عمل الإخضاع انتقائي. فالخطوة الأولى في عمل الإخضاع قصيرة الأجل؛ وستُستخدم كذلك لإذلال الشيطان وإخضاع الكون كله. هذا هو العمل الأولي للإخضاع. يمكن للمرء القول إنه يمكن تكميل أي مخلوق مؤمن بالله؛ إذ لا يمكن تحقيق الكمال إلا بعد تغيير طويل الأمد. لكن أمرَ الإخضاع مُختَلِف. يجب أن تكون عيّنةُ ونموذج الناس الذين يجتازون الإخضاع هي العينة والنموذج اللذين يحتلان موقعًا متأخّرًا، ويعيشان في غياهب الظلمة، وأن يكونا أيضًا الأكثر تدنيًّا، وغير المستعدين للاعتراف بالله أبدًا، والأكثر معصية له. يستطيع هذا النوع من الأشخاص الشهادةَ بأنه قد أُخضِع. إن الهدف الرئيسي من عمل الإخضاع هو هزيمة الشيطان، بينما الهدف الرئيسي من تكميل الناس هو كسبُهم، وتمكينهم من أن يشهدوا بعد إخضاعهم بأن عمل الإخضاع هذا قد تم تنفيذه هنا لأناسٍ مثلكم. والهدف من ذلك هو جعل الناس يقدمون شهادة بعد إخضاعهم. هؤلاء الناس الذين يُخضَعون سيُستخْدَمون بهدف إذلال الشيطان. إذًا، ما طريقة الإخضاع الرئيسية؟ إنها التوبيخ والدينونة وصب اللعنات والكشف باستخدام الشخصية البارّة لإخضاع الناس كي يقتنعوا تمامًا بسبب شخصية الله البارة. ما يعنيه الإخضاع هو استخدام حقيقة الكلمة وسلطانها لإخضاع الناس وإقناعهم بصورة كاملة. أما أولئك الذين تكمَّلوا فليسوا فقط قادرين على تحقيق الطاعة بعد إخضاعهم، لكنهم أيضًا قادرون على أن يكتسبوا معرفة عن عمل الدينونة، ويغيّروا شخصيتهم، ويتوصلوا إلى معرفة الله، ويختبروا طريق محبته ممتلئين بالحق. إنهم يتعرفون على كيفية اختبار عمل الله، ويصبحون قادرين على المعاناة من أجل الله، وعلى أن تكون لهم إراداتهم الخاصة. إن المكمَّلين هم أولئك الذين يتحلّون بفهم حقيقي للحق بفضل اختبارهم لكلمة الله. أمّا الخاضعون فهم أولئك الذين يعرفون عن الحق ولكنهم لم يقبلوا معناه الحقيقي. فهم يطيعون بعد إخضاعهم، لكن كل طاعتهم هي نتيجة الدينونة التي تلقوها. ليس لديهم أي فهم على الإطلاق للمعنى الحقيقي للعديد من الحقائق. فهم يعترفون بالحق شفهيًا، لكنهم لم يدخلوا في الحق. إنهم يفهمون الحق، لكنهم لم يختبروه. العمل الذي أُنجز في أولئك الذين تكمَّلوا يتضمن التوبيخات والدينونات، إلى جانب عطية الحياة. إن الشخص الذي يولي قيمةً لدخول الحق هو شخص ينبغي أن يُكمَّل. يكمن الفرق بين أولئك الذين سيتم تكميلهم والذين سيتم إخضاعهم فيما إذا دخلوا في الحق. فالمكمَّلون هم الذين يفهمون الحق وقد دخلوا فيه ويعيشونه. أما الذين لا يمكن تكميلهم فهم أولئك الذين لا يفهمون الحق ولا يدخلون فيه، أي أولئك الذين لا يعيشون الحق. إذا كان هؤلاء الأشخاص قادرين الآن على الطاعة الكاملة، فإنهم من الذين يجتازون الإخضاع. إذا لم يطلب الخاضعون الحقّ، وإذا اتبعوه دون أن يعيشوه، ولمحوا الحقّ وسمعوا به دون أن يعطوا قيمةً لعيشه فلا يمكن تكميلهم. فالأشخاص الذين سيُكَمَّلون يمارسون الحق وفقًا لمتطلبات الله على طريق الكمال، ومن خلال هذا يُتمّون مشيئة الله فيُكمَّلون. كل مَنْ يتبع حتى النهاية قَبْل انتهاء عمل الإخضاع فهو خاضعٌ، ولكن لا يمكن القول إنه مُكَمَّل. تشير كلمة "مُكَمَّلون" إلى أولئك الذين يقدرون على السعي إلى الحق وعلى أن يربحهم الله بعد انتهاء عمل الإخضاع. كما تشير الكلمة إلى أولئك الذين بعد انتهاء عمل الإخضاع يَثبتون في المحنة ويعيشون الحق. ما يميّز بين الخاضعِ والمُكَمَّل هو فروق في مراحل العمل وفي الدرجة التي يصل إليها الناس في فهم الحق والدخول فيه. وكل أولئك الذين لم يشرعوا في طريق الكمال، أي الذين لا يمتلكون الحق، فسيتم استبعادهم في نهاية المطاف. فقط أولئك الذين يمتلكون الحق ويعيشونه يمكن أن يربحهم الله تمامًا. أي أن أولئك الذين يعيشون بصورة مشابهة لبطرس هم المُكَمَّلون، في حين أن الآخرين هم الخاضعون. يشتمل العمل الذي يجري على من يجتازون الإخضاع على صبّ اللعنات والتوبيخ وإظهار الغضب، وما يتلقّونه هو البرّ واللعنات. إن العمل على شخصٍ كهذا يعني الكشف، دون مجاملة أو مراعاة للأدب، للشخصية الفاسدة بداخله كي يتعرّف عليها بنفسه ويقتنع تمامًا. وبمجرد أن يصبح الإنسان مطيعاً طاعة كاملة، ينتهي عمل الإخضاع. حتى وإن ظل معظم الناس لا يسعَون إلى فهم الحق فسيكون عمل الإخضاع قد انتهى.
توجد معايير يجب الالتزام بها إذا كنت ستُكَمَّل. من خلال إصرارك ومثابرتك وضميرك، ومن خلال سعيك، ستتمكن من اختبار الحياة وتتميم إرادة الله. هذا هو دخولك وهذه الأمور هي المطلوبة على الطريق إلى الكمال. يمكن إجراء عمل الكمال على جميع الناس. ويمكن لأي شخص يسعى إلى الله أن يُكَمَّلَ، ولديه الفرصة والمؤهلات ليُكَمَّل. لا توجد هنا قاعدة ثابتة. أمّا فيما إذا كان بالإمكان أن يُكمَّلَ المرء أم لا، فهذا يعتمد اعتمادًا أساسيًا على ما يسعى إليه. إن الناس الذين يحبون الحق ويستطيعون العيش بموجبه يُمكِن أن يُكمَّلوا بالتأكيد. أما الناس الذين لا يحبون الحق فلا ينالون الثناء من الله، ولا يملكون الحياة التي يطلبها الله، ولا يستطيعون أن ينالوا الكمال. إن عمل الكمال هو فقط من أجل كسب الناس، وهو ليس جزءًا من عمل محاربة الشيطان، أما عمل الإخضاع فهو فقط من أجل محاربة الشيطان؛ وهذا يعني استخدام إخضاع الإنسان لهزيمة الشيطان. إن عمل الإخضاع هو العمل الرئيسي، وهو أحدث الأعمال؛ العمل الذي لم يُنجَز في العصور كلّها قط. يمكن للمرء أن يقول إن الهدف من هذه المرحلة من العمل هو في المقام الأول إخضاع كل الناس من أجل هزيمة الشيطان. إن عمل تكميل الناس ليس عملاً جديدًا. فالهدف الجوهري للعمل كله خلال عمل الله في الجسد هو إخضاع الناس. وهذا يشابه عصر النعمة، عندما كان العمل الرئيسي متمثلاً في فداء جميع البشر عن طريق الصلب. كان "ربح الناس" عملاً إضافيًا إلى العمل في الجسد ولم يتم إلا بعد الصلب. عندما جاء يسوع وقام بعمله، كان هدفه في المقام الأول استخدام صلبه للانتصار على عبودية الموت والجحيم، وللانتصار على نفوذ الشيطان، أي هزيمته. ولم يَسِر بطرس خطوة تلوَ الأخرى في الطريق إلى الكمال إلّا بعد صَلبِ يسوع. بالطبع كان بطرس من بين أولئك الذين اتبعوا يسوع بينما كان يسوع يعمل، لكنه لم يُكمَّل حينها. بل بالأحرى، لم يُتمَّ يسوع عمله إلّا بعد أن فهم بطرس الحقَّ تدريجياً ثمّ أصبح مُكمّلاً. لا يأتي اللهُ المتجسدُ إلى الأرض إلا ليُكمِلَ في فترة وجيزة مرحلةً أساسيةً وحاسمةً من العمل، وليس ليعيش على الأرض بين الناس فترة طويلة بهدف تكميلهم. إنه لا يقوم بهذا العمل. وهو لا ينتظر حتى يحين وقت تكميل الإنسان تمامًا لإنهاء عمله. هذا ليس هدف تجسّده أو دلالَتَه. إنه لا يأتي إلّا لإتمام عمل خلاص البشرية قصير الأمد، وليس للقيام بعمل تكميل البشرية طويل الأمد. إن عمل خلاص البشرية هو عمل نموذجي، وقادر على إطلاق عصر جديد، ويمكن إنهاؤه في فترة زمنية وجيزة. أمّا تكميل البشرية فيتطلب السموّ بالإنسان إلى مستوى معيّن؛ وهو العمل الذي يستغرق وقتاً طويلاً. إنه عمل يجب أن يقوم به روح الله، ولكنه يتم على أساس الحق الذي تم النطق به أثناء العمل في الجسد. كما يتم تنفيذه من خلال قيامة لرسل لأداء أعمال الرعاية طويلة الأمد لتحقيق هدفه المتمثل في تكميل البشرية. لا يقوم الله المتجسد بهذا العمل، إنما يتحدث حول طريق الحياة فحسب ليفهم الناس، ولا يَهَب للبشرية إلا الحق، بدلاً من مرافقة الإنسان باستمرار خلال ممارسته للحق، فهذا ليس في إطار خدمته؛ لذلك لن يرافق الله الإنسان حتى اليوم الذي يفهم فيه الإنسانُ الحقَّ بالكامل ويناله كاملاً. ينتهي عمله في الجسد عندما يدخل الإنسان رسميًا المسار الصحيح للإيمان بالله؛ أي عندما يخطو الإنسانُ في المسار الصحيح للكمال. هذا بالطبع يكون أيضًا عندما يكون اللهُ قد هزم الشيطانَ هزيمة كاملة وانتصر على العالم. لا يعنيه ما إذا كان الإنسان قد دخل في الحق في نهاية المطاف، كما لا يعنيه ما إذا كانت حياة الإنسان عظيمة أم وضيعة؛ فليس المطلوب من الله وهو في الجسد أن يُدبِّرَ أيًا من ذلك؛ فخدمة الله المُتجسّد لا تتضمن أيًّا منها. فبمجرد الانتهاء من عمله المقصود سيختتم عملَه في الجسد. لذا، فالعمل الذي يقوم به الله المُتجسّد إنما هو العمل الذي لا يُمكن لروح الله أن يفعله بطريقة مباشرة، علاوةً على أنه عمل الخلاص قصير الأجل، وليس العمل الذي سينفذه على الأرض على مدى أجل طويل.
لا يدخل النهوض بمقدرتكم ضمن مجال عملي. أطلب منكم فعل هذا فقط لأن مقدرتكم متدنية جدًا. في الحقيقة، هذا ليس جزءًا من عمل التكميل، إنما هو عملٌ إضافيٌّ يُنفَّذ فيكم. يتم العمل المنجزُ فيكم اليوم وفقًا لما تحتاجون إليه؛ فهو مناسب لاحتياجات كل فرد فيكم على حدة، وليس مسارًا ينبغي على كل من يُكمَّل الدخول فيه. ونظرًا لأن مقدرتكم أقل من أي شخص قد تكمَّل في الماضي، فعندما يُنفَّذ هذا العمل عليكم ستعترضه عوائق كثيرة جدًا. أنا أقوم بينكم بهذا العمل الإضافي لأن أهداف الكمال مختلفة. أساسًا، عندما يأتي الله إلى الأرض، يبقى ضمن مجال اختصاصه المناسب، ويقوم بعمله، ولا يشتت انتباهه بأمور أخرى غير ذات صلة. فهو لا يتدخل في شؤون الأسرة أو يشارك الناس حياتهم. إنه لا يكترث أبدًا بهذه التفاهات؛ فهي ليست جزءًا من خدمته. لكن مقدرتكم أقل بكثير مما طلبته – وبالفعل ليس هناك من مقارنة – حتى إنها تطرح عقبات كأْداء أمام العمل. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم هذا العمل بين الناس في هذه الأرض التي هي الصين. أنتم دون مستوى التعليم بمراحل، لدرجة أنه ليس أمامي خيار سوى المجاهرة بمطالبتكم بأن تعلّموا أنفسكم. لقد أخبرتكم أن هذا عمل إضافي، ولكنه أيضًا شيء عليكم تحصيله؛ فهو سيساعدكم على أن تصبحوا كاملين. الحقيقة أن التعليم والمعرفة الأساسية عن الانضباط الذاتي، والمعرفة الأساسية عن الحياة هي أمور يجب أن تمتلكوها بصورة طبيعية. لا يتعين علي أن أتحدث معكم عن هذه الأمور. ولكن بما أنكم لا تقتنونها، فلا خيار آخر أمامي سوى أن أقوم بعمل غرس هذه الأمور فيكم بعد أن وُلِدْتُم بالفعل في العالم. حتى وإن كنتم تضمرون الكثيرَ من التصوّرات عني، ما زلت أطالبكم بهذا، ما زلت أطالبكم بأن ترفعوا من مستوى مقدرتكم. ليست نيتي أن آتي وأقوم بهذا العمل؛ لأن عملي هو لإخضاعكم فحسب، لأحصل على يقينكم الكامل من خلال دينونتكم، وبذلك أدلّكَم على طريق الحياة الذي عليكم دخوله. وبعبارة أخرى، مهما كنتم متعلمين، وكنتم على دراية بالحياة، فهذا لا علاقة له بي مطلقًا لولا حقيقة أن عليّ إخضاعكم بكلمتي. أُضيفت كل هذه الأمور لضمان تحقيق النتائج في عمل الإخضاع ومن أجل كمالكم اللاحق. هذا ليس جزءًا من عمل الإخضاع. وبما أنكم ذوو مقدرة ضعيفة وأنكم كسولون ومهملون وحمقى وبلداء وأغبياء وبُله، ولأنكم غير أسوياء للغاية، فإنني أطالبكم أولاً أن ترفعوا من مستوى مقدرتكم؛ فكل مَنْ يريد أن يصبح كاملاً عليه أن يستوفي معايير معينة. لكي يُكمّل المرء، عليه أن يكون ذا عقلٍ صافٍ ورصين، وأن يكون مستعدًا لعيش حياة ذات مغزى. إذا كنت شخصًا غير راغبٍ في عيش حياة جوفاء، بل يسعى نحو الحق، ويَجِدُّ في كل أمرٍ يفعله، شخصًا بطبيعة بشرية عادية على نحو استثنائي، عندئذٍ تلبّي الشروط اللازمة لتصبح كاملاً.
يجري تنفيذ هذا العمل بينكم وفقًا لماهية العمل الذي ينبغي إنجازه. فبعد إخضاع هؤلاء الأشخاص، سيتم منح جماعة من الناس الكمال. ولذلك، فإن الكثير من العمل في الوقت الحالي يمهّدُ أيضًا لهدف تكميلكم، لأن هناك أناسًا كثيرين يتوقون إلى الحق ويمكن تكميلهم. إذا كان سيُنفَّذ فيكم عمل الإخضاع دون أن يُنجَز بعده عملٌ آخر، ألا يكون الحال عندها أنّ بعض الذين يتوقون إلى الحق لن يحصلوا عليه؟ يهدف العمل الحالي إلى فتح سبيل لتكميل الناس لاحقًا. على الرغم من أن عملي هو مجرد عمل الإخضاع، فإن طريق الحياة الذي أتحدث عنه هو مع ذلك تمهيدٌ لتكميل الناس لاحقًا. العمل الذي يتْبع الإخضاع يركّز على تكميل الناس، ويتم الإخضاع لوضع أساس لعمل التكميل. لا يمكن للإنسان أن يُكمَّل إلا بعد إخضاعه. المهمة الرئيسية الآن هي في الإخضاع؛ لاحقاً سيُكمَّلُ أولئك الذين يسعون ويتوقون إلى الحق. يشتمل التكميلُ على جوانب الناس الإيجابية في الدخول: هل تتحلى بقلبٍ محبٍّ للّه؟ ما عمق تجربتك وقد سرتَ في هذا الطريق؟ ما مدى نقاء محبّتك لله؟ ما مدى دقة ممارستك للحق؟ لكي يُكَمَّل المرء، عليه أن يتحلى بمعرفة أساسية بجميع جوانب الناسوت. هذا شرط أساسي. كل أولئك الذين لا يمكن تكميلهم بعد إخضاعهم يصبحون أدوات للخدمة وسيُطرحون في نهاية المطاف في بحيرة النار والكبريت وسيستمرون في السقوط في الهوة السحيقة؛ لأن شخصيتكم لم تتغير وما زلتم تنتمون إلى الشيطان. إذا كان الإنسان يفتقر إلى شروط الكمال، فعندئذٍ يكون عديم الفائدة: بل نفاية، أو أداة، أو شيئًا لا يستطيع الصمود في تجربة النار! ما مدى محبتك لله الآن؟ ما مدى مقتك لنفسك؟ ما مدى عمق معرفتك بالشيطان حقًا؟ هل قوّيتَ عزيمتك؟ هل حياتك داخل ناسوتك منتظمة جيدًا؟ هل تغيّرتْ حياتك؟ هل تحيا حياة جديدة؟ هل تغيّرتْ نظرة حياتك؟ إذا لم تكن هذه الأمور قد تغيّرت، فلا يمكن أن تُكَمَّل حتى وإن لم تتراجع، بل أنت بالأحرى قد أُخضِعتَ فحسب. عندما يحين الوقت لاختبارك، ستكون مفتقرًا للحق، ولك طبيعة بشرية شاذّة، وستكون وضيعًا كالدابّة. سيكون إنجازك الوحيد هو الإخضاع فحسب؛ إذْ ستكون مجرد شيء أخضعته. خذ الحمار مثالاً، فبعد اختباره سوطَ سيّده يصبح خائفًا ويفزع من إساءة التصرّف في كل مرة يرى فيها سيده، أنت مجرد حمارٍ تم إخضاعه. إذا افتقر شخص إلى تلك الجوانب الإيجابية، وكان بدلاً من ذلك سلبيًا وخائفًا، وخجولاً ومترددًا في كل الأمور، وغير قادر على تمييز أي شيء بوضوح، وغير قادر على قبول الحق، ومع ذلك لا سبيل له للممارسة، وهو فوق ذلك لا يملك قلبًا مُحبًا لله؛ وإذا كان لا يفهم كيف يحب الله، وكيف يعيش حياة هادفة، أو كيف يكون شخصاً حقيقيًا، فكيف يمكن أن يقدم مثل هذا الشخص شهادة لله؟ هذا يدلّ على أن حياتك ذات قيمة ضئيلة وأنك مجرد حمار تم إخضاعه. سيتم إخضاعك، ولكن هذا لا يعني سوى أنك قد تخلّيتَ عن التنين العظيم الأحمر ورفضتَ الخضوع لِمُلكه، ويعني أنك تؤمن أن هناك إلهًا، وتريد أن تطيع كل خطط الله دون أي تذمّر. أمّا بالنسبة إلى الجوانب الإيجابية، هل أنت قادر على أن تحيا بحسب كلمة الله وتُظهِره؟ إن لم يكن لديك أي من هذه الجوانب، فهذا معناه أن الله لم يربحك، وأنك مجرد حمار تم إخضاعه. لا شيء مُستَحَبٌّ فيك، ولا الروح القدس يعمل فيك. إن طبيعتك البشرية تفتقرُ إلى الكثير، ومن المستحيل أن يستخدمك الله. يجب أن تنال استحسان الله، وتكون أفضل مائة مرة من البهائم غير المؤمنة والموتى الأحياء. فقط أولئك الذين يبلغون هذا المستوى يكونون مؤهلين ليصبحوا كاملين. لا يكون المرء مؤهلاً لاستخدامه من قِبَل الله إلا ذا كان لديه طبيعة بشرية وضمير. لا يمكن اعتباركم بشرًا إلا بعد تكميلكم؛ فالمُكَمَّلون وحدهم يعيشون حياةً ذات مغزى. وأمثال هؤلاء الناس هم وحدهم من يمكنهم أن يعطوا شهادة مدويّة لله.