مبادئ ممارسة الخضوع لله
السبب في أن الجميع يحسدون أيوب اليوم هو أنه كان يملك إيمانًا حقيقيًا. ولكن هل سبق لكم أن عقدتم شركة عن تفاصيل اختباراته ولماذا كان قادرًا على الشهادة بحق؟ كيف كانت حياته اليومية؟ كيف كان يتصل بالله في حياته؟ من خلال كل عمل من أعماله، كيف يمكننا أن نرى طلبه للحق، وخضوعه لله وقبوله لترتيباته وتدابيره؟ أليست هذه الأمور تتعلق بالتفاصيل؟ (نعم). هذه الأمور تتعلق بتفاصيل السعي إلى الحق، وهو شيء يفتقر إليه الناس اليوم. الناس يعرفون فقط قول أيوب الشهير: "يَهْوَه أَعْطَى وَيَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا" (أيوب 1: 21). يمكنهم جميعًا تلاوة هذه العبارة، لكنهم لا يعرفون بوضوح سبب قدرة أيوب على قولها. إن هذه العبارة الشهيرة لم يتسن لأيوب قولها بسهولة؛ فهي لم تتأت له إلا بعد حياة كاملة من الاختبار. ففي حياته من الاختبار، رأى أيوب ترتيبات وتدابير يد الله وأعمال الله في العديد من الأمور، ورأى أن كل ثرواته كانت موهوبة من الله. وفي يوم من الأيام، اختفت كل تلك الأشياء، وعلم أن الله أخذها منه. وكان الاستنتاج الذي توصل إليه أيوب هو أنه مهما كان ما فعله الله، فيجب أن يتبارك اسم الله. فكيف توصل إلى هذا الاستنتاج؟ أليس الوصول إلى هذا الاستنتاج يتطلب عملية؟ يتضمن هذا الطريق الذي يسلكه الناس اليوم أثناء سعيهم إلى الحق، وتلك هي كيفية الوصول إلى هذه النتيجة، وكيفية تحقيق هذه المكاسب. هذه المكاسب لا تُحصل في غضون أيام، أو حتى بضع سنين؛ فهي تمس كل جانب وكل تفصيلة من حياة الناس.
إن إيمان أيوب بالله لم يكن مجرد إيمان شكلي؛ فقد كان هو التجسيد النموذجي للمؤمن الصادق. لقد كان يصلي لله في كل الأمور. فعندما كان ينزعج من لهو أبنائه، كان يصلي لله ويعهد بهم إليه؛ وكان يصلي كثيرًا بشأن كيفية تربية ماشيته. كان يعهد بكل شيء إلى يدي الله. ولو أنه كان مثل غير المؤمنين، دائمًا ما يخطط ويحسب لتربية ماشيته بإرادة الإنسان، معتمدًا فقط على عقله وخياله، ويُجهِد عقله لتحقيق الأهداف التي خطط لها، فحتى إن اختبر حينها العديد من الإخفاقات والعقبات، فهل كان سيستطيع رؤية يد الله وسيادته وترتيباته؟ (كلا). لو لم يكن يصلي لله كثيرًا، ما كان ليختبر بركات الله؛ بل كان سيظل سلبيًا وضعيفًا في أغلب الأحيان مثل مؤمن عادي، بل ربما تولد بداخله مزاج مقاوم. "دائمًا ما يقول الناس: الله موجود. أنا أؤمن بالله، لكن الله لا يباركني وفقًا لخططي! أنا أعبد الله وأقدم التضحيات كل يوم. إذا كان الله موجودًا حقًا، فإن بركاته لي يجب أن تكون أكبر مما يمكنني أن أطلبه أو أتخيله. كيف لم أحقق هذا الهدف بعد؟ من الصعب القول ما إذا كان الله موجودًا بالفعل أم لا". كان أيوب سيتساءل بشأن وجود الله، وهذا تأثير سلبي. فمن جهة، لم يكن ليتمكن من رؤية يد الله أو سيادته وترتيباته. وإضافة إلى ذلك، كان سيشكو من الله، وكانت ستنشأ لديه مفاهيم خاطئة، وعَداء، وتمرد على الله. إذا كان الأشخاص الذين يؤمنون بالله يسيرون في طريقهم الخاص، ساعين دومًا وراء البركات، فهل سيكونون قادرين في النهاية على أن يقولوا مثلما قال أيوب: "يَهْوَه أَعْطَى وَيَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا"؟ هل ستنشأ لديهم هذه المعرفة الاختبارية؟ (كلا). كلا بكل تأكيد. ولم لا؟ من أين تنبع هذه المشكلة؟ (إنهم لا يؤمنون بسيادة الله، ولا يطلبون من الله؛ بل يحلون الأمور بطرق بشرية). لماذا يجهد الناس عقولهم باستخدام الطرق البشرية لتحقيق أهدافهم الخاصة بدلًا من الاعتماد على الله؟ عندما يضعون الخطط، هل يطلبون تحقيق رغبات الله؟ هل لديهم موقف خاضع، قائلين: "لا أعرف ما الذي سيفعله الله. سأضع هذه الخطة أولًا، وسأجري هذه الحسابات، لكني لا أعلم ما إذا كانت خطتي ستحقق هدفي أم لا؛ إنها مجرد خطة. إذا حققت الخطة هدفي، فهذه بركة من الله. وإذا لم تحقق الهدف، فهذا بسبب عمى بصيرتي؛ خطتي لم تكن متوافقة مع مقاصد الله." هل لديهم مثل هذا الموقف؟ (كلا). إذن كيف تنشأ مسارات العمل هذه؟ تلك تصورات ومفاهيم بشرية، رغبات بشرية، ومتطلبات بشرية غير معقولة من الله؛ وهي تنشأ من الشخصيات الفاسدة. هذا أحد الجوانب. بالإضافة إلى ذلك، هل لدى هؤلاء الأشخاص قلب خاضع لله؟ (كلا). وكيف تعرف أنهم لا يمتلكون قلبًا خاضعا لله؟ (إنهم يشعرون باحتياج تام لتحقيق الخطط التي وضعوها). أي شخصية هذه؟ إنها شخصية التكبر والتمرد. إنهم يؤمنون أن الله يباركهم، ولكن عندما تكون لديهم رغباتهم وحساباتهم الخاصة، فإنهم يُنحون الله جانبًا؛ هذه شخصية متكبرة. هل هم خاضعون لله عندما يُنحونه جانبًا؟ كلا، ليسوا كذلك، والله ليس في قلوبهم. إنهم لا يفكرون على الإطلاق في سيادة الله على الأمور وترتيبه لها، فضلًا عن الكيفية التي يريد عمل الأشياء بها. هم لا يفكرون في هذه الأمور. ما الذي يمكن أن نستخلصه من ذلك؟ إنهم لا يطلبون أي شيء، ولا يخضعون، ولا يمتلكون قلبًا يتقي الله. إنهم يضعون خططهم الخاصة أولًا، وبعد ذلك، يتصرفون ويعملون باجتهاد وفقًا لخططهم، معتمدين على الأساليب والتصورات والمفاهيم البشرية دون التفكير في مقاصد الله على الإطلاق. عندما يتعلق الأمر بتربية الماشية، على الأقل يجب أن يعرف الناس في قلوبهم أن "الإنسان يجب أن يبذل قصارى جهده في القيام بما يجب عليه والخضوع لمشيئة السماء"، وهو ما يعني: "سأتمم مسؤولياتي في تغذية الماشية، ولن أتركها تعاني من نقص التغذية، أو البرد، أو الجوع، أو المرض. أما عدد النسل الذي ستنجبه العام المقبل فهذا أمر بيد الله؛ لا أعرفه، ولا أطلبه، ولن أضع خططًا. هذه الأمور كلها بيد الله". فإذا استمروا في الاعتماد على المفاهيم والتصورات البشرية في التصرف، فهل يكون لديهم موقف خاضع لله؟ (كلا). أي من هذين الطريقين ينبع من إرادة الإنسان، وأيها خاضع لله؟ (الأول ينبع من إرادة الإنسان، وهو طريق عديمي الإيمان؛ أما الطريق الثاني فهو طريقة أولئك الذين يؤمنون بالله بصدق ويطلبون الحق). إنهم جميعًا يؤمنون بالله، ويفعلون الشيء نفسه، لكن الدافع وراء أعمالهم، وكذلك مصدرها وهدفها جميعها مختلفة، وكذلك المبادئ مختلفة. وهكذا، يمكننا رؤية الطريق الذي يسلكه الناس. أليس هناك فرق؟ إن جوهر الشخص عديم الإيمان هو نفسه جوهر غير المؤمنين. ما هو مصدر أعمالهم والهدف من وراء تلك الأعمال؟ كل شيء من أجل مصالحهم الخاصة، والربح هو الشغل الشاغل لعقولهم، لذا فهم يعتمدون بالكامل على إرادتهم الخاصة في أعمالهم. لماذا أقول إنهم يعتمدون على إرادتهم الخاصة؟ إنهم يضعون خططهم بالكامل بعد تفكير دقيق، ولا يتصرفون بشكل مندفع أو أعمى؛ بل لديهم مقاصد وأهداف. هم لا يأخذون في اعتبارهم مقاصد الله، ويتصرفون بالكامل وفقًا لعزمهم الخاص. لا أحد يضع لهم الخطط، ولا أحد يجبرهم على التصرف بهذه الطريقة. بل هم أنفسهم عازمون على التصرف وفقًا لخططهم، لذا يعتمدون على إرادتهم الخاصة. ثم، وفقًا لخططهم الخاصة، يُجهِدون عقولهم ويتصرفون – مهما كان الثمن – بهدف إشباع رغباتهم الخاصة وتحقيق أهداف تلك الخطط. وأثناء تصرفهم، تكون لديهم أيضًا تلك الفكرة الغامضة: "أنا أؤمن بالله، لذا فهو سيباركني بالتأكيد". أليس هذا مخزيًا؟ على أي أساس سيباركك الله؟ كيف تعرف أن الله سيباركك؟ هل سيفعل الله الأمور بناءً على تحديداتك؟ أليست هذه فكرة غير معقولة؟ إذا كنتم تعتقدون أن الله سيبارككم بالتأكيد، فهل هذا يعادل الخضوع لسيادة الله وترتيباته؟ (كلا). لكن العديد من الناس يخلطون بين الأمرين. يقولون: "أؤمن أن الله سيباركني، أؤمن أنه سيحمي كل ما أملك، وأؤمن أنه سيلبي رغباتي!". إنهم يعتقدون أن هذا هو موقف الخضوع لله. أليس هذا خطأً؟ إنه ليس خطأ فحسب، ولكنه أيضًا تمرد وتجديف على الله. إن الإيمان بأن الله سيباركك لا يعني أنك تخضع لسيادة الله وترتيباته؛ إنهما أمران مختلفان تمامًا. إذا قلت ذلك، فإنك خاضع بالكامل لسيطرة طبيعتك المتكبرة، وقول هذا لا يتوافق مع مبادئ الحق.
ما جوهر السلوك المتمرد ضد الله الذي عقدت شركة عنه للتو؟ شرِّح أصل هذه المسألة. هل ثمة ممارسة للحق فيها؟ هل فيها أي خضوع؟ هل ثمة مكان لله في قلوبهم؟ هل لديهم قلوب تتقي الله؟ (كلا). أنتم جميعًا تقولون لا، لذا لنكون محددين، ما الطرق التي تظهر بها هذه الأشياء؟ عليكم أن تقارنوا هذا بأنفسكم، وأن تعرفوا كيف تُشرِّحوه. إذا كنتم تعرفون كيف تُشرِّحون ذلك، فستعرفون كيف تحكمون على الحالة التي بداخلكم، وستعرفون كيف تحكمون على ما إذا كان كل ما تمارسونه يتفق مع المبادئ أم لا، وما إذا كنتم تمارسون الحق أم لا. أولًا، إذا قام الناس بوضع خططهم أولًا، دون طلب الحق، فهل ثمة خضوع هنا؟ (كلا). وبما أنه ليس هناك خضوع، فكيف ينبغي للمرء أن يمارس ليكون خاضعًا؟ (يطلب إرضاء رغبات الله أولًا). في كثير من الأمور، لا يظهر الله لك رغباته بوضوح، فكيف يمكنك إذن التأكد من أنك تمارس الحق؟ (علينا الاعتماد على الصلاة لله للتأكد). إذا صليت بضع مرات وكنت لا تزال لا تفهم رغبات الله، فماذا تفعل حينئذ؟ لا تتصرف بشكل أعمى. أولًا، انظر ما إذا كان التصرف بهذه الطريقة ضروريًا أم لا، وما إذا كانت هذه الأفعال جزءًا من ترتيبات الله، وما إذا كانت الشروط للتصرف بهذه الطريقة متحققة أم لا، وما إذا كان يمكنك تنفيذ خطتك أم لا. إذا كنت لن تتمكن من تنفيذ خطتك، لكنك مستمر في التمسك بهذه الخطة، ألا يعني ذلك أن مسار العمل هذا غير عقلاني؟ إنَّ معرفة ما إذا كانت خططك وأفكارك واقعية أم لا، هو أمر مهم للغاية. أنت تفكر في قلبك: "سأضع أولًا هذه الخطة، وإذا باركني الله، فربما سأربح حتى ما هو أكثر من ذلك!". إن لديك عقلية محظوظة، ومن ثم فإنك تعتمد على إرادتك الخاصة وتحاول التمسك برأيك؛ طموحاتك ورغباتك عظيمة، وأنت متكبر وبربري. إن خطط الناس وتحديداتهم دائمًا ما تحتوي على انحرافات، وهي ليست أشياء يجب عليهم ممارستها. عندما لا يفهم الناس الحق أو مقاصد الله، هل يمكن أن تكون خططهم وتحديداتهم صحيحة؟ هل يمكن أن تكون متوافقة مع مقاصد الله؟ هذا ليس أمرًا أكيدًا، لأن هناك العديد من الأمور التي لا يستطيع الناس فهمها، ولا يمكنهم البت فيها؛ فتحديدات الناس وخططهم كلها تصورات البشر وتخميناتهم وأحكامهم. إن أولئك الذين لا يفهمون الحق لا يستطيعون رؤية أن كل الأمور بين يدي الله، وأنه هو رتَّبها ونظَّمها. يجب عليك أن ترى ما تفعله يدا الله، وما مقاصده، والعمل الذي يقوم به حاليًا على الناس. وإذا كانت خططك وقراراتك تتعارض مع العمل الذي يريد الله القيام به، أو تعارض رغبات الله، فماذا ستكون النتيجة؟ من المؤكد أن خططك ستفشل. ومن هذا الأمر، يجب أن ترى بوضوح أن الناس يجب ألا يخططوا؛ فالتخطيط، في حد ذاته، خطأ. كيف ينبغي للناس إذن أن يمارسوا بشكل صحيح؟ ينبغي عليهم أن يتعلموا التعامل مع الأمور حال وقوعها، ويجب ألا يتصرفوا بشكل أعمى أو يخططوا لأشياء لا يمكنهم فهمها. ثمة العديد من الأمور التي لا يمكنك فهمها، وأنت لا تعرف ما المشاكل التي قد تظهر في المنتصف. هل هذه المواقف غير المتوقعة ضمن الخطط التي يضعها الناس؟ كلا بالتأكيد، لذا فإن خطط الناس كلها مجرد تصورات بشرية، وأمور فارغة، وغير عملية. فما الذي يجب على الناس فعله إذن؟ من ناحية، يجب أن يكون لديهم قلب خاضع لله، ويجب ألا يضعوا أي خطط خاصة بهم؛ ومن ناحية أخرى، يجب عليهم أيضًا تتميم مسؤولياتهم وواجباتهم، دون أن يكونوا غير مبالين. فيما يتعلق بما إذا كان يمكنك إنجاز الأمور التي تخطط لها وتحددها، فذلك بين يدي الله. ربما تخطط قليلًا، لكن الله يمنحك الكثير؛ وربما تخطط كثيرًا، لكنك لا تتلقى الكثير. بعد المرور بالكثير من مثل هذه الاختبارات المماثلة، ستدرك ألا شيء يتغير بناءً على إرادة الإنسان أو خططه. الأمر كله يعتمد على كيفية ترتيب الله للأمور وسيادته عليها؛ فجميع الأشياء بين يديه. وعن طريق مراكمة الاختبارات باستمرار بهذه الطريقة، يرى الناس بالفعل أن الله يسود حقًا على كل شيء. إذا تأكدت في صميم قلبك من حقيقة أن الله له السيادة على كل شيء، فستكون قد ربحت الحق، وهو يُربَح بواسطة الاختبارات. في بعض الأحيان، قد تكون خططك جيدة للغاية، لكن الأشياء غير المتوقعة يمكن أن تحدث في أي لحظة؛ فأنت لا تستطيع أن تتخيل الأشياء الفريدة العديدة التي يمكن أن تحدث، والتي قد تتجاوز تصوراتك وخططك بكل طريقة ممكنة. كثير من الأمور يمكن أن تجعلك تشعر أنك لم تكن مستعدًا، وأنت لا تدري أين تكمن الأخطاء في خططك، وما إذا كانت ستنجح أو ستفشل، وما يستطيع الناس فعله وما لا يستطيعون. على مستوى اللاوعي، تشعر أن هناك العديد من الأمور التي لا يستطيع البشر التنبؤ بها، والتي تكون خارج حدود خططهم وتصوراتهم. فما النتيجة التي تصل إليها في مثل هذا الوقت؟ (أن الله يسود على كل شيء). ثمة تفصيلة في سيادة الله على كل شيء؛ وهي أنه إذا لم يمنحك الله شيئًا ما، فمهما اجتهدت، أو تعبت، أو ناضلت، فلا فائدة من ذلك. وإذا باركك الله، فكل شيء سيسير بسلاسة، دون عائق، ولا يمكن لأحد عرقلتك. أنت تدرك أنه فيما يتعلق بهذا الأمر، الله هو صاحب القول الفصل، وأن الله يمكنه رؤية جميع خططك بوضوح تام، وأن الأمر كله بيدي الله. وبهذا الاختبار، سيبدأ قلبك دون وعي يمتلك نظرة ومعرفة صحيحة عن سيادة الله. أي نظرة وأي معرفة؟ الله هو من يمنحها لك. وإذا أراد الله أن يأخذها؛ مهما عظم خضوعك لله أو معرفتك به؛ إذا أراد أن يأخذها، فسيأخذها. إن كل شيء بيدي الله، كل شيء مقدر منه مسبقًا، وكل شيء بترتيب منه. لا ينبغي أن يكون لك خيار. في هذا الوقت، هل ستظل خططك، وحساباتك، وأهدافك الشخصية تحتل مكانة مهيمنة في قلبك؟ كلا، بل ستقل هذه الخطط والحسابات البشرية بشكل غير واعٍ، وسوف تتخلى عنها. وكيف تُستبدل هذه الأمور؟ إن اختبارك لسيادة الله يعادل رؤيتك لسيادته. فعلى الرغم من أن الله لا يقول لك لماذا أخذ هذه الأشياء منك، فإنك ستفهم على أي حال بشكل غير واعٍ. وعندما يباركك الله بشيء معين، أو يمنحك الكثير من الثروات، لا يقول لك لماذا يفعل ذلك؛ لكن ثمة شعور يكون لديك في قلبك، وتدرك أن هذه بركة من الله، وليست شيئًا يمكن للشخص أن يكسبه. في يوم من الأيام، ستؤخذ منك بعض الأشياء، وستكون واعيًا بوضوح في أعماق قلبك أن ذلك من الله. عندما تكون واعيًا بكل هذا بوضوح، ألن تشعر أن الله يرشدك في كل خطوة تخطوها، وفي كل يوم تعيشه، وفي كل سنة تمر عليك؟ وإذ يرشدك الله، ستشعر بشكل غير واعٍ أنك قد التقيته وجهًا لوجه، وأنك تتفاعل معه كل يوم، وأنك في كل يوم تكتسب معرفة جديدة، وفي كل سنة تحصد حصادًا عظيمًا. ودون وعي منك، سيتعمق فهمك لسيادة الله وترتيباته على نحو غير مسبوق. وعندما يكون لك اختبار على هذا المستوى، ألا يكون لله مكان في قلبك؟ إذا كان لله مكان في قلبك، فإنك تمتلك قلبًا يتقي الله، فهل يمكن لأي أشياء، أو أفكار، أو نظريات أخرى أن تضللك، أو تربكك، أو تجعلك تبتعد عن الله؟ هذا مستحيل. فقط إذا كانت لديك معرفة حقيقية بالله، وإذا كان الحق قد رسخ نفسه في قلبك، يمكن لله أن يسكن قلبك إلى الأبد. لكن إذا لم يكن الحق قد ترسخ في قلبك، فهل يمكن أن يكون الله في قلبك لفترة طويلة؟ كلا بالتأكيد، لأن قلبك يمكن أن يبتعد عن الله ويخونه في أي لحظة. وإذا كان الناس دائمًا ما يستخدمون تصوراتهم، ومفاهيمهم، وخططهم، وحساباتهم، ورغباتهم الشخصية لتوجيه حياتهم، فهل يمكنهم أن يصلوا إلى هذه المعرفة بالله؟ (كلا). لذا، لكي تحقق الخضوع لله مثل أيوب، لا بد أن يكون طريق اختبارك وممارستك صحيحًا. إذا كانت هناك انحرافات في طريق ممارستك، فمهما بلغت قوة إيمانك أو إرادتك، فلا فائدة من ذلك؛ ومهما كانت طموحاتك راقية، فهي بلا فائدة. في كثير من شؤون الحياة، تنطوي طرق ممارسة الناس على انحرافات. من الخارج، يبدو الناس قادرين على تحمل الكثير من المعاناة ودفع ثمن باهظ، وأن لديهم عزيمة عالية، وأن قلوبهم مشتعلة بالحماس؛ لكن لماذا بعد عدد من الاختبارات المتراكمة، لا يكسبون في نهاية المطاف، معرفة اختبارية بسيادة الله وترتيباته؟ ذلك لأن طرق الناس في الممارسة بها انحرافات، ولأن وعيهم الذاتي، ومفاهيمهم وتصوراتهم، إضافةً إلى خططهم، دائمًا ما تأتي في المقدمة. تأتي هذه الأشياء في المقدمة، لذا يحجب الله نفسه عنهم. يقول كلام الله: "أظهر للملكوت المقدس، وأحجب نفسي عن أرض الدنس". ما الذي تشير إليه عبارة "أرض الدنس"؟ إنها تشير إلى مختلف رغبات الناس، وخططهم، وتحديداتهم؛ وحتى نواياهم الطيبة والنوايا التي يظنون أنها سليمة. هذه الأشياء تعيق الله عن القيام بعمله عليك، وهي مثل جدار قائم أمام وجهك، يحيط بك تمامًا، بحيث لا يمكنك أبدًا أن ترى سيادة الله أو تختبرها. وإذا كنت لا تستطيع أن ترى أو تختبر سيادة الله، فهل يمكنك أن تصل إلى معرفة سيادته؟ (كلا). لن يمكنك أبدًا إن تصل إلى معرفة سيادة الله.
لننظر إلى موقف أيّوب عند تعامله مع أبنائه. كان أيّوب يتّقي يهوه، ولكنّ أبناءه لم يؤمنوا بالله؛ أما كان الغرباء ليعتقدوا أنّ هذا كان مُحرجًا جدًّا لأيوب؟ وفقًا لمفاهيم الإنسان، كان أيّوب من عائلةٍ كبيرة، وكان يتّقي الله يهوه، ولكنّ أبناءه لم يؤمنوا بالله، لذا لم يكن يحظَ بأيّ كرامة. ألم تأتِ فكرة الكرامة هذه من مشيئة الإنسان، من تهور الإنسان؟ قد يفكّر الناس: "هذا ليس أمرًا جديرًا بالكرامة على الإطلاق. يجب أن أفكّر في طريقةٍ لجعلهم يؤمنون بالله، واستعادة كرامتي". ألا ينبع هذا من مشيئة الإنسان؟ هل هذا ما فعله أيّوب؟ (كلا). كيف سُجّل هذا في الكتاب المقدّس؟ (قدم أيّوب الأضاحي وصلّى من أجلهم). لقد قدم أيوب الأضاحي وصلّى من أجلهم فحسب. ما نوع هذا الموقف؟ هل يمكنكم أن تروا المبادئ التي كان يمارسها أيّوب؟ لا نعلم ما إذا كان أيّوب قد اعترض على احتفال أبنائه أو تدخّل ليمنعهم، لكنّه بالتأكيد لم يشاركهم، لقد قدم الأضاحي من أجلهم فحسب. هل صلّى يومًا ما قائلًا: "يا الله يهوه، حرّكهم، اجعلهم يؤمنون بك، اجعلهم ينالون نعمتك، اجعلهم يتّقونك ويحيدون عن الشرّ كما أفعل؟". هل صلّى بهذه الطريقة قط؟ لا يحتوي الكتاب المقدّس على مثل هذا السجل. كان فعل أيّوب هو الابتعاد عنهم، والتضحية من أجلهم، والقلق عليهم لئلّا يُخطئوا بحق الله يهوه. مارس أيّوب هذه الأشياء. فماذا كانت مبادئ ممارسته؟ لم يفرض عليهم شيئًا. فهل أراد أيّوب لأبنائه أن يؤمنوا بالله أم لا؟ بالطبع أراد لهم ذلك. فكأبٍ يؤمن بالله، فإن رؤية أبنائه يتشبّثون بالعالم بهذه الطريقة، دون أن يؤمنوا بالله بصدق، كان أمرًا يحزنه للغاية. لقد أراد بالتأكيد أن يأتي أبناؤه أمام الله، وأن يقدموا الأضاحي مثل ما قدمها هو، وأن يتّقوا الله ويحيدون عن الشرّ، ويقبلوا سيادة الله وترتيباته. هذه ليست مسألة كرامة، بل هي مسؤوليّة الوالدين. لكنّ أبناءه اختاروا ألّا يؤمنوا، وكأبٍ، لم يفرض أيّوب عليهم ذلك. كان هذا موقفه. فماذا فعل إذن؟ هل أجبرهم، أم حاول إقناعهم؟ (كلا). كلا بكل تأكيد. على الأكثر، كان يُلقي ببضع كلماتٍ من الوعظ بين الحين والآخر، وعندما لم يستمع أبناؤه، تخلّى عن ذلك. أخبرهم ألّا يفعلوا أيّ شيءٍ محظور، ثمّ انفصل عنهم، ووضع حدًّا واضحًا بينه وبينهم، حيث يعيش كلّ شخصٍ حياته الخاصّة. لقد قدم أيّوب الأضاحي من أجلهم خوفًا من أن يُسيئوا إلى الله يهوه؛ لم يُضحِ مكانهم، بل فعل ذلك لأنّه كان يملك قلبًا يتّقي الله. لم يفرض أيّوب عليهم شيئًا، ولم يجبرهم، ولم يقل: "هؤلاء أبنائي، ويجب أن أجعلهم يؤمنون بالله، حتى يربح الله بضعة أشخاص آخرين ". لم يقل هذا، ولم يكن لديه أيّ خطّة أو تدبير من هذا القبيل، ولم يتصرّف بهذه الطريقة. لقد كان يعلم أنّ التصرّف بهذه الطريقة ينبع من مشيئة الإنسان، وهو ما لا يُحبه الله. لقد وعظ أيّوب أبناءه فقط، وصلّى من أجلهم، لكنّه لم يفرض عليهم الأمر أو يُجبرهم، بل وضع حدًّا واضحًا بينه وبينهم. كانت هذه هي عقلانية أيّوب، ومبدأ الممارسة أيضًا: لا تعتمد على مشيئة الإنسان أو المقاصد الطيبة للقيام بأيّ شيءٍ من شأنه أن يُسيء إلى الله. بالإضافة إلى ذلك، هم لم يؤمنوا بالله، ولم يُحرّكهم الله. لقد فهم أيّوب مقصد الله: "لم يعمل الله فيهم، لذا لن أصلّي من أجلهم. لن أطلب من الله شيئًا، ولا أريد أن أُسيء إلى الله في هذا الأمر". قطعًا ما كان ليصلّي باكيًا أو يصوم من أجل خلاص أبنائه، وأن يأتوا أمام الله يهوه ويباركهم. ما كان ليتصرّف بهذه الطريقة على الإطلاق؛ لقد كان يعلم أنّ التصرّف بهذه الطريقة يُسيء إلى الله، وأنّ الله لن يُحبّ ذلك. ما الذي يمكنك رؤيته من هذه التفاصيل؟ هل كان خضوع أيّوب صادقًا؟ (نعم). هل يستطيع الشخص العاديّ أن يحقّق هذا النوع من الخضوع؟ لا يستطيع الشخص العاديّ ذلك. الأبناء هم أعز الأشخاص على قلوب والديهم، لذلك عندما يمرحون بهذه الطريقة، ويرونهم يتبعون اتجاهاتٍ شريرة، ولا يأتون أمام الله، ويفقدون فرصتهم في الإيمان بالله والخلاص – وربّما حتى يغرقون في الهلاك ويتدمرون – فهذه محنةٌ عاطفية من الصعب جدًّا على الشخص العاديّ أن يتغلّب عليها. لكنّ أيّوب كان قادرًا على تحقيق ذلك. لقد فعل شيئًا واحدًا فقط، وهو أنّه قدّم محرقات من أجلهم، وكان قلقًا في قلبه. هذا كلّ شيء. كان أبناؤه أعز أقربائه، لكنّه لم يفعل أيّ شيءٍ إضافيّ يُسيء إلى الله من أجلهم. ما رأيك في مبدأ ممارسة أيّوب هذا؟ إنّه يُظهر أنّه كان يملك قلبًا يتّقي الله وأنّه خضع له بصدق. عندما تعلّق الأمر بأمورٍ تمسّ مستقبل أبنائه، لم يُصلِّ مطلقًا، ولم يُقدم على أي أفعال قائمةٍ على مشيئة الإنسان؛ بل أرسل خدمه فحسب للقيام ببعض الأشياء، ولم يذهب بنفسه. والسبب وراء عدم مشاركته في هذا اللهو أنّه لم يكن راغبًا في أن يتلوّث بهذه الأشياء، بالإضافة إلى أنّه لم يكن يريد أن يتورّط فيها. فبتورّطه فيها، كان ليُسيء إلى الله، لذا أبعد نفسه عن الأماكن الشريرة. هل كانت هناك تفاصيل خاصّة لممارسات أيّوب؟ أولًا، لنتحدّث عن كيفيّة تعامله مع أبنائه. كان هدفه هو الخضوع لترتيبات الله وتدابيره في كلّ الأمور؛ لم يحاول فرض الأشياء التي لم يفعلها الله، ولم تكن لديه تدابير أو خططٌ قائمةٌ على مشيئة الإنسان. لقد أصغى وانتظر ترتيبات الله وتدابيره في كلّ الأمور. كان هذا مبدأً عامًّا. وماذا كانت الطرق التفصيليّة للممارسة؟ (لم يشارك عندما كان أبناؤه يمرحون. ابتعد عنهم وقدّم محرقات من أجلهم، لكنّه لم يُصرّ على أن يؤمنوا بالله، ولم يجبرهم، ووضع حدًّا واضحًا بينه وبينهم). هذا هو مبدأ الممارسة. وكيف يمارس الشخص العاديّ عندما يواجه هذا الأمر؟ (يصلّي إلى الله أن يؤمن أبناؤه به). وماذا أيضًا؟ إذا لم يفعل الله ذلك، فإنّه يجر أبناءه إلى الكنيسة، لكي ينال الأبناء البركة. إنّه يري أنّه قد حصل على النعمة العظيمة بدخول ملكوت السماوات بينما لم يحصل عليها أبناؤه، لذا يشعر بالألم والحسرة في قلبه. إنّه لا يريد لأبنائه أن يخسروا هذه النعمة، لذا فإنّه يُجهِد عقله في محاولةٍ لإيجاد طريقةٍ لجذب أبنائه إلى الكنيسة، معتقدًا أنّ في ذلك وفاءً بمسؤوليّات الأبويّة. إنّه لا يهتم حقًا بما إذا كان أبناؤه قادرين على السعي إلى الحق ونيل الخلاص أم لا. لم يفعل أيّوب هذا الأمر، لكنّ الشخص العاديّ غير قادرٍ على ذلك. ولِمَ لا؟ (الناس لديهم شخصيات فاسدة. إنّهم يتصرّفون بناءً على مشاعرهم). لا يولي معظم الناس أي اعتبار لما إذا كان التصرّف بهذه الطريقة مسيئًا إلى الله أم لا. أولويّتهم هي إرضاء أنفسهم، ومراعاة مشاعرهم، وإرضاء رغباتهم الخاصّة. إنّهم لا يولون أي اعتبار لكيفيّة سيادة الله على الأمور أو ترتيبها، وما يفعله الله أو ما هي مقاصده. إنّهم يولون اعتبارًا فقط لرغباتهم الخاصّة، ومشاعرهم الخاصّة، ومقاصدهم الخاصّة، ومنافعهم الخاصّة. كيف عامل أيوب أبناءه؟ لقد أوفى بمسؤوليته كأب تمامًا، وشاركهم بالإنجيل وقدَّم لهم شركة عن الحق. ومع ذلك، سواء كانوا قد استمعوا إليه أم لا، وسواء أطاعوا أم لا، فإن أيوب لم يجبرهم على الإيمان بالله – لم يجبرهم رغمًا عنهم ولم يتدخل في حياتهم. كانت أفكارهم وآراؤهم مختلفة عن أفكاره وآرائه، ولذلك لم يتدخل فيما فعلوه، ولم يتدخل في المسار الذي كانوا يسلكونه. هل تحدَّث أيوب نادرًا مع أبنائه عن الإيمان بالله؟ من المؤكد أنه كان لديه ما يكفي من الكلام عن هذا، لكنهم رفضوا الاستماع ولم يقبلوا الكلام. ماذا كان موقف أيوب تجاه ذلك؟ "لقد أوفيت بمسؤوليتي؛ وفيما يخص نوع المسار الذي يتخذوه، فذلك متروك لما يختارونه، والأمر متروك لتنظيمات الله وترتيباته. إن لم يعمل الله عليهم، أو لم يحفزهم، لن أحاول إجبارهم". ولذلك، لم يُصلِّ لهم أيوب أمام الله، ولم يبكِ عليهم بدموع الألم، ولم يصم من أجلهم أو يعانِ بأي شكل من الأشكال. لم يفعل هذه الأشياء. لماذا لم يفعل أيوب شيئًا من هذه الأشياء؟ لأن هذه الأمور لم تكن طُرقًا للخضوع لسيادة الله وترتيباته؛ فجميعها تنبع من الأفكار البشرية وكانت طُرقًا لفرض الأمور بالقوة. عندما لم يتخذ أبناء أيّوب الطريق نفسه الذي اتخذه، كان هذا هو موقفه؛ لذا عندما مات أبناؤه، ماذا كان موقفه؟ هل بكى أم لا؟ هل نفَّس عن مشاعره؟ هل شعر بأنه تعرَّض للأذى؟ لا يحتوي الكتاب المقدّس على سجلٍّ لأيٍّ من هذه الأشياء. عندما رأى أيّوب أبناءه يموتون، هل شعر بالحزن أو انكسار القلب؟ (لقد فعل). بالحديث عن المودّة التي كان يشعر بها تجاه أبنائه، فمن المؤكد أنه شعر بقدر قليل من الحزن، لكنّه مع ذلك كان خاضعًا لله. كيف عبّر عن خضوعه؟ قال: "لقد وهبني الله هؤلاء الأبناء. وسواء كانوا يؤمنون بالله أم لا، فإن حياتهم بيد الله. لو كانوا يؤمنون بالله، وأراد الله أن يأخذهم، لكان قد فعل ذلك على أي حال؛ ولو لم يكونوا مؤمنين بالله، لكان قد أخذهم الله أيضًا إذا قال ذلك. كل هذا بيد الله؛ وإلا، فمن بيده أن يأخذ حياة الناس؟" باختصار، ماذا يعني هذا؟ "يَهْوَه أَعْطَى وَيَهْوَه أَخَذَ، فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا" (أيوب 1: 21). لقد حافظ أيوب على هذا الموقف في طريقة تعامله مع أبنائه. وسواء كانوا أحياءً أو أمواتًا، فقد استمرّ على هذا الموقف. كانت طريقته في الممارسة صحيحة؛ ففي كل طريقة مارسها، من وجهة النظر والموقف والحالة التي تعامل بها مع كل شيء، كان دائمًا في وضع وحالة الخضوع والانتظار والطلب ثم بلوغ المعرفة. وهذا الموقف مهم جدًّا. إن لم يكن لدى الناس هذا النوع من المواقف في أي شيء يفعلونه، وكانت لديهم أفكار شخصية قوية بشكل خاص وكانوا يولون الأهمية للمقاصد والمنافع الشخصية قبل أي شيء آخر، فهل هم يخضعون حقًّا؟ (كلا). لا يمكن رؤية الخضوع الحقيقي في مثل هؤلاء الناس؛ حيث إنهم عاجزون عن اكتساب الخضوع الحقيقي.
لا يُركّز بعض الناس على طلب مبادئ الحقّ في أثناء أداء واجبهم، ويعتمدون بدلًا من ذلك على مشيئتهم الخاصّة في العمل. ما المظهر الأكثر شيوعًا الذي نراه في شخصٍ لديه أفكارٌ شخصيّةٌ قويّةٌ بشكلٍ خاص؟ بغض النظر عما يحدث له، فإنّه يحسب الأمور أوّلًا في عقله، ويفكّر في كلّ الأشياء التي يمكنه التفكير فيها، ويضع خطّةً شاملة. وعندما يشعر بأنّه لا توجد بها ثغرات، فإنّه يُمارسها تمامًا وفقًا لمشيئته الخاصّة، والنتيجة هي أنّ خطّته لا تستطيع مواكبة التغييرات، لذا فإنّ الأمور تسوء أحيانًا. ما المشكلة هنا؟ غالبًا ما تسوء الأمور عند العمل وفقًا لمشيئتك الخاصّة. لذا، بغض النظر عما يحدث، يجب على الجميع الجلوس وطلب الحقّ معًا، والصلاة إلى الله، وطلب إرشاده. فمع استنارة الله، تكون الأشياء التي تخرج من شركتهم مليئةً بالنور، وتُوفّر طريقًا للمضيّ قدمًا. علاوة على ذلك، من خلال عهد الأمور إلى الله، والتطلّع إليه، والاعتماد عليه، وجعله يقودك، وجعله يرعاك ويحميك – من خلال الممارسة بهذه الطريقة – ستكتسب قناعة أكبر، ولن تواجه أيّ مشاكل كبيرة. هل يمكن أن تكون الأشياء التي يفكّر فيها الناس في رؤوسهم متوافقةً تمامًا مع الحقائق؟ هل يمكن أن تكون متوافقةً مع مبادئ الحقّ؟ هذا مستحيل. إذا كنت لا تتَّكل على الله ولا تتطلَّع إليه عند أداء واجبك، وتفعلُ ما يحلو لك فحسب، فسوف توجد دائمًا أوقاتٌ تفشل فيها بصرف النظر عن مدى ذكائك. يميل المتكبرون والبارون في عينيِّ ذاتهم إلى اتّباع أفكارهم الخاصَّة، فهل يملكون قلبًا يتَّقي الله؟ الناس الذين لديهم أفكار شخصية قوية ينسون الله عندما يحين وقت العمل، وينسون الخضوع لله، ولا يخطر ببالهم أنهم لم يخضعوا لله ولم يُصلّوا إلى الله إلَّا عندما يصلون إلى طريق مسدود ويفشلون في تحقيق أيّ شيء. أي مشكلة هذه؟ معناه أن الله ليس في قلوبهم؛ فأفعالهم تدلّ على أن الله غائبٌ عن قلوبهم، وأنهم لا يعتمدون إلا على أنفسهم. وهكذا، سواء كنت تُؤدِّي عملًا كنسيًّا، أو تُؤدِّي واجبًا، أو تتعامل مع بعض الشؤون الخارجيَّة، أو تتعامل مع أمورٍ في حياتك الشخصيَّة، ينبغي أن توجد مبادئ في قلبك، وينبغي أن توجد حالةٌ. أيّ حالةٍ يا تُرَى؟ "بصرف النظر عن نوعها، قبل أن يحدث لي شيءٍ ما ينبغي أن أصلِّي، وينبغي أن أخضع إلى الله، وينبغي أن أخضع إلى سيادته. إن كلّ شيءٍ قد رتَّبه الله، وعندما يحدث ذلك الشيءٌ، ينبغي أن أطلب مقاصد الله، وينبغي أن أفكِّر بهذه العقليَّة، وينبغي ألَّا أضع خططي الخاصَّة". بعد اختبار ذلك لبعض الوقت، سوف يجد الناس أنفسهم يشهدون سيادة الله في أشياء كثيرة. إذا كانت لديك دائمًا خططك واعتباراتك وأمنياتك ودوافعك الأنانيَّة ورغباتك الخاصَّة، فسوف يضلّ قلبك عن الله دون قصدٍ، ولن ترى طريقة عمل الله، وفي معظم الأوقات سوف يتوارى الله عنك. ألا تحب فعل الأشياء وفقًا لأفكارك الخاصَّة؟ ألا تضع خططك الخاصَّة؟ أنت تعتقد أنك تملك عقلًا، وأنك مُتعلِّم وواسع المعرفة، ولديك الوسائل والمنهجيَّة لعمل الأشياء، ويمكنك عملها بنفسك؛ لأنك بارعٌ، ولست بحاجةٍ إلى الله؛ ولذلك يقول الله: "امضِ وافعل ذلك بنفسك، وتحمَّل مسؤوليَّة ما إذا كان الأمر يسير على ما يرام أم لا، فأنا لا أهتمّ". الله لا يبالي بك. عندما يتبع الناس إرادتهم بهذه الطريقة في إيمانهم بالله ويؤمنون كيفما شاءوا، ماذا تكون العاقبة؟ لا يمكنهم أبدًا اختبار سيادة الله، ولا يمكنهم أبدًا معاينة يد الله، ولا يمكنهم أبدًا الشعور باستنارة الرُّوح القُدُس وضيائه، ولا يمكنهم الشعور بإرشاد الله. وماذا سيحدث بمرور الوقت؟ سوف تبعد قلوبهم عن الله أكثر فأكثر، وسوف توجد آثارٌ ثانويَّة. ما هي الآثار؟ (الشكّ في الله وإنكاره). وهذه ليست مُجرَّد حالة شكٍّ في الله وإنكاره. فعندما لا يكون لله مكانٌ في قلوب الناس وعندما يفعل الناس ما يحلو لهم على المدى الطويل، سوف تنشأ العادة: عندما يحدث لهم شيءٌ ما، فإن الشيء الأوَّل الذي سوف يفعلونه هو التفكير في حلِّهم والتصرف وفقًا لمقاصدهم وأهدافهم وخططهم. سوف يُفكِّرون أوَّلًا فيما إذا كان هذا مفيدًا لهم. فإذا كان الأمر كذلك، فسوف يفعلونه، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلن يفعلوه. سوف يصبح من عادتهم أن يسلكوا هذا المسار مباشرةً. وكيف سيتعامل الله مع مثل هؤلاء الناس إذا واصلوا التصرُّف على هذا النحو دون توبةٍ؟ لن يهتمّ الله بهم وسوف يتركهم جانبًا. ماذا يعني أن يتركهم جانبًا؟ لن يؤدّبهم الله ولن يلومهم؛ سوف يصبحون أكثر انغماسًا في الذات، بلا دينونةٍ أو توبيخٍ أو تأديب أو تأنيب، ناهيك عن الاستنارة أو الضياء أو الإرشاد. هذا ما يعنيه أن يتركهم جانبًا. كيف يشعر المرء عندما يتركه الله جانبًا؟ يشعر بالظلام في روحه، ولا يكون الله معه، ويشعر بعدم الوضوح بشأن الرؤى، وأنّه ليس لديه طريقٌ للعمل، ويفعل الأمور التي تتصف بالجهل فقط. ومع مرور الوقت بهذه الطريقة، يعتقد أنّ الحياة لا معنى لها، وأنّ روحه فارغة، فيصبح مثل غير المؤمن، ويزداد انحطاطًا. هذا هو الشخص الذي يزدريه الله. يقول بعض الناس: "لماذا أشعر أكثر فأكثر بأنّ أداء واجبي لا معنى له، وأنّ طاقتي تتضاءل شيئًا فشيئًا؟ كيف أصبحت بلا دافعٍ؟ أين ذهب دافعي؟" وهناك آخرون يقولون: "كيف كلّما طالت مدّة إيماني، زاد اعتقادي بأنّني لا أملك القدر نفسه الذي كان لديّ من الإيمان عندما بدأتُ؟ عندما بدأتُ الإيمان، كنتُ أستمتع بشكلٍ خاصّ بأن أكون وجهًا لوجهٍ مع الله، فكيف لم أعد أشعر بشعور الاستمتاع هذا؟" أين ذهب هذا الشعور؟ لقد احتجب الله عنك، لذا لا يمكنك أن تشعر به؛ وهكذا تُصبح بائسًا وذابلًا. إلى أيّ درجةٍ تذبل؟ تُصبح غير واضحٍ بشأن رؤى عمل الله، وليس لديك شيءٌ في قلبك، ويظهر شكلك البائس التعيس. هل هذا جيّدٌ أم سيّئ؟ (سيّئ). عندما يترك الله شخصًا ما، يصبح هذا الشخص غبيًّا وأحمق، ولا يملك شيئًا. هذا هو المظهر البائس لمن يتركون الله! عند هذه النقطة، لم يعودوا يعتقدون أنّه من الجيّد الإيمان بالله. مهما فكّروا في الأمر، فإنّهم لا يعتقدون أنّ الإيمان بالله هو الطريق الصحيح. بالنسبة إليهم، فإنّ هذا الطريق لا يؤدّي إلى أيّ مكان، ولن يسلكوه بغض النظر عمَنْ ينصحهم بذلك. لا يمكنهم الاستمرار في الإيمان، لذا عليهم أن يهربوا إلى العالم؛ فبالنسبة إليهم، يُعدّ كسب المال وجمع الثروة هو الخيار الوحيد المتاح أمامهم، وهو الطريق الأكثر واقعيّة. إنّهم يسعون وراء الترقيات والثروة والسعادة والرضا وتكريم أسلافهم والتقدّم الوظيفيّ السريع؛ قلوبهم مُمتلئة بهذه الأشياء، فهل لا يزال بإمكانهم أداء واجبهم؟ لا يمكنهم ذلك. إذا كان لدى شخصٍ ما مثل هذه الأفكار فقط، لكن لا يزال لديه القليل من الإيمان الحقيقيّ، وكان على استعدادٍ لمواصلة السعي وراءه، فما موقف بيت الله تجاهه؟ طالما أنّه قادر على العمل، فإنّ بيت الله سيمنحه الفرصة؛ فمتطلبات الله من كلّ شخصٍ ليست عالية. لماذا؟ لأن الناس لا يعيشون في فراغ، ولا يوجد أحدٌ غير فاسد. من ذا الذي ليس لديه أفكارٌ لمقاومة الله؟ من ذا الذي لم يرتكب ذنوبًا في مقاومة الله؟ من ذا الذي ليس لديه حالات وسلوكيّات تمرد على الله؟ لنذهب إلى ما هو أبعد، من ذا الذي لم تخطر بباله بعض الأفكار أو الخواطر أو حالات من عدم الإيمان أو الشّكّ أو سوء الفهم أو التكهُّن بشأن الله؟ الجميع يفعل ذلك. إذًا، كيف يعامل الله الناس؟ هل يولي الله اهتمامًا مفرطًا بهذه الأمور؟ لم يفعل ذلك قطّ. ماذا يفعل الله؟ لدى بعض الناس دائمًا مفاهيم عن عمل الله. فهم يعتقدون: "طالما أنّ شخصًا ما يؤمن بالله، فإن الله دائمًا سيكشفه، ويدينه، ويوبخه، ويهذبه. فهو لا يترك الناس، ولا يمنحهم حرية الاختيار". هل هذا صحيح؟ (كلا). إنّ الناس الذين يؤمنون بالله ويأتون إلى بيته يفعلون ذلك بحرّيّةٍ تامّة؛ ولا يُجبَر أحدٌ منهم على ذلك. لقد فقد بعض الناس إيمانهم؛ ذهبوا للانغماس في أمور دنيويّة، ولم يمنعهم أحد أو يتردّد عند رؤيتهم يذهبون. فالجميع أحرار سواء في الإيمان بالله أو ترك الإيمان. بالإضافة إلى ذلك، لا يُرْغِم الله أحدًا. وبغضّ النظر عن متطلباته من الناس، فإنّه يسمح لهم باختيار الطريق الذي يرغبون في السير فيه، ولا يُجبِر أحدًا. بغضّ النظر عن كيفيّة عمل الرّوح القدس، أو كيفيّة إرشاده للناس وقيادتهم لقراءة كلام الله، فإنّ الله لم يُرْغِم أحدًا قطّ. إنّه يُعبّر دائمًا عن الحقّ لكي يُزوّد الإنسان ويرعاه، ويُقدّم شركةً عن الحقّ لحلّ المشاكل، وليسمح للناس بفهم الحقّ. ما الغرض من السماح للناس بفهم الحقّ؟ (حتى يتمكّنوا من قبول الحقّ). إذا قبلت الحقّ وقبلت كلام الله، فستكون لديك القامة لمقاومة هذه الشخصيات المتمردة والفاسدة، ووجهات نظر عديمي الإيمان، وجميع أنواع الحالات غير الصحيحة؛ فعندما تكون قادرًا على تمييز هذه الحالات، فلن تُضلَّل. بمجرّد أن يفهم أحدهم جميع أنواع الحقّ، فلن يُسيء فهم الله، وسوف يفهم مقاصده. فأوّلًا، يمكنه أداء واجب المخلوق جيّدًا؛ بالإضافة إلى ذلك، فإنّه يعيش شبه إنسان، ويمكنه السير على طريق الحياة الصحيح. وعندما يسير شخصٌ ما على طريق الحياة الصحيح، ويقدّم الشّهادة التي يجب على الكائن المخلوق أن يُقدّمها، ويتمكّن في النهاية من هزيمة الشيطان، ويختبر تغييرًا في الشخصية، ويكون لديه خضوعٌ حقيقيّ لله ويتّقيه، ويصبح مخلوقًا مقبولًا، فعندها يكون هذا الشخص قد نال الخلاص، وهو الهدف النهائيّ.
29 سبتمبر 2017