معنى السعي إلى الحق (13)
في الاجتماع الأخير، عقدنا الشركة بشكلٍ أساسي عن القول "اخضع للمهمة وابذل قصارى جهدك حتى يوم احتضارك" في الثقافة التقليدية، وشرَّحناه. الأقوال والنظريات الثقافية التقليدية التي يستخدمها الشيطان لتلقين للناس ليست صحيحة، ولا الكلمات الطنانة التي يجعل الناس يلتزمون بها صحيحة. على العكس من ذلك، فهي تؤدي إلى تضليل الناس وتتويههم، وتقييد تفكيرهم. من خلال تعليم الجماهير هذه الأفكار والآراء الخاطئة الموجودة في الثقافة التقليدية وتلقينهم إياها والتأثير عليهم بها، فإن الهدف النهائي هو طمأنتهم إلى الخضوع لسلطة الطبقة الحاكمة، وحتى خدمة الحكام بدرجة الولاء نفسها التي تكون لدى أولئك الذين يحبون بلدهم وحزبهم، والذين عقدوا العزم على حماية وطنهم وحماية الدولة. هذا يكفي لإثبات أن الحكومة الوطنية تعمِّم التعليم الثقافي التقليدي من أجل تسهيل سيطرة الحكام على البشرية وعلى جميع المجموعات العرقية المختلفة، وزيادة استقرار نظام الحكام وتآلُف واستقرار المجتمع تحت سيطرتهم. بغض النظر عن كيفية قيام الطبقة الحاكمة بنشر التعليم الثقافي التقليدي وتعزيزه وتعميمه، فبشكل عام، هذه الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي قد ضللت الناس وتوَّهتهم، وعطلت بشدة قدرتهم على تمييز الحقيقة من الأكاذيب، والخير من الشر، والصواب من الخطأ، والأشياء الإيجابية من الأشياء السلبية. كما يمكن القول إن هذه الأقوال عن السلوك الأخلاقي تقلب الأسود والأبيض تمامًا، وتمزج الحقيقة بالأكاذيب، وتضلل عامة الناس، مما يؤدي إلى تضليل الناس بهذه الآراء من الثقافة التقليدية، في سياق لا يعرفون فيه ما هو الصواب وما هو الخطأ، وما هو الحق وما هي الأكاذيب، وما هي الأشياء الإيجابية وما هي الأشياء السلبية، وما يأتي من الله، وما يأتي من الشيطان. إن الطريقة التي تعرِّف بها الثقافة التقليدية جميع أنواع الأشياء وتصنف بها جميع أنواع الناس على أنهم جيدون أو سيئون، أو على أنهم طيبون أو أشرار، قد أربكت البشر وضللتهم وتوَّهتهم، وحتى حصرت أفكار الناس في حدود الأقوال المختلفة المتعلقة بالسلوك الأخلاقي الذي تدعو إليها الثقافة التقليدية، حتى لا يتمكنوا من انتشال أنفسهم منها. ونتيجة لذلك، يتعهد العديد من الناس طواعية بالولاء لملوك أبالسة، ويظهرون التفاني الأعمى حتى النهاية ويحترمون هذا التعهد حتى الموت. استمر هذا الوضع حتى الوقت الحاضر، لكنَّ عددًا قليلًا من الناس فقط هم مَن عادوا إلى رشدهم. على الرغم من أن العديد من الأشخاص الذين يؤمنون بالله في الوقت الحاضر يمكنهم التعرف على الحق، فثمة العديد من العقبات التي تحول دون قبولهم له وتطبيقهم له. يمكن القول إن هذه العقبات تأتي أساسًا من أفكار الثقافة التقليدية وآرائها، التي ترسخت منذ أمدٍ بعيدٍ في قلوبهم. لقد تعلمها الناس أولًا وهي ما تزال مهيمنة، وتتحكم بالفعل في أفكار الناس، مما يخلق الكثير من العقبات والكثير من المقاومة لقبول الناس الحق وخضوعهم لعمل الله. هذا أحد الجوانب. ثمة جانب آخر هو أن الناس لديهم شخصيات فاسدة، وهي تنجم جزئيًا عن الطريقة التي تضلل بها الثقافة التقليدية الناس وتفسدهم. لقد أثرت الثقافة التقليدية تأثيرًا شديدًا في آراء الناس حول كيفية قياس الخير والشر والحقيقة والأكاذيب وتدخلت في ذلك، وتسببت في أن يكون لدى الناس العديد من المفاهيم والأفكار والآراء المغلوطة. وقد أدى ذلك إلى عدم قدرة الناس على فهم الأشياء الإيجابية والجميلة والطيبة، وقوانين كل الأشياء التي خلقها الله، وحقيقة أن الله يحكم كل الأشياء. وبدلًا من ذلك، فالناس ممتلئون بالمفاهيم وجميع أنواع الأفكار الغامضة وغير الواقعية. هذه هي عواقب الأفكار المختلفة التي يغرسها الشيطان في الناس. من منظور آخر، فإن جميع الأقوال المختلفة حول السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية هي أقوال كاذبة تفسد تفكير الناس، وتُرْبِك عقولهم، وتضر بعمليات تفكيرهم الطبيعية، وتؤثر بشدة على قبول الناس للأشياء الإيجابية وللحق، وتؤثر أيضًا بشكل خطير على استيعاب الناس المحض لقوانين وقواعد كل الأشياء التي خلقها الله وفهمهم لها.
من ناحية، فالأقوال المختلفة حول السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية أربكت طرق التفكير الصحيحة التي يميز بها الناس بين الصواب والخطأ، فضلًا عن تعطيلها لإرادتهم الحرة. علاوة على ذلك، بعد أن تقبَّل البشر هذه الأقوال المختلفة حول السلوك الأخلاقي، أصبحوا منافقين وزائفين. إنهم بارعون في التظاهر – حتى إلى حد تسمية الغزال حصانًا، وعكس الأسود والأبيض، ومعاملة الأشياء السلبية والقبيحة والشريرة على أنها أشياء إيجابية وجميلة وصالحة، والعكس صحيح – وقد بلغوا بالفعل مرحلة تبجيل الشر. في جميع أنحاء المجتمع البشري، وبصرف النظر عن الفترة أو السلالة الحاكمة، فإن الأشياء التي يدافع عنها البشر ويبجلونها هي في الأساس هذه الأقوال حول السلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية. في ظل التأثير الشديد لهذه الأقوال عن السلوك الأخلاقي، أي في ظل تلقين الناس هذه الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي من الثقافة التقليدية – وهو تلقين يصبح على نحو متزايد أكثر عمقًا وشمولًا – فإنَّهم دون وعي يتبنون هذه الأقوال بوصفها رأس مال للوجود وقوانين للوجود. إنَّ الناس يتقبلونها فحسب كليًا دون تمييز، ويعاملونها على أنها أشياء إيجابية، وأيديولوجية توجيهية ومعايير للكيفية التي ينبغي أن يتعاملوا بها مع الآخرين وكيفية رؤيتهم للناس والأشياء وتصرفهم وفعلهم. يعاملها الناس كقوانين عليا لشق طريقهم في المجتمع، أو تحقيق الشهرة والهيبة، أو ليصبحوا محترمين ومبجلين. خذ أي جماعةٍ داخل أي مجتمع أو أمة، وفي أي حِقبة – الناس الذين تقدرهم الجماعة وتبجِّلهم وتعلن أنهم أفضل ما في الجنس البشري ليسوا أكثر مما يسميه البشر قدوة أخلاقية. مهما يكن نوع الحياة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص وراء الكواليس، ومهما تكن نوايا أفعالهم ودوافعها وحقيقة جوهر إنسانيتهم، ومهما تكن كيفية سلوكهم حقًا وتعاملهم مع الآخرين، ومهما يكن جوهر الشخص المغطَّى تحت عباءة السلوك الأخلاقي الجميل والصالح، فلا أحد يهتم بهذه الأشياء، ولا يحاول التقصِّي أكثر من ذلك. ما داموا مخلصين، ووطنيين، ويظهرون الولاء للحكام، فإن الناس يؤلِّهونهم ويتغنون بمديحهم، بل إنهم يقلدونهم بوصفهم أبطالًا، لأن الجميع يعتبرون السلوك الأخلاقي الظاهري للشخص أساسًا لتحديد ما إذا كان طيبًا أم شريرًا، وما إذا كان جيدًا أم سيئًا، ولقياس سمعته. على الرغم من أن الكتاب المقدس يوثق بوضوح قصص عدد من القديسين والحكماء القدماء مثل نوح وإبراهيم وموسى وأيوب وبطرس، وقصص العديد من الأنبياء وما إلى ذلك، وعلى الرغم من أن العديد من الناس على دراية بمثل هذه القصص، فلا يوجد حتى الآن بلد أو أمة أو جماعة تروِّج على نطاق واسع للإنسانية والطابع الأخلاقي لهؤلاء القديسين والحكماء القدامى – أو أمثلة عبادتهم لله، أو حتى قلوبهم التي تتقي الله التي كشفوا عنها – سواء كان ذلك في المجتمع أو في الأمة بأكملها أو بين الناس. لا يوجد بلد أو أمة أو جماعة واحدة تفعل ذلك. حتى البلدان التي تكون فيها المسيحية هي دين الدولة، أو البلدان التي تكون غالبية سكانها من المتدينين، لا تزال لا تُبَجِّل الطابع الإنساني لهؤلاء القديسين والحكماء القدماء ولا تلفت الانتباه إليه، ولا إلى قصصهم عن تقوى الله والخضوع له، كما هو موثق في الكتاب المقدس. ما المشكلة التي يدلُّ عليها هذا؟ لقد سقطت البشرية الفاسدة إلى درجة أن الناس ينفرون من الحق، وينفرون من الأشياء الإيجابية، ويبجلون الشر. لو لم يتحدث الله شخصيًا ويعمل بين الناس، ويخبر الناس بوضوح بما هو إيجابي وما هو سلبي، وما هو صحيح وما هو خطأ، وما هو جميل وجيد، وما هو قبيح، وما إلى ذلك، لم يكن البشر ليتمكنوا أبدًا من التمييز بين الخير والشر، ولم يكونوا ليتمكنوا من التمييز بين الأشياء الإيجابية والأشياء السلبية. منذ بداية الجنس البشري، وحتى في سياق التطور البشري، تم تمرير هذه الأعمال والسجلات التاريخية لظهورات الله وعمله حتى يومنا هذا في بعض البلدان والجماعات العرقية في أوروبا والأمريكتين. ورغم ذلك، لا يزال البشر غير قادرين على التمييز بين الأشياء الإيجابية والسلبية، أو بين الأشياء الجميلة والجيدة والأشياء القبيحة والشريرة. ليس البشر غير قادرين على التمييز فحسب، بل إنهم يقبلون أيضًا جميع أنواع الادعاءات من الشيطان، مثل الأقوال حول السلوك الأخلاقي، وكذلك تعريفات الشيطان ومفاهيمه الخاطئة لمختلف الأشخاص والأمور والأشياء. ما الذي يوضحه هذا؟ أيمكن أن يوضح أن البشرية ببساطة ليست لديها غريزة قبول الأشياء الإيجابية من تلقاء نفسها، ولا غريزة التمييز بين الأشياء الإيجابية والسلبية، والخير والشر، والصواب والخطأ، والحقيقة والأكاذيب؟ (بلى). بين البشر، يسود نوعان من الأشياء في الوقت نفسه، أحدهما يأتي من الشيطان، بينما يأتي الآخر من الله. لكن في النهاية، في جميع أنحاء المجتمع البشري وتاريخ تطور البشرية بأكمله، فإن الكلمات التي يقولها الله، وجميع الأشياء الإيجابية التي يعلمها للبشرية ويوضحها لها، لا يمكن أن يُبَجِّلها الجنس البشري بأكمله، ولا يمكن حتى أن تصبح الاتجاه السائد بين البشر، ولا أن تجلب الأفكار الصحيحة في الناس، ولا أن توجههم للعيش بشكل طبيعي بين جميع الأشياء التي خلقها الله. يوجد الناس دون وعي في ظل إرشاد مختلف ملاحظات الشيطان وأفكاره ومفاهيمه، وهم يعيشون في ظل إرشاد هذه الآراء الخاطئة. وهم – بعيشهم بهذه الطريقة – لا يفعلون ذلك بشكل سلبي، بل بشكلٍ نشط. على الرغم مما فعله الله، ورغم إنجازاته في خلق كل الأشياء وسيادته عليها، والكلمات الكثيرة التي خلَّفها عمل الله في بعض البلدان، وكذلك تعريفات مختلف الأشخاص والأمور والأشياء التي تم تمريرها حتى يومنا هذا، لا يزال البشر يعيشون دون وعي في ظل مختلف الأفكار والآراء التي يغرسها الشيطان في الناس. هذه الأفكار والآراء المختلفة التي يغرسها الشيطان ويدعو إليها هي الأفكار والآراء السائدة في جميع أنحاء المجتمع البشري، حتى في البلدان التي تنتشر فيها المسيحية على نطاق واسع. في حين أنه، مهما يكن عدد العبارات الإيجابية والأفكار والآراء الإيجابية والتعريفات الإيجابية للأشخاص والأمور والأشياء التي يتركها الله للبشرية من خلال قيامه بعمله، فإنها لا توجد إلا في زوايا معينة، أو الأسوأ من ذلك، لا يحتفظ بها سوى عدد قليل جدًا فحسب من الأشخاص في مجموعات عرقية من الأقليات، ولا تبقى إلا على شفاه بعض الناس، لكن لا يمكن للبشر أن يقبلوها على نحو نشط بوصفها أشياء إيجابية لترشدهم وتقودهم في الحياة. وبالنظر إلى المقارنة بين هذين النوعين من الأشياء، وإلى المواقف المختلفة للبشرية تجاه الأشياء السلبية الآتية من الشيطان وتجاه مختلف الأشياء الإيجابية الآتية من الله، فإن الجنس البشري بأكمله يقع تحت أيدي الشرير. هذه حقيقة، ويمكن تأكيدها على وجه اليقين. هذه الحقيقة تعني في المقام الأول أن أفكار الناس، وطرق تفكيرهم، وطرق تعاملهم مع الناس والأمور والأشياء، تتحكم فيها مختلف أفكار الشيطان وآرائه، وهي تؤثر فيها وتتلاعب بها، بل إنها حتى تقيدها. طوال تاريخ تطور البشرية، بصرف النظر عن المرحلة أو الفترة – سواء كانت عصرًا متخلفًا نسبيًا، أو العصر المتطور اقتصاديًا في الوقت الحاضر – وأيًا يكن الإقليم أو الجنسية أو جماعة الناس، فإن أنماط وجود البشرية وأسس وجودها وآرائها في كيفية التعامل مع الناس والأمور والأشياء كلها تستند إلى مختلف الأفكار التي غرسها الشيطان في الناس، وليس إلى كلمات الله. هذا شيء مؤسف للغاية. يأتي الله للقيام بعمله وتخليص البشرية في وضع أفسد فيه الشيطان البشر بشدة، وفي وضعٍ كانت فيه أفكارهم ووجهات نظرهم، وكذلك طرقهم في النظر إلى جميع أنواع الأشخاص والأمور والأشياء، وطرقهم في العيش والتعامل مع العالم، مقيدة تمامًا بأفكار الشيطان. يمكن للمرء أن يتخيل مدى صعوبة عمل الله لخلاص البشرية وعُسره في مثل هذا السياق. ما نوع السياق هذا؟ السياق الذي يأتي فيه الله ليقوم بعمله هو سياق ظلت فيه قلوب الناس وعقولهم مشبعة تمامًا منذ أمدٍ بعيدٍ بالفلسفات والسموم الشيطانية ومقيدة بها. إنه لا يأتي ليقوم بعمله في سياق لا يمتلك فيه الناس أي أيديولوجيات، أو أي آراء حول الأشخاص والأمور والأشياء، بل في سياق يمتلك فيه الناس طرقًا للنظر إلى مختلف الأشخاص والأمور والأشياء، وفيه قام الشيطان بتضليل طرق النظر والتفكير والمعيشة هذه وتتويهها بشكل خطير. معنى هذا أن الله يأتي للقيام بعمله وتخليص البشرية في سياق قد قبل فيه البشر أفكار الشيطان وآراءه بالكامل، وهم فيه ممتلئون بالأفكار الشيطانية ومشبَّعون بها ومقيَّدون محكومون. هذا هو نوع الناس الذين يخلصهم الله، مما يوضح مدى صعوبة عمله. يريد الله مثل هؤلاء الناس الذين تشبَّعوا الأفكار الشيطانية وقُيِّدوا بها أن يدركوا من جديد ويميزوا بين الأشياء الإيجابية والسلبية، والجمال والقبح، والصواب والخطأ، والحقيقة والمغالطة الشريرة، وأخيرًا أن يصلوا إلى الدرجة التي يمكنهم عندها ازدراء جميع الأفكار والمغالطات المختلفة التي غرسها الشيطان ورفضها من أعماق قلوبهم، ومن ثمَّ قبول جميع الآراء الصحيحة وطرق العيش الصحيحة التي تأتي من الله. هذا هو المعنى المحدد لخلاص الله للبشرية.
بصرف النظر عن الفترة التي تكون فيها الإنسانية، أو مرحلة التطور التي وصل إليها المجتمع، أو طريقة حكم الحكام – سواء كانت ديكتاتورية إقطاعية أو نظامًا اجتماعيًا ديمقراطيًا – فلا شيء من هذه الأشياء يغير حقيقة أن مختلف النظريات والأقوال الأيديولوجية حول السلوك الأخلاقي التي يدعو إليها الشيطان منتشرة في المجتمع البشري. من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الحديث، على الرغم من أن نطاق الحكام ومبادئهم التوجيهية وأنماط حكمهم، تتغير كلها مرارًا وتكرارًا، ورغم أنَّ أعداد المجموعات العرقية والأعراق والمجتمعات الدينية المختلفة تتغير أيضًا باستمرار، فإن سُمَّ الأقوال المختلفة الموجودة في الثقافة التقليدية التي يغرسها الشيطان في الناس لا يزال منتشرًا وآخذًا في الانتشار، ويتجذر بعمق في أفكار الناس وأعماق نفوسهم، ويتحكم في أنماط وجودهم، ويؤثر في أفكارهم وآرائهم عن الناس والأمور والأشياء. بالطبع، فإنَّ هذا السم يؤثر أيضًا بشدة على مواقف الناس تجاه الله، وبشكل خطير يُبلي استعداد البشرية وتوقها لقبول الحق وخلاص الخالق. لذلك، كانت الأقوال النموذجية حول السلوك الأخلاقي المستمدة من الثقافة التقليدية تتحكم دائمًا في تفكير الناس في الجنس البشري برمَّته، ولم يتغير قَطُّ وضعها ودورها المهيمن بين البشر في أي فترة أو سياق اجتماعي. بصرف النظر عن الفترة التي يحكم فيها الحاكم، أو ما إذا كان مجتهدًا أو متخلفًا، أو ما إذا كان أسلوب حكمه ديمقراطيًا أو ديكتاتوريًا، لا يمكن لأي من هذا أن يوقف التضليل والسيطرة التي تمارسها أفكار الثقافة التقليدية وآرائها على البشر، أو أن يقضي على ذلك. مهما تكن الفترة التاريخية، أو أيًا تكن المجموعة العِرقية، أو مهما يكن مقدار تقدم الإيمان البشري أو مقدار ما طاله من تغيُّرات، ومهما يكن مدى تقدم البشر وتغيُّرهم من حيث تفكيرهم في الحياة واتجاهاتهم الاجتماعية، فإن التأثير الذي تحدثه الأقوال حول السلوك الأخلاقي الموجودة في الثقافة التقليدية على التفكير البشري لم يتغير قَطُّ، ولم يفقد تأثيرها على الناس فعاليته قَطُّ. من وجهة النظر هذه، فإن الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي قد قيدت تفكير الناس بدرجة عميقة جدًا، مما أثر بشدة على العلاقة بين البشر، وليس ذلك فحسب، بل أثَّر أيضًا على مواقف الناس تجاه الحق، وأثر بشكل خطير على العلاقة بين البشر المخلوقين والخالق، وألحق الضرر بها. بالطبع، يمكن القول أيضًا إن الشيطان يستخدم أفكار الثقافة التقليدية لإغواء الجنس البشري الذي خلقه الله وتضليله وتخديره وتقييده، وهو يستخدم هذه الأساليب لاختطاف البشر بعيدًا عن الله. كلما انتشرت الأفكار المتعلقة بالسلوك الأخلاقي الموجودة في الثقافة التقليدية على نطاق أوسع بين البشر، وكلما تعمقت في قلوب الناس أكثر، سيصبح البشر أبعد عن الله، وسيصبح الأمل في خلاصهم أبعد. فكروا في الأمر، قبل أن تغري الحيَّة آدم وحواء بأكل ثمرة شجرة معرفة الخير والشر، كانا يؤمنان أن الله يهوه هو ربهما وأبوهما. ولكن عندما أغوت الحية حواء بقولها: "أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟" (سفر التكوين 3: 1)، و "لَنْ تَمُوتَا: بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (سفر التكوين 3: 4-5)، أذعن آدم وحواء لإغراء الحية، وسرعان ما تغيرت علاقتهما بالله. ما نوع التغيير الذي حدث؟ لم يعودا يأتيان أمام الله عُريانيْن، بل بحثا عن أشياء ليسترا نفسيْهما بها ويخفيانها، وتجنبا نور حضور الله؛ وحتى عندما طلبهما الله، اختبئا منه ولم يعودا يتحدثان إليه وجهًا لوجه كما كان من قبل. هذا التغير الذي حدث في علاقة آدم وحواء مع الله لم يكن لأنهما أكلا الثمرة من شجرة معرفة الخير والشر، لكن لأن الكلمات التي قالتها الحية – الشيطان – غرست نوعًا خاطئًا من التفكير في الناس، إذ أغوتهم وضلَّلتهم ليشكوا في الله، ويبتعدوا عنه، ويختبئوا منه. وهكذا، لم يعد الناس يريدون أن يروا نور حضور الله وجهًا لوجه، ولم يريدوا أن يأتوا أمامه مكشوفين تمامًا، وخِلق اغترابٌ بين الناس والله. لمَ وقع هذا الاغتراب؟ ليس بسبب تغيرات في البيئة، أو بسبب مرور الزمن، لكن لأن قلوب الناس تغيرت. كيف تغيرت قلوب الناس؟ الناس أنفسهم لم يبادروا بالتغير. إنما كان ذلك بسبب الكلمات التي قالتها الحية، والتي زرعت الشقاق في علاقة الناس مع الله، فأبعدتهم عن الله وجعلتهم يتجنبون نور حضور الله، ويحيدون عن رعايته، ويشككون في كلامه. ما كانت عواقب مثل هذا التغيير؟ لم يعد الناس كما كانوا، ولم تعد قلوبهم وأفكارهم نقية، ولم يعودوا ينظرون إلى الله على أنه الله وعلى أنه الأقرب إليهم، بل شككوا فيه وخافوه، ومن ثَمَّ ضلوا عنه وتكونت لديهم عقلية الرغبة في الاختباء من الله والابتعاد عنه، وكانت هذه بداية سقوط البشرية. نشأت بداية سقوط البشرية من الكلمات التي نطق بها الشيطان، وهي كلمات سامة ومغرية ومضللة. تسببت الأفكار التي غرستها هذه الكلمات في الناس في أن يشك الناس في الله ويسيئوا فهمه ويرتابوا منه، وأدت إلى اغترابهم عنه حتى إنهم لم يعودوا غير راغبين في مواجهة الله فحسب، بل أرادوا أيضًا الاختباء من الله، وحتى لم يعودوا يؤمنون بما قاله. ماذا قال الله عن هذا؟ قال الله: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ ٱلْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ ٱلْخَيْرِ وَٱلشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، لِأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ" (سفر التكوين 2: 16-17). بينما قال الشيطان إن الناس الذين يأكلون ثمرة من شجرة معرفة الخير والشر لن يموتوا بالضرورة. بسبب الكلمات المضللة التي قالها الشيطان، بدأ الناس في الشك في كلمات الله وإنكارها، أي أن الناس فَرَّخوا آراء عن الله في قلوبهم، ولم يعودوا بالنقاء الذي كانوا عليه من قبل. بسبب هذه الآراء والشكوك التي كانت لدى الناس، لم يعودوا يؤمنون بكلام الله، وتوقفوا عن الإيمان بأن الله هو الخالق وأن هناك علاقة حتمية بين الناس والله، وحتى توقفوا عن الاعتقاد بأن الله قادر على حماية الناس ورعايتهم. منذ اللحظة التي توقف الناس فيها عن الإيمان بهذه الأشياء، لم يعودوا على استعداد لقبول رعاية الله وحمايته، وبالطبع لم يعودوا على استعداد لقبول أي كلمة من فم الله. بدأ سقوط البشرية نتيجة لكلمات الشيطان المغرية، وبدأ من فكرة ورأي غرسهما الشيطان في الناس. بالطبع، بدأ أيضًا نتيجة لإغواء الشيطان للناس وتضليله لهم وتتويهه. هذه الفكرة وهذا الرأي اللذين غرسهما الشيطان في الناس جعلاهما يتوقفون عن الإيمان بالله أو كلماته، وجعلاهما أيضًا يشكون في الله، ويسيئون فهمه، ويرتابون منه، ويختبئون منه، ويبتعدون عنه، وينكرون ما قاله، وينكرون هويته نفسها، ينكرون حتى إن الناس يأتون من الله. هذه هي الطريقة التي يغوي بها الشيطان الناس ويفسدهم خطوة بخطوة، فيعطل علاقتهم مع الله ويضر بها، ويمنع البشر أيضًا من المجيء أمام الله وقبول أي كلمات من فمه. يعرقل الشيطان باستمرار رغبة الناس في طلب الحق وقبول كلام الله. ولعجز الناس عن مقاومة ملاحظات الشيطان المختلفة، فإنها تأكلهم ويتشرَّبون بها، وينحطون أخيرًا إلى درجة أن يصبحوا أعداءً وخصومًا لله. هذا – بصورة جوهرية – هو التأثير والضرر الذي تحدثه الأقوال حول السلوك الأخلاقي على البشرية. وبالطبع، من خلال عقدنا الشركة عن هذه الأشياء فإننا نشرِّحها من جذورها أيضًا، حتى يتمكن الناس من اكتساب فهم جوهري لكيفية إفساد الشيطان للبشرية وماهية الأساليب التي يستخدمها. تكتيكات الشيطان الأساسية لإفساد البشرية هي استهداف أفكار الناس وآرائهم، وتدمير العلاقة بين الناس والله، وانتزاعهم تدريجيًا من الله خطوة بخطوة. في البداية، عند سماع كلام الله، اعتقد الناس أنه صحيح، وأرادوا التصرف والممارسة بما يتوافق معه. إنه في هذا الموقف استخدم الشيطان جميع أنواع الأفكار والكلمات التي تأكل وتفكِّك، شيئًا فشيئًا، البقية الباقية من الإيمان والعزم والطموح الذي كان لدى الناس، إلى جانب الأشياء الإيجابية القليلة والرغبات الإيجابية التي تمسكوا بها، واستبدل بها أقواله الخاصة، وتعريفاته وآراءه ومفاهيمه لمختلف الأشياء. وبهذه الطريقة، تتحكم أفكار الشيطان في الناس عن غير قصدٍ منهم، وهم يصبحون أسرى وعبيدًا له. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). في تاريخ البشرية، كلما تقبل البشر أفكار الشيطان بشكل أعمق وملموس بدرجة أكبر، أصبحت العلاقة بين البشرية والله نائية أكثر فأكثر، وبالتالي فإن الرسالة القائلة بأن "البشر كائنات مخلوقة والله هو الخالق" تصبح نائية عن الناس على نحو متزايد، ولم يعد يؤمن بها ويعترف بها العديد من الناس. بدلًا من ذلك، تُعْتَبَر هذه الرسالة خرافة وأسطورة، وحقيقة غير موجودة، ومغالطة شريرة، بل إن بعض الناس في مجتمع اليوم يدينونها على أنها بدعة. لا بد من القول بأن هذا كله نتيجة وتأثير مغالطات الشيطان الشريرة المختلفة التي تنتشر على نطاقٍ واسع بين البشرية. لا بد أيضًا من القول إنه طوال تاريخ التطور البشري، وتحت ستار القيام بأشياء إيجابية مثل تعليم الناس، وتنظيم كلماتهم وأفعالهم، وما إلى ذلك، سحب الشيطان البشرية خطوة بخطوة إلى هاوية الخطيئة والموت، آخذًا البشرية بعيدًا عن نور حضور الله، وبعيدًا عن رعايته وحمايته، وبعيدًا عن خلاصه. يسجل العهد القديم من الكتاب المقدس روايات عن رسل لله يأتون للتحدث إلى الناس والعيش بينهم، لكن مثل هذه الأشياء لم تعد موجودة خلال الألفي سنة الماضية. والسبب في ذلك هو أنه، بين الجنس البشري بأكمله، لم يعد هناك أي شخص يماثل القديسين والحكماء القدامى المسجلين في الكتاب المقدس – مثل نوح أو إبراهيم أو موسى أو أيوب أو بطرس – والجنس البشري بأكمله مُشبع بأفكار الشيطان وملاحظاته ومقيَّدٌ بها. هذه هي حقيقة الأمر.
ما عقدنا الشركة عنه للتو هو أحد جوانب جوهر الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي في الثقافة التقليدية، وهو أيضًا يميز إفساد الشيطان للبشرية ويثبته ويرمز له. بالنظر إلى الأمر من جوهر هذه القضايا، فإن جميع البشر دون استثناء – سواء كانوا أطفالًا صغارًا أو كبارًا في السن، أو أيًا كانت الطبقة الاجتماعية التي يعيشون فيها أو الخلفية الاجتماعية التي يأتون منها – مقيدون بملاحظات الشيطان المختلفة، حتى دون تمييز لعمقها، وهم يعيشون بالكامل في نمط وجود مشبَّع بأفكار شيطانية. وبالطبع، ما هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها؟ أن الشيطان يفسد الناس. ما يفسده ليس الأعضاء الجسدية المختلفة للبشر، بل أفكارهم. إن إفساد أفكار البشر يقلب البشرية جمعاء ضد الله، حتى لا يتمكن البشر الذين خلقهم الله من عبادته، وبدلًا من ذلك يستخدمون جميع أنواع الأفكار والآراء الآتية من الشيطان للتمرد على الله، ومقاومته وخيانته ورفضه. هذا هو طموح الشيطان ومخططه الماكر، وهو بالطبع وجه الشيطان الحقيقي، وهذه هي الطريقة التي يفسد بها الشيطان البشرية. ورغم ذلك، مهما يبلغ عدد آلاف السنين التي أفسد فيها الشيطان البشرية، أو عدد الحقائق التي تشير إلى فساد الشيطان للبشرية، أو مدى تحريف مختلف الأفكار والآراء التي يُفسد بها الشيطان البشرية ومدى سخفها، ومدى عمق تقيُّد الأفكار البشرية بها – باختصار، بغض النظر عن هذا كله، عندما يأتي الله للقيام بعمله في تخليص الناس، وعندما يعبر عن الحق، حتى لو كان الناس يعيشون في مثل هذا السياق، فإنه لا يزال بإمكان الله انتزاعهم من نفوذ الشيطان، ولا يزال بإمكانه إخضاعهم. وبالطبع، لا يزال بإمكان الله أن يجعل الناس يفهمون الحق في توبيخه ودينونته، ويعرفون جوهر فسادهم وحقيقته، ويتخلصون من شخصياتهم الشيطانية، ويخضعون له، ويتقونه ويحيدون عن الشر. هذه هي النتيجة النهائية التي ستتحقق حتمًا، وهي أيضًا اتجاه تؤتي فيه خطة تدبير الله التي مدتها ستة آلاف عام ثمارها بالتأكيد، والتي يظهر فيها الله لجميع البلدان والشعوب بتمجيده. تمامًا كما يقول كلام الله: "الله صالحٌ صلاح كلمته، وكلمته يتعيَّن أن تتحقَّق، وما يتحقَّق يدوم إلى الأبد". هذه الجملة صحيحة. هل تصدقون ذلك؟ (نعم). هذه حقيقة ستتحقق بالتأكيد. لأن المرحلة الأخيرة من عمل الله هي عمل إمداد البشرية بالحق والحياة. في غضون الفترة القصيرة التي تزيد قليلًا عن ثلاثين عامًا، جاء عدد كبير من الناس أمام الله، وقد أخضعهم، والآن يتبعونه بعزم لا يتزعزع. إنهم لا يريدون أي منافع من الشيطان، إنهم على استعداد لقبول توبيخ الله ودينونته، وخلاصه، وجميعهم على استعداد لاستعادة أماكنهم ككائنات مخلوقة وقبول سيادة الخالق وترتيباته. أليست هذه علامة على أن خطة الله تؤتي ثمارها؟ (بلى). هذه حقيقة ثابتة وأيضًا حقيقة تحققت بالفعل، وهي بالطبع شيء يحدث الآن وقد حدث بالفعل. مهما كانت كيفية إفساد الشيطان للبشرية، وأيًا كانت الطرق التي يستخدمها، فستكون لدى الله دائمًا طرق لانتزاع البشر من سيطرة الشيطان، وتخليصهم، وإعادتهم أمامه، واستعادة العلاقة بين البشرية والخالق. هذه هي قدرة الله الكلية وسلطانه، وسواءً صدقت ذلك أم لم تصدقه، فذلك اليوم سيأتي عاجلًا أو آجلًا.
في الاجتماع الأخير، عقدنا الشركة عن القول المتعلق بالسلوك الأخلاقي "اخضع للمهمة وابذل قصارى جهدك حتى يوم احتضارك"، وقضينا بعض الوقت في تشريح وفضح المتطلبات والتعبيرات والأفكار والآراء المتأصلة في هذا القول، وقد اكتسب الناس فهمًا محددًا لجوهره. بالطبع، من حيث الموضوعات المتعلقة بهذا الجانب، عقدنا الشركة أيضًا عن ماهية مقصد الله بالضبط، وماهية موقفه، وماهية الحقائق التي ينطوي عليها هذا، وكيف يجب على الناس رؤية الموت. عندما يواجه الناس مثل هذه الأشياء بعد أن يفهموا الحق ومقصد الله، يجب أن ينظروا إلى مثل هذه القضايا وفقًا لكلام الله ويتعاملوا معها وفقًا للحق، حتى يتمكنوا من تلبية متطلبات الله. علاوة على ذلك، فإن القول المتعلق بالسلوك الأخلاقي الذي ذكرناه في المرة الماضية: "ديدان القز تنسج في الربيع حتى تموت والشموع تفني فتائلها"، سطحي للغاية، ومجاله الفكري مبتذل للغاية، لذلك لا يستحق التشريح أكثر من ذلك. القول التالي المتعلق بالسلوك الأخلاقي الذي سنعقد الشركة عنه: " كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، يستحق التشريح. الأشياء التي تستحق التشريح تحتل مكانًا معينًا في أفكار الناس ومفاهيمهم. ففي خلال فترة معينة، ستؤثر على تفكير الناس، ونمط وجودهم، ومسارهم، وخياراتهم بالطبع. هذه هي النتيجة التي يحققها الشيطان من خلال استغلال الثقافة التقليدية لإفساد البشرية. يحتل القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" مكانًا معينًا في قلوب الناس وعقولهم، أي إن القضية التي يشير إليها هذا القول نموذجية بشكل خاص. خلال المنعطفات الحرجة في مصير بلادهم، سيتخذ الناس قرارات مبنية على هذا القول، وهو سيؤدي إلى ربط تفكيرهم وعمليات تفكيرهم الطبيعية وتقييدها. لذلك، فإن مثل هذه الأفكار والآراء تستحق التشريح. مقارنة بالأقوال التي ذكرناها سابقًا، وهي "لا تحتفظ بالمال الذي تجده"، و "سوف أُضحي بحياتي من أجل صديق"، و "سدد اللطف بكل امتنان"، و "يجب رد فضل تقديم قطرة ماء بينبوع فائض"، و "اخضع للمهمة وابذل قصارى جهدك حتى يوم احتضارك" وما إلى ذلك، فإنَّ معيار السلوك الأخلاقي: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، يحتل مجالًا أعلى في عالم الشيطان. إنَّ الأقوال المتعلقة بالسلوك الأخلاقي التي شرَّحناها سابقًا، تشير إلى نوعٍ واحدٍ من الأشخاص أو نوعٍ واحد من الأمور الثانوية في الحياة، وكلها محدود، بينما هذا القول يغطي نطاقًا أوسع. إنه لا يتعلق بالأشياء الموجودة في نطاق "الذات الأقل"، بل يتطرق إلى عدد من القضايا والأشياء التي تتعلق بـ "الذات العليا". لذلك، يحتل هذا القول مكانة محورية في قلوب الناس، ويجب تشريحه لمعرفة ما إذا كان يجب أن يحتل مكانة معينة في قلوب الناس، وللتأكد من كيفية رؤية الناس لهذا القول المتعلق بالسلوك الأخلاقي بطريقة تتوافق مع الحق.
إن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" يجبر الناس على أن يضعوا في اعتبارهم مسؤوليتهم عن مصير بلدهم، من خلال الإشارة إلى أن الجميع يجب أن يكونوا مسؤولين عن ذلك. إذا كنت تفي بمسؤوليتك عن مصير بلدك، فستكافئك الحكومة بالشرف الكبير وسيُنظر إليك على أنك شخص نبيل الشخصية؛ بينما إذا كنت لا تهتم بمصير البلد، وتقف مكتوف الأيدي بينما يتعثر البلد، ولا تتعامل مع هذا على أنه مسألة ذات أهمية كبيرة، أو تتندر عليه، فسيُنظر إلى ذلك على أنه تقصير تام في الوفاء بمسؤوليتك. إذا كنتَ لا تفي بواجباتك ومسؤولياتك وقت احتياج بلدك إليك، فأنت لا يُرْجَى منك الكثير، وأنت حقًا شخصٌ عديم الأهمية. مثل هؤلاء الناس يتم نبذهم واحتقارهم في المجتمع، ويصبحون موضع ازدراء وينظر إليهم أقرانهم بتعالٍ. بالنسبة إلى أي مواطن في أي دولة ذات سيادة، فإن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" هو قول يحظى باستحسان الناس، وهو قول يمكن أن يقبله الناس، بل إنه قولٌ تحترمه البشرية. إنها أيضًا فكرة تعتبرها البشرية نبيلة. الشخص القادر على القلق والاهتمام بشأن مصير وطنه، والذي لديه حسٌ عميق بالمسؤولية تجاهه، هو شخص ذو بر أكبر. الأشخاص الذين يقلقون ويهتمون بشأن عائلاتهم لديهم بر أقل، في حين إن أولئك الذين يهتمون بمصير بلادهم هم أشخاص يتمتعون بروح البر الأكبر، وهم مَنْ يجب أن يمدحهم الحكام والشعب مِنْ بين جميع الناس. باختصار، فأفكارٌ مثل هذه يُعْتَرَفُ بها بلا خلاف على أنها ذات أهمية إيجابية للبشر وتعمل على توجيه البشرية بشكل إيجابي، وبالطبع يُعْتَرَفُ بها أيضًا على أنها أشياء إيجابية. هل تفكرون بالطريقة نفسها أيضًا؟ (نعم). من الطبيعي أن تفكروا بهذه الطريقة. هذا يعني أن تفكيركم لا يختلف عن الأشخاص العاديين، وأنكم أناس عاديون. يستطيع الناس العاديون قبول الأفكار الشائعة، ومختلف ما يسمى بالأفكار والملاحظات الإيجابية والاستباقية والسامية والنبيلة التي تأتي من بقية البشرية. هؤلاء أناس عاديون. هل الأفكار التي يقبلها ويحترمها الناس العاديون إيجابية بالضرورة؟ (لا). من الناحية النظرية، فهي ليست إيجابية، لأنها لا تتفق مع الحق، ولا تأتي من الله، ولا يُعَلِّمُها الله أو يتحدث بها إلى البشر. إذن ما هي الحقائق بالضبط؟ كيف يجب شرح هذا الأمر؟ سأشرح ذلك الآن بالتفصيل، وعندما أنتهي من الكلام، ستعرفون لماذا القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" ليس قولًا إيجابيًا. قبل أن أكشف عن الإجابة، فكروا أولًا في القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده": هل هذا أمر إيجابي حقًا؟ هل من الخطأ جعل الناس يحبون بلادهم؟ يقول بعض الناس: "إن مصير وطننا له تأثير على بقائنا وسعادتنا ومستقبلنا. ألا يقول الله للناس أن يكونوا مطيعين لوالديهم، وأن يربوا أطفالهم بشكل جيد، وأن يفوا بمسؤولياتهم الاجتماعية؟ ما المشكلة في وفائنا ببعض المسؤوليات في بلدنا؟ أليس هذا أمرًا إيجابيًا؟ على الرغم من أن هذه الفكرة لا ترقى إلى مستوى الحقيقة، إلا أنها يجب أن تكون فكرة صحيحة، أليس كذلك؟". بالنسبة إلى الناس، هذه الأسباب مقبولة، أليس كذلك؟ يستخدم الناس هذه الادعاءات، وهذه الأسباب، وحتى هذه المبررات للدفاع عن صحة القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". إذن هل هذا القول صحيح حقًا أم لا؟ إذا كان صحيحًا، فما هو الصحيح فيه؟ إذا لم يكن صحيحًا، فما الخطأ فيه؟ إذا تمكنتم من الإجابة على هذين السؤالين بوضوح، فستفهمون حقًا هذا الجانب من جوانب الحق. هناك آخرون يقولون: "القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" ليس صحيحًا. البلاد يحكمها حكام، وتحكمها أنظمة سياسية. عندما يتعلق الأمر بالسياسة، لا نتحمل أي مسؤولية، لأن الله لا يتدخل في السياسة البشرية. لذلك، نحن لا ننخرط في السياسة أيضًا، لذلك هذا القول لا يهمنا؛ فكل ما يتعلق بالسياسة لا علاقة له بنا. كل من ينخرط في السياسة، ويحب السياسة، مسؤول عن مصير البلاد. نحن لا نقبل هذا القول، إنه ليس شيئًا إيجابيًا من وجهة نظرنا". هل هذا التفسير صحيح أم خطأ؟ (خطأ). لماذا هو خطأ؟ أنتم تعرفون نظريًا أن هذا التفسير لا يبدو منطقيًا، ولا يتناول جذر المشكلة، ولا يكفي لشرح جوهر المشكلة. إنه مجرد تفسير نظري، لكنه لا يوضح جوهر هذا الأمر. بغض النظر عن أي نوع من التفاسير هو، فطالما أنه لا يتطرق إلى الجوهر المحدد لهذه المسألة، فهو ليس تفسيرًا حقيقيًا، وليس إجابة دقيقة، وليس الحق. إذن، ما الخطأ في القول في السلوك الأخلاقي "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"؟ ما هو الحق الذي ترتبط به هذه المسألة؟ لا يمكن شرح الحق في هذا الصدد بوضوح في جملة واحدة أو جملتين. سيتطلب الأمر الكثير من الشرح لجعلكم تفهمون الحق الذي يحويه. لذلك دعونا نعقد الشركة عن ذلك بعبارات بسيطة.
كيف ينبغي النظر إلى القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" وتمييزه؟ هل هو قول إيجابي؟ من أجل شرح هذا القول، دعونا نتمعن أولًا في ماهية البلد. ما هو مفهوم البلد في أذهان الناس؟ هل مفهوم البلد هو أنه مكان كبير جدًا؟ من الناحية النظرية، البلد هو رقعة الأراضي التي تضم جميع البيوت التي يحكمها نفس الحاكم والتي يحكمها نفس النظام الاجتماعي. وهذا يعني أن البلد يتشكَّل من العديد من البيوت. هل يعرِّف المجتمعُ البلدَ بهذا الشكل؟ (نعم). فقط عندما توجد بيوت صغيرة يمكن أن يوجد بيتٌ كبير، والبيت الكبير يعني البلد – هذا هو تعريف البلد. إذن هل هذا التعريف مقبول؟ هل تتماهون مع هذا التعريف في داخلكم؟ مَن مِن الناس يتناسب هذا التعريف بأفضل صورةٍ مع أذواقهم ومصالحهم؟ (الحكام). هذا صحيح، الحكام أولًا وقبل أي أحد. لأنهم، من خلال وضع جميع المنازل تحت سيطرتهم، يحوزون السلطة في أيديهم. لذلك، بالنسبة إلى الحكام، هذا التعريف صالح، وهم يتماهون معه. بغض النظر عن تعريف الحكام للبلد، فبالنسبة لأي شخص عامّي، هناك مسافة بين البلد وكل شخص فيه. بالنسبة لعامة الناس، أي الأفراد في كل بلد، فتعريفهم للبلد يختلف تمامًا عن التعريف الذي يتبناه الحكام أو الطبقة الحاكمة. تعتمد طريقة تعريف الطبقة الحاكمة للبلد على سيطرة الطبقة الحاكمة ومصالحها الخاصة. إنهم ينسبون لأنفسهم الأفضلية ويستخدمون موقعهم المميز المترفِّع ومنظورهم الواسع المليء بالطموح والرغبة في تحديد ماهية البلد. على سبيل المثال، ينظر الحكام إلى البلد على أنه وطنهم وأرضهم الخاصة، ويعتقدون أنه موجودٌ لمتعتهم الخاصة، وأن كل شبر من البلد، وكل مَوْرِد وحتى كل شخص فيه يجب أن ينتمي إليهم ويكون تحت سيطرتهم، وأنهم يجب أن يكونوا قادرين على الاستمتاع بكل هذا وعلى التسلط على الناس كما يحلو لهم. لكن عامة الناس ليست لديهم مثل هذه الرغبات، ولا لديهم مثل هذه الظروف، وبالطبع ليس لديهم مثل هذا المنظور الواسع لتعريف ماهية البلد. إذن بالنسبة إلى عامة الناس، وإلى أي شخص مستقل، ما هو تعريفهم للبلد؟ إذا كانوا متعلمين جيدًا وقادرين على قراءة الخرائط، فإنهم يعرفون فقط مساحة أراضي بلدهم، والدول المجاورة المحيطة بها، وعدد الأنهار والبحيرات بها، وعدد الجبال، وعدد الغابات، ومساحة الأرض، وعدد الأشخاص الموجودين في بلدهم.... مفهومهم للبلد ليس أكثر من مفهوم خرائطيٍّ حرفيٍّ، مجرد مفهوم نظري على الورق، ومتعارض تمامًا مع البلد الموجود في الواقع. بالنسبة إلى شخص جيد التعليم إلى حد ما ولديه مكانة اجتماعية معينة، فإن مفهومه للبلد هو شيءٌ من هذا القبيل. إذن، ماذا عن عامة الناس في قاع المجتمع؟ ما هو تعريفهم للبلد؟ من وجهة نظري، فإن تعريف هؤلاء الناس للبلد أنه ليس أكثر من قطعة الأرض المتواضعة المملوكة لعائلاتهم، وشجرة الصفصاف الكبيرة في الطرف الشرقي من القرية، والجبل في الطرف الغربي، والطريق عند مدخل القرية والسيارات التي تمر بالطريق عادةً، بالإضافة إلى بعض الحوادث المثيرة نسبيًا التي تقع في القرية، وحتى بعض الثرثرة التافهة. بالنسبة لعامة الناس، فإن مفهوم البلد هو شيء من هذا القبيل. على الرغم من أن حدود هذا التعريف صغيرة جدًا ونطاقه ضيق جدًا، فيما يتعلق بعامة الناس الذين يعيشون في مثل هذا السياق الاجتماعي، إلا أنه واقعي وعملي للغاية-فبالنسبة إليهم، البلد ليس أكثر من هذا. مهما كان ما يحدث في العالم الخارجي، ومهما كان ما يحدث في البلد، فهو بالنسبة إليهم مجرد خبر بسيط الأهمية بوسعهم اختيار الاستماع إليه أو عدم الاستماع إليه. إذن، ما الذي يتعلق بمصالحهم المباشرة؟ إنه ما إذا كان محصول الحبوب الذي زرعوه هذا العام سينتج محصولًا وفيرًا، وما إذا كان سيكفي لإطعام أسرهم، وما الذي سيزرعونه العام المقبل، وما إذا كانت أراضيهم ستغمرها الفيضانات، وما إذا كانت سيغزوها ويحتلها المُعتدون، وغيرها من الأمور والأشياء التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة، وصولًا إلى الأشياء مثل المبنى في القرية، والجدول، والمقطورة، وما إلى ذلك. ما يهتمون به ويتحدثون عنه، وكذلك ما يترك انطباعًا عميقًا في أذهانهم، ليس سوى الأشخاص والأمور والأشياء المحيطة بهم التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بحياتهم. ليس لديهم إدراك لمدى اتساع نطاق البلد، وليس لديهم إدراكٌ لازدهار البلد أو تدهوره. كلما كانت الأمور أكثر حداثة، وكلما كانت شؤون البلاد أكثر أهمية، زادت المسافة بينها وبين هؤلاء الأشخاص. بالنسبة إلى عامة الناس، فإن مفهوم البلد هو فقط الأشخاص والأمور والأشياء التي يمكن لأذهانهم استيعابها، والأشخاص والأمور والأشياء التي يتعاملون معها في حياتهم. حتى لو حصلوا على معلومات حول مصير البلد، فإنها تبقى نائيةً جدًا عنهم. كونها نائية عنهم يعني أنها لا تحتل أي مكان في قلوبهم، ولن تؤثر على حياتهم، لذلك فإن ازدهار البلد وانحداره لا علاقة له بهم. ما هو مصير البلد في قلوبهم؟ هو ما إذا كانت المحاصيل التي زرعوها هذا العام مباركة من السماء، وما إذا كان الحصاد وفيرًا، وكيف تدبر أسرهم أمورها، وغيرها من تفاصيل الحياة اليومية، في حين أن الشؤون الوطنية لا علاقة لهم بها. المسائل ذات الأهمية الوطنية، والسياسة، والاقتصاد، والتعليم، والعلوم والتكنولوجيا، وما إذا كانت أراضي البلد قد توسعت أو تقلصت، والأماكن التي زارها الحكام، وما حدث داخل الطبقة الحاكمة-هذه الأمور ببساطة خارجة عن إدراك عامة الناس. وحتى لو تمكنوا من فهمها، فما غرضهم منها؟ حتى لو تحدثوا بعد العَشَاء عما يحدث للطبقة الحاكمة، فماذا يمكنهم أن يفعلوا حيال ذلك؟ بعد وضع أوعية الطعام وعيدان الأكل، لا يزال يتعين عليهم السعي على معايشهم والتوجُّه للعمل في الحقول. لا شيء يبدو حقيقيًا مثل المحاصيل في حقولهم التي يمكن أن تسفر عن حصاد وفير. ما يهتم به الشخص هو ما يحمله في قلبه. يتسع أفق الشّخص باتّساع الأشياء الّتي يستوعبها قلبه. وآفاق الناس العاديين تمتد فقط إلى الأماكن التي يمكنهم رؤيتها من حولهم والأماكن التي يمكنهم الذهاب إليها. أما بالنسبة لمصير بلدهم والمسائل ذات الأهمية الوطنية، فهي نائية وبعيدة المنال. لذلك، عندما يكون مصير البلد على المحك، أو يواجه البلد غزوًا من قبل عدو قوي، فإنهم يفكرون على الفور: "هل سيستولي الغزاة على محاصيلي في نهاية المطاف؟ إننا نعتمد هذا العام على بيع تلك الحبوب لدفع تكاليف التحاق أبنائنا بالكلية!". هذه هي الأشياء الأكثر أهمية من الناحية العملية لعامة الناس، والأشياء التي يمكنهم فهمها، والأشياء التي يمكن أن يتحملها عقلهم وروحهم. بالنسبة للأشخاص العاديين، فإن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" أمر شاقٌ للغاية. إنهم لا يعرفون كيفية القيام بذلك، ولا يريدون تحمل هذا العبء الثقيل والمسؤولية الشاقة. بالنسبة لعامة الناس، فإن مفهوم البلد هو شيء من هذا القبيل. لذلك، فإن نطاق حياتهم، والأشياء التي تهتم بها أفكارهم وأرواحهم، ليست أكثر من تربة وماء مسقط رأسهم التي توفر لهم ثلاث وجبات في اليوم وتعطيهم كل ما يحتاجون إليه للنمو، وكذلك الهواء والبيئة في مسقط رأسهم. ماذا أيضًا يمكن أن يكون هناك إلى جانب هذه الأشياء؟ حتى لو تجاوز بعض الناس المحيط المألوف في مسقط رأسهم حيث ولدوا ونشأوا، كلما تعثر البلد واحتاج منهم الوفاء بمسؤولياتهم تجاه الأمة، لا أحد يفكر في حماية البلاد بأكملها. ما الذي يفكر فيه الناس بدلًا من ذلك؟ كل ما يمكنهم التفكير فيه هو الوفاء بمسؤولياتهم في حماية مسقط رأسهم وحماية قطعة الأرض التي يحتفظون بها في قلوبهم، وحتى التضحية بحياتهم لتحقيق هذه الغاية. مهما كان المكان الذي يذهب إليه الناس، فإن كلمة "بلد" بالنسبة لهم هي مجرد ضمير، علامة ورمز. ما يشغل مساحة كبيرة في قلوبهم حقًا ليس أراضي البلاد، ناهيك عن حكم الحكام، بل الجبل وقطعة الأرض والنهر والبئر التي توفر لهم ثلاث وجبات في اليوم، وتمنحهم الحياة، وتساعد على الحفاظ على حياتهم؛ هذا كل شيء. هذا هو مفهوم البلد في أذهان الناس-إنه حقيقي للغاية، وملموس للغاية، وبالطبع دقيق للغاية.
لماذا تدعو الثقافة التقليدية دائمًا إلى فكرة أن "يتقاسم كل شخص المسؤولية عن مصير بلده"، خاصة فيما يتعلق بالسلوك الأخلاقي؟ ترتبط إجابة هذا السؤال بكلٍ من حكم الحاكم، ونوايا وأهداف الأشخاص الذين يؤيدون هذه الفكرة. إذا كان تعريف البلد في ذهن كل فرد تافهًا للغاية، وملموسًا للغاية، وحقيقيًا للغاية، فمن سيحمي البلد؟ من الذي سيدعم حكم الحاكم؟ أليست ثمة مشاكل هنا؟ ثمة مشاكل تظهر هنا بالفعل. إذا كان هذا هو مفهوم الجميع للبلد، ألا يصبح الحاكم مجرد مسؤولٍ صوري؟ إذا واجهت بلد الحاكم غزوًا من قبل عدو قوي وكان دفاعها يعتمد فقط على الحاكم وحده، أو على البطانة الحاكمة، ألن يبدوا في مشقة، وعاجزين، ومعزولين، وضعفاء؟ استجاب المفكرون لهذه المشاكل باستخدام عقولهم. لقد اعتقدوا أنه من أجل حماية البلاد ودعم حكم الحاكم، لم يكن من الممكن الاعتماد فحسب على مساهمات عدد صغيرٍ من الناس، بل كان من الضروري تحفيز جميع السكان على خدمة حاكم البلاد. إذا طلب هؤلاء المفكرون مباشرة من الناس خدمة الحاكم وحماية البلاد، فهل سيكون الناس راغبين في القيام بذلك؟ (لا، لن يكونوا راغبين). من المؤكد أن الناس لن يكونوا راغبين، لأن الهدف من وراء الطلب سيكون سافرًا للغاية، ولن يوافقوا عليه. عرف هؤلاء المفكرون أنه يجب عليهم أن يغرسوا في الناس تعبيرًا لطيف الوَقْع ونبيلًا وجليلًا بشكل ظاهري، وأن يخبروهم أن كل من يفكر بهذه الطريقة هو ذو سلوكٍ أخلاقيٍ نبيل. بهذه الطريقة، سيقبل الناس هذه الفكرة بسهولة، وحتى سيقدمون التضحيات والمساهمات من أجل هذه الفكرة. بهذه الطريقة يتحقق هدف المفكرين، أليس كذلك؟ في هذا السياق الاجتماعي، واستجابة لاحتياجات الحكام، جاء هذا القول وهذه الفكرة "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". من طبيعة البشر أنه مهما كانت الفكرة التي تظهر، سيكون هناك دائمًا بعض الأشخاص الذين يعتبرونها عصرية وطليعية، ويقبلونها على هذا الأساس. أليس من المفيد للحاكم أن يتقبل بعض الناس فكرة أن "يتقاسم كل شخص المسؤولية عن مصير بلده"؟ هذا يعني أنه سيكون هناك أشخاص يقدمون التضحيات والمساهمات لنظام الحاكم. وبناءً على ذلك، يكون لدى الحاكم أمل في الحكم لفترة طويلة، أليس كذلك؟ ألن يكون حكمه أكثر استقرارًا نسبيًا؟ (بلى). لذلك، عندما يتعرض حكم الحاكم للتحدي أو يواجه الدمار، أو تواجه بلاده غزوًا من قبل عدو قوي، فإن أولئك الذين يتقبلون فكرة أن "يتقاسم كل شخص المسؤولية عن مصير بلده" سيتقدمون بشجاعة وجسارة لتقديم المساهمات أو التضحية بحياتهم من أجل حماية البلاد. من المستفيد النهائي من هذا؟ (الحاكم). المستفيد النهائي هو الحاكم. ماذا يحدث لأولئك الأشخاص الذين يتقبلون فكرة أن "يتقاسم كل شخص المسؤولية عن مصير بلده" والذين هم على استعداد للتخلي عن حياتهم الثمينة من أجل ذلك؟ يصبحون مواطئ قدمٍ للحاكم وبيادق يسهل عليه التضحية بها، يصبحون ضحايا لهذه الفكرة. ليس لدى عامة الناس الذين يعيشون في قاع المجتمع مفهوم محدد أو واضح أو تعريف واضح لماهية البلد. إنهم لا يعرفون ماهية البلد، ولا مدى ضخامة البلد، ويعرفون أقل عن الأمور المهمة المتعلقة بمصير البلد. نظرًا لأن تعريف الناس للبلد ومفهومهم له غامضان، فإن الطبقة الحاكمة تستخدم القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لتضليلهم وغرس هذه الفكرة في أذهانهم، حتى ينهض الجميع للدفاع عن البلاد ويضعوا حياتهم على المحك للطبقة الحاكمة، ومن ثَمَّ سيتحقق هدفها. في الواقع، بالنسبة إلى عامة الناس، بغض النظر عمن يحكم البلاد، أو ما إذا كان الدخلاء أفضل أو أسوأ من الحكام الحاليين، ففي النهاية، لا يزال يتعين عليهم زراعة قطعة الأرض المتواضعة المملوكة لعائلاتهم كل عام، وتظل الشجرة في الطرف الشرقي من قريتهم لم تتغير، ويظل الجبل في الطرف الغربي من القرية لم يتغير، ويظل البئر في وسط القرية لم يتغير أيضًا، وهذا كل ما يهمهم. أما بالنسبة لما يحدث خارج القرية، أو عدد الحكام الذين يأتون ويذهبون، أو كيف يحكمون البلاد، كل هذا لا علاقة له بهم على الإطلاق. هذه هي حياة عامة الناس. حياتهم حقيقية وبسيطة للغاية، ومفهومهم للبلد ملموس مثل مفهومهم للأسرة، إلا أنه أكبر في نطاقه من الأسرة. في حين أنه عندما يتم غزو البلاد من قبل عدو قوي ويصبح وجود البلد وبقائه على المحك، ويصبح حكم الحاكم مضطربًا وغير مستقر، فإن هؤلاء الناس الذين يتقبلون أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" تهيمن عليهم هذه الفكرة، وكل ما يريدون فعله هو الاستفادة من نقاط قوتهم الشخصية لتغيير هذه الأشياء التي تؤثر على مصير البلاد وتتدخل في حكم الحاكم. وماذا سيحدث في النهاية؟ ما الذي يغيرونه بالفعل؟ حتى لو تمكنوا من إبقاء الحاكم في السلطة، فهل هذا يعني أنهم فعلوا شيئًا عادلًا؟ هل يعني ذلك أن تضحيتهم كانت إيجابية؟ هل تستحق أن يتذكرها الناس؟ هؤلاء الناس في فترة معينة من التاريخ، الذين يعلقون أهمية كبيرة على فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، أيدوا بقوة أيضًا روح هذه الفكرة في الدفاع عن البلاد وإبقاء الحكام في السلطة، لكن حكم الحكام الذين أبقوا عليهم في السلطة كان متخلفًا، دمويًا، ولا يقدم أي معنى أو قيمة للبشرية. من وجهة النظر هذه، هل كانت المسؤولية المزعومة التي أنجزها هؤلاء الأشخاص إيجابية أم سلبية؟ (سلبية). يمكن للمرء أن يقول إنها كانت سلبية، ولا تستحق أن يتذكرها الناس، وأن الناس كانوا يحتقرونها. على العكس، لا يتماهى عامة الناس بعمق مع فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، والتي يدافع عنها هؤلاء المفكرون المتآمرون، ولا يتقبلونها أو ينفذونها فعليًا. لذلك، فإن حياتهم مستقرة نسبيًا. على الرغم من أن إنجازاتهم على مدار أعمارهم ليست مثيرة للإعجاب مثل أولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل مصير بلدهم، إلا أنهم فعلوا شيئًا ذا مغزى. ما هو هذا الشيء ذو المغزى؟ هو بالتحديد أنهم لا يتدخَّلون بتكلفٍ في مصير البلد، ولا في عملية تحديد من هم حكام البلد. بدلًا من ذلك، كل ما يطلبونه هو أن يعيشوا حياة جيدة، وأن يعملوا على الأرض، وأن يدافعوا عن مسقط رأسهم، وأن يكون لديهم طعام يأكلونه على مدار السنة، وأن يعيشوا حياة وفيرة ومريحة ومُسالِمة وصحية، دون التسبب في أي مشكلة لبلدهم، ودون أن يطلبوا من بلدهم الطعام أو المال، وأن يدفعوا الضرائب العادية وقت استحقاقها-وهذا هو الوفاء بالمسؤولية التي يجب على المواطن الوفاء بها. إذا كان بإمكانك التحرر من أي تدخل من أفكار المفكرين، وعيش حياتك كشخص عادي بطريقة واقعية وفقًا لموقعك، وتكون مكتفيًا ذاتيًا، فهذا يكفي، وستكون قد أوفيت بمسؤوليتك. هذا هو أهم شيء وأعظم مسؤولية يجب على الشخص الذي يعيش على هذه الأرض الوفاء بها. إن اعتناء المرء ببقائه واهتمامه باحتياجاته الأساسية هي المشاكل التي يجب أن يحلها بنفسه، في حين أن الأمور المهمة المتعلقة بمصير البلاد، وكيفية حكم الحكام للبلاد، لا يتمتع عامة الناس بالقدرة على التدخل فيها أو فعل أي شيء حيالها. لا يسعهم سوى ترك كل هذه الأمور للقدر، وترك الطبيعة تأخذ مجراها. أيًا كانت مشيئة السماء، فستحدث. معرفة عامة الناس محدودةٌ جدًا، وإلى جانب ذلك، لم تعهد السماء إلى الناس بهذا النوع من المسؤولية تجاه بلدهم. الناس العاديون لا يحملون في قلوبهم سوى منزلهم الخاص، وطالما أنهم يحافظون على منزلهم الخاص، فهذا يكفي، وقد أوفوا بمسؤوليتهم.
تمامًا مثل الأقوال الأخرى حول السلوك الأخلاقي، فإن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" هي فكرة ووجهة نظر طرحها المفكرون من أجل إبقاء الحكام في السلطة، وبالطبع هي أيضًا فكرة ووجهة نظر تمت الدعوة إليها حتى يدعم المزيد من الناس الحكام. في الواقع، أيًا كانت الطبقة الاجتماعية التي يعيش فيها الناس، إذا لم تكن لديهم أي طموحات أو رغبات أو لا يريدون الدخول في السياسة أو لا يريدون أن تكون لهم أي علاقة بالطبقة الحاكمة، فإن تعريف الناس للبلد من منظور الإنسانية ليس أكثر من الأماكن التي يمكنهم رؤيتها على مد البصر، أو الأرض التي يمكنهم قياسها سيرًا على الأقدام، أو المجال الذي يمكنهم العيش فيه بسعادة وحرية وبشكلٍ شرعي. بالنسبة إلى أي شخص لديه مثل هذا المفهوم للبلد، فإن الأرض التي يعيشون فيها ومجال حياتهم يمكن أن تمنحهم حياة مستقرة وسعيدة وحرة، وهي إحدى الاحتياجات الأساسية في حياتهم. هذا الاحتياج الأساسي هو أيضًا اتجاه وهدف يسعى الناس للدفاع عنه. بمجرد تحدي هذا الاحتياج الأساسي أو إزعاجه أو التعدي عليه، سينهض الناس بالتأكيد ويدافعون عنه بشكلٍ عفويٍ. هذا الدفاع له ما يبرره، وهو ينبع من احتياجات البشرية، وكذلك من احتياجات البقاء على قيد الحياة. لا يحتاج أحد إلى أن يقول للناس: "عندما يواجه مسقط رأسك وموطنك غزوًا من قبل عدو أجنبي، يجب عليك النهوض والدفاع عنهما، والنهوض لمحاربة الغزاة". سينهضون ويدافعون عنهما تلقائيًا. هذه غريزة بشرية، ولكنها أيضًا الحاجة إلى البقاء على قيد الحياة. لذلك عندما يتعلق الأمر بشخص عادي، لا تحتاج إلى استخدام أفكار مثل "يتقاسم كل شخص المسؤولية عن مصير بلده" لتشجيعه على حماية وطنه وموطنه. إذا أراد شخص ما حقًا غرس مثل هذه الأفكار في الناس، فهدفه ليس بهذه البساطة. هدفه ليس أن يدافع الناس عن موطنهم، أو يضمنوا احتياجاتهم المعيشية الأساسية، أو حتى أن يعيش الناس حياة أفضل. بل لديه هدف آخر، وهو ليس سوى إبقاء الحكام في السلطة. سيقدم الناس غريزيًا أي تضحيات لحماية موطنهم، وسيحمون بوعي موطنهم وبيئتهم المعيشية لضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية للبقاء على قيد الحياة، دون الحاجة إلى أن يستخدم الآخرون أي تعبيرات طنانة لإخبارهم بما يجب عليهم فعله، أو كيفية النهوض لحماية منازلهم. هذه الغريزة، هذا الوعي الأساسي، يمتلكهما حتى الحيوانات، ويمتلكهما بكل تأكيدٍ البشر، الذين هم كائنات مخلوقة أعلى من أي حيوان. حتى الحيوانات تحمي موطنها ومرعاها وبيتها ومجتمعها من غزو الأعداء الأجانب. وإذا كان لدى الحيوانات هذا النوع من الوعي، فمن المؤكد أن البشر لديهم الوعي نفسه! لذلك، فإن فكرة أن "يتقاسم كل شخص المسؤولية عن مصير بلده"، التي اقترحها هؤلاء المفكرون، لا لزوم لها بالنسبة إلى جميع أفراد الجنس البشري. وعندما يتعلق الأمر بتعريف البلد في أعماق قلوب الناس، فإن هذه الفكرة لا لزوم لها في الأساس أيضًا. لكن لماذا لا يزال هؤلاء المفكرون يطرحونها؟ لأنهم أرادوا تحقيق هدف آخر. لم يكن هدفهم الحقيقي هو تمكين الناس من العيش بشكل أفضل في موطنهم الحالي، ولا تمكينهم من الحصول على بيئة معيشية أكثر استقرارًا وسعادة. لم ينطلقوا من منظور حماية الناس، ولا من منظور الدفاع عن مواطن الناس، ولكن من منظور ووجهة نظر الحكام، لغرس فكرة "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" وتحريضهم على امتلاك هذه الفكرة. إذا كنت لا تمتلك مثل هذه الفكرة، فسيُنظر إلى مجال تفكيرك على أنه أدنى، وسيستهزئ بك الجميع ويُنْظَر إليك بازدراء من قبل أي مجموعة عِرْقية؛ إذا كنت لا تمتلك مثل هذه الفكرة، إذا لم يكن لديك هذا البر الأكبر وهذه العقلية، فسيُنظر إليك على أنك شخص ذو شخصية أخلاقية أدنى، وأناني ووضيعٌ حقير. هؤلاء الذين يسمون بالوضيعين هم أشخاص محتقرون في المجتمع، ويتعرضون للتمييز والاحتقار من قبل المجتمع.
في هذا العالم، في المجتمع، أي شخص يولد في بلد فقير أو متخلف، أو ينتمي إلى أمةٍ ذات مكانة متدنية، بمجرد أن يعلن عن جنسيته أينما ذهب، ستتحدد مكانته على الفور وسيُعْتَبَرُ أقل شأنًا من الآخرين، وسيُنْظَرُ إليه بازدراء وسيُمَيَّزُ ضده. إذا كانت جنسيتك هي جنسية بلد قوي، فستتمتع بمكانة عالية جدًا وسط أي مجموعة عرقية، وستُعتبر متفوقًا على الآخرين. لذلك، فإن فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لها مكان مهم في قلوب الناس. لدى الناس مفهوم محدود جدًا وملموس للبلد، لكن نظرًا لأن الطريقة التي يعامل بها الجنس البشري بأكمله أي مجموعة عرقية وأي شخص من بلد مختلف، وكذلك الطريقة والمعايير التي يحدد بها مكانتهم، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمصير بلدهم، يتأثر الجميع داخليًا بدرجات متفاوتة بفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". كيف ينبغي إذن أن يتخلص الناس من تأثير هذه الفكرة؟ دعونا ننظر أولًا إلى كيفية تأثير هذه الفكرة على الناس. على رغم أن تعريف الناس لبلد ما لا يتجاوز البيئة المحددة التي يعيشون فيها، وأن الناس لا يريدون سوى الحفاظ على حقهم الأساسي في العيش وعلى احتياجاتهم للبقاء على قيد الحياة حتى يتمكنوا من العيش بشكل أفضل، فإن الجنس البشري بأكمله يتحرك وينتشر باستمرار في الوقت الحاضر، ويتقبل البشر دون وعي فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". وهذا يعني، من منظور الإنسانية، أن الناس لا يريدون قبول تلك التعريفات الجوفاء المهيبة للبلد، مثل "أمة عظيمة"، و"أسرة حاكمة مزدهرة"، و"قوة عظمى"، و"قوة تكنولوجية"، و"قوة عسكرية"، وما إلى ذلك. لا توجد مثل هذه المفاهيم في الإنسانية الطبيعية، والناس لا يريدون أن ينشغلوا بهذه الأشياء في حياتهم اليومية. لكن في الوقت نفسه، عندما يختلط الناس مع بقية البشر، فإنهم يأملون رغم ذلك في أن تكون لديهم جنسية بلد قوي. على وجه الخصوص، عندما تسافر إلى الخارج وتكون بين أشخاص من أعراق أخرى، ستشعر بقوة أن مصير بلدك له تأثير على مصالحك الحيوية. إذا كان بلدك قويًا وثريًا ويتمتع بمكانة عالية في العالم، فسترتفع مكانتك بين الناس بما يتماشى مع مكانة بلدك، وستنال تقديرًا عاليًا. وإذا كنت تنحدر من بلد فقير أو أمة صغيرة أو مجموعة عرقية مغمورة، فستكون مكانتك أدنى، بما يتماشى مع جنسيتك وعرقك. بصرف النظر عن أي نوع من الأشخاص أنت، وبصرف النظر عن جنسيتك، أو العرق الذي تنتمي إليه، إذا كنت تعيش داخل مجال صغير فحسب، فإن فكرة: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لن يكون لها أي تأثير عليك. لكن عندما يجتمع أشخاص من بلدان مختلفة من جميع أنحاء البشرية، فإن المزيد من الناس يقبلون فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". هذا القبول ليس سلبيًا، بل هو إدراك عميق من إرادتك الذاتية بأن القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" صحيح؛ لأن مصير بلدك يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمكانتك وسمعتك وقيمتك بين الناس. عند هذه النقطة، لا تعود تعتقد أن مفهوم بلدك وتعريفه هو مجرد المكان الصغير الذي ولِدت وترعرعت فيه. وبدلًا من ذلك، تأمل أن يصبح بلدك أكبر وأقوى. لكن عندما تعود إلى بلدك، فإنه – مرة أخرى – يصبح في ذهنك شيئًا خاصًا جدًا إليك. ليس هذا المكان المحدد أمة بلا شكل، بل هو الطريق وجدول الماء والبئر في مسقط رأسك، وحقول بيتك حيث تزرع المحاصيل. لذا، بالنسبة إليك، فإن عودتك إلى بلدك تمثل بشكل أكثر تحديدًا العودة إلى مسقط رأسك، والعودة إلى بيتك. وعندما تعود إلى بيتك، لا يهم ما إذا كان البلد موجودًا أم لا، ولا من هو الحاكم، ولا مدى اتساع أراضي البلاد، ولا ما هو الوضع الاقتصادي للبلاد، ولا ما إذا كانت فقيرة أو غنية – لا شيء من ذلك يهمك. ما دام بيتك لا يزال موجودًا، فعندما تحمل حقيبة سفرك بنية العودة، سيكون لديك اتجاه وهدف. ما دام لا يزال لديك مكان لتعليق قبعتك، والمكان الذي ولدت وترعرعت فيه لا يزال موجودًا، فسيكون لديك شعور بالانتماء ووجهة. حتى لو لم يعد البلد الذي يقع فيه البيت موجودًا وتغير حاكمه، ما دام بيتك لا يزال موجودًا، فلديك بيت تعود إليه على أي حال. هذا المفهوم للبلد متناقض للغاية وغامض في أذهان الناس، لكنه أيضًا مفهوم ملموس للغاية للبيت. الناس في الواقع ليسوا متأكدين للغاية مما إذا كانت فكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" صحيحة أم لا. لكن نظرًا لأن هذه الفكرة لها تأثير معين على مكانتهم الاجتماعية المحددة، يتطور لدى الناس دون وعي حس قوي بالبلد والجنسية والعرق. عندما يسكن الناس في المجال الصغير لمسقط رأسهم فحسب، فإنهم يتمتعون بدرجة معينة من الحصانة أو المقاومة لفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". لكن عندما يغادرون مسقط رأسهم ووطنهم، ويخرجون خارج حدود حكم بلدهم، فإنهم – دون وعي – يكون لديهم درجة معينة من الوعي والقبول لفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". على سبيل المثال، عندما تسافر إلى الخارج، إذا سألك شخص ما عن البلد الذي أنت منه، فسوف تتساءل: "إذا قلت إنني سنغافوري، فسوف ينظر الناس إليَّ بتقدير؛ بينما إذا قلت إنني صيني، فسوف ينظر الناس إليَّ بازدراء". وهكذا لا تجرؤ على إخبارهم بالحقيقة. لكن في يوم من الأيام تنكشف جنسيتك. يكتشف الناس أنك صيني، ومن ذلك الحين فصاعدًا، يرونك بضوء مختلف. تتعرضُ للتمييز، ويُنظَر إليك بازدراء، بل إنك حتى تُعَد مواطنًا من الدرجة الثانية. عند هذه النقطة، تفكر دون وعي: "ذلك القول: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" صحيح تمامًا! كنت أعتقد أنني لست مسؤولًا عن مصير بلدي، لكن يبدو الآن أن مصير بلد المرء يؤثر على الجميع. إذا ازدهر البلد، ازدهر الجميع، لكن إذا سقط البلد، عانى الجميع بسبب ذلك. أليس بلدنا فقيرًا؟ أليسَ حكمه ديكتاتوريًا؟ أليس الحكام سمعتهم سيئة؟ هذا هو السبب في أن الناس ينظرون إليَّ بازدراء. انظر إلى مدى ثراء الناس في الدول الغربية وسعادتهم. لديهم حرية الذهاب إلى أي مكان والإيمان بأي شيء. بينما في ظل النظام الشيوعي، نحن مضطهدون لإيماننا بالله ويجب أن نهرب في كل حدب وصوب، غير قادرين على العودة إلى ديارنا. كم سيكون رائعاً لو أننا ولدنا في بلد غربي!". عند هذه النقطة، تشعرُ أن الجنسية مهمة للغاية، ويصبح مصير بلدك مهمًا بالنسبة إليك. على أي حال، عندما يعيش الناس في مثل هذه البيئة والسياق، فإنهم يتأثرون دون وعي بفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، وهي تتحكم فيهم بدرجات متفاوتة. في هذه المرحلة، ستتغير سلوكيات الناس وآرائهم ومنظوراتهم ووجهات نظرهم بشأن الناس والأمور والأشياء بدرجات متفاوتة، وهذا بالطبع يؤدي إلى عواقب وآثار متفاوتة المقدار. لذلك، هناك قدر معين من الأدلة الملموسة فيما يتعلق بتأثير القول: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" على تفكير الناس. على الرغم من أن مفهوم الناس للبلد ليس واضحًا جدًا عند النظر إليه من منظور الإنسانية، ففي سياقات اجتماعية معينة، لا يزال للجنسية التي هي جزء من الانتماء إلى البلد تأثير على الناس على أي حال. إذا كان الناس لا يفهمون الحق ولا يدركون هذه القضايا بوضوح، فلن يتمكنوا من تخليص أنفسهم من أغلال هذه الفكرة وآثارها المدمرة، وهو ما سيؤثر أيضًا على مزاجهم وموقفهم تجاه التعامل مع الأشياء. إن الفكرة التي طرحها الشيطان بأن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" لها بالفعل تأثير مؤكد على الناس، ولها بالفعل تأثير مدمِّر مؤكد على التفكير البشري، سواء عند النظر إليها من منظور الإنسانية أو من حيث ما يطرأ على تفكير الناس عندما تتغير بيئتهم العامة من تغييرات وفتوحات. نظرًا لأن الناس لا يفهمون كيفية تفسير أمور مثل مصير البلد بشكل صحيح، ولا يفهمون الحق الذي ينطوي عليه هذا الأمر، ففي بيئات مختلفة، فغالبًا ما تؤثِّر عليهم هذه الفكرة أو تفسدهم أو تؤثر على مزاجهم – الأمر لا يستحق فحسب.
بالنسبة لمسألة مصير البلد، هل يجب أن يفهم الناس كيف يرى الله هذه المسألة، وكيف يجب أن يراها الناس بشكل صحيح؟ (نعم). يجب أن يفهم الناس بالضبط وجهة النظر التي يجب أن يتبنوها عند التعامل مع هذه المسألة، وذلك للتخلص من الآثار المدمرة لفكرة: "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" وتأثيرها عليهم. دعونا ننظر أولاً فيما إذا كان مصير بلد ما يمكن أن يتأثر بشخص واحد أو أي قوة أو أي مجموعة عرقية. مَن يقرر مصير البلد؟ (يقرره الله). صحيح، يجب فهم هذا السبب الجذري. يرتبط مصير البلد ارتباطًا وثيقًا بسيادة الله، وليس له علاقة بأي شخص آخر. لا يمكن لأي قوة أو فكرة أو شخص أن يغيروا قدر بلد ما. ما الذي يتضمنه قدر البلد؟ ازدهار البلد وانحداره. سواء كان البلد متطورًا أو متخلفًا، وبصرف النظر عن موقعه الجغرافي، ومقدار الأراضي التي يمتد عليها، وحجمه، وجميع موارده – مقدار الموارد الموجودة على الأرض وتحت الأرض وفي الهواء – ومَن يكون حاكم البلاد، ونوع الأشخاص الذين يشكلون التسلسل الهرمي الحاكم، والمبادئ السياسية التوجيهية للحاكم وطريقة الحكم، وما إذا كان الحاكم يقر بالله، ويخضع له، وموقفه تجاه الله، وما إلى ذلك – كل هذه الأمور لها تأثير على مصير البلد. هذه الأشياء لا يحددها شخص واحد، ناهيك عن أي قوة. لا يوجد شخص واحد له القول الفصل ولا قوة واحدة، ولا الشيطان. فمن له القول الفصل؟ الله وحده له القول الفصل. البشر لا يفهمون هذه الأشياء، ولا الشيطان يفهمها، لكنه مُتَحَدٍّ. إنه يرغب باستمرار في تولي زمام البشر والسيطرة عليهم، لذلك يستخدم باستمرار بعض الأفكار والآراء المثيرة والمضللة للترويج لأشياء مثل السلوك الأخلاقي والأعراف الاجتماعية، وجعل الناس يتقبلون هذه الأفكار، ومن ثمَّ استغلال الناس لخدمة الحكام، وإبقاء الحكام في السلطة. ولكن في الواقع، مهما يفعل الشيطان، فإن مصير البلد ليس له علاقة بالشيطان، ولا أي علاقة بمدى قوة انتشار أفكار الثقافة التقليدية هذه وعمق انتشارها واتساع نطاقه. الظروف المعيشية وشكل وجود أي بلد في أي حقبة – سواء كان غنيًا أو فقيرًا، أو كان متخلفًا أو متقدمًا، وكذلك ترتيبه بين دول العالم الكثيرة – كل هذا لا علاقة له على الإطلاق بقوة حكم الحكام، ولا بجوهر أفكار هؤلاء المفكرين، ولا بالقوة التي ينشرون بها أفكارهم. لا يرتبط مصير البلد إلا بسيادة الله والفترة التي يدير فيها الله البشرية جمعاء. في أي فترة يحتاج فيها الله إلى القيام بأي عمل، وحكم وترتيب أي شيء، وقيادة المجتمع بأسره في أي اتجاه، وتحقيق أي شكل من أشكال المجتمع – خلال تلك الفترة، سيظهر بعض الأبطال المتميزين، وستحدث بعض الأشياء العظيمة والمميزة. على سبيل المثال، الحرب، أو أن تضم بعض الدول أراضي دول أخرى، أو ظهور بعض التقنيات الناشئة، أو حتى حركة جميع محيطات الأرض والصفائح القارية، وما إلى ذلك – كل هذه الأشياء تخضع لسيادة وترتيبات يد الله. من الممكن أيضًا أن يؤدي ظهور شخص عادي إلى دفع الجنس البشري بأكمله إلى اتخاذ خطوة كبيرة إلى الأمام. وبالقدر نفسه من الممكن أن يؤدي وقوع حدث عادي للغاية وغير مهم إلى هجرة جماعية للبشرية، أو ربما قد يطرأ على البشرية كلها تحول كبير في ظل آثار حدث غير مهم، أو تكون هناك درجات متفاوتة من التغييرات من حيث الاقتصاد أو الشؤون العسكرية أو التجارة أو العلاج الطبي، وما إلى ذلك. تؤثر هذه التغييرات على مصير أي بلد على وجه الأرض، وكذلك على ازدهار أي بلد وانحداره. لهذا السبب فإنَّ قدر أي بلد وصعوده وسقوطه، سواء كان قويًا أو ضعيفًا، يرتبط بتدبير الله بين البشرية وبسيادته. لماذا إذن يريد الله أن يفعل الأشياء بهذه الطريقة؟ إن مقاصده هي أصل كل شيء. باختصار، بقاء أي بلد أو أمة وصعودها وسقوطها لا علاقة له على الإطلاق بأي عرق أو أي سلطة أو أي طبقة حاكمة أو أي نمط أو طريقة للحكم أو أي فرد. كل هذا لا يرتبط إلا بسيادة الخالق، وبالفترة التي يدير فيها الخالق البشرية، وبالخطوة التالية التي سيتخذها الخالق في إدارة البشرية وقيادتها. لذلك، كل ما يفعله الله يؤثر على قدر أي بلد أو أمة أو عرق أو جماعة أو فرد. من وجهة النظر هذه، يمكن القول إن أقدار أي فرد أو عرق أو أمة أو بلد مترابطة في الواقع وترتبط ارتباطًا وثيقًا بعضها ببعض، وثمة علاقة لا تنفصم بينها. ورغم ذلك، فإن العلاقة بين هذه الأشياء لا تتحقق بسبب الفكرة والرأي القائل بأن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، بل تتحقق بسبب سيادة الخالق. إنه بالتحديد لأن أقدار هذه الأشياء تحت سيادة الإله الحق الوحيد، الخالق، توجد علاقة لا تنفصم بينها. هذا هو السبب الجذري وجوهر مصير البلد.
إذن، إذا نظرنا إلى الأمر من منظور غالبية السكان، فما هي وجهة النظر التي يجب أن يتبناها المرء فيما يتعلق بمصير بلده؟ بادئ ذي بدء، يجب على المرء أن ينظر إلى مقدار ما يفعله البلد لحماية غالبية السكان وإرضائهم على الدوام. إذا كانت غالبية السكان تعيش بشكل جيد، وتتمتع بالحرية والحق في التحدث بحرية، وإذا كانت جميع السياسات التي تعلنها حكومة الدولة عقلانية للغاية ويعتبرها الناس عادلة ومعقولة، وإذا كان من الممكن حماية حقوق الإنسان للناس العاديين، وإذا لم يتم تجريد الناس من حقهم في الحياة، يكون من الطبيعي أن يعتمد الناس على هذا البلد، ويشعروا بالسعادة للعيش فيه، ويحبوه من أعماق قلوبهم. حينها، سيكون الجميع مسؤولين عن مصير هذا البلد، وسيكون الناس على استعداد حقيقي للوفاء بمسؤوليتهم تجاه هذا البلد، وسيريدون وجوده إلى الأبد لأنه يفيد حياتهم وكل شيء مرتبط بهم. إذا كان هذا البلد لا يستطيع حماية حياة الناس العاديين، ولا يمنحهم حقوق الإنسان التي يستحقونها، وليس لديهم حتى حرية التعبير، وإذا كان أولئك الذين يعبرون عن آرائهم يخضعون للقيود والقمع، وإذا كان الناس ممنوعين حتى من التحدث أو مناقشة ما يريدون، وإذا كان البلد لا يهتم عندما يتعرض الناس للتنمر والإذلال والاضطهاد، وإذا لم تكن هناك حرية على الإطلاق، وإذا كان الناس محرومين من حقوقهم الإنسانية الأساسية وحقهم في الحياة، وإذا كان أولئك الذين يؤمنون بالله ويتبعونه يتعرضون حتى للقمع والاضطهاد حتى لا يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، وإذا قُتل المؤمنون دون خشية من العقوبة، فإن هذا البلد هو بلد الأبالسة، بلد الشيطان، وليس بلدًا حقيقيًا. في تلك الحالة، هل يجب أن يظل الجميع مسؤولين عن مصيره؟ إذا كان الناس يبغضون هذا البلد ويكرهونه بالفعل في قلوبهم، فحتى لو اعترفوا بمسؤوليتهم عنه من الناحية النظرية، فلن يكونوا مستعدين للوفاء بهذه المسؤولية. إذا جاء عدو قوي لغزو هذا البلد، فإن معظم الناس سيُضْمِرون آمالًا في انهيار البلاد الوشيك، حتى يتمكنوا من أن يعيشوا حياة سعيدة. ومن ثَمَّ، فإن مسؤولية الجميع عن مصير البلد تعتمد على كيفية معاملة حكومته للشعب. صُلْب الأمر هو تمتُّع الحكومة بالدعم الشعبي-يتحدد الأمر بشكل أساسي بناءً على هذا الجانب. الجانب الآخر، بشكل أساسي، هو أنه وراء أي شيء يحدث لأي بلد، هناك عدد من الأسباب والعوامل التي تسبب حدوث هذا الشيء، وهو ليس شيئًا يمكن أن يتأثر بشخص عادي أو تافه. لذلك، عندما يتعلق الأمر بمصير بلد ما، لا يوجد شخص فردي أو أي مجموعة عرقية لها القول الفصل، أو سلطة التدخل. أليست هذه حقيقة؟ (بلى). فلنقل، على سبيل المثال، أن الطبقة الحاكمة في بلدك تريد توسيع أراضي البلد والاستيلاء على الأراضي الجيدة والبنية التحتية والموارد الرئيسية التابعة لبلدٍ مجاور. بعد اتخاذ القرار، تبدأ الطبقة الحاكمة في إعداد القوات العسكرية، وجمع الأموال، وتخزين جميع أنواع الإمدادات، ومناقشة موعد إطلاق التوسع البري. هل يحق لعامة الناس معرفة كل ذلك؟ ليس لديك حتى الحق في معرفة ذلك. كل ما تعرفه هو أنه في السنوات الأخيرة زادت ضرائب الدولة، وزادت الضرائب والرسوم المفروضة تحت ذرائع مختلفة، وزاد الدَّيْن الوطني. والتزامك الوحيد هو دفع الضرائب. بالنسبة إلى ما سيحدث للبلد وما سيفعله الحكام، هل لهذا أي علاقة بك على الإطلاق؟ حتى اللحظة التي يقرر فيها البلد خوض الحرب، فإن البلد والأراضي التي سيغزوها البلد، وكيفية غزوه لها، هي أشياء لا يعرفها سوى الطبقة الحاكمة، ولا حتى الجنود الذين سُيرْسَلون إلى المعركة. ليس لديهم حتى الحق في معرفة ذلك. عليهم أن يقاتلوا أينما يشير الحاكم. أما عن سبب قتالهم، ومدة القتال، وما إذا كان بإمكانهم الانتصار أم لا، ومتى يمكنهم العودة إلى ديارهم، فهم لا يعرفون، ولا يعرفون أي شيء على الإطلاق. كما يُرْسَل أبناء بعض النّاس إلى الحرب، لكن الآباء لا يمكنهم حتى معرفة ذلك. والأسوأ من ذلك أنهم عندما يُقتل أبناؤهم لا يمكنهم حتى معرفة ذلك. لا يكتشفون أن أبناءهم قد ماتوا إلا حينما يُعاد إليهم رماد الأبناء. لذا أخبرني، هل مصير بلدك، والأشياء التي سيفعلها بلدك، والقرارات التي سيتخذها، لها أي علاقة بك كشخص عادي؟ هل تخبرك الدولة، بصفتك شخصًا عاديًا، عن هذه الأشياء؟ هل لديك الحق في المشاركة في صنع القرار؟ ليس لديك الحق في المعرفة، ناهيك عن الحق في المشاركة في صنع القرار. مهما كانت قيمة بلدك بالنسبة إليك، فهل كيفية تطوره، والاتجاه الذي يتجه إليه، وكيفية حكمه لها أي علاقة بك؟ ليس لها علاقة بك. لماذا؟ لأنك شخص عادي، وكل هذه الأشياء مرتبطة فقط بالحكام. يؤول القول الفصل إلى الحكّام والطبقة الحاكمة، وأولئك الذين لديهم مصالح راسخة، لكنّه لا علاقة له على الإطلاق بك كشخص عادي. لذلك، يجب أن يكون لديك القليل من الوعي الذاتي. لا تفعل أشياء غير عقلانيّة؛ فلا حاجة لأن تتخلى عن حياتك أو تضع نفسك في طريق أذى الحاكم. لنفترض أن حكام البلد ديكتاتوريون، وأن السلطة في أيدي أبالسة لا يؤدون واجباتهم الصحيحة، ويقضون أيامهم في الانغماس في الشرب والفجور، ويعيشون بإسراف، ولا يفعلون شيئًا من أجل الشعب. يغرق البلد في الديون والفوضى، والحكام فاسدون وغير أكفاء، مما يؤدي إلى غزوه من قِبَل عدو أجنبي. عندها فقط يفكر الحكام في عامة الناس، ويدعونهم ويقولون: ""كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". إذا هلك البلد، فإن حياة من المشقة تنتظركم جميعًا. البلد في ورطة في الوقت الراهن، والغزاة اقتحموا حدودنا. من أجل حماية البلد، أسرعوا إلى ساحة المعركة، فقد حان وقت احتياج البلد إليكم!". تمعنُ التفكير في الأمر، وتفكر: "هذا صحيح، "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". البلد يحتاجني أخيرًا ولو لمرة، لذلك بما أنني أتحمل هذه المسؤولية، يجب أن أتخلى عن حياتي لحماية البلد. لا يمكن لبلدنا أن ينتقل إلى سيطرة أحدٍ آخر، وبدون وجود هذا الحاكم في السلطة سينتهي أمرنا!". هل من الحماقة التفكير بهذه الطريقة؟ ينكر حكام هذه الديكتاتوريات الله ويعارضونه، ويأكلون ويشربون ويستمتعون طوال الوقت، ويتصرفون بتهور، ويتطاولون على عامة الناس، ويؤذون الجماهير ويعاملونها بوحشية. إذا كنت تندفع بشجاعة وإقدام لحماية حكام مثل هؤلاء، وتعمل طُعْمَةَ لمدافعهم في ساحة المعركة وتهدر حياتك من أجلهم، فأنت أحمق قطعًا، وتتعهد بالولاء الأعمى! لماذا أقول إنك أحمق قطعًا؟ مِنْ أجل مَنْ بالضبط يقاتل الجنود في ساحة المعركة؟ مِنْ أجل مَن يُهدرون حياتهم؟ لمن يعملون كطُعْمَةٍ للمدافع؟ وإذا شاركت أنت من بين جميع الناس، بصفتك عاميًا ضعيفًا وواهنًا، في المعركة، فإن هذا مجرد استعراض للتهور وإهدار للحياة. إذا جاءت الحرب، يجب عليك أن تصلي إلى الله وتطلب منه حمايتك حتى تتمكن من الفرار إلى مكان آمن، بدلاً من تقديم تضحية ومقاومة لا طائل منهما. ما هي التضحية التي لا طائل منها؟ التهور. من الطبيعي أن يكون لدى البلد أولئك الأشخاص الذين يرغبون في دعم روح القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، لحماية الحكام ووضع حياتهم على المحك من أجل الحكام. مصير البلد له تأثير كبير على مصالح مثل أولئك الناس وبقائهم، لذلك دعهم يعتنون بشؤون البلد. أنت شخص عادي، وليس لديك أي سلطة لحماية البلاد، وهذه الأشياء ليس لها علاقة بك. ما نوع البلد الذي يستحق الدفاع عنه بالضبط؟ إذا كان بلدًا ذا أنظمة حرة وديمقراطية، وكان الحاكم يقوم بالفعل بأشياء من أجل الناس ويمكن أن يضمن لهم حياة طبيعية، فإن مثل هذا البلد يستحق الدفاع عنه وحمايته. يشعر عامة الناس أن حماية مثل هذا البلد تُعَادِل حماية وطنهم، وهي مسؤولية لا يمكن التنصل منها، لذلك هم على استعداد للعمل من أجل البلد والوفاء بمسؤوليتهم. ولكن إذا سيطرت الأبالسة أو الشيطان على هذا البلد، وكان الحكام أشرارًا وغير أكفاء إلى حد أن حكم هؤلاء الملوك الشياطين يستنفد الفائدة منه ويجب عليهم التنحي، فإن الله سيقيم بلدًا قويًا يغزوه. هذه إشارة من السماء للبشر، تخبرهم أن حكام هذا النظام يجب أن يتنحوا، وأنهم لا يستحقون امتلاك مثل هذه السلطة، أو السيطرة على هذه الأرض، أو إرغام شعب هذا البلد على إعالتهم، لأنهم لم يفعلوا شيئًا على الإطلاق لتوفير الرفاهية لسكان البلاد، كما أن حكمهم لم يستفد منه عامة الناس بأي شكل من الأشكال أو جلب أي سعادة لحياتهم. لقد أوجعوا فقط عامة الناس، وآذوهم، وعذبوهم وأساءوا معاملتهم. لذلك، يجب على هؤلاء الحكام التنحي والتخلي عن مناصبهم. إذا استُبْدِلَ هذا النظام بنظام ديمقراطي يتولى الحكم فيه أشخاصٌ فاضلون، فإن هذا سيحقق آمال السكان وتوقعاتهم، وسيكون أيضًا متوافقًا مع إرادة السماء. أولئك الذين يمتثلون لطرق السماء سوف يزدهرون، أما أولئك الذين يقاومون السماء سوف يهلكون. كمواطن عادي، إذا تم تضليلك باستمرار بفكرة أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" ودائمًا ما تؤلِّه الطبقة الحاكمة وتعبدها، فمن المؤكد أنك ستموت موتًا مبكرًا ومن المحتمل أن تصبح أضحية فداء وأداة جنائزية للطبقة الحاكمة. إذا كنت تسعى إلى الحق، وتتجنب أن يضللك الشيطان وتستطيع الهروب من تأثيره والحفاظ على حياتك، فلديك الأمل في أن ترى نشأة بلدٍ إيجابي، وأن ترى مُعَلِّمين حكماء وحكَّامًا حكماء يتولون السلطة، وأن تشهد إنشاء نظام اجتماعي جيد، وستكون سعيد الحظ بعيش حياة سعيدة. أليس هذا اختيار الشخص الذكي؟ لا تظن أن كل من يغزو البلد أعداء أو أبالسة؛ هذا خطأ. إذا كنت تنظر دائمًا إلى الحكام على أنهم الأسمى وأنهم فوق الجميع، وتعاملهم على أنهم السادة الأبديون لهذه الأرض بغض النظر عن عدد الأشياء السيئة التي يفعلونها، أو مدى مقاومتهم لله وتعذيبهم للمؤمنين، فهذا خطأ فادح. فكر في الأمر، حينما قُضِيَ على تلك السلالات الحاكمة الإقطاعية في الماضي، وعاش البشر في ظل مجموعة متنوعة من الأنظمة الاجتماعية الديمقراطية نسبيًا، أصبحوا أكثر حرية وسعادة إلى حد ما، وكانت حياتهم أفضل حالًا من ذي قبل، وأصبح اتساع رؤية البشرية وبصيرتها وآرائها حول أشياء مختلفة أكثر تقدمًا من ذي قبل. لو كان الناس جميعًا متخلفين في تفكيرهم، واعتقدوا باستمرار أن "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، واستمروا في الرغبة في إحياء التقاليد القديمة، واستعادة حكم الأباطرة، والعودة إلى النظام الإقطاعي، فهل كان يمكن للبشرية أن تتطور بقدر ما تطورت؟ هل ستكون بيئة معيشتهم كما هي الآن؟ بالتأكيد لن تكون كذلك. ومن ثَمَّ، عندما يكون البلد في ورطة، إذا كانت قوانين البلد تنص على أنه يجب عليك أداء واجباتك المدنية وأداء الخدمة العسكرية، فيجب عليك أداء الخدمة العسكرية وفقًا للقانون. إذا كان يجب عليك خوض المعركة أثناء فترة خدمتك العسكريّة، فإنّ عليك القيام بمسؤوليّتك بالمثل، لأنّ هذا ما يتّعيّن عليك القيام به بموجب القانون. لا يمكنك خرق القانون، ويجب عليك الالتزام به. إذا كان القانون لا يتطلب ذلك، فأنت حر في الاختيار. إذا كان البلد الذي تُقيم فيه يعترف بالله ويتبعه ويعبده وينال بركاته، فيجب الدفاع عنه. إذا كان البلد الذي تُقيم فيه يقاوم الله ويضطهده، ويعتقل المسيحيّين ويضطهدهم، فإنّ ذلك البلد بلدٌ شيطانيّ يحكمه أبالسة. إن ذلك البلد بمقاومته لله باستمرار وبغضب جنوني أساء بالفعل إلى شخصية الله، وصار ملعونًا منه. عندما يواجه ذلك البلد غزوًا من قبل عدو أجنبي، وتحدق به المشاكل من داخل حدوده ومن خارجها، فهذا وقت استياء ونقمة وسخط واسع النطاق بين الله والبشرية. أليس ذلك هو الوقت الذي يريد فيه الله أن يهيئ بيئة لتدمير ذلك البلد؟ ذلك هو الوقت الذي يبدأ فيه الله في التصرف. لقد سمع الله صلوات الناس، وقد حان الوقت له لإصلاح الأضرار التي لحقت بشعب الله المختار. هذا أمر جيد، وهي أيضًا أنباءٌ طيبة. الوقت الذي يكون فيه الله على وشك محو الأبالسة والشيطان هو أيضًا الوقت المناسب لشعب الله المختار ليتحمسوا غاية الحماس وينشروا الأخبار في كافة الأنحاء. في هذا الوقت، يجب ألا تخاطر بحياتك من أجل الطبقة الحاكمة. يجب أن تستخدم حكمتك للتخلص من القيود التي تفرضها الطبقة الحاكمة، وأن تهرب بحياتك على عجل وتنقذ نفسك على وجه الاستعجال. يقول بعض الناس: "إذا هربت، هل سأُعَدُّ هاربًا من الخدمة العسكرية؟ أليست هذه أنانية؟". بإمكانك أيضًا ألا تتهرب من الخدمة العسكرية، وما عليك سوى حراسة منزلك وانتظار أن يقصفه الغزاة ويحتلوه، وترى كيف ستكون النتيجة. الحقيقة هي أنه عند وقوع أي حدث كبير ذي أهمية وطنية، لا يحق للناس العاديين الاختيار لأنفسهم. ليس أمام الجميع سوى الانتظار بلا مقاومة، ومشاهدة النتائج الحتمية لهذا الحدث وتحملها. أليست هذه حقيقة؟ (بلى). هذه حقيقة حقًا. على أي حال، الفرار هو التصرف الأحكم. تقع على عاتقك مسؤولية حماية حياتك وسلامة عائلتك. إذا أُلْزِمَ الجميع بأن يكونوا مسؤولين عن مصير بلدهم، وتسبب ذلك في مقتلهم جميعًا، وكان كل ما تبقى من البلد عبارة عن مساحة شاسعة من الأرض، فهل سيظل جوهر البلد موجودًا؟ حينها سيكون "البلد" مجرد كلمة جوفاء، أليس كذلك؟ في نظر الحكام المستبدين، الحياة البشرية هي أقل الأشياء قيمة مقارنة بطموحاتهم ورغباتهم، وأعمالهم العدوانية، وأي من قراراتهم وأفعالهم، ولكن في نظر الله، الحياة البشرية هي أهم شيء. دع أولئك الذين يرغبون في أن يكونوا طُعْمَةً لمدافع الديكتاتوريين ويتمسكون بروح القول "كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" يقدمون مساهمات وتضحيات للحكام. أولئك الذين يتبعون الله ليسوا ملزمين بتقديم أي تضحيات من أجل بلدٍ تابعٍ للشيطان. يمكنك أيضًا أن تصيغ الأمر على هذا النحو-دع نسل الشيطان المطيع وأولئك الذين يتبعونه يقدمون تضحيات من أجل حكم الشيطان ومن أجل طموحاته ورغباته. من الصواب أن نسمح لهم بأن يكونوا طُعْمَةً للمدافع. لم يجبرهم أحد على أن تكون لديهم مثل هذه الطموحات والرغبات العظيمة. إنهم يحبون اتباع الحكام فحسب، وهم عازمون على التعهد بالولاء للأبالسة، حتى لو كان في ذلك حَتْفُهُم. وفي النهاية، يصبحون أضاحي فداء وحليًّا جنائزية للشيطان، وهو ما يستحقونه.
عندما يغزو أي بلد بلدًا آخر، أو عندما تؤدي بعض المعاملات غير المتكافئة مع بلد آخر إلى الحرب، فإن الضحايا في نهاية المطاف هم عامة الناس، كل من يعيش في هذه الأرض. في الواقع، يمكن تجنّب بعض الحروب إذا كان أحد الأطراف قادرًا على التسوية، والتخلّي عن طموحاته ورغباته وسلطته، والتفكير في بقاء عامة الناس. العديد من الحروب ناتجة في الواقع عن تشبث الحكام بحكمهم، وعدم رغبتهم في التخلي عن السلطة التي في أيديهم أو فقدانها، بل التمسك بإصرار بمعتقداتهم، والتشبث بالسلطة، والتمسك بمصالحهم الخاصة. بمجرد اندلاع الحرب، يصبح عامة الناس، الناس العاديون، هم الضحايا. إنهم يتشتتون في كل الاتجاهات في أوقات الحرب، وهم الأقل قدرة على مقاومة كل هذا. هل يراعي هؤلاء الحكام عامة الناس؟ تخيل لو كان هناك حاكم يقول: "إذا تمسكت بمعتقداتي ونظرياتي الخاصة، فقد ينتهي بي الأمر إلى إشعال حرب، وسيكون الضحايا هم الأشخاص العاديون. حتى لو انتصرت، ستدمِّر الأسلحة والذخيرة هذه الأرض، وستُدَمَّرُ المنازل التي يعيش فيها الناس، لذلك فإن الناس الذين يقيمون في هذه الأرض لن يعيشوا حياة سعيدة في المستقبل. من أجل حماية عامة الناس، سأتنحى وأتجرد من السلاح وأستسلم وأصل إلى تسوية"، ومن ثَمَّ، يجتنب وقوع حرب. هل هناك حاكمٌ كهذا؟ (لا). في الواقع، لا يريد عامة الناس القتال، ولا يريدون المشاركة في الخصومة أو التنافس بين القوى السياسية. لكن الحاكم يُرسلهم جميعًا وبلا مقاومةٍ منهم إلى ساحة المعركة وإلى لوح التقطيع. كل هؤلاء الناس الذين يُرْسَلون إلى ساحة المعركة، سواء ماتوا أو نجوا، يخدمون في نهاية المطاف لإبقاء الحاكم في السلطة. إذن هل الحاكم هو المستفيد النهائي؟ (نعم). ما الذي يمكن أن يكسبه عامة الناس من الحرب؟ لا حيلة أمام عامة الناس إلا أن تدمرِّهم الحرب، وأن يعانوا من تدمير منازلهم ومواطن معيشتهم التي يعتمدون عليها. ويفقد البعض عائلاتهم، بل إن المزيد منهم ينزحون ويصبحون بلا مأوى، دون أي احتمال للعودة. ومع ذلك، يدعي الحاكم في غرورٍ أن الحرب شُنَّت لحماية منازل الناس وبقائهم على قيد الحياة. هل هذا الادعاء صحيح؟ أليس هذا هراءً مخادعًا؟ في النهاية، فإن عامة الناس، الشعب، هم الذين يتحملون كل العواقب الوخيمة لهذا، والمستفيد الأكبر هو الحاكم. يمكنه الاستمرار في السيطرة على الشعب، والسيطرة على الأرض، والاحتفاظ بالسلطة في يديه، والاستمرار في شَغْل مكان الحاكم وإعطاء الأوامر، بينما يعيش الناس العاديون في حالٍ يرثى لها بلا مستقبل ولا أمل. يعتقد بعض الناس أن فكرة أن " كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" صحيحة تمامًا. بالنظر إليها الآن، هل هي صحيحة؟ (لا، ليست صحيحة). لا يوجد شيء من الصحة في هذا القول. وسواء نظرنا إلى الأمر من منظور دوافع الشيطان في غرس هذه الفكرة في الناس، أو مخططات الحكام ورغباتهم وطموحاتهم في مراحل مختلفة عبر تاريخ التطور البشري، أو أي حقيقة تتعلق بمصير بلد ما، فإن حدوث هذه الأحداث لا يمكن السيطرة عليه من قبل أي شخص عادي أو فرد أو مجموعة عرقية. في النهاية، الضحايا هم الجماهير المطمئنة وعامة الناس، في حين أن أولئك الذين يستفيدون أكثر هم الطبقة الحاكمة في البلد، والحكام على رأسها. عندما يكون البلد في ورطة، يرسلون عامة الناس إلى الخطوط الأمامية لاستخدامهم طُعْمَةً للمدافع. عندما لا يكون البلد في ورطة، فإن عامة الناس هم اليد التي تطعمهم. إنهم يستغلون عامة الناس، ويستنزفونهم ويعيشون عليهم، ويجبرون الناس على إعالتهم، وفي النهاية يغرسون في الناس فكرة أن " كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده"، ويجبرونهم على قبولها. ومن لا يقبلها يوصف بأنه غير وطني. الرسالة التي ينقلها هؤلاء الحكام هي: "الغرض من حكمي هو أن تعيشوا حياة سعيدة. بدون حكمي، لن تتمكنوا من البقاء على قيد الحياة، لذلك يجب عليكم أن تفعلوا كما أقول، وأن تكونوا مواطنين مطيعين، وأن تكونوا دائمًا على استعداد لتكريس أنفسكم والتضحية بأنفسكم من أجل مصير بلدكم". مَنْ هو البلد؟ من هو المرادف للبلد؟ الحكام مرادفون للبلد. من خلال غرس هذه الفكرة بأن " كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده" في الناس، فإنهم، بمعنى ما، يجبرون الناس على إتمام مسؤولياتهم دون اختيار أو تردد أو أي اعتراض. وبمعنى آخر، فهم يخبرون الناس أن مصير البلد ومسألة بقاء حكامه في السلطة أو خلعهم منها هي مسألة ذات أهمية كبيرة للسكان، لذلك يجب عليهم الحرص الشديد على الدفاع عن كل من البلد وحكامه، من أجل ضمان وجودهم الطبيعي. هل هذا هو الحال بالفعل؟ (لا). من الواضح أن هذا ليس هو الحال. الحكام الذين لا يستطيعون الخضوع لله، أو اتباع مشيئته، أو العمل من أجل عامة الناس لن يفوزوا بالدعم الشعبي، ولن يكونوا حكامًا صالحين. إذا كان الحكام، بدلًا من العمل من أجل عامة الناس، لا يسعون إلا إلى تحقيق مصالحهم الخاصة، والتطاول على الناس، وامتصاص جهدهم وكدهم مثل الطفيليات، فإن هؤلاء الحكام هم شياطين وأبالسة، ولا يستحقون دعم الناس، مهما كان مدى قوتهم. إذا لم يكن لدى البلد مثل هؤلاء الحكام، فهل سيكون موجودًا؟ هل ستكون حياة الناس موجودة؟ ستكون كلها موجودة كالمعتاد، بل وقد يعيش الناس حياة أفضل. إذا رأى الناس بوضوح جوهر مسألة ما يجب أن تكون عليه التزاماتهم ومسؤولياتهم تجاه بلدهم، فمهما كان البلد الذي يعيشون فيه، يجب أن تكون لديهم آراء صحيحة حول القضايا الرئيسية في ذلك البلد، وحول القضايا المتعلقة بالسياسة ومصير ذلك البلد. عندما تتكون هذه الآراء الصحيحة، ستتمكن من اتخاذ الخيار الصحيح في الأمور التي تنطوي على مصير البلد. فيما يتعلق بمصير البلد، هل تفهمون بشكل أساسي الحق الذي يجب أن يفهمه الناس؟ (نعم).
لقد عقدتُ الشركة كثيرًا حول القول عن السلوك الأخلاقي " كل شخص يتقاسم المسؤولية عن مصير بلده". فيما يتعلق بمفهوم البلد، وتأثير مصطلح "البلد" على الناس في المجتمع، وماهية المسؤوليات التي يجب أن يتحملها الناس تجاه بلدهم وأمتهم عندما يتعلق الأمر بمصير ذلك البلد، وماهية الخيارات التي يجب أن يتخذوها، وما يطلبه الله من البشرية في هذا الشأن، هل عقدت الشركة عن كل هذا بوضوح؟ (نعم). إذن هنا تنتهي شركتنا لهذا اليوم.
11 يونيو 2022