كيفية السعي إلى الحق (12)

في الاجتماعات القليلة الماضية، قدمنا شركة حول موضوعات متعلقة بالزواج في "التخلي عن مساعي الناس ومُثُلهم ورغباتهم"، ألم نفعل؟ (بلى). لقد انتهينا في الأساس من الشركة حول الموضوعات المتعلقة بالزواج. يجب هذه المرة أن نقدم شركة حول الموضوعات المتعلقة بالعائلة. لننظر أولاً إلى ما تتضمنه العائلة من جوانب تنطوي على مساعي الناس ومُثُلهم ورغباتهم. ليس مفهوم العائلة غريبًا على الناس. أول ما يتبادر إلى أذهان الناس متى ما طُرح هذا الموضوع هو تكوين العائلة وأفرادها، وما تتضمنه العائلة من بعض الشؤون والأشخاص. ثمة العديد من هذه الموضوعات التي تدخل فيها العائلة. هل للصور والأفكار الموجودة في ذهنك – أيًا كان عددها – علاقة بـ"التخلص من مساعي الناس ومُثُلهم ورغباتهم"، وهو ما سنقدم شركة حوله اليوم؟ قبل أن نبدأ شركتنا، أنت لا تعرف حقًا ما إذا كان ثمة رابط بين هذه الأمور. لذا، قبل أن ننتقل إلى الشركة، هل يمكنكم أن تخبروني ما هي العائلة في أذهان الناس، أو أي شيء يمكنكم التفكير فيه مما يجب التخلي عنه عندما يتعلق الأمر بالعائلة؟ لقد تحدثنا سابقًا عن عدة جوانب تتعلق بمساعي الناس ومُثُلهم ورغباتهم، فهل حددتم ما يتضمنه كل جانب من جوانب هذا الموضوع الذي قدمنا حوله شركة؟ أيًا كانت الجوانب التي ينطوي عليها هذا الموضوع، فما يحتاج الناس إلى التخلي عنه ليس هو الأمر في حد ذاته، بل الأفكار والآراء الخاطئة التي يتناولونه بها، وكذلك مختلف المشكلات التي يعاني منها الناس فيما يتعلق بهذا الأمر. هذه المشكلات المختلفة هي صُلب ما يجب أن نقدم شركة حوله فيما يتعلق بهذه الجوانب. هذه المشكلات المختلفة هي المشكلات التي تؤثر في سعي الناس إلى الحق، أو بالأحرى بتعبير أدق، هي كل المشكلات التي تحول بين سعي الناس إلى الحق والدخول فيه. وهذا يعني أنه إذا كانت هناك انحرافات أو مشكلات في معرفتك بمسألة ما، فستوجد أيضًا مشكلات مقابلة في موقفك أو نهجك أو تعاملك مع هذه المسألة، وهذه المشكلات المقابلة هي الموضوعات التي نحتاج إلى عقد شركة حولها. لماذا نحتاج إلى عقد شركة حولها؟ لأن هذه المشكلات لها تأثير كبير أو طاغٍ على سعيك إلى الحق وعلى وجهات نظرك الصحيحة المستندة إلى المبادئ فيما يتعلق بمسألة ما، وهي تؤثر بطبيعة الحال أيضًا على نقاء أسلوب ممارستك فيما يتعلق بهذه المسألة، وكذلك على مبادئك في التعامل معها. مثلما قدمنا شركة حول موضوعات الاهتمامات الشخصية والهوايات والزواج، فإننا نقدم شركة حول موضوع العائلة لأن لدى الناس العديد من الأفكار والآراء والمواقف الخاطئة حول العائلة، أو لأن العائلة نفسها تمارس العديد من التأثيرات السلبية على الناس، وهذه التأثيرات السلبية ستقودهم بطبيعة الحال إلى تبني أفكار وآراء غير صحيحة. هذه الأفكار والآراء غير الصحيحة ستؤثر في سعيك إلى الحق، وستقودك إلى التطرف، فمتى ما واجهت أمورًا متعلقة بالعائلة، أو واجهت مشكلات متعلقة بالعائلة، لن تكون لديك الآراء الصحيحة أو الطريق الصحيح للاقتراب من هذه الأمور والمشكلات أو التعامل معها، أو لعلاج مختلف المشكلات التي تؤدي إلى ظهورها. هذا هو مبدأ شركاتنا حول كل موضوع، وأيضًا المشكلة الرئيسية التي لا بد من علاجها. إذن، فيما يتعلق بموضوع العائلة، هل يمكنكم أن تفكروا في التأثيرات السلبية التي تمارسها العائلة عليكم، وما الطرق التي تعيق العائلة سعيكم إلى الحق من خلالها؟ في سياق إيمانك، وأداء واجبك، وبينما أنت تسعى إلى الحق أو تطلب مبادئ الحق، وتمارس الحق، ما الطرق التي تؤثر بها العائلة في تفكيرك، ومبادئ سلوكك، وقيمك، ونظرتك إلى الحياة، وتعيق ذلك من خلال هذه الطرق؟ بعبارة أخرى، لقد وُلدتَ في عائلة، فما المؤثرات والأفكار والآراء الخاطئة، وما هي العوائق والعقبات التي تجلبها هذه العائلة إلى حياتك اليومية بصفتك مؤمنًا، وإلى سعيك إلى الحق ومعرفتك به؟ مثلما أنَّ الشركة حول موضوع الزواج تتبع مبدأ ما، ينطبق الأمر نفسه على الشركة حول موضوع العائلة. إنها لا تتطلب أن تتخلى عن مفهوم العائلة بالمعنى الرسمي، أو من حيث تفكيرك وآرائك، ولا أن تتخلى عن عائلتك الفعلية والجسدية، أو أي فرد من أفراد عائلتك الجسدية. ما تتطلبه هو أن تتخلص من مختلف المؤثرات السلبية التي تمارسها العائلة نفسها عليك، وأن تتخلى عن العوائق والتعطيلات التي تسببها العائلة نفسها لسعيك إلى الحق. وبشكل أكثر تحديدًا، يمكن القول إن عائلتك تسبب تعقيدات ومتاعب محددة ودقيقة يمكن أن تشعر بها وتختبرها في سياق سعيك للحق وأداء واجبك، وهي تقيّدك بحيث لا تستطيع أن تجد الانطلاق أو تؤدي واجباتك بفعالية وتسعى إلى الحق. هذه التشابكات والمتاعب تصعِّب عليك التخلص من القيود والتأثيرات التي تسببها كلمة "العائلة" أو ما تنطوي عليه من الأشخاص أو الشؤون، وتشعِرك بالقهر في مسار إيمانك وأداء واجبك بسبب وجود العائلة أو بسبب أي مؤثرات سلبية تمارسها العائلة عليك. كذلك، غالبًا ما تصيب هذه التشابكات والمتاعب ضميرك وتمنع جسدك وعقلك من أن يجدا الانطلاق، وكثيرًا ما تدفعك إلى الشعور بأنك إذا خالفت الأفكار والآراء التي اكتسبتها من عائلتك فلن تكون لديك إنسانية وستفقد أخلاقك والحد الأدنى من معايير السلوك ومبادئه. عندما يتعلق الأمر بالمشكلات العائلية، فإنك غالبًا ما تحوم بين الخط الأحمر للأخلاق وبين ممارسة الحق، وغالبًا ما تكون غير قادر على إيجاد الانطلاق وانتشال نفسك. ما المشكلات الموجودة تحديدًا؛ هل يمكنكم التفكير في أي منها؟ هل تشعرون في حياتكم اليومية في أي وقت من الأوقات ببعض الأشياء التي ذكرتها للتو؟ (من خلال شركة الله، أتذكر أنه بسبب بعض الآراء الخاطئة بشأن عائلتي، لم أستطع ممارسة الحق، وشعرت بتأنيب الضمير حيال القيام بذلك. في السابق، عندما كنت قد انتهيت للتو من دراستي وأردت أن أكرس نفسي لأداء واجبي، كنت أشعر بتضارب في داخلي. شعرت أنه نظرًا لأن أسرتي قامت بتربيتي وتمويل دراستي طوال هذا الوقت، إذا لم أكسب المال وأعيل أسرتي بعد أن تخرجت من الجامعة، فسأكون ابنًا عاقًا وأفتقر إلى الإنسانية، مما أثقل ضميري. في ذلك الوقت، عانيت مع هذا الأمر لعدة أشهر، حتى وجدت في النهاية مخرجًا في كلام الله، وقررت أن أبذل قصارى جهدي لأداء واجبي. أشعر أن هذه الآراء الخاطئة عن العائلة تؤثر في الناس بالفعل). هذا مثال نموذجي. هذه هي الأغلال غير المرئية التي تضعها العائلة على الناس، وكذلك المتاعب التي تسببها مشاعر الناس أو أفكارهم أو آراؤهم حول عائلاتهم فيما يتعلق بحياتهم ومساعيهم وإيمانهم. إنَّ هذه المشكلات تخلق ضغطًا وعبئًا في أعماق قلبك إلى حد ما، مما يولِّد في أعماقك بعض المشاعر السيئة من حين لآخر. من يستطيع أن يضيف أي شيء آخر؟ (يا الله، أنا أرى أنني – كابن قد صار الآن بالغًا – يجب أن أظهر بر الوالدين وأهتم بكل هموم والديّ ومشكلاتهما. لكن لأنني أقوم بواجبي بدوام كامل، لا أستطيع أن أكون بارًا بوالديّ أو أن أقوم ببعض الأشياء من أجلهما. عندما أرى أنَّ والداي لا يزالان يعافران لكسب لقمة العيش، أشعر في قلبي أنني مدين لهما. كدت في بداية إيماني بالله أن أخونه بسبب هذا). هذا أيضًا أحد الآثار السلبية للتكيف الثقافي الناتج عن عائلة المرء، والتي يتركها على تفكير المرء وأفكاره. كدت أن تخون الله، لكن بعض الناس خانوا الله بالفعل. بعض الناس لم يستطيعوا التخلي عن عائلاتهم بسبب مفاهيمهم العائلية القوية. وفي النهاية اختاروا الاستمرار في العيش من أجل عائلاتهم وتخلوا عن أداء واجباتهم.

كل شخص له عائلة، وكل شخص ينشأ في عائلة مميزة، وينحدر من بيئة عائلية مميزة. العائلة مهمة جدًا بالنسبة إلى الجميع، وهي شيء يترك أكبر الأثر في حياة الإنسان، هي شيء من أعماقه يصعب تركه والتخلي عنه. ليس ما لا يستطيع الناس التخلي عنه وما يجدون صعوبة في التخلي عنه هو منزل العائلة أو كل ما فيه من أجهزة وأوانٍ وأغراض، بل أفرادها الذين يشكلون تلك العائلة، أو الأجواء والمودة التي تسري فيها. هذا هو مفهوم العائلة في أذهان الناس. على سبيل المثال، الأفراد الأكبر سنًا في العائلة (الأجداد والوالدان)، ومَن هم في عمرك (الإخوة والأخوات والزوج أو الزوجة)، والجيل الأصغر سنًا (أولادك): هؤلاء هم الأفراد المهمون في مفهوم الناس للعائلة، وهم أيضًا عناصر مهمة في كل عائلة. ماذا تعني العائلة للناس؟ إنها تعني للناس سندًا عاطفيًا ومرتكزًا روحيًا. ماذا تعني العائلة أيضًا؟ مكان ما يمكن للمرء أن يجد فيه الدفء، حيث يمكن للمرء أن يفصح عن كل مكنونات قلبه، أو أن يكون متساهلًا ومتقلب المزاج. يقول البعض إن العائلة هي ملاذ آمن؛ مكان يمكن للمرء أن يستمد منه السند العاطفي، وهي حيث تبدأ حياة الإنسان. ماذا أيضًا؟ صفوها أنتم لي. (يا الله، أعتقد أن بيت العائلة هو المكان الذي يكبر فيه الناس، وهو المكان الذي يؤنس فيه أفراد العائلة بعضهم بعضًا ويعتمد بعضهم على بعض). جميل جدًا. ماذا أيضًا؟ (كنت أعتقد أن العائلة ملاذ مريح، فمهما عانيت من ظلم في العالم الخارجي، متى ما عدت إلى البيت، كان يمكن لعودتي أن تريح مزاجي وروحي من كل النواحي بسبب دعم عائلتي وتفهمها، لذلك شعرت أن العائلة ملاذ آمن بهذا المعنى). بيت العائلة هو مكان مليء بالراحة والدفء، أليس كذلك؟ العائلة مهمة في أذهان الناس. فكلما شعر الشخص بالسعادة، يأمل أن يشارك عائلته فرحته؛ وكلما شعر الشخص بالضيق والحزن، يأمل بالمثل أن يبوح بمشكلاته لعائلته. متى ما اختبر الناس أي مشاعر فرح أو غضب أو حزن أو سعادة، فإنهم يميلون إلى مشاركتها مع عائلاتهم، دون الشعور بأي ضغط أو عبء على الإطلاق. فالعائلة بالنسبة إلى كل شخص هي شيء دافئ وجميل، وهي نوع من القوت للروح لا يمكن للناس التخلي عنه أو الاستغناء عنه في أي مرحلة من مراحل حياتهم، وبيت العائلة هو المكان الذي يوفر دعمًا هائلًا لعقل الإنسان وجسده وروحه. لذلك، فإن العائلة جزء لا غنى عنه في حياة كل شخص. ولكن ما هو نوع التأثيرات السلبية التي يضعها هذا المكان، الذي هو مهم جدًا لوجود الناس وحياتهم، على سعيهم إلى الحق؟ بادئ ذي بدء، يمكن القول بكل تأكيد إنه مهما كانت أهمية العائلة في وجود الناس وحياتهم، ومهما كان دورها ووظيفتها في وجودهم وحياتهم، فإنها لا تزال تخلق للناس في طريق سعيهم إلى الحق مشكلات كبيرة وصغيرة على حدٍ سواء. في حين أنَّ العائلة لها دور مهم في مسار سعي الناس إلى الحق، فإنها أيضًا تخلق جميع أنواع الاضطرابات والمشكلات التي يصعب تجنبها. معنى هذا أنه في سياق سعي الناس للحق وممارستهم له، فإن مختلف المشكلات النفسية والأيديولوجية التي تخلقها العائلة، إضافة إلى المشكلات المتعلقة بالجوانب الرسمية، تسبب للناس الكثير من المشكلات. إذن ما الذي تنطوي عليه هذه المشكلات تحديدًا؟ في أثناء سعيهم إلى الحقّ، اختبر الناس هذه المشكلات فعلًا بالطبع بتفاوت في العدد والحجم، لكنّهم لم يفكروا فيها ويتأملوا فيها بعناية لمعرفة ما المشكلات الكامنة فيها بالضبط. وعلاوةً على ذلك، هم لم يدركوا جوهر هذه المشكلات، ناهيك عن مبادئ الحق التي يجب أن يفهمها الناس ويلتزموا بها. لذا، دعونا اليوم نقدم شركة حول موضوع العائلة، والمشكلات والعوائق التي تضعها العائلة في طريق سعي الناس إلى الحق، وما هي المساعي والمُثل والرغبات التي يجب على الناس أن يتخلوا عنها عندما يتعلق الأمر بمسألة العائلة. هذه مشكلة حقيقية جدًا.

رغم أن موضوع العائلة موضوع كبير، فإنه يطرح مشكلات محددة. والمشكلة التي سنقدم شركة حولها اليوم هي التأثير السلبي والتدخلات والعوائق التي يواجهها الناس الذين هم على طريق السعي للحق، نتيجة العائلة. ما أول مشكلة يجب على المرء أن يتخلص منها فيما يتعلق بالعائلة؟ إنها الهوية التي يرثها المرء من العائلة. هذه مسألة مهمة. لنتحدث تحديدًا عن مدى أهمية هذه المسألة. كل شخص ينحدر من عائلة مميزة، لكل منها خلفيتها وبيئتها المعيشية المميزة، ونوعية حياتها الخاصة، وطريقتها المحددة للعيش وعادات حياتها. وكل شخص يرث هوية متميزة من البيئة المعيشية لعائلته وخلفيتها. هذه الهوية المميزة لا تمثل فقط القيمة الخاصة لكل شخص في المجتمع وبين الآخرين، بل هي أيضًا رمز وعلامة مميزة. فما الذي تدل عليه هذه العلامة؟ إنها تدل على ما إذا كان الشخص يُعتبر متميزًا في المجموعة التي ينتمي إليها أم متواضعًا. وتحدد هذه الهوية المميزة مكانة الشخص في المجتمع وبين الأشخاص الآخرين، وهذه المكانة موروثة من العائلة التي وُلد فيها. لذا، فإنَّ خلفيتك العائلية ونوع الأسرة التي تعيش فيها مهمان للغاية، لأن لهما تأثير على هويتك ومكانتك بين الآخرين وفي المجتمع. إذن، هويتك ومكانتك تحددان ما إذا كانت مكانتك في المجتمع متميزة أم متواضعة، وما إذا كنت محترمًا ومبجلًا وموضع تقدير من قبل الآخرين، أو ما إذا كنت محتقرًا ومُعرَّضًا للتمييز ضدك وتدوسك أقدام الآخرين. وتحديدًا لأن الهوية التي يرثها الناس من عائلاتهم تؤثر في وضعهم ومستقبلهم في المجتمع، فإن هذه الهوية الموروثة بالغة الحيوية والأهمية بالنسبة إلى كل شخص. وتحديدًا لأنها تؤثر في هيبتك ومكانتك وقيمتك في المجتمع، وإحساسك بالتشريف أو الإذلال في هذه الحياة، فأنت نفسك تميل أيضًا إلى إيلاء أهمية كبيرة لخلفيتك العائلية والهوية التي ترثها من عائلتك. هذا أمر مهم ومميز للغاية لك في مسار وجودك لما له من تأثير هائل عليك. تحتل هذه المسألة مكانًا شديد الأهمية في أعماق نفسك لأنها مسألة مهمة ومتميزة للغاية، وهي مهمة جدًا في نظرك. ليست الهوية التي ترثها من عائلتك عظيمة الأهمية بالنسبة إليك فحسب، بل إنك أيضًا تنظر أيضًا إلى هوية أي شخص تعرفه أو لا تعرفه من المنظور نفسه، وبالعينين نفسهما وبالطريقة نفسها، وتستخدم هذه النظرة لتقييم هوية كل شخص تتواصل معه. أنت تستخدم هويته للحكم على شخصيته، وتحديد كيفية التعامل والتواصل معه – ما إذا كنت ستتواصل معه على أساس ودّي وندِّي، أم أنك ستكون تابعًا له وتنفذ كل كلمة من كلامه، أم أن تتفاعل معه ببساطة وتنظر إليه بعين الاحتقار والتمييز، أو حتى أن ترتبط به وتتفاعل معه بطريقة غير إنسانية وعلى نحو يفتقر إلى الندية. هذه الطرق في رؤية الناس والتعامل مع الأشياء تتحدد بدرجة كبيرة بناءً على الهوية التي يكتسبها المرء من عائلته. إنَّ خلفية عائلتك ومكانتها تحدد نوع المكانة الاجتماعية التي ستحظى بها، ونوع المكانة التي ستحظى بها تحدد الطرق التي ترى بها الناس والأشياء والمبادئ التي تتعامل معهم على أساسها. ولذلك، فإنَّ الموقف والطرق التي يتبناها الشخص في التعامل مع الأشياء، يعتمد إلى حد كبير على الهوية التي ورثها من عائلته. لماذا أقول "إلى حد كبير"؟ هناك بعض الحالات الخاصة التي لن نتحدث عنها. الوضع بالنسبة إلى الغالبية العظمى من الناس هو كما وصفته للتو. يميل الجميع إلى التأثر بالهوية والمكانة الاجتماعية التي يكتسبها من عائلته، ويميلون أيضًا إلى تبني طرق مقابلة لرؤية الناس والأشياء والتعامل معهم وفقًا لهذه الهوية والمكانة الاجتماعية؛ وهذا أمر طبيعي جدًا. ولأنه أمر حتمي ولأن نظرة المرء للوجود تأتي بشكل طبيعي من عائلته، تعتمد أصل نظرة الشخص للوجود وطريقة حياته على الهوية التي يرثها من عائلته. تحدد الهوية التي يرثها الإنسان من عائلته الطرق والمبادئ التي يرى بها الناس والأشياء ويتعامل بها معهم، كما تحدد موقفه عند الاختيار واتخاذ القرارات في سياق رؤية الناس والأشياء والتعامل معهم. وهذا يؤدي حتماً إلى ظهور مشكلة خطيرة جدًا لدى الناس. إنَّ منشأ أفكار الناس ووجهات نظرهم في رؤية الناس والأشياء والتعامل معهم يتأثر حتمًا بالعائلة من ناحية، ويتأثر، من ناحية أخرى، بالهوية التي يرثها الشخص من عائلته، ومن الصعب جدًا على الناس الابتعاد عن هذا التأثير. ونتيجة لذلك، لا يستطيع الناس أن يعاملوا أنفسهم بشكل صحيح وعقلاني ومنصف، أو أن يعاملوا الآخرين بإنصاف، ولا يستطيعون أيضًا أن يعاملوا الناس وكل شيء بطريقة تتفق مع مبادئ الحق التي علّمهم الله إياها. عوضًا عن ذلك، هم مرنون في طريقة تعاملهم مع الأمور وتطبيقهم للمبادئ واتخاذهم للخيارات، بناءً على الاختلافات بين هويتهم وهوية الآخرين. وبما أن طرق الناس في رؤية الأشياء والتعامل معها في المجتمع وبين الناس الآخرين تتأثر بمكانة عائلتهم، فلا بد أن هذه الطرق تتعارض مع المبادئ والطرق التي تواصل بها الله مع الناس بخصوص التعامل مع الأشياء. ولكي نكون أكثر دقة، لا بد أن هذه الطرق معادية للمبادئ والطرق التي علَّمها الله للناس، ولا بد أنها تتضارب معها وتخالفها. إذا كانت طرق الناس في القيام بالأشياء مبنية على الهوية والمكانة الاجتماعية التي يرثونها من عائلاتهم، فمن الحتمي أنهم سيتبنون طرقًا ومبادئ مختلفة أو خاصة للقيام بالأشياء، بسبب هوياتهم المميزة أو الخاصة وهويات الآخرين المميزة والخاصة. هذه المبادئ التي يتبنونها ليست الحق، ولا تتفق مع الحق. إنها لا تخالف الإنسانية والضمير والعقل فحسب، بل الأخطر من ذلك أنها تنتهك الحق، لأنها تحدد ما يجب أن يقبله الإنسان أو يرفضه بناءً على تفضيلاته ومصالحه، وإلى أي مدى يضع الناس مطالب بعضهم على بعض. ولذلك، في هذا السياق، فإن المبادئ التي يرى بها الناس الأشياء ويتعاملون بها معها، غير عادلة ولا تتفق مع الحق، وهي مبنية بالكامل على احتياجات الناس العاطفية وحاجتهم إلى الربح. وبغض النظر عما إذا كنت قد ورثت هوية متميزة أو وضيعة من عائلتك، فإن هذه الهوية تحتل مكانة في قلبك، بل إنها تحتل مكانة مهمة جدًا في حالة بعض الناس. لذا، إن كنت تريد أن تسعى إلى الحق، فإنَّ هذه الهوية ستؤثر حتمًا في سعيك إلى الحق وتتداخل معه؛ وهذا يعني أنك في عملية السعي إلى الحق ستواجه حتمًا مشكلات مثل كيفية التعامل مع الناس وكيفية التعامل مع الأشياء. عندما يتعلق الأمر بهذه المشكلات والمسائل المهمة، ستنظر حتمًا إلى الناس والأشياء من خلال تبني وجهات النظر أو الآراء المرتبطة بالهوية التي ورثتها من عائلتك، ولا يسعك إلا أن تستخدم هذه الطريقة البدائية أو الاجتماعية في رؤية الناس والتعامل مع الأشياء. وسواء أكانت الهوية التي تكتسبها من عائلتك تجعلك تشعر بأن مكانتك في المجتمع متميزة أو متدنية، فسيكون لهذه الهوية تأثير في سعيك للحق، وفي نظرتك الصحيحة للحياة، وطريقك الصحيح في السعي إلى الحق. وبشكل أدق، سيكون لها تأثير في مبادئك للتعامل مع الأشياء. هل تفهم؟

إنَّ العائلات المختلفة تجلب للناس هويات وأوضاع اجتماعية مختلفة. يستمتع الناس ويتلذذون بالحصول على مكانة اجتماعية جيدة وهوية متميزة، في حين يشعر أولئك الذين يرثون هويتهم من أسرة متواضعة ومتدنية بالدونية والإحراج في مواجهة الآخرين، ويشعرون أيضًا بأنهم لا يؤخذون على محمل الجد أو لا يحظون بتقدير كبير. غالبًا ما يتعرض مثل هؤلاء الأشخاص أيضًا للتمييز ضدهم، مما يشعرهم في أعماق قلوبهم بالكرب وتدني التقدير للذات. على سبيل المثال، قد يكون آباء بعض الأشخاص وأمهاهم من صغار ملاك الأراضي الذين يعملون في الأرض ويبيعون الخضروات؛ وقد يكون آباء بعض الأشخاص وأمهاتهم تجارًا لديهم أعمال تجارية صغيرة، مثل إدارة كشك في الشارع أو أن يكونوا باعة متجولين؛ وربما يعمل آباء بعض الأشخاص وأمهاتهم في المجال الحرفي يصنعون الملابس ويصلحونها أو يعتمدون على الحرف اليدوية لكسب الرزق وإعالة أسرهم بالكامل. قد يعمل بعض الآباء والأمهات في مجال الخدمات كعمال نظافة أو مربيات؛ وقد يعمل بعض الآباء والأمهات في مجال نقل النفايات أو النقل؛ وقد يعمل بعضهم مدلكين أو خبراء تجميل أو حلاقين، وقد يقوم بعض الآباء والأمهات بإصلاح الأشياء للناس مثل الأحذية والدراجات والنظارات وما إلى ذلك. وقد يتمتع بعض الآباء بمهارات حرفية أكثر تقدمًا ويقومون بإصلاح أشياء مثل المجوهرات أو الساعات، بينما قد يكون لبعض الآباء والأمهات وضع اجتماعي أدنى ويعتمدون على جمع النفايات وبيعها لإعالة أطفالهم وتربية أسرتهم. جميع هؤلاء الآباء والأمهات لديهم مكانة مهنية منخفضة نسبيًا في المجتمع، ومن الواضح أن المكانة الاجتماعية لجميع أفراد الأسرة ستكون منخفضة أيضًا نتيجة لذلك. لذا، فإنَّ الأشخاص الذين ينحدرون من هذه العائلات هم في نظر العالم من ذوي المكانة والهوية المتدنية. وتحديدًا لأن المجتمع يتبنى هذه الطريقة في رؤية هوية الشخص وقياس قيمته؛ إذا كان والداك من صغار ملاك الأراضي وسألك أحدهم: "ماذا يعمل والداك؟ ما وضع أسرتك؟"، فستجيب: "والداي... حسنًا، إنهما... الأمر لا يستحق الذكر"، ولن تجرؤ على قول ما يعملانه، لأنك تشعر بالحرج الشديد من ذكر ذلك. عندما يلتقي الناس بزملاء الدراسة والأصدقاء أو يخرجوا لتناول العشاء، فإنهم يقدمون أنفسهم ويتحدثون عن خلفيتهم العائلية اللطيفة أو مكانتهم الاجتماعية العالية. ولكن إذا كنت تنحدر من أسرة من صغار ملاك الأراضي أو التجار الصغار أو الباعة المتجولين، فلن ترغب في قول ذلك وستشعر بالخجل. ثمة مثل شائع في المجتمع يقول: "لا تسأل البطل عن أصوله". لهذه المقولة وقع نبيل جدًا، وهي تقدم لذوي المكانة الاجتماعية المتدنية بصيصًا من الأمل وبصيصًا من النور، كما توفر لهم شيئًا الراحة. ولكن لماذا تحظى مثل هذه الجملة بشعبية كبيرة في المجتمع؟ هل لأن الناس في المجتمع يولون اهتمامًا كبيرًا لهويتهم وقيمتهم ومكانتهم الاجتماعية؟ (نعم). إن أولئك الذين ينحدرون من خلفيات متواضعة يفتقرون باستمرار إلى الثقة، لذلك يستخدمون هذه المقولة ليريحوا أنفسهم، وكذلك لطمأنة الآخرين، معتقدين أنه على الرغم من تواضع مكانتهم وهويتهم، فإنهم يتمتعون بتفوق ذهني، وهو أمر لا يمكن تعلمه. مهما كانت هويتك متواضعة، إذا كنت متفوقًا ذهنيًا، فهذا يثبت أنك شخص نبيل، وأنبل حتى من أصحاب الهوية والمكانة المتميزتين. ما المشكلة التي يشير إليها هذا الأمر؟ كلما زاد الناس من قول: "لا تسأل البطل عن أصوله"، أثبت ذلك بدرجة أكبر مدى اهتمامهم بهويتهم ومكانتهم الاجتماعية. ولا سيما عندما تكون هوية الشخص ومكانته الاجتماعية في غاية التواضع والتدني، فإنه يستخدم هذه المقولة ليواسي نفسه وليعوض عما في قلبه من فراغ وعدم رضا. بعض الناس يكون والداهم أسوأ حالًا حتى من التجار الصغار والباعة المتجولين، وصغار ملاك الأراضي والحرفيين، أو حتى أسوأ حالًا من الوالدين الذين يعملون في أي من تلك الوظائف التافهة والمتواضعة وخاصةً ذات الدخل المنخفض في المجتمع، لذا فإن الهوية والمكانة الاجتماعية التي يرثونها من آبائهم أكثر تدنيًا. على سبيل المثال، بعض الآباء والأمهات لديهم سمعة سيئة للغاية في المجتمع، فهم لا يقومون بالأعمال التي يجب أن يقوموا بها، وليس لديهم مهنة مقبولة اجتماعيًا أو دخل ثابت، لذلك يكافحون من أجل توفير نفقات المعيشة لأسرهم. وكثيراً ما يقامر بعض الآباء والأمهات ويخسرون المال مع كل مقامرة. وفي النهاية، تُترك الأسرة مفلسة ومعدمة وغير قادرة على تحمل النفقات اليومية. الأطفال الذين يولَدون في هذه الأسرة يرتدون ملابس رثة ويعانون من الجوع ويعيشون في فقر. ومتى ما عقدت المدرسة اجتماعات أولياء الأمور والمعلمين، فإنَّ أولياء أمورهم لا يحضرون أبدًا، ويعلم المعلمون أنهم ذهبوا للمقامرة. وغني عن القول أي نوع الهوية والمكانة يحظى به هؤلاء الأطفال في نظر المعلمين وبين زملائهم في الفصل. محكوم على الأطفال الذين يولدون في هذا النوع من الأسر أن يشعروا أنهم لا يستطيعون رفع رؤوسهم عاليًا أمام الآخرين. حتى لو كانوا يستذكرون جيدًا ويعملون بجد، وحتى لو كانوا يتمتعون بالذكاء ومتميزين عن الآخرين، فإنَّ الهوية التي يرثونها عن هذه الأسرة قد حددت بالفعل مكانتهم وقيمتهم في أعين الآخرين؛ ويمكن لهذا أن يُشعِر الشخص بكبت وعذاب شديدين. من أين يأتي هذا العذاب والكبت؟ يأتي من المدرسة، ومن المدرسين، ومن المجتمع، وخاصةً من آراء البشر الخاطئة تجاه التعامل مع الناس. أليس كذلك؟ (بلى). بعض الآباء ليس لديهم سمعة سيئة للغاية في المجتمع لكنهم قاموا ببعض الأشياء البغيضة. خذ على سبيل المثال حالة الآباء الذين سُجنوا وحُكم عليهم بسبب اختلاسهم وتلقيهم رشاوى، أو لأنهم خالفوا القانون بالإتيان بعمل غير قانوني أو انخرطوا في المضاربة والاستغلال. والنتيجة هي أن لهم تأثير سلبي ومعاكس على أسرهم، من خلال إجبار أفراد أسرهم على تحمل هذا العار إلى جانبهم. لذا، الانتماء إلى هذا النوع من العائلات له تأثير أكبر على هوية الشخص. ولا يقتصر الأمر على تدني هويتهم ومكانتهم الاجتماعية فحسب، بل يُنظر إليهم نظرة دونية، ويوصفون بألقاب مثل "مختلس" و"ينتمي إلى أسرة من اللصوص". وبمجرد أن يوصف الشخص بمثل هذه الألقاب، سيكون لذلك تأثير أكبر على هويته ومكانته الاجتماعية، وسيزيد من تفاقم مأزقه في المجتمع، مما يزيد من شعوره بأنه غير قادر على رفع رأسه عاليًا. مهما حاولت بجد ومهما كنت ودودًا، فلن تستطيع تغيير هويتك ووضعك الاجتماعي. وبالطبع، هذه العواقب هي أيضًا بسبب تأثير الأسرة على هوية الشخص. ثم إنه توجد أيضًا بنى عائلية معقدة نسبيًا. على سبيل المثال، بعض الأشخاص ليس لديهم أم بيولوجية بل زوجة أب فقط، وهي ليست عطوفة جدًا أو مراعية لهم ولم تمنحهم الكثير من الرعاية أو الحب الأمومي في صغرهم. لذا، فإنَّ الانتماء إلى أسرة كهذه يمنحهم بالفعل هوية معينة، وهي أنهم غير مرغوب فيهم. في سياق هذه الهوية الخاصة، ينشأ في قلوبهم المزيد من الظلال ويشعرون أن مكانتهم بين الآخرين أقل من أي شخص آخر. ليس لديهم أي شعور بالسعادة، ولا إحساس بالوجود، ناهيك عن هدف يعيشون من أجله، وهم يشعرون بالدونية وسوء الحظ بشكل خاص. وهناك أناس آخرون بنية عائلتهم معقد لأن والدتهم، بسبب بعض الظروف الخاصة، مرت بزيجات متعاقبة، لذلك فإنَّ الأبناء لديهم عدة أزواج أم ولا يعرفون من هو والدهم الحقيقي. وغني عن القول أي نوع من الهوية التي ستنشأ لمثل هذا الشخص من انتمائه إلى هذه الأسرة بالذات. ستكون مكانته الاجتماعية منخفضة في نظر الآخرين، ومن وقت لآخر سيكون هناك أشخاص يستغلون هذه المشكلات أو بعض الآراء المتعلقة بالأسرة لإذلال هذا الشخص، والافتراء عليه واستفزازه. لن يقلل هذا من هوية الشخص ومكانته في المجتمع فحسب، بل سيشعره أيضًا بالخجل وأنه لا يستطيع إظهار وجهه أمام الآخرين. وخلاصة القول، إن الهوية الخاصة والمكانة الاجتماعية التي يرثها الناس من كونهم جزءًا من عائلة معينة مثل تلك التي ذكرتها، أو الهوية العادية الشائعة والمكانة الاجتماعية التي يرثها الناس من انتمائهم إلى عائلة عادية شائعة، هي نوع من الألم الخافت في أعماق قلوبهم. إنه قيد وعبء في الوقت نفسه، لكن الناس لا يستطيعون تحمل التخلص منه، ولا يرغبون في تركه وراءهم. بيت العائلة بالنسبة إلى كل شخص هو المكان الذي وُلد ونشأ فيه، وهو أيضًا مكان مليء بالقوت. أما بالنسبة إلى أولئك الذين تُلزمهم الأسرة بمكانة وهوية اجتماعية متواضعة ومتدنية فإن العائلة بالنسبة إليهم هي في الوقت نفسه جيدة وسيئة، لأن الإنسان من الناحية النفسية لا يستطيع العيش بدون العائلة، لكن من حيث حاجاته الفعلية والموضوعية، فإن العائلة قد جلبت له درجات متفاوتة من الخزي، وحالت دون حصوله على الاحترام والتفهم الذي يستحقه بين الناس الآخرين وفي المجتمع. لذلك فإن بيت العائلة بالنسبة إلى هذه الشريحة من السكان هو مكان يحبونه ويكرهونه في آن واحد. هذا النوع من العائلات لا يحظى بتقدير أو احترام كبير من أي شخص في المجتمع، بل يميّز الآخرون ضدهم وينظرون إليهم بازدراء. ولهذا السبب بالتحديد، فإنَّ الأشخاص الذين يولدون في هذا النوع من العائلات يرثون نفس الهوية والمكانة والقيمة. وغالبًا ما يؤثر الخزي الذي يشعرون به بسبب انتمائهم إلى هذه العائلة في أعمق مشاعرهم وآرائهم في الأشياء، وكذلك في الطرق التي يتعاملون بها مع الأشياء. وهذا يؤثر حتمًا على سعيهم للحق إلى حد كبير، وأيضًا على ممارستهم للحق في أثناء سعيهم إليه. وتحديدًا لأن هذه الأشياء يمكن أن تؤثر في سعي الناس إلى الحق وممارستهم له، يجب أن تتخلى من الهوية التي ورثتها من عائلتك، أيًا كانت هذه الهوية.

قد يقول البعض: "الآباء الذين تحدثت عنهم للتو هم جميعًا من صغار الملاك، وصغار التجار، والباعة المتجولين، وعمال النظافة، وأصحاب المهن اغير المعتادة. هذه المكانات الاجتماعية متدنية للغاية، ومن الصواب أن يتخلى الناس عنها. فكما يقول المثل: "الإنسان يُكافح للصعود؛ والماء يتدفَّق للنزول"، ويجب على الناس أن ينظروا إلى أعلى ويطمحوا إلى الارتقاء، وينبغي ألا يتطلعوا إلى هذه الأشياء التي ترتبط بالمكانة المتدنية. على سبيل المثال، من يريد أن يكون من صغار الملاك؟ من يريد أن يكون تاجرًا صغيرًا؟ الجميع يريدون أن يجنوا أموالًا طائلة، وأن يصبحوا مسؤولين رفيعي المستوى، وأن تكون لهم مكانة في المجتمع، وأن يحققوا نجاحًا باهرًا. لا أحد يطمح منذ الصغر إلى أن يكون من صغار الملاك، أو أن يرضى بالعمل في الأرض والحصول على ما يكفي من الطعام والشراب فحسب. لا أحد يعتبر ذلك نجاحًا كبيرًا؛ لا أحد يفعل ذلك. ولأن مثل هذه العائلات تجلب على الناس العار وتتسبب لهم في معاملة غير عادلة بسبب هويتهم، يجب عليهم التخلي عن الهوية التي ورثوها من عائلاتهم". هل هذا هو الحال؟ (كلا، ليس كذلك). كلا، ليس كذلك. إذا ناقشنا الأمر من جانب مختلف، فإن بعض الناس يولدون في أسر موسرة، أو ذات بيئة معيشية جيدة، أو مكانة اجتماعية عالية، فيرثون هوية مميزة ومكانة اجتماعية مرموقة، ويحظون باحترام كبير في جميع الأوساط. ففي أثناء نشأتهم، يعاملهم آباؤهم وكبار السن في عائلاتهم معاملة خاصة ومميزة، فضلًا عن معاملتهم في المجتمع. وبسبب خلفيتهم العائلية المميزة والنبيلة، في المدرسة، ينظر إليهم جميع معلميهم وزملائهم في الفصل نظرة تقدير واحترام، ولا يجرؤ أحد على التنمر عليهم. يتحدث المعلمون معهم بلطف وودّ، ويتعامل معهم زملاؤهم في الفصل باحترام شديد. يكون لديهم شعور بالتفوق ويشعرون بأن لديهم هوية محترمة ومكانة اجتماعية عالية، لأنهم ينحدرون من عائلات موسرة ذات خلفية متميزة، مما يمنحهم هوية نبيلة في المجتمع ويجعل الآخرين ينظرون إليهم بتقدير. ونتيجة لذلك، يظهرون في أي جماعة أنهم مفرطون في الثقة بالنفس، ويقولون ما يحلو لهم دون مراعاة لمشاعر الآخرين، ولا يشعرون بالتقيد على الإطلاق في أي شيء يفعلونه. أما بالنسبة إلى الآخرين، فهم راقون وأنيقون، ولا يخشون التفكير في أمور كبيرة، والتعبير عن آرائهم، والتصرف كما يشاءون، وبغض النظر عما يقولونه أو يفعلونه، فهناك دائمًا بعض الأشخاص المميزين لمساعدتهم، لأنهم يتمتعون بدعم خلفيتهم العائلية القوية، وكل ما يفعلونه يسير بسلاسة. وكلما سارت الأمور بسلاسة أكبر، شعروا بمزيد من التفوق. وأينما ذهبوا، فهم عازمون على إظهار أهميتهم والتميز عن الآخرين. عندما يأكلون مع الآخرين، يختارون الحصص الكبيرة، وإذا لم يحصلوا عليها يغضبون. وعندما يعيشون مع الإخوة والأخوات، يصرون على النوم على أفضل سرير – الذي يقع في أكثر بقعة مشمسة، أو بالقرب من التدفئة، أو حيثما يكون الهواء نقيًا – وهو ملك لهم وحدهم. أليس هذا شعور بالتفوق؟ (بلى). يكسب آباء بعض الناس أموالًا طائلة، أو يكونون موظفين في الخدمة المدنية، أو مهنيين موهوبين يتقاضون رواتب عالية، لذلك تكون أسرهم مستريحة وميسورة الحال، ولا تقلق بشأن توفير أشياء مثل الطعام أو الملابس. ونتيجة لذلك، يشعر هؤلاء الناس بالتفوق الشديد؛ إذ يمكنهم ارتداء ما يشاؤون، وشراء أكثر الملابس أناقة، والتخلص منها بمجرد أن تصبح موضتها قديمة. ويمكنهم أيضًا تناول ما يريدون؛ فكل ما عليهم فعله هو أن يطلبوا وسيقوم شخص ما بتلبية الطلب. إنهم ليسوا بحاجة إلى القلق بشأن أي شيء على الإطلاق، ويشعرون بالتفوق الشديد. إن الهوية التي ورثوها من هذا النوع من العائلات الموسرة تعني أنهم في نظر الآخرين أميرة إذا كانت أنثى، أو زير نساء إذا كان ذكرًا. فما الذي ورثوه من هذا النوع من العائلات؟ هوية نبيلة ومكانة اجتماعية مرموقة. إن ما ورثوه من هذا النوع من العائلات ليس العار، بل المجد. وهم يشعرون دائمًا بأنهم أعلى من أي شخص آخر مهما كانت البيئة أو المجموعة التي يتواجدون فيها. إنهم يقولون عبارات من قبيل: "والداي رجل وسيدة أعمال ثريان. أسرتي تملك الكثير من المال، وأنا أنفقه متى شئت، ولا أضطر أبدًا إلى وضع ميزانية"، أو "والداي مسؤولان رفيعا المستوى. أينما حاولت إنجاز أعمالي، يمكنني إنجاز الأمور بمجرد كلمة، دون المرور بالإجراءات العادية. أنت ترى كم من الجهد تحتاج لإنجاز الأمور، فعليك أن تمر بالإجراءات العادية وانتظار دورك والتوسل إلى الآخرين. انظر إليّ، أنا فقط أخبر أحد مساعدي والديّ بما أريد إنجازه فيتم إنجازه. ما رأيك في تلك الهوية والمكانة الاجتماعية!" هل لديهم شعور بالتفوق؟ (نعم). يقول بعض الناس: "والداي من المشاهير، يمكنك البحث عن اسميهما على الإنترنت لترى إن كانا سيظهران لك". وعندما يتحقق شخص ما من قوائم المشاهير ويجد اسمي الأبوين موجودان بالفعل، فإن ذلك يعطي هؤلاء الناس شعورًا بالتفوق. وأينما ذهب بعد ذلك، إذا سأله أحدهم: "ما اسمك؟"، يرد قائلًا: "اسمي لا يهم، فاسم والديّ هو كذا وكذا". أول ما يخبرون به الناس هو اسم والديهم، ليعرف الآخرون هويتهم ومكانتهم الاجتماعية. يفكر بعض الناس قائلين في أنفسهم: "أسرتك لها مكانتها، فوالداك مسؤولان، أو مشهوران، أو من رجال الأعمال الأثرياء، مما يجعلك من الأبناء المميزين لمسؤولين رفيعي المستوى، أو والدين فاحشي الثراء. فماذا أكون أنا؟" وبعد التفكير في الأمر، يجيبون أنفسهم قائلين: "لا شيء يميز والديّ؛ إنهما مجرد موظفين عاديين يكسبان أجورًا متوسطة، لذلك لا يوجد ما يدعو للتفاخر؛ لكن أحد أجدادي كان رئيسًا للوزراء في إحدى السلالات الحاكمة". ويقول آخرون: "كان أحد أسلافك رئيسًا للوزراء. مذهل، إذن فإنك تتمتع بمكانة خاصة. أنت سليل رئيس وزراء. وأي شخص ينحدر من نسل رئيس وزراء ليس شخصًا عاديًا، هذا يعني أنك سليل مشاهير أيضًا!" كما ترى، بمجرد أن يرتبط الشخص بشخص مشهور، سوف تختلف هويته، وترتفع مكانته الاجتماعية على الفور، وسيكون شخصًا جديرًا بالاحترام. وهناك آخرون يقولون: "كان أجدادي من جيل رجال الأعمال الأثرياء. لقد كانوا فاحشي الثراء. وفي وقت لاحق، بسبب بعض التغيرات الاجتماعية والتغيرات في النظام الاجتماعي، صودرت ممتلكاتهم. والآن، العديد من المنازل التي يعيش فيها الناس في دائرة نصف قطرها عشرات الأميال من هنا كانت منازل مملوكة لأجدادي. في الماضي، كان منزل عائلتي يضم أربعمائة أو خمسمائة غرفة، أو على أقل تقدير مائتين أو ثلاثمائة غرفة، وأكثر من مائة خادم في المجموع. كان جدي هو صاحب العمل. لم يكن يقوم بأي عمل، بل كان يأمر الآخرين بالقيام به. عاشت جدتي حياة مرفهة، وكان لديهما خدم لإلباسهما وغسل ملابسهما. ولاحقًا، انحدر حال العائلة بسبب تغير البيئة الاجتماعية، فلم نعد جزءًا من طبقة النبلاء بل أصبحنا من عامة الشعب. كانت عائلتي في الماضي كبيرة ومرموقة. كانوا إذا داسوا بأقدامهم في أحد أطراف القرية، تشعر بالأرض تهتز في الطرف الآخر من القرية. كان الجميع يعرفون من هم. هذا هو نوع العائلة التي أنتمي إليها، فما رأيك في ذلك؟ إنه أمر استثنائي، أليس كذلك؟ يجب أن تتطلع إليّ بتوقير، أليس كذلك؟" ويقول آخرون: "لا يوجد شيء مثير للإعجاب في ثروة أسلافك. كان سلفي إمبراطورًا، بل إمبراطورًا مؤسسًا. يقال إنني ورثت لقبي عنه. عائلتي كلها من أقاربه المقربين، وليس من أقاربه البعيدين. ما رأيك في ذلك؟ والآن، بما أنك تعرف خلفية سلفي، ألا يجب أن تنظر إليّ بإعجاب وتظهر لي بعض الاحترام؟ ألا يجب أن تتطلع إليّ بإعجاب؟". ويقول بعض الناس: "على الرغم من أن أيًا من أجدادي لم يكن إمبراطورًا، إلا أن أحدهم كان جنرالًا قتل عددًا لا يُحصى من الأعداء، وحقق انتصارات عسكرية لا حصر لها، وأصبح وزيرًا مهمًا في البلاط الإمبراطوري. عائلتي كلها من نسله المباشر. وحتى يومنا هذا، لا تزال عائلتي تتعلم حركات فنون الدفاع عن النفس التي توارثتها عن أجدادي، والتي هي سرية بالنسبة للغرباء. ما رأيك في ذلك؟ أليست لي هوية مميزة؟ أليست مكانتي مميزة؟" ينظر الناس إلى هذه الهويات الخاصة التي يتوارثها الناس من عائلات أجدادهم البعيدة، وكذلك من عائلاتهم الحديثة، على أنها هويات مشرفة ومجيدة، ومن وقت لآخر، يذكرون اسمائهم ويتباهون بها كرمز لهويتهم ومكانتهم الاجتماعية؛ بمعنى أنهم من ناحية يفعلون ذلك لإثبات هويتهم ومكانتهم الاستثنائية، ومن ناحية أخرى، عندما يروي الناس هذه القصص، فإنهم يسعون أيضًا إلى أن ينحتوا لأنفسهم موقعًا ومكانة اجتماعية أعلى، وذلك لزيادة قيمتهم بين الآخرين والظهور بمظهر الاستثنائي والمميز. وما هو الغرض من أن يصبحوا استثنائيين ومميزين؟ الغرض هو أن يكتسبوا درجة أكبر من الاحترام والإعجاب والتقدير من الآخرين، حتى يتمكنوا من عيش حياة أكثر راحة وسهولة وكرامة. في بعض البيئات الخاصة، على سبيل المثال، هناك أشخاص لا يستطيعون باستمرار تأكيد وجودهم داخل مجموعة ما، أو كسب احترام وتقدير الآخرين. لذا، فهم يتحينون الفرص، ويستغلون من وقت لآخر هويتهم الخاصة أو خلفيتهم العائلية المميزة ليؤكدوا وجودهم ويعلموا الناس أنهم استثنائيون، ويجعلوا الناس يقدرونهم ويحترمونهم، ليحظوا بالهيبة بين الناس. يقولون: "على الرغم من أن هويتي، ومكانتي، ومستوى قدراتي عادية، إلا أن أحد أجدادي كان مستشارًا لعائلة أمير في عهد أسرة مينغ. هل سمعتم بفلان؟ كان هذا جدي، جد جدي الأكبر، كان مستشارًا مهمًا لعائلة الأمير. كان يُعرف باسم "العقل المدبر". كان خبيرًا في كل شيء، من علم الفلك إلى الجغرافيا، والتاريخ القديم والحديث، والشؤون الصينية والأجنبية. كما كان يمكنه التنبؤ أيضًا. ما زلنا نحتفظ بالبوصلة المغناطيسية "فنغ شوي" التي كان يستخدمها في عائلتنا". وعلى الرغم من أنهم قد لا يتحدثون عن ذلك كثيرًا، إلا أنهم مع ذلك يقصون على الآخرين قصصًا عن التاريخ المبهر لأسلافهم من وقت لآخر. لا أحد يعرف ما إذا كان ما يقولونه صحيحًا أم لا، وقد يكون بعضه قصصًا مختلقة، ولكن قد يكون بعضه صحيحًا. على أي حال، فإن الهوية التي يرثونها من العائلة مهمة جدًا في أذهان الناس، فهي التي تحدد مكانتهم ومنزلتهم بين الآخرين، والمعاملة التي يتلقونها بين الناس، وأيضًا وضعهم ومرتبتهم بين الناس. وبسبب أن الناس يدركون هذه الأشياء التي يخرجون بها من هويتهم الموروثة عندما يكونون وسط أناس آخرين، يعتبرونها مهمة للغاية. وبالتالي، فإنهم يتباهون بتلك الفصول "المجيدة" و"الرائعة" من تاريخهم العائلي من وقت لآخر، بينما يتجنبون مرارًا وتكرارًا ذكر تلك الجوانب من خلفيتهم العائلية أو تلك الأشياء التي حدثت في عائلتهم والتي تعتبر مخزية أو التي قد تكون موضع ازدراء أو تمييز. وباختصار، الهوية التي يرثها الناس من عائلاتهم مهمة جدًا في قلوبهم. عندما يختبرون بعض الأحداث الخاصة، فإنهم غالبًا ما يستخدمون هويتهم العائلية المميزة كرأس مال وسبب للتباهي بأنفسهم، من أجل كسب تقدير الناس وكسب مكانة بين الآخرين. بغض النظر عما إذا كانت عائلتك تجلب لك المجد أو العار، أو ما إذا كانت الهوية والمكانة الاجتماعية التي ورثتها من عائلتك نبيلة أو متواضعة، فإن هذه العائلة بالنسبة إليك ليست أكثر من مجرد عائلة. إنها لا تحدد ما إذا كان بإمكانك فهم الحق، أو ما إذا كان بإمكانك السعي إلى الحق، أو ما إذا كان بإمكانك الشروع في طريق السعي إلى الحق. لذلك، ينبغي ألا يعتبرها الناس أمرًا مهمًا جدًا، لأنها لا تحدد مصير الشخص، ولا مستقبل الشخص، وبالتأكيد لا تحدد المسار الذي يسلكه الشخص. فالهوية التي ترثها من عائلتك لا يمكن أن تحدد سوى مشاعرك وتصوراتك بين الآخرين. وسواء كانت الهوية التي ورثتها من عائلتك شيئًا تحتقره أو يستحق التفاخر، فإنها لا يمكن أن تحدد ما إذا كنت قادرًا على الشروع في طريق السعي إلى الحق أم لا. لذا، عندما يتعلق الأمر بالسعي إلى الحق، لا يهم نوع الهوية أو المكانة الاجتماعية التي ترثها من عائلتك. فحتى لو كانت الهوية التي ورثتها تجعلك تشعر بالتفوق والتبجيل، فهي لا تستحق الذكر. أو إذا كانت تشعرك بالخزي والدونية وتدني احترام الذات، فلن يؤثر ذلك على سعيك إلى الحق. أليس الأمر كذلك؟ (بلى). لن يؤثر ذلك على سعيك للحق على الإطلاق، ولن يؤثر على هويتك ككائن مخلوق أمام الله. بل على العكس، أيًا كانت هويتك ومكانتك الاجتماعية التي ورثتها من عائلتك، فمن وجهة نظر الله، يتمتع الجميع بنفس الفرصة للخلاص، ويؤدون واجبهم ويسعون إلى الحق بالمكانة والهوية ذاتهما. الهوية التي ترثها من عائلتك، سواء كانت مشرفة أو مخزية، لا تحدد إنسانيتك، ولا تحدد المسار الذي تسلكه. لكن إذا كنت تعلق أهمية كبيرة عليها، وتعتبرها جزءًا أساسيًا من حياتك وكيانك، فإنك ستتمسك بها بشدة، ولن تتخلى عنها أبدًا، وستفتخر بها. فإذا كانت هويتك التي ورثتها من عائلتك نبيلة، فستعتبرها نوعًا من رأس المال، بينما إذا كانت هويتك التي ورثتها من عائلتك وضيعة، فستعتبرها شيئًا مخزيًا. وبغض النظر عما إذا كانت الهوية التي ورثتها من عائلتك نبيلة أو مجيدة أو مخزية، فهذا فهمك الشخصي فحسب، ومجرد نتيجة للنظر إلى المسألة من منظور إنسانيتك الفاسدة. إنه فقط إحساسك، وتصورك، وفهمك الخاص، وهي أشياء لا تتماشى مع الحق ولا علاقة لها بالحق. إن هويتك ليست رأس مال لسعيك إلى الحق، وبالطبع ليست عائقًا أمام سعيك إلى الحق. إذا كان وضعك الاجتماعي نبيلًا ومرتفعًا، فهذا لا يعني أنه رأس مال لخلاصك. وإذا كانت حالتك الاجتماعية متواضعة ووضيعة، فهذا لا يعني أنها عائق أمام سعيك إلى الحق، فضلًا عن أن تكون عائقًا أمام سعيك إلى الخلاص. فعلى الرغم من أن بيئة الأسرة، وخلفيتها، ونوعية حياتها، وظروفها المعيشية كلها مستمدة مما قدَّره الله، فلا علاقة لها بهوية الشخص الحقيقية أمام الله. إن أي شخص، أيًا كانت العائلة التي ينحدر منها، أو ما إذا كانت خلفيته العائلية لامعة أو أقل شأنًا، هو كائن مخلوق في نظر الله. حتى لو كانت عائلتك ذات خلفية لامعة وكنت تتمتع بهوية ومكانة نبيلة، فأنت تظل كائنًا مخلوقًا. وبالمثل، إذا كانت حالتك العائلية متواضعة وينظر إليك الآخرون نظرة دونية، فأنت مع ذلك كائن مخلوق عادي في نظر الله؛ لا يوجد شيء مميز فيك. توفر الخلفيات العائلية المختلفة للناس بيئات مختلفة للنمو، وتمنح بيئات المعيشة العائلية المختلفة الناس وجهات نظر مختلفة للتعامل مع الأشياء المادية والعالم والحياة. وسواء كان الشخص ميسور الحال أو فقيرًا في الحياة، وسواء كانت ظروفه العائلية ميسورة أو غير ميسورة، فإن الخبرة تختلف باختلاف الأشخاص. نسبيًا، يمتلك الفقراء الذين تعيش أسرهم في مستوى متواضع بخبرة أعمق في الحياة، في حين أن الأغنياء الذين تتمتع عائلاتهم بمعيشة ميسورة يكون تحقيق ذلك أصعب عليهم، أليس كذلك؟ (بلى). أيًا كان نوع البيئة العائلية التي نشأت فيها، وأيًا كانت هويتك ومكانتك الاجتماعية التي اكتسبتها من تلك البيئة العائلية، عندما تقف أمام الله، عندما يعترف بك الله ويقبلك ككائن مخلوق، فأنت مثل الآخرين في نظر الله، أنت متساوٍ مع الآخرين، ولا يوجد ما يميزك، وسيطبق الله نفس الأساليب ونفس المعايير في متطلباته منك. إذا كنت تقول: "لي مكانة اجتماعية مميزة"، فعليك أمام الله أن تتخلى عن هذا "التميز"، وإذا قلت: "إن مكانتي الاجتماعية متدنية"، فعليك أيضًا أن تتجاهل هذه "الدونية". أمام الله، يجب على كل واحد منكم أن يتخلى عن الهوية التي ورثها من عائلته، وأن يتخلص منها، وأن يقبل الهوية التي منحه الله إياها ككائن مخلوق، وأن يتبنى هذه الهوية في أداء واجب الكائن المخلوق بشكل جيد. إذا كنت تنحدر من عائلة طيبة وتتمتع بمكانة نبيلة، فليس لديك ما تفتخر به، ولست أكثر نبلًا من أي شخص آخر. لماذا؟ في نظر الله، ما دمت إنسانًا مخلوقًا، فأنت مليء بالشخصيات الفاسدة، وأنت واحد من أولئك الذين يريد الله خلاصهم. وبالمثل، إذا كانت هويتك التي ورثتها من عائلتك وضيعة ومتواضعة، فيجب عليك مع ذلك أن تقبل هوية الكائن المخلوق التي منحك الله إياها، وتأتي أمام الله ككائن مخلوق لتقبل خلاصه. قد تقول: "إن مكانة عائلتي الاجتماعية متدنية، وهويتي أيضًا متدنية. الناس يزدرونني". يقول الله إن هذا لا يهم. أنت اليوم لم تعد تظهر أمام الله كشخصٍ استمد هويته من عائلته. هويتك الحالية هي هوية كائن مخلوق، وما يجب أن تقبله هو متطلبات الله منك. الله لا يحابي أحدًا. إنه لا ينظر إلى خلفيتك العائلية أو هويتك، لأنك في نظره مثل الجميع. لقد أفسدك الشيطان، أنت فرد من أفراد الجنس البشري الفاسد، وأنت كائن مخلوق أمام الله، لذلك أنت واحد من أولئك الذين يريد الله خلاصهم. لا يهم ما إذا كنت من نسل مسؤولين رفيعي المستوى، أو آباء فاحشي الثراء، سواء كنت شابًا من أصحاب الامتيازات أو كنت أميرة، أو كنت ابنًا لصاحب أملاك صغير أو شخصًا عاديًا. هذه الأمور ليست مهمة، والله لا ينظر إلى أي من هذا. لأن ما يريد الله أن يخلّصه هو أنت كشخص. إنه يريد تغيير شخصيتك الفاسدة، وليس هويتك. وشخصيتك الفاسدة لا تحددها هويتك، وهويتك لا تحدد قيمتك، وشخصيتك الفاسدة لا تأتي من عائلتك. الله يريد أن يخلصك ليس لأن مكانتك قد تكون متواضعة، وبوجه خاص ليس لأن مكانتك قد تكون متميزة. بل الله قد اختارك بسبب خطته وتدبيره، لأنك قد أفسدك الشيطان، وأنت أحد أفراد الجنس البشري الفاسد. أنت مثل أي شخص آخر أمام الله، أيًا كانت الهوية التي ورثتها من عائلتك. أنتم جميعًا أفراد من الجنس البشري، وقد أفسدكم الشيطان، ولديكم شخصيات فاسدة. لا يوجد شيء مميز فيكم. أليس الأمر كذلك؟ (بلى). لذلك، في المرة القادمة التي يقول فيها شخص ما من حولك: "كنت سابقًا قاضيًا في المقاطعة"، أو "كنت حاكمًا إقليميًا"، أو يقول أحدهم: "كان أجدادنا أباطرة"، أو يقول أحدهم: "كنت عضوًا في الكونغرس"، أو "ترشحت للرئاسة"، أو يقول أحدهم: "كنت رئيسًا لشركة كبيرة"، أو "كنت رئيسًا لمؤسسة مملوكة للدولة"، فما المدهش في ذلك؟ هل من المهم أنك كنت في وقت من الأوقات من كبار المسؤولين التنفيذيين أو القادة العسكريين؟ هذا العالم وهذا المجتمع يعلقان أهمية كبيرة على هوية الناس ومكانتهم الاجتماعية، ويقرران كيفية معاملتك وفقًا لهويتك ومكانتك الاجتماعية. لكنك الآن في بيت الله، ولن ينظر الله إليك نظرة مختلفة بسبب مدى تألقك في الماضي، أو مدى ما كانت عليه هويتك من تألق ومجد. هل هناك أي فائدة من التباهي بمؤهلاتك ومكانتك الاجتماعية وقيمتك، خاصةً الآن وقد طلب منك أن تسعى إلى الحق؟ (كلا، لا فائدة). هل سيكون من الحماقة القيام بذلك؟ (نعم). يميل الحمقى إلى استخدام هذه الأشياء لقياس أنفسهم مقارنة بالآخرين. وهناك أيضًا بعض المؤمنين الجدد الذين لهم قامة صغيرة ولا يفهمون الحقّ، وغالبًا ما يستخدمون هذه الأشياء من المجتمع والعائلة لمقارنة أنفسهم بالآخرين. أما الأشخاص الذين لديهم بعض الأساس والقامة في إيمانهم بالله عمومًا فلا يفعلون ذلك، ولا يتحدثون عن مثل هذه الأشياء. إن استخدام المرء لهويته العائلية أو مكانته الاجتماعية كرأس مال لا يتوافق مع الحق.

والآن بعد أن قدمت الكثير من الشركة عن الهوية التي ترثها من عائلتك، هل فهمتَ ما قلته؟ (نعم). أخبرني شيئًا عنها. (يا الله، سأقول شيئًا عن ذلك. كثيرًا ما يعلّق الناس أهمية خاصة على العائلة التي ولدوا فيها، وعلى هوية عائلتهم ومكانتها في المجتمع. يميل الأشخاص الذين يولدون في عائلة ذات مكانة اجتماعية متدنية إلى الاعتقاد بأنهم أدنى من الآخرين بشكل ما، إذ يشعرون أنهم ينحدرون من أصول متواضعة للغاية، ولا يمكنهم رفع رؤوسهم في المجتمع، لذا فهم يرغبون في السعي لتحسين وضعهم الاجتماعي؛ أما أولئك الذين يولدون في عائلة ذات وضع ومكانة عاليتين نسبيًا فيميلون إلى أن يكونوا متغطرسين ومغرورين جدًا، ويحبون التباهي، ولديهم شعور فطري بالتفوق. لكن في الواقع، الوضع الاجتماعي للناس ليس أهم شيء، لأن الناس أمام الله لهم الهوية والمكانة نفسهما، فجميعهم كائنات مخلوقة. لا يمكن لهوية الشخص ومكانته أن تحددا ما إذا كان يستطيع السعي إلى الحق أو ممارسة الحق أو أن يُخلَّص، لذلك لا يمكن للمرء أن يقيد نفسه بسبب هويته ومكانته). جيد جدًا. إنَّ الأشخاص الذين لا يسعون إلى الحق يهتمون كثيرًا بهوية الشخص ومكانته الاجتماعية، لذلك في بعض الظروف الخاصة سيقولون أشياء مثل: "أتعرف فلانًا ذاك في كنيستنا؟ عائلته ميسورة الحال!" تلمع عيونهم عندما يقولون كلمة "ميسورة الحال"، مما يدل على عقليتهم الحاسدة والغيورة للغاية. قد ظلت مشاعر الحسد لديهم تتنامى منذ فترة طويلة، لدرجة أن تصل بهم إلى حد أنهم يسيل لعابهم على هؤلاء الناس ويقولون: "أواه، أتعرف هؤلاء الناس هناك؟ والدها مسؤول رفيع المستوى، ووالده قاضي مقاطعة، ووالدها رئيس بلدية، ووالد تلك أمين في إحدى الدوائر الحكومية!" عندما يرون شخصًا يرتدي ملابس جميلة، أو له مظهر أنيق، أو شخصًا يتمتع بشيء من الرقي أو البصيرة، أو يستخدم أشياء راقية بشكل خاص، يشعرون بالحسد ويفكرون: "إن عائلتهم ثرية، لا بد أن الأموال تتدفق بين أيديهم،" ويستبد بهم الإعجاب والحسد. وكلما تحدثوا عن أن فلانًا هو رئيس شركة ما، فإنهم يهتمون بهوية هذا الشخص أكثر مما يهتم بها الشخص نفسه. إنهم يتحدثون دائمًا عن وظيفة الشخص حتى لو لم يذكرها هو نفسه أبدًا، بل يصوّتون لذلك الشخص عندما يحين وقت انتخاب قائد الكنيسة. إنهم يكنون مشاعر خاصة تجاه من يتمتعون بمكانة اجتماعية أعلى من مكانتهم، ويولونهم اهتمامًا خاصًا. دائمًا ما يحاولون إرضاء هؤلاء الأشخاص والتقرب منهم وتملقهم، بينما يكرهون ذواتهم ويفكرون: "لماذا أبي ليس مسؤولاً؟ لماذا ولدت في هذه العائلة؟ لماذا ليس لدي أي شيء طيب أذكره عن عائلتي؟ العائلات التي ولدوا فيها هي عائلات مسؤولين أو رجال أعمال أثرياء، بينما عائلتي لا تملك أي شيء. جميع أشقائي أناس عاديون، من صغار المزارعين الذين يعملون في الأرض وجميعهم من الطبقة الدنيا من المجتمع. وكلما قل الحديث عن والديّ كان ذلك أفضل؛ هما حتى ليسا متعلمين. يا له من أمر مخز!" يصبحون مراوغين حالما يذكر أي شخص والديه، ويقولون: "دعونا لا نتحدث عن هذا الموضوع، دعونا نتحدث عن شيء آخر. لنتحدث عن فلان في كنيستنا. انظروا إلى المنصب الإداري الذي يشغله، إنه يعرف كيف يكون قائدًا. إنه يفعل ذلك منذ عشرات السنوات، ولا يمكن لأحد أن يحل محله. إنه قائد بالسليقة. ليت الشيء نفسه كان يمكن أن يُقال عنا. والآن بعد أن آمن بالله أخذ بركة فوق البركة. إنه حقًا شخص مبارك، لأنه يملك بالفعل كل ما يمكن للمرء أن يتمناه في المجتمع، والآن بعد أن دخل بيت الله، يمكنه أيضًا أن يدخل الملكوت وتكون له غاية جميلة". إنهم يؤمنون أنه عندما يأتي مسؤول إلى بيت الله، يجب أن يكون هو – أو هي – قائد الكنيسة، وأن تكون له غاية جميلة. من يقرر ذلك؟ هل القول الفصل لهم؟ (لا). من الواضح أن هذا شيء يقوله عديمو الإيمان. إذا رأوا شخصًا يتمتع ببعض القدرة والموهبة الفطرية، ويتأنق في ملبسه ويتمتع بأطايب الحياة، ويقود سيارة جميلة ويسكن في بيت كبير، فإنهم يلازمون ذلك الشخص بإصرار ويتوددون إليه ويتملقونه ويداهنونه. ثم هناك آخرون يشعرون أن لهم مكانة ومنزلة اجتماعية عالية، وهم دائمًا ما يطلبون امتيازات خاصة عندما يأتون إلى بيت الله، ويمطرون إخوتهم وأخواتهم بأوامرهم، ويعاملونهم كالعبيد، لأنهم اعتادوا أن يعيشوا حياة المسؤول. هل يعتقد هؤلاء الناس أن إخوتهم وأخواتهم هم مرؤوسيهم؟ عندما يحين وقت انتخاب قائد الكنيسة، يغضبون إذا لم يُختاروا ويقولون: "لن أؤمن بعد الآن، بيت الله ليس عادلًا، ولا يعطي الناس فرصة، بيت الله يحتقر الناس!" لقد اعتادوا على أن يكونوا مسؤولين في العالم، ويظنون أنهم المسؤولون الحقيقيون، لذلك يحاولون دائمًا عندما يدخلون بيت الله أن يتصدروا المشهد، وأن يتولوا قيادة كل شيء، ويطالبون بامتيازات خاصة، ويتعاملون مع بيت الله كما يتعاملون مع العالم والمجتمع. ربما تكون سيدة ما زوجة مسؤول في العالم، لكنها لا تزال تريد أن تُعامَل كزوجة مسؤول عندما تأتي إلى بيت الله، وأن يطري عليها الناس ويتبعونها. إذا أهمل الإخوة أو الأخوات إلقاء التحية عليها في أثناء الاجتماعات، تغضب وتتوقف عن حضور الاجتماعات، لأنها تشعر أن الناس لا يأخذونها على محمل الجد، وأن الإيمان بالله لا معنى له. أليس هذا أمر غير معقول؟ (بلى). مهما كانت هويتك الخاصة في المجتمع، فإنك تفقد تلك الهوية الخاصة عندما تأتي إلى بيت الله. فأمام الله وأمام الحق، لا يملك الناس سوى هوية واحدة وهي هوية الكائن المخلوق. سواء كنت في العالم الخارجي مسؤولاً حكوميًا أو كنتِ زوجة مسؤول، وسواء كنت تنتمي إلى نخبة المجتمع أو كنت موظفًا، وسواء كنت جنرالاً أو جنديًا، فليست لك في بيت الله سوى هوية واحدة، وهي هوية الكائن المخلوق. ليس فيك أي شيء مميز، لذا لا تطلب امتيازات خاصة ولا تجعل الناس يعبدونك. هناك آخرون أيضًا ينحدرون من عائلة مسيحية مميزة، أو من عائلة آمنت بالرب لأجيال. ربما تدربت والدتهم في معهد لاهوتي، ووالدهم قسيس. يلقى أمثال هؤلاء ترحيبًا خاصًا في المجتمع الديني، ويلتف المؤمنون حولهم. هم لا يزالون يشعرون بأن لهم هويتهم السابقة نفسها بعد قبولهم لهذه المرحلة من عمل الله، لكنهم يعيشون في أرض الأحلام! لقد حان الوقت لكي يتوقفوا عن الحلم ويستيقظوا. لا يهم إن كنت قسًا أو قائدًا، فعندما تأتي إلى بيت الله، يجب أن تفهم قواعد بيت الله وتتعلم تغيير هويتك. هذا أول شيء عليك أن تقوم به. أنت لست مسؤولاً رفيع المستوى، ولستَ موظفًا عاديًا، ولستَ رجل أعمال ثريًا، ولستَ فقيرًا ومعدمًا. عندما تأتي إلى بيت الله، لا تكون لك سوى هوية واحدة، وهي الهوية التي منحك الله إياها، أي هوية الكائن المخلوق. ماذا ينبغي للكائنات المخلوقة أن تفعل؟ ينبغي ألا تتباهى بتاريخك العائلي أو بمكانتك الاجتماعية التي ورثتها من عائلتك، ولا أن تستخدم مكانتك الاجتماعية العالية للخروج عن السيطرة في بيت الله والسعي للحصول على امتيازات خاصة، وينبغي بالتأكيد ألا تستخدم الخبرة التي اكتسبتها في المجتمع والشعور بالفوقية الذي تستمده من مكانتك الاجتماعية، لتتصرف كحاكم ذي سيادة في بيت الله وتصدر الأوامر. بدلًا من ذلك، يجب عليك في بيت الله أن تتمم واجبك ككائن مخلوق، وأن تتصرف بطريقة لائقة، وألا تذكر خلفيتك العائلية، وألا تحمل أي شعور بالتفوق، وينبغي كذلك ألا تكون لديك عقدة نقص؛ لا حاجة لأن تشعر بالدونية أو أن يكون لديك شعور بالتفوق. باختصار، عليك أن تحسن القيام بما يجب على الكائن المخلوق أن يفعله بطاعة، وأن تحسن أداء الواجب الذي يجب على الكائن المخلوق أن يؤديه. يقول بعض الناس: "هل هذا يعني أن عليّ أن أكبح جماح نفسي وألا أجذب أي انتباه؟" لا، أنت لست بحاجة إلى كبح جماح نفسك أو ألا تجذب أي انتباه، أنت لست بحاجة إلى أن تكون خانعًا، ولست بحاجة بالطبع إلى أن تتصرف بشكل فيه تعالٍ وعظمة. أنت لا تحتاج إلى محاولة التميز، ولا تحتاج إلى التظاهر، ولا تحتاج إلى تقديم تنازلات لإرضاء الجميع فحسب. يعامل الله الناس بالعدل، وبشكل منصف، لأن الله هو الحق. لقد تكلم الله إلى الناس بكلامٍ كثير وطلب منهم مطالب عديدة، وما يطلبه منك في النهاية هو أن تؤدي واجبك ككائن مخلوق بصورة صحيحة، وأن تفعل كل ما يجب أن يفعله الكائن المخلوق بصورة صحيحة. أنت مطالب أيضًا – في التعامل مع مسألة الهوية التي يرثها الإنسان من عائلته – بالنظر إلى الناس والأشياء والتصرف والسلوك على أساس كلام الله ومعيار الحق، بدلاً من التباهي بإحساس التفوق الذي تستمده من عائلتك. وبالطبع، إذا كنت تنتمي إلى عائلة من العائلات الأقل حظًا، فلا داعي لأن تكون صريحًا وتخبر الجميع بمدى سوء وضعها. قد يقول بعض الناس الآخرين: "هل يتطلب بيت الله "ألا نسأل بطلاً عن أصوله"؟ هل هذه المقولة هي الحق؟ (لا). هذه المقولة ليست هي الحق، لذا لا داعي لأن تقيس أي شيء على أساس هذه المقولة، ولا أن تتخذها معيارًا للالتزام بالمتطلبات التي فرضها الله عليك. فيما يخص الهوية التي ورثتها من أسرتك، ما يطلبه الله منك هو أن تؤدي واجبك. هويتك الوحيدة أمام الله هي هوية الكائن المخلوق، لذا ينبغي لك أن تتخلى عن الأشياء التي يمكن أن تؤثر على كونك كائنًا مخلوقًا صالحًا، أو تمنعك من القيام بواجبك. يجب ألا تفسح لهذه الأشياء مجالاً في قلبك، ولا أن توليها أهمية كبيرة. يجب أن تتخلى عن الهوية المميزة التي ورثتها من عائلتك، سواء من حيث المظاهر أو الموقف. ما رأيك في ذلك؟ هل هذا ممكن؟ (نعم). ربما ورثتَ من عائلتك هوية مشرفة، أو ربما لخلفيتك العائلية تأثير سلبي على هويتك. مهما يكن الأمر، أتمنى أن تتحرر من ذلك، وأن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد، ثم بعد ذلك عندما تواجه بعض المواقف الخاصة، وتؤثر هذه الأمور على تتميمك لواجبك، وتؤثر على معاملتك للناس، وتؤثر على مبادئك الصحيحة في التعامل مع الأمور، ومبادئك في التوافق مع الآخرين، أرجو أن تستطيع التوقف عن التأثر بالهوية التي ورثتها من عائلتك، وأن تتعامل مع الجميع ومع كل شيء بشكل صحيح. على سبيل المثال، لنفترض أن أختًا ما في الكنيسة تؤدي واجبها دائمًا بلا مبالاة ودائمًا ما تكون معطّلة. كيف يجب عليك التعامل معها؟ أنت في حيرة من أمرك بشأن هذا، وتفكرين: "يجب أن أهذبها، لأنني إذا لم أهذبها، فسيؤثر ذلك على عمل الكنيسة". وهكذا تشرعين في تهذيبها، لكنها ترفض الخضوع، وتأتي بالكثير من الأعذار. أنت لا تخشينها، لذلك تستمرين في تقديم شركة لها وتهذيبها، فتقول لك: "هل تعرفين من أنا؟"، فتجيبينها: "فيم يهمني من أنت"؟ فتقول: "زوجي رئيس زوجك. إذا صعّبت الأمور عليّ اليوم، فسيكون زوجك في ورطة". فتجيبينها: "هذا عمل بيت الله. إذا لم تقومي به بشكل جيد واستمررتِ في التعطيل، فسأعفيك من واجبك". فتقول: "على أي حال، لقد أخبرتك بما سيحدث. قرري بنفسك ما يجب عمله!". ماذا تعني بقولها "قرري بنفسك"؟ إنها تخبرك بأنك إذا تجرأت على إعفائها، فستتسبب في إقالة زوجك. في هذه المرحلة تفكرين: "هذه المرأة لديها دعم قوي، فلا عجب أنها تتحدث بغطرسة طوال الوقت"، ثم تغيرين نبرتك وتقولين: "حسنًا، سأتغاضى عن الأمر هذه المرة، لكن في المرة القادمة لن أتغاضى! لم أقصد أي شيء مما قلته، فكل هذا من أجل عمل الكنيسة. كلنا إخوة وأخوات مؤمنون بالله، كلنا عائلة واحدة. فكري في الأمر، أنا قائدة الكنيسة، كيف لا أتحمل مسؤولية هذا؟ لو لم أتحمل المسؤولية، ما كنتم لتنتخبونني، أليس كذلك؟" تبدئين في محاولة تهدئة الأمور. هل وراء ذلك أي مبادئ؟ لقد انهار الجدار الدفاعي في أعماق قلبك، ولم تجرؤي على التمسك بالمبادئ، واستسلمت. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). لذا ينتهي بكِ الأمر إلى التغاضي عن المسألة. تشعرين بالخجل لأن هويتك ليست بنبل هويتها، وأن مكانتها الاجتماعية أعلى من مكانتك، لذلك تشعرين بأنك مضطرة إلى السماح لها بأن تسيطر عليك وأن تطيعينها. وعلى الرغم من أن كلتاكما تؤمن بالله، ما تزالين تسمحين لنفسك بأن تبتزك. إذا لم تتمكني من التخلص من التأثير الذي تمارسه المكانة الاجتماعية عليك، فلن تتمكني من التمسك بالمبادئ، ولن تكوني قادرة على ممارسة الحق، ولن تكوني مخلصة أمام الله. هل سيقبلك الله إن لم تكوني مخلصة له؟ هل سيثق بك؟ هل سيظل يأتمنك على عمل مهم؟ ستكونين بالنسبة إليه شخصًا غير جدير بالثقة، لأنك في المنعطف الحرج ضحيت بمصالح بيت الله لحماية مصالحك. في المنعطف الحرج، خفت من قوى الشر القادمة من المجتمع ومن الشيطان، مما جعلك تضحين بمصالح بيت الله وتخفقين في التمسك بشهادتك. هذا ذنب عظيم وعلامة على أنك أخزيت لله. لماذا؟ لأنك بهذه الفعلة خنت هويتك ككائن مخلوق، وانتهكت مبدأ القيام بما يتعين على الكائن المخلوق فعله. سمحت لنفسك في تعاملك مع هذه المسألة بالتأثر بمكانتك الاجتماعية وهويتك في المجتمع. إذا لم تستطيعي – عند مواجهة أي مشكلة – أن تتخلي عن التأثيرات السلبية التي خلقتها هويتك التي ورثتها من عائلتك، فقد تستجيبين لهذه المشكلات بالقيام بأشياء غير متوقعة. من ناحية ما، ستجعلك هذه الأمور تخالفين الحق، ومن ناحية أخرى، ستجعلك في حيرة تامة ولا تعرفين أي الخيارات يتعين عليك اتخاذها. سيقودك هذا بسهولة إلى التعدي والندم، بحيث تتلطخين بالعار أمام الله، وتُعتبرين شخصًا غير جدير بالثقة انتهك المبدأ الذي فرضه الله على البشر، وهو أن يؤدي المرء واجبه ككائن مخلوق بشكل جيد، وأن يفعل ما يجب أن يفعله الكائن المخلوق. فكري في الأمر، إنه تافه إلى حد ما ولكن له خطورته الشديدة، أليس كذلك؟ (بلى).

قدمت شركة للتو عن التخلي عن الهوية التي ترثها من عائلتك. هل من السهل القيام بذلك؟ (نعم، من السهل القيام به). هل من السهل القيام به؟ في أي الظروف سيؤثر هذا الأمر عليك ويزعجك؟ عندما لا يكون لديك فهم صحيح ونقي لهذا الأمر، ستتأثر به في نوع معين من البيئات، وسيؤثر على قدرتك على أداء واجبك جيدًا، وسيؤثر على أساليبك في التعامل مع الأمور وعلى العواقب. لذا عندما يتعلق الأمر بالهوية التي ورثتها من العائلة، عليك أن تتعامل معها بشكل صحيح، وألا تدعها تؤثر فيك أو تتحكم بك، وإنما ترى الناس والأشياء وتتصرف وتفعل بشكل طبيعي وفقًا للأساليب التي أعطاها الله للناس. بهذه الطريقة، سيكون لديك السلوك والمبادئ التي يجب أن يتحلى بها المخلوق المقبول في هذا الصدد. تاليًا، سنعقد شركة حول التخلي عن التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة عليك. في هذا المجتمع، مبادئ الناس في التعامل مع العالم، وأساليبهم للعيش والوجود، وحتى مواقفهم ومفاهيمهم تجاه الدين والمعتقد، وكذلك مفاهيمهم وآراؤهم المختلفة تجاه الناس والأشياء – كل هذه الأشياء تُكيَّف حتمًا بفعل العائلة. قبل أن يتوصل الناس إلى فهم الحق؛ ومهما كان عمرهم أو نوعهم الاجتماعي أو المهنة التي يمارسونها أو نوع موقفهم تجاه كل الأمور متطرفًا كان أم عقلانيًا؛ أي في جميع أنواع الأشياء باختصار، فإنَّ أفكارهم وآراءهم ومواقفهم تجاه الأشياء، تتأثر تأثرًا كبيرً بالعائلة. معنى هذا أنَّ التأثيرات التكييفية المختلفة التي تمارسها العائلة على الشخص، تحدد إلى حد كبير موقف هذا الشخص من الأشياء وطريقة تعامله معها، وكذلك نظرته إلى الوجود، وهي تؤثر حتى على إيمانه. وبما أن العائلة تكيّف الناس وتؤثر فيهم بدرجة كبيرة، فإن العائلة – لا محالة – هي أساس أساليب الناس ومبادئهم في التعامل مع الأشياء، وكذلك نظرتهم إلى الوجود، وآراءهم عن الإيمان. ولأن بيت العائلة نفسه ليس هو المكان الذي ينشأ فيه الحق، ولا هو مصدر الحق، فلا توجد عمليًا سوى قوة دافعة واحدة أو هدف واحد يدفع عائلتك إلى تكييفك على أي فكرة أو وجهة نظر أو أسلوب للوجود؛ وهذه القوة الدافعة هي العمل لما فيه مصلحتك. هذه الأشياء التي تصب في مصلحتك، بغض النظر عمن تأتي منه – سواء كانت من والديك أو أجدادك أو من أسلافك – كلها باختصار تهدف إلى تمكينك من الدفاع عن مصالحك الخاصة في المجتمع وبين الآخرين، ومنعك من التعرض للتنمر عليك، وتمكينك من العيش بين الناس بطريقة أكثر تحررًا ودبلوماسية، والتي تهدف إلى حماية مصالحك الخاصة إلى أقصى درجة. يهدف التكييف الذي تتلقاه من عائلتك إلى حمايتك، وأن يجنبك التعرض للتنمر أو الإذلال، وأن يجعلك شخصًا يفوق الآخرين في المكانة، حتى لو كان ذلك يعني التنمر على الآخرين أو إيذاءهم، ما دمت أنت نفسك لن تُضَر. هذه بعض أهم الأشياء التي تكيفك عائلتك عليها، وهي أيضًا الجوهر والهدف الرئيس الذي تقوم عليه جميع الأفكار التي تُكيَّف عليها. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). إذا نظرت في هدف كل الأشياء التي كيفتك عائلتك عليها، وفي جوهر هذه الأشياء، فهل فيها أي شيء يتوافق مع الحق؟ حتى لو كانت هذه الأشياء تتفق مع الأخلاق أو الحقوق المشروعة والمصالح الإنسانية، فهل لها أي صلة بالحق؟ هل هي الحق؟ (لا). يمكن القول بكل يقين إنها بالتأكيد ليست الحق. فمهما كان اعتقاد الإنسان أن الأشياء التي تكيفه عائلته عليها إيجابية وشرعية وإنسانية وأخلاقية، فإنها ليست الحق، ولا يمكنها أن تمثل الحق، ولا يمكن بالطبع أن تحل محل الحق. لهذا، عندما يتعلق الأمر بموضوع العائلة، فإن هذه الأشياء هي جانب آخر يجب على الناس التخلي عنه. ما هو هذا الجانب تحديدًا؟ إنه التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة عليك – هذا هو الجانب الثاني الذي يجب أن تتخلى عنه بخصوص موضوع العائلة. بما أننا نناقش التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة عليك، فلنتحدث أولاً عن ماهية هذه التأثيرات التكييفية بالضبط. إذا ميزناها بحسب مفهوم الناس عن الصواب والخطأ، فبعضها صحيح نسبيًا وإيجابي وقابل للتطبيق ويمكن كشفه أمام الآخرين، في حين أن بعضها أناني نسبيًا وخسيس ودنيء وسلبي نسبيًا، ولا شيء أكثر من ذلك. ولكن على أي حال، فإن هذه التأثيرات التكييفية من العائلة هي بمثابة طبقة من الثياب الواقية التي تحمي في مجموعها مصالح الإنسان الجسدية، وتحفظ كرامته بين الآخرين، وتمنع عنه التنمر. أليس كذلك؟ (بلى). لنتحدث إذن عن التأثيرات التكييفية التي تمارسها عائلتك عليك. على سبيل المثال، عندما يكثر كبار العائلة من أن يقولوا لك: "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها"، فإنهم يفعلون ذلك ليجعلوك تولي أهمية لأن تكون لك سمعة طيبة، وأن تعيش حياة أبية وألا تفعل أشياء تجلب لك العار. فهل هذه المقولة ترشد الناس بطريقة إيجابية أم سلبية؟ هل يمكنها أن تقودك إلى الحق؟ هل يمكنها أن تقودك إلى فهم الحق؟ (لا، لا يمكنها ذلك). يمكنك أن تقول بكل تأكيد: "لا، لا يمكنها ذلك!" فكر في الأمر – يقول الله إن الناس يجب أن يتصرفوا بوصفهم أناسًا أمناء. عندما تذنب أو تخطئ في شيء، أو عندما تفعل شيئًا يتمرد على الله ويخالف الحق، فعليك أن تعترف بخطئك، وأن تفهم نفسك، وتواصل تشريح نفسك من أجل تحقيق التوبة الحقيقية، ثم تتصرف بعد ذلك وفقًا لكلام الله. إذن، إذا كان على الناس أن يتصرفوا بوصفهم أناسًا أمناء، فهل يتعارض ذلك مع مقولة "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها"؟ (نعم). كيف يتعارض؟ إن مقولة "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها" تهدف إلى جعل الناس يولون أهمية لعيش جانبهم المشرق والملون والإكثار من فعل الأشياء التي تجعلهم يبدون بمظهر جيد – بدلاً من فعل الأشياء السيئة أو المشينة، أو الكشف عن جانبهم القبيح – ومنعهم من العيش بدون كبرياء أو كرامة. من أجل سمعة المرء، ومن أجل كبريائه وشرفه، لا يمكن له أن يستنكر كل شيء يخصه، ناهيك عن إخبار الآخرين عن جانبه المظلم وجوانبه المخزية، لأن عليه أن يعيش بكبرياء وكرامة. ولكي يعيش المرء بكرامة يحتاج إلى سمعة طيبة، ولكي تكون للمرء سمعة طيبة يحتاج إلى التظاهر والتزين. ألا يتعارض هذا مع أن يتصرف المرء بوصفه شخصًا أمينًا؟ (بلى). عندما تتصرف بوصفك شخصًا أمينًا، فإن ما تفعله يتعارض تمامًا مع مقولة "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها". إذا أردت أن تتصرف بوصفك شخصًا أمينًا، فلا تعلق أهمية على الكبرياء؛ فكبرياء الإنسان لا يساوي شيئًا. يجب على المرء عند مواجهة الحق أن يكشف عن نفسه، لا أن يتظاهر أو يخلق صورة زائفة لنفسه. يجب على المرء أن يكشف لله أفكاره الحقيقية، والأخطاء التي ارتكبها، والجوانب التي تخالف مبادئ الحق، وما إلى ذلك، وأن يكشف هذه الأشياء أيضًا لإخوته وأخواته. ليست المسألة مسألة أن يعيش المرء من أجل سمعته، بل هي مسألة أن يعيش المرء من أجل التصرف بوصفه شخصًا أمينًا، وأن يعيش من أجل السعي إلى الحق، وأن يعيش من أجل أن يكون كائنًا مخلوقًا حقيقيًا، ومن أجل إرضاء الله وأن يخلُص. ولكن عندما لا تفهم هذا الحق، ولا تفهم مقاصد الله، غالبًا ما تهيمن عليك الأشياء التي كيفتك عائلتك عليها. لذلك عندما ترتكب خطًا ما، تتستر عليه وتتظاهر وتفكر: "لا يمكنني قول أي شيء عن هذا الأمر، ولن أسمح أيضًا لأي شخص آخر يعرف عن هذا الأمر أن يقول أي شيء. إذا قال أي منكم أي شيء، فلن أتهاون معك. سمعتي تأتي في المقام الأول. لا قيمة للحياة إن لم تكن من أجل سمعة المرء، لأنها أهم من أي شيء آخر. إذا فقد الإنسان سمعته، يفقد كل كرامته. لذلك لا يمكنك أن تقول الحق كما هو، بل عليك أن تتظاهر، وعليك أن تتستر على الأمور، وإلا ستفقد سمعتك وكرامتك، وستكون حياتك بلا قيمة. إذا لم يحترمك أحد، فأنت مجرد حثالة رخيصة عديمة القيمة". هل من الممكن أن تتصرف بوصفك شخصًا أمينًا من خلال الممارسة بهذه الطريقة؟ هل من الممكن أن تكون منفتحًا تمامًا وتشرّح نفسك؟ (لا، هذا ليس ممكنًا). من الواضح أنك بفعلك هذا تلتزم بمقولة "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها" التي كيفتك عائلتك عليها. رغم ذلك، إذا تخليت عن هذه المقولة من أجل السعي إلى الحق وممارسته، فستكف عن التأثير عليك، وستكف عن أن تكون شعارك أو مبدأك في القيام بالأشياء، وبدلاً من ذلك سيكون ما تفعله العكس تمامًا من مقولة "يحتاج الناس إلى كبريائهم مثلما تحتاج الشجرة إلى لحائها". لن تعيش من أجل سمعتك، ولا من أجل كرامتك، بل ستعيش من أجل السعي إلى الحق، والتصرف بوصفك شخصًا أمينًا والسعي إلى إرضاء الله والعيش ككائن مخلوق حقيقي. إذا التزمت بهذا المبدأ، فستكون قد تخلّيت عن التأثيرات التكييفية التي تمارسها عائلتك عليك.

إنَّ العائلة لا تكيف الأشخاص على مقولة أو اثنتين فقط، بل على مجموعة كاملة من الأقوال المأثورة والأمثال المعروفة. على سبيل المثال، هل يكثر شيوخ عائلتك ووالداك من ذكر مقولة: "الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت"؟ (نعم). إنهم يقولون لك: "يجب أن يعيش الناس من أجل سمعتهم. لا يسعى الإنسان في حياته إلى أي شيء سوى السمعة الطيبة بين الناس، وأن يخلف لديهم انطباعًا حسنًا. أينما ذهبت، كن أكثر سخاءً في إلقاء التحية والملاطفات والمجاملات، وأكثر من قول الكلمات الطيبة. لا تسئ إلى الناس، بل قم بالمزيد من الأعمال الصالحة والأفعال الطيبة". إن لهذا التأثير التكييفي الخاص الذي تمارسه العائلة تأثير معين على سلوك الناس أو مبادئ السلوك، والنتيجة الحتمية هي أنهم يولون أهمية كبيرة للشهرة والربح؛ أي إنهم يعلقون أهمية كبيرة على سمعتهم ومكانتهم والانطباع الذي يتركونه في أذهان الناس، وتقدير الآخرين لكل ما يفعلونه وكل رأي يعبرون عنه. عندما تولي أهمية كبيرة للشهرة والربح، فإنك عن غير قصدٍ تولي أهمية قليلة لمدى اتفاق الواجب الذي تؤديه مع الحق والمبادئ من عدمه، ولما إذا كنت ترضي الله، وما إذا كنت تؤدي واجبك على النحو الملائم. أنت ترى أن هذه الأمور أقل أهمية وأدنى في الأولوية، في حين تصبح مقولة "الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت"، التي كيفتك عائلتك عليها، في غاية الأهمية بالنسبة إليك. إنها تجعلك تولي اهتمامًا عظيمًا لما يرد في أذهان الآخرين بشأن كل تفاصيلك. وعلى وجه الخصوص، يولي بعض الناس اهتمامًا خاصًا لما يعتقده الآخرون عنهم فعلًا من وراء ظهورهم، لدرجة التنصت عبر الجدران، والاستماع من خلال الأبواب نصف المفتوحة، وحتى سرقة نظرة خاطفة على ما يكتبه الآخرون عنهم. حالما يذكر أحدهم اسمه، يفكر: "يجب أن أسرع وأستمع إلى ما يقوله عني، وما إذا كان رأيه فيّ جيدًا. يا إلهي، لقد قال إنني كسول وأحب تناول أطايب الطعام. يجب أن أتغير إذن، إذ لا يمكنني أن أكون كسولًا في المستقبل، بل يجب أن أكون مجتهدًا". وبعد أن يجتهد لفترة من الوقت، يفكر في قرارة نفسه: "لقد كنت أستمع إلى ما إذا كان الجميع يقولون إنني كسول، ويبدو أن أحدًا لم يقل ذلك مؤخرًا". لكنه لا يزال غير مستريح، لذلك يقحم الأمر عرضًا في أحاديثه مع من حوله قائلًا: "أنا كسول بعض الشيء"؛ فيرد الآخرون: "أنت لست كسولًا، أنت الآن أكثر اجتهادًا مما كنت عليه في السابق". وعندها يشعر على الفور بالاطمئنان والسعادة البالغة والراحة. "مرحى! لقد تغيرت آراء الجميع عني. يبدو أن الجميع لاحظوا التحسن في سلوكي". كل ما تفعله ليس من أجل ممارسة الحق، ولا من أجل إرضاء الله، بل من أجل سمعتك. بهذه الطريقة، ماذا يصبح كل ما تفعله فعليًا؟ لقد أصبح فعليًا عملاً دينيًا. ماذا أصبح جوهرك؟ لقد أصبحت نموذجًا مثاليًا للفريسي. ماذا أصبح مسارك؟ لقد أصبح مسار أضداد المسيح. هكذا يعرَّف الله الأمر. إذن، لقد أصبح جوهر كل ما تقوم به ملوثًا، ولم يعد مثلما كان؛ فأنت لا تمارس الحق أو تسعى إليه، بل تسعى إلى الشهرة والربح. في نهاية المطاف، بالنسبة إلى الله، فإن أداء واجبك – باختصار – غير كافٍ. لماذا؟ لأنك تكرس نفسك لسمعتك فحسب، لا لما ائتمنك الله عليه، أو لواجبك ككائن مخلوق. بأي شيء تشعر في قلبك عندما يأتي الله بمثل هذا التعريف؟ أن إيمانك بالله طوال هذه السنوات كان بلا طائل؟ فهل يعني هذا أنك لم تكن تسعى إلى الحق على الإطلاق؟ أنت لم تكن تسعى إلى الحق، بل كنت تولي اهتمامًا خاصًا لسمعتك، وأصل هذا الأمر التأثيرات التكييفية التي تأتي من عائلتك. ما المقولة الأكثر هيمنة التي تم تكييفك عليها؟ إن مقولة: "الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت"، قد ترسخت في قلبك وأصبحت شعارًا لك. فأنت قد تأثرت بهذه المقولة وتكيفت عليها منذ صغرك، وحتى بعد أن كبرت، غالبًا ما تستمر في ترديد هذه المقولة للتأثير على الجيل القادم من عائلتك والأشخاص المحيطين بك. الأخطر من ذلك بالطبع هو أنك تبنيتها طريقة ومبدأ لسلوكك والتعامل مع الأشياء، بل إنك تبنيتها هدفًا واتجاهًا تسعى إليه في الحياة. إن هدفك واتجاهك خاطئان، وبالتالي فإن العاقبة النهائية ستكون سلبية بالتأكيد. لأن جوهر كل ما تفعله هو فقط من أجل سمعتك، وفقط من أجل تطبيق مقولة: "الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت". أنت لا تسعى إلى الحق، لكنك أنت نفسك لا تعرف ذلك. أنت تعتقد أنه لا بأس بهذه المقولة، لأنه ألا ينبغي أن يعيش الناس من أجل سمعتهم؟ فبحسب المقولة: "الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت". تبدو هذه المقولة إيجابية ومشروعة للغاية، لذا فإنك تتقبل تأثيرها التكييفي دون وعي وتعتبرها أمرًا إيجابيًا. بمجرد اعتبارك هذه المقولة كأمر إيجابي، فأنت تتبعها وتطبقها دون وعي. في الوقت نفسه، أنت تسيء فهمها دون وعي وبصورة مشوشة على أنها الحق ومعيارًا للحق. عندما تعتبرها معيارًا للحق، فأنت لم تعد تستمع إلى ما يقوله الله، ولم تعد تفهمه. أنت تمارس هذا الشعار: "الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت" بشكل أعمى وتتصرف وفقًا له، وما تحصل عليه من ذلك في النهاية هو السمعة الطيبة. لقد ربحت ما أردت، لكنك عندما فعلت ذلك خالفت الحق وتخليت عنه، وخسرت فرصة الخلاص. وبما أن هذه هي العاقبة النهائية، يجب عليك أن تتخلى عن فكرة أن "الإنسان يترك اسمه ورائه أينما كان مثلما تصيح الإوزة أينما حلقت"، التي كيّفتك عليها عائلتك، وأن تنبذها. إنها ليست شيئًا يجب أن تتمسك به، ولا هي مقولة أو فكرة يجب أن تنفق جهدك وطاقتك طوال الحياة في سبيل تطبيقها. هذه الفكرة ووجهة النظر التي غُرِسَت فيك وكُيِّفت عليها خاطئة، لذا يجب عليك التخلي عنها. والسبب في أنه يجب عليك التخلي عنها لا يقتصر فقط على أنها ليست الحق، بل لأنها ستضللك وستودي بك في النهاية إلى الهلاك، لذا فإن العواقب وخيمة للغاية. بالنسبة إليك، فهي ليست مجرد مقولة بسيطة، بل سرطان – وسيلة وطريقة تفسدان الناس. لأنه في كلام الله، من بين كل متطلباته للناس، لم يطلب منهم أبدًا أن يسعوا وراء السمعة الحسنة، أو أن يسعوا وراء الهيبة، أو أن يتركوا انطباعًا جيدًا لدى الناس، أو أن يفوزوا باستحسان الناس، أو أن يحصلوا على إعجاب الناس، وهو لم يجعل الناس يعيشون من أجل الشهرة أو من أجل أن يتركوا وراءهم سمعة حسنة. إن الله لا يريد من الناس سوى أن يؤدوا واجبهم جيدًا وأن يخضعوا له وللحق. لذلك، بالنسبة إليك، فإن هذه المقولة هي نوع من التكييف من عائلتك يجب أن تتخلى عنه.

هناك تأثير تكييفي آخر تمارسه عائلتك عليك. على سبيل المثال، عندما يشجعك الوالدان أو كبار العائلة، غالبًا ما يقولون لك: "يجب أن تتحمل معاناة كبيرة للوصول إلى القمة". إن هدفهم من قولهم هذا هو تعليمك أن تتحمل المعاناة، وأن تكون مجتهدًا ومثابرًا، وألا تخشى المعاناة في كل ما تفعله، لأن أولئك الذين يتحملون المعاناة ويقاومون المشقة ويعملون بجد ويمتلكون روحًا قتالية هم وحدهم الذين يستطيعون أن يصلوا إلى القمة. ماذا يعني "الوصول إلى القمة"؟ إنه يعني عدم التعرض للتنمر عليك أو احتقارك أو التمييز ضدك، ويعني أن يكون لك هيبة ومكانة عالية بين الناس، وأن يكون لك سلطة التحدث وأن تُسمع، وسلطة اتخاذ القرارات، ويعني أن تكون قادرًا على أن تعيش حياة أفضل وأعلى جودة بين الآخرين، وأن ينظر الناس إليك بتوقير، ويعجبوا بك، ويحسدوك. وهذا جوهريًا أنك في الطبقة العليا من الجنس البشري بأكمله. ماذا تعني "الطبقة العليا"؟ يعني أن هناك الكثير من الناس تحت قدميك وأنك لست بحاجة إلى تحمل أي سوء معاملة منهم؛ هذا هو "الوصول إلى القمة". من أجل أن تصل إلى القمة، عليك أن "تتحمل معاناة كبيرة"، وهو ما يعني أنك يجب أن تكون قادرًا على تحمل معاناة لا يستطيع الآخرون تحملها. لذا قبل أن تتمكن من الوصول إلى القمة، يجب أن تكون قادرًا على تحمل نظرات الناس المزدرية، وسخريتهم، وتهكمهم، وافترائهم، وكذلك عدم فهم الآخرين لك، وحتى احتقارهم، وما إلى ذلك. إضافة إلى المعاناة الجسدية، يجب أن تكون قادرًا على تحمل سخرية الرأي العام واستهزائه بك. لا يمكنك أن تبرز بين الناس سوى بتعلمك أن تكون من هذا النوع من الأشخاص، وبأن تربح لنفسك مكانة في المجتمع. الهدف من هذه المقولة هو أن يصبح الناس متبوعين لا تابعين، لأن كونك تابعًا أمر صعب للغاية؛ عليك أن تتحمل سوء المعاملة، وتشعر بأنك عديم الفائدة، ولا كرامة لك ولا ماء وجه. هذا أيضًا تأثير تكييفي تمارسه عائلتك عليك، بهدف التصرف بما يخدم مصالحك. تقوم أسرتك بذلك حتى لا تُضطر أنت إلى تحمل سوء المعاملة من الآخرين، وحتى تكون لك شهرة وسلطة، وحتى تأكل جيدًا وتستمتع، وحتى لا يجرؤ أحد على التنمر عليك أينما ذهبت، بل يمكنك أن تتصرف كطاغية وتتخذ القرارات، فيخضع لك الجميع وينحنون لك. من ناحية، أنت تسعى إلى أن تكون في مرتبة أعلى من أجل مصلحتك، ومن ناحية أخرى، فإنك تفعل ذلك أيضًا لتعزيز المكانة الاجتماعية للعائلة وجلب الشرف لأسلافك، حتى يستفيد والداك وأفراد عائلتك أيضًا من علاقتهم بك ولا يعانون من سوء المعاملة. إذا كنت قد تحملت معاناة كبيرة ووصلت إلى القمة بأن أصبحت مسؤولاً رفيع المستوى لديك سيارة فارهة ومنزل فخم وحاشية من الناس تحوم حولك، فإنَّ عائلتك ستستفيد بالمثل من الارتباط بك، وسيتمكن أفراد عائلتك أيضًا من قيادة سيارات فارهة وتناول الطعام الجيد والعيش في رفاهية. ستتمكن من تناول أغلى الأطعمة الشهية إذا أردت، وستتمكن من الذهاب إلى أي مكان تريده، وسيكون الجميع تحت تصرفك، وستفعل ما يحلو لك، وستعيش بعناد وغطرسة دون الحاجة إلى التواري عن الأنظار أو العيش ذليلًا، وأن تفعل ما تشاء، حتى لو كان فوق القانون، وأن تعيش بجرأة وتهور، هذا هو هدف عائلتك من تكييفك بهذه الطريقة، لمنعك من أن تُظلم، ولجعلك تصل إلى القمة. وبعبارة صريحة، هدفهم هو أن يجعلوك شخصًا يقود الآخرين ويوجههم ويأمرهم، وأن يجعلوك شخصًا يستطيع التنمر على الآخرين لكنه لا يكون أبدًا المتلقي، وأن يجعلوك شخصًا يصل إلى القمة، وليس شخصًا يُقاد. أليس هذا هو الحال؟ (بلى). هل يفيدك هذا التأثير التكييفي من عائلتك؟ (كلا). لماذا تقول إنه لا يفيدك؟ إذا علَّمت كل أسرة الجيل القادم بهذه الطريقة، فهل سيزيد ذلك من الصراع الاجتماعي ويجعل المجتمع أكثر تنافسية وظلماً؟ سيرغب الجميع في أن يكونوا في القمة، ولن يرغب أحد في أن يكون في القاع، أو أن يكون شخصًا عاديًا، بل سيرغب الجميع في أن يكون الشخص الذي يحكم الآخرين ويتنمر عليهم. هل تعتقد أن المجتمع سيظل صالحًا إذا كان هذا هو الحال؟ من الواضح أن المجتمع لن يكون موجهًا في اتجاه إيجابي، ولن يؤدي ذلك إلا إلى زيادة حدة الصراعات المجتمعية، وزيادة التنافس بين الناس، وتفاقم الخلافات بينهم. خذ المدرسة على سبيل المثال. يحاول الطلاب أن يتفوقوا بعضهم على بعض، من خلال بذل جهد كبير في الاستذكار عندما لا يكون ثمة أحد حولهم، ولكن عندما يلتقون يقولون: "أواه، لم أستذكر في عطلة نهاية الأسبوع الماضي كذلك، بل ذهبت إلى مكان رائع واستمتعت طوال اليوم. إلى أين ذهبت"؟ فيرد شخص آخر: "لقد نمت طوال عطلة نهاية الأسبوع ولم أستذكر أيضًا". في الواقع كلاهما يعلم تمامًا أن الآخر قضى كل عطلة نهاية الأسبوع في الاستذكار إلى حد الإرهاق، لكن لا يعترف أي منهما بأنه استذكر أو بذل جهدًا كبيرًا بينما لم يكن يراه أحد، لأن كل واحد يريد الوصول إلى القمة، ولا يريد أن يتفوق عليه أحد. يقولان إنهما لم يكونا يستذكران، لأنهما لا يريدان أن يعرف الآخرون أنهما في الحقيقة كانا يستذكران. ما فائدة الكذب بهذه الطريقة؟ أنت تستذكر من أجل مصلحتك الشخصية، وليس من أجل الآخرين. إذا كان بإمكانك الكذب في مثل هذه السن المبكرة، فهل يمكنك السير في الطريق الصحيح بعد دخولك المجتمع؟ (كلا). الدخول إلى المجتمع ينطوي على مصالح شخصية ومال ومكانة، لذا لن تزداد المنافسة إلا شراسة. لن يتوقف الناس عند أي شيء، وسيستخدمون كل الوسائل المتاحة لهم من أجل تحقيق أهدافهم. سيكونون مستعدين للقيام بكل ما يلزم لتحقيق أهدافهم وبأي ثمن، وقادرين على ذلك، حتى لو كان ذلك يعني تحمل الإذلال للوصول إلى هدفهم. إذا استمرت الأمور على هذا المنوال، فكيف يمكن للمجتمع أن يصبح جيدًا؟ إذا فعل الجميع ذلك، فكيف يمكن للجنس البشري أن يصبح جيدًا؟ (لن يمكنه ذلك). تأتي جذور جميع أنواع الأعراف الاجتماعية غير السليمة والاتجاهات الشريرة من التكييف الذي تمارسه العائلة على الناس. ما الذي يطلبه الله في هذا الصدد إذًا؟ هل يطلب الله من الناس أن يكونوا في القمة وألا يكونوا متوسطين أو رتيبين أو غير مميزين أو عاديين، بل أن يكونوا عظماء ومشهورين وسامين؟ هل هذا هو ما يطلبه الله من الناس؟ (كلا). من الواضح جدًا أن المقولة التي كيفتك عائلتك عليها – "يجب أن تتحمل معاناة كبيرة للوصول إلى القمة" – لا ترشدك في اتجاه إيجابي، وبالطبع لا صلة لها بالحق أيضًا. إن أهداف عائلتك من جعلك تتحمل المعاناة ليست بريئة إطلاقًا، وترتكز على تدبير المكائد، وهي أهداف دنيئة وخسيسة جدًا. يجعل الله الناس يتحملون المعاناة لأن لديهم شخصيات فاسدة. إذا رغب الناس في أن يتطهروا من شخصياتهم الفاسدة، فعليهم أن يتحملوا المعاناة؛ هذه حقيقة موضوعية. إضافةً إلى ذلك، يطلب الله من الناس أن يتحملوا المعاناة: هذا ما ينبغي للكائن المخلوق أن يفعله، وهو أيضًا ما يجب أن يتحمله الشخص الطبيعي، والموقف الذي يجب أن يتحلى به الشخص الطبيعي. رغم ذلك، لا يطلب الله منك أن تكون في القمة، بل يطلب منك فقط أن تكون شخصًا عاديًا طبيعيًا يفهم الحق، ويستمع إلى كلامه، ويخضع له، وهذا كل شيء. لا يطلب الله منك أبدًا أن تفاجئه، أو أن تفعل أي شيء يزلزل الأرض، ولا يحتاج منك أن تكون مشهورًا أو شخصًا عظيمًا. إنه يحتاج منك فقط إلى أن تكون شخصًا عاديًا وطبيعيًا وحقيقيًا، وبغض النظر عن مقدار المعاناة التي يمكنك تحملها، أو ما إذا كنت تستطيع تحمل المعاناة على الإطلاق، إذا كنت قادرًا في النهاية على أن تتقي الله وتحيد عن الشر، فهذا أفضل شخص يمكن أن تكونه. ما يريده الله ليس أن تكون في القمة، بل أن تكون كائنًا مخلوقًا حقيقيًا، شخصًا يستطيع أن يؤدي واجب الكائن المخلوق. هذا الشخص هو شخص عادي وغير ملحوظ، شخص يتمتع بإنسانية وضمير وعقل طبيعيين، وليس شخصًا ساميًا أو عظيمًا في نظر غير المؤمنين أو البشر الفاسدين. لقد قدمنا الشركة كثيرًا حول هذا الجانب من قبل، لذا لن نناقشه أكثر من ذلك الآن. من الواضح أن هذه المقولة "يجب أن تتحمل معاناة كبيرة للوصول إلى القمة" هي شيء يجب أن تتخلى عنه. ما هو تحديدًا الشيء الذي يجب أن تتخلى عنه؟ إنه الاتجاه الذي كيفتك عائلتك على السعي إليه. أي إنه يجب عليك تغيير اتجاه سعيك. لا تفعل أي شيء لمجرد أن تكون على القمة، أو أن تبرز من بين الحشود وأن تكون جديرًا بالملاحظة أو أن تكون موضع إعجاب الآخرين، بل يجب عوضًا عن ذلك أن تتخلى عن هذه المقاصد والأهداف والدوافع، وأن تفعل كل شيء بطريقة واقعية من أجل أن تكون كائنًا مخلوقًا حقيقيًا. ماذا أعني بـ "بطريقة واقعية"؟ المبدأ الأساسي هو أن تفعل كل شيء وفقًا للطرق والمبادئ التي علَّمها الله للناس. لنفترض أن ما تفعله لا يبهر الجميع أو يثير إعجابهم، أو حتى لا يمتدحه أو يقدِّره أحد. رغم ذلك، إذا كان هذا أمر يتعين عليك القيام به، فعليك المثابرة والاستمرار فيه، وأن تعامله على أنه واجب يجب أن يؤديه الكائن المخلوق. إذا فعلت ذلك، فستكون كائنًا مخلوقًا مقبولًا في عينيِّ الله؛ الأمر بهذه البساطة. ما تحتاج إلى تغييره هو سعيك فيما يتعلق بتصرفك ونظرتك إلى الحياة.

تكيفك الأسرة وتؤثر فيك بطرق أخرى، على سبيل المثال بمقولة: "التناغم كنز والصبر ذكاء". غالبًا ما يعلمك أفراد العائلة: "كن لطيفًا ولا تجادل الآخرين ولا تخلق لك أعداءً، لأنك إذا خلقت الكثير من الأعداء، فلن تتمكن من الحصول على موطئ قدم في المجتمع، وإذا كان من يكرهونك ويتربصون بك كُثُر، فلن تكون آمنًا في المجتمع. ستكون دائمًا مهددًا، وسيتعرض بقاؤك، ومكانتك، وعائلتك، وسلامتك الشخصية، وحتى فرص ترقيتك المهنية للخطر وعرقلة الناس الأشرار لها. لذا يجب أن تتعلم أنَّ "التناغم كنز والصبر ذكاء". كن لطيفًا مع الجميع، ولا تفسد العلاقات الجيدة، ولا تقل شيئًا لا يمكنك التراجع عنه لاحقًا، وتجنب أن تجرح كبرياء الناس، ولا تفضح عيوبهم. تجنب قول الأشياء التي لا يرغب الناس في سماعها أو توقف عن ذلك. قدِّم المجاملات فحسب، لأنه لا يضير أبدًا أن تجامل شخصًا ما. يجب أن تتعلم أن تتحلى بالصبر والمساومة في الأمور الكبيرة والصغيرة على حد سواء، لأن "المساومة تجعل حل النزاع أسهل بكثير". فكر في الأمر، تغرس عائلتك فيك فكرتين ووجهتي نظر في آن واحد. فمن ناحية، يقولون لك أن تكون لطيفًا مع الآخرين؛ ومن ناحية أخرى، يقولون لك أن تكون صبورًا ولا تتكلم في غير دورك، وإذا كان لديك ما تريد قوله، فعليك أن تغلق فمك حتى تصل إلى المنزل ثم تخبر أسرتك. أو الأفضل ألا تخبر أسرتك على الإطلاق، لأن الجدران لها آذان؛ إذا تسرَّب السر في أي وقت، فلن تسير الأمور على ما يرام بالنسبة إليك. لكسب موطئ قدم في هذا المجتمع والبقاء على قيد الحياة فيه، يجب أن يتعلم الناس شيئًا واحدًا، وهو أن يظلوا على الحياد من الجميع، أي بكلمات سهلة، يجب أن تكون مراوغًا وماكرًا. لا يمكنك أن تقول ما يدور في ذهنك فحسب. إذا مضيت قدمًا وقلت ما يدور في ذهنك، فهذا يسمى غباءً، ولا يسمى ذكاءً. بعض الناس لا يمكن توقع تصرفاتهم ويقولون ما يريدون أيًا كان. تخيل شخصًا يفعل ذلك وينتهي به الأمر بالإساءة إلى رئيسه. حينئذٍ، ينغص عليه رئيسه حياته، ويلغي علاوته، ويسعى دائمًا إلى افتعال شجار معه. وفي نهاية الأمر، لا يعود قادرًا على تحمل البقاء في الوظيفة. وإذا استقال من وظيفته، فليس لديه وسيلة أخرى لكسب العيش. لكن إذا لم يستقل، فليس بوسعه سوى البقاء في وظيفة لم يعد يتحمل القيام بها. ماذا يُسمى ذلك، عندما تكون بين المطرقة والسندان؟ "عالق"، أو في مأزق. حينئذٍ توبخه عائلته قائلة: "أنت تستحق أن تُساء معاملتك، كان عليك أن تتذكر أنَّ "التناغم كنز والصبر ذكاء"! أنت تستحق هذا لأنك شخص لا يمكن توقع تصرفاته وكلامك كثير! لقد أخبرناك أن تكون لبقًا وتفكر مليًا بشأن ما تقوله، لكنك لم ترغب في ذلك، بل كان لزامًا عليك أن تكون مباشرًا. هل كنت تعتقد أن رئيسك في العمل من السهل العبث معه؟ هل كنت تعتقد أن النجاة في المجتمع بهذه السهولة؟ أنت تتصور دائمًا أنك صريح فحسب. حسنًا، عليك الآن أن تحصد العواقب المؤلمة. فليكن هذا درساً لك! من الأفضل لك مستقبلًا أن تتذكر مقولة: "التناغم كنز والصبر ذكاء"! وبمجرد أن يتعلم هذا الدرس، يتذكره ويفكِّر: "لقد كان والداي محقين فعلًا في تعليمي. هذا شيء من الرؤية الثاقبة للاختبار الحياتي، وهي حكمة حقيقية لا يمكنني الاستمرار في تجاهلها. تجاهلي لمن هم أكبر سنًا يضر بي، لذا سأتذكر ذلك في المستقبل". بعد أن أصبح مؤمنًا بالله وانضم إلى بيت الله، لا يزال يتذكر هذه المقولة: "التناغم كنز والصبر ذكاء"، ولذا فهو يحيّي إخوته وأخواته متى رآهم، ويبذل قصارى جهده للتحدث إليهم بكلمات لطيفة. يقول القائد: "أتولى القيادة منذ فترة، لكنني لا أملك خبرة كافية في العمل"، فيتدخل في الكلام ويقول مجاملًا له: "أنت تقوم بعمل رائع. لولا قيادتك لنا لشعرنا أنه ليس لدينا مكان نلجأ إليه". يقول شخص آخر: "لقد ربحت فهمًا لنفسي، وأعتقد أنني مخادع للغاية". فيرد قائلًا: "لست مخادعًا، بل أنت صادق للغاية، أنا المخادع". يوجه له شخص آخر ملاحظة بذيئة، فيفكر في نفسه: "لا داعي للخوف من الملاحظات البذيئة كهذه، يمكنني تحمل ما هو أسوأ من ذلك بكثير. مهما وصل مدى سوء ملاحظاتك، سأتظاهر فحسب بأنني لم أسمعها، وسأستمر في مجاملتك، وسأحاول قدر المستطاع أن أتودد إليك، لأنه لن يضيرني أبدًا أن أجاملك". ومتى ما طلب منه أحد أن يدلي برأيه أو يبوح بما في قلبه في أثناء الشركة، لا يتحدث بصراحة، ويحافظ على هذه الواجهة المبتهجة والمرحة أمام الجميع. يسأله أحدهم: "كيف تكون دائمًا بهذا الابتهاج والمرح؟ هل أنت نمر مبتسم حقًا؟ فيفكر في نفسه: "إنني نمر مبتسم منذ سنوات، وخلال كل هذا الوقت لم يستغلني أحد قط، لذلك أصبح هذا مبدئي الأَولى في التعامل مع العالم". أليس كالحجر الزلق؟ (بلى). لقد انجرف بعض الناس في المجتمع على هذا النحو لسنوات عديدة، ولا يزالون يفعلون ذلك بعد أن انضموا إلى بيت الله. إنهم لا يقولون كلمة واحدة صادقة، ولا يتحدثون أبدًا من القلب، ولا يتحدثون عن فهمهم الخاص لأنفسهم. حتى عندما يبوح لهم أخ أو أخت بما في قلبه، فإنهم لا يتحدثون بصراحة، ولا يمكن لأحد أن يعرف ما يجول في أذهانهم حقًا. إنهم لا يكشفون أبدًا عما يفكرون فيه أو ما هي آراؤهم، فهم يحافظون على علاقات جيدة حقًا مع الجميع، ولا تعرف ما نوع الناس أو الشخصيات الذي يحبونه فعليًا، أو ما يفكرون فيه فعليًا تجاه الآخرين. إذا سألهم أي شخص عن أي نوع من الأشخاص فلان، فإنهم يجيبون: "إنه مؤمن منذ أكثر من عشر سنوات، وهو لا بأس به". أيًا كان من تسألهم عنه، سيجيبون بأن هذا الشخص لا بأس به أو جيد جدًا. إذا سألهم شخص ما: "هل اكتشفت أي عيوب أو نقائص فيه؟"، فسيجيبون قائلين: "لم أجد أيًا منها حتى الآن، سأراقبه عن كثب في المستقبل"، لكنهم في قرارة أنفسهم يفكرون: "أنت تطلب مني أن أسيء إلى هذا الشخص، وهو ما لن أفعله بالتأكيد! إذا أخبرتك بالحقيقة واكتشف هو الأمر، ألن يصبح عدوي؟ لطالما أخبرتني عائلتي بألا أتخذ أعداءً لي، ولم أنسَ كلماتهم. هل تعتقد أنني غبي؟ هل تظن أنني سأنسى ما تلقيته من تعليم وتكييف من عائلتي لمجرد أنك قدمت لي شركة من جملتين حول الحق؟ هذا لن يحدث! حتى الآن، لم تخذلني هاتان المقولتان: "التناغم كنز والصبر ذكاء" و "المساومة تجعل حل النزاع أسهل بكثير"، وهما تعويذتيَّ. لا أتحدث عن عيوب أي شخص، وإذا استفزني أحدٌ ما فإنني أظهر له الصبر. ألم تر هذا الحرف المطبوع على جبيني؟ إنه الرمز الصيني المقابل لـ "الصبر"، والذي يتكون من رسم سكين فوق رسم قلب. أُظهر الصبر لكل من يقول ملاحظات بذيئة. أُظهر الصبر لمن يهذبني. هدفي هو أن أبقى على علاقة طيبة مع الجميع، وأن أحافظ على العلاقات في هذا المستوى. لا تتمسك بالمبادئ، لا تكن غبيًا، لا تكن غير مرن، يجب أن تتعلم أن تذعن بحسب الظروف! لماذا في رأيك تعيش السلاحف لفترة طويلة؟ ذلك لأنها تختبئ داخل قوقعتها متى اشتدت عليها الظروف، أليس كذلك؟ بهذه الطريقة يمكنها حماية نفسها والعيش لآلاف السنين. هكذا تعيش طويلًا، وهكذا تتعامل مع العالم". أنت لا تسمع مثل هؤلاء الناس ينطقون بأي شيء صادق أو حقيقي، ولا يكشفون أبدًا عن وجهات نظرهم الحقيقية وأساس تصرفهم. إنهم يفكرون فقط في هذه الأشياء ويتأملونها في قلوبهم، لكن لا أحد غيرهم يعرف بها. هذا النوع من الأشخاص لطيف في الظاهر مع الجميع، ويبدو حسن الخلق، ولا يؤذي أو يضر أحدًا. لكن في الواقع، هو يظل على الحياد من الجميع وهو حجر زلق. هذا النوع من الأشخاص محبوب دائمًا من بعض الناس في الكنيسة، لأنه لا يرتكب أخطاءً كبيرة أبدًا، ولا يفصح عن نفسه أبدًا، وتقييم قادة الكنيسة والإخوة والأخوات له هو أنه على وفاق مع الجميع. إنه فاتر في أداء واجبه، ولا يفعل سوى ما يُطلب منه فحسب. إنه مطيع ومهذب بشكل خاص، ولا يؤذي الآخرين أبدًا في الحديث أو عند التعامل مع الأمور، ولا يستغل أحدًا أبدًا. لا يتحدث أبدًا عن الآخرين بسوء، ولا يحكم على الناس من وراء ظهورهم. ومع ذلك، لا أحد يعرف ما إذا كان مخلصًا في أداء واجبه، ولا أحد يعرف ما يظنه بشأن الآخرين أو رأيه فيهم. بعد التفكير مليًا، أنت تشعر حتى أن هذا النوع من الأشخاص غريب بعض الشيء ويصعب فهمه، وأن الإبقاء عليه قد يؤدي إلى متاعب. ماذا ينبغي أن تفعل؟ إنه قرار صعب، أليس كذلك؟ عندما يؤدون واجبهم، يمكنك أن تراهم يمضون في أعمالهم لكنهم لا يهتمون أبدًا بالمبادئ التي أوصلها لهم بيت الله. إنهم يقومون بالأشياء كما يحلو لهم، ويؤدونها بشكل سطحي فحسب، ويحاولون فقط تجنب ارتكاب أي أخطاء كبيرة. وبالتالي، لا يمكنك إيجاد خطأ فيهم، أو تحديد أي عيوب بهم. إنهم يقومون بالأشياء بشكل لا تشوبه شائبة، ولكن بم يفكرون في داخلهم؟ هل يريدون أداء واجبهم؟ لو لم تكن هناك مراسيم إدارية كنسية، أو إشراف من قائد الكنيسة أو من إخوتهم وأخواتهم، فهل يمكن أن يخالط هذا الشخص أناسًا أشرارًا؟ هل يمكن أن يفعل أشياء سيئة ويرتكب الشر مع الناس الأشرار؟ هذا ممكن جدًا، وهو قادر على فعل ذلك، لكنه لم يفعل ذلك بعد. هذا النوع من الأشخاص هو النوع الأكثر إثارة للمتاعب، وهو خير نموذج للحجر الزلق أو الثعلب العجوز الماكر. إنهم لا يحملون ضغائن ضد أي شخص. إذا قال أحدهم شيئًا يجرحهم، أو كشف عن شخصية فاسدة تنتهك كرامتهم، فماذا يكون رأيهم؟ "سأظهر الصبر، ولن أحمل ضغينة ضدك، ولكن سيأتي يوم تجعل فيه من نفسك أضحوكة!" عندما يتم التعامل مع هذا الشخص حقًا أو يجعل من نفسه أضحوكةً، فإنه يضحك سرًا على ذلك. إنه يسخر بسهولة من الآخرين والقادة وبيت الله، لكنه لا يسخر من نفسه. إنه فقط لا يعرف ما المشكلات أو العيوب الموجودة لديه هو نفسه. يحرص مثل هؤلاء الأشخاص على عدم الكشف عن أي شيء من شأنه أن يؤذي الآخرين، أو أي شيء يمكِّن الآخرين من رؤية حقيقتهم، على الرغم من أنهم يفكرون في هذه الأشياء في قلوبهم. في حين أنه عندما يتعلق الأمر بالأشياء التي يمكن أن تخدِّر الآخرين أو تضللهم، فإنهم يعبرون عنها بحرية ويسمحون للناس برؤيتها. مثل هؤلاء الناس هم الأكثر خبثًا وصعوبة في التعامل معهم. فما هو الموقف الذي يتخذه بيت الله تجاه أمثال هؤلاء الناس؟ استخدامهم إذا كان بالإمكان استخدامهم، وإخراجهم إذا لم يكن ذلك بالإمكان؛ هذا هو المبدأ. لماذا؟ السبب هو أن أمثال هؤلاء الناس مقدر لهم ألا يسعوا إلى الحق. إنهم عديمو إيمان يسخرون من بيت الله ومن الإخوة والأخوات والقادة عندما تسوء الأمور. ما الدور الذي يلعبونه؟ هل هو دور الشيطان والأبالسة؟ (نعم). عندما يُظهرون الصبر تجاه إخوتهم وأخواتهم، فهذا لا يمثل تسامحًا حقيقياً ولا محبة حقيقية. إنهم يفعلون ذلك لحماية أنفسهم وتجنب خلق أي أعداء أو خطر لأنفسهم. إنهم لا يتسامحون مع إخوتهم وأخواتهم لحمايتهم، ولا يفعلون ذلك بدافع المحبة، وهم بالطبع لا يفعلون ذلك لأنهم يسعون إلى الحق ويمارسون وفقًا لمبادئ الحق. إن موقفهم هو كليًا موقف يتمحور حول الانجراف وتضليل الآخرين. مثل هؤلاء الناس يظلون على الحياد من الجميع وهم أحجار زلقة. إنهم لا يحبون الحق ولا يسعون إليه، وبدلاً من ذلك ينجرفون فحسب. من الواضح أن التكييف الذي يتلقاه مثل هؤلاء الأشخاص من عائلاتهم يؤثر بشكل كبير على الأساليب التي يتصرفون بها ويتعاملون بها مع الأشياء. بالطبع، لا بد من القول إن هذه الأساليب والمبادئ في التعامل مع العالم لا تنفصل عن جوهرهم الإنساني. وعلاوة على ذلك، فإن تأثيرات التكييف من عائلاتهم لا تعمل إلا على جعل تصرفاتهم بارزة وملموسة بدرجة أكبر، وتكشف عن جوهر طبيعتهم بشكل أكمل. لذلك، عندما يواجهون قضايا أساسية تتعلق بالصواب والخطأ، وفي الأمور التي لها تأثير على مصالح بيت الله، إذا استطاع هؤلاء الناس أن يتخذوا بعض الخيارات المناسبة ويتخلوا عن فلسفات التعاملات الدنيوية التي يضمرونها في قلوبهم من قبيل: "التناغم كنز والصبر ذكاء"، من أجل الحفاظ على مصالح بيت الله وتقليل تعدياتهم وتقليل أفعالهم الشريرة أمام الله؛ فكيف سينفعهم ذلك؟ على أقل تقدير، عندما يحدد الله عاقبة كل شخص في المستقبل، سيخفف ذلك من عقابهم ويقلل من تأنيب الله لهم. من خلال الممارسة بهذه الطريقة، ليس لدى هؤلاء الناس شيء يخسرونه ويربحون كل شيء، أليس كذلك؟ إذا أُجبروا على التخلي تمامًا عن فلسفاتهم للتعاملات الدنيوية، فلن يكون الأمر سهلًا عليهم، لأن الأمر يتعلق بجوهر إنسانيتهم، وهؤلاء الأحجار الزلقة الذين يظلون على الحياد من الجميع لا يقبلون الحق على الإطلاق. ليس من البسيط والسهل عليهم أن يتخلوا عن الفلسفات الشيطانية التي كيّفتهم عليها عائلاتهم، لأنهم – حتى لو نحينا جانبًا تأثيرات التكييف هذه من عائلاتهم – هم أنفسهم مؤمنون مهووسون بالفلسفات الشيطانية، ويحبون هذا النهج في التعامل مع العالم، وهو نهج فردي وذاتي للغاية. ولكن إذا كان هؤلاء الأشخاص أذكياء، إذا تخلوا عن بعض هذه الممارسات للدفاع عن مصالح بيت الله بشكل مناسب، ما دامت مصالحهم الخاصة غير مهددة أو متضررة، فهذا في الواقع أمر جيد بالنسبة إليهم، لأنه على أقل تقدير يمكن أن يخفف من ذنبهم، ويقلل من تأنيب الله لهم، بل يمكن حتى أن يقلب الوضع، بحيث إنَّ الله يكافئهم ويتذكرهم بدلاً من أن يؤنبهم. كم سيكون ذلك رائعًا! ألن يكون هذا شيئًا جيدًا؟ (بلى). بهذا نختتم شركتنا حول هذا الجانب.

كيف كيفتك عائلتك أيضًا؟ على سبيل المثال، غالبًا ما يقول لك والداك: "إذا كنت ثرثارًا وتتحدث بتهور، فإنَّ ذلك سيوقعك في المتاعب عاجلًا أم آجلًا! عليك أن تتذكر أن "من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا"! ماذا يعني هذا؟ إنه يعني أنك إذا تكلمت كثيرًا، فسينتهي بك الأمر حتمًا إلى إحراج نفسك. لا تتكلم بتسرع مهما كانت المناسبة، وانتبه لما يقوله الآخرون أولًا قبل أن تتفوه أنت بأي شيء. ستكون على ما يرام إذا سايرت الأغلبية. لكن إذا حاولت دائمًا أن تبرز وتحدثت دائمًا بتسرع وكشفت عن وجهة نظرك دون معرفة ما يفكر فيه رئيسك أو مديرك أو كل من حولك، فسيضايقك رئيسك أو مديرك إن اتضح أنه لا يفكر بنفس طريقتك. هل يمكن أن يأتي من ذلك أي خير؟ يجب أن تكون حذرًا في المستقبل أيها الطفل السخيف. من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا. فقط تذكر ذلك، ولا تتهور في الكلام! الأفواه للأكل والتنفس، وللتحدث إلى رؤسائك بكلام معسول، ومحاولة إرضاء الآخرين، وليست لقول الحق. يجب أن تختار كلماتك بحكمة، ويجب أن تستخدم الحيل والأساليب، ويجب أن تستخدم عقلك. ابتلع الكلمات قبل أن تخرج من فمك مباشرة، وراجعها مرارًا وتكرارًا في ذهنك، وانتظر حتى يحين الوقت المناسب أن تقولها. ما تقوله فعليًا يجب أن يعتمد أيضًا على الموقف. إذا بدأت في مشاركة رأيك، لكنك لاحظت بعد ذلك أن الناس لا يتقبلونه، أو أن رد فعلهم ليس جيدًا، فتوقف عند هذا الحد وفكر في كيفية قوله بطريقة تجعل الجميع سعداء قبل أن تكمل. هذا ما سيفعله الشاب الذكي. إذا فعلت ذلك، فستبتعد عن المتاعب وسيحبك الجميع. وإذا أحبك الجميع، ألن يكون ذلك في صالحك؟ ألن يخلق لك ذلك المزيد من الفرص في المستقبل؟ إن أسرتك لا تكيفك فحسب بإخبارك كيف تكتسب سمعة طيبة، وكيف تصل إلى القمة، وكيف تؤسس موطئ قدم راسخ لك بين الآخرين، بل تكيفك أيضًا بكيف تخدع الآخرين من خلال المظاهر الخارجية وألا تقول الحق، فضلًا عن أن تفصح عن كل ما يدور في ذهنك. بعض الأشخاص الذين باءوا بفشل بعد قول الحق يتذكرون قول عائلتهم لهم: "من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا"، ويستخلصون منه درسًا. وبعد ذلك يصبحون أكثر استعدادًا لممارسة هذه المقولة ويجعلونها شعارًا لهم. وثمة أناس آخرون لم يبوؤوا بفشل، لكنهم يتقبلون تكييف عائلتهم في هذا الصدد بجدية، ويطبقون هذه المقولة باستمرار مهما كانت المناسبة. وكلما زاد تطبيقهم لها شعروا بأن "والديَّ وأجدادي يحسنون معاملتي، وكلهم مخلصون لي ويريدون الأفضل لي. أنا محظوظ جدًا لأنهم قالوا لي هذا المقولة: "من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا"، وإلا كنت سأبوء بالفشل كثيرًا بسبب ثرثرتي، وكان الكثير من الناس سيضايقونني أو يرمقونني بنظرات ازدراء أو يسخرون مني ويستهزئون بي. هذه المقولة مفيدة ونافعة جدًا!". إنهم يكتسبون قدرًا كبيرًا من الفوائد الملموسة من تطبيق هذه المقولة. وبالطبع، عندما يأتون بعد ذلك أمام الله، فإنهم يظلون يعتقدون أن هذه المقولة شيء مفيد ونافع للغاية. متى قدم أحد الإخوة أو الأخوات الشركة بصراحة عن حالته أو فساده أو خبرته ومعرفته الشخصية، يريدون هم أيضًا بالطبع تقديم شركة وأن يكونوا أشخاصًا صريحين ومنفتحين، وهم أيضًا يريدون بالطبع أن يتحدثوا بصدق عما يعتقدونه أو يعرفونه في قلوبهم، حتى يخففوا مؤقتًا من حالتهم الذهنية التي كانت مكبوتة لسنوات عديدة، أو لينالوا قدرًا من الحرية والعتق. لكن حالما يتذكروا ما يظل الآباء يرددونه على مسامعهم، أي: "من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا. لا تتهور في كلامك، وكن مستمعًا لا متكلمًا، وتعلم الاستماع إلى الآخرين"، فإنهم يحجمون عن قول كل ما يريدون قوله. وعندما ينتهي الآخرون من الكلام، لا يقولون شيئًا وبدلًا من ذلك يفكرون في قرارة أنفسهم: "هذا رائع، من الجيد أنني لم أقل شيئًا هذه المرة، لأنني حالما كنت سأقول ما لديَّ ربما كوَّن الجميع آراءً عني، وربما كنت لأخسر شيئًا ما. من الرائع ألا أقول شيئًا، ربما بهذه الطريقة سيظل الجميع يعتقدون أنني شخص صادق ولست شديد الخداع، بل مجرد شخص قليل الكلام بطبيعتي، وبالتالي لست شخصًا يدبر المكائد، أو شخصًا فاسدًا جدًا، وبالأخص لست شخصًا لديه مفاهيم عن الله، بل شخصًا بسيطًا ومنفتحًا. ليس أمرًا سيئًا أن يكون هذا هو رأي الناس فيّ، فلماذا ينبغي أن أقول أي شيء؟ أنا في الواقع أرى بعض النتائج من خلال التمسك بمقولة: "من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا"، لذلك سأستمر في التصرف على هذا النحو. يمنحهم الالتزام بهذه المقولة شعورًا جميلًا ومجزيًا، ومن ثمَّ يظلون صامتين مرة ومرتين وهكذا إلى أن يأتي يوم، عندما يكون لديهم الكثير من الكلمات المكبوتة في داخلهم ويريدون أن يصارحوا إخوتهم وأخواتهم بها، لكنهم يشعرون أن فمهم مغلق ومربوط بإحكام، ولا يستطيعون إخراج جملة واحدة. وبما أنهم لا يستطيعون إخبار إخوتهم وأخواتهم، فإنهم يقررون أن يحاولوا التحدث إلى الله عوضًا عن ذلك، فيركعون أمامه ويقولون: "يا الله، لدي شيء أريد أن أقوله لك. أنا...". لكن على الرغم من أنهم فكروا في الأمر مليًا في قلوبهم، لا يعرفون كيف يقولونه، ولا يستطيعون التعبير عنه، وكأن البكم أصابهم حقًا. إنهم لا يعرفون كيف يختارون الكلمات المناسبة أو حتى كيف يكوِّنون جملة. السنوات العديدة من المشاعر المكبوتة تجعلهم يشعرون بأنهم مخنوقون تمامًا، وأنهم يعيشون حياة مظلمة ودنيئة، وعندما يعقدون العزم على أن يقولوا لله ما في قلوبهم ويفرغوا ما في صدورهم من مشاعر، لا يجدون الكلمات ولا يعرفون من أين يبدؤون أو كيف يقولونه. أليسوا تعساء؟ (بلى، هم كذلك). لماذا إذن ليس لديهم ما يقولونه لله؟ إنهم يقدمون أنفسهم فحسب. إنهم يريدون أن يخبروا الله بما في قلوبهم، لكنهم لا يجدون الكلمات، وفي النهاية كل ما يخرج منهم هو: "يا الله، أرجوك امنحني الكلمات التي يجب أن أقولها!" فيرد الله: "يتعين عليك أن تقول الكثير، لكنك لا تريد أن تقوله، ولا تقوله عندما تتاح لك الفرصة، لذلك سأسترد كل ما أعطيتك إياه. لن أعطيك إياه، فأنت لا تستحقه". حينئذٍ فقط يشعرون أنهم خسروا الكثير خلال السنوات الماضية. على الرغم من أنهم يشعرون أنهم عاشوا حياة كريمة جدًا، وحموا أنفسهم جيدًا، وصانوا أنفسهم تمامًا، عندما يرون أن إخوتهم وأخواتهم كانوا يحققون مكاسب طوال هذا الوقت، وعندما يرون إخوتهم وأخواتهم يتحدثون عن خبراتهم دون أي تحرُّج ويصرحون بفسادهم، يدرك هؤلاء الناس أنهم لا يستطيعون أن يقولوا جملة واحدة، ولا يعرفون كيف يفعلون ذلك. إنهم يؤمنون بالله منذ سنوات عديدة، ويريدون أن يتحدثوا عن معرفة أنفسهم، وأن يناقشوا اختبارهم لكلام الله وانكشافهم له، وأن يحصلوا من الله على قدر من الاستنارة وشيء من النور، وأن يربحوا شيئًا. لكن لسوء الحظ، وأنهم كثيرًا ما يتشبثون بالرأي القائل بأن "من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا"، وغالبًا تقيدهم هذه الفكرة وتسيطر عليهم، فقد عاشوا من أجل هذه المقولة لسنوات عديدة، ولم يتلقوا من الله أي استنارة أو إضاءة، وهم ما يزالون فقراء ومثيرين للشفقة وخاويين الوفاض فيما يخص الدخول إلى الحياة. لقد مارسوا هذه المقولة والفكرة بشكل تام وأطاعوها بحذافيرها، لكن على الرغم من إيمانهم بالله لسنوات عديدة، لم يربحوا أي شيء من الحق، ولا يزالون فقراء وعميانًا. لقد أعطاهم الله أفواهًا، لكن ليس لديهم أي قدرة على الإطلاق على تقديم شركة حول الحق، ولا أي قدرة على التحدث عن مشاعرهم ومعرفتهم، فضلًا عن القدرة على التواصل مع إخوتهم وأخواتهم. والأمر الأكثر إثارة للشفقة هو أنهم لا يملكون حتى القدرة على التحدث إلى الله، وقد فقدوا تلك القدرة. أليسوا تعساء؟ (بلى، إنهم كذلك) تعساء ومثيرون للرثاء. ألا تكره الكلام؟ ألست قلقًا على الدوام من أنه من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا؟ إذن ينبغي ألا تتكلم أبدًا. أنت تكتم أفكارك التي في أعماق نفسك والتي أعطاك الله إياها، وتكبتها وتحبسها بعيدًا وتمنعها من الهرب. أنت تخاف باستمرار من فقدان ماء الوجه، وتخشى من الشعور بالتهديد، وتخاف من أن يرى الآخرون حقيقتك، وتخاف باستمرار من أنك لن تعود في أعين الآخرين شخصًا مثاليًا وصادقًا وصالحًا، لذلك تكتم نفسك، ولا تقول شيئًا عن أفكارك الحقيقية. وماذا يحدث في النهاية؟ تصبح أبكم بكل ما تحمله الكلمة من معنى. من الذي ألحق بك مثل هذا الأذى؟ في الأساس، ما أصابك بالأذى هو تكييف عائلتك لك، لكن من منظورك الشخصي، فذلك أيضًا لأنك تحب أن تعيش بفلسفات شيطانية، لذلك تختار أن تؤمن بأن تكييف عائلتك لك صحيح، ولا تؤمن بأن متطلبات الله منك إيجابية. لقد اخترت أن تعتبر التأثير التكييفي الذي تمارسه عائلتك عليك أمرًا إيجابيًا، وأن تعتبر أن كلام الله لك ومتطلباته منك وتزويده لك ومساعدته وتعليمه، أمور يجب عليك الحذر منها، بوصفها أمور سلبية. لذلك، مهما كان ما أنعم الله عليك به في البداية كثيرًا، فبسبب حذرك ورفضك طوال هذه السنوات، ستكون النتيجة النهائية هي أن الله سيسترد كل شيء ولا يعطيك شيئًا، لأنك لا تستحق. لذا قبل أن يصل الأمر إلى ذلك، يجب عليك أن تتخلى عن التأثير التكييفي الذي تمارسه عائلتك عليك في هذا الصدد، ولا تقبل الفكرة الخاطئة القائل بأن "من يتكلم كثيرًا يخطئ كثيرًا". هذه المقولة تجعلك أكثر انغلاقًا وأكثر خبثًا وأكثر نفاقًا. إنها تتعارض تمامًا وتتناقض مع مطلب الله من الناس أن يكونوا صادقين، ومطالبته لهم بأن يكونوا صريحين ومنفتحين. يجب عليك كمؤمنٍ بالله وتابِعٍ لله أن تكون عازمًا تمامًا على السعي إلى الحق. وعندما تكون عازمًا تمامًا على السعي إلى الحق، يجب أن تكون عازمًا تمامًا على ترك ما تتخيل أنه تأثيرات تكييفية جيدة تمارسها عائلتك عليك؛ يجب ألا يكون هناك اختيار. مهما كانت التأثيرات التكييفية التي تمارسها عائلتك عليك، ومهما كانت جودتها أو فائدتها لك، ومهما كان مدى حمايتها لك، فهي تأتي من الناس والشيطان، ويجب عليك أن تتخلى عنها. على الرغم من أن كلام الله ومتطلباته من الناس قد تتعارض مع التأثيرات التكييفية لعائلتك، أو حتى تضر بمصالحك، وتجردك من حقوقك، وحتى لو كنت تعتقد أنها لا تحميك، بل تهدف إلى أن تكشفك وتجعلك تبدو أحمق، فلا يزال يتعين عليك أن تعتبرها أمورًا إيجابية، لأنها تأتي من الله، وهي الحق، ويجب عليك قبولها. إذا كان للأشياء التي كيفتك عائلتك عليها تأثير في تفكيرك وسلوكك ونظرتك للوجود والطريق الذي تسلكه، فعليك أن تتخلى عنها ولا تتمسك بها. ويجب عوضًا عن ذلك أن تستبدل بها الحقائق المقابلة لها من الله، وفي أثناء القيام بذلك، يجب عليك أيضًا أن تميز باستمرار المشكلات الكامنة في هذه الأشياء التي كيفتك عائلتك عليها وجوهرها وتتعرف عليها، ثم تتصرف وتمارس باتباع كلام الله بشكل أكثر دقة وعملية وصدقًا. قبول الأفكار والآراء التي تأتي من الله حول الأشخاص والأشياء ومبادئ الممارسة– هذه هي المسؤولية الواجبة على الكائن المخلوق، وما يجب أن يقوم به الكائن المخلوق، وهي أيضًا الفكرة والرأي الذي يجب أن يمتلكهما الكائن المخلوق.

إضافة إلى أنَّ الآباء في بعض الأسر يغرسون الأشياء التي يعتقد الناس أنها إيجابية ومفيدة لبقائهم وآفاقهم ومستقبلهم، فإنهم يغرسون أيضًا في أبنائهم بعض الأفكار والآراء المتطرفة والمشوهة نسبيًا. على سبيل المثال، يقول مثل هؤلاء الآباء: "خير لك أن تكون شريرًا حقيقيًا من نبيل زائف". تخبرك هذه المقولة كيف تتصرف. هذه المقولة: "خير لك أن تكون شريرًا حقيقيًا من نبيل زائف"، تجعلك تختار بين هذا أو ذاك. إنها تجعلك تختار بين أن تكون شريرًا حقيقيًا، أي أن تكون شريرًا علانيةً، بدلًا من أن تفعل ذلك من وراء ظهور الناس. وبهذه الطريقة، حتى لو اعتقد الناس أن الأشياء التي تفعلها ليست جيدة جدًا، فسيظلون معجبين بك ويستحسنونك. هذا يعني أنه مهما كانت الأشياء السيئة التي تفعلها، فيجب أن تفعلها أمام الناس، في العلن وبصراحة. بعض العائلات تكيّف أبناءها وتربيهم بهذه الطريقة. ليس الأمر فحسب أنهم لا يحتقرون أولئك الأشخاص الموجودين في المجتمع، الذين لديهم أفكار وسلوكيات دنيئة وحقيرة، بل إنهم يربون أبناءهم بإخبارهم: "لا تقلل من شأن هؤلاء الناس. في واقع الأمر، هم ليسوا بالضرورة أشخاصًا سيئين، بل قد يكونون أفضل من النبلاء الزائفين". إنهم من ناحية يخبرونك أي نوع من الأشخاص يجب أن تكونه، ومن ناحية أخرى، يخبرونك أيضًا كيف تميز الناس، وأي نوع من الناس تعتبره إيجابيًا، وأي نوع من الناس تعتبره سلبيًا، ويعلمونك كيف تميز الأشياء الإيجابية من الأشياء السلبية، ويعلمونك أيضًا كيف تتصرف، هذا هو نوع التعليم والتكييف الذي يقدمونه لك. ما هو إذن نوع التأثير الذي يحدثه هذا التكييف على الناس دون أن يشعروا؟ (عدم التمييز بين الخير والشر) هذا صحيح، عدم التمييز بين الخير والشر، وبين الصواب والخطأ. دعونا أولاً نتناول الكيفية التي ينظر بها البشر إلى ما يسمى بالأشرار والنبلاء الزائفين. أولًا وقبل كل شيء، يعتقد البشر أن الأشرار الحقيقيين ليسوا أشخاصًا سيئين، وأن أولئك الذين يكونون حقًا نبلاء زائفين هم الأشرار. هذا النوع من الناس الذين يفعلون أشياء سيئة من وراء ظهور الآخرين بينما يتظاهرون بأنهم صالحون يُسمَّون بالنبلاء الزائفين. إنهم لا يتحدثون إلا عن الخير والبر والأخلاق أمام الناس، لكنهم يهبون لفعل كل الأشياء السيئة من وراء ظهورهم. يفعلون كل هذه الأشياء السيئة بينما يقولون في الوقت نفسه كل أنواع الأشياء اللطيفة؛ مثل هؤلاء الناس هم موضع ازدراء. أما الأشرار الحقيقيون فهم سيئون أمام الناس مثلما هم سيئون خلف ظهورهم، ورغم ذلك أصبحوا قدوةً تؤيَّد وتُدرس، بدلًا من أن يصبحوا موضع ازدراء الناس. يميل هذا النوع من الأقوال ووجهات النظر إلى إرباك مفاهيم الناس حول ماهية الشخص الجيد بالضبط وماهية الشخص السيئ بالضبط. وبالتالي فإن الناس لا يعرفون وليسوا متأكدين، وتصبح مفاهيمهم غامضة للغاية. عندما تكيّف العائلة الناس بهذه الطريقة، بعضهم يعتقد حتى: "بكوني شريرًا حقيقًا، فإنني مستقيم. أنا أفعل الأشياء في العلن. إذا كان لديّ ما أقوله، أقوله في وجهك. إذا كنت أؤذيك أو لا أحبك أو أريد أن أستغلك، فيجب أن أفعل ذلك أيضًا في وجهك وأن أدعك تعرف به". أي نوع من المنطق هذا؟ أي نوع من جوهر الطبيعة هذا؟ عندما يقوم الأشرار بأشياء سيئة ويرتكبون أفعالًا شريرة، فإنهم يحتاجون إلى إيجاد أساس نظري لذلك، وهذا هو المنطق الذي يتوصلون إليه. يقولون: "انظروا، هذا الشيء الذي أفعله ليس جيدًا، لكنه أفضل من أن أكون نبيلًا زائفًا. أنا أفعل ذلك أمام الناس، والجميع يعرفون به؛ هذا ما يسمى الاستقامة!". وهكذا، يجعل الأشرار من أنفسهم أشخاصًا مستقيمين. وجود هذا النوع من التفكير في أذهان الناس يجعل مفاهيمهم للنزاهة الحقيقية والشر الحقيقي غير واضحة على نحو غير محسوس. إنهم لا يعرفون ما هي الاستقامة، ويفكرون: "لا يهم ما إذا كان ما أقوله يؤذي مشاعر الآخرين أو ما إذا كان صحيحًا أم لا، أو ما إذا كان معقولاً أم لا، أو ما إذا كان يتفق مع المبادئ والحق أم لا. ما دمت أجرؤ على الكلام، ولا أبالي بالعواقب، وما دمت أملك شخصية حقيقية، وطبيعة مباشرة، وما دمت قاطعًا كالسيف، وما دمت لا أضمر أي أهداف خبيثة، فهذا أمر ملائم". أليست هذه حالة من الخلط بين الصواب والخطأ؟ (بلى). بهذه الطريقة تتحول الأشياء السلبية إلى أشياء إيجابية. لذلك يستخدم بعض الناس هذا كأساس ويتصرفون وفقًا لهذه المقولة، بل إنهم يفترضون أن العدالة في صفهم، ويفكرون: "على أي حال، أنا لا أستغلك، ولا أخدعك من وراء ظهرك. أقوم بالأمور بصراحة وفي العلن. فلتفكر كما يحلو لك. في رأيي هذه استقامة! وكما يرد في المقولة: "لا داعي لأن يقلق المرء من الشائعات إن كان مستقيمًا"، فلتعتقد ما شئت! أليس هذا منطق الشيطان؟ أليس هذا منطق اللصوص؟ (بلى). هل قيامك بأمور سيئة، وخلق المتاعب بلا سبب، وأن تتصرف كطاغية، وأن ترتكب الشر، له ما يبرره؟ ارتكاب الشر هو ارتكاب الشر: إذا كان جوهر ما تفعله هو ارتكاب الشر، فهو شر. بماذا تُقاس أفعالك؟ إنها لا تقاس بما إذا كانت لديك دوافعك، أو ما إذا كنت قد فعلتها في العلن، أو ما إذا كنت تتمتع بشخصية حقيقية، بل تُقاس بالحق وبكلام الله. الحق هو معيار قياس كل شيء، وهذه العبارة تنطبق تمامًا في هذه الحالة. وبحسب مقياس الحق إن كان الشيء شرًّا فهو شر، وإن كان إيجابيًا فهو إيجابي، وإن كان غير إيجابي، فهو غير إيجابي. وما هي هذه الأشياء التي يعتقد الناس أنها مستقيمة، وأنها التمتع بشخصية حقيقية وطبيعة مباشرة؟ هذا يسمى تحريفًا للكلام عن مواضعه، وليًّا لعنق المنطق، وخلطًا للمفاهيم، والتحدث بالهراء، وهذا يسمى تضليلاً للناس، وإذا ضللت الناس فأنت ترتكب الشر. الشر هو الشر سواء كان يُرتكب من وراء ظهور الناس أو أمامهم. إن الشر الذي يرتكب من وراء ظهر شخص ما هو خبث، أما الشر الذي يُرتكب أمام الشخص فهو حقود وخبيث حقًا، لكن كله يتصل بالشر. إذن أخبرني، هل يجب أن يقبل الناس هذه المقولة "خير لك أن تكون شريرًا حقيقيًا من نبيل زائف"؟ (لا، لا ينبغي لهم ذلك). أيهما إيجابي؛ مبادئ سلوك النبيل الزائف، أم مبادئ سلوك الشرير الحقيقي؟ (لا هذا ولا ذاك). هذا صحيح، كلها سلبية. لذا، لا تكن نبيلًا زائفًا، ولا شريرًا حقيقيًا، ولا تستمع إلى هراء والديك. لماذا يتفوه الآباء دائمًا بالهراء؟ لأن هذه هي بالضبط الطريقة التي يتصرف بها والداك. إنهما يشعران دائمًا بهذا: "أنا شخص لديه شخصية حقيقية، أنا شخص حقيقي، أنا صريح، أنا أمين في مشاعري، أنا شخص شهم، أنا مستقيم ولست بحاجة للقلق من الشائعات؛ أنا أتصرف بشكل لائق وأسير في الطريق الصحيح، فماذا لدي لأخاف منه؟ أنا لا أفعل أي شيء خاطئ، لذلك لا أخشى أن تدق الشياطين بابي!". الشياطين لا تدق بابك الآن، لكنك ارتكبت الكثير من الأفعال الشريرة وستُعاقب عاجلًا أم آجلًا. أنت مستقيم ولا تخشى الشائعات، لكن ماذا يمثل كونك مستقيمًا؟ هل هو الحق؟ هل كونك مستقيمًا يعني أنك متوافق مع الحق؟ هل تفهم الحق؟ لا تختلق أعذارًا وذرائع لاقترافك الشر، فلا فائدة من ذلك! ما دام لا يتوافق مع الحق، فهو شر! أنت حتى تشعر بأن لديك شخصية حقيقية. هل مجرد أن لديك شخصية حقيقة يعني أن بإمكانك أن تستغل الآخرين؟ أو أن بإمكانك إيذاءهم؟ أي منطق هذا؟ (منطق الشيطان). هذا يسمى منطق اللصوص والأبالسة! أنت ترتكب الشر ومع ذلك ترى أنه شيء صحيح وسليم، وتختلق له الأعذار وتسعى إلى تبريره. أليست هذه وقاحة؟ (بلى). أكرر لك أنه ليس في كلام الله أي ذكر لترك الناس يكونوا أشرارًا حقيقيين أو نبلاء زائفين، ولا يوجد أي طلب بأن تكون شريرًا حقيقيًا أو نبيلًا زائفًا. هذه الأقوال كلها كلمات وقحة وإبليسية لخداع الناس وتضليلهم. يمكن لهذه الكلمات تضليل الناس الذين لا يفهمون الحق، لكن إذا كنت تفهم الحق اليوم، فلا ينبغي أن تتمسك بمثل هذه الأقوال أو تتأثر بها. سواء أكان الناس نبلاء زائفين أو أشرارًا حقيقيين، فكلهم أبالسة ووحوش وأوغاد، وكلهم ليسوا صالحين، وكلهم أشرار، وكلهم مرتبطون بالشر. وإن لم يكونوا أشرارًا فهم خبثاء، والفرق الوحيد بين النبيل الزائف والشرير الحقيقي يكمن في طريقة الأداء: أحدهما يؤدي في العلن والآخر في الخفاء. لديهما أيضًا طرق مختلفة في السلوك، فأحدهما يرتكب الشر علنًا، بينما الآخر يمارس الحيل القذرة من وراء ظهور الناس؛ أحدهما أكثر مكرًا وغدرًا، بينما الآخر أكثر تعجرفًا وتسلطًا ويكشِّر عن أنيابه؛ أحدهما أكثر دناءة وخفاءً، بينما الآخر أكثر حقارة وغرورًا. كلاهما طريقتان شيطانيتان في فعل الأشياء؛ إحداهما علنية والأخرى سرية. إذا كنت تتصرف علانية فأنت شرير حقيقي، وإذا كنت تتصرف في الخفاء فأنت نبيل زائف. بم تتباهى؟ ألست أحمق باعتبارك هذه المقولة شعارًا لك؟ لذا، إذا كنت قد تأذيت بشدة من الأشياء التي كيفتك عائلتك عليها أو غرستها فيك في هذا الصدد، أو إذا كنت متمسكًا بمثل هذه الأشياء، فأتمنى أن تتخلى عنها، وأن تميزها وترى حقيقتها في أقرب وقت ممكن. توقف عن التمسك بهذه المقولة، والاعتقاد بأنها تحميك، أو تجعلك شخصًا أصيلًا أو شخصًا ذي سمعة وإنسانية وشخصية حقيقية. هذه المقولة ليست معيارًا للكيفية التي ينبغي أن يتصرف بها المرء. ومن موقعي هذا، أدين بشدة هذه المقولة التي تثير اشمئزازي أكثر من أي شيء آخر. أنا لا أشمئز من النبلاء الزائفين فحسب، بل أيضًا من الأشرار الحقيقين؛ كلا النوعين من الناس يثيران اشمئزازي. لذا، إذا كنت نبيلًا زائفًا، فأنت من وجهة نظري لست صالحًا، ولا يمكن علاجك. ولكن إذا كنت شريرًا حقيقيًا فأنت أسوأ حالًا. أنت تعي جيدًا الطريق الحق ومع ذلك تتعمد الخطيئة، أنت تعرف الحق بوضوح ومع ذلك تخالفه مخالفة صارخة وتعجز عن ممارسته، وتعارض الحق علانية عوضًا عن ذلك، لذلك ستموت أسرع. لا تفكر: لديّ طبيعة مباشرة، أنا لست نبيلًا زائفًا. على الرغم من أنني شرير، فإنني شرير حقيقي". كيف أنت حقيقي؟ كونك "حقيقي" لا يعادل الحق، ولا هو شيء إيجابي. "كونك حقيقي" مظهر من مظاهر جوهر شخصيتيك المتغطرسة والخبيثة. أنت "حقيقي" بمعنى الشيطان الحقيقي، والأبالسة الحقيقيون، والخبث الحقيقي، ولست حقيقيًا بمعنى الحق أو شيء واقعي بحق. لذلك فيما يتعلق بهذه المقولة "خير لك أن تكون شريرًا حقيقًا من نبيل زائف" التي تكيفك عائلتك عليها، يجب عليك أيضًا أن تتخلى عنها، لأنها لا صلة لها على الإطلاق بمبادئ التصرف التي يعلمها الله للناس، ولا تقترب منها بأي حال. لذلك، يجب عليك أن تتخلى عنها في أقرب وقت ممكن، لا أن تستمر في التشبث بها.

تمارس العائلة نوعًا آخر من التأثير التكييفي. فعلى سبيل المثال، دائمًا ما يقول لك أفراد عائلتك: "لا تكن شخصًا يتميز كثيرًا عن الآخرين. يجب أن تكبح جماح نفسك وتمارس القليل من ضبط النفس في أقوالك وأفعالك، وكذلك في مواهبك وقدراتك الشخصية ومعدل ذكائك وما إلى ذلك. لا تكن ذلك الشخص الذي يتميز أكثر من اللازم. فكما يرد في الأقوال: "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص"، و"العارضة الخشبية التي تبرز هي أول ما يتعفن". إذا أردت أن تحمي نفسك وأن تحظى بمكانة ثابتة وطويلة الأمد في المجموعة التي تنتمي إليها، فلا تكن الطائر الذي يبرز عنقه، بل عليك أن تكبح جماح نفسك ولا تطمح إلى الارتفاع فوق الجميع. فكر في مانعة الصواعق، وهي أول ما يُضرب في العاصفة، لأن الصواعق تضرب أعلى نقطة؛ وعندما تهب الرياح الهوجاء، أول ما يتلقى وطأتها هي أطول شجرة وتطيح بها الرياح؛ وعندما يكون الطقس باردًا، فإن أول ما يتجمد هو أعلى جبل. والأمر نفسه مع الناس: إذا كنت دائمًا ما تبرز بين الآخرين وتلفت الانتباه، ويلاحظك الحزب، فسوف يفكر بجدية في معاقبتك. لا تكن الطائر الذي يبرز عنقه، ولا تحلق منفردًا. يجب أن تبقى داخل السرب، وإلا، إذا تشكلت أي حركة احتجاج اجتماعي حولك، فستكون أول من يُعاقب، لأنك الطائر الذي يبرز. لا تكن قائدًا أو رئيس مجموعة في الكنيسة؛ وإلا، ففي حالة حدوث أي خسائر أو مشكلات في بيت الله تتعلق بالعمل، ستكون أول من يُستهدف بصفتك القائد أو المشرف. لذا، لا تكن الطائر الذي يبرز عنقه، لأن الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص. يجب أن تتعلم أن تطأطئ رأسك وتنكمش مثل السلحفاة". أنت تتذكر هذه الكلمات من والديك، وعندما يحين وقت اختيار القائد، ترفض هذا المنصب قائلاً: "كلا، لا أستطيع أن أفعل ذلك! لدي أسرة وأطفال، وأنا شديد الارتباط بهم. لا يمكنني أن أكون قائدًا. يجب أن تفعلوا أنتم ذلك، لا تختاروني". وبافتراض أنك انتُخبت قائدًا على أي حال، فأنت لا تزال مترددًا في القيام بذلك. تقول: "يؤسفني أنني مضطرٌ إلى الاستقالة. لتكونوا أنتم القائد يا رفاق، أنا أعطيكم الفرص كاملة. سأترككم تأخذون المنصب، سأتنحى عنه". تتفكر في قلبك: "حسنًا! الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص. كلما ارتفعت في الصعود، كان سقوطك أصعب، والقمة موحشة. سأدعك تكون القائد، وبعد أن يتم اختيارك، سيأتي اليوم الذي يتفرج فيه الناس عليك. أنا لا أريد أن أكون قائدًا أبدًا، لا أريد أن أتسلق السلم، مما يعني أنني لن أسقط من علو شاهق. فكر في الأمر، ألم يُعف فلان من منصب القائد؟ وبعد إعفائه طُرد، لم يحصل حتى على فرصة ليكون مؤمنًا عاديًا. إنه مثال ممتاز على مقولة "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص" ومقولة "العارضة الخشبية التي تبرز هي أول ما يتعفن". ألست على حق؟ ألم يُعاقب؟ يجب أن يتعلم الناس أن يحموا أنفسهم، وإلا فما فائدة عقول الناس؟ إذا كان لديك عقل في رأسك، فيجب أن تستخدمه لحماية نفسك. بعض الناس لا يستطيعون رؤية هذه المسألة بوضوح، لكن هذا هو الحال في المجتمع وفي أي مجموعة من الناس: "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص". ستحظى بتقدير كبير في أثناء إبراز عنقك، حتى اللحظة التي يُطلق فيها عليك الرصاص. ثم ستدرك أن الأشخاص الذين يضعون أنفسهم في خط النار ينالون جزاءهم عاجلاً أم آجلاً". هذه هي التعاليم الجادة لوالديك وعائلتك، وأيضًا صوت الخبرة، والحكمة المستخلصة من سنوات عمرهم، والتي يهمسون بها في أذنك دون تحفظ. ماذا أعني بـ "يهمسون بها في أذنك"؟ أعني أن أمك تقول في أذنك ذات يوم: "دعني أخبرك، إذا كان ثمة شيء واحد تعلمته في هذه الحياة، فهو أن "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص"، مما يعني أنه إذا أفرط أحد في الظهور أو لفت الانتباه أكثر من اللازم، فمن المرجح أنه سيُعاقب على ذلك. انظر كيف أصبح والدك خانعًا وساذجًا الآن، هذا لأنه عوقب في إحدى الحملات القمعية. يتمتع والدك بموهبة أدبية، ويمكنه الكتابة وإلقاء الخطب، ولديه مهارات قيادية، لكنه برز من بين الحشود أكثر من اللازم، وانتهى به الأمر إلى أنه عوقب في إحدى الحملات. لماذا لا يتحدث والدك أبدًا منذ ذلك الحين عن كونه مسؤولاً حكوميًا وشخصية بارزة؟ بسبب هذا الأمر. أنا أتحدث إليك من القلب وأقول لك الحقيقة. يجب أن تستمع وتتذكرها جيدًا. لا تنس، يجب أن تحفظها في ذهنك أينما ذهبت. هذا هو أفضل شيء يمكنني أن أقدمه لك بصفتي أمك". تتذكر كلماتها بعد ذلك، وكلما تذكرت مقولة "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص"، فإنها تذكرك بوالدك، وكلما فكرت في والدك تتبادر هذه المقولة إلى ذهنك. كان والدك في يوم من الأيام الطائر الذي أبرز عنقه وأُطلق عليه الرصاص، والآن تركت نظرته المتشائمة والمحبطة انطباعًا عميقًا في ذهنك. لذا، متى ما أردت أن تبرز عنقك، ومتى ما أردت أن تقول رأيك، ومتى ما أردت أن تتمم واجبك بإخلاص في بيت الله، ترن نصيحة أمك الصادقة في أذنك – "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص" – وتتذكرها مرة أخرى. لذا، تتراجع مرة أخرى وتفكر: "لا يمكنني أن أظهر أي مواهب أو قدرات خاصة، يجب أن أكبح جماح نفسي وأقمعها. وبخصوص حث الله للناس على أن يؤدوا واجبهم بكل قلوبهم وعقولهم وقوتهم، فيجب أن أمارس هذه الكلمات باعتدال، وألا أبرز من خلال بذل الكثير من الجهد. إذا برزت من خلال المحاولة بجدية شديدة، وأبرزت عنقي بقيادة عمل الكنيسة، فماذا لو حدث خطأ ما في عمل بيت الله وحمّلوني المسؤولية؟ كيف لي أن أتحمل هذه المسؤولية؟ هل سيتم إخراجي؟ هل سأصبح كبش الفداء– الطائر الذي أبرز عنقه؟ في بيت الله، من الصعب معرفة ما ستؤول إليه هذه الأمور. لذا يجب أن أترك لنفسي طريقًا للهروب بغض النظر عما أفعله، ولا بد قطعًا أن أتعلم كيف أحمي نفسي، وأحرص على أن أضمن سلامتي قبل أن أتكلم وأتصرف. هذا هو التصرف الأكثر حكمة، لأنه كما تقول أمي: "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص". هذه المقولة مغروسة بعمق في قلبك ولها أيضًا تأثير عميق على حياتك اليومية. والأخطر من ذلك بالطبع أنها تؤثر على موقفك تجاه أداء واجبك. ألا توجد مشكلات خطيرة هنا؟ لذلك، متى ما أديت واجبك وأردت أن تبذل نفسك بإخلاص، وأن تستغل كل قوتك بكل صدق، فإن هذه المقولة – "الطائر الذي يبرز عنقه هو الذي يُطلق عليه الرصاص" – توقفك دائمًا فجأة، وفي النهاية تختار دائمًا أن تترك لنفسك بعض الفسحة والمجال للمناورة، ولا تقوم بواجبك إلا بطريقة مدروسة بعد أن تترك لنفسك طريقًا للهروب. ألست على حق؟ هل يحميك تكييف أسرتك في هذا الصدد إلى أقصى حد من أن تُكشف ويتم التعامل معك؟ هذه بالنسبة إليك تعويذة أخرى، أليست كذلك؟ (بلى).

استنادًا إلى كل ما قدمنا حوله شركة حتى الآن، كم عدد التعويذات التي يمتلكها الناس نتيجة لتكييف عائلاتهم لهم؟ (سبعة). مع وجود هذا العدد الكبير من التعويذات، هل صحيح أنه لا يجرؤ أي أبالسة أو أرواح شريرة عادية على التعدي عليك؟ تشعرك كل هذه التعويذات بالأمان والراحة والسعادة في معيشتك في هذا العالم البشري. وفي الوقت نفسه، تشعرك بمدى أهمية الأسرة لك، ومدى أهمية الحماية والتعويذات التي تمنحها لك أسرتك وكم أنها تأتي في الموعد المناسب. متى ما حصلت على فوائد ملموسة وحماية ملموسة نتيجة لهذه التعويذات، تشعر بأهمية الأسرة أكثر من أي وقت مضى، وبأنك ستعتمد عليها دائمًا. وكلما واجهتك صعوبات وعصفت بك الحيرة والارتباك، تستجمع نفسك للحظة وتفكر: "بم أخبرني أبي وأمي؟ ما المهارات التي علمني إياها الكبار؟ ما هو الشعار الذي نقلوه إليّ؟" تعود بسرعة وبشكل غريزي ولا شعوري إلى مختلف الأفكار والبيئات التي غرستها فيك عائلتك، وتطلب حمايتها وتبتغيها. تصبح الأسرة في مثل هذه الأوقات ملاذك الآمن ومرساة وسندًا وقوة دافعة قوية لا تتزعزع ولا تتغير، وعكازًا نفسيًا يمكِّنك من الاستمرار في الحياة ويمنعك من الحيرة والتردد. تمتلئ في مثل هذه الأوقات بشعور عميق: "إن الأسرة مهمة جدًا بالنسبة إلي، فهي تمنحني مثل هذه القوة الذهنية الهائلة، فضلاً عن كونها مصدرًا للدعم الروحي". وغالبًا ما تهنئ نفسك بالتفكير: "لحسن الحظ أنني استمعت إلى ما أخبرني به والداي، وإلا كان الأمر سينتهي بي في موقف محرج للغاية الآن: إما التعرض للتنمر أو الأذى. لحسن الحظ، لدي هذه الورقة الرابحة، لدي تعويذة. لذا، حتى في بيت الله وفي الكنيسة، حتى في أثناء تأدية واجباتي، لن يتنمر عليّ أي شخص، ولن أتعرض لخطر إخراج الكنيسة لي أو تعاملها معي. قد لا تحدث لي هذه الأشياء أبدًا، وذلك بفضل الحماية التي يوفرها لي تكييف عائلتي لي". لكنك نسيت شيئًا. لقد كنت تعيش في بيئة تتخيل أنها بيئة بها تعويذات ويمكنك أن تحمي نفسك فيها، لكنك لا تعرف ما إذا كنت قد تممت إرسالية الله لك أم لا. لقد تجاهلت إرسالية الله لك، وتجاهلت هويتك ككائن مخلوق، والواجب الذي يجب أن تؤديه ككائن مخلوق. لقد تجاهلت أيضًا الموقف الذي يجب أن تتبناه وكل ما يجب أن تقدمه في أداء واجبك، في حين أن المنظور الحقيقي للحياة والقيم التي يجب أن تعتز بها قد حلت محلها الآراء التي كيّفتك عليها عائلتك، كما أن فرصك في الخلاص تتأثر بتكييف عائلتك. لذلك، من المهم جدًا أن يتخلى الجميع عن التأثيرات التكييفية المختلفة لعائلاتهم. هذا أحد جوانب الحق الذي يجب ممارسته، وهو أيضًا واقع يجب الدخول فيه دون تأخير. لأنه عندما يخبرك المجتمع بأمر ما، تميل إلى اتخاذ قرار عقلاني أو لا شعوري برفضه، وإذا أخبرك شخص غريب أو شخص لا علاقة لك به بأمر ما، تميل إلى اتخاذ قرار عقلاني أو مدروس بقبوله أو عدم قبوله، أما إذا أخبرتك أسرتك بأمر ما، فإنك تميل إلى قبوله كاملًا دون تردد أو تمييز، وهذا في الواقع أمر خطير بالنسبة إليك. لأنك تعتقد أن العائلة لا يمكن أن تلحق أي ضرر بالشخص، وأن كل ما تفعله عائلتك من أجلك هو لمصلحتك، ولحمايتك، ولصالحك. وبناءً على هذا المبدأ المفترض، ينزعج الناس ويتأثرون بسهولة بهذه الأشياء غير الملموسة والملموسة التي هي عائلة المرء. فالأشياء الملموسة هي أفراد عائلة المرء وكل شؤون العائلة، أما الأشياء غير الملموسة فهي مختلف الأفكار والتربية التي تأتي من العائلة، وكذلك بعض التكييف الذي يتعلق بكيفية تصرفك وتسيير شؤونك الخاصة. أليس كذلك؟ (بلى).

يوجد الكثير مما يمكن مناقشته فيما يتعلق بالتأثيرات التكييفية للعائلة. بعد أن ننتهي من الشركة حول هذه الأمور اليوم، عليكم أن تتأملوها كلها وتلخصوها، وتفكروا في أي الأفكار والآراء – إلى جانب تلك التي ذكرتها اليوم – قد تؤثر عليكم في حياتكم اليومية. يتعلق معظم ما قدمنا شركة حوله الآن توًا بمبادئ الناس وطرق تعاملهم مع العالم، وهناك عدد قليل من الموضوعات التي تتعلق بالنظر إلى الناس والأشياء. إنَّ نطاق التأثيرات التكييفية التي تمارسها العائلة على الناس يشمل هذه الأشياء بشكل أساسي. هناك أيضًا بعض الموضوعات التي لا تتعلق بمنظور الناس إلى الحياة أو طرق تعاملهم مع العالم، لذا لن نتحدث أكثر عن هذه الأمور. إلى هنا تنتهي شركتنا لهذا اليوم، إذن. نلتقي في المرة القادمة!

11 فبراير 2023

السابق: كيفية السعي إلى الحق (11)

التالي: كيفية السعي إلى الحق (13)

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب