كيفية السعي إلى الحق (17)
في اجتماعنا الأخير، عقدنا شركة حول التخلي عن الأعباء التي تأتي من عائلة المرء. تطرق هذا إلى موضوع التخلي عن توقعات والديّ المرء. هذه التوقعات تضع نوعًا من الضغط غير المرئي على كل شخص، أليس كذلك؟ (بلى). إنها أحد الأعباء التي تأتي من عائلات الناس. إن التخلي عن توقعات والديك يعني التخلي عن الضغوط والأعباء التي يضعها والداك على حياتك، ووجودك، والطريق الذي تسلكه، أي أنه عندما تؤثر توقعات والديك على المسار الذي تختاره في الحياة، وأداء واجبك، ورحلتك في الطريق الصحيح، وحريتك وحقوقك وغرائزك، فإن توقعاتهما تضع نوعًا من الضغط والعبء عليك. هذه الأعباء هي الأشياء التي يجب على الناس أن يتخلوا عنها في مسار حياتهم، ووجودهم، وإيمانهم بالله. أليس هذا المضمون هو ما عقدنا حوله شركة من قبل؟ (إنه كذلك). توقعات والديّ المرء بطبيعة الحال تمس الكثير من الأشياء، على سبيل المثال، دراسة المرء، وعمله، وزواجه، وأسرته، وحتى مساره الوظيفي، وآفاقه، ومستقبله وما إلى ذلك. إن كل توقعات الوالدين لابنهما منطقية، وعادلة، ومعقولة، من وجهة نظرهما. لا يوجد والد واحد ليس لديه توقعات لابنه. قد تكون لدى الوالدين توقعات أكثر أو قد تكون أقل، قد تكون لديهما توقعات عظيمة أو قد تكون توقعاتهما بسيطة، أو قد يكون لديهما بعض التوقعات المختلفة لابنهما في أوقات معينة؛ فهما يأملان أن يحصل ابنهما على درجات جيدة، وأن تسير الأمور على ما يرام في وظيفته، وأن يحصل على دخل جيد، وأن تسير الأمور بسلاسة وسعادة معه عندما يتعلق الأمر بالزواج. حتى أن للوالدين توقعات مختلفة فيما يتعلق بأسرة الابن، ومسيرته المهنية، وآفاقه المستقبلية، وما إلى ذلك. هذه التوقعات كلها مشروعة للغاية من وجهة نظر الوالدين، ولكن من وجهة نظر الابن، تتداخل هذه التوقعات المختلفة مع اتخاذه للخيارات الصحيحة إلى حد كبير، بل وتتداخل مع حريته وحقوقه أو مصالحه كشخص طبيعي. وفي الوقت نفسه، تتداخل هذه التوقعات أيضًا مع استخدامه لمستوى قدراته بطريقة طبيعية. وباختصار، أيًا كان المنظور الذي ننظر منه إلى هذا الأمر، سواء كان من منظور الوالدين، أو من منظور ابنهما، فإن توقعات الوالدين إذا تجاوزت نطاق ما يمكن أن يتحمله الإنسان ذو الإنسانية الطبيعية، أو إذا تجاوزت نطاق ما يمكن أن تحققه غرائز الإنسان ذي الإنسانية الطبيعية، أو إذا تجاوزت الحقوق الإنسانية التي ينبغي أن يمتلكها الإنسان ذو الإنسانية الطبيعية، أو الواجبات والالتزامات التي يكلف الله بها الناس، وما إلى ذلك، فإن هذه التوقعات غير سليمة وغير معقولة. وبالطبع، يمكن القول أيضًا إنه لا ينبغي أن يكون لدى الوالدين هذه التوقعات، وأنه ينبغي ألا يكون لهذه التوقعات وجود. وبناءً على ذلك، يجب أن يتخلى الأبناء عن هذه التوقعات الأبوية؛ أي أنه عندما يتبنى الآباء والأمهات منظور أو موقف الوالد، يبدو لهم أن من حقهم أن يتوقعوا أن يفعل ابنهم هذا أو ذاك، وأن يسلك ابنهم مسارًا معينًا، ويختار نوعًا معينًا من الحياة، أو بيئة تعليمية، أو وظيفة، أو زواج، أو أسرة، وما إلى ذلك. ولكن لا ينبغي للوالدين، باعتبارهما بشرًا عاديين، أن يتخذا منظور الوالدين أو موقفهما، ولا ينبغي أن يستخدما هويتهما كوالدين ليطلبا من ابنهما القيام بأي شيء خارج نطاق واجبات البر بالوالدين أو خارج نطاق القدرات البشرية. لا ينبغي لهما حتى أن يتدخلا في الخيارات المختلفة التي يتخذها ابنهما، ولا ينبغي أن يفرضا توقعاتهما، أو تفضيلاتهما، أو أوجه قصورهما وعدم رضاهما، أو أي من اهتماماتهما على ابنهما. هذه أشياء لا ينبغي للوالدين القيام بها. وعندما يُضمر الوالدان توقعات لا ينبغي لهما امتلاكها، يجب على ابنهما التعامل مع هذه التوقعات بشكل سليم؛ والأهم من ذلك، ينبغي أن يكون ابنهما قادرًا على تمييز طبيعة هذه التوقعات. إذا كان بإمكانك أن ترى بوضوح أن توقعات والديك تحرمك من حقوقك الإنسانية، وأن هذه التوقعات هي نوع من التدخل أو الإزعاج عندما يتعلق الأمر باختيارك للأشياء الإيجابية والطريق الصحيح، فيجب عليك أن تتخلى عن هذه التوقعات وتتجاهلها. ينبغي أن تفعل ذلك لأن هذا حقك، وهو الحق الذي أعطاه الله لكل إنسان مخلوق، ولا ينبغي أن يظن والداك أنه يحق لهما التدخل في مسار حياتك وحقوقك الإنسانية، لمجرد أنهما أنجباك وأنهما والداك. لذلك، يحق لكل كائن مخلوق أن يقول "لا" لأي توقعات أبوية غير معقولة أو غير مناسبة أو حتى غير لائقة. يمكنك بالتأكيد رفض تحمل أي من توقعات والديك. إن رفض قبول أي من توقعات والديك أو تحملها هو السبيل لممارسة التخلي عن توقعاتهما غير اللائقة.
ما الحقائق التي يجب أن يفهمها الناس عندما يتعلق الأمر بالتخلي عن توقعات الوالدين؟ بمعنى، هل تعرف ما هي الحقائق التي يستند إليها التخلي عن توقعات الوالدين، أو ما هي مبادئ الحق التي يتصل بها؟ إذا كنت تعتقد أن والديك هما أقرب الناس إليك، وأنهما رئيساك وقائداك، وأنهما من أنجباك وربياك، وأنهما من وفرا لك الطعام والملبس والمسكن والمواصلات، وأنهما من قاما بتنشئتك، وأنهما من أحسنا إليك، فهل سيكون من السهل عليك أن تتخلى عن توقعاتهما؟ (كلا). إذا كنت تؤمن بهذه الأشياء، فمن المحتمل جدًا أن تتعامل مع توقعات والديك من منظور جسدي، وسيكون من الصعب عليك التخلي عن أي من توقعاتهما غير المناسبة وغير المعقولة. ستقيدك توقعاتهما وتكبتك. وحتى لو كنت تشعر بعدم الرضا وعدم الرغبة في قلبك، فلن تكون لديك القدرة على التحرر من هذه التوقعات، ولن يكون أمامك خيار سوى أن تتركها تأخذ مسارها الطبيعي. لماذا عليك أن تتركها تأخذ مسارها الطبيعي؟ لأنك إذا تخليت عن توقعات والديك، وتجاهلت أيًا من توقعاتهما أو رفضتها، ستشعر بأنك كنت ابنًا غير بارّ، وبأنك كنت ابنًا عاق، وبأنك خذلت والديك، وبأنك لم تكن شخصًا صالحًا. أما إذا اتخذت منظورًا جسديًا، فستفعل كل ما بوسعك لاستخدام ضميرك لرد إحسان والديك، وللتأكد من أن المعاناة التي تحملها والداك من أجلك لم تكن بلا مقابل، وسترغب أيضًا في تحقيق توقعاتهما. ستحاول جاهدًا أن تنجز كل ما طلباه منك، لتتجنب تخييب آمالهما، ولتكون بارًا بهما، وستتخذ قرارًا بأن تعتني بهما عند كبر سنهما، لتضمن أن تكون سنواتهما الأخيرة سعيدة، بل وستفكر أكثر من ذلك بقليل، لتتولى أمر جنازتيهما، فترضيهما في الوقت نفسه الذي ترضي فيه رغبتك في أن تكون ابنًا بارًا بهما. يتأثر الناس أثناء عيشهم في هذا العالم بأنواع مختلفة من الرأي العام والمناخات الاجتماعية، بالإضافة إلى مختلف الأفكار والآراء الشائعة في المجتمع. إذا لم يفهم الناس الحق، فلا يمكنهم النظر إلى هذه الأشياء سوى من منظور المشاعر الجسدية، وفي الوقت نفسه، لا يمكنهم التعامل مع هذه الأشياء سوى من هذا المنظور. ستعتقد خلال هذه الفترة أن والديك يفعلان العديد من الأشياء التي لا ينبغي أن يفعلها الوالدان، لدرجة أنك ستشعر بالازدراء والنفور في أعماق قلبك تجاه بعض تصرفات والديك وسلوكهما، وكذلك تجاه إنسانيتهما، وشخصيتهما، وأساليبهما، وطرقهما في القيام بالأشياء، لكنك ستظل راغبًا في أن تكون ابنًا بارًا لإكرامهما وإرضائهما، ولن تجرؤ على إهمالهما بأي شكل من الأشكال. ستفعل ذلك من ناحية لتجنب ازدراء المجتمع لك، ومن ناحية أخرى لإرضاء احتياجات ضميرك. هذه الآراء طبعتها فيك البشرية والمجتمع، لذلك سيكون من الصعوبة بمكان أن تتعامل مع توقعات والديك وعلاقتك بهما بطريقة عقلانية. ستكون مجبرًا على التعامل معهما كابن بار، وعلى عدم الاعتراض على أي من تصرفاتهما؛ فلن يكون أمامك خيار آخر، ولن يكون أمامك سوى عمل ذلك، وبالتالي سيكون من الصعب عليك التخلي عن توقعات والديك. إذا تخليت عنها حقًا في قلبك فسيظل لزامًا عليك أن تتحمل عبء أو ضغط آخر، وهو إدانة المجتمع وعائلتك الممتدة وأسرتك. ستحتاج حتى إلى تحمل الإدانة، والاستنكار، والشتائم، والازدراء التي تأتي من أعماق قلبك، والتي تقول إنك لا شيء، أو إنك لست ابنًا بارًا، أو إنك ناكر للجميل، أو حتى أشياء مثل: "أنت ناكر للجميل وغير مبال، أنت عاق، أمك لم تحسن تربيتك"، التي يقولها الناس في المجتمع العلماني؛ وبعبارة أخرى، كل أنواع الأشياء غير السارة. ستقع في هذا النوع من المآزق إذا لم تفهم الحق. أي أنه عندما تتخلى عن توقعات والديك في أعماق قلبك بطريقة عقلانية، أو عندما تتخلى عنها على مضض، سينشأ نوع آخر من العبء أو الضغط في أعماق قلبك؛ وهذا الضغط يأتي من المجتمع ومن تأثير ضميرك. إذن، كيف يمكنك التخلي عن توقعات والديك؟ ثمة طريق لحل هذه المشكلة. ليس الأمر صعبًا؛ يحتاج الناس إلى بذل الجهد في الحق، والوقوف أمام الله لطلب الحق وفهمه، وعندها ستُحل المشكلة. إذن، أي جانب من الحق تحتاج إلى فهمه حتى لا تخشى تحمل عبء إدانة الرأي العام، أو إدانة ضميرك في أعماق قلبك، أو استنكار والديك وإساءتهما اللفظية عندما تتخلى عن توقعات والديك؟ (أننا مجرد كائنات مخلوقة أمام الله. لا يجب علينا في هذا العالم أن نقوم بمسؤولياتنا تجاه والدينا فحسب، بل يجب علينا أن نحسن القيام بواجباتنا والوفاء بالتزاماتنا. إذا تمكنا من إدراك ذلك، فربما لن نتأثر كثيرًا بوالدينا أو بإدانة الرأي العام عندما نتخلى عن توقعات والدينا في المستقبل). من أيضًا سيتحدث عن هذا الأمر؟ (في المرة الماضية، عقد الله شركة حول أنه عندما نترك منازلنا لأداء واجباتنا، فإن ذلك يرجع في أحد جوانبه إلى ظروف موضوعية – يجب أن نترك والدينا من أجل القيام بواجباتنا، فلا يمكننا أن نرعاهما – وليس أننا نختار تركهما لأننا نتجنب مسؤولياتنا. ومن جهة أخرى، نحن نترك بيوتنا لأن الله دعانا للقيام بواجباتنا، لذا لا نستطيع أن نصحب والدينا، ولكننا نظل قلقين عليهما، وهذا يختلف عن عدم رغبتنا في القيام بمسئولياتنا تجاههما وعدم البر بهما). هذان السببان هما حقائق ووقائع يجب أن يفهمها الناس. إذا فهم الناس هذه الأشياء، سيشعرون بهدوء أكثر قليلاً وبسلام أكبر في أعماق قلوبهم عندما يتخلون عن توقعات والديهم، ولكن هل يمكن لهذا أن يحل المشكلة من جذورها؟ لولا تأثير الظروف الخارجية الأكبر، هل كان مصيرك سيرتبط بمصير والديك؟ لو لم تكن مؤمنًا بالله، وكنت تعمل وتمضي أيامك بطريقة عادية، هل كنت ستتمكن حتمًا من مرافقة والديك؟ هل ستكون قادرًا بالتأكيد على أن تكون بارًا بوالديك؟ هل ستكون قادرًا بالتأكيد على البقاء إلى جانبهما وردّ إحسانهما؟ (ليس بالضرورة). هل يتصرف أي شخص فقط من أجل ردّ إحسان والديه طوال حياته؟ (كلا). لا يوجد أشخاص على هذا الحال. لذلك، يجب عليك أن تتعرف على هذا الأمر وترى جوهره من منظور مختلف. هذا هو الحق الأعمق الذي يجب أن تفهمه في هذه المسألة. إنها أيضًا حقيقة، وأكثر من ذلك، إنها جوهر هذه الأشياء. ما هي الحقائق التي يجب أن تفهمها بشأن التخلي عن توقعات والديك؟ من ناحية، يجب أن تفهم أن والديك ليسا دائنيك؛ ومن ناحية أخرى، يجب أن تفهم أن والديك ليسا سيديّ حياتك أو مصيرك. أليست هذه هي الحقيقة؟ (إنها كذلك). إذا فهمت هاتين الحقيقتين، ألن يكون من الأسهل عليك التخلي عن توقعات والديك؟ (سيكون كذلك).
أولًا، سنتحدث عن هذا الجانب من الحق: "والداك ليسا دائنيك". والداك ليسا دائنيك؛ إلام يشير هذا؟ ألا يشير إلى الإحسان الذي أظهره والداك لك بتربيتك؟ (بلى). لقد أظهر والداك الإحسان لك بتربيتك، لذلك من الصعب عليك أن تتخلى عن علاقتك بهما. أنت تعتقد أن عليك أن تردّ لهما إحسانهما وإلا ستكون ابنًا غير بار؛ وتعتقد أنه يجب عليك أن تظهر لهما البر بالوالدين، وأنك يجب أن تطيع كل كلمة من كلامهما، وأنك يجب أن تلبّي كل رغباتهما وطلباتهما، وعلاوة على ذلك لا تخذلهما؛ وهذا، في اعتقادك، هو ردّ إحسانهما. بالطبع، بعض الناس لديهم وظائف جيدة ويكسبون أجورًا جيدة، ويوفرون لوالديهم بعض المتع المادية والحياة المادية الرائعة، مما يسمح لوالديهم أن ينعموا بخيراتهم، ويجعلونهما يعيشان حياة أفضل. فمثلًا، لنفترض أنك اشتريت لوالديك منزلًا وسيارة واصطحبتهما إلى المطاعم الفاخرة لتناول أشهى المأكولات من كل نوع، واصطحبتهما في رحلات إلى وجهات سياحية وحجزت لهما في فنادق فخمة، لتسعدهما ولتشعرهما بالاستمتاع بهذه الأشياء. أنت تفعل كل هذه الأشياء لتردّ إحسان والديكِ، ولتشعرهما بأنهما قد حصلا على شيء مقابل تربيتك ومحبتهما لك، وأنك لم تخذلهما. من ناحية، أنت تفعل ذلك ليراه والداك، ومن ناحية أخرى، أنت تفعل ذلك ليراه الناس من حولك، ليراه المجتمع، وفي الوقت ذاته أنت تبذل قصارى جهدك لإرضاء احتياجات ضميرك. أيًا كانت الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر، وأيًا كان ما تحاول إرضاءه، فإن كل هذه الأفعال تتم – إلى حد كبير على أي حال – لرد إحسان والديك، وجوهر هذه الأفعال هو رد الإحسان الذي أظهراه لك بتربيتك. إذن، لماذا لديك هذه الفكرة عن ردّ الإحسان لوالديك؟ هذا لأنك تعتقد أن والديك أنجباك، وأنه لم يكن من السهل عليهما تربيتك؛ وبهذه الطريقة يصبح والداك دائنين لك دون أن تشعر. أنت تعتقد أنك مدين لوالديك، وأنك يجب أن ترد لهما إحسانهما. أنت تعتقد أنه لا يمكنك أن تكون إنسانًا إلا بردّ إحسانهما، وأن تكون ابنًا بارًا حقًا بهما، وأن ردّ الإحسان لهما هو المعيار الأخلاقي الذي يجب أن يتحلى به الإنسان. لذا فإن هذه الأفكار، والآراء، والأفعال تنشأ في جوهرها لأنك تعتقد أنك مدين لوالديك، وأنك يجب أن ترد لهما الإحسان؛ إلى حد كبير، والداك هما دائناك، أي أنك تعتقد أنك مدين لهما مقابل الإحسان الذي أظهراه لك. والآن، بما أن لديك القدرة على رد الإحسان لهما وتعويضهما، فإنك تفعل ذلك؛ حسب قدراتك، وتستخدم المال والمودة لتعويضهما. إذن، هل القيام بذلك هو إظهار للإنسانية الحقيقية؟ هل هو مبدأ حقيقي للممارسة؟ (لا، ليس كذلك). لماذا أقول إن "والديك ليسا دائنيك"؟ بما أن "والداك ليسا دائنيك" حقيقةً، فإذا كنت تعتبر والديك محسنين ودائنين لك، وإذا كان كل ما تفعله هو لرد إحسانهما، فهل هذه الفكرة والنظرة صحيحتان؟ (كلا). ألم تقل "كلا" على مضض؟ أي العبارتين هي الحق: "والداك ليسا دائنيك" أم "والداك محسنان لك وعليك أن ترد إحسانهما"؟ ("والداك ليسا دائنيك" هي الحق). بما أن "والداك ليسا دائنيك" هي الحق، فهل عبارة "والداك محسنان لك وعليك أن ترد إحسانهما" هي الحق؟ (كلا). ألا تتعارض مع عبارة "والداك ليسا دائنيك"؟ (بلى). ليس المهم أي من هاتين العبارتين تُشعر ضميرك بالإدانة، فما هو المهم؟ المهم هو أي من هاتين العبارتين هي الحق. يجب عليك قبول العبارة التي هي الحق، حتى لو كانت تجعل ضميرك يشعر بعدم الارتياح والاتهام، لأنها الحق. على الرغم من أن عبارة "والداك محسنان لك وعليك أن ترد إحسانهما" تتفق مع المعايير الأخلاقية الإنسانية للإنسان، ومع وعي ضمير الإنسان، إلا أنها ليست الحق. يجب أن تتخلى عن هذه العبارة على الرغم من أنها تُشعر ضميرك بالرضا والراحة. هذا هو الموقف الذي يجب أن تتحلى به عندما يتعلق الأمر بقبول الحق. إذن، بين عبارة "والداك ليسا دائنيك" وعبارة "والداك محسنان لك وعليك أن ترد إحسانهما"، أي العبارتين تبدو أكثر راحة وأكثر انسجامًا مع الإنسانية ومع حس ضميرك، وأكثر انسجامًا مع المعايير الأخلاقية الإنسانية؟ (العبارة الثانية). لماذا العبارة الثانية؟ لأنها تلبي احتياجات الإنسان العاطفية وتشبعها. ومع ذلك، فهي ليست الحق، وهي مكروهة عند الله. إذن، هل عبارة "والداك ليسا دائنيك" تجعل الناس يشعرون بعدم الارتياح؟ (نعم). بم يشعر الناس ويحسون بعد سماع هذه العبارة؟ (يشعرون أنها تفتقر قليلًا إلى الضمير). يشعرون أنه ينقصها بعض الشعور الإنساني، أليس كذلك؟ (بلى). يقول البعض: "إذا لم يكن لدى الإنسان مشاعر إنسانية، فهل يظل إنسانًا؟ تبدو عبارة "والداك ليسا دائنيك" وكأنها تفتقر إلى المشاعر الإنسانية، لكنها حقيقة. إذا تناولت علاقتك بوالديك بطريقة عقلانية، ستكتشف أن عبارة "والداك ليسا دائنيك" قد فسّرت بجلاء العلاقة التي تربط كل شخص بوالديه من الجذور، وجوهر وجذر العلاقات الشخصية. وعلى الرغم من أنها لا تريح ضميرك، ولا تلبي احتياجاتك العاطفية، إلا أنها تظل حقيقة وتظل حق. يمكن لهذا الحق أن يمكّنك من التعامل مع الإحسان الذي أظهره لك والداك بتربيتك بطريقة عقلانية وصحيحة. ويمكنه أيضًا أن يمكنك من التعامل مع أي من توقعات والديك بطريقة عقلانية وصحيحة. وبطبيعة الحال، هو أكثر قدرة على تمكينك من التعامل مع علاقتك بوالديك بطريقة عقلانية وصحيحة. إذا استطعت أن تتعامل مع علاقتك بوالديك بهذه الطريقة، فأنت قادر على التعامل معها بطريقة عقلانية. يقول البعض: "هذه الحقائق مصاغة جيدًا، وتبدو عاطفية جدًا، ولكن لماذا عندما يسمعها الناس يشعرون باستحالة تحقيقها؟ خاصةً عبارة "والداك ليسا دائنيك"؛ لماذا يشعر الناس بعد سماع هذه الحقيقة أن علاقتهم بوالديهم تزداد بعدًا وجفاءً؟ لماذا يشعرون أنه لا توجد مودة بينهم وبين والديهم؟". هل يحاول الحق عمدًا إبعاد الناس عن بعضهم بعضًا؟ هل يحاول الحق عمدًا قطع العلاقات بين الناس ووالديهم؟ (كلا). إذن، ما هي النتائج التي يمكن تحقيقها من خلال فهم هذا الحق؟ (يمكن لفهم هذا الحق أن يمكننا من رؤية علاقتنا بوالدينا على حقيقتها؛ يخبرنا هذا الحق بالطبيعة الحقيقية لهذه المسألة). هذا صحيح، إنه يمكنك من رؤية الطبيعة الحقيقية لهذه المسألة، والاقتراب من هذه الأمور والتعامل معها بعقلانية، وعدم العيش في إطار عواطفك أو في إطار العلاقات الشخصية الجسدية، أليس كذلك؟
دعنا نتحدث عن كيفية تفسير عبارة "والداك ليسا دائنيك". والداك ليسا دائنيك؛ أليست هذه حقيقة؟ (إنها كذلك). بما أنها حقيقة، فمن المناسب أن نفسر الأمور الواردة فيها. دعنا ننظر في مسألة إنجاب والديك لك. من الذي اختار لهما أن ينجباك، أنت أم والداك؟ من اختار من؟ إذا نظرت إلى هذا الأمر من منظور الله، فالإجابة هي: لا أحد منكم. لم تختر أنت أو والداك أن ينجباك. إذا نظرت إلى أصل هذه المسألة، فهذا أمر قدّره الله. سننحي هذا الموضوع جانبًا في الوقت الحالي، لأن هذا الأمر سهل الفهم على الناس. فمن وجهة نظرك، ولدتَ لوالديك دون دور فاعل لك، دون أن يكون لك أي خيار في الأمر. ومن منظور والديك، فقد أنجباك بإرادتهما المستقلة، أليس كذلك؟ وبعبارة أخرى، إذا وضعنا جانبًا تقدير الله في مسألة إنجابك، كان والداك هما من يملكان كل السلطة. لقد اختارا إنجابك، وكان القرار قرارهما. لم تختر أن ينجباك، وأنجباك دون أن يكون لك أي دور، ولم يكن لديكِ أي خيار في الأمر. لذا، بما أن والديك كانا يملكان كل السلطة، وقد اختارا إنجابك، فإنهما ملزمان ومسؤولان عن تربيتك، وتنشئتك حتى تصبح راشدًا، وتزويدك بالتعليم، والطعام، والملابس، والمال؛ هذه مسؤوليتهما والتزامهما، وهذا ما يجب عليهما فعله. بينما كنت دائمًا سلبيًا خلال الفترة التي كانا يربيانك فيها، لم يكن لك الحق في الاختيار، وكان لزامًا عليهما أن يربياك. لم تكن لديك القدرة على تربية نفسك لأنك كنت صغيرًا، ولم يكن لديك خيار سوى أن يربياك دون قيامك بأي دور. لقد تربيت بالطريقة التي اختارها والداك، إذا قدما لك طعامًا وشرابًا جيدين، أكلت وشربت طعامًا وشرابًا جيدين. وإذا وفرا لك بيئة معيشية تعيش فيها على القشور والنباتات البرية، ستعيش على القشور والنباتات البرية. على أي حال، أثناء تربية والديك لك، كان دورك سلبيًا وكان والداكِ يقومان بمسؤوليتهما. الأمر مشابه لرعاية والديك لزهرة. بما أنهما يرغبان في رعاية الزهرة، فعليهما أن يسمداها ويسقياها ويتأكدا من حصولها على ضوء الشمس. لذا، فيما يتعلق بالناس، سواء كان والداك قد اعتنيا بك باهتمام أو أفرطا في العناية بك، ففي كل الأحوال، كانا فقط يقومان بمسؤوليتهما والتزامهما. وبغض النظر عن السبب الذي جعلهما يربيانك، فقد كانت تلك مسؤوليتهم؛ فلأنهما أنجباك، فيجب أن يتحملا المسؤولية تجاهك. وبناءً على هذا، هل يمكن اعتبار كل ما فعله والداك من أجلك إحسانًا؟ لا يمكن، أليس كذلك؟ (هذا صحيح). إن قيام والديك بمسؤوليتهما تجاهك لا يعد من الإحسان، فإذا قاما بمسؤوليتهما تجاه زهرة أو نبتة وسقياها أو سمّداها، فهل يعد ذلك من الإحسان؟ (كلا). هذا أبعد من أن يكون إحسانًا. تنمو الزهور والنباتات بشكل أفضل في الخارج؛ إذا كانت مزروعة في التربة، تزدهر مع الرياح والشمس ومياه الأمطار. إنها لا تنمو بشكل جيد عندما تُزرع في أصيص في الداخل كما تنمو في الخارج، ولكن أينما كانت، فهي تعيش، أليس كذلك؟ أيًا كان مكان وجودها، فقد قدّر الله ذلك. أنت شخص حي، والله يتحمل مسؤولية كل حياة، ويجعلها قادرة على البقاء، والالتزام بالقانون الذي تلتزم به جميع الكائنات المخلوقة. لكنك تعيش كإنسان في البيئة التي يربيك أبواك فيها، لذا يجب أن تنمو وتعيش في تلك البيئة. إن حياتك في تلك البيئة هي على نطاقٍ أوسع نتيجة ما قدَّره الله لك، وعلى نطاقٍ أصغر، نتيجة تربية والديك لك، أليس كذلك؟ على أي حال، عن طريق تربيتك، يقوم والداك بمسؤولية والتزام. إن تربيتك حتى تصبح راشدًا هو التزام ومسؤولية يقعان على عاتقهما، ولا يمكن تسمية ذلك إحسانًا. إذا كان لا يمكن تسميته إحسانًا، أليس هذا شيئًا يجب أن تستمتع به؟ (بلى). هذا نوع من الحقوق التي يجب أن تتمتع بها. ينبغي أن يربيك والداك، لأن الدور الذي تلعبه قبل أن تبلغ سن الرشد هو دور الابن الذي يتم تربيته. لذلك فإن والديك يقومان فقط بنوع من الوفاء بالمسؤولية تجاهك، وأنت تتلقى ذلك فحسب، ولكنك بالتأكيد لا تتلقى منهما نعمة أو إحسانًا. بالنسبة إلى أي مخلوق حي، إنجاب الأطفال ورعايتهم، والتكاثر، وتربية الجيل التالي هو نوع من المسؤولية. على سبيل المثال، يجب على الطيور، والأبقار، والأغنام، وحتى النمور، أن تعتني بصغارها بعد تكاثرها. لا توجد كائنات حية لا تربي صغارها. من الممكن أن تكون هناك بعض الاستثناءات، ولكنها ليست كثيرة. إنها ظاهرة طبيعية في وجود الكائنات الحية، إنها غريزة لدى الكائنات الحية، ولا يمكن أن تُعزى إلى الإحسان. إنها مجرد التزام بقانون وضعه الخالق للحيوان وللبشر. لذا فإن تربية والديك لك ليست نوعًا من الإحسان. وبناءً على هذا، يمكن القول إن والديك ليسا دائنيك. إنهما يقومان بمسؤوليتهما تجاهك. ومهما كان مقدار الجهد والمال الذي ينفقانه عليك، فلا ينبغي لهما أن يطلبا منك تعويضهما، لأن هذه مسؤوليتهما كآباء وأمهات. وبما أنها مسؤولية والتزام، فينبغي أن تكون مجانية، ولا ينبغي لهما أن يطلبا منك تعويضًا. كان والداك يقومان بمسؤوليتهما والتزامهما فقط بتربيتك، وينبغي أن يكون ذلك بدون مقابل، ولا ينبغي أن يكون معاملة تجارية. لذا، لا ينبغي عليك أن تقارب والديك أو تتعامل مع علاقتك معهما على أساس فكرة تعويضهما. أما إذا كنت تعامل والديك وترد لهما إحسانهما وتتعامل مع علاقتك بهما وفق هذه الفكرة، فهذا غير إنساني. وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يجعلك هذا مقيدًا ومكبلًا بمشاعرك الجسدية، وسيكون من الصعب عليك الخروج من هذه التشابكات، لدرجة أنك قد تفقد طريقك. إن والديك ليسا دائنيك، لذا فأنت لست ملزمًا بتحقيق جميع توقعاتهما. أنت لست ملزمًا بدفع فاتورة توقعاتهما. وهذا يعني أنه يمكن أن يكون لهما توقعاتهما الخاصة، وأنت لديك اختياراتك الخاصة، ومسار حياتك وقدرك الذي حدده الله لك، والذي لا علاقة له بوالديك. لذا، عندما يقول لك أحد والديك: "أنت ابن عاق. لم تعد لرؤيتي منذ سنوات عديدة، ومضت أيام عديدة منذ آخر مرة اتصلت بي فيها. أنا مريض وليس هناك من يعتني بي. لقد ربيتك حقًا بلا طائل. أنت حقًا ناكر للجميل غير مبال، وابن عاق!". إذا كنت لا تفهم الحق القائل بأن "والديك ليسا دائنيك"، فإن سماع هذه الكلمات سيكون مؤلمًا مثل سكين تخترق قلبك، وسيشعر ضميرك بالإدانة. كل كلمة من هذه الكلمات ستنغرس في قلبك، وستجعلك تشعر بالخجل من مواجهة والديك، وبأنك مدين لوالديك، وممتلئ بالذنب تجاههما. عندما يقول والداك إنك ناكر للجميل غير مبال، ستشعر حقًا بهذا: "إنهما محقان تمامًا. لقد ربياني حتى هذا العمر، ولم يتمكنا من الاستمتاع بخيراتي. والآن هما مريضان، وكانا يأملان أن أبقى بجانب سريرهما، وأن أخدمهما وأرافقهما. لقد احتاجا إليّ لأردّ لهما إحسانهما، ولم أكن موجودًا. أنا حقًا ناكر للجميل غير مبال!". ستصنف نفسك باعتبارك ناكرًا للجميل غير مبال؛ هل هذا عقلاني؟ هل أنت ناكر للجميل غير مبال؟ لو لم تغادر منزلك لأداء واجبك في مكانٍ آخر، وبقيت إلى جانب والديك، هل كان بوسعك أن تمنع عنهما المرض؟ (كلا). هل يمكنك التحكم في حياة والديك أو موتهما؟ هل يمكنك التحكم فيما إذا كانا غنيان أو فقيران؟ (كلا). المرض الذي سيصيب والديك أيًا كان لن يكون بسبب إرهاقهما الشديد من تربيتك، أو لأنهما افتقداك؛ لن يصابا بأي من تلك الأمراض الكبيرة، والخطيرة، وربما القاتلة بسببك. هذا مصيرهما، ولا علاقة له بك. مهما كنت بارًا بوالديك، فإن أقصى ما يمكنك تحقيقه هو تخفيف معاناتهما الجسدية وأعبائهما قليلًا، أما بخصوص متى يمرضان وبأي مرض يصابان ومتى وأين يموتان؛ هل لهذه الأمور علاقة بك؟ لا، ليس لها علاقة بك. إذا كنت ابنًا بارًا بوالديك، إذا لم تكن عاقًا غير مبال، وقضيت اليوم كله معهما واعتنيت بهما، ألن يمرضا؟ ألن يموتا؟ إذا كانا سيمرضان، ألن يمرضا على أي حال؟ إذا كانا سيموتان، ألن يموتا على أي حال؟ أليس هذا صحيحًا؟ إذا قال والداك إنك ناكر للجميل غير مبال، وإنك بلا ضمير، وإنك ابن عاق، هل كنت ستنزعج؟ (نعم). ماذا عن الآن؟ (لن أشعر بالضيق الآن). إذن، كيف حُلت هذه المشكلة؟ (لأن الله عقد شركة حول عدم وجود علاقة لنا بمرض والدينا أو عدم مرضهما، وسواء عاشا أو ماتا، فكل ذلك أمر قدّره الله. فإذا بقينا إلى جانبهما لن نستطيع أن نفعل شيئًا، فإذا قالا إننا ناكرون للجميل غير مبالين، فلا علاقة لنا بهذا). وبغض النظر عما إذا كان والداك ينعتانك بأنك ناكر للجميل غير مبال، فعلى الأقل أنت تقوم بواجب الكائن المخلوق أمام الخالق. ما دمت لست ناكرًا للجميل في نظر الله، فهذا يكفي. لا يهم ما يقوله الناس. ما يقوله والداك عنك ليس بالضرورة أن يكون صحيحًا، وما يقولانه ليس مفيدًا. عليك أن تأخذ كلام الله كأساس لك. إذا قال الله إنك كائن مخلوق بدرجة كافية، فلا يهم إذا قال الناس عنك إنك ناكر للجميل غير مبال، فلا يمكنهم تحقيق أي شيء من ذلك. كل ما في الأمر أن الناس سيتأثرون بهذه الإهانات بسبب تأثير ضمائرهم، أو عندما لا يفهمون الحق وتكون قاماتهم ضئيلة، وسيصبحون في مزاج سيئ، ويشعرون ببعض الاكتئاب، ولكن عندما يعودون أمام الله، سيُحل كل هذا ولن يعود يشكل لهم مشكلة بعد ذلك. ألم تُحَلّ مسألة رد إحسان الوالدين؟ هل تفهمون هذه المسألة؟ (نعم). ما هي الحقيقة التي يجب أن يفهمها الناس هنا؟ تربيتك هي مسؤولية والديك. لقد اختارا أن ينجباك، لذا تقع على عاتقهما مسؤولية وواجب تربيتك. ومن خلال تربيتك حتى تصبح راشدًا، فهما يقومان بمسؤوليتهما والتزامهما. أنت لست مدينًا لهما بأي شيء، لذا لست بحاجة إلى تعويضهما. لا تحتاج إلى تعويضهما؛ وهذا يدل بوضوح على أن والديك ليسا دائنيك، وأنك لست بحاجة إلى أن تفعل لهما شيئًا مقابل إحسانهما. إذا كانت ظروفك تسمح لك بالوفاء بشيء من مسؤوليتك تجاههما، فافعل ذلك. أما إذا كانت بيئتك وظروفك الموضوعية لا تسمح لك بالوفاء بواجبك تجاههما، فلا داعي لأن تفكر كثيرًا في الأمر، ولا ينبغي أن تظن أنك مدين لهما، لأن والديك ليسا دائنيك. بغض النظر عما إذا كنت بارًا بوالديك أو تقوم بمسؤوليتك تجاههما، فأنت تتصرف من منظور الابن وتؤدي جزءًا من مسؤوليتك تجاه من أنجباك وربياك. لكنك بالتأكيد لا يمكنك أن تفعل ذلك من منظور تعويضهما، أو من منظور "والداك محسنان لك وعليك أن ترد إحسانهما، فعليك أن ترد لهما الجميل".
ثمة مقولة في عالم غير المؤمنين: "إن الغربان ترد الصنيع لأمهاتها بإطعامها، والحملان تجثو على ركبتيها لترضع اللبن من أمهاتها". وهناك أيضًا هذه المقولة: "الإنسان غير البار بوالديه أحقر من البهيمة". كم يبدو هذان القولان عظيمان! في الواقع، الظواهر التي تذكرها المقولة الأولى، "إن الغربان ترد الصنيع لأمهاتها بإطعامها، والحملان تجثو على ركبتيها لترضع اللبن من أمهاتها" موجودة بالفعل، هذه حقائق. ومع ذلك، فهي مجرد ظواهر في عالم الحيوان. إنها مجرد نوع من القوانين التي وضعها الله لمختلف المخلوقات الحية، والتي تلتزم بها جميع أنواع المخلوقات الحية، بما في ذلك البشر. إن حقيقة أن جميع أنواع المخلوقات الحية تلتزم بهذا القانون توضح أيضًا أن جميع المخلوقات الحية مخلوقة من الله. لا يمكن لأي مخلوق حي أن يخالف هذا القانون، ولا يمكن لأي مخلوق حي أن يتجاوزه. فحتى الحيوانات آكلة اللحوم الشرسة نسبيًا كالأسود والنمور ترعى صغارها ولا تعضها قبل البلوغ. هذه غريزة حيوانية. جميع الحيوانات أيًا كان نوعها، سواء كانت شرسة أو لطيفة وودودة، تمتلك هذه الغريزة. لا يمكن لجميع أنواع المخلوقات، بما في ذلك البشر، أن تستمر في التكاثر والبقاء على قيد الحياة إلا بالالتزام بهذه الغريزة وهذا القانون. إذا لم يلتزموا بهذا القانون، أو لم يكن لديهم هذا القانون وهذه الغريزة، فلن يكونوا قادرين على التكاثر والبقاء على قيد الحياة. لما كان ليصبح للسلسلة البيولوجية وجود، ولا هذا العالم أيضًا. أليس هذا صحيحاً؟ (بلى). "إن الغربان ترد الصنيع لأمهاتها بإطعامها، والحملان تجثو على ركبتيها لترضع اللبن من أمهاتها" يدل تحديدًا على أن عالم الحيوان يلتزم بهذا النوع من القانون. كافة أنواع المخلوقات الحية لديها هذه الغريزة، فبمجرد أن يولد الصغار، تتولى الإناث أو الذكور من هذا النوع رعايتها وتربيتها حتى تكبر. إن جميع أنواع الكائنات الحية قادرة على الوفاء بمسؤولياتها والتزاماتها تجاه صغارها، وتربية الجيل القادم بضمير وواجب. وينبغي أن يكون هذا هو الحال أكثر بالنسبة إلى البشر. تُطلق البشرية على الإنسان اسم الحيوان الأعلى. إذا لم يتمكن البشر من الالتزام بهذا القانون، وافتقروا إلى هذه الغريزة، يكونون أقل من الحيوانات، أليس كذلك؟ لذلك، مهما غمراك والداك بالرعاية أثناء تربيتهما لك، ومهما قاما بمسؤوليتهما تجاهك، فإنهما لم يقوما إلا بما يتعين عليهما القيام به في نطاق قدرات الإنسان المخلوق – إنها غريزتهما. انظر فحسب إلى الطيور، فهي تبحث باستمرار لأكثر من شهر قبل موسم التزاوج عن مكان آمن لتبني أعشاشها. يخرج ذكور الطيور وإناثها بالتناوب، حاملين أنواعًا مختلفة من النباتات والريش والأغصان للبدء في بناء أعشاشها في الأشجار الكثيفة نسبيًا. الأعشاش الصغيرة التي تبنيها مختلف أنواع الطيور كلها متينة ومعقدة بشكل لا يصدق. تبذل الطيور كل هذا الجهد في صنع الأعشاش وبناء المآوي من أجل صغارها. وبعد أن تبني هذه الطيور أعشاشها ويحين وقت الحضانة، يكون هناك دائمًا طائر في كل عش؛ حيث يتناوب الذكر والأنثى من الطيور على مدار 24 ساعة في اليوم، وهما منتبهان بشكل لا يصدق – فعندما يعود أحدهما، يطير الآخر بعد فترة وجيزة. بعد ذلك بوقت قصير، تفقس بعض الفراخ وتخرج رؤوسها من بيضها، ويمكنك سماعها وهي تبدأ في الزقزقة في أشجارها. تطير الطيور البالغة ذهاباً وإياباً، فتعود الآن لتطعم فراخها بعض الديدان، وتعود مرة أخرى لتطعمها شيئاً آخر، مظهرةً بذلك انتباهاً مذهلاً. بعد شهرين، تكون بعض صغار الطيور قد نمت قليلاً وتستطيع أن تقف على حافة أعشاشها وترفرف بأجنحتها؛ ويطير آباؤها وأمهاتها ذهابًا وإيابًا ويتناوبون على إطعام فراخهم وحراستها. في إحدى السنوات، رأيت غراباً في السماء يحمل فرخاً في فمه. كان ذلك الفرخ يصرخ صراخًا بائسًا جدًا، مستغيثًا بشكل أو بآخر. كان الغراب في المقدمة وهو يطير والفرخ في فمه، وكان هناك زوج من الطيور البالغة يطاردانه. كان هذان الطائران أيضًا يصرخان بشكل بائس، وفي النهاية طار الغراب بعيدًا. كان الفرخ على الأرجح سيموت على أي حال، سواء تمكن والداه من اللحاق بالغراب أم لا. أما الطائران البالغان اللذان كانا يطيران خلفه فقد بكيا وصرخا كثيراً لدرجة أنهما أزعجا الناس على الأرض – ما مدى بؤس صراخهما في رأيك؟ في الواقع، لم يكن لديهما بالتأكيد صغير واحد فقط. لا بد أنه كان لديهما ثلاثة أو أربعة أفراخ في عشهما، ولكن عندما كان أحدها يُحمل بعيدًا طارا خلفه وكانا يبكيان ويصرخان. هكذا هو عالم الحيوان والعالم البيولوجي – فالمخلوقات الحية قادرة على رعاية صغارها دون كلل أو ملل. تعود الطيور وتبني أعشاشًا جديدة كل عام، وتفعل نفس الأشياء كل عام؛ فهي تحتضن فراخها وتطعمها وتعلمها كيف تطير. وبينما تتدرب الفراخ على الطيران، فإنها لا تطير عاليًا، وأحيانًا تسقط على الأرض، حتى أننا أنقذناها عدة مرات، وسارعنا إلى إعادتها إلى أعشاشها. يعلمها آباؤها كل يوم، وذات يوم ستغادر جميع تلك الفراخ أعشاشها وتطير بعيداً، تاركة وراءها أعشاشاً فارغة. وفي العام التالي ستأتي أزواج جديدة من الطيور لتبني أعشاشها وتحتضن بيضها وتربي فراخها. تمتلك جميع أنواع المخلوقات والحيوانات الحية هذه الغرائز والقوانين، وتلتزم بها التزامًا تامًا، وتنفذها على أكمل وجه. وهذا شيء لا يمكن لأي إنسان أن يفسده. هناك أيضًا بعض الحيوانات الخاصة، مثل النمور والأسود. عندما تصل هذه الحيوانات إلى مرحلة البلوغ، فإنها تترك آباءها، بل إن بعض الذكور تصبح متنافسة وتعض وتتصارع وتتقاتل حسب الضرورة. هذا أمر طبيعي، إنه قانون، فهي لا تتسم بالعاطفة الشديدة، ولا تعيش بمشاعرها كما يفعل البشر، فتقول "يجب أن أردّ لهما إحسانهما، يجب أن أكافئهما – يجب أن أطيع والديّ. إن لم أظهر لهما بر الوالدين، سيدينني الآخرون ويوبخونني وينتقدونني من وراء ظهري. لا يمكنني تحمل ذلك!". لا تُقال مثل هذه الأشياء في عالم الحيوان. لماذا يقول الناس مثل هذه الأشياء؟ لأن هناك العديد من الأفكار والتوافقات غير الصحيحة في المجتمع وداخل مجموعات الناس. بعد أن يتأثر الناس بهذه الأشياء ويتآكلون ويتعفنون بها، تنشأ في داخلهم طرق مختلفة لتفسير العلاقة بين الأبوين والأبناء والتعامل معها، ويتعاملون في النهاية مع والديهم على أنهما دائنيهما – دائنان لن يستطيعا أبدًا رد جميلهما طوال حياتهم، بل أن ثمة بعض الأشخاص الذين يشعرون بالذنب طوال حياتهم بعد وفاة والديهم، ويعتقدون أنهم لا يستحقون عطف والديهم، بسبب شيء واحد فعلوه لم يسعد والديهم أو لم يسر كما أراده والديهم. أخبرني، أليس هذا مبالغًا فيه؟ يعيش الناس وسط مشاعرهم، فلا يمكن سوى لتلك الأفكار المختلفة النابعة من هذه المشاعر أن تتسلل إليهم تدريجيًا وتزعجهم. يعيش الناس في بيئة ملونة بأيديولوجية البشرية الفاسدة، فتتسلل إليهم وتزعجهم مختلف الأفكار المغلوطة، مما يجعل حياتهم مرهقة وأقل بساطة من حياة الكائنات الحية الأخرى. ومع ذلك، نظرًا لأن الله يعمل في الوقت الحالي، ولأنه يعبّر عن الحق ليخبر الناس بالطبيعة الحقيقية لكل هذه الحقائق، وليمكنهم من فهم الحق، فبعد أن تتوصل إلى فهم الحق، لن تعود هذه الأفكار والآراء الخاطئة تثقل كاهلك، ولن تكون بمثابة دليل لك في كيفية تعاملك مع علاقتك مع والديك. ستصبح حياتك أكثر استرخاءً في هذه المرحلة. لا يعني أن تعيش حياة أكثر استرخاءً أنك لن تعرف ما هي مسؤولياتك والتزاماتك – ستظل تعرف هذه الأشياء، يعتمد الأمر فحسب على المنظور والطرق التي تختارها للتعامل مع مسؤولياتك والتزاماتك. أحد المسارات هو أن تسلك طريق المشاعر، وأن تتعامل مع هذه الأمور بناءً على الوسائل العاطفية والأساليب والأفكار والآراء التي يوجه الشيطان الإنسان نحوها. والمسار الآخر هو التعامل مع هذه الأمور بناءً على الكلمات التي علَّمها الله للإنسان. عندما يتعامل الناس مع هذه الأمور وفقًا لأفكار الشيطان وآرائه الخاطئة، فإنهم لا يستطيعون العيش إلا في إطار تشابكات مشاعرهم، ولا يستطيعون أبدًا التمييز بين الحق والباطل. في ظل هذه الظروف، لا يكون أمامهم خيار سوى العيش في فخ، متشابكين دائمًا في أمور مثل: "أنت على حق، وأنا على خطأ. أنت أعطيتني أكثر؛ وأنا أعطيتك أقل. أنت ناكر للجميل. أنت تجاوزت الحدود". وبالتالي، لا يوجد أبدًا وقت يتحدثون فيه بوضوح. ولكن، بعد أن يفهم الناس الحق، وعندما يهربون من أفكارهم وآرائهم المغلوطة، ومن المشاعر المتشابكة، تصبح هذه الأمور بسيطة بالنسبة إليهم. ستصبح حياتك مستريحة جدًا إذا التزمت بأحد مبادئ الحق، أو فكرة أو وجهة نظر صحيحة ومن عند الله. لن يعيق الرأي العام، ولا وعي ضميرك، ولا عبء مشاعرك، كيفية تعاملك مع علاقتك مع والديك بعد الآن؛ بل على النقيض من ذلك، ستمكنك هذه الأمور من مواجهة هذه العلاقة بطريقة صحيحة وعقلانية. إذا تصرفت وفقًا لمبادئ الحق التي منحها الله للإنسان، حتى لو انتقدك الناس من وراء ظهرك، ستظل تشعر بالسلام والهدوء في أعماق قلبك، ولن يكون لذلك أي تأثير عليك. على أقل تقدير لن توبخ نفسك لكونك ناكرًا للجميل ولن تشعر بتأنيب ضميرك بعد الآن في أعماق قلبك. هذا لأنك ستعرف أن جميع تصرفاتك تتم وفقًا للطرق التي علمك الله إياها، وأنك تستمع إلى كلام الله وتخضع له وتتبع طريقه. إن الاستماع إلى كلام الله واتباع طريقه هو حس الضمير الذي يجب أن يتحلى به الناس أكثر من أي شيء. لن تكون شخصًا حقيقيًا إلا عندما تستطيع القيام بهذه الأمور. إذا لم تكن قد أنجزت هذه الأمور، فأنت ناكر للجميل غير مبال. أليس هذا هو الحال؟ (إنه كذلك). هل ترى هذا الأمر بوضوح الآن؟ رؤية الأمر بوضوح ما هو إلا جانب واحد من هذا الأمر؛ إذا تمكن الناس من أن يروا حقيقة هذا الأمر تدريجيًا وأن يمارسوا الحق، فهذا جانب آخر. يجب على الناس أن يختبروا الأمور لفترة من الزمن من أجل رؤية هذا الأمر بوضوح. إذا أراد الناس أن يروا هذه الحقيقة وهذا الجوهر بوضوح، وأن يصلوا إلى النقطة التي يتعاملون فيها مع الأمور بمبادئ، فلا يمكن تحقيق ذلك في وقت قصير، لأنه يجب على الناس أولاً أن يتخلصوا من تأثير كافة أنواع الأفكار والآراء الخاطئة والشريرة. ثمة جانب آخر أكثر أهمية، وهو أنه يجب أن يكونوا قادرين على التخلص من قيود ضمائرهم ومشاعرهم وتأثيرها؛ وعلى وجه الخصوص، يجب أن يجتازوا عقبة مشاعرهم هم أنفسهم. هب أنك تقر نظريًا بأن كلمة الله هي الحق وأنها صحيحة، وتعرف نظريًا أن الأفكار والآراء الخاطئة التي يغرسها الشيطان في الناس ليست صائبة، لكنك لا تستطيع تجاوز عقبة مشاعرك، وتشعر دائمًا بشعور سيئ بسبب والديك، معتقدًا أنهما قد أظهرا لك الكثير من الإحسان، وأنهما قد بذلا وفعلا وعانيا الكثير من أجلك، وأن ظلال كل ما فعله والداك من أجلك، وكل ما قالاه، وحتى كل ثمن دفعاه من أجلك، لا تزال حية في ذهنك. ستكون كل عقبة من هذه العقبات منعطفًا مهمًا للغاية بالنسبة إليك، ولن يكون من السهل عليك تجاوزها. في واقع الأمر، ستكون العقبة الأصعب بالنسبة إليك هي نفسك. إذا استطعتِ تجاوز العقبة تلو الأخرى، فستتمكن من التخلي تمامًا من أعماق قلبك عن المشاعر التي تكنها تجاه والديك. أنا لا أعقد شركة حول هذا الأمر لأجعلك تخون والديك، وبالتأكيد لا أفعل ذلك لأجعلك ترسم حدودًا بينك وبين والديك – نحن لا نبدأ حركة، ولا داعي لرسم أي حدود. أنا أعقد شركة حول هذا الأمر لمجرد أن أنقل لك الفهم الصحيح لهذه الأمور، ولكي أساعدك على قبول الفكرة والرؤية الصحيحتين. بالإضافة إلى ذلك، أنا أعقد شركة حول هذا حتى لا تنزعج من هذه الأمور عندما تصيبك، أو تتقيد بها، والأهم من ذلك، أنه عندما تواجه هذه الأمور، لن تؤثر على أدائك لواجبك ككائن مخلوق. بهذه الطريقة ستحقق شركتي هدفها. بالطبع، هل يمكن للناس الذين يعيشون بالجسد أن يصلوا إلى النقطة التي لا يحملون فيها أيًا من هذه الأشياء في أذهانهم، ولا توجد بينهم وبين والديهم أي تشابكات عاطفية؟ سيكون ذلك مستحيلًا. الناس في هذا العالم، بصرف النظر عن الوالدين، لديهم أيضًا أولادهم – وهاتان هما أقرب علاقتين جسديتين بين الناس. من المستحيل قطع العلاقة بين الوالدين والطفل تمامًا. أنا لا أحاول أن أجعلك تتخذ إجراء الإعلان عن أنك ستقطع علاقتك بوالديك، وأنك لن ترتبط بهما مرة أخرى. أنا أحاول مساعدتك في التعامل مع علاقتكما بالطريقة الصحيحة. هذه الأمور صعبة، أليست كذلك؟ مع تعمق فهمك للحق، ومع تقدمك في العمر، ستقل صعوبة هذه الأمور وتتراجع تدريجيًا. عندما يكون الناس في العشرينات من العمر، يشعرون بمستوى مختلف من التعلق بوالديهم مقارنةً بما يشعرون به عندما يبلغون الثلاثين أو الأربعين من العمر. ويصبح هذا التعلق أكثر خفوتًا بعد بلوغهم سن الخمسين، ولا داعي للحديث عن الأمر عند بلوغ الناس سن الستين أو السبعين، إذ بحلول ذلك الوقت يكون التعلق أخف وطأة – ويتغير هذا التعلق كلما تقدم الناس في العمر.
إن حقيقة إن "والديك ليسا دائنيك" هي المبدأ الصحيح للممارسة الذي ينبغي أن يفهمه الناس عندما يتعلق الأمر بكيفية تعاملهم مع والديهم. ما هو المبدأ الآخر للممارسة؟ (والداك ليسا سيدا حياتك أو مصيرك). أليس مبدأ "والداك ليسا سيدا حياتك أو مصيرك" أسهل في الفهم والتخلي عنه مقارنةً بمبدأ "والداك ليسا دائنيك"؟ يبدو ظاهريًا أن والديك هما اللذان منحاك حياتك الجسدية، وأن والديك هما اللذان أعطياك الحياة. لكن من وجهة نظر الله، ومن أصل هذه المسألة، لم يمنحك والداك حياتك الجسدية، لأن الناس لا يمكنهم خلق الحياة. بعبارات بسيطة، لا يمكن لأي إنسان أن يخلق أنفاس الإنسان. السبب الذي يجعل جسد كل إنسان قادرًا على أن يصبح إنسانًا هو أن لديه تلك الأنفاس. تكمن حياة الإنسان في هذه الأنفاس، وهي علامة على أن الإنسان حي. لدى الناس هذه الأنفاس والحياة، ومصدر هذه الأشياء وأصلها ليس والديهم. كل ما في الأمر أن الناس قد نتجوا عن طريق أن آباءهم أنجبوهم، وفي الأصل الله هو الذي يهب الناس هذه الأشياء. لذلك فإن والديك ليسا سيدا حياتك، بل إن سيد حياتك هو الله. لقد خلق الله البشر، وخلق حياة البشر، وأعطى البشرية نفخة الحياة، التي هي أصل حياة الإنسان. لذلك، أليس من السهل فهم عبارة "والداك ليسا سيدا حياتك"؟ أنفاسك ليست معطاة لك من قبل والديك، والأكثر من ذلك أن استمرارها ليس معطى لك من والديك. إن الله يرعى كل يوم من أيام حياتك ويحكمه. لا يمكن لوالديك أن يقررا كيف يسير كل يوم من أيام حياتك، وما إذا كان كل يوم من أيام حياتك سعيدًا ويسير بسلاسة، ومن تقابل كل يوم، أو في أي بيئة تعيش كل يوم. كل ما في الأمر هو أن الله يرعاك من خلال والديك – والداك هما ببساطة المرسلان من الله لرعايتك. عندما وُلِدتَ، لم يكن والداك هما اللذان منحاك الحياة، فهل كان والداك هما اللذان منحاك الحياة التي سمحت لك بالعيش حتى الآن؟ لم يكونا كذلك. لا يزال أصل حياتك هو الله وليس والديك. هب أن والديك أنجباك، ولكن عندما كان عمرك سنة أو خمس سنوات، قرر الله أن يأخذ حياتك. هل يمكن لوالديك فعل أي شيء حيال ذلك؟ ماذا سيفعل والداك؟ كيف سينقذان حياتك؟ سيرسلانك إلى المستشفى ويعهدان بك إلى الأطباء الذين سيحاولون علاج مرضك وإنقاذ حياتك. هذه مسؤولية والديك. ومع ذلك، إذا قال الله إن هذه الحياة لا يجب أن تستمر وإن هذا الشخص لا ينبغي أن يعيش، وإنك يجب أن تتجسد من جديد في أسرة أخرى، فلن يكون لدى والديك أي قوة أو وسيلة لإنقاذ حياتك. لن يكون بوسعهما سوى أن يشاهدا فقط حياتك الصغيرة تغادر هذا العالم. عندما تُفقد حياة، لا يكون لهما حول ولا قوة، وكل ما يمكنهما عمله هو الوفاء بمسؤوليتهما كوالدين، وأن يعهدا بك إلى الأطباء الذين سيحاولون علاج مرضك وإنقاذ حياتك، لكن ليس لوالديك أن يقررا استمرار حياتك من عدمه. إذا قال الله أن تستمر حياتك سيكون لحياتك وجود. إذا قال الله إن حياتك لا ينبغي أن تكون موجودة، فستفقد حياتك. هل هناك أي شيء يمكن لوالديك فعله حيال ذلك؟ لا يمكنهما سوى الاستسلام لمصيرك. بصراحة، إنهما مجرد كائنان مخلوقان عاديان. كل ما في الأمر أن، من وجهة نظرك، لهما هوية خاصة – لقد أنجباك وربياك، إنهما رئيساك ووالداك. لكن من منظور الله، هما مجرد بشريان عاديان، هما مجرد أفراد من البشرية الفاسدة، ولا يوجد فيهما أي شيء مميز. إنهما حتى لا يسودان على حياتهما، فكيف يسودان على حياتك؟ على الرغم من أنهما أنجباك، إلا أنهما لا يعرفان من أين جاءت حياتك، ولا يمكنهما أن يقررا في أي وقت وفي أي ساعة وفي أي مكان ستأتي حياتك، أو كيف ستكون حياتك. إنهما لا يعرفان أيًا من هذه الأشياء. بالنسبة إليهما، فهما ينتظران فحسب بشكل سلبي، ينتظران سيادة الله وترتيباته. وبغض النظر عما إذا كانا سعيدين بذلك أم لا، وسواء كانا يؤمنان بذلك أم لا، إلا أن كل هذا مدبر ويحدث بين يدي الله. والداك ليسا سيدا حياتك – أليس هذا الأمر سهل الفهم؟ (بلى). لقد أنجب والداك جسدك، لكنهما لم ينجبا حياة جسدك. هذه حقيقة. هل يمكن لوالديك حتى التحكم في أمور مثل مدى طولك، وما هي بنيتك الجسدية، وما هو لون شعرك أو كثافته، وما هي هواياتك، وما إلى ذلك؟ (كلا). لا يمكن لوالديك أن يقررا ما إذا كانت بشرتك جيدة أو سيئة، أو كيف تبدو ملامح وجهك. بعض الآباء والأمهات سمينون، وينجبون أطفالاً نحيفين وقصيري القامة، بأنوف وعيون صغيرة. عندما يراهم الناس، يفكرون: "هؤلاء الأطفال يشبهون من؟ إنهم بالتأكيد لا يشبهون والديهم". لا يستطيع الآباء أن يقرروا حتى أطفالهم يشبهون من، أليس كذلك؟ بعض الآباء والأمهات لديهم بنية جسدية متينة، وينجبون أطفالًا نحيفين وضعفاء جدًا، وبعض الآباء والأمهات لديهم أجسام نحيفة وضعيفة جدًا، وينجبون أطفالًا أقوياء بشكل لا يصدق مثل الثيران. بعض الآباء والأمهات خجولين كالفئران، وينجبون أطفالًا في غاية الجرأة. بعض الآباء والأمهات حذرون وحويطون، وينجبون أطفالًا في غاية الطموح، وفي النهاية يصبح بعضهم أباطرة وبعضهم يصبحون رؤساء، والبعض الآخر يصبحون زعماء لجماعات من قطاع الطرق والمارقين. بعض الآباء مزارعون، لكن الأبناء الذين ينجبونهم يصبحون مسؤولين كبارًا. كما أن هناك بعض الآباء والأمهات المخادعين، ولكنهم ينجبون أولادًا حسنى السلوك وبسطاء. بعض الآباء غير مؤمنين، أو قد يعبدون الأوثان والشياطين، ويُنجبون أولادًا يريدون أن يؤمنوا بالله، ولا يستطيعون الاستمرار في الحياة دون إيمانهم بالله. بعض الآباء يقولون لأبنائهم: "سأرسلك إلى الجامعة"، فيقول الأبناء: "لا، أنا كائن مخلوق ويجب أن أؤدي واجبي". ثم يقول الآباء لأبنائهم: "أنت صغير السن، لست بحاجة إلى أداء الواجب. نحن نؤدي القليل من واجباتنا لأننا كبار في السن، وليس لدينا أي آفاق مستقبلية؛ سنكسب بعض البركات لأسرتنا في المستقبل، لذا لست مضطرًا إلى أن تفعل ذلك. عليك أن تدرس بجد، وبعد أن تتخرج من الجامعة، عليك أن تذهب وتصبح مسؤولاً رفيعًا، حتى أتمكن من الاستمتاع بالخيرات معك". فيرد الأبناء: "كلا، أنا كائن مخلوق، وأداء واجبي هو أهم شيء". بالطبع، هناك بعض الآباء والأمهات الذين يؤمنون بالله ويتخلون عن عائلاتهم ويتركون وظائفهم، لكن أبناءهم يرفضون الإيمان بالله بتاتًا. أطفالهم عديمي الإيمان، وأيًا كانت الطريقة التي تنظر بها إلى هؤلاء الأطفال وآبائهم، فهم لا يشبهون الأسرة. على الرغم من أنهم يشبهون الأسرة في المظهر، والعادات الحياتية، وحتى بعض جوانب شخصياتهم، إلا أنهم مختلفون تمامًا في هواياتهم، واهتماماتهم، ومساعيهم، والمسارات التي يسلكونها. إنهما ببساطة نوعان مختلفان من الناس يسيران في طريقين مختلفين. إذن، ثمة اختلافات بين حياة الناس، وهذه الاختلافات لا يحددها الوالدان. لا يمكن للآباء أن يقرروا نوع الحياة التي يعيشها أبناؤهم، أو نوع البيئة التي يولد فيها أبناؤهم. والداك ليسا سيدا حياتك، ولا سيدا مصيرك. حياة الناس ليست موهوبة من والديهم – هل مصير الشخص أمر أكبر أم أمر أصغر من حياته؟ بالنسبة إلى الناس، كلاهما أمران عظيمان. لماذا؟ لأنهما ليسا من الأمور التي يمكن للإنسان أن يدركها أو ينجزها أو يتحكم فيها باستخدام غرائزه أو إمكاناته أو مستوى قدراته. إن مصائر الناس ومسارات حياتهم يقررها ويحكمها الله. لا يمكن لأي شخص أن يختار أي خيار فيما يتعلق بهذين الأمرين. فلا أنت ولا والداك تختارا في أي أسرة تولد، أو أي والدين ستحظى بهما في هذه الحياة. كما كان لوالديك دورًا سلبيًا في ولادتك. لذا، لا يمكن لوالديك أن يقررا مسار مصيرك، ولا يمكنهما أن يقررا ما إذا كنت ستصبح شديد الثراء والغنى في حياتك، أو فقيرًا معدمًا، أو مجرد شخصًا عاديًا؛ ولا يمكنهما أن يقررا كيف سيكون مسارك في هذه الحياة، أو المكان الذي ستعيش فيه، أو كيف سيكون زواجك، أو كيف سيكون أطفالك، أو في أي نوع من البيئات المادية ستعيش، وهكذا. هناك بعض الأشخاص الذين ازدهرت أسرهم، وكان لديهم الملبس والمأكل، ومال أكثر مما يستطيعون إنفاقه قبل أن ينجبوا طفلًا، ولكن بعد أن كبر الطفل بدد ثروة أسرته، ومهما كسب هؤلاء الآباء من أموال، لم يكن بوسعهم تعويض كل الأموال التي أهدرها طفلهما المبذر. هناك أيضًا بعض الأشخاص الذين كانوا فقراء، ولكن بعد سنوات قليلة من إنجابهم لطفلهم، بدأت أعمالهم العائلية في الازدهار، وتحسنت حياتهم، وسارت الأمور بسلاسة بشكل متزايد، وأصبح محيطهم أفضل وأفضل أيضًا. كما ترى، هذه كلها أمور لم يتوقعها هؤلاء الآباء، أليس كذلك؟ لا يمكن للآباء والأمهات أن يقرروا مصائر أبنائهم، وبطبيعة الحال، ليس لهم أيضًا أي علاقة بمصائر أبنائهم. إن نوع الطريق الذي تسلكه، وأين تذهب وأي الأشخاص تقابل في هذه الحياة، وعدد الكوارث التي تواجهها، وعدد الأشياء العظيمة والثروة التي تصادفها – كل هذه الأشياء لا علاقة لها بوالديك أو بتوقعاتهم. يتمنى كل أب وأم أن يرتقي ابنهما في العالم، ولكن هل تتحقق هذه الأمنية دائمًا؟ ليس بالضرورة. فبعض الأبناء يرتقون في العالم بالفعل كما أراد لهم آباؤهم، ويصبحون من كبار المسؤولين، ويصبحون أغنياء ويعيشون في رفاهية، ولكن آباءهم يمرضون ويموتون في غضون عامين دون أن ينعموا بأي من هذا الحظ السعيد، أو أن ينعموا بأي من هذه الخيرات. هل لمصير الشخص علاقة بوالديه؟ كلا. ليس الأمر كما لو كان بإمكانك أن تحقق ما يتوقعه والداك منك. لا علاقة لمصير الشخص بوالديه، ولا يمكن لوالدي الشخص أن يقررا مصيره. حتى وإن كان والداك قد أنجباك، وحتى لو قاما بالعديد من الأشياء لوضع الأساس لمستقبلك، ومثلك، ومصيرك في المستقبل، لا يمكنهما أن يقررا مصيرك أو مسار حياتك المستقبلية – فهذه الأمور لا علاقة لها بهما. ولذلك، فإن والديك ليسا سيدا مصيرك، ولا يمكنهما تغيير أي شيء يخصك. إذا كان قدرك أن تكون ثريًا، فمهما كان والداك فقيرين أو غير قادرين، فإنك ستحصل على الثروة التي من المفترض أن تحصل عليها. وإذا كان قدرك أن تكون فقيرًا أو شخصًا عاديًا أو شخصًا متواضعًا، فلن يستطيع والداك مساعدتك مهما كانت قدرتهما. إذا كنتَ مختارًا من الله، وكنت واحدًا من شعب الله المختار، أي إذا كنتَ مُقدَّرًا من الله، فمهما كانت قوة والديك أو قدرتهما، فلن يستطيعا أن يعوقوا إيمانك بالله، حتى لو رغبا في ذلك. بما أنك مقدر لك أن تكون عضوًا في بيت الله وواحدًا من شعب الله المختار، فلا يمكنك الهروب من هذا. إن مصير الشخص مرتبط فقط بسيادة الله وتعيينه، ولا علاقة له برغبات وتوقعات والديه. وبطبيعة الحال، لا علاقة له أيضًا باهتمامات ذلك الفرد أو هواياته أو شخصيته أو تطلعاته أو مستوى قدراته أو إمكاناته. لذا، وانطلاقًا من حقيقة "والداك ليسا سيدا حياتك أو مصيرك"، كيف ينبغي عليك التعامل مع توقعات والديك؟ هل يجب أن تقبلها بالكامل، أم تتجاهلها، أم تتعامل معها بعقلانية؟ عندما يتعلق الأمر بمسألة حياتك أو مصيرك، فإن والديك مجرد أناس عاديين، يمكنهم أن يتوقعوا ما يريدون، ويمكنهم أن يقولوا ما يريدون. دعهما يقولان ما يريدان، وافعل ما تريد فحسب. لا داعي لمجادلتهما، لأنه كيفما كانت حقيقة الأمور، فهكذا ستكون. هذا لا ينشأ عن جدال، ولا يتحول بناءً على إرادة الإنسان. لا يمكنك أن تقرر مصيرك، فما بالك بمصير والديك! أليس هذا هو الحال؟ (إنه كذلك). على الرغم من أن والديك يكبرانك في السن، تظل لا صلة لهما أو علاقة لهما بمصيرك. لا ينبغي لوالديك أن يحاولا إملاء مصيرك لمجرد أنهما يكبرانك بسنوات عديدة، ولأنهما أكبر منك بجيل. هذا أمر غير منطقي، وهو أمر بغيض. لذلك، كلما كان لدى والديك ما يقولانه عن الطريق الذي تسلكه في الحياة، أو توقعاتهما منك، يجب أن تتعامل معه بهدوء وعقلانية، لأنهما ليسا سيدا مصيرك. قل لهما: "مصيري بيد الله – لا أحد يستطيع تغييره". لا يمكن لأي شخص أن يتحكم في مصيره أو مصير شخص آخر، ووالداك أيضًا غير مؤهلين للقيام بذلك. أسلافك ليسوا مؤهلين للقيام بذلك، ناهيك عن والديك. من وحده المؤهل؟ (الله وحده). الله وحده هو المؤهل للحكم على مصائر الناس.
يعترف بعض الناس نظريًا بعبارة: "والداي لا يستطيعان التدخل في مصيري. على الرغم من أنهما أنجباني، إلا أنهما لم يهباني حياتي، بل وهبني الله إياها. كل ما أملكه وهبني الله إياه. لقد رباني الله للتو حتى صرت راشدًا من خلالهما، ومكنني من العيش حتى الآن. في واقع الأمر، من رباني هو الله". إنهم ينطقون بهذه الكلمات بشكل جيد وواضح تمامًا، ولكن في بعض الظروف الخاصة لا يستطيع الناس التغلب على عواطفهم، أو الاعتراف بعبارة: "والداك ليسا سيدا حياتك أو مصيرك". ينقاد الناس في ظل بعض الظروف الخاصة لمشاعرهم ويسقطون في بعض الإغراءات، أو يصبحون ضعفاء. ونظرًا لأن بعض المؤمنين بالله عانوا من اضطهاد الحكومة والعالم الديني وإدانتهما لهم واعتُقلوا وسُجنوا، فإنهم يعزمون على ألا يتحولوا إلى يهوذا أبدًا، وألا يخونوا أيًا من إخوتهم وأخواتهم، أو يفشوا أي معلومات عن الكنيسة، مهما واجهوا من عذابات، ويفضلون الموت على أن يصبحوا مثل يهوذا. وعلى هذا النحو، يُعذَّبون ويُنكل بهم لدرجة أنهم لا يعودون يشبهون الناس، وتتورم عيونهم لدرجة أنها تصبح كالشق ولا يستطيعون الرؤية بوضوح، وتصم آذانهم، وتُسقط أسنانهم، وتُجرح زوايا أفواههم وتنزف دمًا، ولا تعمل أرجلهم جيدًا، وتتورم أجسادهم كلها وتكسوها الكدمات. لكنهم لا يلجؤون إلى الخيانة مهما نالهم من عذاب؛ فهم مصممون على ألا يصبحوا مثل يهوذا، وأن يتمسكوا بشهادتهم لله. إنهم يبدون حتى الآن أقوياء جدًا، ولديهم شهادة، أليسوا كذلك؟ لقد واجهوا التعذيب والترهيب دون أن يصبحوا مثل يهوذا، وعُذِّبوا هكذا أيامًا وليالٍ كثيرة. عندما يرى أحد الأبالسة رجلًا كهذا، فإنه يفكر: "هذا الرجل قوي حقًا، لقد تم تسميمه بشدة. لقد قوّاه الله حقًا. إنه شاب صغير جدًا، وقد عُذب حتى وصل إلى هذه الحالة دون أن ينطق بكلمة واحدة. ماذا سأفعل حيال هذا؟ يبدو أن هذا الرجل شخصية مهمة، ولا بد أنه يعرف الكثير عن الكنيسة. إذا استطعت أن أنتزع بعض المعلومات منه، يمكننا أن نسيطر على الكثير من الناس، وأن نجني الكثير من المال!". ثم يبدأ ذلك الإبليس في التفكير في هذا الأمر: "كيف يمكنني أن أفتح فمه وأجعله يدلي ببعض المعلومات ويشي ببعض الأشخاص؟ لكل الأشخاص الأقوياء نقاط ضعفهم؛ تمامًا مثل الأشخاص الذين يمارسون الكونغ فو، فمهما كان شخص ما بارعًا في الكونغ فو، تظل لديه في النهاية نقطة ضعف. كل شخص لديه نقطة ضعف، لذا فلنهاجم نقطة ضعفه على وجه التحديد. ما هي نقطة ضعفه؟ سمعت أنه ابن وحيد، وأن والديه دللاه منذ أن كان طفلًا. سمعت أنهما يهتمان به حقًا ويحبانه حبًا جمًا، وأنه بار بهما. إذا أحضرت والديه، وجعلتهما يؤثران عليه نفسيًا، فربما يكون لكلامهما بعض الفائدة". ثم يحضر الشيطان والديه. خمنوا ماذا يحدث بمجرد أن يرى والديه؟ كان يفكر قبل أن يراهما: "يا الله، أنا مصمم على التمسك بشهادتي. بالتأكيد لن أتحول إلى يهوذا!". ولكن بمجرد أن يرى والديه، يكاد قلبه ينفطر، وأول ما يشعر به هو: "لقد خذلت والديَّ، لا بد أن تكون رؤيتي على هذه الحال مؤلمة لهما للغاية"، ثم ينهار. لا يزال يصر في قلبه على هذا: "لن أتحول إلى يهوذا، يجب أن أتمسك بشهادتي لله. أنا لم أسلك الطريق الخطأ، بل أتبع الطريق الصحيح في الحياة. يجب أن أذل الشيطان وأشهد لله!". إنه ثابت في قلبه، ويصرّ على ذلك مرارًا وتكرارًا، لكنه لا يستطيع أن يتحمل ذلك عاطفيًا، وفي لحظة يكاد قلبه ينفطر. ماذا في ظنك سيكون شعور والديه عندما يريان أن ابنهما قد عُذِّب ليصبح على هذه الحالة؟ لن أتحدث عن أبيه، لكن قلب أمه ينفطر. عندما ترى أن ابنها قد عُذِّبَ إلى درجة أنه لم يعد يشبه الإنسان، تشعر بحزن وانزعاج وألم شديد، وترتجف وهي تتجه نحوه. كيف سيكون رد فعلك في وقت كهذا؟ لن تجرؤ على النظر، أليس كذلك؟ كما ترى، أنت لم تقل شيئًا، ولم يقل والداك شيئًا، لكنك كنت ستنهار بالفعل، ولن تقدر على مغالبة مشاعرك. ستفكر في نفسك: "والداي كبيران في السن، وهما ليسا في حالة جسدية جيدة، ويعتمد كل منهما على الآخر في تدبير أمورهما. لقد أنجبا ابنًا مثلي، وحتى الآن لم أحقق أيًا من توقعاتهما، وقد سببت لهما الكثير من المتاعب الآن، وأحرجتهما كثيرًا، حتى أنهما اضطرّا إلى المجيء لرؤيتي في هذه الحالة من المعاناة". ستشعر في أعماق قلبك دون أن تعي أنك كنت ابنًا غير بار بوالديه، وأنك آذيت والديك وخيّبت آمالهما، وأنك جعلتهما يشعران بالقلق وخذلتهما. ستشعر أنت ووالداك بقدر كبير من الألم، لأسباب مختلفة. فبالنسبة إلى والديك، سيكون ذلك بسبب شعورهما بالأسى تجاهك، ولن يتحملا رؤيتك تعاني هكذا. أما بالنسبة إليك، فسيكون ذلك لأنك رأيت مدى حزن والديك وألمهما، ولم تستطع تحمل رؤيتهما يشعران بالحزن والقلق عليك. أليس كلاهما من تبعات المشاعر؟ حتى هذه اللحظة، لا يزال من الممكن اعتبار هذا كله أمرًا عاديًا، ولم يكن ليؤثر على ثباتك في شهادتك بعد. هب أن والديك كانا سيقولان بعد ذلك: "لقد كنت بصحة جيدة وقويًا من قبل، والآن قد ضُربت لتصل إلى هذه الحالة. عاملناك منذ حداثتك باعتبارك قرة عيننا. لم نضربك قط. كيف سمحت بحدوث هذا لك؟ لم نرغب قط في ضربك، لطالما اعتززنا بك وأحببناك: "لولا خوفنا من أن تذوب لحميناك في أفواهنا، ولولا خوفنا من أن تنكسر لضممنا عليك راحة يدنا". نعتز بك كثيرًا، لكن هذا لا يكفي. لا بأس إن لم تهتم أنت بنا، لكنك الآن ترفض إعطاء أي معلومات، وتعاني كثيرًا، ولا تستسلم رغم تعذيبك إلى هذه الحالة لأنك تؤمن بالله وتريد أن تشهد له. كيف يمكن أن تكون بهذا العناد؟ لماذا تصر على الإيمان بالله؟ "جسدك منحة من والديك". هل تبرّنا بالسماح بحدوث هذا لك؟ إن أصابك مكروه بالفعل، فكيف تتوقع منا أن نستمر في الحياة؟ نحن لا نتوقع منك أن تعتني بنا عندما نكبر في السن أو أن ترتب لجنازتينا، نحن فقط نريدك أن تكون بخير. أنت كل شيء بالنسبة إلينا، فإذا لم تكن بخير، أو إن رحلت، فكيف يمكننا الاستمرار في العيش بقية حياتنا؟ من لدينا سواك؟ أي آمال أخرى لدينا؟". كل كلمة من هذا الحديث ستصيبك في مقتل، فتشبع احتياجاتك العاطفية، وتحفز مشاعرك وضميرك. قبل أن يقول والداك هذه الكلمات، كنت لا تزال متمسكًا بقناعتك وموقفك في أعماق قلبك، ولكن بعد أن نطقا بكلمات التوبيخ هذه، ألا ينهار خط الدفاع في أعماق قلبك؟ "جسدك منحة من والديك". أنت استقلتَ من وظيفة جيدة، وتخليتَ عن مستقبلك الرائع، وتخليتَ عن حياة طيبة. أنت تصر على الإيمان بالله، وسمحت لنفسك أن تُدمر على هذا النحو؛ هل تعاملنا ببر وإحسان؟". هل يمكن لأي شخص أن يمتنع عن البكاء بعد سماع هذا الحديث؟ هل يمكن لأي شخص أن يتوقف عن توبيخ نفسه بعد سماع هذه الكلمات؟ هل يمكن أن يتجنب الشعور بأنه قد خذل والديه؟ هل يمكن لأي شخص أن يشعر أن هذا كان إغواء الشيطان له؟ هل يمكن لأي شخص أن يتأثر عاطفيًا بهذا فحسب، ومع ذلك يظل يتعامل معه بعقلانية؟ هل يمكن لأي شخص أن يحافظ على إيمانه بالعبارة القائلة: "والداك ليسا سيدا حياتك أو مصيرك، وليسا دائنيك" بعد سماع هذا الكلام؟ هل يمكن لأحد، على الرغم من شعوره بالضعف العاطفي، أن يمتنع عن التخلي عن واجبه والتزامه، والشهادة التي يجب أن يتمسك بها الكائن المخلوق؟ أي من هذه الأشياء يمكنكم تحقيقها؟ من حيث مشاعرك، إذا كنت منزعجًا بعض الشيء فحسب، بل حتى تذرف بعض الدموع، وتشعر بالأسى على والديك، لكنك كنت لا تزال مؤمنًا بكلمة الله، ولا تزال متشبثًا بالشهادة التي يجب أن تتمسك بها، ولا تزال متمسكًا بالواجب الذي يجب أن تؤديه، دون أن تفقد الشهادة والمسؤولية والواجب التي يضطلع بها الكائن المخلوق أمام رب الخليقة، فعندئذ ستكون ثابتًا. ولكن – بعد أن رأيت أمك توبخك بعينين دامعتين – إذا سقطت في براثن مشاعرك، معتقدًا أنك غير بار، وأنك قد أخطأت الاختيار، وشعرت بالندم وعدم الرغبة في الاستمرار، ورغبت في التخلي عن الشهادة التي يجب أن تكون لدى الكائن المخلوق، والواجب والمسؤولية والالتزام الذي يجب على الكائن المخلوق أن يؤديه، وأن تعود إلى والديك وترد لهما إحسانهما وتوقفهما عن المعاناة أو القلق من أجلك، فعندها لن تكون لك شهادة، وستكون غير جدير باتباع الله. ماذا قال الله لمن يتبعونه؟ (ألم يقل: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلَا يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَٱمْرَأَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا، فَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" (لوقا 14: 26)؟ هذه العبارة في الكتاب المقدس). إذا فاقت محبتك لوالديك محبتك لله، فأنت غير جدير باتباع الله، ولست من أتباعه. وإذا لم تكن من أتباعه، فيمكن القول إنك لست من الغالبين، والله لا يريدك. من خلال هذه التجربة انكشفت ولم تتمسك بشهادتك. أنت لم تستسلم لتعذيب الشيطان، لكن بضع كلمات توبيخ من والديك كانت كافية لجعلك تستسلم. أنت ضعيف الشخصية وقد خنت الله. أنت غير جدير باتباع الله ولست تابعًا له. كثيرًا ما يقول الآباء: "لن أطلب منك أي شيء آخر، لن أطلب منك أن تصبح غنيًا جدًا، أتمنى فقط أن تنعم بصحة جيدة وأن تكون آمنًا في هذه الحياة. يكفيني فقط أن أراك سعيدًا". لذا، عندما تتعذّب، ستشعر بأنك قد خذلت والديك: "والداي لا يطلبان مني الكثير، لكنني خذلتهما مع ذلك". هل هذه الفكرة صحيحة؟ هل خذلتهما؟ (كلا). هل هو ذنبك أن الشيطان اضطهدك؟ هل هو ذنبك أنك تعرضت للضرب المبرح والتعذيب والاضطهاد الوحشي؟ (كلا). إن الشيطان هو الذي اضطهدك، وأنت لم تدمر نفسك. أنت تسلك الطريق الصحيح، وتتصرف كإنسان حقيقي. كانت اختياراتك وجميع تصرفاتك تشهد لله، وكنت تؤدي واجب الكائن المخلوق. هذه هي الخيارات التي يجب أن يتخذها كل كائن مخلوق، والطريق الذي يجب أن يسلكه كل كائن مخلوق. إنه الطريق الصحيح؛ وليس تدميرًا للنفس. على الرغم من أن جسدك قد عُذِّب وعانى من المعاملة الوحشية واللا إنسانية، فإن هذا كله من أجل قضية عادلة. إنه ليس سلوك الطريق الخطأ، وليس تدميرًا للنفس. إن معاناة جسدك، وتعرضك للعذاب، والتنكيل بك لدرجة أنك لم تعد تشبه البشر ليس خذلانًا لوالديك. لا تحتاج إلى تقديم تفسير لهما. هذا اختيارك أنت. أنت على الطريق الصحيح في الحياة، هما فقط لا يفهمان، هذا كل ما في الأمر. إنهما فقط يريان من منظور الوالدين، ويرغبان دائمًا في حمايتك من أجل مشاعرهما، ولا يتمنيان لك معاناة أي ألم جسدي. ما الذي يمكن أن تحققه رغبتهما في حمايتك؟ هل يمكنهما أن يشهدا بالنيابة عنك؟ هل يمكنهما أداء واجب الكائن المخلوق نيابةً عنك؟ هل يمكنهما اتباع سبيل الله نيابةً عنك؟ (كلا). لقد اخترت الاختيار الصحيح، وعليك أن تلتزم به. لا ينبغي لكلام والديك أن يسحرك أو يضللك. أنت لا تدمر نفسك؛ أنت تسير في الطريق الصحيح. أنت تتمسك بالحق في مثابرتك وفي كل أفعالك، وتخضع لتنظيمات الله وترتيباته، والشهادة لله أمام الشيطان، وجلب المجد لاسم الله. لقد تحملت مجرد معاناة الاضطهاد الوحشي لجسدك، وهذا كل شيء. هذه هي المعاناة التي يجب أن يتحملها الناس؛ هذا ما يجب أن يقدمه الناس لرب الخليقة، وهو الثمن الذي ينبغي أن يدفعوه. لم تأتِ حياتك من والديك، وليس من حقهما أن يقررا أي طريق تسلك. ليس لهما الحق في أن يقررا كيفية تعاملك مع جسدك، أو الثمن الذي تدفعه من أجل التمسك بشهادتك. هما فقط لا يرغبان في أن تعاني من الألم الجسدي بسبب احتياجات مشاعرهما الجسدية، ونظرًا لحقيقة أنهما يريان من منظور المشاعر الجسدية، هذا كل ما في الأمر. لكن بوصفك كائنًا مخلوقًا، فمهما كانت معاناتك الجسدية، فهذا شيء يجب أن تتحمله. يجب على الناس أن يدفعوا أثمانًا عديدة من أجل تحقيق الخلاص وأن يحسنوا أداء واجب الكائن المخلوق. هذا هو واجب الإنسان ومسؤوليته، وهو ما يجب على الكائن المخلوق أن يكرسه لرب الخليقة. يجب على الناس أن يتحملوا هذه المعاناة لأن حياتهم تأتي من الله، وكذلك أجسادهم. هذه هي المعاناة التي يجب أن يتحملها الناس. لذا، عندما يتعلق الأمر بالمعاناة التي يجب أن يتحملها الناس، مهما كان نوع الألم الجسدي الذي يتحمله جسدك، فأنت لست بحاجة إلى أن تشرح لوالديك أي شيء. يقول لك والداك: "جسدك منحة من والديك"، ولكن ماذا يعني هذا؟ على الرغم من أن الناس يولدون ويُربون على يد آبائهم، إلا أن هذا لا يعني أن كل ما لديهم قد أُعطي لهم من قبل آبائهم. لا يعني ذلك أن الناس يجب أن يكونوا خاضعين لإكراه والديهم وتقييدهم عندما يتعلق الأمر بالطريق الذي يسلكونه والأثمان التي يدفعونها، ولا يعني أن الناس يجب أن يحصلوا على إذن والديهم لكي يسيروا في طريق السعي إلى الحق، أو لأداء واجب الكائن المخلوق أمام رب الخلق. ولذلك، أنت لست بحاجة إلى إعطاء تفسير لوالديك. من يجب أن تقدم له تفسيرًا هو الله. ينبغي أن تسلم كل شيء إلى الله، سواء عانيت أم لا. علاوة على ذلك، إذا كنت تتبع الطريق الصحيح، سيقبل الله جميع الأثمان التي دفعتها ويتذكرها. وبما أن الله سيتذكر تلك الأثمان ويعترف بها، فستكون جديرة بأن تُدفع. سيعاني جسدك من بعض الألم الجسدي، لكن هذه الأثمان ستمكنك من التمسك بشهادتك في النهاية، والحصول على رضا الله، ونيل الخلاص، وسيتذكرها الله. لا يمكن مبادلة أي شيء آخر بذلك. إن توقعات والديك المزعومة، أو كلمات النقد التي يوجهانها لك، لا أهمية لها ولا تستحق الذكر إذا ما قورنت بالواجب الذي يجب أن تؤديه، والشهادة التي يجب أن تشهدها أمام الله، لأن المعاناة التي تتحملها قيّمة جدًا وذات مغزى! من وجهة نظر الكائن المخلوق، هذا هو الشيء الأكثر أهمية وقيمة في الحياة. لذلك لا ينبغي أن يصاب الناس بالضعف والاكتئاب، أو أن يسقطوا فريسة للإغراء بسبب كلام والديهم، وبالتأكيد لا ينبغي أن يشعروا بالندم أو الذنب، أو أنهم خذلوا والديهم بسبب كلامهم. يجب أن يشعر الناس بالشرف بسبب المعاناة التي تحملوها، وأن يقولوا: "لقد اختارني الله، ومكّن جسدي من دفع هذا النوع من الأثمان، وأن أتعرض للإيذاء العنيف من قبل الشيطان، حتى تتاح لي الفرصة لأشهد له". إنه لشرف لك أن يختارك الله من بين مختاريه العديدين. لا ينبغي أن تحزن على هذا. إذا تمسكت بشهادتك، وأذللت الشيطان، فهذا أعظم شرف في الحياة لكائن مخلوق. أيًا كانت نوع الأمراض أو الآثار التي يعاني منها جسدك بعد تعرضك للاضطهاد الوحشي، أو كم يؤلم عائلتك ووالديك رؤيتك على هذا النحو، ينبغي ألا تشعر بالخجل أو الضيق، أو أنك خذلت والديك بسبب ذلك، لأن كل ما فعلته كان دفع الثمن لقضية عادلة، وهذا عمل صالح. لا أحد مؤهل لأن ينتقد أعمالك الصالحة، ولا أحد مؤهل أو له الحق في أن يبدي ملاحظات أو أحكام غير مسؤولة أو ناقدة عليك في إيمانك بالله واتباعك لله وأداء واجبك. رب الخليقة وحده هو المؤهل لدينونة سلوكك، والأثمان التي دفعتها، والاختيارات التي اتخذتها. لا أحد آخر مؤهل للدينونة؛ لا أحد على الإطلاق – بما في ذلك والديك – مؤهل لانتقادك. إذا كانا هما أقرب الناس إليك، فيجب عليهما أن يتفهماك، ويشجعاك، ويواسياك. ينبغي أن يدعماك في المثابرة، والتمسك بشهادتك، والامتناع عن التنازل للشيطان أو الاستسلام له. ينبغي أن يشعرا بالفخر والسعادة من أجلك. فبما أنك تمكنت من المثابرة حتى الآن وعدم الاستسلام للشيطان حتى تتمكن من التمسك بشهادتك، فينبغي أن يشجعاك. لا ينبغي أن يعيقاك، وبالتأكيد لا ينبغي أن يوبخاك. إذا أخطأتَ في فعل شيء ما، سيكونان مؤهلان لانتقادك. إذا سلكت الطريق الخطأ، وأسئت إلى الله وخنت الأمور الإيجابية والحق، فسيكونان مؤهلان لانتقادك. ولكن بما أن جميع أعمالك كانت إيجابية، والله يقبلها ويتذكرها، فإذا انتقداك، فذلك لأنهما لا يستطيعان التمييز بين الخير والشر. إنهما المخطئان. إنهما منزعجان من إيمانك بالله، وسيرك في الطريق الصحيح، وكونك شخصًا صالحًا؛ لماذا لا ينتقدان بدلًا من ذلك الشيطان عندما يضطهدك؟ إنهما ينتقدانك بسبب مشاعرهما الخاصة؛ ما الخطأ الذي ارتكبته؟ ألم تمتنع لتوك عن أن تصبح يهوذا؟ أنت لم تصبح يهوذا، ورفضت التعاون مع الشيطان أو التنازل له، وعانيت هذا التعذيب والمعاملة اللا إنسانية من أجل التمسك بشهادتك؛ فما الخطأ في ذلك؟ أنت لم ترتكب أي خطأ. من وجهة نظر الله، فهو يفرح لك، ويشعر بالفخر بك، ومع ذلك، يشعر والداك بالخجل منك، وينتقدان أعمالك الصالحة؛ أليس هذا خلطًا بين الأبيض والأسود؟ هل هذان الوالدان صالحان؟ لماذا لا ينتقدان الشيطان، والأشخاص الأشرار، والأبالسة الذين يضطهدونك؟ بالإضافة إلى أنك لا تتلقى أي مواساة أو تشجيع أو دعم من والديك، يتم على العكس من ذلك انتقادك وتوبيخك منهما، بينما مهما فعل الشيطان الشرير لا يدينانه أو يلعنانه. إنهما لا يجرؤان على التفوه بكلمة واحدة من الإساءة اللفظية أو التوبيخ له. لا يقولان: "كيف يمكنك تعذيب شخص صالح حتى يصل إلى هذه الحالة؟ لم يفعل شيئًا سوى أنه آمن بالله وسلك الطريق الصحيح، أليس كذلك؟ إنه لم يسرق شيئًا أو يسرق أحدًا، ولم يخالف أي قوانين، فلماذا تعذبونه هكذا؟ يجب عليكم أن تشجعوا أمثاله. لو أمن كل فرد في المجتمع بالله وسار في الطريق الصحيح، لما احتاج هذا المجتمع إلى قوانين، ولما كانت هناك أي جرائم". لماذا لا ينتقدون هكذا؟ لماذا لا يجرؤون على انتقاد الشياطين والأبالسة التي اضطهدتك؟ إنهما يؤنبانك أنت على السير في الطريق الصحيح، لكن عندما يرتكب الأشرار أفعالًا شريرة، يوافقان عليها ضمنيًا. ما رأيك في هذين الأبوين؟ هل ينبغي عليك أن تشعر بالأسى تجاههما؟ هل ينبغي أن تظهر لهما بر الوالدين؟ هل ينبغي أن تحبهما في قلبك؟ هل يستحقان برّك؟ (كلا). لا يستحقاه. لا يمكنهما التمييز بين الصواب والخطأ، أو الخير والشر. إنهما شخصان مشوشان، وهما لا يفهمان أي شيء بخلاف المشاعر. إنهما لا يفهمان ما هو العدل، أو ما يعنيه السير في الطريق الصحيح، ولا يعرفان ما هي الأشياء السلبية، أو ما هي قوى الشر، إنهما لا يعرفان سوى حماية مشاعرهما وجسديهما. وبخلاف هذا المستوى الأكثر سطحية للعلاقات الجسدية، لا يحتوي قلبهما سوى على هذه الفكرة: "ما دام أولادي بأمان وبصحة جيدة، سأكون سعيدًا وممتنًا للغاية". هذا كل ما في الأمر. أما عندما يتعلق الأمر بالطريق الصحيح في الحياة، أو القضايا العادلة، أو أكثر الأشياء قيمة وجدوى التي يمكن أن يفعلها الإنسان في هذه الحياة، فهما لا يفهمان أيًا من هذه الأشياء. إنهما لا يفهمان هذه الأشياء، ويوبخانك لاتباعك الطريق الصحيح؛ إنهما حقًا مشوشان للغاية. ما رأيك في هذين الأبوين؟ أليسا شيطانين عجوزين؟ عليك أن تتأمل في قلبك: "هذان الشيطانان العجوزان؛ حتى الآن عانيت الكثير من الضرب، والكثير من التعذيب، وطيلة هذه الأيام كنت أصلي لله طوال الليل والنهار، وكان يرعاني ويحفظني، ولهذا السبب استطعت أن أنجو حتى الآن. لقد صمدت في شهادتي بصعوبة بالغة، وبكلمات قليلة أنكرتماها تمامًا. هل من الخطأ أن أسير في الطريق الصحيح؟ هل من الخطأ لي أن أؤدي واجب الكائن المخلوق؟ بالتأكيد ليس من الخطأ ألا أتحول إلى يهوذا؟ هذان الشيطانان العجوزان! "جسدك منحة من والديك"؛ من الواضح أن كل ما أملكه جاء من الله، هل أنتما من أعطيتماني إياه؟ كل ما في الأمر أن الله قدّر أن تنجباني، وتربياني، وتنشآني أنتما. أنتما تشعران بالأسى عليَّ، وتتألمان وتنزعجان لمجرد إشباع احتياجاتكما العاطفية. أنتما تخشيان من أنني إذا متُّ، فلن يكون هناك من يعتني بكما عندما تشيخان أو يرتب جنازتيكما. أنتما تخافان من أن يسخر الناس منكما ويظنون أنني كنت مصدر حرج لكما". إذا دخلتَ السجن لأنك ارتكبتَ جريمة، أو لأنك سرقتَ شيئًا ما، أو سطوت على شيء أو غششتَ أو احتلتَ على أحدهم، فقد يقاتلان من أجلك قائلين: "ولدي ابن صالح، لم يفعل أي شيء سيئ. ليست لديه طبيعة سيئة، بل هو طيب وعطوف. كل ما في الأمر أن الاتجاهات الشريرة في هذا العالم كان لها تأثير سلبي عليه. آمل أن تتساهل معه الحكومة". سيحاربان من أجلك، ولكن لأنك تسير في طريق الإيمان بالله، ولأنك تسير في الطريق الصحيح، فإنهما يحتقرانك من أعماق قلبيهما. بأية طريقة يحتقرانك؟ "انظر إلى الحالة التي أوصلت نفسك إليها. هل أنت بار بنا؟". ينبغي أن تفكر في قلبك: "ماذا يقصدان بقولهما: "انظر إلى الحالة التي أوصلت نفسك إليها؟". أنا أسير في الطريق الصحيح في الحياة فحسب؛ وهذا ما يُسمَّى أن تكون إنسانًا صادقًا! هذا يسمى امتلاك الأعمال الصالحة والشهادة؛ هذه قوة. أمثال هؤلاء الأشخاص هم وحدهم من يمتلكون الضمير والعقل حقًا، وليسوا الجبناء أو عديمي الجدوى أو الخونة مثل يهوذا. ما الحالة التي أوصلت نفسي إليها؟ هذا هو شبه الإنسان الحقيقي! بالإضافة إلى أنكما لستما سعيدين من أجلي، فأنتما توبخانني أيضًا؛ أي نوع من الآباء أنتما؟ أنتما لا تستحقان أن تكونا أبوين، ينبغي أن تُلعنا!". إذا كنت تفكر بهذه الطريقة، هل ستظل تبكي عندما تسمع والديك يقولان: "جسدك منحة من والديك، فكيف تسمح لنفسك بأن تُدمر هكذا"؟ (كلا). ماذا كنت ستفكر بعد سماع هذا الكلام؟ "يا له من هراء. إنهما حقًا عجوزان أحمقان! "جسدك منحة من والديك"؛ أنتما لا تعرفان حتى من أعطاكما جسدكما، وتستخدمان هذه الكلمات لتوبيخي، كم أنتما مشوشان حقًا! من الواضح أن الشياطين والأبالسة هي التي تضطهدني. كيف تخلطان بين الأبيض والأسود وتنتقدانني بدلًا من ذلك؟ هل خالفت القانون؟ هل سرقتُ شيئًا ما أو سرقتُ شخصًا ما، هل غششتُ شخصًا ما أو احتلتُ عليه؟ أي القوانين خالفت؟ أنا لم أخالف أي قوانين، لقد اضطهدني الشيطان حتى وصلت إلى هذه الحالة لأنني أتبع الطريق الصحيح. لم أفش كلمة واحدة حتى الآن، ولم أتحول إلى يهوذا؛ من أيضًا يملك هذا النوع من القوة؟ بالإضافة إلى أنكما لا تمدحانني أو تشجعانني، أنتما أيضًا توبخانني. أنتما شيطانان!". إذا كنت تفكر بهذه الطريقة، فلن تبكي أو تضعف، أليس كذلك؟ لا يعرف والداك الصواب من الخطأ، ويخلطان بين الأبيض والأسود، لأنهما لا يؤمنان بالله، ولا يفهمان الحق. أنت تفهم الحق، لذا يجب ألا تتأثر بتلك الكلمات والمغالطات الشيطانية التي يتحدثان بها. ينبغي أن تستمر في التمسك بالحق بدلًا من ذلك. وبهذه الطريقة، ستتمسك حقًا بشهادتك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى).
أخبرني، هل من السهل أن يتمسك المرء بشهادته؟ أولاً، يجب أن تتحرر من مشاعرك، وثانيًا، يجب أن تفهم الحق. عندئذٍ فقط لن تعاني أي ضعف، وستكون قادرًا على التمسك بشهادتك، وستحظى باعتراف الله وقبوله في ظل هذه الظروف الخاصة؛ وعندئذٍ فقط سيعترف بك الله كغالب وتابِعٍ له. عندما تكون قد انتصرت، وعندما تكون لم تخذل الله، بدلاً من عدم خذلان والديك، ستكون قادرًا على التخلي عن كل توقعات والديك لك، أليس كذلك؟ إن توقعات والديك ليست مهمة، وغير ذات قيمة، ولكن الارتقاء إلى مستوى توقعات الله، والتمسك بشهادتك لله أهم شيئان، وهما السلوك والسعي الذي يجب أن يتحلى به الكائن المخلوق. أليس هذا هو الحال؟ (إنه كذلك). عندما تشعر بالضعف، وعندما تضل طريقك، خاصةً عندما تحاصرك الشياطين وتضطهدك أثناء اتباعك للطريق الصحيح، أو عندما يزدريك أهل العالم العلماني ويسخرون منك ويرفضونك، فإن من حولك – أقاربك وأصدقائك ومعارفك – سيظنون أنك قد فعلت شيئًا محرجًا، ولن يفهمك أحد أو يشجعك أو يدعمك أو يواسيك، ناهيك عن أن يساعدك، أو يرشدك، أو يوجهك إلى طريق الممارسة، وهذا يشمل والديك. بما أنك لست إلى جانبهما، وتظهر لهما بر الوالدين، أو بما أنك غير قادر على مساعدتهما على العيش بشكل جيد أو رد إحسانهما لأنك مؤمن بالله وتؤدي واجبك، فلن يفهماك. ستكون وجهة نظرهما هي وجهة نظر الناس في العالم العلماني ذاتها – سيعتقدان أنك أحرجتهما، وأنهما لم يحصلا على أي مقابل لتربيتهما لك، وأنهما لم يحصلا على أي فائدة منك، وأنك لم تحقق توقعاتهما، وأنك قد خذلتهما، وأنك عاق غير مبال. لن يتفهمك والداك، ولن يستطيعا أن يقدما لك أي توجيه إيجابي، ناهيك عن أقاربك وأصدقائك. أثناء سيرك في الطريق الصحيح، الله وحده هو الذي يشجعك ويعينك ويعزيك ويرزقك بلا كلل. عندما تتعرض للتعذيب والتنكيل بك في السجن، لن يحفظك سوى كلمة الله والإيمان الذي منحك إياه في كل ثانية ودقيقة ويوم. لذا، عندما تتحمل الضرب المبرح، ستتمكن من الاستمرار في الرغبة في التمسك بشهادتك لله، والاستمرار في الامتناع عن التحول إلى خائن كيهوذا، والاستمرار في الرغبة في جلب المجد لاسم الله وإذلال الشيطان، بسبب كلمة الله والإيمان الذي منحك الله إياه. ستتمكن من القيام بهذه الأمور من ناحية بسبب عزيمتك، ومن ناحية أخرى وهي الأهم، بسبب إرشاد الله وحفظه وقيادته. في حين أنه عندما تكون في أشد الحاجة إلى الراحة والمساعدة، لا يزال والداك يفكران في نفسيهما فقط، ويقولان إنك عاق غير مبال، وإنهما لا يستطيعان الاعتماد عليك في هذه الحياة، وإنهما ربياك سدى. ما زالا يا ينسيان أنهما ربياك، وأنهما كانا يتمنيان أن يعتمدا عليك لتساعدهما على أن يعيشا حياة طيبة، وأن تجلب المجد لأجدادك، وأن تمكنهما من رفع رأسيهما عالياً والافتخار بك أمام أقاربهما وأصدقائهما. الآباء الذين لا يؤمنون بالله لا يشعرون أبدًا بالشرف والفخر بسبب إيمانك، بل على العكس، غالبًا ما يوبخانك لأنك لا تجد الوقت لزيارتهما أو الاهتمام بهما لأنك تؤمن بالله ومشغول بأداء واجبك. ليس فقط أنهما يوبخانك، بل غالبًا ما يؤنبانك، ويصفانك بـ"ناكر الجميل غير المبال" و"الابن الجاحد". ألا تشعر أنه من الصعب عليك أن تسلك الطريق الصحيح وأنت تحمل هذه الألقاب السيئة؟ ألا تشعر بالظلم؟ ألا تحتاج إلى دعم والديك وتشجيعهم وتفهمهم وأنت تعاني من هذه الأمور؟ ألا تشعر في كثير من الأحيان أنك خذلت والديك؟ وبالتالي، تراود بعض الناس بعض الأفكار الحمقاء مثل: "لم يُقدَّر لي في هذه الحياة أن أظهر لوالديّ برّ الوالدين أو أن أعيش معهما. سأظهر لهما بر الوالدين في حياتي القادمة إذن!". أليست هذه الفكرة حمقاء؟ (بلى). لا ينبغي أن تراودك هذه الأفكار، بل ينبغي أن تعالجها من جذورها. أنت تسير على الطريق الصحيح، واخترت أن تؤدي واجب الكائن المخلوق، وأن تأتي أمام رب الخليقة لتقبل خلاص الله. هذا هو الطريق الصحيح الوحيد في هذا العالم. لقد اتخذت الخيار الصحيح. ومهما أساء فهمك من لا يؤمنون بالله، بما في ذلك والديك، أو شعورهم بخيبة الأمل منك، فلا ينبغي أن يؤثر هذا على اختيارك للسير في طريق الإيمان بالله أو على عزمك على أداء واجبك، ولا ينبغي أن يؤثر على إيمانك بالله. يجب أن تثابر، لأنك تسير في الطريق الصحيح. والأكثر من ذلك، ينبغي أن تتخلى عن توقعات والديك. لا ينبغي أن يصبحا عبئًا عليك بينما أنت تسير في الطريق الصحيح. أنتِ تسلك الطريق الصحيح، واتخذت الاختيار الأصح في الحياة؛ فإذا كان والداك لا يدعمانك وإذا كانا يوبخانك دائمًا بسبب أنك ابن عاق وغير مبال، فيجب من باب أولى أن يكون لديك تمييز لهما، وأن تتخلى عنهما على المستوى العاطفي، وألا تتقيد بهما. إذا لم يدعماك أو يشجعاك أو يريحاك، ستكون بخير – فأنت لن تكسب أو تخسر شيئًا بهذه الأمور أو بدونها. الأهم هو توقعات الله لك. الله يشجعك، ويزوّدك، ويرشدك. لست وحيدًا. فبدون توقعات والديك، لا يزال بإمكانك أن تقوم بواجب الكائن المخلوق بالقدر ذاته، وعلى هذا الأساس، ستظل شخصًا صالحًا. إن تخليك عن توقعات والديك لا يعني أنك فقدت أخلاقياتك وقيمك، وبالتأكيد لا يعني أنك تخليت عن إنسانيتك أو أخلاقك وعدالتك. السبب في عدم ارتقائك إلى مستوى توقعات والديك هو أنك اخترت الأمور الإيجابية، واخترت أداء واجب الكائن المخلوق. ليس ثمة خطأ في هذا، بل هو أصح الطرق. يجب أن تثابر وتثبت على إيمانك. من الجائز ألا تحصل على دعم والديك، وبالتأكيد لن تحصل على بركاتهما، لأنك تؤمن بالله وتؤدي واجب الكائن المخلوق، ولكن هذا لا يهم. هذا ليس مهمًا، فأنت لم تخسر شيئًا. أهم شيء هو أنك عندما اخترت السير في طريق الإيمان بالله وأداء واجب الكائن المخلوق، بدأ الله يعلق عليك توقعات وآمالًا كبيرة. أثناء عيش الناس في هذه الدنيا، إذا تباعدوا عن أصدقائهم وأقاربهم، لا يزال بوسعهم أن يعيشوا حياةً جيدة. يمكنهم بالطبع أن يعيشوا بشكل طبيعي بعد تباعدهم عن والديهم أيضًا. إنهم لا يسقطون في الظلمة سوى عندما يبتعدون عن إرشاد الله وبركاته. توقعات الوالدين هي ببساطة تافهة ولا تستحق الذكر إذا ما قورنت بتوقعات الله للناس وإرشاداته لهم. أيًا كان نوع الشخص الذي يتوقع والداك أن تكونه، أو نوع الحياة التي يتوقعان منك أن تعيشها على المستوى العاطفي، فإنهما لا يرشدانك إلى الطريق الصحيح، أو طريق الخلاص. لذلك، يجب أن تغير وجهة نظرك، وتتخلى عن توقعات والديك من أعماق قلبك، وعلى المستوى العاطفي. لا يجب أن تستمر في تحمل هذا النوع من الأعباء، أو أن تشعر بالذنب تجاه والديك على الإطلاق لأنك اخترت أن تؤدي واجب الكائن المخلوق. أنتِ لم تفعل ما يخذل أي شخص، بل اخترت أن تتبع الله وتقبل خلاصه. هذا ليس خذلانًا لوالديك، بل على العكس، يجب أن يشعر والداك بالفخر والشرف لأنك اخترت أداء واجب الكائن المخلوق وقبول خلاص الخالق. إذا لم يتمكنا من القيام بذلك، فهما ليسا صالحين. إنهما لا يستحقان احترامك، وبالأكثر لا يستحقان برك بهما، وبالطبع هما أقل جدارة باهتمامك. أليس هذا هو الحال؟ (بلى).
أي نوع من الناس هم الأجدر بالاحترام في هذا العالم؟ أليسوا أولئك الذين يسلكون الطريق الصحيح؟ ما الذي يشير إليه "الطريق الصحيح" هنا؟ ألا يعني السعي إلى الحق وقبول خلاص الله؟ أليس أولئك الذين يسلكون الطريق الصحيح هم الذين يتبعون الله ويخضعون له؟ (هم كذلك). إذا كنت من هذا النوع من الأشخاص، أو تسعى لأن تكون كذلك، ووالداك لا يفهمانك، بل ويلعنانك دائمًا – إذا كنت في حالة ضعف واكتئاب وضياع، فإنهما لا يفشلان فحسب في دعمك أو مواساتك أو تشجيعك، بل غالبًا ما يطالبانك بالعودة لتظهر لهما بر الوالدين ولتكسب الكثير من المال ولتهتم بهما، وألا تخذلهما، وتمكنهما من الاستمتاع بالخيرات معك، والعيش حياة طيبة معك، ألا يجب أن يُطرح مثل هؤلاء الآباء جانبًا؟ (بلى). هل مثل هذان الأبوان يستحقان احترامك؟ هل يستحقان برّك؟ هل يستحقان منك الوفاء بمسؤوليتك تجاههما؟ (كلا). لماذا؟ لأنهما ينفران من الأشياء الإيجابية، أليست هذه حقيقة؟ (بلى). لأنهما يكرهان الله، أليست هذه حقيقة؟ (بلى). لأنهما يحتقرانك لأنك تسير في الطريق الصحيح، أليست هذه حقيقة؟ (بلى). إنهما يحتقران الناس الذين ينخرطون في قضايا عادلة، ويزدريانك ويحتقرانك لأنك تتبع الله وتؤدي واجبك. أي نوع من الآباء هؤلاء؟ أليسوا آباء حقيرين وخسيسين؟ أليسوا آباء أنانيين؟ أليسوا آباءً أشرار؟ (إنهم كذلك). لقد وُضِعت على قائمة المطلوبين والمطاردين من قبل التنين العظيم الأحمر بسبب إيمانك بالله، وكنت هاربًا وغير قادر على العودة إلى بيتك، بل واضطر البعض إلى السفر إلى الخارج. يقول أقاربك وأصدقاؤك وزملاؤك في الدراسة أنك أصبحت هاربًا، وبسبب هذه الشائعات والثرثرة الخارجية، يعتقد والداك أنك جعلتهما يعانيان ظلمًا وأنك أحرجتهما. ليس فقط أنهما لا يتفهمانك أو يدعمانك أو يتعاطفان معك، وليس فقط أنهما لا يوبخان الأشخاص الذين ينشرون تلك الشائعات والذين يحتقرونك ويميزون ضدك، بل والداك أيضًا يكرهانك، ويقولان عنك الكلام نفسه الذي يقوله عنك أولئك الذين لا يؤمنون بالله والذين هم في السلطة. ما رأيك في هؤلاء الآباء والأمهات؟ هل هم صالحون؟ (كلا). إذن هل ما زلتم تشعرون بأنكم مدينون لهم؟ (كلا). إذا اتصلت بعائلتك من حين لآخر، فسيعتقدون أن الأمر أشبه بتلقي مكالمة من مجرم هارب. سيشعرون أن هذه إهانة بالغة، وأنك لا تجرؤ حتى على العودة إلى المنزل، مثل الفأر المُطارد. سيشعرون أن كونك ابنهم يحرجهم. هل مثل هؤلاء الآباء يستحقون الاحترام؟ (كلا). إنهم لا يستحقون الاحترام. إذن، ما هي طبيعة توقعاتهم لك؟ هل تستحق منكم أن تضعوها في اعتباركم؟ (كلا) ما هو الهدف الرئيسي من توقعاتهما لك؟ هل يريدان لك حقًا أن تسير في الطريق الصحيح وتنال الخلاص في نهاية المطاف؟ إنهما يأملان أن تسير بحسب اتجاهات المجتمع وترتقي في العالم، وتجعلهما فخوران، وتمكنهما من مواجهة العالم بكرامة، وتصبح مصدر فخر وفرح لهما. ماذا أيضًا؟ إنهما يريدان أن يتنعما معك بالخيرات، وأن يأكلا ويشربا جيدًا، وأن يرتديا العلامات التجارية الأنيقة وأن يتنعما بالذهب والفضة. إنهما يريدان أن يركبا السفن السياحية الفاخرة ويسافرا إلى كل بلدان العالم. لو ارتقيت في العالم وحظيت بالشهرة والمال ومكنتهما من أن يتنعما بالخيرات معك لذكرا اسمك أينما ذهبا قائلين: "ابني هو فلان، أو ابنتي هي فلانة". هل يذكران اسمك الآن؟ (كلا). أنت تسير على الطريق الصحيح، لكنهما لا يذكران اسمك. إنهما يظنانك مفلسًا ومعدمًا، وسبب إحراج لهما، وأن ذكرهما لك يعادل جلب العار على نفسيهما، لذلك لا يذكرانك. إذن، ما هو الهدف من توقعات والديك؟ إنه الاستمتاع بالخيرات معك، وليس مصلحتك فحسب. لن يكونا سعيدين إلا عندما ينعمان بخيراتك. الآن وقد عدتَ إلى رب الخلق، وقبلتَ الله وخلاصه وكلماته، الآن وقد اضطلعت بواجب الكائن المخلوق، وشرعتَ في الطريق الصحيح في الحياة، فإنهما لا يستفيدان منك أو ينتفعان بك، ويشعران أنهما قد خسرا بتربيتك. يبدو الأمر كما لو أنهم يقومان بعمل تجاري وخسرا. وبالتالي، يملئهما الندم. كثيرًا ما يقول بعض الآباء والأمهات: "تربيتك أسوأ من تربية كلب. عندما تربي كلبًا يكون ودودًا للغاية ويعرف أن يهز ذيله عندما يرى سيده. ماذا أتوقع من تربيتك؟ أنت تقضي يومك كله في الإيمان بالله وأداء واجبك، ولا تشتغل بالتجارة، ولا تذهب إلى العمل، ولا تريد حتى رزقاً آمناً، وفي النهاية بدأ كل جيراننا يسخرون منا. ماذا ربحت منك؟ لم أحصل منك على شيء واحد طيب، ولم أتنعم بأي خير على الإطلاق". إذا اتبعت الاتجاهات الشريرة في العالم العلماني، وسعيت جاهدًا لتكون ناجحًا هناك، فعلى الأرجح كان والداك ليدعماك ويشجعاك ويعزياك إذا ما تألمت أو مرضت أو شعرت بالحزن. ومع ذلك فهما لا يشعران بالسعادة أو يفرحان بحقيقة أنك تؤمن بالله ولديك فرصة للخلاص، بل على العكس، يكرهانك ويلعنانك. بناءً على جوهرهما، فإن هذين الأبوين هما خصماك وعدواك اللدودان، فهما ليسا على شاكلتك، ولا يسيران في طريقك ذاته. على الرغم من أنكم ظاهريًا تبدون أسرة، إلا أنه استنادًا إلى جوهركم ومساعيكم وتفضيلاتكم والطرق التي تسلكونها والمواقف المختلفة التي تقتربون بها من الأشياء الإيجابية والله والحق، فإنهما ليسا على شاكلتك. ولذلك، مهما قلت: "لديّ رجاء في الخلاص، لقد سلكت الطريق الصحيح في الحياة"، فلن يتأثرا ولن يشعرا بالسعادة من أجلك، ولن يفرحا من أجلك. بدلاً من ذلك، سيشعران بالخجل. هذان الأبوان هما أسرتك على المستوى العاطفي، ولكن استنادًا إلى جواهر طبيعتك، فهما ليسا أسرتك، بل هما عدواك. فكر في الأمر، إذا أحضر الأبناء الهدايا والمال عندما يعودون إلى ديارهم، ومكّنوا والديهم من تناول الطعام الجيد والعيش في أماكن لطيفة، فسيفرح آباؤهم وأمهاتهم فرحًا شديدًا، وسيكونون سعداء للغاية لدرجة أنهم لن يعرفوا ماذا يقولون. سيظلون يقولون في قلوبهم: "ابني عظيم جدًا، ابنتي عظيمة جدًا. لم تذهب تربيتي ومحبتي لهما سدى. إنهما عاقلان، ويعرفان أن يُظهِرا لنا برّ الوالدين، ولنا مكانة في قلبيهما. إنهما ابنان صالحان". ولكن هب أنك عدت إلى المنزل خالي الوفاض، دون أن تشتري أي شيء، لأنك تؤمن بالله وتؤدي واجبك. لنفترض أنك عقدت شركة حول الحق مع والديك وتحدثت عن كلمة الله وقلت إنك قد شرعت في طريق السعي إلى الحق. سيفكر والداك على الفور: "علام تتكلم؟ لا أستطيع أن أفهمك. لقد ربيتك طوال هذه السنوات، ولكنك لم تحقق أيًا من توقعاتي. لقد عدت أخيرًا لزيارتنا، كان بإمكانك على الأقل أن تشتري لنا زوجًا من الجوارب أو بعض الفاكهة. لم تحضر أي شيء، بل عدت خالي الوفاض". لن يقول والداك: "عندما أسمعك تقول هذه الأشياء، أستطيع أن أقول إنك قد تغيرت كثيرًا. كنت في السابق صغيرًا ومتعجرفًا، لكنكِ الآن تغيرتِ حقًا. أستطيع أن أقول إن كل الأشياء التي تتحدث عنها هي أمور صحيحة. لقد أحرزت تقدمًا. أنت واعد، وهناك أمل لك – أنت قادر على السير في الطريق الصحيح، وعلى اتباع الله وربح الخلاص. أنت فتى صالح. لقد كنت تعاني هناك، يجب أن أصنع لك طعامًا شهيًا لتأكله. نحن نربي بعض الدجاج، وعادةً لا نريد أن نذبحه، بل ننتظر أن نأكل بيضه بدلاً من ذبحه. لكنك عدت الآن، سأذبح دجاجة وأعد لك بعض حساء الدجاج. لقد كنت محقًا في اختيارك هذا الطريق، وستتمكن من نيل الخلاص. أنا سعيد للغاية من أجلك! لقد افتقدتك كثيرًا خلال السنوات القليلة الماضية. على الرغم من أننا لم نكن على اتصال، إلا أنك عدت لزيارتنا الآن، وأشعر بالراحة. لقد نضجت. أنت أكثر نضجًا وعقلانية مما كنت من قبل. الأشياء التي تقولها وتفعلها كلها سليمة". من خلال رؤية الوالدين لابنهما يسير على الطريق الصحيح، ويمتلك الأفكار والآراء الصحيحة، يمكن للوالدين أيضًا الاستفادة وتوسيع معرفتهما. بما أن ابنهما قادر على أداء واجب ما والسعي إلى الحق، يجب على هذين الوالدين دعمه. إذا نال ابنهما في المستقبل الخلاص ودخل الملكوت، ولم يعد يتضرر من شخصيتيهما الشيطانية الفاسدة، فسيكون ذلك أمرًا رائعًا. على الرغم من أن هذين الأبوين كبيرين في السن، وبطيئين في فهم الحق، ولا يفهمان هذه الأمور تمامًا، إلا أنهما يشعران: "يمكن لابني أن يسير في الطريق الصحيح، هذا عظيم. إنه ابن صالح. لا يوجد منصب حكومي رفيع المستوى ولا ثروة كبيرة تعادل هذا في صلاحه أو قيمته!". أخبرني، هل هذان الأبوان صالحان؟ (نعم). هل يستحقان الاحترام؟ (نعم). إنهما يستحقان احترامك. إذن، كيف ينبغي أن تظهر لهما الاحترام؟ يجب أن تصلي لهما في قلبك. إذا كانا مؤمنين بالله، ينبغي أن تصلي إلى الله أن يرشدهما ويحفظهما حتى يتمكنا من التمسك بشهادتهما أثناء التجارب والغوايات. إذا لم يؤمنا بالله، فينبغي أن تحترم قرارهما، وأن تتمنى أن تكون حياتهما مستقرة، وألا يفعلا أي شيء سيئ، وأن يقللا من ارتكابهما للسيئات، وفي أحسن الأحوال سيكون عقابهما بعد موتهما أخف، كما ينبغي أن تبذل قصارى جهدك في عقد شركة معهما حول بعض الأمور والأفكار والآراء الإيجابية. وهذا ما يسمى بالاحترام، ويمكن تسميته أيضًا بأفضل أنواع بر الوالدين وأفضل تتميم لمسؤولياتك. هل يمكنك تحقيق ذلك؟ (نعم). على المستوى الروحي والنفسي، امنحهما التشجيع والدعم. وعلى المستوى المادي، أثناء مرافقتك لهما في المنزل، ابذل قصارى جهدك لمساعدتهما في إنجاز بعض الأعمال، وعقد شركة حول بعض الأمور التي تفهمها والتي يمكن لوالديك استيعابها. ساعدهما على التروي، وعدم إرهاق نفسيهما كثيرًا، وعدم إثارة ضجة كبيرة حول الأمور المالية وجميع أنواع الأمور الأخرى، وترك الأمور تأخذ مجراها. هذا ما يسمى بالاحترام. عامل والديك على أنهما شخصان صالحان ومحترمان، وأد جزءًا من مسؤولياتك تجاههما، وأظهر لهما شيئًا من بر الوالدين، وأد بعضًا من واجباتك تجاههما. هذا يسمى الاحترام. الوالدان اللذان يتفهمان إيمانك بالله على هذا النحو ويدعمانه هما وحدهما الجديران بالاحترام. وبخلافهما، لا يستحق أي والدين آخرين الاحترام. بخلاف حثك على كسب المال، فهما يريدانك أن ترتقي في العالم، وأن تصنع اسمًا لنفسك، وأن تفعل هذا أو ذاك. هؤلاء هم الآباء الذين لا يهتمون بشؤونهم الصحيحة، وهم غير جديرين بالاحترام.
أنتم الآن جميعًا تفهمون التخلي عن توقعات الوالدين، وأنتم قادرون على التخلي عن توقعات والديكم. ما الأشياء الأخرى التي لا تستطيعون التخلي عنها؟ عندما يتعلق الأمر بحياة والديك أو والديك نفسيهما، ما الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة إليك؟ أي، ما هي الأشياء التي يصعب عليك تركها أو التخلي عنها على المستوى العاطفي؟ "والداك ليسا دائنيك؛ والداك ليسا سيدا حياتك أو مصيرك"؛ ألم ننته في الأساس من عقد شركة حول هذا الموضوع؟ هل تفهمه؟ (نعم). والداك ليسا دائنيك؛ أي أنه لا ينبغي عليك أن تفكر دائمًا في كيفية رد إحسانهما لمجرد أنهما قضيا وقتًا طويلًا في تربيتك. إذا لم تكن قادرًا على رد إحسانهما، وإذا لم تكن لديك الفرصة أو الظروف المناسبة لرد إحسانهما، فستشعر دائمًا بالحزن والذنب، إلى الحد الذي يجعلك تشعر بالحزن حتى عندما ترى شخصًا ما مع والديه أو يعتني بهما أو يقوم ببعض الأشياء لإظهار بره بوالديه. لقد قدَّر الله أن يربيك والداك لكي تكبر وتصبح راشدًا، وليس لكي تقضي حياتك في رد إحسانهما. لديك مسؤوليات والتزامات يجب عليك الوفاء بها في هذه الحياة، وطريق يجب أن تسلكه، ولديك حياتك الخاصة. لا يجب أن تضع كل طاقتك في هذه الحياة في ردّ إحسان والديك. هذا مجرد شيء يرافقك في حياتك وفي مسار حياتك. أما من الناحية الإنسانية والعلاقات العاطفية، فهو أمر لا مفر منه. ولكن من حيث نوع العلاقة التي قُدِّر أن تكون بينك وبين والديك، سواء أكنتم ستعيشون معًا لبقية حياتكم، أو أنكم ستفترقون ولا يربطكم مصير واحد، فهذا يعتمد على تنظيمات الله وترتيباته. إذا كان الله قد نظم ورتب أن تكون في مكان مختلف عن والديك خلال هذه الحياة، وأن تكون بعيدًا جدًا عنهما، وألا تقدر على العيش معهما في كثير من الأحيان، فإن الوفاء بمسؤولياتك تجاههما هو بالنسبة إليك مجرد نوع من التطلع. وإذا كان الله قد رتب لك أن تعيش قريبًا جدًا من والديك في هذه الحياة، وأن تكون قادرًا على البقاء إلى جانبهما، فإن الوفاء بشيء من مسؤولياتك تجاه والديك، وإظهار بعض البر بهما من الأمور التي يجب عليك القيام بها في هذه الحياة؛ ليس ثمة ما يمكن انتقاده في هذا الأمر. ولكن إذا كنت في مكان مختلف عن والديك، ولم تكن لديك الفرصة أو الظروف المناسبة لإظهار البر لهما، فلا داعي لأن تعتبر ذلك أمرًا مخجلًا. لا يجب أن تشعر بالخجل من مواجهة والديك لأنك غير قادر على إظهار البر لهما، كل ما في الأمر أن ظروفك لا تسمح بذلك. يجب أن تفهم بوصفك ابنًا أن والديك ليسا دائنيك. ثمة الكثير من الأمور التي يجب عليك القيام بها في هذه الحياة، وهذه كلها أشياء يجب أن يقوم بها الكائن المخلوق، وقد ائتمنك عليها رب الخليقة، ولا علاقة لها بردّ إحسان والديك. إن إظهار بر الوالدين، ورد الجميل لهما، ورد إحسانهما؛ هذه الأمور لا علاقة لها برسالتك في الحياة. يمكن أن يقال أيضًا إنه ليس من الضروري أن تظهر بر الوالدين، أو أن ترد إحسانهما، أو أن تقوم بشيء من مسؤولياتك تجاههما. وبعبارة أوضح، يمكنك القيام بشيء من ذلك والوفاء بشيء من مسؤولياتك عندما تسمح ظروفك بذلك، أما عندما لا تسمح فلا داعي للإصرار على ذلك. إذا لم تستطع الوفاء بمسؤوليتك لتكون بارًا بوالديك، فهذا ليس بالأمر الفظيع، ولكنه يتعارض قليلًا مع ضميرك، وأخلاقك الإنسانية، ومفاهيمك البشري. لكنه على أقل تقدير لا يتعارض مع الحق، ولن يدينك الله عليه. عندما تفهم الحق، لن يشعر ضميرك بالتوبيخ بسبب هذا. ألا تشعر قلوبكم بالثبات الآن بعد أن فهمتم هذا الجانب من الحق؟ (بلى). يقول البعض: "على الرغم من أن الله لن يدينني، لا زلت لا أستطيع في ضميري أن أتجاوز هذا، وأشعر بعدم الثبات". إذا كان هذا هو حالك، فقامتك ضئيلة للغاية، وأنت لم تفهم جوهر هذه المسألة أو تدركها. أنت لا تفهم قدر الإنسان، ولا تفهم سيادة الله، وغير مستعد لقبول سيادة الله وترتيباته. أنت تمتلك دائمًا الإرادة البشرية ومشاعرك الخاصة، وهذه الأشياء هي التي تقودك وتسيطر عليك؛ بل أصبحت هي حياتك. إذا اخترت الإرادة البشرية ومشاعرك، فأنت لم تختر الحق، ولا تمارس الحق أو تخضع له. إذا اخترت الإرادة البشرية ومشاعرك، فأنت تخون الحق. من الواضح أن ظروفك وبيئتك لا تسمح لك بإظهار بر الوالدين، ولكنك تفكر دائمًا: "أنا مدين لوالديّ. لم أظهر لهما بر الوالدين. لم يرياني منذ سنوات عديدة. لقد ربياني هباءً". أنت غير قادر أبدًا في أعماق قلبك على التخلي عن هذه الأشياء، مما يثبت شيئًا واحدًا: أنك لا تقبل الحق. أنت تقر من جهة التعاليم بأن كلام الله صحيح، لكنك لا تقبله باعتباره الحق، أو تعتبر أنه مبادئ لأفعالك. لذا، عندما يتعلق الأمر بمسألة كيفية معاملتك لوالديك على أقل تقدير، فأنت لست شخصًا يسعى إلى الحق. هذا لأنك لا تتصرف في هذه المسألة على أساس الحق، ولا تمارس وفقًا لكلام الله، بل ترضي فقط احتياجاتك العاطفية واحتياجات ضميرك، وتريد أن تظهر بر الوالدين وتردّ لهما إحسانهما. على الرغم من أن الله لا يدينك على هذا الاختيار، وهو اختيارك، إلا أن من سيخسر في نهاية المطاف – لا سيما من حيث الحياة – هو أنت. أنت مقيد دائمًا بهذا الأمر، وتعتقد دائمًا أنك تخجل من مواجهة والديك، وأنك لم ترد إحسانهما. عندما يرى الله ذات يوم أن رغبتك في رد إحسان والديك كبيرة جدًا، سيمضي قدمًا وينظم لك بيئة مناسبة، ويمكنك عندئذٍ أن تذهب إلى المنزل فحسب. ألست تعتقد أن والديك أسمى من كل شيء، بل أسمى من الحق؟ من أجل إظهار برّك بوالديك وإرضاء احتياجات ضميرك ومشاعرك، أنت تفضل أن تخسر الله، وتنبذ الحق، وتنبذ فرصتك في نيل الخلاص. حسنًا، لا بأس، هذا خيارك. لن يدينك الله على ذلك. سينظم الله بيئة لك، وسوف يشطبك من قائمته، وسيتخلى عنك. إذا اخترت العودة إلى المنزل لإظهار برّ الوالدين وعدم أداء الواجب، فأنت تهرب وتتخلى عن الواجب الذي عهد الله به إليك، وتتخلى عن إرسالية الله لك وتوقعاته منك، وتتخلى عن الواجب الذي كلّفك الله به، وتنبذ فرصة أداء الواجب. إذا عدت إلى البيت ليجتمع شملك بوالديك، ولإشباع حاجات ضميرك، ولإرضاء توقعات والديك، فلا بأس بذلك، يمكنك أن تختار العودة إلى البيت. إذا لم تستطع حقًا التخلي عن والديك، يمكنك أن تبادر برفع يدك وتقول: "أفتقد والديّ كثيرًا. أشعر بتأنيب الضمير كل يوم، ولا أستطيع إرضاء مشاعري، وقلبي يتألم. أشتاق إلى والديّ، وأفكر فيهما باستمرار. إذا لم أعد لإظهار برّ الوالدين في هذه الحياة، أخشى ألا تتاح لي فرصة أخرى، وأخشى أن أندم على ذلك". يمكنك العودة إلى المنزل إذن. إذا كان والداك هما السماوات والأرض بالنسبة إليك، إذا كانا أهم عندك من حياتك، وإذا كانا كل شيء بالنسبة إليك، فيمكنك أن تختار عدم التخلي عنهما. لن يجبرك أحد على ذلك. يمكنك أن تختار العودة إلى المنزل لإظهار بر الوالدين ومرافقتهما، لتمكينهما من عيش حياة طيبة، وردّ إحسانهما. لكن عليك أن تفكر في هذا الأمر مليًا. إذا اتخذت هذا الخيار اليوم، وفقدت في النهاية فرصتك في نيل الخلاص، فأنت وحدك من سيتحمل هذه العاقبة. لا يمكن لأي شخص آخر أن يتحمل هذا النوع من العواقب عنك، بل يجب أن تتحملها أنت بنفسك. هل تفهم؟ (نعم). إذا كنت تفضل أن تنبذ فرصتك في أداء الواجب ونيل الخلاص، لكي يكون والداك دائنيك فحسب، ولكي تتمكن من سداد ديونك لهما، فهذا خيارك. لا أحد يجبرك. هب أن شخصًا ما في الكنيسة يطلب منك قائلًا: "العيش بعيدًا عن المنزل صعب للغاية. أفتقد والديّ كثيرًا. لا أستطيع أن أتخلى عنهما في قلبي. كثيرًا ما أحلم بهما. في ذهني وفي قلبي، كل ما أفكر فيه هو ظلالهما، وأشعر بالذنب أكثر فأكثر تجاه كل ما فعلاه من أجلي. والآن بعد أن كبرا في السن، أشعر أكثر فأكثر أنه من الصعب جدًا على الوالدين تربية طفل، وأنه يجب أن أرد لهما إحسانهما وأمنحهما بعض الفرح، وأريحهما بوجودي معهما لبقية حياتهما. أنا أفضل أن أتخلى عن فرصتي في الخلاص حتى أتمكن من العودة إلى البيت لأظهر لهما بر الوالدين". في هذه الحالة، يمكنه تقديم طلب قائلًا: "إنني أرفع هذا الطلب! أريد العودة إلى المنزل لأكون بارًا بوالديَّ، ولا أريد أن أؤدي واجبي". ينبغي أن توافق الكنيسة حينئذ على ذلك، ولا حاجة لأن يحاول أحد إثناءه أو عقد شركة معه. إن قول أي شيء آخر له سيكون حماقة. عندما لا يفهم الناس أي شيء على الإطلاق، يمكنك أن تتكلم معهم أكثر قليلًا، وأن تعقد شركة عن الحق حتى يتضح. إذا لم تكن قد عقدت شركة واضحة حول الحق، واتخذ خيارًا خاطئًا نتيجة لذلك، فأنت مسؤول عن ذلك. ولكن إن كان قد فهم كل شيء من حيث التعاليم، فلا حاجة لأحد أن يحاول إثناءه. إنه مثل قول بعض الناس: "أنا أفهم كل شيء، لست بحاجة إلى أن تخبرني بأي شيء". هذا ممتاز، لا تضيع مجهودك معه هباءً، يمكنك أن توفر على نفسك بعض العناء. ينبغي أن تسمح لمثل هؤلاء الأشخاص بالعودة إلى ديارهم على الفور. أولًا، لا تمنعهم؛ ثانيًا، ادعمهم؛ ثالثًا، أعطهم شيئًا من المواساة والتشجيع، قائلًا: "اذهب إلى بيتك وأظهر لوالديك بعضًا من البر الصحيح بالوالدين. لا تغضبهما أو تضايقهما. إذا كنت تريد أن تظهر لهما بر الوالدين وترد لهما إحسانهما، فعليك أن تكون ابنًا بارًا بهما. لكن لا تندم عندما لا تستطيع نيل الخلاص في النهاية. رحلة سعيدة، أتمنى أن تسير الأمور على ما يرام!". حسنًا؟ (نعم). إذا أراد شخص ما الذهاب إلى المنزل لإظهار بر الوالدين، فلا بأس، لا ينبغي أن يكتم هذا. إن أداء الواجب عمل طوعي، ولن يصرّ أحد على أن تقوم به. لن تُدان على عدم أداء الواجب. إذا أديت واجبًا، فهل ستنال الخلاص بالضرورة؟ ليس بالضرورة. هذا مجرد سؤال عن موقفك من أداء الواجب. هل ستهلك إذن إن لم تؤد واجبًا؟ لم يقل أحد ذلك. على أي حال، على الأرجح سينتهي أملك في الخلاص. يقول البعض: "هل برّ الوالدين أمرٌ جيد أم سيِّئ؟". لا أعرف. إذا أردت أن تكون بارًا بوالديك فافعل ذلك. لن نقيّم ذلك، فذلك لن يكون له معنى. هذه مسألة إنسانية ومشاعر. إنها مسألة اختيار طريقتك في الوجود. لا علاقة لها بالحق. من يريد العودة إلى الديار وإظهار بر الوالدين يمكنه أن يختار ذلك بحرية. لن يصرّ بيت الله على بقائه، ولن يتدخل بيت الله. لا ينبغي لقادة الكنيسة والناس من حولهم أن يمنعوه من العودة إلى الديار. لا ينبغي لهم أن يحاولوا إثناء هذا النوع من الأشخاص، أو عقد شركة حول الحق معه. إذا أردت العودة إلى ديارك، فاذهب. سيودّعك الجميع ويأكلون معك بعض الفطائر ويتمنون لك رحلة آمنة.
إن أكبر التوقعات التي يعلقها الآباء على أبنائهم هي من ناحية الأمل في أن يعيش أبناؤهم حياة جيدة، ومن ناحية أخرى الأمل في أن يكون أبناؤهم إلى جانبهم ويسهرون على رعايتهم عندما يتقدمون في السن. على سبيل المثال، إذا مرض أحد الوالدين أو واجهته بعض الصعوبات في حياته، فإنه يأمل أن يكون أبناؤه قادرين على المساعدة في تبديد همومه وصعوباته ومشاركته هذا العبء، كما يأمل أن يكون أبناؤه إلى جانبه عندما يغادر هذا العالم، حتى يتمكن من رؤيتهم ثانية للمرة الأخيرة. وعادةً ما يكون هذان هما أكبر توقعين لدى الآباء من أبنائهم، ومن الصعب التخلي عنهما. إذا مرض أحد والدي شخص ما أو واجهته صعوبات ولم يسمع هو بالأمر، فمن الممكن أن تُحل هذه الأمور دون تدخله. لكن إذا علم بهذه الأمور بالفعل، فعادةً ما يجد صعوبة كبيرة في التغلب عليها، لا سيما عندما يصاب الوالدان بمرض خطير وشديد. في تلك الأوقات، يكون التخلي أشد صعوبة على الناس. عندما تشعر في أعماق قلبك أن والديك لا يزالان في الحالة البدنية، أو المعيشية، أو العملية التي كانا عليها قبل 10 أو 20 عامًا، وأنهما يستطيعان الاعتناء بنفسيهما، وأنهما يعيشان بشكل طبيعي، وأنهما لا يزالان بصحة جيدة، وشباب، وقوة، وعندما تشعر أنهما لا يحتاجان إليك، فلن تحمل في قلبك هذا القلق الكبير عليهما. ولكن عندما تعلم أن والديك قد دخلا في سن الشيخوخة، وأن جسديهما قد ضعفا، وأنهما بحاجة إلى من يرعاهما ويرافقهما، إن كنت في مكان آخر، فربما تشعر بالانزعاج، وتتأثر بذلك. بعض الأشخاص حتى يتخلون عن واجباتهم، ويرغبون في العودة إلى بيوتهم لزيارة والديهم. وبعض الأشخاص العاطفيين يتخذون خيارات غير عقلانية أكثر، فيقولون: "كنت لأهب 10 سنوات من حياتي لوالديّ لو كان باستطاعتي". وهناك أيضًا بعض الأشخاص الذين يصرون على التماس البركة لوالديهم، فهم يشترون جميع أنواع المنتجات الصحية والمكملات الغذائية لوالديهم، وعندما يعلمون أن والديهم مريضين مرضًا خطيرًا، تحاصرهم مشاعرهم رغمًا عنهم، ويتمنون أن يسرعوا إلى جانب والديهم على الفور. يقول البعض: "أنا على استعداد حتى لتحمل هذا المرض بدلًا من والديّ"، غير آبهين بالواجب الذي ينبغي عليهم القيام به، ومتجاهلين إرسالية الله. لذا، من المرجح جدًا في هذه الظروف أن يصبح الناس ضعفاء ويسقطون في الغواية. هل ستبكون إذا سمعتم خبرًا عن مرض والديكم بمرض خطير؟ يتلقى بعض الناس على وجه التحديد رسائل من المنزل تقول إن الطبيب قد أعطى بالفعل إشعاره النهائي. ماذا تعني عبارة "أعطى إشعاره النهائي"؟ من السهل تفسير هذه العبارة. إنها تعني أن والديّ هؤلاء الأشخاص سيموتون في غضون أيام قليلة. في وقت كهذا قد تفكر: "والداي في الخمسينات من العمر فحسب. لا ينبغي أن يحدث هذا. أي مرض أصابهما؟". وعندما يكون الجواب "السرطان"، ستفكر على الفور: "كيف أصيبا به؟ لقد كنت غائبًا طوال هذه السنوات، لقد كانا يفتقدانني، وحياتهما صعبة للغاية، فهل هذا هو سبب إصابتهما بهذا المرض؟". ستسارع عندئذ إلى إلقاء كل اللوم على نفسك قائلًا: "حياة والداي صعبة للغاية، ولم أكن أساعد بمشاركتي في أعبائهما. لقد كانا يفتقدانني ويقلقان عليّ، ولم أبقَ إلى جانبهما. لقد خذلتهما، وجعلتهما يعانيان من ألم افتقادهما لي طوال الوقت. لقد قضى والداي الكثير من الوقت في تربيتي، ومن أجل ماذا؟ كل ما فعلته هو أنني جعلتهما يعانيان!". وكلما فكرت أكثر في الأمر، زاد اعتقادك بأنك خذلتهما، وأنك مدين لهما. ثم تفكر: "لا، هذا ليس صحيحًا. أنا مؤمن بالله، وأؤدي واجب الكائن المخلوق، وأكمل إرسالية الله. لم أخذل أحدًا". لكنك ستفكر بعد ذلك: "والداي كبيران في السن، وليس لديهما أي أبناء إلى جانبهما لرعايتهما. فماذا استفادا من تربيتهما لي إذن؟". تظل تتحرك جيئة وذهابًا، غير قادر على التغلب على ذلك مهما فكرت في الأمر. لن تبكي فحسب، بل ستسقط في براثن مشاعرك المتشابكة تجاه والديك. هل يسهل التخلي في هذه الظروف؟ ستقول: "لقد أنجبني والداي وربياني. لم يتوقعا مني أن أصبح ثريًا جدًا، ولم يطلبا مني أبدًا أي شيء مبالغ فيه. كانا يأملان فحسب أن أكون إلى جانبهما عندما يمرضان ويحتاجان إليّ، وأن أرافقهما وأخفف من معاناتهما. وحتى هذا لم أفعله!". كنت ستبكي منذ اليوم الذي سمعت فيه خبر مرض والديك الشديد حتى يوم وفاتهما. هل ستحزنون إن واجهتم مثل هذا النوع من المواقف؟ هل ستبكون؟ هل ستذرفون الدموع؟ (نعم). في تلك اللحظة، هل ستتراجع عزيمتك وطموحك؟ هل ستشعر برغبة ملحة في العودة بسرعة وتهور إلى جانب والديك؟ هل ستفكر في أعماق قلبك أنك كنت عاقًا غير مبال، وأن والديك قد ربياك هباءً؟ هل ستظل تشعر بالخجل من مواجهة والديك؟ هل ستستمر في تذكّر الإحسان الذي أظهره لك والداك بتربيتك، وكم كانا طيبان معك؟ (نعم). هل ستتخلى عن واجبك؟ هل ستحاول أن تبذل كل ما في وسعك لمعرفة آخر أخبار والديك من الأصدقاء أو من الإخوة والأخوات؟ سيمتلك كل الناس هذه المظاهر، أليس كذلك؟ هل من السهل معالجة هذا الأمر إذن؟ كيف ينبغي أن تفهم مثل هذه الأمور؟ كيف ينبغي لك أن تنظر إلى مسألة المرض أو نوع المصائب الكبيرة التي تصيب والديك؟ إذا تمكنت من رؤية حقيقة هذا الأمر، فستتمكن من التخلي، وإذا لم تستطع ذلك، فلن تستطيع التخلي. أنتِ تعتقد دائمًا أن كل ما عاناه والداك وواجهاه مرتبط بك، وأنه ينبغي عليك أن تشاركهما هذه الأعباء، أنت دائمًا ما تلوم نفسك، وتعتقد دائمًا أن لهذه الأمور علاقة بك، ودائمًا ما تريد أن تتدخل في الأمر. هل هذه الفكرة صحيحة؟ (كلا). لماذا؟ كيف يجب أن تنظر إلى هذه الأمور؟ ما هي المظاهر الطبيعية؟ وما هي المظاهر غير الطبيعية، وغير المنطقية، وغير المتوافقة مع الحق؟ سنتحدث عن المظاهر الطبيعية أولًا. الناس جميعًا ينجبهم آباؤهم؛ فهم من الجسد ولديهم مشاعر. المشاعر جزء من الإنسانية، ولا يمكن لأحد أن يتجنبها. كل إنسان لديه مشاعر؛ حتى الحيوانات الصغيرة لديها مشاعر، فما بالك بالبشر. مشاعر بعض الناس أقوى قليلًا، ومشاعر بعض الناس أضعف قليلًا. ولكن كل الناس لديهم مشاعر مهما كانت الظروف. وسواء كان ذلك نابعًا من مشاعرهم، أو إنسانيتهم، أو عقلانيتهم، فإن جميع الناس سيشعرون بالضيق عند سماعهم أن والديهم قد مرضوا، أو واجهوا بعض المصائب الكبيرة، أو واجهوا معاناة. كل شخصٍ سيشعر بالضيق. من الطبيعي جدًا أن يشعر الإنسان بالضيق، فهذه غريزة إنسانية، وهو أمرٌ يمتلكه الناس في إنسانيتهم ومشاعرهم. ومن الطبيعي جدًا أن يظهر ذلك في الناس. عندما يمرض الوالدان مرضًا شديدًا أو يتعرضان لمصيبة كبيرة، من الطبيعي جدًا أن يشعر الناس بالحزن، وأن يبكوا، ويشعروا بالكبت، ويفكروا في طرق لحل المشكلات ومشاركة الوالدين في تحمل العبء. بالنسبة إلى بعض الأشخاص، سيؤثر ذلك حتى على أجسادهم؛ إذ لن يتمكنوا من تناول الطعام، وسيشعرون بضيق في صدورهم، وستكون معنوياتهم منخفضة طوال اليوم. هذه كلها مظاهر للعواطف، وكلها طبيعية جدًا. لا يجب أن ينتقدك الناس بسبب هذه المظاهر الطبيعية، ولا يجب أن تحاول تجنب هذه المظاهر، وبالتأكيد لا يجب أن تقبل انتقاد أي شخص آخر لها. إذا كانت لديك هذه المظاهر، فهذا يثبت أن مشاعرك تجاه والديك حقيقية، وأنك شخص يمتلك وعي الضمير، وأنك شخص عادي وطبيعي. لا ينبغي لأحد أن ينتقدك لامتلاكك هذه التدفقات العاطفية، أو لامتلاكك هذه الاحتياجات العاطفية. هذه المظاهر كلها تقع في نطاق العقلانية والضمير. إذن، ما هي المظاهر غير الطبيعية؟ المظاهر غير الطبيعية هي تلك التي تتجاوز نطاق العقلانية، وهي عندما يندفع الناس بمجرد أن تصيبهم هذه الأمور، ويريدون أن يتخلوا عن كل شيء على الفور ليعودوا إلى جانب والديهم، ويسارعون إلى إلقاء اللوم كله على أنفسهم، ويتخلون عن المثل العليا، والطموحات، والعزيمة التي كانت لديهم في يوم من الأيام، بل وحتى عن الأيمان التي أقسموا بها أمام الله. إن هذه المظاهر غير طبيعية، وتتجاوز العقلانية، فهي شديدة الاندفاع! عندما يختار الناس طريقًا ما، فليس الأمر كما لو كان بإمكانهم اختيار الطريق الصحيح والصائب في فورة التهور. إن اختيارك للسير في طريق أداء الواجب واختيارك لأداء واجب الكائن المخلوق ليس بالأمر الهيّن، وهو أمر لا يمكن أن يحل محله شيء آخر. إنه بالتأكيد ليس اختيارًا يمكن اتخاذه في فورة من التهور. وعلاوة على ذلك، هذا هو الطريق الصحيح، فلا ينبغي عليك أن تغير قرارك بالسير في الطريق الصحيح في الحياة بسبب البيئات، والأشخاص، والأحداث، والأشياء التي تحيط بك. هذه هي العقلانية التي يجب أن تتحلى بها. سواء أكان الأمر يتعلق بوالديك أو أي نوع من التغييرات الكبيرة، فلا ينبغي أن يؤثر ذلك على أهم شيء وهو قيامك بواجب الكائن المخلوق. هذا جانب من الأمر. والجانب الآخر هو أنه عندما يتعلق الأمر بكيفية إصابة والديك بالمرض، ومتى يبدآن في معاناته، وما هي العواقب التي يمكن أن تترتب عليه، هل أنت من يقرر هذه الأمور؟ قد تقول: "ربما حدث هذا لأنني لم أكن ابنًا بارًا بوالدي. لو كنت قد أمضيت هذه السنوات وأنا أجتهد في كسب المال والعمل، وكنت ميسورًا ماديًا، لكان بإمكانهما علاج هذا المرض في وقت أبكر، ولما ساءت حالتهما إلى هذا الحد. هذا لأنني كنت غير بار بهما". هل هذه الفكرة صحيحة؟ (كلا). إذا كان الشخص يمتلك المال، فهل يعني هذا بالضرورة أنه سيتمكن من شراء الصحة الجيدة وتجنب الإصابة بالمرض؟ (كلا). هل الأغنياء في هذا العالم لا يمرضون أبدًا؟ من اللحظة التي يشعر فيها الشخص بأنه سيمرض، إلى أن يصاب بالمرض، وإلى أن يموت في نهاية المطاف، كل هذا مقدر من الله. كيف يمكن لأي شخص أن يقرر هذا؟ كيف يمكن لامتلاك المال أو عدم امتلاكه أن يحدد هذا؟ كيف يمكن لبيئة المرء أن تحدد هذا؟ كل هذا تحدده سيادة الله وترتيباته. لذلك، لا تحتاج إلى الإفراط في تحليل مسألة إصابة والديك بمرض خطير، أو مواجهة بعض المصائب الكبرى أو تمحيصها، وبالتأكيد لا ينبغي عليك أن تبذل طاقة في ذلك، إذ لن تكون له أي جدوى. إن ولادة الناس، وشيخوختهم، ومرضهم، وموتهم، ومواجهتهم لمختلف الأمور الكبيرة والصغيرة في الحياة هي أمور طبيعية جدًا. إذا كنت راشدًا، فيجب أن يكون لديك طريقة تفكير ناضجة، ويجب أن تتعامل مع هذا الأمر بهدوء وبشكل صحيح: "والداي مريضان. يقول بعض الناس إن السبب في ذلك هو أنهما افتقداني كثيرًا، هل هذا ممكن؟ لقد افتقداني بالتأكيد؛ كيف يمكن لشخص ألا يفتقد ابنه؟ لقد افتقدتهما أنا أيضًا، فلماذا لم أمرض؟". هل يمرض أي شخص لأنه يفتقد أبناءه؟ ليس هذا هو الحال. إذن، ما الذي يحدث عندما يواجه الوالدان هذه الأمور المهمة؟ لا يمكن أن يقال سوى أن الله قد نظم هذا النوع من الأمور في حياتهما. لقد نظمته يد الله – لا يمكنك التركيز على الأسباب والمسببات الموضوعية – كان من المفترض أن يواجه والداك هذا الأمر عندما بلغا هذا العمر، كان من المفترض أن يُصابا بهذا المرض. هل كان بوسعهما تجنبه لو كنت متواجدًا؟ لو لم يقدّر الله لهما أن يصابا بالمرض كجزء من مصيريهما، لما حدث لهما شيء، حتى لو لم تكن معهما. إذا كان مقدرًا لهما أن يواجها هذا النوع من المصائب الكبرى في حياتهما، فماذا كان ليكون تأثيرك لو كنت إلى جانبهما؟ كانا سيظلان غير قادرين على تجنبه، أليس كذلك؟ (بلى). فكر في هؤلاء الناس الذين لا يؤمنون بالله؛ أليست عائلاتهم جميعًا معًا، عامًا بعد عام؟ عندما يواجه هؤلاء الآباء مصيبة كبيرة، فإن أفراد عائلتهم الممتدة وأبناءهم جميعًا معهم، أليس كذلك؟ عندما يمرض الوالدان، أو عندما يشتد مرضهما، هل يكون السبب في ذلك هو أن أولادهما قد تركوهما؟ ليس الأمر كذلك، بل هو أمر مقدّر الحدوث. كل ما في الأمر أنك، كابن لهما، ولأنك تربطك بوالديك رابطة دم، ستشعر بالضيق عندما تسمع بمرضهما، بينما لن يشعر الآخرون بأي شيء. هذا أمر طبيعي جدًا. ومع ذلك، فإن مواجهة والديك لهذا النوع من المصائب الكبيرة لا يعني أنك بحاجة إلى التحليل والتحقيق، أو التفكير في كيفية التخلص منه أو حله. والداك راشدان، وقد واجها هذا الأمر أكثر من مرة في المجتمع. إذا هيأ الله بيئة لتخليصهما من هذا الأمر، فعاجلًا أو آجلًا، سيختفي هذا الأمر تمامًا. إذا كان هذا الأمر عقبة حياتية بالنسبة إليهما، ولا بد لهما من أن يختبراه، فطول الوقت الذي يجب أن يختبراه فيه راجع إلى الله. إنه أمر لا بد أن يختبراه، ولا يمكنهما تجنبه. إذا كنت تريد أن تحل هذا الأمر بمفردك، وتحلل وتبحث في مصدر هذا الأمر وأسبابه ونتائجه، فهذا تفكير أحمق. إنه بلا جدوى، ولا داعي له. لا ينبغي لك أن تتصرف بهذه الطريقة، وتحلل وتحقق، وتتصل بزملائك وأصدقائك للمساعدة، وتتصل بالمستشفى من أجل والديك، وتتصل بأفضل الأطباء، وترتب أفضل سرير في المستشفى من أجلهما؛ لا تحتاج إلى أن تجهد عقلك في القيام بكل هذه الأشياء. إذا كان لديك بالفعل بعض الطاقة الزائدة، فعليك أن تقوم بعمل جيد في الواجب الذي من المفترض أن تقوم به الآن. والداك لديهما مصيرهما الخاص. لا أحد يستطيع الهروب من العمر الذي من المفترض أن يموت فيه. والداك ليسا سيدا مصيرك، وبالطريقة نفسها، أنت لست سيد مصير والديك. إذا كان ثمة ما هو مقدر أن يحدث لهما، فما الذي يمكنك أن تفعله حيال ذلك؟ ما هو التأثير الذي يمكن أن يحققه لك القلق والبحث عن حلول؟ لا يمكن أن يحقق أي شيء؛ فالأمر يعتمد على مقاصد الله. إذا أراد الله أن يأخذهما، ويمكّنك من أداء واجبك دون عائق، فهل يمكنك التدخل في هذا؟ هل يمكنك مناقشة الظروف مع الله؟ ماذا يجب أن تفعل في هذا الوقت؟ إجهاد عقلك في التوصل إلى حلول، والتحقيق، والتحليل، ولوم نفسك، والشعور بالخجل من مواجهة والديك؛ هل هذه هي الأفكار والتصرفات التي يجب أن تكون لدى الإنسان؟ هذه كلها مظاهر لعدم الخضوع لله والحق؛ وهي غير عقلانية، وغير حكيمة، ومتمردة على الله. لا ينبغي أن تكون لدى الناس هذه المظاهر. هل تفهم؟ (نعم).
يقول البعض: "أنا أعلم أنه لا ينبغي لي أن أحلل أو أحقق في مسألة إصابة والديّ بالمرض أو تعرضهما لمصيبة كبيرة، وأن ذلك لا طائل من ورائه، وأنني يجب أن أتعامل مع هذا الأمر على أساس مبادئ الحق، ولكنني لا أستطيع أن أكبح جماح نفسي عن التحليل والتحقيق". لذا، دعونا نحل مشكلة كبح جماح النفس، بحيث لا تحتاج إلى كبح جماح نفسك. كيف يمكن تحقيق ذلك؟ في هذه الحياة، يبدأ الأشخاص الذين يتمتعون بأجسام سليمة في الشعور بأعراض الشيخوخة بعد بلوغهم سن الخمسين أو الستين من العمر، إذ تتدهور عضلاتهم وعظامهم، ويفقدون قوتهم، ولا يستطيعون النوم جيدًا أو تناول الكثير من الطعام، ولا يكون لديهم طاقة كافية للعمل أو القراءة أو القيام بأي نوع من الأعمال. تتفجر في داخلهم أنواع مختلفة من الأمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب وأمراض الأوعية الدموية وأمراض الأوعية الدموية الدماغية وما إلى ذلك. أما بخصوص أولئك الذين يتمتعون بصحة أفضل قليلاً، فعلى الرغم من إصابتهم بأعراض الشيخوخة هذه، يمكنهم القيام بكل ما يحتاجون إليه، ولا تؤثر هذه الأعراض على أن يعيشوا ويعملوا بشكل طبيعي. وهذا أمر جيد للغاية. أما بالنسبة إلى من هم أقل صحة، فإن هذه الأعراض تؤثر على إمكانية عملهم ومعيشتهم بشكل طبيعي، ويضطرون أحيانًا إلى الذهاب إلى المستشفى لمراجعة الطبيب. يصاب بعض هؤلاء الأشخاص بنزلات البرد أو الصداع، والبعض الآخر يصابون بالتهاب الأمعاء أو الإسهال، ويحتاجون إلى الراحة في الفراش لمدة يومين في كل مرة يعانون فيها من نوبة إسهال. ويعاني بعض الأشخاص من ارتفاع ضغط الدم، ويصابون بدوار شديد لدرجة أنهم لا يستطيعون المشي أو ركوب السيارة أو الابتعاد عن منازلهم. هناك أيضًا بعض الأشخاص الذين يعانون من سلس البول، ومن غير المريح لهم الخروج من المنزل، لذلك نادرًا ما يخرجون ويسافرون مع أقاربهم وأصدقائهم. وهناك آخرون يعانون دائماً من الحساسية عند تناول الطعام. هناك بعض الأشخاص الذين لا ينامون جيدًا، ولا يستطيعون النوم في الأماكن الصاخبة؛ وبمجرد انتقالهم إلى مكان آخر، يصعب عليهم النوم أكثر. كل هذه الأمور لها تأثير شديد على حياة هؤلاء الأشخاص وعملهم. بل أن هناك بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون العمل لأكثر من ثلاث أو أربع ساعات متتالية. ثم هناك حالات أكثر حدة، حيث يصاب الأشخاص بأمراض خطيرة في سن الخمسين أو الستين من العمر، على سبيل المثال، بالسرطان أو السكري أو أمراض القلب الروماتيزمية أو الخرف أو مرض باركنسون، وما إلى ذلك. سواء كانت هذه الأمراض ناجمة عن الأشياء التي تناولوها، أو عن تلوث البيئة، أو الهواء، أو الماء، فإن قانون جسد الإنسان هو أنه بعد بلوغ المرأة 45 سنة وبعد بلوغ الرجل 50 سنة تتدهور أجسادهم تدريجيًا. يقولون كل يوم إنهم لا يشعرون براحة في هذا الجزء وأن ذاك الجزء يؤلمهم، ويذهبون إلى الطبيب لفحص الأمر، فيجدون أنه سرطان في مراحله الأخيرة. في النهاية، يقول الطبيب: "عد إلى بيتك، لا يمكن علاجه". كل الناس سيواجهون هذه الأمراض الجسدية. اليوم هم، وغدًا أنتم ونحن. بحسب العمر وبترتيب متسلسل، سيولد الناس جميعًا ويكبرون ويمرضون ويموتون – فمن الشباب يدخلون في سن الشيخوخة، ومن الشيخوخة يمرضون، ومن المرض يموتون – هذا هو القانون. كل ما في الأمر أنك عندما تسمع خبر مرض والديك، لأنهما أقرب الناس إليك، وأكثر من تقلق عليهما، وهما من ربياك، لن تستطيع أن تتجاوز هذه العقبة من مشاعرك، وستفكر: "أنا لا أشعر بأي شيء عندما يموت آباء الآخرين، لكن لا يمكن أن يمرض والداي، لأن ذلك سيحزنني. لا يمكنني تحمل ذلك، قلبي يؤلمني، لا يمكنني تجاوز مشاعري!". فقط لأنهما والديك، تعتقد أنه لا ينبغي أن يشيخا أو يمرضا، وبالتأكيد لا ينبغي أن يموتا – هل هذا منطقي؟ هذا غير منطقي، وليس حق. هل تفهم؟ (نعم). سيواجه كل شخص شيخوخة والديه ومرضهما وفي بعض الحالات الخطيرة يكون آباء الناس قعيدين في الفراش، وبعضهم يصبحون في حالة ضعف شديد. بعض الناس يصاب آباؤهم وأمهاتهم بارتفاع ضغط الدم، أو شلل جزئي، أو سكتات دماغية، أو حتى يصابون بمرض خطير ويموتون. كل شخص سيشهد شخصيًا أو يرى أو يسمع عن عملية شيخوخة والديه ومرضهما ثم موتهما. كل ما في الأمر أن بعض الناس يسمعون هذه الأخبار في وقت أقرب، عندما يكون آباؤهم في الخمسينات من العمر؛ وبعض الناس يسمعون هذه الأخبار عندما يكون آباؤهم في الستينات من العمر؛ والبعض الآخر لا يسمعونها إلا عندما يبلغ آباؤهم 80 أو 90 أو 100 عام. ولكن بغض النظر عن الوقت الذي تسمع فيه هذه الأخبار، فإنك كابن أو ابنة ستقبل هذه الحقيقة يوماً ما، عاجلاً أو آجلاً. إذا كنت راشدًا، فيجب أن يكون لديك طريقة تفكير ناضجة، وموقف صحيح تجاه حقيقة أن الناس يولدون ويكبرون ويمرضون ويموتون، وألا تكون متهورًا؛ لا ينبغي ألا تكون قادرًا على التحمل عندما تسمع خبرًا بأن والديك مريضان، أو أنهما تلقيا إشعارًا من المستشفى بأنهما في حالة مرضية حرجة. يجب أن يتقبل كل إنسان حقيقة أنه يولد ويكبر في السن ويمرض ويموت، فعلى أي أساس أنت غير قادر على تحمل ذلك؟ هذا هو القانون الذي وضعه الله لولادة الإنسان وموته، فلماذا تريد مخالفته؟ لماذا لا تقبله؟ ما هو مقصدك؟ أنت لا تريد أن تترك والديك يموتان، ولا تريدهما أن يعيشا وفقًا لقانون الولادة والشيخوخة والمرض والموت الذي وضعه الله، وتريد منعهما من المرض والموت – فماذا سيجعلهما هذا؟ ألن يجعلهما ذلك أشخاصًا من البلاستيك؟ هل سيظلان بشرًا إذن؟ لذلك، يجب عليك قبول هذه الحقيقة. قبل أن تسمع خبرًا بأن والديك قد كبرا في السن، وأنهما قد مرضا وماتا، يجب أن تهيئ نفسك لهذا الأمر في قلبك. في يوم ما، عاجلاً أم آجلاً، سيكبر كل شخص في السن، وسيضعف، وسيموت. بما أن والديك شخصان عاديان، فلماذا لا يختبران هذه العقبة؟ ينبغي أن يختبرا هذه العقبة، وينبغي أن تتعامل معها بشكل صحيح. هل حُلت هذه المسألة؟ هل يمكنك التعامل مع مثل هذه الأمور بعقلانية الآن؟ (نعم). إذن، كيف ستتعامل مع الأمر عندما يمرض والداك مرضًا خطيرًا أو تصيبهما بعض المصائب الكبيرة في المستقبل؟ ومن الخطأ أيضًا تجاهل الأمر، وسيقول الناس: "هل أنت ضفدع أم ثعبان؟ كيف يمكنك أن تكون بارد الدم إلى هذا الحد؟ أنت شخص طبيعي، لذا يجب أن يكون لديك رد فعل. يجب أن تفكر ملياً: "لقد عاش والداي حياة صعبة، وقد أصيبا بهذا المرض في سن مبكرة. لم ينعما بأي نعمة، ولم يكونا مجتهدين في إيمانهما بالله. هكذا كانت حياتهما. لم يفهما شيئًا، ولم يسلكا الطريق الصحيح ولم يسعيا إلى الحق. لقد أمضيا أيامهما فحسب. لا يوجد فرق بينهم وبين الحيوانات – لا يوجد فرق بينهم وبين الأبقار المسنة أو الخيول المسنة. والآن بعد أن أصبحا في حالة مرضية خطيرة، سيكون عليهما فقط أن يدافعا عن نفسيهما، لكنني آمل أن يتمكن الله من أن يخفف عنهما بعضًا من معاناتهما". صلِّ من أجلهما في قلبك، وهذا يكفي. ماذا يمكن لأي شخص أن يفعل؟ إن لم تكن مع والديك، فلا يمكنك عمل أي شيء، وحتى لو كنت إلى جانبهما، ماذا يمكنك أن تفعل؟ كم عدد الأشخاص الذين رأوا بأنفسهم آباءهم ينتقلون من الشباب إلى الشيخوخة، ومن الشيخوخة إلى الإصابة بأمراض مختلفة، ومن الإصابة بهذه الأمراض المختلفة إلى فشل علاجهم الطبي، إلى إعلان وفاتهم، إلى دفعهم إلى المشرحة؟ عددهم ليس بقليل. يبقى هؤلاء الأبناء جميعًا مع آبائهم، ولكن ماذا يسعهم أن يفعلوا؟ لا يمكنهم فعل أي شيء؛ لا يمكنهم سوى المشاهدة. إن عدم مشاهدة هذه العملية الآن سيوفر عليك بعض المتاعب؛ فمن الأفضل ألا تشاهدها، فمشاهدتها لن تكون في صالحك. أليس هذا هو الحال؟ (إنه كذلك). عندما تتعلق المسألة بهذا الأمر، فمن ناحية يجب أن تدرك حقيقة أن ولادة الناس وشيخوختهم ومرضهم وموتهم هو قانون وضعه الله، ومن ناحية أخرى يجب أن ترى المسؤوليات التي يجب أن يقوم بها الناس ومصائرهم بوضوح، ويجب ألا تكون غير عقلاني، وألا تفعل أشياء متهورة أو حمقاء. لماذا يجب ألا تفعل أشياء متهورة أو حمقاء؟ لأنك حتى لو فعلتها، فلن يكون لها أي فائدة، بل ستكشف عن حماقتك. والأخطر من ذلك، بينما تقوم بأشياء حمقاء، فأنت تتمرد على الله، والله لا يحب هذا، بل يزدريه. أنت تعي بوضوح كل هذه الحقائق من حيث التعليم وتفهمها، لكنك ما زلت تتشبث بطريقك الخاص، وتفعل بعض الأشياء بطريقة عنيدة ومتعمدة، لذلك لا يحبك الله، بل يبغضك. ما الذي يبغضه الله فيك؟ إنه يبغض حماقتك العنيدة وتمردك. أنت تظن أنك تمتلك بعض المشاعر الإنسانية، لكن الله يقول إنك عنيد وأحمق، أنت عنيد وأحمق وغبي ومتعنت، ولا تقبل الحق أو تخضع لتنظيمات الله وترتيباته. لقد أخبرك الله بوضوح بجوهر هذا الأمر ومصدره ومبادئ الممارسة المحددة التي يتضمنها هذا الأمر، لكنك ما زلت تريد استخدام مشاعرك للتعامل مع كل هذا، لذلك لا يحبك الله. في نهاية المطاف، إذا لم يأخذ الله مرض والديك منهما، فسيمرضان مرضًا شديدًا ويموتان، إذا كان هذا ما يفترض أن يحدث لهما. لا يمكن لأي شخص تغيير هذه الحقيقة. إذا أردت تغييرها، فهذا يثبت فقط أنك تريد استخدام يديك وأساليبك لتغيير سيادة الله. هذا أعظم تمرد، وأنت تعارض الله. إذا كنت لا تريد أن تعارض الله، فعندما تسمع أن هذه الأمور قد حدثت لوالديك، يجب أن تهدأ وتجد مكانًا تختلي فيه بنفسك للبكاء والتفكير والصلاة، أو تعبر للإخوة والأخوات من حولك عن مشاعر الاشتياق. هذا كل ما عليك فعله. يجب ألا تفكر في تغيير شيء ما، وبالتأكيد يجب ألا تفعل أشياء حمقاء. لا تصلي إلى الله وتطلب منه أن يزيل مرض والديك، وأن يسمح لهما بالعيش لبضع سنوات أخرى، أو أن يأخذ عامين من عمرك ويمنحهما إياهما، لمجرد أنك تؤمن بالله، أو على أساس أنك تركت أسرتك ونبذت مستقبلك المهني لأداء واجبك لسنوات عديدة. لا تفعل هذا النوع من الأشياء. لن يستمع الله إلى هذا النوع من الصلوات، وهو يبغض هذا النوع من الأفكار والصلوات. لا تضايق الله أو تغضبه. إن الله ينفر أشد النفور من الناس الذين يرغبون في التلاعب بمصير شخص ما، أو تغيير حقيقة سيادة الله على مصير شخص ما، أو تغيير بعض الحقائق التي أرساها الله منذ زمن طويل أو مسارات مصائر الناس. الله يبغض هذا أشد البغض.
لقد انتهيت من عقد شركة حول الموقف والأفكار والفهم الذي يجب أن يتحلى به الناس فيما يتعلق بمسألة إصابة والديهم بالمرض. وبالطريقة ذاتها، عندما يتعلق الأمر بوفاة والديهم، يجب أن يتخذ الناس أيضًا موقفًا صحيحًا وعقلانيًا. بعض الناس كانوا بعيدين عن والديهم لسنوات عديدة، ولم يكونوا إلى جانب والديهم ولم يعيشوا معهم، وعندما يسمعون أن والديهم قد توفيا فجأة، فإن ذلك يشكل ضربة كبيرة لهم، ويشعرون بأن الأمر كله مفاجئ بشكل غير معقول. ولأن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مع والديهم ولم يعيشوا معهم منذ سنوات عديدة، فإنهم دائمًا ما يحملون نوعًا من المفاهيم الخاطئة في أفكارهم ومفاهيمهم. أي نوع من المفاهيم الخاطئة؟ عندما تركت والديك كانا على قيد الحياة وبصحة جيدة. بعد ابتعادك عنهما لسنوات عديدة، يظل والداك في ذهنك في نفس العمر، ويظلان في نفس الحالة الجسدية والمعيشية التي تتذكرها. هذا يجعل الأمور فوضوية. ثم تعتقد أن والديك لن يشيخا أبدًا وأنهما سيعيشان للاحتفال بأعياد ميلاد كثيرة. أي أنه بمجرد أن تُخزَّن وجوههم في قلبك، وبمجرد أن تترك حياتهم وكلماتهم وسلوكهم انطباعًا وبصمة في ذهنك وفي ذاكرتك، تظن أن والديك سيكونان هكذا إلى الأبد، وأنهما لن يتغيرا ولن يشيخا وبالتأكيد لن يموتا. إلام تشير كلمة "لن يموتا" هنا؟ من ناحية، تعني أن جسديهما الماديان لن يختفيا، ومن ناحية أخرى، يعني أن وجهيهما ومشاعرهما تجاهك وما إلى ذلك، لن تختفي. هذا مفهوم خاطئ، وسيسبب لك الكثير من المتاعب. لذلك، أيًا كان عمر والديك، سواء ماتا بسبب الشيخوخة، أو بسبب مرض، أو بسبب بعض الحوادث، فإن ذلك سيشكل ضربة لك، وسيشعرك بأن الأمر مفاجئ للغاية. نظرًا لأن في ذهنك والديك لا يزالان على قيد الحياة وبصحة جيدة، ثم يرحلان فجأة، ستفكر: "كيف يمكن أن يرحلا؟ كيف يمكن أن يتحول الأحياء إلى تراب؟ أشعر دائمًا في قلبي أن والداي لا يزالان على قيد الحياة، وأن أمي لا تزال تطبخ في المطبخ، وتشغل نفسها كثيرًا، وأن أبي يعمل خارج المنزل كل يوم، ولا يعود إلى المنزل إلا في المساء". لقد تركت هذه المشاهد من حياتهما بعض الانطباعات في ذهنك. لذا يضمر وعيك شيئًا لا ينبغي أن يضمره بسبب مشاعرك، وهو الاعتقاد بأن والديك سيعيشان إلى الأبد في قلبك. على هذا النحو، أنت تعتقد أنه لا ينبغي أن يموتا، وأيًا كانت الظروف التي يتوفى فيها والداك، ستشعر أن ذلك يمثل ضربة كبيرة لك، ولن تكون قادرًا على تقبل ذلك. سيستغرق الأمر بعض الوقت لتجاوز هذه الحقيقة، أليس كذلك؟ سيكون مرض والديك صدمة كبيرة لك بالفعل، لذا ستكون وفاة والديك صدمة أكبر. إذن كيف يجب عليك قبل أن يحدث هذا أن تتغلب على الصدمة غير المتوقعة التي ستصيبك، حتى لا تؤثر على أدائك لواجبك أو على الطريق الذي تسير فيه، أو تتداخل معه أو تمسه؟ دعنا ننظر أولاً إلى ما هو الموت تحديدًا، وما هي الوفاة تحديدًا – أليس معناها أن يغادر الشخص هذا العالم؟ (بلى). هذا يعني أن الحياة التي يمتلكها الشخص، والتي لها وجود مادي، تزول من العالم المادي الذي يمكن أن يراه البشر، وتختفي. ثم ينتقل هذا الشخص للعيش في عالم آخر، في هيئة أخرى. انتهاء حياة والديك يعني أن العلاقة التي تربطك بهما في هذا العالم قد ذابت، واختفت، وانتهت. إنهما يعيشان في عالم آخر، في هيئات أخرى. أما بشأن كيفية استمرار حياتهما في ذلك العالم الآخر، وإذا ما كانا سيعودان إلى هذا العالم، أو يلتقيان بك مرة أخرى، أو تكون لهما أي نوع من العلاقات الجسدية أو الارتباطات العاطفية معك، فهذا أمر قدّره الله، ولا علاقة له بك. باختصار، موتهما يعني أن مهامهما في هذا العالم قد انتهت، وقد وصلت حياتهما لمنتهاها. لقد انتهت مهامهما في هذه الحياة وفي هذا العالم، لذلك انتهت علاقتك بهما أيضًا. أما بالنسبة إلى ما إذا كانا سيتجسدان مرة أخرى في المستقبل، أو ما إذا كانا سيلاقيان أي نوع من الجزاء والتقييد، أو أي نوع من التعامل والترتيبات في العالم الآخر، فهل هذا له أي علاقة بك؟ هل يمكنك أن تقرر هذا؟ لا علاقة لهذا بك، كما لا يمكنك أن تقرره، ولن تستطيع معرفة أي شيء عنه. تنتهي علاقتك بهما في هذه الحياة في ذلك الوقت. أي أن المصير الذي ربطكم معًا حيث عشتم معًا جنبًا إلى جنب لمدة 10 أو 20 أو 30 أو 40 عامًا ينتهي عندئذٍ. بعد ذلك، هم يصبحون هم، وأنت تصبح أنت، ولا تجمعكم أي علاقة على الإطلاق. حتى لو كنتم جميعكم تؤمنون بالله، فقد أديا واجباتهما، وأنت تؤدي واجباتك؛ عندما لا يعودان يعيشان في ذات البيئة المكانية، لا تعود هناك أي علاقة بينكم. ببساطة لقد أكملا المهام التي أوكلها الله إليهما بالفعل. لذا، عندما يتعلق الأمر بالمسؤوليات التي أدياها لك، فإنها تنتهي في اليوم الذي تبدأ فيه بالوجود بشكل مستقل عنهما – لا تعد لك أي علاقة بوالديك. إذا توفيا اليوم، سيكون ثمة ما تفتقده على المستوى العاطفي، وستفتقد اثنين من أحبائك الذين تحن إليهما. لن تراهما أبدًا مرة أخرى، ولن تتمكن من سماع أخبارهما مرة أخرى. لا علاقة لك بما سيحدث لهما بعد ذلك ومستقبلهما، ولن تكون بينكما روابط دم، ولن تعد حتى الكائن نفسه بعد ذلك. هكذا هو الأمر. ستكون وفاة والديك هي آخر خبر تسمعه عنهما في هذا العالم، وآخر ما تراه أو تسمع عنه من عقبات من حيث خبرات الولادة والكبر والمرض والموت في حياتهما، وهذا كل ما في الأمر. لن تأخذ وفاتهما منك شيئًا أو تعطيك شيئًا، فهما ببساطة قد ماتا، وانتهت رحلتهما كأشخاص. لذا، عندما يتعلق الأمر بوفاتهما، فلا يهم ما إذا كانت هذه الوفاة ناتجة عن حادث أو وفاة طبيعية أو وفاة ناتجة عن مرض وما إلى ذلك، ففي كل الأحوال، لولا سيادة الله وترتيباته، ما كان بوسع أي شخص أو قوة أن تسلبهما حياتيهما. لا تعني وفاتهما سوى نهاية حياتهما الجسدية. إذا كنت تفتقدهما وتشتاق إليهما، أو تشعر بالخجل من نفسك بسبب مشاعرك هذه، فلا ينبغي أن تشعر بأي من هذه الأشياء، وليس من الضروري أن تشعر بها. لقد رحلا عن هذا العالم، لذا فإن الاشتياق إليهما لا داعي له، أليس كذلك؟ إذا كنت تفكر: "هل افتقدني والداي طوال تلك السنوات؟ كم عانيا أكثر لأنني لم أكن إلى جانبهما لأظهر لهما البر بالوالدين طوال هذه السنوات العديدة؟ لطالما تمنيت طوال كل هذه السنوات أن أقضي بضعة أيام معهما، ولم أتوقع أبدًا أنهما سيتوفَّيان بهذه السرعة. أشعر بالحزن والذنب". ليس من الضروري أن تفكر بهذه الطريقة، فلا علاقة لموتهما بك. لماذا لا علاقة له بك؟ لأنه حتى لو كنت قد أظهرت لهما بر الوالدين أو صاحبتهما، فليس هذا هو التكليف أو المهمة التي كلّفك الله بها. لقد قدَّر الله مقدار ما سيواجهه والداك من خير أو معاناة منك، وهذا لا علاقة له بك على الإطلاق. لن يعيشا حياة أطول لأنك معهما، ولن يعيشا حياة أقصر لأنك بعيد عنهما ولا يمكن أن تكون معهما كثيرًا. لقد عيّن الله المدة التي سيعيشانها، ولا علاقة لذلك الأمر بك. لذلك، إذا سمعت خبر وفاة والديك خلال حياتك، فلا داعي لأن تشعر بالذنب. يجب أن تتعامل مع هذا الأمر بالطريقة الصحيحة وتتقبله. إذا كنت قد ذرفت بالفعل الكثير من الدموع أثناء مرضهما الشديد، فينبغي أن تشعر بالسعادة والحرية عند وفاتهما؛ فبعد أن تودعهما لا داعي للبكاء. ستكون قد أديت بالفعل مسؤولياتك كابن لهما، وستكون قد صليت من أجلهما، وحزنت من أجلهما، وذرفت دموعًا لا حصر لها من أجلهما، وبالطبع ستكون قد فكرت في العديد من الحلول الممكنة لعلاج مرضهما، وستكون قد بذلت قصارى جهدك لتخفيف معاناتهما. ستكون قد فعلت كل ما بوسعك بوصفك ابنهما. وعندما يتوفيان، لن يكون بوسعك إلا أن تقول "لقد عانيتما أوقاتًا صعبة للغاية. بصفتي ابنكما، أتمنى أن ترقدا في سلام. إذا كنتما قد فعلتما أشياء كثيرة أغضبت الله في هذه الحياة، فيجب أن تنالا العقاب في العالم الآخر. إذا أعطاكما الله الفرصة بعد أن تلقيتما عقابكما للتجسد والعودة إلى الحياة مرة أخرى، آمل أن تبذلا قصارى جهدكما لتحسنا السلوك، وتسلكا الطريق الصحيح. لا تفعلا المزيد من الأشياء التي تسيئ إلى الله، واجتهدا لكيلا تنالا أي عقاب في حياتكما القادمة". هذا كل شيء. أليس هذا كلامًا جيدًا؟ هذا كل ما يمكنك فعله؛ سواء كان ذلك من أجل والديك أو من أجل أحد أحبائك، هذا كل ما يمكنك فعله. وبالطبع، عندما يتوفى والداك في نهاية المطاف، إذا لم تستطع أن تكون معهما أو أن تمنحهما بعض الراحة الأخيرة، فليس من الضروري أن تشعر بالحزن. هذا لأن كل شخص في واقع الأمر يغادر هذا العالم وحيدًا. حتى لو كان ابناؤه معه، فعندما يأتي رسول ليقبض روحه، فلن يتمكن أحد سواه من رؤيته. وعندما يرحل، لن يرافقه أي شخص، ولن يستطيع أولاده مرافقته، ولا حتى شريك أو شريكة حياته. عندما يغادر الناس هذا العالم، يكونون دائمًا بمفردهم. يحتاج كل شخص في لحظاته الأخيرة إلى مواجهة هذا الموقف وهذه العملية وهذه البيئة. ولذلك، إذا كنت إلى جانبه، وكان ينظر إليك مباشرةً، سيظل هذا عديم الفائدة. وعندما يضطر إلى الرحيل، إذا أراد أن ينادي اسمك، فلن يتمكن من ذلك، ولن تكون قادرًا على سماعه؛ وإذا أراد أن يمد يده ويمسكك، فلن تكون لديه القوة، ولن تكون قادرًا على الشعور بذلك. سيكون بمفرده. هذا لأن كل شخص يدخل هذا العالم بمفرده، وفي نهاية المطاف، يجب أن يغادره بمفرده أيضًا. هذا أمر قدره الله. إن وجود مثل هذه الأشياء يمكّن الناس من أن يروا بوضوحٍ أكبر أن حياتهم ومصائرهم، وأن ولادتهم وشيخوختهم ومرضهم وموتهم كلها بيد الله، وأن حياة كل شخص مستقلة عن غيرها. على الرغم من أن كل الناس لديهم آباء وإخوة وأحباء، إلا أنه من منظور الله، ومن منظور الحياة، فإن حياة كل شخص مستقلة، ولا تتجمع الحيوات معًا، ولا توجد حياة لها شريك. من منظور البشر المخلوقين، كل حياة مستقلة، لكن من منظور الله، لا توجد حياة وحيدة خلقها الله، لأن الله يرافق كل واحدة منها ويشدها إلى الأمام. كل ما في الأمر أنك عندما تكون في هذا العالم تولد لوالديك، وتعتقد أن والديك هما أقرب الناس إليك، ولكن في الواقع، عندما يرحل والداك عن هذا العالم، ستدرك أنهما ليسا أقرب الناس إليك. عندما تنتهي حياتهما، ستظل أنت على قيد الحياة، وانتهاء حياتهما لن يسلبك حياتك، وبالتأكيد لن يؤثر على حياتك. لقد كنت بعيدًا عنهما طوال هذه السنوات، ولا زلت تعيش حياة جيدة. لماذا؟ لأن الله يرعاك ويرشدك؛ وأنت تعيش تحت سيادته. عندما يرحل والداك عن هذا العالم، سيجعلك هذا واعيًا أكثر بأنه بدون مرافقة والديك لك، واهتمامهما بك، ورعايتهما لك، وتربيتهما لك، انتقلت على مدار هذه السنوات من مرحلة النمو، إلى مرحلة الرشد، إلى منتصف العمر، إلى مرحلة الشيخوخة، وتحت إرشاد الله، فهمت أكثر فأكثر في حياتك، وأصبح طريقك واتجاهك إلى الأمام واضحان بشكل متزايد. لذلك، أصبح الناس قادرين على ترك والديهم. إن وجود والديهم ضروري فقط خلال طفولتهم، أما بعد أن يكبروا، فإن وجود والديهم هو مجرد أمر شكلي. إن والديهم هما مجرد سندهم ودعمهم العاطفي، وهما ليسا ضروريان. وبالطبع، عندما يرحل والداك عن هذا العالم، ستشعر أن هذه الأمور ستزداد وضوحًا لك، وستشعر أكثر أن حياة الناس تأتي من الله، وأن الناس لا يمكنهم العيش دون الاتكال على الله، ودون أن يكون الله هو قوتهم العقلي والروحي، وقوت حياتهم. عندما يتركك والداك ستفتقدهما على الصعيد العاطفي فحسب، ولكن في الوقت ذاته ستتحرر من الناحية العاطفية أو من نواحٍ أخرى. لماذا ستتحرر؟ عندما يكون والداك في الجوار، فإنهما يشكلان همومًا وأعباءً بالنسبة إليك. إنهما شخصان يمكن أن تكون عنيدًا تجاههما، ويجعلانك تشعر وكأنك لا تستطيع التحرر من مشاعرك. سيُحل كل هذا عندما يرحل والداك. سيكون الشخصان اللذين كنت تشعر أنهما الأقرب إليك قد رحلا، ولن يكون عليك أن تقلق بشأنهما أو تتوق إليهما. عندما تخترق هذه العلاقة الاتكالية التي تربطك بوالديك، عندما يرحلان عن هذا العالم، عندما تشعر تمامًا في أعماق قلبك أن والديك قد رحلا بالفعل، وتشعر أنك قد تجاوزت بالفعل روابط الدم مع والديك، ستصبح ناضجًا ومستقلًا حقًا. فكرفي الأمر: مهما بلغ الإنسان من العمر، إذا كان والداه لا يزالان على قيد الحياة، فكلما واجهته مشكلة ما، سيفكر: "سأسأل أمي، سأسأل أبي". هناك دائمًا قوت عاطفي له. عندما يكون لدى الناس القوت العاطفي، يشعرون أن وجودهم في هذا العالم يفيض بالدفء والسعادة. عندما تفقد ذلك الشعور بالسعادة وذلك الدفء، إذا لم تشعر بأنك وحيد، أو أنك فقدت السعادة والدفء، عندها تكون ناضجًا، وتكون مستقلًا حقًا من حيث أفكارك ومشاعرك. ربما لم يختبر معظمكم هذه الأشياء بعد. عندما تختبرونها ستفهمون. فكروا في الأمر: مهما كان عمر الشخص، سواء كان عمره 40 أو 50 أو 60 عامًا، عندما يتوفى والداه، يصبح على الفور أكثر نضجًا. وكأنه يتحول من طفل ساذج إلى شخص راشد عاقل في لحظة. يصبح قادرًا بين عشية وضحاها على فهم الأمور والاستقلالية. لذا فإن وفاة الوالدين هي عقبة كبيرة لكل شخص. إذا استطعت مقاربة علاقتك بوالديك والتعامل معها بشكل صحيح، وفي الوقت نفسه مقاربة التخلي عن توقعات والديك المختلفة لك، أو المسؤوليات التي يجب أن تؤديها على المستوى العاطفي والأخلاقي والتعامل معها، ستكون قد نضجت حقًا، وعلى أقل تقدير، ستكون راشدًا أمام الله. ليس بالأمر السهل أن تصبح راشدًا هكذا، إذ يجب أن تعاني بعض الألم فيما يتعلق بمشاعرك الجسدية، ويجب أن تتحمل بعض الدمار والعذاب العاطفي على وجه الخصوص، بالإضافة إلى ألم عدم سير الأمور على ما يرام، أو عدم سيرها كما كنت تأمل أو عدم التوفيق وما إلى ذلك. عندما تكون قد اختبرت كل هذا الألم، ستربح المزيد من البصيرة في هذه الأمور. وإذا ربطتها بالحقائق التي قدمنا حولها شركة فيما يتعلق بهذه الأمور، فسوف تربح المزيد من البصيرة في حياة الناس ومصائرهم التي قدّرها الله، وكذلك المودة الموجودة بين الناس، بطريقة متعمقة للغاية. عندما تكتسب بصيرةً في هذه الأمور، سيكون من السهل عليك التخلي عنها. عندما تتمكن من التخلي عن هذه الأشياء والتعامل معها بشكل صحيح، ستتمكن من مقاربتها بشكل صحيح. لن تقاربها بناءً على تعاليم البشر أو معايير الضمير البشري؛ بل ستقاربها وفقًا لمبادئ الحق. ماذا يعني أن تتوافق مع مبادئ الحق؟ يعني أنك تستطيع الخضوع لله. إذا كان بوسعك الخضوع لله ولتنظيماته، فهذه علامة جيدة وبشارة خير. بأي شيء تبشر؟ بأن لديك أمل في الخلاص. لذلك، عندما يتعلق الأمر بمسألة توقعات والديك، بغض النظر عما إذا كنت شابًا أو في منتصف العمر أو مسنًا أو في سنواتك المتأخرة الآن، وبغض النظر عما إذا كنت لم تختبر هذا الأمر أو كنت تختبره الآن أو كنت قد اختبرته بالفعل، فإن ما تحتاجون إلى فعله ليس مجرد التخلي عن مشاعركم أو قطع علاقتكم بوالديكم وفصل أنفسكم عنهم، بل هو بذل الجهد في الحق، والسعي لفهم هذه الجوانب من الحق. هذا هو أهم شيء. عندما تفهمون هذه العلاقات المختلفة والمعقدة، يمكنكم التحرر منها، ولن تعودوا مقيدين بها. عندما لا تعودون مقيدين بها، سيكون من الأسهل عليكم الخضوع لتنظيمات الله، وستواجهون عقبات أقل وعوائق أقل في القيام بذلك. عندها سيكون احتمال تمردك على الله أقل، أليس كذلك؟
هل أنت الآن قادر على رؤية حقيقة كل هذه الأمور الرئيسية المتعلقة بالوالدين وحلها؟ تأملوا في الحق عندما يكون لديكم وقت فراغ. إذا استطعت في المستقبل أو في الأمور التي تواجهها الآن أن تربط هذه الأمور بالحق، وتحل هذه المشكلات بناءً على الحق، فستواجه مشكلات أقل بكثير وصعوبات أقل، وستعيش حياة مريحة ومبهجة للغاية. أما إذا لم تتعامل مع هذه الأمور على أساس الحق، فستواجه الكثير من المتاعب، وستكون حياتك مؤلمة للغاية. هذه هي العاقبة. سأنهي شركتي حول موضوع توقعات الوالدين هنا اليوم. إلى اللقاء!
29 أبريل 2023