41. هل يتطلب نيل الخلاص مكانة؟
لسنوات، كنت أؤدي واجبي بعيدًا عن المنزل، وكنت مسؤولة عن عمل الكنيسة. ورغم أنني كنت أعاني من مرض قلبي خلقي، فإنني لم أعانِ من أي مشاكل صحية كبيرة. ولكن مع تقدم العمر على مدار هذين العامين الماضيين، لم أعد كما كنت عقليًّا وجسديًّا. فالبقاء مستيقظة لوقت متأخر قليلًا في الليل يشعرني بالإرهاق في اليوم التالي وبضعف عام، ولا أشعر بأن قلبي على ما يرام. في أغسطس من العام 2021، راعت القائدة حالتي وخشيت من أن جسدي لم يعد قادرًا على الاستمرار في تحمل الاضطلاع بدور قيادي شديد التوتر، لذلك جعلتني أعود إلى بيتي لأعتني بصحتي وأقوم بما أستطيع من واجبات. كان سماع ذلك مزعجًا جدًّا لي. قلت لنفسي: "إنه وقت حاسم لتجميع الأعمال الحسنة من خلال أداء الواجب. وإذا تم نقلي، وأصبحت مجرد مؤمنة عادية بدلًا من قائدة، فستقل فرصي في الممارسة، وسأتعلم الحقَّ وأدخل الواقع بشكل أبطأ، لذا ستتضاءل فرصتي في نيل الخلاص. ولن يصبح الأمر كما لو كنت قائدة، تحل دائمًا المشاكل المختلفة للإخوة والأخوات، وتتعلم الحقَّ وتدخل فيه بسرعة، مع فرصة أفضل في الخلاص. هل يستخدم الله هذا الموقف لكي يكشفني ويستبعدني؟" كنت أشعر بمزيد من الضيق كلما فكرت في الأمر، ولم أستطع كبح دموعي. لاحقًا، قامت إحدى الأخوات بعقد شركة معي بعد أن عرفت بحالتي. وأخبرتني قائلة: "إن مشيئة الله الخيِّرة موجودة في هذا الأمر، وعندما لا نفهم مشيئة الله، علينا أولًا أن نخضع، ونصلي ونسعى بشكل أكبر، لكن لا يمكن أن نسيء الفهم أو نشتكي أبدًا". ذكرتني شركتها بأن هذا الموقف لم يكن عشوائيًّا، بل لا بد من أنّ ثمة حقًّا ينبغي عليَّ السعي إليه والدخول فيه، وأن عليَّ أن أخضع. ولكنني كنت ما أزال مستاءة حقًّا. كنت حين أستيقظ ليلًا ويخطر الأمر ببالي، أتقلّب في فراشي ولا أستطيع النوم، وأكرر القول لنفسي: "لقد آمنت كل هذه السنوات، وحين أصبح عمل الله في لحظته الحاسمة أخيرًا، فقدت فرصتي في أن أخدم كقائدة. أنا مجرد مؤمنة عاديَّة. أما زال لديَّ أمل في أن أُخَلَّص وأُكَمَّل؟" كنت ما زلت أريد الاستمرار في الخدمة كقائدة، لكني خشيت أن يتفاقم مرضي ويؤثر على عمل الكنيسة. لم يكن من الممكن أن أكون أنانيَّة وأُعَرِّض عمل الكنيسة للخطر. كلما فكرت في الأمر، أصبحت أكثر انزعاجًا. لم أعرف كيف كان من المفترض أن أتجاوز هذا الأمر.
أثناء عبادتي، قرأت بعضًا من كلام الله الذي كشف كيفية تعامل أضداد المسيح مع التغييرات في واجباتهم وتمكنت من فهم القليل عن نفسي. يقول الله: "في ظل الظروف العادية، ينبغي للمرء قبول التغييرات في واجبه والخضوع لها. وينبغي له أيضًا التفكير في نفسه، والتعرف على جوهر المشكلة، والتعرف على أوجه القصور لديه. هذا أمرٌ نافع للغاية، ومن السهل جدًا على الناس تحقيقه، وهو ليس بهذه الصعوبة. إن التغييرات في واجب الفرد ليست عَقَبة لا يمكن التغلب عليها. إنها بسيطة بما يكفي بحيث يمكن لأي شخص التفكير فيها بوضوح والتعامل معها بشكل صحيح. عندما يحدث شيء من هذا القبيل لشخص عادي، فعلى الأقل يمكنه الخضوع، وكذلك الاستفادة من التفكير في نفسه، وربح تقييم أكثر دقَّة لما إذا كان أداؤه لواجباته مؤَّهلًا أم لا. لكن الأمر ليس كذلك لدى أضداد المسيح. إنهم مختلفون عن الأشخاص العاديين، مهما كان ما يحدث لهم. أين يكمن هذا الاختلاف؟ إنهم لا يطيعون، ولا يتعاونون بروح المبادرة، ولا يطلبون الحق على الإطلاق. بدلًا من ذلك، يشعرون بالاشمئزاز تجاهه، ويقاومونه، ويحللونه، ويتأملونه، ويثقلون عقولهم بالتكهنات: "لماذا لا يُسمح لي بالقيام بهذا الواجب؟ لماذا أنقَل إلى وظيفة غير مهمة؟ هل هذه وسيلة لكشفي وطرحي خارجًا؟" إنهم يستمرون في تقليب ما حدث في أذهانهم، ويحلّلونه إلى ما لا نهاية ويفكرون فيه. وعندما لا يحدث شيء، يكونون بخير تمامًا، ولكن عندما يحدث شيء ما بالفعل، يبدأ في التموج داخل قلوبهم كما لو كانوا في المياه العاصفة، وتمتلئ رؤوسهم بالأسئلة. قد يبدو الأمر من الخارج وكأنهم أفضل من غيرهم في التفكير في الأمور، ولكن أضداد المسيح في الواقع هم أشدّ شرًا من الناس العاديين. كيف يتجلّى هذا الشر؟ إن اعتباراتهم متطرفة ومعقدة وخفيّة. والأمور التي لا تحدث لشخصٍ عادي، أو شخص لديه ضمير ومنطق، تجدها شائعة للغاية لدى أضداد المسيح. عند إجراء تعديل بسيط على واجب الناس، يجب عليهم الاستجابة بسلوك الطاعة، والتصرف بحسب تعليمات بيت الله، وفعل ما يستطيعون فعله، ومهما فعلوا، فليفعلوه على أفضل وجهٍ ممكن لهم، من كل قلبهم وبكل قوتهم. ما فعله الله ليس خطأ يمكن ممارسة هذه الحقيقة البسيطة بشيء من الضمير الحيّ والتعقل، ولكن هذا يتعدى إمكانيات أضداد المسيح. عندما يتعلق الأمر بتعديل الواجبات، سيقدم أضداد المسيح على الفور الحُجَج والسفسطة ويُظهرون المقاومة، وفي قرارة نفوسهم يأبون قبول ذلك. ما الذي يُكنّونه في قلوبهم يا تُرى؟ الشك والريبة، ثم يتفحصون الآخرين مستخدمين كل الطرق. إنهم يختبرون ردود الفعل بأقوالهم وأفعالهم، بل إنهم يجبرون الناس ويحثونهم على قول الحقيقة والتحدث بأمانة من خلال أساليب متحايلة. ... لا يمكن لأحد أن يتخيل أنه، في مسألة صغيرة جدًا مثل نقل الواجبات، سيثير أضداد المسيح ضجة كبرى، وسيحدثون مثل هذه الجلبة، وسيحاولون بكل السبل المتاحة لهم خلق مثل هذه المتاعب الجمة. لماذا يجعلون من أمرٍ بسيطٍ شأنًا معقدًا جدًا؟ هناك سبب واحد فقط: إن أضداد المسيح لا يطيعون أبدًا ترتيبات بيت الله، وهم دائمًا ما يربطون ربطًا وثيقًا بين واجبهم وشهرتهم ومكانتهم وأملهم في البَركات وغايتهم المستقبلية، وكأنه بمجرد فقدان سمعتهم ومكانتهم لا يكون لديهم رجاء في الحصول على البَركات والمكافآت، فيشعرون وكأنهم يفقدون حياتهم من أجل هذه الأشياء. لذلك، فهم يتحفظون مقابل قادة بيت الله وعامليه، حتى لا يفسَد حلمهم في البَركات. إنهم يتشبثون بسمعتهم ومكانتهم؛ لأنهم يعتقدون أن هذا هو رجاؤهم الوحيد في ربح البركات. يرى ضد المسيح أن نَيْل البَركات أعظم من السموات نفسها، وأعظم من الحياة، وأهم من طلب الحق، وتغيير الطباع، أو الخلاص الشخصي، وأهم من أداء واجبه جيدًا، وأن يكون كائنًا مخلوقًا يرقى إلى المستوى المطلوب. إنهم يعتقدون أن كونك مخلوقًا يرقى إلى المستوى، ويقوم بواجبه جيدًا ويخلُص، كلها أمور تافهة لا تكاد تستحق الذِكر، في حين أن ربح البَركات هو الأمر الوحيد في حياتهم بأكملها الذي لا يمكن نسيانه أبدًا. في أي شيء يواجهونه، مهما كان كبيرًا أو صغيرًا، يتسمون بالتحفظ واليقظة بشكل مذهل، ويتركون دائمًا مخرجًا لأنفسهم. لذلك عندما يتم تعديل واجبهم، إنْ كان التعديل ترقية، سيعتقد ضد المسيح أن لديه أملًا في أن يُبارك. أما إن كان خفض درجة، من قائد فريق إلى مساعد قائد فريق، أو من مساعد قائد فريق إلى عضو مجموعة عادي، أو إذا لم يكن لديهم واجب على الإطلاق، فإنهم يشعرون بأن هذه مشكلة كبيرة، ويعتقدون أن أملهم في الحصول على البركة ضعيفٌ. أي نظرة هذه؟ هل هي نظرة لائقة؟ حتمًا لا. بل هذه نظرة سخيفة" (من "يريدون التراجع عند غياب المكانة أو الرجاء في نيل البركات" في "كشف أضداد المسيح"). "دائمًا ما يساوي أضداد المسيح في قلوبهم بين مدى ارتفاع مكانتهم أو انخفاضها ومدى عِظَمِ بركاتهم أو ضآلتها. وسواء كان ذلك بين أفراد عائلة الله أو أي مجموعة أخرى، فإنهم يرون أن مكانة الناس وفئتهم محددتان بدقة، وكذلك مصائرهم. إن مدى ارتفاع مكانة شخص ما ومقدار القوة التي يمارسها في بيت الله في هذه الحياة يعادل حجم البركات والمكافآت والتاج الذي يحظى به في العالم الآخر – ثمة علاقة مباشرة بين هذا كله. هل هذا رأي صائب؟ لم يقل الله هذا مطلقًا، ولم يَعِد أبدًا بأمرٍ كهذا، ولكن هذا هو نوع التفكير الذي سينشأ داخل أضداد المسيح. ... ألا تتفقون معي بأن أُناسًا مثل أضداد المسيح يعانون من بعض الأمراض العقلية؟ هل بلغ الشر لديهم ذروته؟ مهما قال الله لهم، فإنهم لا يلتفتون إليه ولا يقبلونه" (من "يريدون التراجع عند غياب المكانة أو الرجاء في نيل البركات" في "كشف أضداد المسيح"). يُظهر كلام الله أن أضداد المسيح لا يؤمنون إلا لأجل البركات والمكافآت. فهم يرتِّبون الواجبات المختلفة، ويربطون المكانة العالية أو المنخفضة بالمزيد أو القليل من النِّعم التي قد يحصلون عليها. ويعتقدون أنهم من دون المكانة، بالكاد سيحصلون على أيَّة فرصة في الخلاص، لذا فهم يلومون الله ويسيئون فهمه؛ بل حتى يحاربونه. إنهم يهتمون فقط بمصالحهم الخاصة وبما إن كان بإمكانهم الحصول على البركات أم لا، لكنهم لا يسعون أبدًا إلى الحقِّ أو إلى تعلُّمِ دروسٍ. وعلاوة على ذلك، فليس لديهم أي توقير أو خضوع لله، بل إنهم أشرار ومخادعون بطبيعتهم. وبناء على سلوكي، كنت فقط كشخص ضد المسيح. كنت أربط مكانتي بحجم النِّعَم التي أحصل عليها، ولطالما اعتقدت أنني إن لم أكُن قائدة يعني أنني بلا مكانة وبلا أمل في أن أُخَلَّص أو أحصل على النِّعَم. لم أستطِع التعامل بشكل مناسب حتى مع تغير طبيعي في واجبي، وكانت هناك أمور كثيرة تدور في ذهني. لكن في الواقع، تُرتِّب الكنيسة واجب كل شخص وفقًا للمبادئ ولوضعه الحقيقي. لقد عانيت من مشاكل صحية. وعلى القادة القيام بأعمال كثيرة، وتحمُّل الكثير من الضغوط، ولم يكن جسدي ليحتمل ذلك، ولعانى واجبي. كان ترتيب الكنيسة لي أن أتولى ما كان من الممكن أن يكون جيدًا لي ولعمل الكنيسة أيضًا. لكنني كنت متشكِّكة ومتردِّدة. كان أول ما فكرت فيه حول أنني لم أكن قائدة، هو أنه سيكون لديَّ أمل ضئيل في نيل الخلاص. فكرة ألا أكون مباركة وأنني تُرِكتُ بلا غاية جيدة، أشعرتني بأن أملي الوحيد في الإيمان قد سُلب مني. وفجأة فقدت كل دوافعي وأصبحت سلبيَّةً. رأيت أنني لم أنظر إلى الأمور بناء على مبادئ الحقِّ، بل بناء على كيفية استفادتي منها. عندما لم تتم تلبية طموحاتي ورغباتي الخاصة، ظننت أن الله كان يستخدم ذلك الموقف ليستبعدني. أدركت أنني كنت مخادعة حقًّا. كنت أتخيل أن الله كالبشر الفاسدين، بلا عدل أو إنصاف. ظننت أنه يُقيِّمنا ويحدد نتائجنا بناء على عَظَمة مكانتنا أو واجبنا. ظننت أن الله سيفضِّل الناس ويُخلِّصهم فقط إن كانت لديهم مكانة، وإلّأ فإنه لن يُخَلِّصهم. ألم يكن ذلك إنكارًا لبِرِّ الله وتجديفًا عليه؟ بعد كل سنوات الإيمان تلك، أدركت أنني لم أفهم الله أو أُطِعه أبدًا. ولولا كشف الحائق لي، لم أكن لأدرك مدى خطأ منظوري حول سعيي.
قرأت لاحقًا مقطعين من كلام الله القدير ساعداني على فهم منظوري الخطأ. تقول كلمات الله: "بعض الناس لا يعرفون بوضوح معنى أن ينالوا الخلاص؛ فبعضهم يعتقد أنه كلما زاد عدد السنوات التي آمنوا فيها بالله، زاد احتمال خلاصهم، بينما يعتقد البعض الآخر أنه كلما زاد عدد التعاليم الروحية التي يفهمونها، زاد احتمال خلاصهم، أو يعتقد البعض أن قادة الكنيسة وعمالها سيَخلُصون بالتأكيد. كل هذه مفاهيم وتخيلات بشرية. ومفتاح هذا هو أن عليكم أن تفهموا ما معنى الخلاص. يعني الخلاص في الأساس التحرر من تأثير الشيطان، والتحرر من الخطية، والتوجه بإخلاص إلى الله وطاعته. ماذا يجب عليك أن تمتلك حتى تتحرر من الخطية ومن تأثير الشيطان؟ الحق. إذا كان الناس يأملون في ربح الحق، فيجب أن يكونوا مجهزين بالكثير من كلام الله، وأن يكونوا قادرين على اختباره وممارسته، حتى يتمكنوا من فهم الحق. وعندها فقط يمكنهم نيل الخلاص. وسواء كان يمكن للمرء أن يَخلُصَ أم لا، فلا علاقة لذلك بعدد السنوات التي آمن خلالها بالله، أو مقدار المعرفة التي يمتلكها، أو مقدار معاناته، أو ما هي المواهب أو النقاط القوية التي يمتلكها. الشيء الوحيد الذي له علاقة مباشرة بالخلاص هو ما إذا كان الشخص يمكنه اكتساب الحق أم لا. كم من الحقِّ فهمت حقًا، وكم عدد كلمات الله التي صارت حياتك؟ في أيّ متطلَّبٍ من بين جميع متطلبات الله حققتَ الدخول؟ خلال سنوات إيمانك بالله، ما مقدار الدخول الذي حظيتَ به إلى حقيقة كلمة الله؟ إذا كنت لا تعرف، أو إذا لم تكن قد حققت الدخول في أي من حقائق كلمة الله، فبصراحة، ليس لديك رجاء في الخلاص. خلاصك يُعد مستحيلاً. لا يهم ما إذا كنت تمتلك درجة عالية من المعرفة، أو إذا كنت تؤمن بالله لفترة طويلة، أو تتمتع بمظهر جيد، أو يمكنك التحدث بشكل جيد، أو كنت قائداً أو عاملاً لعدة سنوات. إذا كنت لا تطلب الحق، أو تمارس كلام الله وتجربته بشكل صحيح، وتفتقر إلى الخبرة الحقيقية والشهادة، فلا أمل لك في الخلاص" (من "أحاديث مسيح الأيام الأخيرة"). "إنني لا أحدد مصير كل شخص على أساس العمر والأقدمية وحجم المعاناة وأقل من ذلك مدى استدرارهم للشفقة، وإنما وفقًا لما إذا كانوا يملكون الحق. لا يوجد خيار آخر غير هذا. يجب عليكم أن تدركوا أن كل أولئك الذين لا يتبعون مشيئة الله سيُعاقَبون، وهذه حقيقة ثابتة. لذا، فإن كل أولئك الذين يُعاقبون إنما يُعاقبون لبر الله وعقابًا لهم على أعمالهم الشريرة" (من "أَعْدِدْ ما يكفي من الأعمال الصالحة من أجل غايتك" في "الكلمة يظهر في الجسد"). تأثرت حقًّا بهذين المقطعين. رأيت أنه لا علاقة لنيل الخلاص بأن أكون قائدة أو بامتلاك المكانة. يتعلق الخلاص بالتخلص من الشخصيات الشيطانية الفاسدة والخضوع لله. فقط مَن يمارسون الحقَّ، ويغيِّرون شخصياتهم الفاسدة، ويخضعون لله ويعيشون بحسب كلامه يمكن أن يُخَلَّصوا حقًّا. مهما كان الواجب الذي نقوم به، فما دام بإمكاننا قبول الحقِّ، والتركيز على التأمل الذاتي حين يتم تهذيبنا والتعامل معنا، ومعرفة فسادنا وعيوبنا من خلال كلام الله، وبإمكاننا التوبة والتغيُّر، فمن خلال ذلك السعي يمكننا ربح الحقِّ ونيل الخلاص. مهما عَلَت مكانة المرء، أو بلغت معاناته، فإن لم يمارس الحقَّ، سيتم استبعاده. وهذا مثل بولس تمامًا. على الرغم من أنه كان يتمتع بمكانة وهيبة عظيمتين، وحقق الكثير، فإن الجهد الذي بذله كان كلُّه من أجل نيل البركات والمكافآت. لكنه لم يسعَ أبدًا إلى الحقِّ أو إلى تغيير شخصيته. لم يكن يملك فهمًا لنفسه أو لله في النهاية. كان دائمًا يقدم الشهادة لنفسه، ويذكر كم عانى من أجل الرب. وتفاخر قائلًا: "لم أكن ولو بذرة خلف أعظم الرسل" (2 كورنثوس 11: 5)، بل إنه حتى تفاخر بلا خجل قائلًا: "يوجد لي إكليل بر" (2 تيموثاوس 4: 8). قدرته على النطق بهرطقة كهذه، بأنه كان مسيحًا حيًّا، أغضبت شخصية الله، وعاقبه الله. أما بطرس فلم يسعَ أبدًا للمكانة في إيمانه. لقد سعى فقط إلى أن يعرف الله ويخضع له. سعى إلى ممارسة كلام الله واختباره، ومعرفة فساد شخصيته، وأخيرًا، صُلبَ رأسًا على عقب من أجل الله. خضع حتى الموت، وأحب الله إلى أقصى حد. يُبين لنا هذا أن كون المرء ذا مكانة مرموقة ولديه واجب عظيم، ليسا شرطًا أو معيارًا للخلاص. فمَن يتمتع بالمكانة ولا يسعى إلى الحقّ بل غالبًا ما يقاوم الله، ومَن لا يُقدِّم شهادة حقيقية بالعيش وفقًا لكلام الله، فمصيره أن يتم استبعاده. وحتى إن لم يتمتع المرء بمكانة مرموقة، لكنه كان يسلك المسار الصحيح ويسعى إلى الحقِّ، يمكنه أن يربح الحقَّ وينال خلاص الله. شعرت بتحسن كبير حين أدركت ذلك. كنت مستعدة للخضوع لترتيبات الله، ولقبول التغيير في واجبي بهدوء.
لاحقًا، قرأت مقطعًا آخر من كلام الله ساعدني على فهم مشيئة الله بشكل أفضل. تقول كلمات الله: "ليس الذين تتم ترقيتهم ورعايتهم بأفضل كثيرًا من الآخرين؛ فقد اختبر الجميع عمل الله خلال المدة نفسها تقريبًا. على الذين لم يترقُّوا أو ينالوا الرعاية أن يسعوا أيضًا إلى الحق في الوقت الذي يمارسون فيه واجباتهم، وليس من حق أحد حرمان غيره من طلب الحق. يتمتع بعض الناس بحماس أكبر في طلبهم للحق ويمتلكون بعض القدرات؛ لذا تتم ترقيتهم ورعايتهم. وهذا يرجع إلى متطلبات عمل بيت الله. إذن، لماذا يمتلك بيت الله هذه المبادئ لترقية الناس واستخدامهم. نظرًا لوجود تباينات في قدرات الأشخاص وشخصياتهم، ولأن كل شخص يختار مسارًا مختلفًا، فإن ذلك يفضي إلى نتائج مختلفة من حيث إيمان الناس بالله. فالذين يسعون وراء الحق يخلصون ويصبحون أهلاً للملكوت، أمّا أولئك الذين لا يقبلون الحق على الإطلاق، والذين لا يكرسون أنفسهم لواجبهم، فإنهم يُطرحون خارجًا. يرعى بيت الله الناس ويستخدمهم بناءً على ما إذا كانوا يسعون وراء الحق، وما إذا كانوا مخلصين لواجبهم. هل يوجد تمييز في التسلسل الهرمي لمختلف الأشخاص في بيت الله؟ في الوقت الحالي، لا يوجد تسلسل هرمي في مكانة الأشخاص المختلفين أو مناصبهم أو قيمتهم أو ألقابهم. لا يوجد فرق بين الرتب أو المناصب أو الاستحقاقات أو مراكز الأشخاص على اختلافهم، وذلك خلال الفترة التي يعمل فيها الله على تخليص الناس وإرشادهم على أقل تقدير. تكمن الاختلافات الوحيدة في تقسيم العمل وفي أدوار الواجب التي يتم أداؤها. بالطبع، يتمّ، خلال هذه الفترة، ترقية بعض الأشخاص ورعايتهم بشكل استثنائي، ويقومون بأداء بعض الوظائف الخاصة، بينما لا يحصل البعض الآخر على مثل هذه الفرص لأسباب مختلفة؛ مثل مشاكل في قدراتهم أو بيئتهم الأسرية. ولكن ألا يخلِّص الله أولئك الذين لم يحصلوا على فرصٍ كهذه؟ ليس الأمر كذلك. هل مركزهم ومنصبهم أدنى من الآخرين؟ لا، بل يتساوى الجميع أمام الحقّ، حيث تتاح للجميع فرصة طلب الحق وربحه، ويعامل الله الجميع بعدلٍ ومنطق" (من "تعريف القادة الكَذَبة"). أظهر لي كلام الله أنه في بيت الله، لا يوجد تمييز بين المكانة المرموقة والمتدنية في الواجبات. فكل شخص يقوم بواجب مختلف حسب حاجة العمل، لكن في الواقع، فإن الجميع سواءٌ أمام الحقِّ. أينما أدينا واجبًا، سواء كانت لدينا مكانة أم لا، فكلام الله يقُوت كل واحد منا. الله لا يتحيز ضد أي شخص بسبب مكانته. يُرتِّب الله كل أنواع المواقف والأحداث لكل شخص بناء على احتياجاته، حتى يختبر عمل الله ويدخل واقع الحقِّ. إنه لا يُجرد أي شخص منا أبدًا من فرصته في ممارسة الحقِّ والدخول فيه. الله عادل وبارٌّ مع الجميع. وربح الحقِّ أو نيل خلاص الله لا يتحددان وفقًا لواجبنا، بل يتحدد بالكامل وفقًا لسعينا. وكونك قائدًا لا يعني أن الله سيمنحك النعمة وينيرك بشكل خاص؛ بينما إن كنت مؤمنًا عاديًّا فسيتجاهلك. ينير الله الناس ويُقوتهم بناء على سعيهم وموقفهم تجاه الحقِّ. وبإمكاننا رؤية بِرِّهِ في هذا. وعلى الرغم من أن لكل شخص واجبًا مختلفًا ويواجه أمورًا مختلفة، فإن الشخصيات المتعجرفة والماكرة والفاسدة التي يكشفون عنها كلها متشابهة. وما داموا راغبين في السعي إلى الحقِّ وممارسته، وفي التخلُّص من شخصياتهم الفاسدة، يمكنهم نيل خلاص الله. من ناحية أخرى، إن كان أحدهم لا يسعى إلى الحقِّ، ولا يتقصَّى أو يمارس الحقَّ في مواجهة المشاكل، فمهما كان الواجب الذي يؤديه أو عدد الفرص التي يحصل عليها للتدرُّب، فلن يربح الحق أبدًا في النهاية ولن ينال خلاص الله. مثلي تمامًا، بعد كل تلك السنوات في منصب القيادة، بالإضافى إلى مكانتي وكل الفرص التي نلتها للتدرُّب، ما مقدار الحقِّ الذي ربحته حقًّا؟ فكرت كيف جعلني ذلك التغيير في واجبي سلبية، أُسيء الفهم، وأتذمّر، كنت بعيدة كل البعد عن أن أكون خاضعة لله ولم أمتلك أي واقع للحقِّ مهما كان. كنت مثالًا وجيهًا على هذا. ومع ذلك، ظللت أعتقد بغباء بأنني سأربح الخلاص من خلال. فلقد استحوذت المكانة على عقلي تمامًا. ومع أن بعض الإخوة والأخوات ليسوا قادة أبدًا، فإنهم يواصلون السعي إلى الحقِّ، ويتحمَّلون عبئًا في واجبهم، ويُركِّزون على السعي إلى الحقِّ حين تطرأ المشاكل، وينفذون الحقائق التي يعرفونها. ويتضاءل الفساد الذي يظهرونه تدريجيًّا ويخضعون أكثر فأكثر لله. إن لديهم شهادة حقيقية بالعيش وفقًا لكلام الله. وهذا يربحهم رضا الله وقبوله. ذكرني ذلك بشيء يقوله الله: "إذا ما سعيت بصدق أنا على استعداد أن أهبك طريق الحياة كلها لتحيا ثانية كالسمك الذي تمت إعادته إلى البحر. وإذا لم تسعَ بصدقٍ، فسأستردّها جميعًا. لستُ على استعداد للتفوّه بكلماتي لأولئك الباحثين بنهم عن الراحة، المشابهين للخنازير والكلاب!" (من "لماذا لا تريد أن تكون شخصية الضد؟" في "الكلمة يظهر في الجسد"). قال الرب يسوع أيضًا: "لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ يُعْطَى فَيَزْدَادُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ" (متى 25: 29). الله عادلٌ وبارٌّ مع الإنسانية وغير متحيِّز تجاه أي شخص. وبصرف النظر عما إذا كان الشخص مؤمنًا عاديًّا أو قائدًا، فما دام يسعى إلى الحقِّ، فإن الله سوف يمنحه التنوير والقيادة. المهم هو أن يمتلك المرء العزم للسعي إلى الحقِّ وممارسته. كان فهم هذا منيرًا حقًّا بالنسبة لي. في السابق، كنت أخشى دائمًا ألا أحصل على العديد من الفرص للممارسة إن لم أكُن قائدة، وحينها سيكون لديَّ أمل أقل في الخلاص. حتى إنني اعتقدت أن الله أراد استبعادي، وأنه لن يخلصني بعد الآن. كانت تلك مفاهيمي الخطأ عن الله، وكانت تجديفًا عليه. لم أكن أملك أي فهم لمقاصد الله الصادقة. وبالتفكير حقًّا في الأمر، رأيت أنني طوال سنوات إيماني كانت تسيطر عليَّ مفاهيمي الخطأ، وأؤدي واجبي فقط لكي أنال البركة، معتقدة أن سعيي رائع. لقد كنت مخدوعة بصورتي الزائفة، ولم أتأمَّل في نفسي أو أعرف نفسي أبدًا. هذا التغيير في واجبي كشف منظوري الخطأ حول السعي، وأخيرًا تمكنت من المثول أمام الله لأتأمل في نفسي وأعرفها. لقد ربحت بعض الفهم لشخصيتي الفاسدة والمشاكل في منظوري، ورأيت شخصية الله البارّة. كما عرفت مَن هم الذين يخلِّصهم الله ومَن الذين يستبعدهم، وربحت بعض الخضوع لله. كان هذا الموقف حقًّا هو حماية الله وخلاصه لي.
لاحقًا، قرأت مقطعًا آخر من كلام الله ساعدني على أن أرى بوضوح مسار الدخول الذي ينبغي عليَّ سلوكه. تقول كلمات الله: "على الإنسان – كأحد مخلوقات الله – أن ينشد القيام بواجبه كخليقة الله، وأن يسعى نحو محبة الله دون أن يتخذ أي خيارات أخرى، فالله يستحق محبة الإنسان. ينبغي على الساعين نحو محبة الله ألا ينشدوا أي منافع شخصية أو أي منافع يشتاقون إليها بصفة شخصية؛ فهذا أصح وسائل السعي. إذا كان ما تنشده هو الحق، وما تمارسه هو الحق، وما تحرزه هو تغيير في شخصيتك، فإن الطريق الذي تسلكه هو الطريق الصحيح. ... ما إذا كنتَ ستُكمَّل أم ستهلك، فإن الأمر يتوقَّف على سعيك، وهذا أيضًا يعني أن النجاح أو الفشل يتوقف على الطريق الذي يسلكه الإنسان" (من "النجاح أو الفشل يعتمدان على الطريق الذي يسير الإنسان فيه" في "الكلمة يظهر في الجسد"). لقد وجدت مسارًا للممارسة في كلام الله. أنا كائن مخلوق، لذا فمهما كان ما يرتِّبه الله لي، عليَّ أن أخضع لحكمه وترتيباته. لا يمكن أن أؤمن وأؤدي واجبًا فقط من أجل البركات والمكافآت. وسواء كنت سأُخَلَّص في النهاية أم لا، أو سواء كنت سأبارك أم لا، فما دمت أحيا، عليَّ أن أسعى إلى الحقِّ وإلى معرفة الله. وحتى لو رفضني الله واستبعدني في النهاية، سيكون هذا هو بِرُّه. بعد فهم مشيئة الله، لم أتأثر كثيرًا بنوع الواجب الذي أؤديه، وأصبحت قادرة على مواجهة أي تغيير في واجبي بهدوء.
من خلال ما سلط هذا الموقفُ الضوءَ عليه، تعلمت بعض الأشياء حول منظوراتي الخطأ في إيماني. كما تعلمت أن خلاص المرء من عدمه لا يعتمد على مكانته أو حجم العمل الذي يؤديه. المهم هو ما إذا كان يربح الحقَّ، وكان شخصًا يخضع حقًّا لله، وما إذا كان يتغير في شخصيته الحياتية. ومن تلك اللحظة فصاعدًا، أردت فقط أن أتصرف بعقلانية، وأن أؤدي واجبي جيدًا لإرضاء الله.