85. فيمَ كانت كل تلك المعاناة؟
بعد أن صِرتُ مؤمنة، رأيتُ أن الكثير من القادة والعمال يمكنهم تحمُّل الكثير من المشقة. فقد كانوا يواصلون العمل، ويؤدون واجبهم خلال هبوب الرياح أو هطول المطر، واستحسنهم جميع الإخوة والأخوات وأُعْجِبوا بهم. حسدتهم حقًّا وأمِلْتُ أن أصبح مثلهم: شخص يمكنه المعاناة ويدفع الثمن، وينال إعجاب الآخرين. لذا، غمرني الحماس الشديد في سعيي، وانْتُخِبْتُ لاحقًا قائدة كنيسة. كنتُ مشغولة للغاية بواجبي يوميًّا، وأثنى عليَّ الآخرون لقدرتي على تعاملي مع المشقة، وقالوا إنني شخص سعى للحقِّ. شعرتُ بسعادةٍ غامرةٍ في كل مرة سمعت فيها شيئًا كهذا، وشعرتُ وكأن الأمر يستحق كل هذا العَناء. لاحقًا، نما نطاق مسؤولياتي باطراد، واستمر حِمل عملي في الازدياد. رأيتُ أن بعض الأخوات اللاتي كنت أشاركهنَّ يمكن أن يعانين حقًّا ويدفعن الثمن. وكن دائمًا يَأوين إلى الفراش في وقت متأخر جدًّا، وفي النهار كن أحيانًا يَذهبن إلى الاجتماعات بمعدةٍ خاوية، دون أن يتُاح لهُنَّ وقت لتناول الطعام. وسمعت الإخوة والأخوات يقولون إنهم كانوا يحملون عِبئًا في واجبهم، وأنه كان بمقدرتهم احتمال المشقة. شعرتُ أنه إن كان الإخوة والأخوات يحبون مثل أولئك الناس، فإنَّ الله يجب أن يحبهم أيضًا. لذا شرعتُ في أداء واجبي في وقتٍ متأخرٍ من الليل. لكن بعد فترة لم يعد جسدي يتحمَّل المزيد من ذلك، وكنت قد أبدأ في الشعور بالنُّعاس بمجرد تجاوز منتصف الليل. ولكن في كل مرة أرى الأخوات الأخريات ما زلن يعملن، أشعر بالإحراج من الذهاب إلى فراشي خشية أن يقولن إنني كنتُ أراعي الجسد، وإنني لم أتحمَّل عبئًا في واجبي. لذا كنت أواصل، لكن لم أستطع التغلب على مشكلة النُّعاس، ولم أكن أنجز الكثير. ورُغْم ذلك، مازلتُ لم آوِ إلى فراشي. حثثتُ نفسي بهدوءٍ، معتقدة أنه لم يكن من الممكن أنني أراعي الجسد وأنه لا يمكن أن يحتقرني الآخرون. أحيانًا، لأنني كنت أسهر حتى ساعة متأخرة، عندما كان عليَّ الاستيقاظ مبكرًا لحضور اجتماع، كنت أركب دراجتي الهوائية وأنا أغالب النوم، وأيضًا أغالب النوم في الاجتماع. أردتُ أن أحظى بقيْلولة بعد الظهيرة، لكنني كنتُ أخشى أن يقول الآخرون إنني كنتُ أشتهي الراحة الجسدية. وفي كل يوم، أرغمتُ نفسي على التحمل، وضغطتُ على نفسي في ذلك. ذات يومٍ، وأنا أركب دراجتي الهوائية لحضور اجتماع، لأنني كنت أشعر بنُعَاسٍ شديدٍ، أصابني دُوَار طوال الطريق وانتهى بي الأمر إلى السقوط في حُفرةٍ، ما أفزعني وجعلني أستيقظ على الفور. وبينما كنت أسير بدراجتي الهوائية على طول الطريق، واصلت التفكير حول كيف كانت تلك الطريقة في العيش خطأ. ومن تأملي لذاتي، أدركتُ أنني منذ انْتُخِبْتُ لمنصب القائدة، كان كل ما فكرت فيه كل يوم هو الظهور وأنا أعمل وأعاني، وخشيت دائمًا أن يقول الناس إنني كنتُ أركز على ملذات الجسد وأشتهي الراحة. وكان هذا يعني أنني افتقرتُ إلى الروتين في حياتي، ولم أسترح حتى بطريقة طبيعية.
ذات يوم قرأتُ بعضًا من كلام الله الذي يكشف الفريسيين، وطبقت هذا الكلام على نفسي: يقول كلام الله: "هل تعرف من هم الفريسيون بالفعل؟ هل من حولك فريسيون؟ لماذا يُسمى هؤلاء الناس بـ"الفريسيين"؟ كيف يوصف الفريسيون؟ إنهم أناس مراؤون ومزيَّفون تمامًا ويتظاهرون في كل ما يفعلونه. بأي شيء يتظاهرون؟ إنهم يتظاهرون بأنهم طيبون ولطيفون وإيجابيون. هل هذا ما هم عليه في الواقع؟ بالطبع لا. باعتبارهم مرائين، فكُلّ ما يظهر وينكشف فيهم زيفٌ وادّعاء وليس وجههم الحقيقيّ. أين يخفون وجههم الحقيقي؟ إنه مخفي في أعماق قلوبهم، ولن يراه الآخرون أبدًا. كل شيء في الظاهر ادعاء، كله زيف، لكن لا يمكنهم إلا خداع الناس، ولا يقدرون أن يخدعوا الله. إذا كان الناس لا يسعون وراء الحق، وإذا لم يمارسوا كلام الله ويختبروه، فلن يتمكنوا من فهم الحق حقًا، ومهما بدت كلماتهم رائعة، فإن هذه الكلمات ليست واقع الحق، بل هي كلمات تعاليم. لا يركز بعض الناس إلا على ترديد كلام التعاليم كالببغاوات، فهم يقلدون بحماقة من يعظ أسمى العظات، ونتيجة لذلك، في غضون سنوات قليلة فقط، تنمو تلاوتهم للتعاليم أكثر من أي وقت مضى، ويحظون بإعجاب العديد من الناس وتكريمهم، وبعد ذلك يبدأون في تمويه أنفسهم، ويولون اهتمامًا كبيرًا لما يقولون ويفعلون، ويُظهرون أنفسهم على أنهم متدينون وروحانيون بشكل خاص. إنهم يستخدمون هذه النظريات الروحية المزعومة لتمويه أنفسهم. هذا كل ما يتحدثون عنه أينما ذهبوا، أشياء خاصة تتناسب مع مفاهيم الناس، لكنها تفتقر إلى أي من واقع الحق. ومن خلال الوعظ بهذه الأشياء – الأشياء التي تتماشى مع مفاهيم الناس وأذواقهم – يخدعون الكثير من الناس. بالنسبة للآخرين، يبدو مثل هؤلاء الأشخاص متدينين ومتواضعين للغاية، لكن هذا في واقع الأمر مزيَّف، إذ يبدون متسامحين وصبورين ومُحبين، لكن هذا في الواقع تظاهر؛ يقولون إنهم يحبون الله، لكنه في الواقع ادعاء. يعتقد الآخرون أن مثل هؤلاء الأشخاص قديسون، لكن هذا في الواقع مزيَّف. أين يمكن العثور على شخص قدِّيس حقًا؟ القداسة البشرية مزيفة تمامًا. إنها تظاهر، ادعاء. من الخارج، يبدون مخلصين لله، لكنهم في الواقع لا يؤدون إلا ليراهم الآخرون. عندما لا يراهم أحد، لا يكون لديهم أدنى ولاء، وكل ما يفعلونه هو الأمور الروتينية. ظاهريًا، يبذلون أنفسهم في سبيل الله وقد تخلوا عن عائلاتهم ومهنهم. لكن ماذا يفعلون في الخفاء؟ إنهم يديرون مشروعهم الخاص ويديرون عملياتهم الخاصة في الكنيسة، ويستفيدون من الكنيسة ويسرقون التقدمات سرًا تحت ستار العمل من أجل الله... هؤلاء الناس هم الفريسيون المراؤون المعاصرون" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. ستَّة مُؤشِّرات لنمو الحياة). ما كشفه كلام الله كان حقًّا مفجعًا وصعبًا بالنسبة لي. كنتُ أتصرَّف تمامًا كما تصرَّف الفريسيون. لقد أحبُّوا استخدام سلوكياتهم الظاهرية للتظاهر بالعمل، وكانوا يُصلون عَمْدًا في زوايا الطُّرقات ويَعِظون كثيرًا بكلام الله حتى يحسبهم الناس أتقياء للغاية وأنهم أحبوا الله حقًّا. لكن بمَنْأى عن الأنظار لم يمارسوا كلام الله إطلاقًا. كل تلك الأشياء التي فعلوها كانت فقط لمجرد التظاهر، لربح الاستحسان والإعجاب. لقد كنتُ كذلك. كنتُ أركز على سلوكي الظاهريِّ الطيب تحديدًا ليُحْسِن الإخوة والأخوات الظنَّ بي. وعند رؤية الآخرين قادرين على المعاناة ودفع ثمن في واجبهم وربح استحسان وإعجاب الجميع، سعيتُ جاهدة لأكون من ذلك النوع من الأشخاص. حين تم اختياري لأكون القائدة، رأيت الأخوات اللاتي كنت أشاركهن يعملن حتى ساعة متأخرة من الليل، وأرغمتُ نفسي على السَّهر حتى ساعة متأخرة حتى لا أتخلَّف عنهم. كنتُ أمشي مُجْهدة مهما كنتُ أشعر بالنُّعاس. حتى إنني أغفلت أخذ قيلولة عادية في منتصف النهار بسبب جهودي الرامية لإبراز نفسي كشخص بإمكانه تحمُّل المشقة. كنتُ أخفي نفسي عند كل مُنْعَطفٍ، محاولة أن أربح إعجاب الإخوة والأخوات بفعل الأمور الجيدة ظاهريًّا. كانت المعاناة وبَذْل نفسي بهذه الطريقة زائفة وخادعة تمامًا. كنتُ أسلك دَرْب الفريسيين - وكيف لا يثير هذا مقت الله؟ بعدئذ، عندما كنت أريد أن أخفي نفسي، أهملت نفسي بوعي، ولم أتظاهر أمام الآخرين، وأيضًا عدَّلت أوقات عملي وراحتي، وكنتُ آوي إلى الفراش عندما كنت أنتهي من عمل ذلك اليوم. وقد شعرتُ بمزيد من الاسترخاء عندما مارست بهذه الطريقة.
سافرت إلى الخارج بعد عام. وكان بإمكان الإخوة والأخوات الذين عملتُ معهم تحمُّل المشقة حقًّا في واجباتهم وعملوا حتى وقت متأخر كل ليلةٍ. أحيانًا، أردتُ أن آوي إلى فراشي مبكرًا عندما أنهي عملي، لكنني كنتُ أخشى أن يظنوا أنني كنتُ أراعي جسدي. أيضًا، كنتُ قائدة، إذًا فماذا سيظن بي الجميع إن آويت إلى الفراش مبكرًا قبل الإخوة والأخوات الآخرين؟ ألم كانوا ليقولون إنه ليس بمقدوري تحمُّل المعاناة ولم يكن لدي عبء لواجبي؟ عندما فكرت بهذه الطريقة، لم يسعني سوى البدء في التظاهر مجددًا والسَّهر معهم حتى وقت متأخر. لكنني كنت قد أبدأ في الشعور بالنُّعاس وأقوم النوم بعد الساعة الواحدة صباحًا. لقد شجعوني لآوي إلى الفراش مبكرًا، لكنني كنت أرْغِم نفسي وأنتعشُ وأقول: "إني بخيرٍ، يمكنني تولِّي الأمر. سأذهب للنوم بعد قليلٍ". لكن عندئذ لم يكن يسعني إلا أن ينتهي بي الأمر بدُوَار مجددًا. أحيانًا لم أتمكَّن من تحمُّل نُعاسي، لذا كنت قد أضع رأسي على المكتب وأغفو قليلاً، لكنني لم أشعر بالارتياح بفعل ذلك. كنتُ قلِقة بشأن ما قد يقوله الآخرون عني، لذا كنت أندفع بشغل نفسي في العمل مرة أخرى. ولأجعل الأمر يبدو وكأنني حملتُ عِبئًا، أحيانًا كنت أرسل رسالة جماعية عن قصدٍ عندما كان الوقت متأخرًا للغاية حتى يعرف الآخرون كم بقيتُ ساهرة إلى هذا الوقت المتأخر، وأنني كنتُ أؤدي واجبي في الليل. أردتُ شراء بعض المُكمِّلات الغذائية بسبب بعض المشاكل الصحية، لكن اعتراني القلق بشأن ما سيقوله الآخرون. هل سيحسبون أنني كنت أقدِّر جسدي؟ لذا، لم أشترِها. وذات مرة في اجتماع، اكتشفتُ أن أختًا لم تكن في حالة جيدة، وأنها كانت بحاجة إلى بعض الشركة والدعم. لكن حيث إنها كانت في دولة مختلفة في نطاق زمني مختلف، وكان الوقت بالفعل منتصف الليل بالنسبة لي، اعتقدتُ مسبقًا أنني سأقدِّم شركة معها في اليوم التالي. لكن عندئذ فكَّرتُ أن الشركة معها في الليل ربما تجعلني أبدو وكأنني حملتُ عبئًا لدخول حياة الإخوة والأخوات. لذا تواصلتُ معها ولم أنتهِ من الشركة حتى حوالي الساعة الثانية صباحًا. أخبرتني قائلة: "لقد تأخر الوقت جدًّا بالنسبة لمكانكِ، يجب أن تأوي إلى الفراش. أن تسهري دائمًا في العمل حتى ساعة متأخرة هكذا هو أمر ضارٌّ بصحتكِ". لقد رضيتُ حقًّا لسماع ذلك. فرغم أنني لم أكن مرتاحة جسديًّا، فإن هذا لم يذهب أدْرَاج الرياح لأنه جعلها تظن أن لديَّ عبئًا وشعورًا بالمسؤولية. وبدأت أعاني من جميع أنواع المشاكل الصحية البسيطة بعدئذ، وأخبرني الطبيب أن الأمر كان بسبب الحِرْمان من النوم على المدى الطويل. فتجاهلتُ ذلك وواصلتُ القيام بالشيء نفسه. وفي هذا الوقت تقريبًا، كانت هناك قائدة عُليا تُذكِّرني دائمًا بألا يجب أن أسهر حتى ساعة متأخرة جدًّا، وأن ذلك العمل لن يتعطل إنْ أويت إلى فراشي مبكرًا، ونهضت مبكرًا. فقلتُ لنفسي إنني أويت إلى الفراش مبكرًا، سيظن الآخرون أنني، بصفتي قائدة، ليس بمقدوري تحمُّل المشقة مثل الآخرين، ففي أي حال، هل سيظلَّون يحترمونني؟ لم آخذ كلمات القائدة على مَحْمل الجَدِّ. ورأت أخت أنني كنتُ مُتوَعِّكة وقالت: "لابد أن لديكِ الكثير من الأمور التي تشغل ذهنكِ. إنَّ وجود الكثير من المشكلات التي يجب حلها طوال الوقت وكل هذا التوتر يؤثر على صحتكِ. وبصفتنا قادة، فإنَّ لديكِ الكثير من المخاوف". شعرتُ بسعادةٍ لا تُوصف تجاه نفسي عندما قالت ذلك. وشعرتُ أن الثمن الذي دفعته، والمعاناة التي تحمَّلتها كانت تستحق في سبيل موافقة الآخرين. وظل هذا إلى أن قرأتُ مقطعًا من كلام الله منحني بعض الفهم عن الطريق الخطأ الذي كنتُ أسلكه. يقول كلام الله: "لا يتصرف أضداد المسيح أبدًا وفقًا لمبادئ الحق، ولا يمارسون الحق أبدًا – وهذا هو المظهر الأفظع من مظاهر ضد المسيح. بصرف النظر عن المكانة والهيبة، والبركة والمكافأة، فإن الشيء الوحيد الذي يسعون إليه هو التمتع براحة الجسد ومظاهر المكانة؛ وفي هذه الحالة، من الطبيعي أنهم يُسببون إزعاجات. تُبين هذه الحقائق أن الله لا يحب ما يسعون إليه، وسلوكهم، وما يتجلّى فيهم. وهذه ليست طرق التصرف وسلوكيات أناس يطلبون الحق على الإطلاق. مثال ذلك، بعض أضداد المسيح مثل بولس لديهم العزم على المعاناة عندما يؤدون واجبهم، ويمكنهم السهر طوال الليل وعدم تناول الطعام أثناء أداء عملهم، ويمكنهم إخضاع أجسادهم، والتحكم في المرض والتعب. وما هدفهم من فعل هذا كله؟ أن يُظهروا للجميع أنهم قادرون على تنحية أنفسهم جانبًا – أي نكران الذات – عندما يرتبط الأمر بإرسالية الله؛ وأنه لا يوجد شيء لديهم إلا الواجب. إنهم يكشفون هذا كله أمام الآخرين، ويستعرضونه تمامًا، ولا يستريحون عندما يجب عليهم ذلك، بل ويطيلون ساعات عملهم عمدًا، ويستيقظون باكرًا، ويخلدون إلى النوم في وقت متأخر. ولكن ماذا عن كفاءة العمل وفعالية واجبهم عندما يكدح أضداد المسيح هكذا من الصباح إلى الليل؟ هذه الأشياء خارج نطاق اعتباراتهم. إنهم يحاولون أداء هذا كله أمام الآخرين، حتى يتمكن الآخرون من رؤيتهم وهم يعانون، وحتى يروا كيف يبذلون أنفسهم لله دون أي تفكير في أنفسهم. أما بخصوص ما إذا كان الواجب الذي يؤدونه والعمل الذي يفعلونه يجري وفقًا لمبادئ الحق، فإنهم لا يفكرون في ذلك على الإطلاق. فكل ما يفكرون به هو ما إذا كان سلوكهم الجيد الخارجي قد شاهده الجميع، وما إذا كان الجميع على علم به، وما إذا كانوا قد تركوا انطباعًا لدى الجميع، وما إذا كان هذا الانطباع سيثير إعجاب الآخرين واستحسانهم، وما إذا كان هؤلاء الناس سيؤيدونهم عند رحيلهم ويمدحونهم قائلين: "يمكنهم حقًا تحمُّل المصاعب، فروح تحمُّلهم ومثابرتهم الاستثنائية تتجاوزنا جميعًا. هذا شخص يطلب الحق، ويمكنه احتمال عبء ثقيل وتحمُّله، وهو أحد أعمدة الكنيسة". يشعر أضداد المسيح بالرضا عند سماع هذا، ويفكرون في قلوبهم: "لقد كنت ذكيًّا للغاية لأتظاهر هكذا، وكنت بارعًا جدًا لعمل هذا! كنت أعلم أن الجميع سينظرون إلى الظاهر فقط، وأنهم يحبون هذه السلوكيات الجيدة. كنت أعلم أنني إذا تصرفت هكذا، فسوف ينال هذا استحسان الناس، وسوف يجعلهم يؤيدونني، وسوف يجعلهم يُعجبون بي في أعماق قلوبهم، وسوف يجعلهم ينظرون إليَّ نظرة تقدير، ولن ينظر لي أحد نظرة ازدراء مرَّةً أخرى. وإذا جاء يوم وجد فيه الأعلى أنني لم أكن أؤدِي عملًا فعليًا واستبدل بي غيري، فسوف يوجد بلا شك أناس كثيرون يدافعون عني، ويبكون عليّ، ويحثونني على البقاء، ويتحدثون لصالحي". إنهم فخورون سرًا بسلوكهم الكاذب – ألا تكشف هذه الكبرياء أيضًا عن طبيعة ضد المسيح وجوهره؟ وأي جوهر هذا؟ (الشر). هذا صحيح – فهذا هو جوهر الشر" (الكلمة، ج. 4. كشف أضداد المسيح. البند التاسع: (الجزء العاشر)). يكشف الله طبيعة ضد المسيح على أنه شر رهيب. سيلجأون إلى أي أساليب للخداع لتحقيق هدفهم للسيطرة على الآخرين ونَيْل الإعجاب. على سبيل المثال: إنهم يمدون ساعات عملهم عَمْدًا، ويسهرون حتى ساعة متأخرة ويستيقظون مبكرًا حتى يبدو الأمر وكأنهم قد كرَّسوا أنفسهم لله. إنهم يكدحون في واجباتهم من بزوغ الفجر إلى غسق الليل، ويفوتون الطعام والنوم، ويُهملون احتياجاتهم الجسدية، حتى يُعجب بهم الناس ويوقروهم. وأخيرًا ينتهي بهم الأمر إلى تقديم الناس قبل أنفسهم. يكره الله هذا السلوك ويُدينه. عندما قارنت نفسي بكلام الله، تملكني شعور بالانزعاج وعدم الراحة حقًّا. كنتُ أتصرَّف تمامًا مثل ضد المسيح. فلأجعل الآخرين يرون أنني كان بوسعي تحمُّل المشقة، ولم أراع جسدي، وأتحمل عبء عملي، ولأجعلهم يُعجبوا بي لكوني قائدة بارعة، بذلتُ جهودًا مُضْنية للتظاهر في أوقاتي للعمل، والراحة، وكذلك الأشياء التي كنت أتناولها. لم أخْلُد إلى الراحة عندما كان يجب أن أستريح، وسهرتُ عَمْدًا حتى ساعة متأخرة حتى عندما لم يكن ذلك ضروريًّا لواجبي. وواصلت هذا حتى أصبتُ ببعض المشكلات الصحية. كنتُ أخشى بشدة أن يقول الآخرون إنني اهتممت بالجسد بشكل مُبالغ فيه ويأخذوا انطباعًا سيئًا عني، لدرجة انني لم أشترِ المُكمِّلات الغذائية التي كنت أحتاجها. كنتُ أُرسِّخ لنفسي بمكرٍ من خلال التصرف ظاهريًّا بلطفٍ، والمعاناة ودفع الثمن، وجعل الآخرين يظنون أنني سعيتُ للحقِّ، وأنني كنتُ دَؤوبة وبارعة وكرَّسْتُ نفسي لواجبي، وأنني كنت قائدة جيدة، وأجعلهم يحترموني. كانت جهودي ونفقاتي كلها مُلوثة تمامًا بالتزييف، والخداع. كان كل هذا لأجعل نفسي أبدو بمظهر جيد، وأضلِّل الآخرين بصورة زائفة. كنت على مسار ضد المسيح. ما كانت بي رغبة في مواصلة القيام بالأمور بهذه الطريقة، لذا صلَّيتُ، وأنا على استعدادٍ للتوبة لله وتغيير حالتي الخطأ.
لاحقًا، كنتُ أتفكَّر في السبب في أنني كنتُ أركز بشدّة على الظهور بأنني أتحمَّل المشقة. وأدركتُ أنني كنتُ أتبنى منظورًا خطأ. فلطالما ظننتُ أن كوني قادرة على المعاناة ودفع الثمن، وفعل أشياء جيدة ظاهريًّا، هي جميعًا ممارسة للحقِّ وإرضاء لله، وأن الله سيستحسن هذا. لكنني رأيتُ من خلال كشف كلام الله أن مثل هذا المنظور ليس صائبًا على الإطلاق. يقول كلام الله: "ماذا تمثل الأعمال الحسنة السطحية التي يقوم بها الإنسان؟ إنها تمثّل الجسد، وحتى أفضل الممارسات الخارجية لا تمثّل الحياة، بل لا يمكن أن تُبرزَ سوى مزاجك الشخصي. إن ممارسات الإنسان الخارجية لا يمكن أن تحقّق رغبة الله. ... إذا كانت أفعالك موجودة في الظاهر فحسب، فهذا إذًا يعني أنك مغرور إلى أقصى حد. أيّ نوع من البشر أولئك الذين لا يقومون إلّا بأعمال حسنة سطحية وخالية من الواقعية؟ هؤلاء الناس هم مجرد فريسيين مرائين وأشخاص متدينين! إن لم تنزعوا عنكم ممارساتكم الخارجية وكنتم عاجزين عن إجراء تغييرات، فسوف تنمو عناصر الرياء فيكم أكثر فأكثر. وكلما ازداد نمو هذه العناصر فيكم، ازدادت المقاومة لله، وفي النهاية، سوف يُستبعد أمثال هؤلاء الناس بالتأكيد!" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. يجب أن يركّز المرء في الإيمان على الحقيقة؛ فالانشغال بالطقوس الدينية ليس إيمانًا). "يوجد اليوم بعض الناس الذين عند أداء واجبهم يعملون من الفجر إلى الغسق، أو يسهرون طوال الليل ويظلون دون طعام. يمكنهم إخضاع الجسد وتجاهل المشقة الجسدية، بل والعمل عندما يمرضون. ولكن على الرغم من أنهم يتمتعون بهذه المزايا، ومن أنهم أناس أخيار وأناس مناسبون، لا تزال توجد أشياء في قلوبهم لا يستطيعون تنحيتها جانبًا: المكانة والهيبة والغرور. إذا لم يضعوا هذه الأشياء جانبًا أبدًا، فهل هم أناس يطلبون الحق؟ الجواب بديهي. لا يوجد ما هو أصعب من إجراء تغييرات في الشخصية عندما تؤمن بالله. قد يبقى الناس بلا زواج طوال حياتهم، وقد لا يأكلون أبدًا طعامًا دسمًا أو يرتدون ملابس أنيقة، بل وقد يقولون: "لا يهم ما إذا كنت أعاني طوال حياتي، أو إذا كنت وحيدًا طوال حياتي، سوف أتحمَّل هذا – فهذه الأشياء لا تعني شيئًا عند الله". من السهل عليهم التغلب على آلام الجسد ومشقاته وحلها. ما الذي يصعب عليهم التغلب عليه؟ شخصياتهم الفاسدة. لا يمكن حل الشخصيات الفاسدة بمجرد كبح جماحها. يستطيع الناس تحمُّل آلام الجسد لأداء واجبهم أداءً صحيحًا، وإرضاء مشيئة الله، والدخول إلى الملكوت، ولكن هل القدرة على المعاناة ودفع الثمن تعني حدوث تغيير في شخصياتهم؟ لا تعني ذلك. عند قياس ما إذا كان يوجد تغيير في شخصية المرء، لا تنظر إلى مقدار المعاناة التي يتحملها ومدى حُسن تصرفه في الظاهر؛ وبدلًا من ذلك، ينبغي أن تنظر إلى المنطلق، والدوافع، والمقاصد من وراء أفعاله، والمبادئ الكامنة وراء سلوكه، وموقفه تجاه الحق. لا يصح إلا القياس وفقًا لهذه الجوانب" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. لا يدل السلوك الحسن على تغير الشخصية). من كلام الله رأيت أن القدرة على المعاناة ودفع ثمن لا يساويان موافقة الله. في عصر النِّعمة، كان بولس قادرًا ظاهريًّا على تحمُّل المشقة. لقد نشر الإنجيل ولم يَخُن الرب عندما أُودع السجن. وكان سلوكه مثيرًا للإعجاب. لكن كل معاناته ونفقاته كانت لإجراء الصفقات مع الله. أراد مقايضة معاناته بإكليل وبركة ملكوت الله. لم تَعْنِ أعماله الصالحة أنه قد حقق بالفعل تغييرًا في شخصيته، لكنه كان يتباهى دائمًا ويشهد لنفسه، وأصبح أكثر عجرفة. إنه حتى شهد أنه هو المسيح ما دام حيًّا، وانتهى به الأمر بأن أدانه الله وعاقبه. عند التأمل في نفسي، فكرتُ فقط في الظهور وكأنني أحْسِن السلوك لأخفي نفسي وأجعل الناس يحترموني، لكنني لم أركز على ممارسة الحق أو التخلص من شخصياتي الفاسدة. ونتيجة لذلك، أصبحتُ أكثر نفاقًا ولم أغيِّر شخصيتي الحياتية إطلاقًا. ولو أنني واصلتُ في هذا السعي، فلم أكن لأربح أي حق إطلاقًا. ولانتهى بي الأمر فقط مُسْتَبْعَدة مثل بولس! بالتفكُّر في هذا، أردتُ أن أغيَّر مساعيَّ ووجهة نظري الخطأ حول السعي على الفور.
لاحقًا، قرأتُ هذا المقطع من كلام الله: "وهب الله الإنسان جسمه، وسوف تبقى قدرات الجسم سليمة في حدود معينة؛ ومع ذلك، فإن تجاوز هذه الحدود أو انتهاك قوانين معينة سيسبب حدوث أشياء؛ إذْ سيُصاب الناس بالمرض. لا تنتهك النواميس التي وضعها الله للإنسان. إن فعلت ذلك، فهذا يعني أنك لا تحترم الله وأنك أحمق وجاهل. إن انتهكت هذه النواميس – أي إن خرجت عن "المسار" – فلن يحميك الله ولن يتحمل أي مسؤولية تجاهك؛ فالله يمقت مثل هذا السلوك. ... عند أداء واجبك، من الأفضل أن تجد توازنًا طبيعيًا بين العمل والراحة. وعندما تنشغل بواجبك، يجب أن يتحمَّل جسمك القليل من المعاناة، ويجب أن تضع جانبًا احتياجاتك الجسدية، ولكن ينبغي ألا يستمر هذا لفترة طويلة؛ فإن حدث ذلك، فستصاب بالإنهاك بسهولة، وقد يؤثر ذلك في فعاليتك في أداء واجبك. ينبغي أن ترتاح في مثل هذه الأوقات. ما الهدف من الراحة؟ إنه الاعتناء بجسمك لتتمكن من أداء واجبك أداءً أفضل. أمّا إذا لم تكن مُتعبًا جسديًا ولكنك تبحث دائمًا عن فرصة للتراخي بصرف النظر عما إذا كنت منشغلًا في واجبك أم لا، فأنت تفتقر إلى التكريس. وبالإضافة إلى تكريسك، وأداء الواجب الذي ائتمنك الله عليه بشكل لائق، ينبغي عليك أيضًا ألا تتعب جسمك. ينبغي أن تستوعب هذا المبدأ. عندما لا تكون منشغلًا بواجبك، خذ فترات راحة مجدولة. وعندما تستيقظ في الصباح، مارس العبادات الروحية، وصلِّ، واقرأ كلام الله، وشارك حول حقيقة كلام الله مع الآخرين أو تعلم التراتيل كالمعتاد؛ وعندما تنشغل بواجبك، ركز على أداء واجبك، ومارس كلام الله واختبره، وادمج كلام الله في حياتك العملية؛ فهذا سيجعل من السهل أداء واجبك وفقًا لمبادئ الحق. وبهذه الطريقة وحدها سوف تختبر عمل الله حقًا. هذه هي أنواع التعديلات التي يجب عليك إجراؤها" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. الجزء الثالث). كانت قراءة كلام الله منيرة جدًّا بالنسبة لي. يجعلنا الله نعيش وفق القواعد التي قدَّرها سَلَفًا، لنحيا ونستريح كما ينبغي، ولنؤدي واجبنا على هذا الأساس. وحينما يتطلَّب عملنا بعض المعاناة، ولكي ندفع ثمنًا، لابد أن نهمل الجسد، ونَبْذل قصارى جهدنا لإنجازه. وعندما لا يستدعي عملنا منا السهر حتى ساعة متأخرة، علينا أن نعمل وننام بشكل لائق ونحافظ على حالة عقلية جيدة. وبهذه الطريقة، نستطيع أن نكون فعَّالين في واجبنا. فكَّرتُ في هذا من الكتاب المقدس: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى" (متى 22: 37-38). يأمل الله أن يكون بوسعنا مراعاة مشيئته في واجبنا، وأن يكون لدينا عبء حقيقيٌّ، وأن نؤدي واجبنا بإخلاص. فهذا يربح موافقة الله. وبالنظر إلى المسار الذي وضحه الله لنا، رأيتُ كم كنتُ حمقاء حقًّا. إنَّ كلمات الله في غاية الوضوح، لكنني لم أضعها موضع التنفيذ. كنتُ دائمًا أتصرف بِناء على مفاهيمي وتصوراتي، وأخوض الكثير جدًّا من المعاناة التي بلا معنى. أدركتُ أنه لم يكن بإمكاني مواصلة التركيز على فعل الأعمال الجيدة ظاهريًّا، وأنني كان يجب أن أقبل تمحيص الله، وأفعل كل شيء أمام الله دون اعتبار لما يظنه البشر، وأؤدي واجبي بمثابرة. فهذا ما يجب عليَّ فعله.
بعدئذ، في الاجتماعات، حللتُ كيف ضللتُ الطريق وأخطأت منظوري حتى يتمكَّن الإخوة والأخوات من ربْح التمييز. إنني أركز عادة على ممارسة كلام الله، وأخلص في الطريقة التي أستطيع من خلالها تحمل عبء في عملي وكيف أؤدي واجبي وفق المبادئ، ولم أعد أعاني ظاهريًّا من أجل ربح إعجاب الآخرين. ومع مرور الوقت، توقفت عن القلق بشأن رؤية الآخرين لي، ولم أفكر في التظاهر أمامهم. شعرتُ بإحساس كبير من التحرر. لقد تعلَّمتُ من خلال الاختبار أن كلام الله وحده هو الاتجاه ومعيار السلوك والعمل، وأن الممارسة حسب كلام الله تمثل راحة عظيمة، ومحررة للغاية. فليست هناك حاجة للتظاهر دائمًا. والعيش بهذه الطريقة ليس متعبًا أو مؤلمًا للغاية. الشكر لله!