82. في خضم تعذيب لا هوادة فيه

بقلم: وو مينغ، الصين

في أحد أيام شهر ديسمبر من العام 2000، وفي حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر، كنت أنا وزوجتي مجتمعين في المنزل مع أخ وأخت عندما سمعنا فجأةً "قرعًا شديدًا" على الباب. فأسرعت لإخفاء كتبنا. ثم اقتحم الغرفة ستة أو سبعة من رجال الشرطة. صاح أحدهم: "ماذا تفعلون؟ هل تعقدون اجتماعًا؟" وبعد أن أجبرني على توقيع أمر تفتيش، فتشوا المنزل وتركوا كل شيء في حالة من الفوضى العارمة. وجدوا كتبًا من كلمة الله واثنين من أجهزة التسجيل. جاءني نائب رئيس قسم الأمن السياسي، ولقبه ليو، ببضعة كتب من كلمة الله وقال: "هذا دليل على اعتقالك"، ثم وضعونا في سيارة. فصليت إلى الله صامتًا: "يا الله، لقد سمحتَ باعتقالنا اليوم. وبصرف النظر عن الطريقة التي تُعذبني بها الشرطة، فإنني أرفض أن أصبح مثل يهوذا وأخونك!"

عندما وصلنا إلى مركز الشرطة، استجوبونا بصفة منفصلة. سألني أحد الضباط ولقبه جين: "من أعطاك تلك الكتب في منزلك؟ من اهتداك؟ من قائدك؟" لم أنطق بكلمة واحدة، فقال بقسوة: "هل ستتحدث؟ إذا لم تتحدث فسوف تموت!" وعندما رأى أنني لن أتحدث، لكمني ضابط شرطة بوحشية في رأسي عدة مرَّات ثم صفعني بشدة مرارًا. شعرت بتشوش الرؤية وكان وجهي يتلوى من الألم الشديد. ثم داس بقوة على فخذي كثيرًا. صفعني الضابط جين على وجهي بمجلة ملفوفة وقال بقسوة: "دعنا لا نُضيِّع الوقت في التحدث إليه. اربطه بحبل ودعه يرى ما يمكننا فعله!" بعد ذلك، أحضر ضابط شرطة حبلًا بسُمك ربع بوصة تقريبًا وخلع ملابسي الخارجية تاركًا سروالي الداخلي الرقيق فقط. شدوا ذراعيَّ ودفعوني إلى الأرض ولفوا الحبل حول رقبتي ومرروه فوق صدري ثم ربطوا ذراعيَّ واستخدموا الحبل لربط يديَّ خلف ظهري وربطوه بالجزء من الحبل الذي كان حول رقبتي ثم شدوه بقوة. كان كتفاي مشدودين أحدهما بالقرب من الآخر مما تسبب في الألم، وكان الحبل الرفيع يثقب جسمي. شعرت وكأن ذراعيَّ قد انكسرا وكنت أشعر بألم رهيب. جعلوني أشد ساقيَّ بزاوية 90 درجة وأضع رأسي للأسفل مع ثني خصري أيضًا بزاوية 90 درجة. لم يمضِ وقت طويل حتى شعرت بالدوار، وكأن عيناي تخرجان من رأسي. ظل العرق يتساقط من وجهي فتغطت به الأرضية. شعرت بالتعب والألم وكان جسمي يرتجف ولم أستطع الوقوف على ساقيَّ. كنت أرغب في تقريب ساقيَّ والشعور بالراحة للحظات، ولكن إذا تحركت قليلًا كان جين يركلني من الوراء ويأمرني بعدم التحرك. كان الألم لا يُطاق. شعرت بمنتهى الغضب والكراهية وفكرت قائلًا: "يوجد الكثير من المجرمين الذين لا تلاحقهم. أنا أؤمن بالله وأسلك الطريق الصحيح ولا أخالف أي قوانين لكنك تُعذبني. وهذا شر لا يمكن تصوره!" فكرت في كلام الله الذي يقول: "الآباء الأقدمون؟ القادة الأحباء؟ كلّهم يعارضون الله! ترك تطفّلهم كل شيء تحت السماء في حالة من الظلمة والفوضى! الحرية الدينية؟ حقوق المواطنين المشروعة ومصالحهم؟ كلها حيلٌ للتستّر على الخطية!" (الكلمة، ج. 1. عمل الله ومعرفة الله. العمل والدخول (8)). رأيت أخيرًا الوجه القبيح للحزب الشيوعي الصيني على حقيقته. إنهم ينادون "بحرية الدين" و"شرطة الشعب في خدمة الشعب"، لكن هذه كلها أكاذيب! يتمسك الحزب الشيوعي بحُجة احترام حرية العقيدة، لكنهم في الواقع قساة مع المؤمنين ويودون إبادتنا عن بُكْرة أبينا. الحزب الشيوعي هو الشيطان إبليس الذي يقاوم الله ويبغضه. قلت لنفسي: "كلما عذبوني زاد إيماني إلى النهاية!"

بعد حوالي نصف ساعة، شعرت بالضعف في جسمي كله وبانتفاخ في رأسي وعينيَّ. شعرت بالخَدْر التام في ساقيَّ وفقدت الإحساس بذراعيَّ ويديَّ، وابتلت ملابسي تمامًا بالماء. وعندها سمعت جين يقول: "لا يمكنك استخدام الحبل لأكثر من نصف ساعة، وإلا فسوف يصاب الذراعان بالعجز". وبعد أن قال ذلك فكوا الحبل. وفي اللحظة التي فكوا فيها الحبل سقطت على الأرض وكان جسمي يؤلمني في كل موضع. ثم أمسك شرطيان بيديَّ من كلا الجانبين وكانا يلفَّان ذراعيَّ في دوائر كما لو كانا يلفَّان حبلًا كبيرًا. كنت أشعر بألم شديد في يديَّ بعد أن لفَّاهما عدة مرَّات. سألني جين من جديد: "من أين أحضرت تلك الكتب؟ مَنْ قائدك؟ من اهتداك؟ أخبرني الآن!" ثم قال ليو بلطف مخادع: "أخبرنا فحسب، فالأمر بسيط. إذا أخبرتنا فلن تعاني بعد الآن". فكرت قائلًا: "لن أخون إخوتي وأخواتي أبدًا!" فقال جين غاضبًا لأنني لم أتحدث: "أعده إلى الحبل ودعنا نرى كم من الوقت يمكنه التحمُّل!" ربطوني مرَّةً أخرى. وهذه المرَّة ربطوني بإحكام أكثر من ذي قبل. كان الحبل يخترق المواضع نفسها ويُسبب ألمًا أشد من المرَّة الأولى. ظللت أصلي في قلبي إلى الله طالبًا منه أن يمنحني الإيمان ويساعدني للتغلب على ألم الجسد. وبعد نصف ساعة وجدوا أنني لن أرد عليهم ففكوا الحبل.

نقلتني الشرطة إلى مركز احتجاز في حوالي الساعة 12:30 بعد منتصف الليل. كنت في مركز الاحتجاز أتناول وجبتين فقط في اليوم، وكانت كل وجبة تتكون من كعكة على البخار وجزء صغير من الخضار. كان الكعك مليئًا بلب الذرة، ونصف الخضار عفنًا، وكان قاع الوعاء كله طينًا. وفي كل يوم من السادسة صباحًا إلى الثامنة مساءً تعيَّن عليَّ أن أجلس القرفصاء باستثناء وقت الوجبتين ونصف ساعة في الصباح يمكنني فيها الخروج. وإذا تحركت قليلًا أثناء جلوسي كان أحدهم يضربني. كان يوجد جرح عميق في كتفي بسبب التعذيب بالحبل في مركز الشرطة. وكان السائل الأصفر المتسرب منه يسيل على ملابسي، وبدأ معصمايَّ أيضًا بالنزيف والانتفاخ حتى أصبح لونهما أحمر داكنًا. كانت جميع مفاصل جسمي تعاني ألمًا لا يُطاق، وكان مجرد النهوض للذهاب إلى المرحاض صعبًا بالفعل. شعرت أنه لم يكن مكانًا مناسبًا للبشر ولم أعرف متى ستنتهي تلك الأيام الكئيبة في السجن أخيرًا. وقد عذبتني هذه الأفكار بالفعل. في خِضَمِّ ألمي صليت إلى الله مرارًا وتكرارًا وطلبت منه أن يرشدني لأفهم مشيئته وأكون قويًا وأثبت في شهادتي. فكرت في كلام الله: "ولذلك، أثناء هذه الأيام الأخيرة يجب أن تحملوا الشهادة لله. بغض النظر عن مدى حجم معاناتكم، عليكم أن تستمروا حتى النهاية، وحتى مع أنفاسكم الأخيرة، يجب أن تظلوا مخلصين لله، وتحت رحمته. فهذه وحدها هي المحبة الحقيقية لله، وهذه وحدها هي الشهادة القوية والمدوّية" (الكلمة، ج. 1. عمل الله ومعرفة الله. اختبار التجارب المؤلمة هو السبيل الوحيد لكي تعرف روعة الله). شجعني التفكير في كلام الله. كنت في مثل هذا الوضع بسماح من الله. كان الله يستخدم تلك البيئة الشاقة لتكميل إيماني ومحبتي. وكان يأمل أن أتمكن من الثبات في شهادتي وإذلال الشيطان. لكن إذا أردت الهروب بعد القليل من المعاناة، فما نوع مثل هذه الشهادة؟ على الرغم من أنني عانيت من تعذيب الشرطة، فقد ساعدني ذلك بوضوح على رؤية الجوهر الشيطاني للحزب الشيوعي في مقاومته لله، ولذلك كرهته ونبذته من أعماق قلبي، ولم أعد أنخدع به. كان هذا هو خلاص الله لي. ولم أكن بائسًا عندما فهمت مشيئة الله. فنذرت نفسي قائلًا: "سوف أستمر في الاتكال على الله والثبات على شهادتي له بصرف النظر عن مدى معاناتي".

في أحد الأيام، جاء شخص من قسم الأمن السياسي لاستجوابي، فشعرت ببعض التوتر. لم أعرف أي نوع من التعذيب سوف يستخدمونه معي. صليت إلى الله بصمت وطلبت منه أن يحفظ قلبي. قال ليو، نائب القائد، في غرفة الاستجواب منافقًا: "اعترف فحسب، فبمجرد أن تخبرنا يمكنك العودة إلى المنزل. لقد ذهبنا إلى منزلك وأطفالك صغار جدًا ومن المحزن للغاية أنه لا يوجد من يعتني بهم. أخبرنا فحسب". كان من الصعب عليَّ الاحتمال وأنا أسمعه وهو يذكر أطفالي. فكرت قائلًا: "لقد اعتقلني الحزب الشيوعي أنا وزوجتي، والآن حتى أطفالنا متورطون. كيف يمكنهم التعامل في ظل غياب من يهتم بهم في مثل هذا السن المبكر؟" وعندها فكرت في كلام الله الذي يقول: "في كل وقت يجب أن يحترس شعبي من خطط الشيطان الماكرة، ويحرسوا لي بوابة بيتي، وينبغي أن يكونوا قادرين على أن يدعم بعضهم بعضًا، ويعيل بعضهم بعضًا، بحيث تتفادوا السقوط في فخ الشيطان، الذي لو حدث سيكون قد فات أوان الندم" (الكلمة، ج. 1. عمل الله ومعرفة الله. كلام الله إلى الكون بأسره، الفصل الثالث). أدركت أن هذه كانت خدعة من الشيطان. كانت الشرطة تستغل مشاعري لإغوائي لخيانة الله، ولم أنخدع بذلك. ثم فكرت في كلام الله الذي يقول: "لا يوجد في كل ما يحدث في الكون شيءٌ لا تكون لي فيه الكلمة الفصل. هل يوجد أي شيء خارج سيطرتي؟" (الكلمة، ج. 1. عمل الله ومعرفة الله. كلام الله إلى الكون بأسره، الفصل الأول). الله يسود على كل شيء، وكان أطفالي بين يديه. كنت على استعداد لأن أعهد بأطفالي إلى الله، وبصرف النظر عن الحيل التي استخدمتها الشرطة ضدي، سوف أتمسَّك بالشهادة ولن أصبح مثل يهوذا أبدًا! ظل ليو يسألني عن الكنيسة، وعندما لم أجب لكمني جين وركلني بينما كان يصرخ وهو يضربني: "إذا لم تتحدث، فسوف أضربك حتى الموت!" كان رأسي يدور بسبب الضرب. ضربني جين لفترة من الوقت حتى أصبح منقطع الأنفاس ثم قال بشراسة: "هل تعتقد أنك ستكون بخير إذا لم تتحدث؟ لا تزال مدة حبسك طويلة! لدينا طرقنا في التعامل معك". وبينما كان يتحدث، خلع معطفي وحذائي القطني وجواربي بالإجبار. رفع سروالي للكشف عن باطن الساق ثم جرني إلى شاحنة كبيرة خارج غرفة الاستجواب وكبل يديَّ بمقبض الباب. كان الباب مرتفعًا جدًا، وكانت يداي فوق رأسي عند ربطهما بالمقبض. كان ارتفاع الجليد على الأرض أكثر من قدم. أزال جين حوالي 10 أقدام مربعة من الجليد حول المكان الذي كنت واقفًا فيه فظهرت أرض رملية بطبقة رقيقة من الجليد عليها. جعلني أقف على الجليد حافي القدمين وقال بشراسة: "إذا لم تتحدث، فسوف تتجمد حتى الموت. سوف تكون مشلولًا لبقية حياتك!" ثم دخل.

كان ذلك الشتاء باردًا على غير العادة. وكانت درجة البرودة حوالي 5 تحت الصفر في الخارج. شعرت بالقشعريرة تصل إلى العظم بمجرد تكبيلي، وكان المكان الذي كنت أقف فيه مُعرَّضًا بشكل خاص للرياح العاصفة. فقدت الإحساس ببطء في جسمي. واصلت الصلاة إلى الله في قلبي: "يا الله، إنني أترك نفسي بالتمام بين يديك. أرجو أن تمنحني الإيمان والقوة والإرادة لتجاوز هذه المعاناة". وبعد أن صليت رنمت في صمت ترنيمة من كلام الله: "ينبغي أن تهمل كلّ شيء من أجل الحق"

1  يجب أن تعاني المشقات من أجل الحق، ويجب أن تعطي نفسك للحق، ويجب أن تتحمل الذلَّ من أجل الحق، ويجب أن تجتاز المزيد من المعاناة لكي تنال المزيد من الحق. هذا هو ما ينبغي عليك القيام به. ...

2  يجب أن تسعى في إثر كل ما هو جميل وصالح، ويجب أن تطلب طريقًا ذا معنى أكبر في الحياة. إذا كنت تحيا مثل هذه الحياة المبتذلة، ولا تسعى لتحقيق أي أهداف، ألا تُضيِّع حياتك؟ ما الذي يمكنك أن تربحه من حياة مثل هذه؟ يجب عليك التخلي عن كل مُتع الجسد من أجل حق واحد، وألا تتخلص من كل الحقائق من أجل متعة قليلة. لا يتمتع أناس مثل هؤلاء بالنزاهة أو الكرامة؛ ولا معنى لوجودهم!

من اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة

شعرت بالتشجيع، إذ لم أخضع للشيطان. فحتى لو تجمدت حتى الموت في ذلك اليوم، فسوف أثبت في شهادتي لله! بعد حوالي نصف ساعة، مر بي حارس من المعتقل ورآني مكبل اليدين بباب الشاحنة. وبينما كان يسير إلى غرفة الاستجواب صرخ بصوتٍ عال: "لا يمكنكم استجواب الناس بهذه الطريقة. لا يمكننا قبول أي أحد يتجمد حتى الموت!" وبعد وقت قصير من دخول الحارس، خرج جين والآخرون وسحبوني إلى الداخل. وعندئذٍ فقدت يداي وقدماي الإحساس بالفعل، وكان فمي خدرًا بالبرد وقلبي يختلج. جلست على الأرض لأكثر من ساعة قبل أن يبدأ جسمي يدفأ ببطء. رآني ليو أشعر بالألم فقال شامتًا: "أنت أسوأ من اللصوص – فعلى الأقل لديهم المهارة بينما أنتم تمرون بألم شديد لمجرد أنكم تؤمنون بالله، والأمر لا يستحق بالفعل. سوف يُحكم عليك حتى لو لم تتكلم". شعرت بالغضب حقًا عندما سمعت ذلك. فضباط الشرطة هؤلاء يقلبون الحقيقة رأسًا على عقب. يعتقدون أن جريمة السرقة مهارة لكنهم يعاملوننا نحن المؤمنين الذين نسلك الطريق الصحيح كمجرمين وكأعدائهم اللدودين الذين يجب أن يتعرضوا للتعذيب بمنتهى القسوة! نظرت إلى وجوههم الدنيئة وأبغضتهم في قلبي. وأخيرًا، وجدوا أنني لن أتحدث فأعادوني إلى الزنزانة.

شعرت في تلك الليلة بالحكة والألم في قدميَّ، وبدأت تظهر عليهما بثور. تغطت قدماي ببثور دموية في صباح اليوم التالي، كما لو كنت محترقًا بمياه مغلية. كانت الواحدة تظهر تلو الأخرى، وكانت البثور الكبيرة بحجم صفار البيض والصغيرة بحجم أطراف الأصابع. لم أستطع المشي مطلقًا وأردت خدشها لكني لم أجرؤ على ذلك. عندما ظهرت البثور الدموية التصقت بجواربي. كان باطنا ساقيَّ خدرين تمامًا ويُسببان الحكة. أُصبت بالحمى واحمر وجهي بشدة. وبحلول اليوم الثالث، أصيبت قدماي بالعدوى وتورمتا لدرجة أنني لم أستطع حتى ارتداء أكبر النعال. تورم باطنا ساقيَّ إلى ضعف حجمهما الطبيعي، وكان لون كاحليَّ بأكملها أسود وأرجوانيًا. أرسلني الحراس إلى المستشفى خوفًا من تحمُّل المسؤولية. قال الطبيب إن كاحلي الأيمن كان مصابًا بالعدوى والصديد وإنني بحاجة للخضوع إلى عملية جراحية. وفي غرفة العمليات سمعت الطبيب يقول للموظفين الآخرين: "كان لدينا سجين آخر كهذا قبل يومين. أصيب ساقه بالطريقة نفسها ثم مات بسبب التهاب العظم والنِقي". فأخافني سماع ما قاله الطبيب. أصيبت قدماي بالعدوى ولم أستطع حتى المشي. هل سأصاب بالتهاب العظم والنِقي أيضًا؟ إذا حدث ذلك، فسوف ينتهي بي المطاف إما ميتًا أو معاقًا. ماذا سأفعل حينها؟ كنت لا أزال صغيرًا جدًا وكانت عائلتي كلها تعتمد عليَّ. وكلما فكرت عانيت، فتذكرت ترنيمة من كلام الله: "عندما تواجه المعاناة، يجب أن تكون قادرًا على التخلِّي عن الاهتمام بالجسد وعدم التذمّر من الله. عندما يحجب الله نفسه عنك، يجب أن تكون قادرًا على أن يكون لديك الإيمان لتتبعه، وأن تحتفظ بمحبتك السابقة دون أن تسمح لها بأن تتعثَّر أو تتبدَّد. مهما كان ما يفعله الله، يجب أن تخضع لتخطيطه، وتكون مستعدًا للعن جسدك بدلاً من التذمر من الله. عندما تواجهك التجارب، يجب عليك إرضاء الله حتى إن بكيت بمرارةٍ أو شعرت بالتردّد في التخلّي عن شيء تحبه. هذا وحده هو الحب والإيمان الحقيقيان" (من "كيف تُكَمَّلُ" في "اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). منحني كلام الله الإيمان والقوة. عندما أواجه المعاناة، يريدني الله أن أكون مؤمنًا وأثابر لأتمكن من الثبات في شهادتي. وبالتفكير في المرَّات القليلة الماضية التي تعرَّضت فيها للتعذيب، اعتقدت أنني أملك قدرًا كبيرًا من الإيمان. عندما رأيت أنني أصبت بالبرد الشديد، بدأت أقلق على حياتي ومستقبلي. كنت أخشى الموت وضعف ساقيَّ. كانت قامتي ضئيلة بالفعل. ولم أُظهِر إيمانًا حقيقيًا أو خضوعًا لله على الإطلاق. بينما كنت أفكر في هذه الأمور، صليت إلى الله قائلًا: "يا الله! لا أريد أن أفكر في نفسي بعد اليوم. سوف أطيع تنظيماتك وترتيباتك، وحتى لو مُتّ سوف أظل أتمسَّك بالشهادة لك وأرضيك". أبقتني الشرطة مُكبَّل اليدين بالفراش طوال الوقت أثناء وجودي في المستشفى. كانوا يفكون يديَّ فقط لاستخدام المرحاض وتناول الطعام. وذات يوم عندما ذهبت إلى المرحاض، مرَّت بي مريضتان وسألتا عن الجريمة التي ارتكبتها. فقال جين: "إنه مغتصب!" نظرت السيدتان لي نظرة ازدراء. شعرت بالغضب، فالشرطة دائمًا ما تُحرِّف الحقيقة وتختلق الأكاذيب!

انخفض التورم في ساقيَّ بعد أسبوعين، لكني كنت لا أزال أعرج عند المشي. أعادني الحراس إلى مركز الاحتجاز. وفي أحد الأيام جاء ثلاثة ضباط شرطة جدد لاستجوابي. وعندما رأوا أنبوبًا وريديًا مثبتًا على ذراعي قالوا بشراسة: "انزعوا هذا الأنبوب! إنكم رفقاء جدًا معه وتسمحون له باستخدام أنبوب وريدي. ومن اللطف أنكم تركتموه يعيش من الأساس!" فقلت لنفسي غاضبًا: "أولئك الشياطين جمدوني حتى الموت تقريبًا ثم يقولون إنهم طيبون جدًا. إنهم حقًا قاسون ولا يرحمون!"

قال ضابط في غرفة الاستجواب: "قضيتك الآن في أيدي لواء الشرطة الجنائية لدينا. قد لا يتمكن قسم الأمن السياسي من التعامل معك، ولكن لدينا دائمًا طرقنا!" شعرت بالتوتر عند رؤية كل وجه من وجوههم الشريرة البشعة وبدأت أتعرق. سمعت أن لواء الشرطة الجنائية كان مسؤولًا عن القضايا الكبرى. كانوا قساة عديمي الرحمة على وجه الخصوص في أساليب تعذيبهم. ولم أعرف كيف سيعذبونني. هل سأتمكن من التحمُّل؟ سارعت بالصلاة إلى الله ليمنحني الإيمان والعزم على تحمُّل المعاناة. ثم قال الضابط: "إننا دائمًا ما نجعل حتى أقوى الرجال يعترفون هنا. لواء الشرطة الجنائية متخصص في معاقبة الناس. ولا نهتم بما إذا كنتم أنتم المؤمنون بالله القدير تعيشون أو تموتون، فأسرع واعترف!" قلت: "ليس لديَّ ما أقوله". فشعر بالغضب وصفعني بقوة على وجهي بيدٍ ثم بالأخرى، فشعرت بالدوار. كانت الأشياء الوحيدة الذي شعرت بها هي أن وجهي عانى ألمًا رهيبًا مع تدفق الدم من زوايا فمي، وكان فمي ووجهي متورمين. بالنظر إلى مدى فظاظتهم ووحشيتهم جميعًا، شعرت بالقلق الشديد: "إذا استمر هذا، فهل سيضربونني لدرجة الإعاقة أو الموت؟ إذا لم أتمكن من تحمُّل التعذيب وقررت الخيانة، فسوف أكون مثل يهوذا". مثلت بسرعة أمام الله وصليت. وبعد أن صليت فكرت في جملة من كلام الله: "الإيمان أشبه بجسرٍ خشبيّ مُشيَّد من جذع واحد، بحيث يجد الذين يتشبّثون بالحياة في وضاعةٍ صعوبةً في عبوره، أمّا أولئك المستعدون لبذل أنفسهم فيمكنهم المرور عليه واثقي الخطى من دون قلقٍ" (الكلمة، ج. 1. عمل الله ومعرفة الله. أقوال المسيح في البدء، الفصل السادس). منحنى كلام الله الإيمان فقررت قائلًا: "مهما ضربوني اليوم بشدة، لن أصبح مثل يهوذا!" صفعوني على وجهي وركلوني بقوة عدة مرَّات. ثم أعادوني للحبل مثل المرَّة السابقة. ولكن هذه المرَّة كانت أسوأ. سحبوا ذراعيَّ من خلف ظهري وانتزعوا الحبل بشدة. شعرت وكأن ذراعيَّ ينكسران وتسبَّب هذا بألم مبرح. أصيبت يداي بكدمات باللونين الأسود والأرجواني بعد نصف ساعة، ففكوني عندما رأوا أنني كنت على وشك الموت. وبعد نصف ساعة أخرى، بعد أن وجدوا أن معصميَّ قد تعافيا قليلًا، أعادوني إلى الحبل للمرَّة الثانية. وهذه المرَّة أحضروا ممسحة. علَّقوا مقبض الممسحة خلف الحبل حول قفاي ولفوه مرَّتين ليكون الحبل أكثر إحكامًا على ذراعيَّ وكتفيَّ. كان أحد الضباط جالسًا على مقعد ويُمسك بالممسحة من خلفي ويدفعها بقوة إلى الأسفل. كان ذراعاي يؤلمانني ألمًا لا يُطاق، وشعرت وكأنهما على وشك الانكسار. بينما كان الضابط يضغط على الممسحة، ظل يسألني: "كم عددكم؟ من قائدك؟" وعندما وجدوا أنني لا أجيب، أحضروا ثلاث زجاجات من الجِعَة ودفعوها تحت ذراعيَّ. فشعرت وكأن ذراعيَّ قد سُحبا للأسفل وكان الألم شديدًا لدرجة أنني كدت أفقد الوعي. ظللت أصلي إلى الله وأطلب منه أن يمنحني القوة. ثم سار ضابطان أحدهما إلى جانبي الأيمن والآخر إلى جانبي الأيسر وانتزعا قميصي ثم استخدما فتحة قارورة ماء لكشط ضلوعي بقوة، فصرخت بشدة. صاح ضابط في وجهي: "أنت تتألم، فلماذا لا تطلب من إلهك أن يأتي وينقذك، أليس كذلك؟ إذا كنت تعاني من ألم شديد، فتكلم فحسب!" كانوا طوال الوقت يكشطون ضلوعي ذهابًا وإيابًا حتى اخترقوا الجلد. كان هذا ألمًا مبرحًا. ثم ضغطوا على رأسي بقوة للأسفل وقالوا بسخط: "إذا لم ينفع هذا، فلنأخذه إلى مكان لا يوجد فيه أحد ونضربه حتى الموت. أن تكون لصًا أفضل من أن تكون واحدًا من أولئك المؤمنين بالله. والأمر يستحق القليل من المعاناة إذا حصلت على بعض النقود!" ثم قال ضابط: "تحدث فحسب، فهذه المعاناة لا جدوى منها. إذا تحدثت، فسوف ينتهي كل شيء". شعرت أن جسمي قد بلغ أقصى درجات التحمُّل، وفكرت قائلًا: "ماذا لو قلت لهم شيئًا غير مهم؟ ربما يمكنني تخفيف المعاناة قليلًا". ولكن بعد ذلك أدركت أنني إذا قلت شيئًا ما فسوف أكون مثل يهوذا وأخون الله. فلم أقل أي شيء. واصلت الصلاة إلى الله: "يا إلهي! لا يمكنني تحمُّل هذا بعد اليوم حقًا. امنحني القوة واحمني لأتمكن من الاستمرار ثابتًا في شهادتي". وبعد أن صليت فكرت في كلام الله: "ولذلك، أثناء هذه الأيام الأخيرة يجب أن تحملوا الشهادة لله. بغض النظر عن مدى حجم معاناتكم، عليكم أن تستمروا حتى النهاية، وحتى مع أنفاسكم الأخيرة، يجب أن تظلوا مخلصين لله، وتحت رحمته. فهذه وحدها هي المحبة الحقيقية لله، وهذه وحدها هي الشهادة القوية والمدوّية" (الكلمة، ج. 1. عمل الله ومعرفة الله. اختبار التجارب المؤلمة هو السبيل الوحيد لكي تعرف روعة الله). استعاد كلام الله قوتي. فشعرت بإرشاده المستمر بجانبي. كنت أتكل على الله وأتحمَّل بصرف النظر عن مقدار معاناتي. صليت له قائلًا: "يا إلهي، أنت تعلم مقدار تحمُّلي. لن أخونك بصرف النظر عن تعذيبهم لي. وإذا لم أتمكن حقًا من تحمُّل المزيد من الألم، فإني أُفضل الموت على أن أصبح مثل يهوذا".

سقطت على الأرض بعد الجولة الثانية. كنت بالكاد أستفيق عندما سحبني ضابط من الياقة ودفعني تجاه حائط. خنق رقبتي بشدة وقال بوحشية: "سوف أخنقك اليوم!" فاستخدمت قوتي كلها لإبعاده عني إذ تمكنت بالكاد من التنفس. رجع إلى الوراء وبدا مصعوقًا. وشعرت أيضًا أن هذا كان مفاجئًا. فبعد شهر من التعذيب كنت ضعيفًا للغاية. وفي ذلك اليوم خضعت بالفعل لقدر من التعذيب ولم تتبقّ لي أي قوة. لم أكن أتخيل أنني ما زلت قادرًا على إبعاده. علمت أن الله كان يساعدني ويمنحني القوة. استمروا في تعذيبي حتى بعد الساعة الواحدة ظهرًا. قال أحد الضباط الجنائيين غاضبًا: "أنت عنيد جدًا. سوف نواصل غدًا ونرى إلى متى يمكنك التحمُّل. إذا لم تتحدث، فسوف نستجوبك كل يوم حتى تتحدث!" كنت في الليل مستلقيًا على فراشي، مصابًا بكدمات في جسمي كله. كان الجلد حول ضلوعي متقطعًا كله وكان مجرد التنفس يسبب الألم. كان ذراعاي يؤلمانني كثيرًا لدرجة أنني لم أستطع حتى خلع قميصي. رفعت ياقتي ورأيت أن الجروح التي التئمت على كتفي قد رجعت. كانت توجد على معصميَّ علامات دماء من آثار الحبل. سوف يفعل أولئك الشياطين أي شيء مهما كان قاسيًا لإجباري على خيانة الله وخداع إخوتي وأخواتي، وكانوا متحمسين لقتلي. كانوا عصابة من الشياطين كارهي الحق وكارهي الله! فكرت في كيفية قول الضابط إنهم سوف يواصلون استجوابي مرَّةً أخرى في اليوم التالي، وشعرت بوخزات الجُبن والخوف: "هل سيكون التعذيب أسوأ غدًا؟ هل سيعذبونني حتى الموت؟ لن ترتاح هذه الشرطة الشريرة قبل أن أخبرهم عن الكنيسة. ولكن إذا تحدثت، فسوف أكون مثل يهوذا وهو يخون الله، وإذا لم أتحدث، فمن المحتمل جدًا أنني سأتعرض للتعذيب حتى الموت". صليت مرارًا وتكرارًا إلى الله: "يا إلهي، إن قامتي ضئيلة جدًا، ولا يمكنني حقًا تحمُّل هذا التعذيب بمفردي، لكني لا أريد أن أكون مثل يهوذا وأخونك. أرجو أن تساعدني وترشدني". وبعد الصلاة فكرت في كلام الله: "ومع ذلك، يجب أن أوضح هذا: لن أمنح مزيدًا من الرحمة لأولئك الذين لم يظهروا لي أي ذرة من الولاء في أوقات الشدة، لأن رحمتي تسع هذا فحسب. علاوة على ذلك، ليس لديَّ أي ود لأي أحد سبق وأن خانني، ولا أحب مطلقاً أن أخالط الذين يخونون مصالح أصدقائهم. هذه هي شخصيتي، بغض النظر عمّن يكون الشخص. يجب عليَّ أن أخبركم بهذا: كل مَنْ يكسر قلبي لن ينال مني رأفة مرة ثانية، وكل مَنْ آمن بي سيبقى إلى الأبد في قلبي" (الكلمة، ج. 1. عمل الله ومعرفة الله. أَعْدِدْ ما يكفي من الأعمال الصالحة من أجل غايتك). فكرت في ذلك الكلام مرارًا وتكرارًا. كنت أعرف أن شخصية الله بارَّة ولا تتساهل مع أي إثم. إذا خنت الله وخدعت إخوتي وأخواتي لتجنب المعاناة، فسوف أسيء إلى شخصية الله وسوف أعاني العقاب في النهاية. فكرت في هذا الاختبار بأكمله. لولا كلام الله الذي يرشدني لما استطعت تحمُّل التعذيب الوحشي من الشرطة. وكوني على قيد الحياة إلى الآن يرجع إلى حماية الله. فحياتي وموتي بين يديَّ الله. ولا يمكن للشيطان أن يقتلني دون إذن من الله. عندما وضعت ذلك في الاعتبار، عزمت على بذل كل ما في وسعي للثبات في شهادتي لله. ومن المفاجئ أنه عندما امتلكت الثقة لمواجهة الاستجواب التالي، فإنهم لم يعودوا. وبعد شهر أو نحو ذلك، أبلغني ليو: "لقد أُغلقت قضيتك. وجرى الحكم بحبسك لمدة عام. رتبت عائلتك كفالة في انتظار المحاكمة. بمجرد وصولك إلى المنزل عليك أن تلزم مكانك لمدة عام. وعند الاتصال بك عليك الحضور فورًا".

لتجنُّب مراقبة الشرطة، اضطررت بعد إطلاق سراحي إلى مغادرة المنزل لأداء واجبي في أماكن أخرى. ساعدني ذلك الاعتقال والاضطهاد من الحزب الشيوعي الصيني على أن أرى بوضوح الجوهر الشيطاني لكراهيته ومقاومته لله. فكرهته بشدة. وشعرت أيضًا بمحبة الله وخلاصه لي بالفعل. عندما أصبحت شبه عاجز عن تحمُّل المزيد من المعاناة بسبب التعذيب، كان الله دائمًا معي، وكان يحرسني ويحميني ويستخدم كلامه في إرشادي ومنحي الإيمان والقوة لأتمكن من التغلب على قسوة أولئك الشياطين والعزم على تعهد حياتي لله والثبات على شهادتي له. شكرًا لله!

السابق: 81. اختيار بلا ندم

التالي: 83. عواقب العناد في العمل

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

45. عائدٌ من على حافة الهاوية

بقلم تشاو غوانغمينغ – الصينفي بداية الثمانينيات كنت في الثلاثينيات من عمري وكنتُ أعمل بشركة إنشاءات. اعتبرت نفسي شابًا لائقًا بدنيًّا،...

إعدادات

  • نص
  • مواضيع

ألوان ثابتة

مواضيع

الخط

حجم الخط

المسافة بين الأسطر

المسافة بين الأسطر

عرض الصفحة

المحتويات

بحث

  • ابحث في هذا النص
  • ابحث في هذا الكتاب