كلمات حول معرفة المرء لنفسه
اقتباس 42
المفتاح ليحقّق المرء تغييرًا في شخصيته هو معرفة طبيعته، ويجب أن يحدث هذا بحسب كشف من الله. لا يستطيع المرء معرفة طبيعته القبيحة، وإدراك سموم الشيطان المتنوعة في طبيعته، وإدراك أنّه أحمق وجاهل، ومعرفة العناصر الضعيفة والسلبية في طبيعته إلا في كلام الله. بعد أن تعرف هذه الأمور معرفة كاملة، وتتمكّن فعلًا من كراهية نفسك والتمرد على الجسد، وتنفِّذ كلام الله بثبات، وتتّبع الحق بشكل دائم، بينما تؤدي واجباتك، وتحقق تغييرًا في شخصيتك، وتغدو امرأً يحب الله حقًّا، فستكون حينها قد اتَّخذت طريق بطرس. بدون نعمة الله، وبدون الاستنارة والتوجيه من الروح القدس، سيكون من الصعب السير في هذا الطريق، لأن الناس لا يملكون الحق، ولا يستطيعون التمرد على أنفسهم. السير على طريق بطرس لتحقيق الكمال يعتمد في المقام الأول على امتلاك العزم والإيمان والاتكال على الله. وعلاوة على ذلك، على المرء أن يخضع لعمل الروح القدس؛ إذ لا يمكن له الاستغناء عن كلام الله في كل الأشياء. هذه هي الجوانب الرئيسية، ولا يمكن انتهاك أي منها. معرفة الذات في وسط الاختبار أمر صعب للغاية؛ فهو عديم الجدوى من دون عمل الروح القدس. وللسير على طريق بطرس، يجب على المرء أن يركز على معرفة نفسه وعلى تغيير شخصيته. لم يكن طريق بولس طريق السعي إلى الحياة أو التركيز على معرفة الذات؛ بل ركز بشكل خاص على القيام بالعمل وعلى تأثيره وزخمه. وكان دافعه هو أن يربحَ بركات الله لقاء عمله ومعاناته، وأن ينال المكافآت من الله. كان هذا الدافع خاطئًا، إذ لم يركز بولس على الحياة، ولم يُعلِّق أي أهمية على إحداث تغيير في الشخصية، بل ركز فقط على المكافآت. ولأن أهدافه كانت خاطئة، فإن الطريق الذي سار عليه كان بالطبع خاطئًا أيضًا. وقد حدث ذلك بسبب طبيعته المتغطرسة والمغرورة. من الواضح أن بولس لم يكن يملك أيَّ حقٍّ، كما لم يكن يملك أي ضمير أو عقل. في خلاص الناس وتغييرهم، يغير الله شخصياتهم في المقام الأول، فالغرض من كلامه هو أن يحقق نتيجة في الناس تتمثل في تغيير شخصياتهم، والقدرة على معرفة الله، والخضوع له وعبادته بطريقة طبيعية. هذا هو الغرض من كلام الله وعمله. كانت طريقة بولس في السعي تنتهك مقاصد الله بشكل مباشر وتتناقض معها؛ إذ كانت تتعارض معها تمامًا. لكن طريقة بطرس في السعي كانت متوافقة تمامًا مع مقاصد الله؛ فقد ركّز على الحياة وعلى التغيير في الشخصية، وهذا بالضبط هو النتيجة التي يرغب الله في تحقيقها في البشر بعمله. لذلك فإن طريق بطرس مباركٌ وينال استحسان الله. وبما أن طريق بولس يتعارض مع مقاصد الله، فإن الله يكره طريقه ويلعنه. للسير على طريق بطرس، يجب أن يعرف المرء مقاصد الله. فإذا كان المرء قادرًا حقًا على فهم مقاصد الله تمامًا من خلال كلماته – أي فهم ما يريد الله أن يصنعه من الإنسان، وفي النهاية، ما هي النتيجة التي يرغب الله في تحقيقها- عندها فقط يكون المرء قادرًا على امتلاك فهم دقيق للطريق الذي يجب عليه اتباعه. إذا كنتَ لا تفهم طريق بطرس بشكل كامل، ولديك رغبة في اتباعه فحسب، فلن تكون قادرًا على البدء في السير فيه. بعبارة أخرى، قد تعرف الكثير من التعاليم، لكنك لن تكون قادرًا في النهاية على الدخول في الواقع؛ إذ على الرغم من أنك قد تقوم بدخول ظاهري، فلن تتمكن من تحقيق أي عاقبة حقيقية.
في هذه الأيام، يتمتّع معظم الناس بفهم سطحي جدًا لأنفسهم. فهم لم يتوصّلوا إطلاقًا إلى معرفة واضحة للأشياء التي تشكّل جزءًا من طبيعتهم، ولا يعرفون سوى القليل من الحالات الفاسدة التي يكشفون عنها، والأشياء التي يُحتمل أن يفعلوها، أو القليل من عيوبهم، ما يجعلهم يعتقدون أنّهم يعرفون أنفسهم. علاوةً على هذا، إن كانوا يلتزمون ببعض اللوائح، ويضمنون ألا يقترفوا أخطاءً في مجالات معينة، ويتمكّنون من تفادي اقتراف تعديات معينة، فإنهم يعتبرون أنّهم يمتلكون الواقع في إيمانهم بالله ويفترضون أنّهم سيخلَّصون. هذا خيال بشري بالكامل. إن التزمت بتلك الأشياء، فهل ستتمكّن فعلًا من الامتناع عن اقتراف أي تعدٍ؟ هل ستكون قد بلغت تغييرًا حقيقيًا في شخصيتك؟ هل ستحيا فعلًا بشبه إنسان؟ هل تستطيع حقًا إرضاء الله بتلك الطريقة؟ حتمًا لا، وهذا مؤكّد. لا ينجح الإيمان بالله إلا عندما يتمتّع المرء بمعايير رفيعة ويكون قد بلغ الحق وبعض التغييرات في شخصيته الحياتية. يتطلب هذا أوّلًا التفاني لمعرفة النفس. إن كانت معرفة الناس لأنفسهم سطحيةً جدًا، فسيستحيل عليهم حل المشاكل، ولن تتغيّر شخصيات حياتهم بكل بساطة. من الضروري أن يعرف المرء نفسه بعمق؛ ما يعني معرفة المرء طبيعته: ما العناصر التي تشملها تلك الطبيعة، وكيف نشأت هذه الأشياء، ومن أين أتت. بالإضافة إلى هذا، هل تتمكّن في الواقع من كراهية هذه الأشياء؟ هل رأيت روحك القبيحة وطبيعتك الشريرة؟ إن تمكّنت فعلًا من رؤية الحق بشأن نفسك، فسوف تكره نفسك. عندما تكره نفسك ثم تمارس كلام الله، ستتمكّن من التمرد على الجسد وامتلاك القوة لممارسة الحق، من دون الاعتقاد بأنه أمر صعب. لماذا يتبع الكثير من الناس تفضيلاتهم الجسدية؟ وبما أنّهم يعتبرون أنفسهم صالحين جدًا، لشعورهم بأنّ أعمالهم محقّة ومبررة، وأنّهم بلا أخطاء، بل وأنّهم على حق تمامًا. فهم بالتالي قادرون على التصرف مفترضين أنّ العدالة في صفِّهم. عندما يعرف المرء طبيعته الحقيقيَّة من حيث مدى قبحه وحقارته وإثارته للشفقة، فإنه لا يفرط في الافتخار بنفسه أو الكبرياء، ولا يرضى بنفسه كما كان من قبل. يشعر مثل هذا الشخص وكأنه يقول لنفسه: "ينبغي أن أكون جادًا وواقعيًا في ممارسة بعض كلام الله. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن أرقى إلى مستوى أن أكون إنسانًا، وسوف أخجل من العيش في محضر الله". وعندها يرى المرء نفسه تافهًا حقًّا ولا قيمة له فعلًا. وفي هذا الوقت يصبح من السهل عليه أن ينفِّذ الحقّ، ويبدو أنه يشبه الإنسان إلى حدٍّ ما. لا يستطيع الناس التمرد على الجسد سوى عندما يكرهون أنفسهم حقًا. إن كانوا لا يكرهون أنفسهم، فلن يتمكّنوا من التمرد على الجسد. ليست كراهية الذات بحق بالأمر السهل. ثمّةَ أمور عدّة لا بد من وجودها فيهم: أولًا، أن يعرف المرء طبيعته؛ وثانيًا، أن يرى المرء نفسه محتاجًا ومثيرًا للشفقة، ويرى نفسه صغيرًا للغاية ولا قيمة له، ويرى روحه القذرة والمثيرة للشفقة. عندما يرى المرء كليًا ما هو عليه حقًا، ويحقّق هذه النتيجة، يربح آنذاك حقًا معرفةً لنفسه، ويمكن القول إنّ المرء توصّل إلى معرفة نفسه كليًا. وعندها فقط يستطيع المرء أن يكره نفسه حقًا، وأن يصل حتى إلى مرحلة يلعن فيها نفسه، ويشعر حقًا بأنّ الشيطان قد أفسده بعمق لدرجة أنّه لم يعُد يشبه الكائن البشري. ثم، ذات يوم، عندما يظهر تهديد الموت، سيفكّر شخص كهذا قائلاً: "هذه عقوبة الله البارّة. الله بارّ بالفعل؛ وأنا أستحق الموت حقًا". في هذه المرحلة، لن يقدم شكوى، فضلًا عن أن يلوم الله، ويشعر ببساطة بأنه مسكين ومثير للشفقة جدًا، وأنه قذر وفاسد جدًا لدرجة أنّه يجب أن يستبعده الله ويدمره، ولا تستحقّ روح مثل روحه أن تعيش على الأرض. ولذلك فلن يتذمر هذا الشخص من الله أو يقاومه، فضلًا عن أن يخونه. إن كان المرء لا يعرف نفسه، ومع هذا يعتبر نفسه صالحًا جدًا، فعندما يقرع الموت بابه، سيفكّر هذا الإنسان قائلاً: "لقد أحسنتُ صنيعًا في إيماني. كم سعيتُ بجهد! لقد أعطيتُ الكثير، وعانيتُ كثيرًا، لكن في النهاية، يطلب منّي الله الآن أن أموت. لا أعرف أين برّ الله. لماذا يطلب منّي أن أموت؟ إن كان لا بدّ من موتي، إذًا فمن سيَخلُص؟ ألن ينقرض الجنس البشري؟" أولًا وقبل كل شيء، يملك هذا الشخص مفاهيم عن الله. ثانيًا، يتذمّر هذا الشخص ولا يُظهر أي خضوع على الإطلاق. هذا تمامًا مثل بولس: عندما أوشك على الموت، لم يكن يعرف نفسه، وعندما دنت منه عقوبة الله، كان الأوان قد فات تمامًا.
اقتباس 43
على الرغم من أن الاجتماعات غالبًا ما تُعقد فيها شركة حول الحق، وتُشرَّح شخصيات الناس الفاسدة، ويجري التحدث فيها عن معرفة الذات، وفيها تُناقش مختلف حالات الناس وسلوكياتهم، يوجد الآن كثير من الناس الذين لا يزالون لا يعرفون شخصياتهم الفاسدة. بعض الناس لا يعترفون سوى بأن لديهم شخصية فاسدة، لكنهم لا يعرفونها عندما يكشفون عنها. وبعض الناس لديهم قدرة على الاستيعاب، وعندما يقرأون كلمات الله، يعترفون بأن كلمات الله هي الحق وأن ما يقوله الله عملي. ورغم ذلك، عندما تصيبهم الأشياء، يصبح فهمهم سطحيًّا. هم يعتقدون دائمًا أنهم ما يزالون على ما يرام، وما يزالون أشخاصًا صالحين؛ وعلى الرغم من اعتقادهم أن ثمة القليل من الفساد في شخصيتهم، فإنهم ما يزالون يصنفون أنفسهم مع الأشخاص الصالحين. إنهم لا يعرفون طبيعة شخصياتهم الفاسدة أو العواقب التي ستسببها. هل يُعَد هذا حقًا معرفة المرء لذاته؟ بعد أن يكون الناس قد آمنوا بالله لبضع سنوات، فمن خلال قراءة كلماته، والاستماع إلى العظات والشركة، إضافة إلى تهذيبهم، يكون معظمهم قد رأوا أخيرًا بوضوح أن إنسانيتهم ليست صالحة، وأن لديهم شخصية فاسدة حقًا، ويمكنهم عمل أشياء تخالف الحق وتعارض الله. لكن كثيرًا من الناس لا يدركون هذا حقًا؛ إنهم يعترفون لفظيًّا فقط بأنهم أبالسة، وبأنهم شياطين، ويجب أن يُلعنوا. هل هذا النوع من الفهم عملي أم لا؟ هل هو شيء ينبع من القلب؟ هل هو شيء يُقال نتيجة كراهية حقيقية للذات؟ على سبيل المثال، كان ثمة قائد أو عامل أُعفي لعدم قيامه بعمل حقيقي؛ ولإظهار "ندمه" للجميع، كتب رسالة توبة: "لقد خذلت الله وأنا مَدين له. أنا لا أستحق خلاصه أو عنايته وجهده المضنيين. أنا إبليس، أنا شيطان، وإنسانيتي سيئة. يجب أن أُلعَن، وأن أذهب إلى الجحيم وأهلك!". إنه، في رسالة التوبة هذه، ينكر ذاته ويدينها مع كل جملة، ويتحدث بكلمات لن يقولها غير المؤمن أبدًا. وعلى الرغم من اعترافه أنه إبليس وشيطان، فهل أي من هذه الكلمات صادقة؟ (لا. إنه لا يذكر أي أشكال الفساد قد كشف، أو أي الأشياء السيئة قد فعل، أو الخسائر التي جلبها لعمل الكنيسة). لا توجد جملة واحدة تشرح الحالة الفعلية أو ما في قلبه؛ كلها كلمات فارغة. هل هذا فهم صحيح؟ (لا). إذا لم يكن فهمًا صحيحًا، فهل هو يعترف بأنه فاسد؟ (لا). لنعرِّف الأمر له: هذا الشخص لا يعترف بفساده. لقد كتب رسالة توبة، وظاهريًّا يبدو أنه يعرف ذاته ويعترف بفساده. من تلك اللحظة فصاعدًا، عليك أن تلاحظ كيفية تصرفه في الحياة اليومية وما إذا كان سلوكه الحقيقي وراء الكواليس قد تغير؛ عندئذ فقط يمكنك استخلاص استنتاج دقيق. ما السلوكيات التي يمكن أن ترينا أنه يعترف حقًا بفساده، وأنه يعرف ذاته حقًا؟ (بعد أن يمتلك الشخص فهمًا حقيقيًّا لذاته، ستوجد تغييرات حقيقية). هذا صحيح. ينظر الله إلى ما إذا حدث تغيير حقيقي في الشخص. إذا كتب شخص رسالة توبة، وكانت كلماته تبدو صادقة وبدا أنه يمتلك فهمًا حقيقيًّا، فهل يعني هذا أنه تاب حقًا؟ هل يمكن أن يثبت ذلك أنه قد تاب حقًا؟ لا، علينا أن ننظر فيما إذا كان ثمة تغيير حقيقي فيه؛ هذا هو الجانب الأكثر أهمية. لكن الشخص بعد أن يُعفى، غالبًا ما يبرر ويدافع عن ذاته أمام الإخوة والأخوات، وهو ما يعادل أنه ما يزال لا يعترف بفساده ولا يمتلك فهمًا حقيقيًّا لذاته. إن ما يفعله وراء الكواليس من مقاومة ودفاع عن ذاته وتبرير، يؤكد هذه النقطة. إضافة إلى ذلك، عندما يُشَرِّح الأعلى أفعاله ويقول إنه ضد المسيح، وإنه قائد كاذب وشخص لا يقوم بعمل حقيقي، فما رد فعله على كشف الأعلى له؟ إنه يجادل ويدافع عن ذاته ويبررها، مفسِّرًا هذه الأمور في كل مكان، دون أن يعترف بأنه لا يقوم بعمل حقيقي، وأن مستوى قدراته ضعيف، وأنه لا يفهم الحق، وأنه قائد كاذب. ما نوع الشخصية التي تكمن خلف عدم الاعتراف هذا والدفاع عن الذات؟ هذا نوع من الشخصية العنيدة والمتغطرسة، شخصية نافرة من الحق. عندما كتب رسالة توبته، قال إنه كان إبليسًا وشيطانًا، وأنه غير مُستحَق لله ومَدين لله، وأن إنسانيته ليست صالحة، لكنه بعد الاعتراف بذلك مباشرة، عاد إلى طُرُقه القديمة. ماذا يحدث هنا؟ (اعترافه غير صحيح). ما جانبه الحقيقي؟ ما قامته الحقيقية؟ (الدفاع عن ذاته وتبريرها). ما يكمن وراء الكواليس من تبريرات ومن دفاعه عن ذاته، وشرح ذاته في كل مكان؛ هذا هو جانبه الحقيقي. ألا يُثبِت هذا أنه لا يعترف بعدم قدرته على القيام بعمل حقيقي، وأنه لا يمتلك واقع الحق؟ إنه لا يعترف بذلك على الإطلاق. وإذا لم يعترف ولو بذلك، فهل يعرف ذاته حقًا؟ وإذا كان لا يعرف ذاته، أليس وصفِه لذاته بأنه إبليس وشيطان مضِّللًا الناس؟ إذن كل ما يقوله عن معرفة ذاته هو كذبة؛ كله خادع. إنه لا يعترف بعدم قدرته على القيام بالعمل، وبأن إنسانيته ليست صالحة، فلماذا لا يزال يقول كلمات إدانة الذات تلك؟ إنه أمر لا يُدرَك كنهه. إذا كان لا يعرف ذاته، فلماذا لا يزال يتظاهر بأنه يعرفها؟ ليغش الناس. الحقائق الظاهرة أمامنا قد أثبتت بالفعل أنه شخص منافق. فهل يعترف بأن لديه شخصية فاسدة؟ (إنه لا يعترف بذلك). إنه يرفض الاعتراف بذلك، بل إنه يبذل قصارى جهده لإيجاد مختلف الأعذار والأسباب لإثبات أن هذه الأشياء التي فعلها ليست خاطئة. يعتقد أنه على صواب مهما يفعل، وأنَّه ينبغي للأعلى ألا يدينه أو يُشَرِّحه. يمكنه قبول الإعفاء، لكنه لا يقبل معاملته بشكل غير عادل بسبب هذه الأشياء. وبصرف النظر عن سبب الإعفاء، فإنه يستطيع الخضوع له وقبوله؛ إنما هو لا يستطيع قبول الإعفاء أو الخضوع له لمجرد أنه كان بسبب تلك الأشياء المحددة التي فعلها. أليس هذا هو أصل تبريره ودفاعه عن ذاته؟ إن مثل هذا الشخص يتحدث عن كونه إبليسًا وشيطانًا، ويقول إنه يجب أن يُلعن ويُرسل إلى الجحيم، ويصرخ مرارًا وتكرارًا بهذه الشعارات بينما يستمر في الجدال والتبرير؛ هل يعرف ذاته حقًا؟ (لا). إنه يصرخ مرارًا وتكرارًا بأنه إبليس وشيطان، لكنه لا يعترف بأي من أفعاله الخاطئة. هل يعترف بأن لديه شخصيات فاسدة؟ (لا). لماذا يُقال إنه لا يعترف بذلك؟ كلهم يعترفون بأنهم أبالسة وشياطين، فلماذا لا يعترفون بأن لديهم شخصيات فاسدة؟ أي النتيجتين أخطر: اعتراف المرء أنَّ لديه شخصية فاسدة، أم الاعتراف بأنه إبليس وشيطان؟ في الواقع، هم يفهمون في قلوبهم أن اعترافهم بأنهم أبالسة وشياطين يمكن أن يضلِّل الآخرين ويحقق نتيجة حسنة، وأن الناس لن يفعلوا أي شيء لهم. أما إذا اعترفوا بأفعالهم الخاطئة، أو بعدم امتلاكهم للإنسانية، فسوف يتجنبهم الناس ويكرهونهم. لذلك، يختارون شعارًا جدير بأن يوضع على الملصقات من أجل تضليل الجميع وتفسير الأشياء. لماذا يصرخون بمثل هذه العبارات والشعارات؟ ما الغرض؟ (أن يرى الناس مدى معرفتهم بذواتهم). من ناحية، يتباهون بروحانيتهم. ومن ناحية أخرى، يتصورون أن: "الجميع يقولون إنهم أبالسة وشياطين. إذا قلت إنني إبليس وشيطان، فلن أضطر إلى تحمُل أي عواقب ويمكنني حتى نيل استحسان الجميع. فلمَ لا أفعل ذلك؟" أليست هذه هي الفكرة؟ أليس هذا النوع من معرفة الذات ماكرًا تمامًا؟ (نعم، إنه مُضلِّل). هذا تضليل وغش بطبيعته، ويحمل سمات المحتال الديني! ماذا يقول المحتالون الدينيون؟ "نحن جميعًا خُطاة؛ نحن جميعًا أخطأنا!". إنهم لا يقولون كيف هم سيئون أو يذكرون تفاصيل الأشياء السيئة التي فعلوها. يقولون أيضًا: "نحن جميعًا خُطاة، ويجب أن نتوب. انظروا كم من الدم الثمين سفكه الرب يسوع من أجلنا! ما الهدف الذي يريدون تحقيقه بهذه الكلمات؟ يريدون أن يجعلوا أنفسهم يبدون روحانيين. إنهم يتباهون ويجعلون الآخرين يعلون من قدرهم، من أجل تحقيق هدفهم المتمثل في كسب القلوب والعقول. هل أولئك الناس الذين يزعمون أنهم يعترفون بأنهم أبالسة وشياطين هم أيضًا يريدون تحقيق هذه النتيجة؟ أليس هذا أيضًا هو غرضهم؟ للوهلة الأولى، يبدو أنهم يعرفون ذواتهم، ويبدو أنهم أناس يتوبون بصدق، مُعلنين أنهم أبالسة وشياطين، وأنهم أبناء الجحيم، ويستحقون الموت. كم هي مخلِصة كلماتهم! لكن بينما يتحدثون بجدية شديدة، هل هم مخلِصون فيما يفعلونه بالفعل من وراء الكواليس؟ كلا، على الإطلاق. إنهم يستخدمون نهجًا ذي وجهين: فمن ناحية، يعترفون علنًا بأنهم أبالسة وشياطين، ولكن من ناحية أخرى، ينخرطون في الدفاع عن ذواتهم ويبررونها، موضحين أنهم لم يرتكبوا أي خطأ. يقولون إنهم تعرضوا لمعاملة غير عادلة من الأعلى، وأن الأعلى لا يدرك الوضع الفعلي، وأنهم بالقيام بهذه الأشياء تحملوا مشقة ومظالم كبيرة ودفعوا ثمنًا باهظًا، ولا ينبغي معاملتهم بهذه الطريقة. يقولون هذه الأشياء لكسب المزيد من التعاطف، ولجعل المزيد من الناس يعتقدون خطأ أنهم يعترفون بذواتهم كأبالسة وشياطين، وأنهم يعرفون ذواتهم حقًا، وأن الأعلى كان غير عادل معهم، وأنهم أُعفوا بسبب مسألة تافهة. إنهم يجعلون الأمر يبدو وكأنهم يعرفون ذواتهم ويستحقون أن يكونوا قادة. إنهم في الواقع يدافعون عن ذواتهم ويبررونها بقوة. هل يمكن لهؤلاء الناس الذين يجيدون التنكر وتبرير ذواتهم والصراخ بشعارات روحية أن يعرفوا ذواتهم حقًا؟ (لا يمكنهم ذلك). إن ما يُسمى بمعرفة الذات هو مجرد تصرف سطحي، وغش للآخرين، وتظاهر؛ وكل ذلك من أجل ترك انطباع جيد لدى الآخرين. إنهم لا يأتون بصدق أمام الله ليتوبوا ويعترفوا بذنبهم، ولا يقبلون أن يهذبهم الله أو يكشفهم، أو يؤدبهم، أو حتى يعفيهم. إنهم ببساطة ليس لديهم مثل هذا الموقف.
في أيامنا هذه، أصبح اختبار معظم الناس سطحيًّا للغاية، ومعرفتهم بذواتهم محدودة للغاية. فالكثيرون يعترفون فقط بالأخطاء في أساليبهم وعيوبهم الخاصة، بينما قليلون هم مَن يعترفون بضعف مستوى قدراتهم، واستيعابهم المحرَّف، وافتقارهم إلى الفهم الروحي، وافتقارهم إلى الإنسانية. وأقل منهم الذين يعترفون بأن كلمات الكشف من الله حقائق مطلقة، وأن هذه الكلمات تكشف عن حق فسادهم، أو أن كلماته دقيقة تمامًا وخالية من أي خطأ. وهذا دليل على أن الناس لا يزالون لا يعرفون ذواتهم حقًا. إن عدم اعترافهم بأنهم يعيشون حسب شخصياتهم الشيطانية وطبيعتهم الشيطانية يعني أنهم لا يعرفون ذواتهم حقًا. وبغض النظر عن الشخصيات الفاسدة التي يكشفونها، فإنهم لا يعترفون بها. إنهم يغطونها ويغلفونها، فيمنعون الآخرين من رؤية فسادهم. مثل هؤلاء الناس بارعون جدًا في التنكر ومنافقون. وفي أيامنا هذه، يميل معظم الناس إلى الحق، وقد تحسنت حالتهم إلى حد ما، لكنهم لا يزالون لا يعرفون ذواتهم حقًا. العديد من الناس يستجيبون باستمرار لارتكاب خطأ بمجرد الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك المثال فقط. إذا سألتهم: "أين أخطأتم بالضبط في هذا الأمر؟ وما مبادئ الحق التي انتهكتموها؟ وما الشخصيات الفاسدة التي كشفتم عنها؟"، فسيجيبون: "هذا لا علاقة له بالشخصيات الفاسدة. لقد كان مجرد هفوة عابرة؛ لم أفكر في الأمر مليًا وتصرفت باندفاع. لم يكن هذا قصدي". لقد أصبحت أفعالهم وأخطائهم غير المقصودة دروعًا وذرائع للشخصيات الفاسدة التي كشفوا عنها. هل هذا اعتراف حقيقي بفسادهم؟ كلا. إذا كنت كثيرًا ما تختلق الأعذار أو تجد أسبابًا للشخصيات الفاسدة التي تكشف عنها، فلن تتمكن حقًا من مواجهة شخصياتك الفاسدة، ولن يمكنك كذلك الاعتراف بها أو فهمها. على سبيل المثال، ثمة شخص يؤدي واجباته جيدًا لفترة من الوقت، وحالته مستقرة، وكل ما يفعله يسير بسلاسة ودون عقبات، ويحقق بعض النتائج الإيجابية ويتلقى الثناء من الآخرين. وهو يشعر أنه قدم مساهمات كبيرة وأن الله يجب أن ينعم عليه بالمكافآت. ونتيجة لذلك، فإنه يكشف عن شخصية فاسدة متغطرسة وبارة في عيني ذاتها – فهو يعتقد أنه أفضل من الآخرين، ويرفض الاستماع إلى أي شخص ويكون غير قادر على التعاون بانسجام مع أي أحد. وبعد فترة قصيرة، يرتكب أخطاء في أداء واجباته، ويقوم إخوانه وأخواته بتهذيبه وكشفه، قائلين إنه متغطرس للغاية. يجد صعوبة في قبول هذه الحقيقة ويتأملون في الأمر باستمرار: "أنا متغطرس؟ لا أعتقد ذلك. لم أتفاخر بأي شيء، فكيف أمكن أن أصبح متغطرسًا؟". إنه عالق عند كلمة "متغطرس" ولا يمكنه تجاوزها. وعدم قدرته على قبول هذه الكلمة يوضح أنه بلا عقل، ولا يعرف ذاته على الإطلاق، ولا يعترف بشخصيته الفاسدة. عندما يصيبك شيء وتكشف عن شخصية فاسدة، وينتقدك شخص أو يهذبك، ويقول إن ما فعلته ينتهك مبادئ الحق، ومع ذلك لا تعترف سوى بخطئك في ذلك الأمر بصفة خاصة، ولا ترغب في الاعتراف بأنه كان نتيجة سببتها شخصية فاسدة كُشِفَت، ولا تكون غير راغب إلا في تصحيح الخطأ دون قبول حقيقة أنك كشفت عن شخصية فاسدة، فأنت لا تعرف ذاتك حقًا. هل يمكن للاعتراف بالأخطاء في حد ذاته أن يمثل معرفة الذات؟ إن معرفة الذات تشير إلى تحديد السبب الأصلي لأخطاء المرء ومعرفته شخصيته الفاسدة. إذا اعترفتَ بأنك ارتكبت شيئًا خاطئًا، وبعد ذلك تغير سلوكك بحيث بدا أنك لم تعد ترتكب الخطأ نفسه، لكنك لم تتخلص من شخصيتك الفاسدة والسبب الأصلي للخطأ لم يُحل، فماذا ستكون النتيجة؟ ستظل حتمًا تكشف عن شخصية فاسدة وتتمرد على الله وتعارضه. لا تفترض أن بعض التغييرات السلوكية القليلة تعادل تغييرًا في شخصيتك. إن معرفة الذات مسألة لا نهاية لها؛ إذا لم يستطع المرء أن يعرف الأسباب الأصلية لشخصيته الفاسدة أو أين يكمن أصل تمرده على الله ومعارضته، فلن يتمكن من تحقيق تغيير في شخصيته. وهذا هو الأمر الصعب في تغيير شخصية المرء. لماذا الكثير من الناس الذين يؤمنون بالله يغيرون سلوكهم فقط وليس شخصيتهم الحياتية؟ هنا تكمن المشكلة. إذا اعترفت بأن ما تكشف عنه هو شخصية فاسدة تسببت في أن تتصرف كما يحلو لك، وتتخذ قرارات تعسفية، ولا تتعاون بانسجام مع الآخرين، وتضع نفسك فوق الآخرين، ثم بعد الاعتراف بهذه الأشياء، تعترف أيضًا أنها ناجمة عن شخصية متغطرسة، فما الفائدة التي سيجلبها هذا لك؟ عندئذ فقط سوف تتأمل حقًا في هذه الأمور، وتدرك أن الشخصية الفاسدة هي السبب الأصلي لمعارضة الله، وهي دليل قاطع على إفساد الشيطان للبشرية. وستُدرك أنه إذا لم يتخلص الإنسان من هذه الشخصية الفاسدة، فإنه لا يستحق أن يُدعى إنسانًا ولا يستحق العيش أمام الله. لكن إذا لم تعترف إلا بأنك فعلت شيئًا خاطئًا، فماذا ستكون النتيجة؟ لن تفعل سوى أنك ستركز على الطريقة التي تفعل بها الأشياء وتبذل الجهد لتُصححها، وعلى كيفية القيام بالأشياء بحيث تبدو مناسبة سطحيًّا، وكيفية إخفاء الكشف عن شخصيتك المتغطرسة. ستصبح أكثر خداعًا، والأساليب التي تستخدمها لغش الآخرين ستصبح أكثر تعقيدًا. سوف تفكر: "لقد ارتكبت خطأً هذه المرة، ورأى الجميع ذلك لأنني لم أكن حذرًا. لن أكون هكذا في المرة القادمة". والنتيجة هي أنه بينما الطريقة التي تفعل بها الأشياء قد تغيرت سطحيًّا، والآخرون لا يستطيعون رؤية أي مشاكل، فإنك قد أخفيت شخصيتك الفاسدة. ماذا أصبحت؟ لقد أصبحت أكثر خداعًا وأصبحت منافقًا. إذا ركز المرء على الطريقة التي يتكلم بها ويتصرف وبذل جهدًا في ذلك بحيث لا يمكن لأحد ظاهريًّا أن يرى فيهما أي مشاكل أو يجد عيوبًا، وبدت أفعاله خالية من العيوب، لكنه لم يغير شخصيته الفاسدة على الإطلاق، ألا يصبح فريسيًا؟ في حين أن التصرف بنفاق قد يخدع الناس، فهل يمكن أن يخدع الله؟ ماذا يعني السعي إلى الحق بالضبط؟ إنه يشير في المقام الأول إلى السعي لتغيير شخصية المرء. إذا لم يعرف المرء شخصيته الفاسدة أبدًا، فمن المستحيل أن يوجد ثمة تغيير في شخصيته. وفي نفس الوقت الذي يعترف فيه بأن لديه شخصية فاسدة، عليه أيضًا أن يقبل الحق، ويتأمل فيما أخطأ فيه بالضبط وفيما فشل، ثم يطلب الحق لحل مشاكله. بهذه الطريقة فقط يمكن للمرء أن يتخلص تدريجيًّا من شخصيته الفاسدة، ويمارس الحق في أداء واجباته، ويتصرف وفقًا للمبادئ. وبقيامه بذلك، سوف يدخل إلى واقع الحق. وفقط أولئك الذين يمكنهم طلب الحق وممارسته هم الذين يسعون وراء الحق. إنهم هم الذين يمكنهم بذل الجهد باستمرار في ممارسة الحق والتصرف وفقًا للمبادئ، والذين يمكنهم تلخيص اختباراتهم واستخلاص الدروس. وبمجرد أن يمارسوا الحق ويدخلوا إلى الواقع، وتكون لديهم مبادئ في أفعالهم، ويرتكبون أخطاء أقل، سيصبحون تدريجيًّا مناسبين لأن يستخدمهم الله. إذا لم يكن المرء شخصًا يسعى إلى الحق، فبصرف النظر عن كيفية انغماسه في حديث فارغ عن معرفته بذاته، أو كيفية وصفه لذاته بأنه إبليس وشيطان، فإنه في نهاية المطاف، لن يطبق الحق. إذن، ما الفرق بين الاثنين؟ أحدهما يعترف بشخصيته الفاسدة، ويطلب مبادئ الحق، ويمارس بما يتوافق مع الحق – هذا هو طريق السعي إلى الحق. أما الآخر فلا يعترف بأن لديه شخصية فاسدة ولا يقبل حقيقة شخصيته الفاسدة، وبدلًا من ذلك يبذل جهدًا في الطريقة التي يفعل بها الأشياء. لكن ذلك لا يُغير سوى سلوكه الظاهري، ولا يوجد تغيير في شخصيته الحياتية، مما يجعل سلوكه أكثر غشًا. هل ما يمارسه هذا النوع من الناس يتماشى مع مبادئ الحق؟ إنه لا يصل إلى هذا المستوى على الإطلاق ولا يقترب منه حتى. إن ما يفعلونه هو التنكر والتظاهر والغش، وهدفهم هو أن يغشوا شعب الله المختار. إنهم لا يمارسون الحق، لكنهم ما يزالون يريدون من الجميع أن يمدحونهم ويستحسنونهم ويؤيدونهم حتى يكون لهم مكانة في الكنيسة. أليس هذا مظهرًا من مظاهر التنكر والغش؟ إنهم يتنكرون ويغطون أنفسهم ويركزون على كيفية كسب ود الآخرين. هل ثمة أي مبادئ للحق في هذه الطريقة في فِعل الأشياء؟ كلا على الإطلاق؛ فهذا يستند بالكامل على تخيلات العقل البشري، والأساليب البشرية، والفلسفات البشرية للتعاملات الدنيوية، وهو ما يزال عيشًا وفقًا لشخصية شيطانية. ممارسة النفاق هذه تنتمي إلى روحانية زائفة؛ إنها خداع للناس وهي تفتقر حتى إلى أدنى درجة من واقع الحق.
لماذا بعض الناس، الذين يبدو أيضًا أنهم يؤدون واجباتهم مثل الآخرين، يظهرون فجأة ويصدمون الناس بارتكاب شر عظيم في النهاية؟ هل يمكن لحدوث مثل هذا الشيء أن يتحقق في يوم أو يومين فقط؟ كلا، على الإطلاق. فثلاثة أقدام من الجليد لا يمكن أن تتجمد في يوم واحد. ظاهريًّا، يبدو أنهم يحسنون التصرف وأنهم بسطاء، ولا يمكن لأحد أن يجد لديهم أي عيب، ولكن في النهاية، فإن الأشياء السيئة التي يقومون بها تكون أكثر تطرفًا وإثارة للدهشة من تلك التي يقوم بها أي شخص آخر. يقوم بهذه الأشياء أولئك الذين يُقال إنهم "يحسنون التصرف". هل تعرفون ما الصفة المشتركة بين هذه الأنواع من الناس؟ (يظهر أن لديهم سلوكًا حسنًا، وعادة ما يبدون حسني الأخلاق). إن ما يعيشونه وجوهر طبيعتهم يتسمان بصفتين متميزتين – هل يمكنكم استيعاب هذه النقاط الرئيسية. (إنهم لا يحبون الحق ولا يعترفون بشخصياتهم الفاسدة. وعندما يتحدثون عن معرفة ذواتهم، فإنهم يتنكرون ويتصرفون بنفاق). التصرف بنفاق هو أحد جوانب هذا، فكيف يمكنك اكتشاف وتأكيد أن أولئك الأشخاص منافقون؟ كيف يمكنك تأكيد أن هذه السلوكيات الحسنة التي يعيشون بحسبها– هي مجرد تظاهر؟ (ظاهريًّا، يتحدثون بشكل لطيف للغاية، ولكن في أفعالهم الحقيقية، يحمون مصالحهم الخاصة دون مراعاة لمصالح بيت الله). هذا هو المظهر المحدد للتصرف بنفاق. على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص المنافقين يتحدثون بشكل لطيف، فإنهم في الواقع يغشون الناس ويضللونهم. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم يكشفون عن أنانيتهم ودناءتهم، ويحمون مصالحهم الخاصة فقط، ولا يراعون مصالح بيت الله؛ فهم يريدون أن يعيشوا كالبغايا بينما لا يزالون يتوقعون نُصبًا تذكاريًّا لعفتهم. كل هذا يمثل جوهر طبيعتهم، الخالي من أي إنسانية. لقد ذكرت للتو أن جوهر طبيعتهم يتسم بصفتين متميزتين. الصفة الأولى هي أن هذه الأنواع من الناس غالبًا ما يصرخون بشعارات ويتحدثون عن التعاليم كما لو كانوا روحانيين على نحو عميق، لكنهم في الواقع لا يحبون الحق على الإطلاق، وبدون حب الحق، من المستحيل عليهم ممارسته. وبناء على هذه النقطة، أليس ما ذكرتوه سابقًا عنهم من أنهم لا يراعون سوى مصالحهم الخاصة هو أحد هذه المظاهر؟ لماذا يراعون مصالحهم الخاصة؟ هل يحبون الحق؟ (إنهم لا يحبون الحق؛ بل يحبون المصالح فقط). إنهم يحمون مصالحهم الخاصة فقط، ولا يراعون على الإطلاق مصالح بيت الله أو الإخوة والأخوات. أليس هذا هو سلوك عدم محبة الحق على الإطلاق؟ يقول بعض الناس "إذا كانوا لا يحبون الحق، فلماذا يعقدون الشركة دائمًا عن أمور متعلقة بالحق؟". كيف تفسرون ذلك؟ (إنهم يفعلون ذلك لإثارة إعجاب الآخرين، والتنكر، والتأنق). هذه ناحية واحدة من الأمر، لكن إلى جانب ذلك، هل هم في الواقع يعقدون شركة حول الحق؟ هذا ليس الحق على الإطلاق؛ إنها مجرد كلمات وتعاليم. إذا كان من الواضح أنها مجرد كلمات وتعاليم، فكيف يمكن أن تُسمى بالحق؟ الحمقى فقط هم الذين يساوون الكلمات والتعاليم بالحق. الأبالسة ماهرون للغاية في التحدث بالكلمات والتعاليم لتضليل الناس، ويريدون أيضًا التظاهر بأنهم أشخاص لديهم الحق من أجل أن يغشوا الآخرين والله. بصرف النظر عن مدى سمو الكلمات والتعاليم التي يتحدث بها الناس، فهي ليست الحق؛ فقط الكلمات التي تحدث بها الله هي الحق. كيف يمكن ذِكر الكلمات والتعاليم التي يتحدث بها البشر في اللحظة نفسها التي يُذكر فيها الحق؟ إنهما شيئان مختلفان. هذا هو الجانب الأول، وهو أن هؤلاء الناس ليس لديهم أي حب على الإطلاق للحق. هل هذا الجانب هو جوهر طبيعتهم؟ (نعم). لماذا نقول إنه جوهر طبيعتهم وليس مجرد كشف أو سلوك مؤقت؟ ذلك لأننا عندما ننظر إلى كشفهم - وسلوكياتهم كلها، يمكن أن نستنتج أن جوهر إنسانيتهم هو أنهم لا يحبون الحق على الإطلاق. وبسبب هذه السلوكيات المختلفة، يمكن تحديد أنهم أناس لا يحبون الحق. هذه هي الصفة الأولى. والآن، ما الصفة الثانية؟ هي أن هؤلاء الناس لا يعترفون بشخصياتهم الفاسدة على الإطلاق. ماذا يعني أنهم لا يعترفون بها على الإطلاق؟ إذا قيل إنهم لا يعترفون بشخصياتهم الفاسدة، فلماذا يتحدثون دائمًا عن معرفة ذواتهم؟ وهم لا يكتفون بالحديث عن معرفة ذواتهم، بل إنهم أيضًا – بلا خجل – يساعدون الآخرين على معرفة ذواتهم. كما أنهم غالبًا ما يقولون إنهم لا يفعلون ما يكفي، وأنهم مَدينون لله، وأنهم أبالسة وشياطين ويستحقون اللعنة. كيف يمكن تفسير ذلك؟ (عندما يتحدثون عن معرفة ذواتهم، فإنَّ ذلك لا ينطوي على محتوى أو تفاصيل حقيقية. لا ينطوي – مثلًا – على محتوى عملي يتعلق بالفساد الذي قد كشفوا عنه، والنوايا الخاطئة التي يضمرونها، والشخصيات الفاسدة التي تسيطر عليهم، والمظاهر المحددة التي لديهم، وجوهر الطبيعة الذي ينتمون إليه، وما إلى ذلك. هم فقط يقولون بشكل مُبهم إنهم أبالسة وشياطين دون التعبير عن مشاعر وفهم حقيقيين). (إنَّ إحدى نتائج معرفة الذات حقًا هي أن يتمكن المرء من كره الذات حقًا. هذه الأنواع من الناس يعترفون لفظيًّا بفسادهم، لكنهم لا يكرهون ذواتهم على الإطلاق في قلوبهم، ويجدون أيضًا جميع أنواع الأسباب للدفاع عن ذواتهم وتبريرها. في بعض الأحيان، لا يفسرون ذواتهم ظاهريًّا، لكنهم داخليًا لا يقبلون بفسادهم ولا يعترفون به. إنهم غير قادرين تمامًا على قبول الحق، ولا يتغيرون على الإطلاق). إنهم لا يعترفون بفسادهم – كيف يمكن تفسير ذلك؟ (عندما يصيبهم شيء وينكشفون، يشعرون أنهم غير قادرين على فعل مثل هذا الشيء، ومن ثمَّ لا يعترفون بأن لديهم هذا النوع من الشخصية الفاسدة). يتحدث هذا النوع من الناس دائمًا عن معرفة ذواتهم، ولكن ما الذي يعرفونه تحديدًا؟ هل يعرفون سلوكياتهم ومظاهرهم، أم يعرفون شخصياتهم الفاسدة؟ أم أنهم يعرفون فقط الأشياء التي فعلوها بشكل خاطئ؟ ثمة فرق كبير بين هذه الأنواع من المعرفة. بعض أنواع المعرفة حقيقي، بينما بعضها سطحي ويفتقر إلى الجوهر. إن معرفة بعض الناس سطحية بدرجة أكبر حتى من ذلك، ولا يعرفون إلا الأشياء التي أخطأوا في فعلها، أو يعترفون بما فعلوه من الأشياء التي كانت مخالفة للأخلاق أو القانون. هذا لا يختلف عن اعتراف المتدينين بالذنب أمام الرب؛ وهذا لا يؤدي إلى توبة حقيقية. يوجد أيضًا بعض الأشخاص الذين يتحدثون فقط عن بعض التعاليم عندما يتحدثون عن معرفة ذواتهم، أو يحاكون ما يقوله الآخرون عن معرفة الذات. هذا شكل أكبر حتى من أشكال التنكر والغش. لماذا لا يعرف هؤلاء الناس ذواتهم حقًا؟ السبب الأكثر أهمية هو أنهم لا يقبلون الحق أبدًا، لذا فإن جميع أفعالهم وسلوكياتهم تستند بالكامل إلى تفضيلاتهم الخاصة، وفلسفتهم الشيطانية، ومصالحهم وطموحاتهم ورغباتهم. في أعماق قلوبهم، لا يرون أن طموحاتهم ورغباتهم فاسدة؛ فأي شيء يحتاجون إليه ليس فاسدًا، لذلك يفعلون ما يريدون أيًا كان، ويفعلون كل ما يحلو لهم. عند الحكم على ذلك من نقطة بداية أفعالهم، هل يعترفون بفسادهم؟ (إنهم لا يعترفون به). كيف يتصرف الأشخاص الذين يعترفون بفسادهم؟ هل يتصرفون من خلال طلب مبادئ الحق، أم يكتفون بالصلاة والتأمل ويفعلون الأشياء وفقًا لما يدور في أذهانهم؟ ما الذي يتبعونه من بين هذين الخيارين؟ (إنهم يطلبون مبادئ الحق). إذن، من خلال النظر إلى تصرفات تلك الأنواع المذكورة أعلاه من الناس، من الواضح أنهم يفعلون دائمًا ما يريدون. إنهم يؤمنون بأن كلمات الله موجهة للآخرين وينقلون التعاليم التي يفهمونها للآخرين، مما يعني أنهم يجعلون الآخرين يتصرفون وفقًا لكلمات الله، وهم بذلك يلمحون إلى ما يلي: "أنتم جميعًا تكشفون عن فساد، لكنني أطلب الحق في كل ما أفعله وقلما أكشف عن أي فساد". هل هؤلاء الناس يعرفون ذواتهم حقًا؟ إنهم لا يجرؤون على الاعتراف بفسادهم؛ هذه هي حقيقة الأمر. إنهم يعتقدون أن دفع الثمن، إضافة إلى التحدُث أكثر قليلًا، وتحمُل المزيد من المعاناة، أو حتى التخلي عن ذواتهم وبذل كل شيء لديهم من أجل إرضاء طموحاتهم ورغباتهم، كلها أمور تتماشى مع الحق وصائبة. لو سألتهم، "بما أن جميع البشر لديهم فساد، ألا تخشى أن تكون مخطئًا عندما تفكر بهذه الطريقة؟"، لقالوا: "لا، لا بأس. أنا لست خائفًا. أنا على صواب في نواياي". انظروا كيف يعتبرون طموحاتهم ورغباتهم ونواياهم شيئًا إيجابيًّا. هل تعترف هذه الأنواع من الناس بفسادها؟ (كلا، إنهم لا يعترفون به). من منظور موضوعي، هم ببساطة لا يعترفون بفسادهم. هل يمكن لشخص لا يعترف بفساده أن يتوب بصدق؟ (كلا، لا يمكنه ذلك). بالتأكيد لن يتوب، لن يفعل ذلك أبدًا. هل لديهم خضوع حقيقي؟ (كلا). الأدهى من ذلك أنهم لا يعرفون حتى ما هو الحق، فكيف يمكنهم الخضوع؟ كل ما يخضعون له هو طموحاتهم ورغباتهم الخاصة. إنهم يعيشون حياتهم بالكامل من خلال القيام بجميع الأمور وفقًا لرغباتهم الخاصة، ويتحدثون ويتصرفون ويختارون طريقهم بناء على إرادتهم فقط، دون أن يطلبوا الحق أبدًا. يقول بعض الناس: "إنهم لا يطلبون الحق أبدًا، فلماذا يستمعون إلى العظات؟". الاستماع إلى العظات لا يعني بالضرورة أنهم قادرون على طلب الحق؛ فهذا مجرد جانب واحد من الإيمان بالله. إذا لم يستمعوا إلى العظات أو يحضروا الاجتماعات، ألن يُكشفون حينئذٍ؟ لذلك، من الضروري لهم أن يخوضوا هذه العملية، لكن الاستماع إلى العظات لا يعني أنهم أشخاص يقبلون الحق أو يعترفون بفسادهم؛ لا يمكن للمرء أن يصل إلى هذا الاستنتاج. إن اعتراف المرء بفساده ليس بالأمر اليسير، ومن الصعب أن يقوم به الأشخاص الذين لا يحبون الحق.
ذكرنا للتو أن الأشخاص الذين لا يعرفون ذواتهم يتسمون بصفتين متميزتين: الأولى هي أنهم في الأساس لا يحبون الحق، والأخرى هي أنهم لا يعترفون أبدًا أن لديهم شخصيات فاسدة. إذن، ما مدى بُعدكم عن معرفة ذواتكم؟ (في الوقت الحالي، لم نزل لا نعرف ذواتنا، ولم نصل إلى نقطة كراهية ذواتنا). أنتم بعيدون جدًا. إن معرفة الذات تعني في المقام الأول معرفة المرء لشخصيته الفاسدة، وتفضيلاته، وآرائه وسلوكياته الخاطئة. هذا هو الأمر الأساسي، أما الجوانب الأخرى لمعرفة الذات فهي ثانوية. لا يمكنك قبول الحق حقًا وتحقيق توبة صادقة إلا عندما تعترف أن شخصيتك فاسدة، وأن لديك كل أنواع جوهر الطبيعة ومظاهر الفساد التي كشفها الله في الناس، وعندما يمكنك سردها على وجه التحديد والاعتراف بأن هذه الحقائق والسلوكيات والمظاهر المحددة كلها لا تتماشى مع الحق، وكلها ضد الله، وكلها يكرهها الله. في أيامنا هذه، عندما يزعم الناس قبول الحق، فإنهم يعترفون به في التعاليم فقط وفي تغيير سلوكياتهم إلى حد ما. ولكن بعد ذلك، يظلون يعيشون بحسب شخصيات شيطانية فاسدة، ويعيشون وفقًا لفلسفة الشيطان؛ إنهم لا يتغيرون على الإطلاق. تغييرات السلوك لا تمثل تغييرات في الشخصية. لكي يغير المرء شخصيته، لا بد أن يعرف جوهر طبيعته وشخصيته الفاسدة – هذه هي خطوة البداية. الشخص الذي لا يدرك سوى أن أفعاله إشكالية، أو أنه ليس شخصًا صالحًا، أو أنه إبليس وشيطان، لا يزال بعيدًا عن معرفة جوهر طبيعته وتغيير شخصيته.
اقتباس 45
غالبًا ما توجد داخل الإنسان بعض الحالات السلبية، ومنها ما يمكن أن يؤثر في الناس أو يقيدهم، حتى إنَّ ثمة حالات يمكن أن تجعل شخصًا ما يحيد عن الطريق الحق ويتخذ الاتجاه الخطأ. إنَّ ما يسعى إليه الناس، وما يولونه الانتباه، والمسار الذين يختارون اتباعه، كلها أمور تتعلق بحالاتهم الداخلية. وما إذا كان الأشخاص ضعاف أم أقوياء يرتبط أيضًا بحالاتهم الداخلية، على نحو مباشر بدرجة أكبر حتى مما سبق. فعلى سبيل المثال، يركِّز العديد من الناس الآن تركيزًا خاصًا على يوم الله. وكلهم لديهم هذه الرغبة: إنهم يتوقون إلى أن يحلَّ يوم الله بسرعة لكي يحرروا أنفسهم من هذه المعاناة، ومن هذه الأمراض، ومن هذا الاضطهاد، وغير ذلك من أنواع الألم. يعتقد الناس أنه عندما يحلُّ يوم الله، سيتخلصون من الألم الذي يعانون منه الآن ولن يَشقُوا أبدًا من أي صعوبات بعد ذلك، وسيستمتعون بالبركات. إذا سعى المرء إلى فهم الله أو طلب الحق انطلاقًا من هذه الحالة الداخلية أو ما شابهها، فإنَّ التقدم الذي سيشهده في حياته سيكون محدودًا للغاية. فعندما يواجه أي عقبة أو يحلُّ به أي شيء غير سار، سيظهَر كل ما بداخله من ضَعف وسلبية وتمرُّد. ولهذا، إذا كانت حالة الشخص غير طبيعة أو غير صحيحة، فإنَّ هدف سعيه سيكون هو أيضًا غير صحيح، ومن المؤكد أنه سيكون غير نقي. إنك تجاهد إلى الدخول انطلاقًا من حالات غير صحيحة، وتظن رغم ذلك أنك تبلي بلاءً حسنًا في مسعاك، وأنك تفعل الأشياء بما يتماشى مع متطلبات الله وتمارس وفقًا للحق. أنت لا تعتقد أنك خالفت نوايا الله أو انحرفت عن مشيئته. قد يكون ذلك هو شعورك، لكن عندما يتسبب لك حدث كريه أو بيئة كريهة في قدْرٍ من المعاناة، ويمس مواطن ضعفك والأشياء التي تحبها في صميم قلبك وتطلبها، ستصبح سلبيًا، وستذهب كل آمالك وأحلامك سدى، وستصبح ضعيفًا بطبيعة الحال. لذا فإنَّ حالتك الحالية تحدِّد ما إذا كنت قويًا أم ضعيفًا. ثمة الكثير من الأشخاص يشعرون الآن أنهم أقوياء إلى حد كبير، وأنَّ لهم قدْرٌ من القامة، وأنَّ إيمانهم صار أكبر من ذي قبل. يعتقدون أنهم قد وضعوا أول خطاهم على الطريق الصحيح للإيمان بالله، وأنهم لا يحتاجون إلى آخرين ليرشدوهم على هذا الطريق أو يحفزوهم خلاله. فلماذا، في هذه الحالة، يصبحون سلبيين أو ضعاف عندما يواجهون بيئات معينة أو يَلقون صعوبات؟ ولماذا إذن يشْكُون وينتهي بهم الأمر وقد تخلوا عن إيمانهم؟ هذا يوضح أنه توجد حالات سلبية وغير طبيعية داخل كل شخص. ثمة شوائب في الإنسان ليس من السهل التخلص منها؛ حتى إذا كنت شخصًا يطلب الحق فلا يمكنك التخلص منها تمامًا. لا بد من فعل هذا بناءً على إعلان كلمة الله. بعد تأمل الأشخاص لحالاتهم وفهمها، عليهم مقارنتها بكلمة الله، وعلاج شخصياتهم الفاسدة. حينها فقط ستتغير حالاتهم تدريجيًا. ليس الأمر أن بوسع الناس تغيير حالاتهم فور قراءة كلمات الله ومعرفة تلك الحالات. ما دام الناس كثيرًا ما يقرؤون كلمات الله، ويرون حالاتهم بوضوح، ويُصلُّون إلى الله ويسعون جاهدين في طلب الحق، فعندما يتدفق منهم الفساد أو عندما يصبحون في حالة غير طبيعية في المستقبل، سيكونون قادرين على تمييزها والصلاة إلى الله واستخدام الحق لحل المشكلة، وحينها يمكن أن تنعكس حالاتهم الخاطئة ويستطيعون التغيُّر تدريجيًا. وبهذه الطريقة، سيكونون قادرين على التخلي عن الشوائب وتلك الأشياء التي ينبغي التخلي عنها والتي يحملها الناس داخلهم. ولا بد أن يصل الناس إلى مستوى معين من الاختبار قبل أن يمكن تحقيق النتائج.
إنَّ كثير من الناس – منذ بداية إيمانهم بالله – يَطلبون البركات بناءً على مفاهيمهم الخاصة وتصوراتهم، ومن ثمَّ يصبحون سلبيين وضعفاء حين يَلقون أمورًا لا تتماشى مع مفاهيمهم. وحينها يبدؤون في الشك بالله، بل يَخلقون تصورات عن الله أو مفاهيم مغلوطة. إن لم يعقد أحد شراكة عن الحق معهم، فلن يكونوا قادرين على الثبات، وقد يخونون الله في أي وقت. دعوني أضربَ لكم مثالًا على هذا. لنقل إنَّ ثمة شخصًا كانت لديه دائمًا مفاهيم وتصورات في إيمانه بالله. هذا الشخص يعتقد أنه ما دام يتخلى عن عائلته ويؤدي واجبه، فإنَّ الله سيحميه ويباركه، وسيرعى حياة عائلته، وأنَّ هذا ما يجب على الله فعله. وذات يوم، يحلُّ بهذا الشخص شيء لم يكن يتمناه؛ كأن يصيبه المرض. إنَّ العيش مع عائلته المضيفة ليس مريحًا كالعيش في بيته، وربما لا يعتنون به جيدًا للغاية أيضًا. لا يستطيع التحمُّل، ويغدو سلبيًا وقانطًا لفترة طويلة، وهو لا يطلب الحق أيضًا، ولا حتى يعترف به. هذا يعني أنَّ الناس لديهم في داخلهم حالات معينة؛ وإذا لم يميزوا أنَّ هذه الحالات خاطئة أو إذا لم يدركوا ذلك أو يشعروا به، فرغم أنهم ربما لا يزال لديهم شغف ويسعون كثيرًا، فسوف يواجهون في وقت ما ظرفًا يكشف حالتهم الداخلية الحقيقية، ويتسبب في تعثرهم وفشلهم. وهذا ما يَنتج عن عدم قدرتك على التفكُّر في نفسك أو معرفتها. كل مَن لا يفهمون الحق على هذه الشاكلة؛ إنك لا تعرف أبدًا متى سيتعثرون ويفشلون، أو متى سيصبحون سلبيين وضعفاء، أو متى قد يكونون قادرين على خيانة الله. فانظر مدى الخطر الذي لا بد لمَن لا يفهمون الحق من مواجهته! غير أنَّ فهم الحق ليس بالأمر البسيط. إنما يَلزم الكثير من الوقت قبل أن تربح أخيرًا ومضة من الضوء، وقبل أن تمتلك قدرًا من المعرفة الحقيقية، وقبل أن تفهم قدرًا من الحق. إذا كانت نواياك الداخلية ملوثة للغاية ولا يمكن علاجها، فإنها دائمًا ما ستطفئ هذا المقدار الصغير من نور فهمك، وستأكل ما لديك من قدر صغير من الإيمان، وهذا بالطبع شيء خطير. إنَّ المشكلة الأساسية الآن أنَّ في قلوب الناس جميعًا مفاهيم وتصورات معينة عن الله، لكنهم لا يعترفون بها قبل أن تنكشف؛ فهي مخفية في دواخلهم، ولن تعرف أبدًا في أي وقت ستظهر هذه المفاهيم والتصورات ولا في أي ظروف ستظهر وتتسبب في تعثرهم. فعلى الرغم من أنَّ جميع الناس لديهم تطلعات حسنة ويرغبون في أن يكونوا مؤمنين صالحين ويربحوا الحق، فإنَّ نواياهم ملوثة للغاية، كما أنَّ لديهم الكثير من المفاهيم والتصورات التي تعوقهم بدرجة كبيرة عن طلب الحق وربح الدخول إلى الحياة. إنهم يرغبون في فعل هذه الأشياء لكنهم لا يستطيعون. فعلى سبيل المثال، من الصعب على الناس الخضوع عندما يهذبهم الله ويتعامل معهم؛ فعندما يختبرهم الله أو ينقيهم، يرغبون في أن يجادلوا مع الله. ومتى ما أصابهم مرض أو حلَّت بهم كارثة، فإنهم يلومون الله على عدم حمايته إياهم. كيف يمكن لمثل هؤلاء الناس اختبار عمل الله؟ إنهم حتى لا يمتلكون قلبًا مطيعًا لله من الأساس، فكيف يمكنهم أن يربحوا الحق؟ بعض الأشخاص يصبحون سلبيين عندما لا تجري أبسط الأمور على هواهم، فيتعثرون بسبب أحكام أناس آخرين عليهم ويخونون الله عندما يُعتقلون. صحيحٌ بالفعل أن المرء لا يدري أبدًا ما يحمله المستقبل، أهو سعادة أم خراب؟ كل شخص بداخله شيء ما يريد طلبه والحصول عليه. فالناس لديهم أشياء يحبونها، وقد يؤدي طلب الناس للأشياء التي يحبونها إلى جلب التعاسة عليهم، لكنهم لا يشعرون بهذا، ويظلون على اعتقادهم بأنَّ الأشياء التي يسعون إليها ويحبونها صائبة، وأنه ليس ثمة خطأ في هذه الأشياء. على الرغم من ذلك، إذا أصابتهم التعاسة ذات يوم، وأُخِذَت منهم الأشياء التي يطلبونها ويحبونها، فسيصبحون سلبيين وضعفاء، غير قادرين على الصمود. لن تكون لديهم معرفة بما حدث وسيلومون الله على ظلمه، وسيتجلى حينئذٍ قلبهم الذي ينطوي على خيانة الله. إذا لم يعرف الناس أنفسهم، فإنهم لن يعرفوا ما هو كعب أخيل لديهم، ولن يعرفوا الموَاطن التي يسهل أن يتعثروا فيها أو يفشلوا. إنه أمر مؤسف حقًا؛ ولهذا نقول إنه إذا لم يعرف المرء نفسه، فقد يتعثر أو يفشل في أي وقت، ويجلب نهايته بيديه.
لقد قال كثير من الناس: «إنني أفهم كل عناصر الحق، لكنني لا أستطيع ممارستها». وهذا القول يعبر عن أصل السبب الذي يجعل الناس لا يمارسون الحق. أي نوع من الناس هؤلاء الذين يفهمون الحق لكنهم لا يستطيعون ممارسته؟ وحدهم مَن يسئمون الحق ويكرهونه هم الذين لا يستطيعون ممارسته بالطبع، وهذه مشكلة في طبيعتهم. فالأشخاص الذين يحبون الحق حتى وإن لم يفهموه، سيتصرفون وفقًا لضميرهم ولن يفعلوا أي شر. إذا كانت طبيعة المرء قد سئمت الحق، فلن يتمكن أبدًا من ممارسته. فالأشخاص الذين سئموا من الحق لا يؤمنون بالله إلا لنيل البركات، لا من أجل طلب الحق ونيل الخلاص. حتى إذا أدوا واجبهم، فلا يكون ذلك طلبًا للحق، وإنما يفعلون ذلك كليًّا لنيل الخلاص فحسب. فعلى سبيل المثال، بعض الأشخاص المضطهدَين الذين لا يستطيعون العودة إلى ديارهم يفكرون في قرارة أنفسهم بما يلي: «إنني مضطهَد ولا أستطيع العودة إلى دياري بسبب إيماني بالله. سيعوضني الله بديار أفضل ذات يوم؛ فهو لن يتركني أعاني سدى»، أو ربما يفكرون مثلًا: «حيثما كنت سيرزقني الله بطعام آكله، ولن يدعني أسير في طريق مسدود؛ لو أنه تركني في طريق مسدود لما كان هو الإله الحقيقي. لم يكن الإله ليفعل هذا». ألا توجد مثل هذه الأشياء في دواخل البشر؟ بعض الأشخاص أيضًا يقولون: «لقد تخليت عن عائلتي لأبذل نفسي من أجل الله، ولا ينبغي أن يسلمني الله إلى أيدي ذوي السلطة. لقد طلبت الحق بحماس شديد، ويجب أن يحميني الله ويباركني. إننا نتلهف للغاية إلى أن يحل يوم الله، ولهذا ينبغي أن يحل يوم الله بأسرع ما يمكن. ينبغي أن يلبي الله أمنيات الإنسان». الكثير من الناس يفكرون بهذه الطريقة؛ أليست هذه رغبة الإنسان المبالَغ فيها؟ لطالما كانت للبشر مطالبٌ مبالَغ بها من الله، إذ يفكرون دائمًا على النحو التالي: «لقد تخلينا عن عائلاتنا للقيام بواجباتنا، ولهذا يجب أن يباركنا الله. لقد تصرفنا وفقًا لمطالب الله، ولهذا يجب أن يكافئنا الله». كثير من الأشخاص لديهم مثل هذه الأشياء في قلوبهم بينما يؤمنون بالله. إنهم يرون أشخاصًا آخرين يهجرون عائلاتهم ويتخلون عن كل شيء لكي يبذلوا أنفسهم من أجل الله بسهولة شديدة، فيدور في أذهانهم: «لقد تركوا عائلاتهم منذ فترة طويلة، فكيف لا يشتاقون إلى ديارهم؟ كيف يتغلبون على هذا؟ ولماذا لا أستطيع أنا التغلب على هذا؟ لماذا لا أستطيع التخلي عن أسرتي؛ زوجي (أو زوجتي) وأبنائي؟ ما السبب في أنَّ الله سخي معهم وليس سخيًا معي؟ لماذا لا يمنحني الروح القدس النعمة أو يقيم معي؟» ما هذه الحالة؟ إنَّ الناس يفتقرون بشدة إلى العقل؛ لا يمارسون الحق ثم يتذمرون من الله ولا يفعلون ما يجب عليهم فعله. يجب على الناس اختيار طريق طلب الحق، لكنهم ضجرون من الحق ويشتهون الملذات الجسدية، ودائمًا ما يسعون إلى نيل البركات والتمتع بالنعمة، بينما يتذمرون أثناء ذلك كله من أنَّ مطالب الله من الإنسان تتسم بالمغالاة الشديدة. إنهم لا يبرحون يسألون الله أن يكون سخيًا معهم وأن يُنزل عليهم مزيدًا من النعمة، وأن يتيح لهم الشعور بالملذات الجسدية؛ فهل هؤلاء أشخاص يؤمنون بالله صدقًا؟ إنهم يفكرون في أنفسهم: «لقد تخليتُ عن عائلتي لأؤدي واجبي وعانيت الكثير للغاية. ينبغي أن يكون الله سخيًا معي، كيلا أشتاق إلى بيتي ولكي تكون لدي العزيمة للتخلي. ينبغي أن يمنحني الله القوة وحينها لن أصبح سلبيًا وضعيفًا. غيري من الأشخاص قوي للغاية، ويجب أن يجعلني الله قويًا أيضًا» هذه الكلمات التي يتحدث بها الناس تفتقر كليًّا إلى العقل والإيمان. وهم يتحدثون بها لأنَّ مطالبهم الباهظة لم تتحقق، مما جعلهم ساخطين على الله. هذه كلها أشياء تتدفق من قلوبهم وهي تمثل طبيعتهم تمثيلًا كاملًا. إنها أشياء توجد لدى الأشخاص، وإذا لم يتخلصوا منها فإنها قد تؤدي بالناس إلى التذمر على الله وإساءة فهمه في أي زمان أو مكان. ربما يجدف الناس على الله وقد يهجروا الطريق الحق في أي لحظة وفي أي مكان. هذا طبيعي للغاية. فهل ترون هذا الأمر بوضوح الآن؟ لا بد أن يعرف الناس الأشياء التي تنبع من طبيعتهم. هذا أمر خطير للغاية يحتاج إلى التعامل معه بحرص، لأن هذا يتعلق بما إذا كان الناس يستطيعون التمسك بشهادتهم أم لا، وما إذا كان بإمكانهم نيل الخلاص في إيمانهم بالله أم لا. بالنسبة إلى الأشخاص الذين يفهمون قدرًا من الحق، إذا أدركوا أنَّ هذه الأشياء تنبع منهم، وإذا فحصوا هذه المشكلة عندما اكتشفوها وأخرجوها إلى النور، فسيكونون قادرين على حلها. وإذا لم يدركوا أنَّ هذه الأشياء تنبع منهم، فلا سبيل أمامهم لحل هذه المشكلة، ولن يمكنهم سوى انتظار إعلان الله أو انكشاف الحقائق. إنَّ الأشخاص الذين لا يحبون الحق لا يقدِّرون التفكُّر في الذات حق قدره؛ هم دائمًا ما يعتقدون أنه ليس بالأمر المهم، وسيتمادون في هذا الاعتقاد بالتفكير بينهم وبين أنفسهم: «الجميع على هذه الشاكلة، وليس التذمر قليلًا بالأمر الجلل. سيسامحنا الله على هذا ولن يتذكره». إنَّ الناس لا يعرفون كيف يتفكرون في ذواتهم أو كيف يطلبون الحق لحل المشكلات، ولا يمكنهم ممارسة أي من هذه الأشياء. إنهم مشوشو التفكير وكسولون للغاية، كما أنهم متواكلون ويميلون إلى الانغماس في التخيلات. إنهم يتلهفون: «يومًا ما سيجلب الله فينا تغييرًا شاملًا، ولن نعود بعد ذلك كسولين على هذا النحو، سنصبح قديسين تمامًا، وسنتطلع إلى قدرة الله». هذا تصور وهمي وغير واقعي بحق. إذا كان لشخص أن يتفوه بمثل هذا النوع من المفاهيم والتصورات بعد سماع الكثير من العظات، فإنه لا يمتلك المعرفة بشأن عمل الله، وهو لا يزال حتى اليوم لا يرى بوضوح كيف يخلِّص الله البشر. إنَّ مثل هؤلاء الأشخاص جاهلون للغاية. ما السبب في أنَّ بيت الله يعقد شراكة على الدوام بشأن معرفة المرء لنفسه ومعرفة شخصيات الله؟ لأنَّ هذا أمر ضروري لكل شخص. إذا كنت فعلًا ترى بوضوح كيف يخلِّص الله الناس، فينبغي أن تركز على معرفة نفسك، وينبغي أن تنخرط كثيرًا في تأمل الذات، حينها فحسب سيكون لديك دخول حقيقي إلى الحياة. هل ستكون قادرًا على طلب الحق عندما تدرك أنك تكشف عن فساد؟ هل ستكون قادرًا على أن تصلي إلى الله وتهمِل الجسد؟ هذا شرط أساسي لممارسة لحق، وهي خطوة ضرورية. إذا استطعت في كل شيء يحدث لك وفي كل شيء تفعله، أن تكون مدركًا لكيفية الممارسة بما يتماشى مع الحق، فستكون ممارسة الحق سهلة عليك وسيكون لديك دخول إلى الحياة. لكن إذا لم تكن قادرًا على معرفة نفسك، فكيف لحياتك أن تتقدم؟ إذا كنت، حين تصبح سلبيًا وضعيفًا، لا تتفكر في نفسك وتكتسب معرفة عن نفسك أو إذا كنت لا تصلي إلى الله، فإنَّ هذا لا يثبت إلا أنك لا تحب الحق، وأنك لست بالشخص الذي يسعى إلى الحق، وأنك لن تكون قادرًا أبدًا على أن تنال الحق.
سابقًا، كان بعض الناس يعتقدون: «إننا نتلهف إلى السقوط الحثيث للتنين الأحمر العظيم، ونأمل أن يحل يوم الله بسرعة. أليست هذه مطالب مشروعة؟ أليس التلهف إلى مجيء يوم الله قريبًا هو نفسه التلهف إلى أن يُجلَب المجد إلى الله بأسرع ما يمكن؟» إنهم خلسةً يجدون طرقًا لطيفة في الظاهر ليعبِّروا بها عن هذا، لكنهم في حقيقة الأمر لا يتمنون هذه الأشياء إلا لأنفسهم. ما الذي كانوا سيتلهفون إليه إن لم يكونوا يفعلون ذلك من أجل مصلحتهم؟ كل ما يتمناه الناس هو أن يتحرروا بسرعة من بيئاتهم التعسة وهذا العالم المؤلم. ثمة أشخاص على وجه التحديد يرون الوعود التي مُنِحت من قبل إلى أبكار الله، وينتابهم عطش شديد لذلك. وهم يشعرون – متى ما قرأوا تلك الكلمات – وكأنهم يروون ظمأهم بالنظر إلى سراب. إنَّ الرغبات الأنانية الموجودة داخل الإنسان لم تنثنِ تمامًا بعد، ولهذا سيظل طلبك للحق فاترًا دائمًا مهما كانت الطريقة التي تفعل ذلك بها. كثير من الناس الذين لا يطلبون الحق يتوقون دومًا إلى أن يحل يوم وصول الله، كي يتخلصوا من معاناتهم ويستمتعوا ببركات ملكوت السماء. وعندما لا يحل هذا اليوم، يحترقون بالألم، وتجد بعضهم يصرخون: «متى سيحل يوم الله؟ إنني لم أتزوج بعد، ولا أستطيع الانتظار أكثر من ذلك! عليَّ أن أكون بارًا بوالديَّ، ولا يمكنني التحمل أكثر من ذلك! ولا أزال في حاجة إلى إنجاب أبناء كي يعتنوا بي عندما أكبر في السن! ينبغي أن يسرع يوم الله بالمجيء! لنصلِّ كلنا معًا بأن يأتي!» كيف يمكن لهؤلاء الناس الذين يطلبون الحق أن يتبعوا الطريق بأكمله حتى الآن دون التذمر بشكوى واحدة؟ أليست كلمة الله ما يهديهم ويدعمهم؟ ثمة الكثير من النقائص داخل البشر، فهل من المجدي لهم ألا يقبلوا التنقية؟ كيف يمكنهم أن يتغيروا دون المعاناة؟ تنبغي تنقية الناس حتى درجة معينة، وينبغي أن يكونوا راغبين في الخضوع لترتيبات الله، دون التذمر بشكوى واحدة أخرى؛ وحينها سيتغيرون كليًا.
اقتباس 46
في البشر الفاسدين، جوهر طبيعة الناس هو نفسه، بخلاف الشياطين المعاد تجسدهم أو أولئك الذين تتملكهم أرواح شريرة. بعض الناس يحبون دائمًا دراسة الأرواح التي تكون لدى الأنواع المختلفة من الناس بداخلهم، لكن هذا ليس واقعيًا؛ إذ يمكن للتركيز على هذا أن يؤدي بسهولة إلى انحرافات. بعض الناس يشعرون دائمًا أن ثمة خطب في أرواحهم لأنهم اختبروا بعض الأحداث الخارقة للطبيعة، بينما يعتقد آخرون أن روحهم بها مشكلة لأنهم لا يستطيعون التغيير أبدًا. وفي الواقع، بغض النظر عما إذا كانت روح الشخص بها مشكلة أم لا، فإن الطبيعة البشرية هي نفسها؛ فهي تقاوم الله وتخونه. مدى فساد الناس هو نفسه أيضًا إلى حد كبير، وكذلك هي القواسم المشتركة في طبيعتهم. بعض الناس دائمًا يشتبهون في أن روحهم بها خطب ما ويتساءلون، "كيف أمكنني أن أفعل مثل ذلك الشيء؟ لم أكن لأتصور ذلك! أثمة خطب في روحي؟" هم حتى يشكوا فيما إذا كانوا مُختارين من الله، ونتيجة لذلك يصبحون سلبيين أكثر وأكثر. وبعض الناس يستوعبون الأشياء على نحو خالص، ومهما كان ما فعلوه، فإنهم يركزون فقط على طلب الحق والتأمل في أنفسهم بما يتوافق مع كلمات الله: "كيف أمكنني أن أفعل هذا؟ ما الشخصية التي كشفت عنها؟ ما الطبيعة التي تتحكم فيها؟ كيف يمكنني التصرف بما يتماشى مع الحق؟" ومن خلال التأمل في نفسك على هذا النحو، يكون من السهل فهم الحق وإيجاد مسار للممارسة، وكذلك تحقيق المعرفة بالذات. تختلف مسارات الجميع وأساليبهم في فحص الذات؛ فبعضهم يركز على طلب الحق ومعرفة أنفسهم، بينما يركز آخرون دائمًا على أشياء غامضة وغير واقعية، مما يجعل من الصعب التقدم ومن السهل الوقوع في السلبية. يجب عليك الآن أن تفهم أنه بغض النظر عن ماهية روحك، فلا أحد يستطيع أن يرى الأشياء المتعلقة بالروح أو يلمسها، لذا فإن الانتباه إلى هذا كثيرًا جدًا سيعوق الأمور فحسب. الشيء الرئيسي الذي يجب التركيز عليه هو جوهر طبيعة البشر، والذي يتعلق بتمييز الناس، وإذا كان بإمكانك تمييز جوهر طبيعة الناس، فيمكنك تمييز الناس أنفسهم. رؤية ما الأشياء التي توجد في جوهر طبيعة المرء بوضوح، وما الشخصيات الفاسدة التي يمكن الكشف عنها، وما جوانب الحق اللازمة لحلها؛ هذا هو الأكثر أهمية للتركيز عليه عند الإيمان بالله. فقط من خلال اختبار عمل الله بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يربح الحق ويطهر شخصيته الفاسدة. لكن كيف يعرف المرء نفسه؟ كيف يعرف المرء طبيعته الخاصة؟ يمكن للمرء أن يرى ما جوهر طبيعته وفقًا للشخصيات التي يكشف عنها من خلال أفعاله، لذا فإن المفتاح لمعرفة المرء لنفسه هو معرفة الشخصية الفاسدة الخاصة به. من خلال هذا فقط سيكون المرء قادرًا على فهم جوهر طبيعته، ورؤية المرء لهذا بوضوح تعني فهمه لنفسه تمامًا. إن معرفة المرء لنفسه مهمة عميقة، والمفتاح لما إذا كان من الممكن أن يُخلَّص شخص ما هو كيفية معرفة نفسه. فقط عندما يعرف الشخص نفسه يمكنه أن يتوب حقًا، وأن يقبل الحق بسهولة، وأن يخطو على المسار إلى الخلاص. محال لأولئك الذين لا يعرفون أنفسهم أن يقبلوا الحق، ناهيك عن أن يتوبوا حقًا. لذا، فإن القضية الرئيسية هي فهم المرء لشخصيته الفاسدة. قطعًا لا تسعوا إلى الروحانية الزائفة؛ فالتركيز دائمًا على ماهية روح الشخص يجعل من السهل الانحراف ومن السهل تضليل الناس أو إيذائهم. من الواقعي للناس أن يركزوا على معرفة أنفسهم، وفهم شخصيتهم الفاسدة، ورؤية جوهر طبيعة الإنسان بوضوح، وكل هذا سيكون مفيدًا لحل مشكلة الشخصية الفاسدة، ولسعي الناس إلى الحق ونيل خلاص الله.
إنَّ جوهر طبيعة البشر – بعد أن أفسدهم الشيطان – هو نفسه في الأساس، مع اختلافات طفيفة فقط. هذا لأن الجميع لديهم السلف نفسه، ويعيشون في العالم نفسه، وقد اختبروا الفساد نَفْسَه. فكلهم لديهم الأشياء المشتركة نفسها. ومع ذلك، بعض الناس قادرون على القيام بأمر معين في بيئة معينة، والبعض الآخر قادرون على القيام بأمور أخرى في بيئات أخرى؛ بعض الناس مثقفون إلى حدٍ ما، وقد تلقوا التعليم، والبعض الآخر غير مثقفين، وهم لم يتعلموا؛ بعض الناس لديهم رؤية معينة بشأن الأشياء، والبعض الآخر لديهم رؤية مختلفة بشأن الأشياء؛ بعضهم يعيش في بيئة اجتماعية من نوع ما، والبعض الآخر يعيش في بيئة اجتماعية من نوع آخر، ولديهم تقاليد موروثة وعادات معيشية مختلفة. غير أن جوهر الأشياء التي تُكشَف داخل طبيعة الإنسان هو نفسه. لذلك، ليس ثمة حاجة إلى أن تشغل نفسك دائمًا بشأن نوع الروح الذي لديك، أو أن تقلق دائمًا بشأن ما إذا كانت روحًا شريرة. هذا شيء لا يمكن للإنسان الوصول إليه؛ الله وحده يستطيع أن يعرف هذا، ولن يجدي الإنسان نفعًا أن يعرفه، حتى وإن استطاع. ليس هناك فائدة من الرغبة الدائمة في تشريح المرء لروحه أو التدبر فيها؛ هذا شيء يفعله أجهل الناس وأكثر مَن هم مشوشو الذهن. لا تشك في نفسك عندما تفعل شيئًا خاطئًا أو تذنب بطريقة ما، قائلًا: "أثمة خطب في روحي؟ هل هذا عمل روح شريرة؟ كيف أمكن أن أفعل شيئًا بمثل تلك السخافة؟" بغض النظر عما تفعله، يجب عليك أن تنظر في طبيعتك لتجد جذر المشكلة، وأن تطلب الحقائق التي يجب على الناس الدخول فيها. إذا فحصت روحك، فسينتهي بك الأمر خالي اليدين؛ حتى إذا عرفت نوع الروح التي بداخلك، فلن تتمكن من معرفة طبيعتك، ولن تتمكن من حل مشاكلك. لذلك، بعض الناس يتحدثون دائمًا عن ماهية الروح التي لديهم وكأنهم روحانيين بشكل استثنائي أو محترفين، بينما هم في الواقع هواة بدرجة أكبر وأكثر حماقة. بعض الناس يتحدثون بطريقة روحانية على نحو خاص، معتقدين أن كلماتهم عميقة جدًا، وأن الناس العاديين لن يفهموها. ويقولون: "من المهم جدًا أن نفحص ماهية أرواحنا. إذا لم تكن لدينا أرواح بشرية، فلن يمكن أن نُخلَّص رغم أننا ربما نكون نؤمن بالله. يجب ألا ندع الله ينفر منا." بعض الناس يصيرون مسمَّمين ومضلَّلين عندما يسمعون هذا، شاعرين على نحو عميق أن هذه الكلمات معقولة، ويبدؤون في فحص ما يكون نوع الروح الذي لديهم. ونظرًا لأنهم يولون إلى أرواحهم مثل ذلك الانتباه الخاص، فإنهم يصبحون عُصابيين، فاحصين أرواحهم عند القيام بأي شيء، وفي نهاية المطاف يكتشفون مشكلة: "لماذا أخالف الحق في كل شيء أفعله؟ لماذا ليس لديَّ قدر ضئيل حتى من الإنسانية أو العقل؟ لا بد أنني روح شريرة." في الواقع، بطبيعة سيئة وبدون الحق، كيف يمكن للإنسان أن يفعل أي شيء يتماشى مع الحق؟ مهما كانت أفعالهم جيدة، فهم لا يزالون لا يطبقون الحق، ولا يزالون معادين لله. طبيعة الإنسان سيئة وقد أفسدها الشيطان وقام بمعالجتها؛ هم ببساطة ليس لديهم شبه الإنسان، وهم يتمردون على الله تمامًا ويقاومونه، وهم بعيدون جدًا عن الله إلى درجة أنهم لا يمكنهم بأية حال فعل أي شيء يتوافق مع مقاصد الله. لا يوجد شيء في طبيعة الإنسان الفطرية متوافق مع الله. هذا كله واضح.
بعض الناس دائمًا حساسون بشكل مفرط ويلحقون أهمية عظيمة لما إذا كان لديهم فهم روحي، أو لأي نوع من الأرواح ينتمون، وكل هذا بينما ينحون جانبًا مسألة فهم طبيعتهم. هذا يشبه التقاط بذور السمسم فقط لتخسر بطيخة. أليست حماقة أن تتمسك بالوهمي بينما تهمل الحقيقي؟ في هذه السنوات من الدراسة، هل فهمت تمامًا الأشياء المتعلقة بالروح أو مسائل النفس؟ هل رأيت ما شاكلة روحك؟ إذا لم تتعمق إلى ماهية جوهر الطبيعة عميقًا في نفسك وكنت دائمًا تدرس روحك بدلاً من ذلك، فهل ستنتج دراستك أي نتائج؟ أليس هذا مثل شخص أعمى يضيء شمعة ويهدر الشمع؟ إنكم تضعون جانبًا صعوباتكم الحقيقية ولا تفكرون في كيفية علاجها، ودائمًا ما تستخدمون طرقًا معوجة ودائمًا تتدبرون بشأن نوع الروح الذي لديكم، لكن هل يمكن لهذا أن يعالج أي مشكلة؟ إذا كنت تؤمن بالله، لكنك لا تسعى إلى الحق، ولا تشارك أبدًا في العمل الصادق لكنك تدرس روحك دومًا، فأنت الشخص الأكثر حماقة. الناس الأذكياء حقًا لديهم الموقف التالي: "بغض النظر عما يفعله الله أو كيف يعاملني، وبغض النظر عن مدى عمق فسادي أو الشاكلة التي عليها إنسانيتي، سأظل ثابتًا في عزمي على السعي إلى الحق وطلب معرفة الله." فقط من خلال معرفة الله يمكن للمرء أن يعالج شخصيته الفاسدة ويتمِّم واجبه لإرضاء مقاصد الله؛ هذا هو الاتجاه لحياة الإنسان، هذا ما يجب أن يطلب البشر تحقيقه، وهو المسار الوحيد إلى الخلاص. الآن، فإنَّ ما هو واقعي يتمثل في السعي إلى الحق، ومعرفة طبيعتك الفاسدة، وفهم الحق للتخلص من شخصيتك الفاسدة، والقدرة على أداء واجبك جيدًا بما يرضي الله. الدخول إلى واقع الحق والعيش بحسب شبه شخص حقيقي؛ هذا ما هو واقعي. ما هو واقعي هو محبة الله، والخضوع لله، والشهادة لله. هذه هي النتائج التي يريدها الله. ليس من المفيد البحث في الأشياء التي لا يمكن لمسها ولا رؤيتها. ليس لها أي علاقة بما هو واقعي، وليس لها أيضًا علاقة بتأثيرات عمل الله. بما أنك الآن تعيش في جسم مادي، فيجب عليك السعي إلى فهم الحق، وأداء واجبك جيدًا، وأن تكون شخصًا صادقًا، وأن تغير شخصيتك. هذه كلها أشياء يمكن لمعظم الناس تحقيقها.
من الواضح أن بعض الناس لديهم عمل أرواح شريرة، وهي ربما تتملكهم. هل يمكن لشخص مثل هذا أن يُخَلص من خلال الإيمان بالله؟ هذا يصعب القول به، وهو يتوقف على ما إذا كانوا يتصرفون بعقلانية ولديهم حالة عقلية طبيعية. الأهم على الإطلاق هو ما إذا كانوا يستطيعون فهم الحق وتطبيقه أم لا. إذا لم يتمكنوا من تلبية هذا المعيار، فمحالٌ أن يمكن تخليصهم. الآن، أنتم جميعًا لديكم عقل طبيعي، وتتحدثون بشكل طبيعي، ولم تختبروا أي ظواهر خارقة أو غير طبيعية. بالرغم من أن حالاتكم تكون أحيانًا غير طبيعية قليلاً وبعض طرقكم في القيام بالأشياء تكون خاطئة، فإن هذه كلها كشوفات عن طبيعة بشرية. في الواقع، هذا هو الحال نفسه أيضًا بالنسبة لآخرين- كل ما في الأمر أنَّ خلفية كشوفاتهم وتوقيتها تختلف فحسب. الآن يبدو أنَّ لديكم قدر قليل من القامة، وبعد سماع الآخرين يتحدثون عن أمور وتعبيرات بشأن الروح، فإنكم تحاكونهم وتتبعونهم كما لو أنكم أنفسكم تفهمون مسائل الروح جيدًا، وأن الواحد منكم شخص عظيم للغاية. الله وحده يعرف مسائل العالم الروحي ويتحكم فيها، وسيكون جيدًا بما فيه الكفاية إذا استطاع الناس فهم ولو قدر قليل من كلماته؛ فكيف يكون ممكنًا لأي شخص أن يفهم العالم الروحي تمامًا؟ أليس من السهل أن يضل المرء بالتفكير في مثل هذه الأشياء دائمًا؟ الناس جميعًا في هذه الأيام لديهم هذه الحالة بداخلهم. على الرغم من أنكم ربما لا تناقشون هذه المسائل بجدية على الدوام، وربما لا تصبحون ضعفاء أو تسقطون بسببها، فلا يزال من الممكن أن تتأثروا مؤقتًا بتلك الكلمات من الآخرين. على الرغم من أنكم قد لا تولون اهتمامًا كبيرًا لهذا النوع من المسائل، فإنكم ما تزالون عرضة للتركيز على هذه الأشياء المتعلقة بالروح في قلوبكم، وإذا جاء اليوم الذي ترتكبون فيه حقًا بعض الأخطاء، وتعانون انتكاسة وتعثرًا، فستشكون حينها في أنفسكم، قائلين: "هل روحي أيضًا خاطئة؟" إنكم لا تشكون أبدًا في المعتاد، وتعتقدون أن الآخرين سخيفون عندما ترونهم غارقين في الشك. لكن إذا جاء يوم تُهذب فيه، أو قال شخص آخر إنك الشيطان، أو إنك روح شريرة، فستصدق ذلك حينها، ومثله تمامًا ستغرق في الشك، غير قادر على انتشال نفسك. في الواقع، معظم الناس عرضة لهذه المشكلة، إذ يرون أنَّ أمور الروح بالغة الأهمية ويهملون أمورًا مثل فهم طبيعتهم الخاصة أو دخول الحياة. هذا يجعلهم منفصلين تمامًا عن الواقع وهو انحراف اختباري.
عليكم جميعًا الانتباه إلى معرفة طبيعتكم الخاصة، وأي من جوانب طبيعتكم يمكن أن تتسبب بسهولة في أن تفعلوا أشياء خاطئة أو أن تضلوا، ويجب عليكم – بناءً على هذا – تلخيص الاختبارات والدروس. وخاصة فيما يتعلق بالخدمة، واختبار الحياة، ومعرفة طبيعتكم الخاصة، فإنَّ تطوير معرفة أعمق بشكل تدريجي هو وحده ما سيمكنكم من فهم حالتكم الخاصة والنمو في الاتجاه الصحيح. إذا استطعتم امتلاك هذه الجوانب من الحق وجعلها جزءًا من حياتكم الداخلية، فستكونون ثابتين بدرجة أكبر كثيرًا، ولن تعودوا تصدرون ملاحظات غير مسؤولة وعشوائية حول أشياء لا تفهمونها، وستركزون على واقع كلماتكم، وستقدمون الشركة حول أشياء حقيقية. عندما يكتسب الناس معرفة أعمق بطبيعتهم الخاصة وفهمًا أعمق للحق، سيتحدثون حينها بحس من الرزانة بدرجة أكبر، ولن يعودوا يتحدثون عشوائيًا. أولئك الذين بدون الحق دائمًا ما يكونوا بسطاء العقول، ويجرؤون على قول أي شيء؛ حتى إنَّ هناك بعض الناس الذين – عندما ينشرون الإنجيل – لا يترددون في اتباع الناس المتدينين والتحدث بالتجديف على الله، من أجل ربح عدد أكبر قليلًا من الناس. ليس لديهم فكرة عن ماهيتهم، ولا يفهمون طبيعتهم الخاصة، ولا يتقون الله. يعتقد بعض الناس أن هذا ليس بالأمر الكبير، ولكن هل هو حقًا ليس بالأمر الكبير؟ عندما يأتي اليوم الذي يدركون فيه خطورة المشكلة، سيصبحون خائفين. كم هو شيء مروع أنهم قد فعلوا هذا! لا يمكنهم إدراك جوهر هذه المسألة، حتى إنهم يعتقدون أنهم حكماء للغاية ويفهمون كل شيء، لكنهم لا يدركون أنهم يسيئون إلى الله ولا يدركون كيف أنهم سَيهلكون. من العبث لك أن تفهم جميع المسائل المتعلقة بالجحيم أو العالم الروحي إذا لم تعرف طبيعتك الخاصة. الأمر الأساسي الآن هو علاج صعوبات معرفة المرء لذاته ومعرفة المرء لجوهر طبيعته. عليك أن تفهم كل واحدة من الحالات التي تكشف عنها طبيعتك- إذا لم تتمكن من ذلك، فإن أي فهم آخر عديم الفائدة؛ كله عديم الفائدة بغض النظر عن مدى تشريحك لنفسك لرؤية أي نوع من الروح أو النفس لديك. الأمر الأساسي هو فهم مختلف الأشياء في طبيعتك التي توجد فعليًا في داخلك. الآن، بغض النظر عن نوع الروح التي بداخلك، أنت الآن شخص ذو تفكير طبيعي، لذا يجب عليك السعي لفهم الحق وقبوله. إذا كنت تستطيع فهم الحق، فينبغي لك التصرف وفقًا له؛ هذا هو واجب الإنسان. إن التدبر في مسائل الروح هو ببساطة ليس ذا فائدة لك، وهو غير مُجدٍ ولا منفعة منه. في الوقت الحاضر، الناس الذين لديهم عمل الأرواح الشريرة يُكشفون في الكنائس في كل مكان. هؤلاء الناس لا يزال لديهم أمل إذا كان يمكنهم استيعاب الحق، ولكن إذا لم يكن يمكنهم استيعاب الحق ولا قبوله، فلا يمكن إلا إخراجهم. إذا تمكن المرء من استيعاب الحق، فهذا يظهر أنه لا يزال لديه عقل طبيعي، وإذا فهم المزيد من الحقائق، فلن يتمكن الشيطان من تضليله أو التحكم فيه، وثمة أمل في أن يُخلَّص. إذا كان المرء تتملكه الشياطين وعقله ليس طبيعيًا جدًا في معظم الوقت، فحينها يكون قد انتهى أمره تمامًا ولا بد من إخراجه لتجنب جلب مشاكل. بالنسبة لأي شخص لديه عقل طبيعي نسبيًا، بغض النظر عن الروح التي بداخله، مادام أن لديه القليل من الفهم الروحي، ويمكنه فهم الحق وقبوله، فإن لديه أمل في الخلاص. على الرغم من أن الإنسان قد لا يكون لديه القدرة على قبول الحق، فإنه إذا استمع بفعالية إلى العظات، وكان قادرًا على الفهم والاستيعاب عند تقديم شركة عن الحق، ولديه تفكير طبيعي ولم يكن عبثيًا، فإنه لديه أمل في تحقيق الخلاص. لكنه يؤسفني أنه سيكون هناك أناس يفتقرون إلى الفهم الروحي أو لا يفهمون الكلمات البشرية، ولا يمكنهم الفهم مهما كانت كيفية تقديم الآخرين شركة عن الحق معهم؛ هؤلاء الناس مزعجون ولا يمكنهم حتى أن يكونوا عمالًا. علاوةً على ذلك، يجب على الذين يؤمنون بالله أن يركزوا فقط على الحق وسعيهم إليه. لا ينبغي لهم أن يستمروا في التركيز على الحديث عن الروح، أو دراستها، أو فهمها؛ هذا عبثي وسخيف. الأمر المهم الآن هو ما إذا كان شخص ما يمكنه قبول الحق، وفهمه، والدخول إلى الوقائع. هذا مهم، لكن ما إذا كان يمكن للمرء أن يعرف نفسه ويتأمل فيها، وما إذا كان شخصًا يفهم طبيعته الخاصة، ذلك هو الأهم! إنَّ دراسة ماهية روحك أمر لا معنى له ولا قيمة على وجه الخصوص. إذا كنت دائمًا تدرس أشياء مثل ماهية روحك الخاصة، وما يجري في نفسك، وما الروح التي لديك، وما إذا كانت روحك من الدرجة العالية أم من الدرجة المنخفضة، ومن أي روح قد تناسخت، وكم عدد المرات التي جئت فيها من قبل، وما ستكون عاقبتك النهائية، أو ما يحمله المستقبل؛ فدراسة هذه الأشياء دائمًا سيتداخل مع المسائل الهامة. حتى إذا كنت تدرسها بشكل شامل، عندما يفهم الآخرون الحق ذات يوم ويدخلون في الواقع، لن يكون لديك شيء. ستكون قد تدخلت في المسائل الهامة وجلبت ذلك على نَفْسِكَ. ستكون قد سلكت الطريق الخطأ وآمنت بالله سُدى. من ستلوم حينذاك؟ لا فائدة من لوم أي شخص؛ ذلك كله بسبب جهلك.