37. ما هو اتقاء الله والحيدان عن الشر
كلمات الله القدير في الأيام الأخيرة
يجب أن يعرف المخلوق الأصيل مَنْ هو الخالق، والهدف من خلق الإنسان، وكيفية تنفيذ مسؤوليات المخلوق، وكيفية عبادة رب الخليقة كلها، ويجب أن يفهم مقاصد الخالق وآماله ومطالبه ويستوعبها ويعرفها ويهتم بها، ويجب أن يتبع طريقة الخالق – أي أن يتقي الله ويحيد عن الشر.
ما هو اتقاء الله؟ وكيف يحيد المرء عن الشر؟
لا يعني "اتقاء الله" خوفًا ورعبًا مجهولاً، ولا تجنبًا ولا تهرُّبًا، ولا عبادة عمياء أو خرافةً. بل هو إعجاب وتقدير وثقة وفهم واهتمام وخضوع وتكريس ومحبة، وأيضًا عبادة ومكافأة وتسليم غير مشروط وبلا تذمر. بدون معرفة أصيلة بالله، لن يكون لدى البشرية إعجاب وثقة وفهم واهتمام أو خضوع أصيل، وإنّما مجرد الرهبة وعدم الارتياح والشكّ وسوء الفهم والمراوغة والإعراض. وبدون معرفة أصيلة بالله، لن يكون لدى البشرية تكريس ومكافأة أصيلان، وبدون معرفة أصيلة بالله، لن يكون لدى البشرية عبادة وتسليم أصيلان، بل مجرد العبادة والخرافة العمياء. وبدون معرفة أصيلة بالله، لا يمكن للبشرية أن تتبع طريق الله أو تتقي الله أو تحيد عن الشر. بل على النقيض، سيكون كل سلوك ونشاط ينخرط فيه الإنسان مملوءًا بالتمرد والتحدي، وبأحكام وافتراضات افترائية عن الله، وبسلوك سيء يخالف الحق والمعنى الحقيقي لكلام الله.
بعد أن ينال البشر ثقة حقيقية بالله، سيكونون صادقين في اتباعه والاعتماد عليه؛ فقط بالثقة الحقيقية في الله والاعتماد عليه، يمكن للبشرية الحصول على فهم وإدراك أصيلين لله؛ ومع وجود إدراك أصيل لله يأتي الاهتمام الحقيقي به؛ فقط من خلال الاهتمام الحقيقي بالله يمكن للبشر أن يكون لديهم خضوع أصيل؛ وفقط من خلال الخضوع الأصيل لله يمكن للبشرية أن يكون لديها تكريس أصيل؛ وفقط من خلال التكريس الأصيل لله يمكن للبشرية أن يكون لديها مكافأة غير مشروطة وبلا تذمر؛ فقط من خلال الثقة والاعتماد الأصيلين، والفهم والاهتمام الأصيلين، والخضوع الأصيل، والتكريس والمكافأة الأصيلين، يمكن للبشرية أن تفهم شخصية الله وجوهره، وتعرف هوية الخالق؛ فقط عندما يعرفون الخالق حقًّا، يمكن للبشر إيقاظ العبادة والتسليم الأصيلين بداخلهم؛ فقط عندما يكون لديهم عبادة وتسليم حقيقيان للخالق، يمكن أن يكونوا قادرين حقًّا على التخلي عن طرقهم الشريرة، أي الحيدان عن الشر.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. تمهيد
الآن، يريد جميع الناس أن يصبحوا أشخاصًا يتقون الله ويحيدون عن الشر، فما المقصود بطريق اتقاء الله والحيد عن الشر؟ يمكن القول إنه يشتمل على السعي إلى الخضوع لله، والخضوع له بالكامل وبشكل مطلق. ويتضمن الخوف من الله واتقاءه بحقّ دون أي عوامل خداع أو مقاومة أو تمرد، وأن تكون نقيَّ القلب ومخلصًا تمامًا لله وخاضعًا له، يجب أن يكون الإخلاص والخضوع هذان مطلقين لا نسبيين؛ فهما لا يعتمدا على الزمان أو المكان أو على سن الشخص. هذا هو طريق اتقاء الله والحيد عن الشر. في أثناء مثل هذا السعي ستتعرف تدريجيًّا إلى الله وتختبر أعماله، وستشعر بعنايته وحمايته، وتحس بحقيقة وجوده، وتشعر بسيادته، وأخيرًا ستشعر حقًّا بأن الله في كل الأشياء، وبأنه بجانبك تمامًا، ستحظى بهذا النوع من الإدراك. إن لم تتبع طريق اتقاء الله والحيد عن الشر فلن تربح معرفة هذه الأشياء أبدًا.
– الكلمة، ج. 3. محادثات مسيح الأيام الأخيرة. الإنسان هو المستفيد الأكبر من خطة تدبير الله
كان أيُّوب كاملًا، يتّقي الله ويحيد عن الشرّ وكان يمتلك ثروةً كبيرة ومكانةً مُوقّرة. بالنسبة لشخصٍ عاديّ يعيش في بيئةٍ كهذه وفي ظلّ مثل هذه الظروف، سوف يكون أسلوب حياة أيُّوب ونوعيّتها ومختلف جوانب حياته الشخصيّة محطّ أنظار معظم الناس؛ ومن ثمَّ، ينبغي علينا مواصلة قراءة الكتاب المُقدّس: "وَكَانَ بَنُوهُ يَذْهَبُونَ وَيَعْمَلُونَ وَلِيمَةً فِي بَيْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي يَوْمِهِ، وَيُرْسِلُونَ وَيَسْتَدْعُونَ أَخَوَاتِهِمِ ٱلثَّلَاثَ لِيَأْكُلْنَ وَيَشْرَبْنَ مَعَهُمْ. وَكَانَ لَمَّا دَارَتْ أَيَّامُ ٱلْوَلِيمَةِ، أَنَّ أَيُّوبَ أَرْسَلَ فَقَدَّسَهُمْ، وَبَكَّرَ فِي ٱلْغَدِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى عَدَدِهِمْ كُلِّهِمْ، لِأَنَّ أَيُّوبَ قَالَ: "رُبَّمَا أَخْطَأَ بَنِيَّ وَجَدَّفُوا عَلَى ٱللهِ فِي قُلُوبِهِمْ". هَكَذَا كَانَ أَيُّوب يَفْعَلُ كُلَّ ٱلأَيَّامِ" (أيوب 1: 4-5). ... وحيثما يصف الكتاب المُقدّس وليمة أبناء أيُّوب وبناته، فإنه لا يذكر أيُّوب؛ يكتفي بالقول إن أبناءه وبناته يأكلون ويشربون معًا. وهذا يعني أنه لم يكن يعقد ولائم أو يشترك مع أبنائه وبناته في تناول الطعام بإسرافٍ. ومع ثراء أيُّوب وامتلاكه الكثير من الأموال والعبيد، لم تكن حياته مترفة. لم تخدعه بيئته المعيشيّة الفاخرة، ولم يدفعه ثراؤه إلى أن يُتخِم نفسه بمسرّات الجسد أو ينسى أن يُقدّم محرقات، فضلًا عن أن تتسبب في حيدانه عن الله تدريجيًّا في قلبه. من الواضح إذًا أن أيُّوب كان منضبطًا في أسلوب حياته، ولم يكن جشعًا أو جاريًا خلف الملذات نتيجةً لبركات الله له، ولم يركز على نوعية الحياة، ولكن بدلًا من ذلك، كان أيُّوب متواضعًا بسيطًا، ولم يكن من عادته التباهي، وكان حذرًا وحريصًا أمام الله، وكان كثيرًا ما يُفكّر في نعم الله وبركاته، ويُكنّ باستمرار قلبًا يتّقي الله. كان أيُّوب في حياته اليوميّة كثيرًا ما ينهض مبكّرًا لإصعاد محرقاتٍ عن أبنائه وبناته. وهذا يعني أن أيُّوب لم يكن يتّقي الله وحسب، بل كان يأمل أيضًا أن يتّقي أولاده الله وألا يُخطِئوا أمام الله بالمثل. لم تشغل ثروة أيُّوب الماديّة مكانًا في قلبه، ولم تحلّ محل الله؛ فسواء كان ذلك من أجل نفسه أو أولاده، كانت جميع أعمال أيُّوب اليوميّة مرتبطة باتّقاء الله والحيدان عن الشرّ. لم يتوقّف اتّقاؤه يهوه الله عند مستوى كلام فمه، بل كان شيئًا وضعه موضع التنفيذ، وانعكس في كلّ جانبٍ من جوانب حياته اليوميّة. يُبيّن لنا هذا السلوك الفعليّ من أيُّوب أنه كان صادقًا ويتمتّع بشخصيّةٍ تحبّ العدالة والأمور الإيجابيّة. كان معنى أن أيُّوب يُرسِل ويُصعِد محرقات عن أبنائه وبناته أنه لم يكن مُؤيّدًا لسلوك أولاده أو موافقًا عليه؛ ولكنه بدلًا من ذلك كان قد شعر في قلبه بالنفور تجاه سلوكهم وأدانهم. استنتج أن سلوك أبنائه وبناته لم يكن مُرضيًا ليهوه الله، ولهذا كان كثيرًا ما يدعوهم للذهاب إلى يهوه الله والاعتراف بخطاياهم. تُظهِر لنا أعمال أيُّوب جانبًا آخر من إنسانيّته: فهو لم يسلك قط مع أولئك الذين غالبًا ما يُخطِئون أمام الله ويُجدّفون عليه، ولكنه كان يتجنّبهم ويتفاداهم بدلًا من ذلك. ومع أن هؤلاء الأشخاص كانوا أبناء أيُّوب وبناته، فإنه لم يتخلّ عن مبادئه في السلوك؛ لأنهم كانوا أهله، كما أنه لم يتساهل مع خطاياهم بسبب مشاعره. ولكنه بدلًا من ذلك حثّهم على الاعتراف ونيل غفران يهوه الله، وحذّرهم من ألا يتركوا الله من أجل تنعّمهم الشره. لا يمكن فصل مبادئ كيفيّة تعامل أيُّوب مع الآخرين عن مبادئ اتّقائه الله وحيدانه عن الشرّ. كان يحبّ ما يقبله الله ويلفظ ما يكرهه الله، ويحب أولئك الذين يتّقون الله في قلوبهم ويلفظ أولئك الذين يرتكبون الشرّ أو يُخطِئون أمام الله. ظهرت هذه المحبّة والكراهية في حياته اليوميّة، وكانتا تُمثّلان استقامة أيُّوب في نظر الله. وبطبيعة الحال، هذا هو أيضًا تعبير أيُّوب عن إنسانيّته الحقيقيّة والعيش وفقًا لها في علاقاته مع الآخرين في حياته اليوميّة، والتي ينبغي أن نتعلّم عنها.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)
بعد أن قال الله للشيطان: "هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لَا تَمُدَّ يَدَكَ"، غادر الشيطان، وبعدها بفترةٍ وجيزة تعرّض أيُّوب لهجومٍ مفاجئ وشرس: أولًا، نُهِبَت ثيرانه وحميره، وقُتِلَ بعض خدمه؛ وبعد ذلك، التهمت النيران خرافه وبعض خدمه؛ وبعد ذلك، أُخذت جِماله وقُتِلَ المزيد من خدمه؛ وأخيرًا، مات أبناؤه وبناته. كانت هذه السلسلة من الهجمات هي العذاب الذي عانى منه أيُّوب أثناء الإغواء الأول. وبحسب أمر الله، لم يستهدف الشيطان خلال هذه الهجمات سوى ممتلكات أيُّوب وأولاده، ولم يؤذِ أيُّوب نفسه. ومع ذلك، تحوّل أيُّوب على الفور من رجلٍ غنيّ يمتلك ثروة عظيمة إلى شخصٍ لم يكن لديه أيّ شيءٍ. لم يكن بمقدور أحدٍ أن يقاوم هذه الضربة المفاجئة المذهلة أو التعامل معها تعاملًا صحيحًا، إلا أن أيُّوب أظهر جانبه الاستثنائيّ. يُقدّم الكتاب المُقدّس الوصف التالي: "فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ". كان هذا أول ردّ فعلٍ لأيُّوب بعد سماعه أنه فقد أبناءه وجميع ممتلكاته. في الأساس، لم يبدُ متفاجئًا أو مصابًا بالذعر، فضلاً عن أنه لم يُعبّر عن غضبه أو كراهيته. ترى، إذًا، أنه أدرك بالفعل في قلبه أن هذه الكوارث لم تحدث بالمصادفة أو تسبّبت بها يد الإنسان، وبالطبع لم تكن نتيجة جزاءٍ أو عقاب. بل حلّت عليه تجارب يهوه وكان يهوه هو من أراد أخذ ممتلكاته وأولاده. كان أيُّوب هادئًا جدًّا وصافي الذهن في ذلك الوقت. مكّنته شخصيّته الكاملة المستقيمة من اتّخاذ أحكامٍ وقرارات دقيقة بصورةٍ عقلانيّة وطبيعيّة بخصوص المصائب التي حلّت به، ونتيجةً لذلك، تصرّف بهدوءٍ غير عاديّ: "فَقَامَ أَيُّوبُ وَمَزَّقَ جُبَّتَهُ، وَجَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ، وَخَرَّ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ". "مَزَّقَ جُبَّتَهُ" تعني أنه كان عريانًا ولا يملك أيّ شيءٍ؛ و"جَزَّ شَعْرَ رَأْسِهِ" تعني أنه عاد أمام الله مثل طفلٍ حديث الولادة؛ و"خَرَّ عَلَى ٱلْأَرْضِ وَسَجَدَ" تعني أنه جاء إلى العالم عريانًا وما زال ليس لديه أيّ شيءٍ اليوم وأنه عاد إلى الله مثل طفلٍ حديث الولادة. لم يكن من الممكن لأيّ مخلوقٍ من المخلوقات أن يكون له موقف أيُّوب تجاه كل ما أصابه. إيمانه بيَهْوَه تجاوز عالم الإيمان؛ كان هذا اتّقاؤه الله والخضوع له، ولم يكن بمقدوره شكر الله على ما يعطيه فحسب، بل أيضًا على ما يأخذه منه. وبالإضافة إلى ذلك، تمكّن من أن يأخذ على عاتقه إعادة كل ما يملكه إلى الله، بما في ذلك حياته.
اتّقاء أيُّوب الله والخضوع له مثالٌ للجنس البشريّ، كما أن كماله واستقامته كانا ذروة المثال الإنسانيّ الذي يجب أن يتّسم به الإنسان. مع أنه لم يرَ الله، إلا أنه أدرك أنه موجودٌ بالفعل، وبسبب هذا الإدراك كان يتّقي الله – وبسبب اتقائه الله، استطاع أن يخضع له. سمح لله بأن يأخذ كل ما لديه، ولكنه لم يكن يشتكي، كما أنه سجد أمام الله وأخبره أنه في هذه اللحظة حتّى لو أخذ الله جسده فسوف يسرّه أن يسمح له بذلك دون شكوى. كان سلوكه كله يرجع لشخصيّته الكاملة المستقيمة. وهذا يعني أنه نتيجة لبراءة أيُّوب وأمانته ولطفه، فإنه كان راسخًا في إدراكه واختباره لوجود الله. وعلى هذا الأساس أخضع نفسه ووحّد تفكيره وسلوكه وتصرّفه ومبادئ أعماله أمام الله وفقًا لإرشاد الله له وأعمال الله التي رآها بين جميع الأشياء. ومع مرور الوقت، ولّدت اختباراته فيه اتّقاءً حقيقيًا وفعليًا لله وجعلته يحيد عن الشرّ. كان هذا هو مصدر الاستقامة التي تمسّك بها أيُّوب. كان أيُّوب يتّسم بشخصيّةٍ مستقيمة وبريئة وطيّبة، وكان لديه اختبارٌ فعليّ في اتّقاء الله والخضوع له والحيدان عن الشرّ، بالإضافة إلى معرفة أن "يَهْوَه أَعْطَى وَيَهْوَه أَخَذَ". وبفضل هذه السمات وحدها استطاع الثبات في شهادته وسط هجمات الشيطان الشريرة هذه، وبفضلها وحدها لم يُخيّب أمل الله بل قدّم إجابة مُرضية لله عندما حلّت به تجارب الله.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)
تحمّل أيُّوب ضربات الشيطان، ومع ذلك لم يترك اسم يهوه الله. كانت زوجته أول مَنْ تقدم وهاجمت أيوب، مؤدية بذلك دور الشيطان في هيئة واضحة للعيان. يصف النصّ الأصليّ ذلك على النحو التالي: "فَقَالَتْ لَهُ ٱمْرَأَتُهُ: "أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ ٱللهَ وَمُتْ!" (أيوب 2: 9). كانت هذه هي الكلمات التي قالها الشيطان في شكل إنسانٍ. كانت هجومًا واتّهامًا وإغواءً وإغراءً وتشهيرًا. بعدما فشل الشيطان في مهاجمة جسد أيُّوب، هاجم كماله هجومًا مباشرًا، راغبًا في استخدام ذلك كي يتخلّى أيُّوب عن كماله ويُجدّف على الله ولا يعود ينعم بالحياة. كما أراد الشيطان استخدام هذه الكلمات لإغواء أيُّوب: إذا تخلّى أيُّوب عن اسم يهوه، فلن يكون بعد ذلك بحاجةٍ لتحمّل مثل هذا العذاب، وسوف يمكنه أن يُحرّر نفسه من عذاب الجسد. واجه أيُّوب نصيحة زوجته بتوبيخها قائلًا: "تَتَكَلَّمِينَ كَلَامًا كَإِحْدَى ٱلْجَاهِلَاتِ! أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ، وَٱلشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟" (أيوب 2: 10). كان أيُّوب يعرف هذه الكلمات منذ فترةٍ طويلة، ولكن في هذا الوقت تبرهنت حقيقة معرفة أيُّوب بها.
عندما أشارت عليه زوجته بأن يبارك الله ويموت كانت تقصد: إن إلهك يعاملك هكذا، فلماذا لا تلعنه؟ ماذا تفعل وأنت حيٌّ؟ إلهك يعاملك بمنتهى الظلم وما زلت تقول "فَلْيَكُنِ ٱسْمُ يَهْوَه مُبَارَكًا". كيف يجلب عليك بلية وأنت تبارك اسمه؟ أسرع وتخلّى عن اسم الله ولا تتبعه فيما بعد، ومن ثم ستنتهي متاعبك. في هذه اللحظة ظهرت الشهادة التي أراد الله رؤيتها في أيُّوب. لم يكن ممكنًا لأيّ شخصٍ عاديّ أن يحمل هذه الشهادة، ولا نقرأ عنها في أيٍّ من قصص الكتاب المُقدّس، ولكن الله رآها قبل فترةٍ طويلة من تحدّث أيُّوب بهذه الكلمات. أراد الله أن ينتهز هذه الفرصة ليسمح لأيُّوب بأن يثبت للجميع أن الله كان مُحقًّا. في مواجهة أيُّوب لمشورة زوجته، لم يتخلّ عن كماله ولم يُجدّف على الله، بل قال لزوجته: "أَٱلْخَيْرَ نَقْبَلُ مِنْ عِنْدِ ٱللهِ، وَٱلشَّرَّ لَا نَقْبَلُ؟". هل لهذه الكلمات أهمّيّة كبيرة؟ توجد هنا حقيقةٌ واحدة فقط قادرة على إثبات أهمّيّة هذه الكلمات. إن أهمّيّة هذه الكلمات هي أنها معتمدةٌ من الله في قلبه، وهي ما أراده الله، وما أراد الله أن يسمعه، وهي النتيجة التي كان الله يتوق لرؤيتها؛ هذه الكلمات هي أيضًا جوهر شهادة أيُّوب. وفيها تبرهن كمال أيُّوب وبرّه واتقّاؤه الله وحيدانه عن الشرّ. تكمن قيمة أيُّوب في الكيفيّة التي ظل بها ينطق هذه الكلمات عندما تعرّض للتجربة، وحتّى عندما تغطّى جسمه كلّه بالقروح المؤلمة، وعندما تحمّل العذاب الشديد، وعندما أشارت عليه زوجته وأقاربه. وهذا معناه أن أيُّوب، في قلبه، كان يعتقد أنه مهما كان نوع الإغواء، أو مدى بشاعة المآسي أو العذاب، وحتّى إذا كان سيواجه الموت، فإنه لن يُجدّف على الله أو يرفض طريق اتّقاء الله والحيدان عن الشر. ترى، إذًا، أن الله كان يشغل أهمّ مكانةٍ في قلبه، وأنه لم يُوجد سوى الله في قلبه. ولهذا السبب نقرأ أوصاف عنه في الكتاب المُقدّس مثل: "فِي كُلِّ هَذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ". ليس فقط أنه لم يخطئ بشفتيه، ولكن في قلبه لم يشتكِ من الله. لم يقل كلمات مؤذية عن الله، ولم يخطئ إلى الله. لم يكتفِ فمه بمباركة اسم الله وحسب، ولكنه بارك اسم الله في قلبه أيضًا. كان فمه وقلبه واحدًا. كان هذا أيُّوب الحقيقيّ الذي رآه الله، ولهذا السبب عينه كان الله يُقدّر أيُّوب.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (2)
لماذا كان أيوب قادرًا على اتقاء الله والحيدان عن الشرّ؟ ما الذي كان يفكّر فيه في قرارة نفسه؟ كيف كان قادرًا على ألا يفعل تلك الأفعال الشريرة؟ كان لديه قلبًا يتقي الله. ما معنى أن يكون لديك قلبًا يتقي الله؟ يعني أن قلبه كان يخشى الله، وكان يبجِّل الله بصفته عظيمًا، وكان لله مكانًا في قلبه. لم يكن يخاف من أن يراه الله، أو من أن يغضب الله منه. بل، في قلبه كان يبجل الله بصفته العظيم، وكان يرغب في إرضاء الله، وكان يرغب في التمسك بكلام الله. لذا كان قادرًا على أن يتقي الله ويحيد عن الشرّ. في وسع أي شخص الآن أن يقول عبارة "اتقاء الله والحيدان عن الشرّ"، لكنه لا يعرف كيف حقّق أيوب ذلك. في الحقيقة، تعامل أيوب مع "اتقاء الله والحيدان عن الشرّ" على أنها الشيء الأساسي والأهم في الإيمان بالله. لذا، كان قادرًا على التمسّك بتلك الكلمات، وكأنه متمسّكًا بإحدى الوصايا. أنصت لكلمات الله لأن قلبه بجّل الله بصفته عظيمًا. مهما بدت كلمات الله غير مميَّزة في عيني الإنسان، حتى لو كانت كلمات عادية، في قلب أيوب، كانت تلك الكلمات آتية من عند الله الأعلى؛ كانت الكلمات الأعظم والأهم. حتى وإن كانت كلمات يزدريها الناس، طالما أنها كلمات الله، ينبغي للناس أن يراعوها – حتى وإن تعرضوا للسخرية والبهتان. حتى وإن واجهوا المشقة أو تعرّضوا للاضطهاد، يجب أن يتمسّكوا بكلماته حتى النهاية. لا يسعهم التنازل عنها. هذا ما يعنيه اتقاء الله. عليك أن تتمسّك بكل كلمة يوصي الله بها الإنسان. أما الأمور التي يحرّمها الله، أو الأمور التي يمقتها الله، فلا بأس إذا كنت لا تعلمها، لكن إذا كنت تعلمها، فينبغي لك آنذاك أن تكون قادرًا تمامًا على الإمساك عن فعلها. ينبغي أن تكون قادرًا على الالتزام، حتى وإن هجرتك عائلتك، أو سخر منك غير المؤمنين، أو تهكّم أو استهزأ منك المقرّبون. لماذا تحتاج للالتزام؟ ما هي نقطة بدايتك؟ ما هي مبادئك؟ إنها، "يجب أن أتمسك بكلمات الله وأن أتصرّف وفق رغباته. سأكون صارمًا في فعل ما يحبه الله، وحازمًا في ترك ما يمقته الله. إذا لم أكن أعلم مقصد الله، لا بأس، لكن إذا كنت أعلم وأفهم مقصده، فسأكون حينئذ حازمًا في الإنصات إلى كلماته والخضوع لها. لا أحد يقدر على عرقلتي، ولن أتردد حتى لو انتهى العالم". هذا ما يعنيه اتقاء الله والحيدان عن الشرّ.
– الكلمة، ج. 3. محادثات مسيح الأيام الأخيرة. الجزء الثالث
في أي الأمور في حياتكم اليومية يكون لديكم قلب يتقي الله؟ وفي أي الأمور لا يكون لديكم؟ هل أنت قادر على كراهية شخص ما عندما يسيء إليك أو يمس مصالحك؟ وعندما تكره شخصًا ما، هل أنت قادر على معاقبته والانتقام منه؟ (نعم). إذن أنت مخيف للغاية! إذا لم يكن لديك قلب يتقي الله، وكنت قادرًا على فعل أشياء شريرة، فإن شخصيتك الشريرة هذه شديدة للغاية! الحب والكراهية من الأشياء التي يجب أن تمتلكها الإنسانية الطبيعية، ولكن يجب أن تفرقوا بوضوح بين ما تحبونه وما تكرهونه. في قلوبكم، يجب أن تحبوا الله، وتحبوا الحق، وتحبوا الأشياء الإيجابية، وتحبوا إخوتكم وأخواتكم، بينما يجب أن تكرهوا الشيطان والأبالسة، والأشياء السلبية، وأضداد المسيح، وكراهية الأشرار. إذا كنتم تستطيعون قمع إخوتكم وأخواتكم والانتقام منهم بسبب الكراهية، فسيكون هذا مخيفًا للغاية، وهذه شخصية شخص شرير. بعض الناس لديهم ببساطة أفكار وخواطر كراهية، أفكار شريرة، لكنهم ما كانوا ليفعلوا أي شر. هؤلاء ليسوا أشرارًا لأنه عندما يحدث شيء ما، فإنهم قادرون على طلب الحق، وينتبهون إلى المبادئ في كيفية تصرفهم والتعامل مع الأشياء. وعند التعامل مع الآخرين، لا يطلبون منهم أكثر مما ينبغي؛ وإذا انسجموا جيدًا مع الشخص، فسيواصلون التعامل معه، وإذا لم ينسجموا، فلن يفعلوا ذلك. بالكاد يؤثر ذلك على أداء واجبهم أو دخولهم الحياة. الله في قلوبهم ولديهم قلوب تتقي الله. إنهم لا يريدون الإساءة إلى الله، ويخشون أن يفعلوا ذلك. ومع أن هؤلاء الأشخاص قد تكون لديهم أفكار وخواطر خاطئة معيّنة، فإنهم قادرون على التمرد عليها ونبذها. إنهم يمارسون ضبط النفس في أفعالهم، ولا ينطقون حتى بكلمة واحدة فيها تجاوز، أو تسيء إلى الله. الشخص الذي يتحدث ويتصرف على هذا النحو، هو شخص ذو مبادئ ويمارس الحق. قد تكون شخصيتك غير متوافقة مع شخصية آخر، وقد لا تحبه، ولكن عندما تعمل معه، فإنك تظل محايدًا ولا تنفس عن إحباطك في القيام بواجبك، أو تدع إحباطك يؤثر على مصالح عائلة الله؛ يمكنك التعامل مع الأشياء وفقًا للمبادئ. ما الذي يظهره هذا؟ إنه مظهر لامتلاك قلب يتقي لله. إذا كان لديك أكثر من ذلك بقليل، عندما ترى أن شخصًا ما لديه بعض العيوب أو نقاط الضعف، حتى لو أساء إليك أو كان لديه تحيُّز ضدك، فما زال عليك أن تعامله جيدًا وتساعده بمحبة. هذا يعني أن المحبة فيك، وأنك شخص يمتلك الإنسانية، وأنك شخص طيب القلب، ويمكنك ممارسة الحق، وأنك شخص صادق يمتلك وقائع الحق، وأنك شخص لديه قلب يتقي الله. إذا كنت لا تزال صغير القامة، ولكن لديك إرادة، وعلى استعداد للسعي جاهدًا من أجل الحق، والسعي جاهدًا للقيام بالأشياء وفقًا للمبدأ، ويمكنك التصرف، والتعامل مع الأشياء والتعامل مع الآخرين وفقًا للمبدأ، فإن هذا يُحسب أيضًا على أنه امتلاك قلب يتقي الله إلى حد ما؛ هذا هو أكثر الأمور أهمية.
– الكلمة، ج. 3. محادثات مسيح الأيام الأخيرة. الشروط الخمسة التي يجب الوفاء بها للشروع في المسار الصحيح للإيمان بالله
بمجرد أن يصبح الحق حياة فيك، عندما ترى شخصًا يجدف على الله، ولا يتقي الله، وتراهُ لا مُبَالِيًا في أداء واجبه، أو يعطِّل عمل الكنيسة ويزعجه، فإنك ستستجيب وفقًا لمبادئ الحق، وستكون قادرًا على التعرف عليهم وكشفهم حسب الضرورة. إذا لم يصبح الحق حياتَك، وظللتَ تعيش ضمن نطاق شخصيتك الشيطانية، فإنك عندما تكتشف الأشرار والشياطين الذين يعطلون ويزعجون عمل الكنيسة، ستغض الطرف وتصمُّ أذنيك؛ وتتجاهلهم دون وخزٍ من ضميرك. حتى إنك ستعتقد أن أي شخص يسبب الإزعاج لعمل الكنيسة لا علاقة لك به. مهما كانت معاناة عمل الكنيسة ومصالح بيت الله، فأنت لا تهتم أو تتدخل أو تشعر بالذنب؛ مما يجعلك شخصًا بلا ضمير أو عقل، وعديم الإيمان، وعامل. تأكل ما هو من الله، وتشرب ما هو من الله، وتتمتع بكل ما يأتي من الله، ولكن تشعر أن أي ضرر لمصالح بيت الله لا علاقة لك به؛ مما يجعلك خائنًا، تعض اليد التي تطعمك. إذا كنت لا تحمي مصالح بيت الله، فهل أنت إنسان يا تُرى؟ هذا شيطان تسلل إلى الكنيسة. تتظاهر بالإيمان بالله، وتتظاهر بأنك شخص مختار، وتريد أن تستغل بيت الله. أنت لا تعيش حياة إنسان، أنت أشبه بالشيطان أكثر من كونك إنسانًا، ومن الواضح أنك أحد عديمي الإيمان. إذا كنت شخصًا يؤمن حقًّا بالله، فعندئذ حتى لو لم تربح الحق والحياة بعد، فعلى الأقل ستتحدث وتتصرف من جهة الله؛ وعلى أقل تقدير، لن تقف مكتوف الأيدي عندما ترى مصالح بيت الله تتعرَّض للخطر. عندما يكون لديك دافع لتغض الطرف، ستشعر بالذنب وعدم الراحة، وستقول لنفسك، "لا يمكنني المكوث هنا دون أن أفعل شيئًا، عليَّ أن أقف وأقول شيئًا، وعليَّ أن أتحمَّل المسؤولية، وأفضح هذا السلوك الشرير، وعليَّ أن أوقفه، حتى لا تتضرر مصالح بيت الله، ولا تنزعج حياة الكنيسة". إذا أصبح الحق حياتك، فلن تكون لديك عندئذٍ هذه الشجاعة وهذا التصميم، وتكون قادرًا على فهم الأمر تمامًا فحسب، بل ستفي أيضًا بالمسؤولية التي يجب أن تتحملها من أجل عمل الله ومن أجل مصالح بيته، وبذلك تفي بواجبك. إذا استطعت أن تعتبر واجبك بمثابة مسؤوليتك والتزامك وأنه إرسالية الله، وتشعر بأن هذا ضروري لكي تلاقي الله وتواجه ضميرك، ألن تكون عندئذ تعيش النزاهة والكرامة الإنسانية الطبيعية؟ ستكون أعمالك وسلوكياتك تتوافق مع "تقوى الله والحياد عن الشر" الذي تحدث عنه الله. سوف تؤدي جوهر هذه الكلمات وتعيش واقعها.
– الكلمة، ج. 3. محادثات مسيح الأيام الأخيرة. الجزء الثالث
ترانيم ذات صلة
مَنْ يتّقون الله يسبّحونه في كل الأشياء
الطَّريقُ الضروريُّ لاتِّقاءِ اللهِ والحيدِ عن الشرِّ