مَن يقول إن شخصية متعجرفة لا يمكن تغييرها
تقول كلمات الله، "ليس في وسع الناس أن يغيروا شخصيتهم بأنفسهم، بل لا بُدَّ لهم من الخضوع للدينونة والتوبيخ والمعاناة والتنقية في كلام الله، أو أن يتم التعامل معهم وتأديبهم وتهذيبهم بواسطة كلامه. حينئذٍ فقط يستطيعون أن يبلغوا طاعة الله والإخلاص له، ولا يتعاملون معه بلا مبالاة؛ فشخصيات الناس لا تتغير إلا بتنقية كلام الله. إن أولئك الذين يتعرضون للكشف والدينونة والتأديب والتعامل معهم بواسطة كلام الله، هُم وحدهم الذين لن يجرؤوا بعدُ على التصرف باستهتار، بل يصبحون بدلًا من ذلك ثابتين وهادئين. وأهم ما في الأمر أن يكونوا قادرين على الخضوع لكلام الله الحالي ولعمله، وحتى إن تعارض ذلك مع تصوراتهم البشرية، ففي وسعهم أن ينحّوا هذه التصورات جانبًا ويخضعوا طوعًا" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الناس الذين تغيرت شخصياتهم هم الذين دخلوا إلى حقيقة كلام الله). كلام الله عملي جدًا. من دون دينونته وتوبيخه، وتهذيبه لنا وتعامله معنا، لما أمكننا أن نتحول عن شخصياتنا الشيطانية، أو أن نحيا طبيعة بشرية. لطالما كنتُ متعجرفة على وجه الخصوص. في العمل، كنتُ دائمًا استشعر الأفضلية والقدرة عن الآخرين، لذلك ظننتُ إنهم لا بد أن يستمعوا إليَّ. لكن بعدما أمنتُ، انكشفت هذه الشخصية المتعجرفة فيَّ مرات كثيرة. كنتُ دائمًا أريد أن يكون لي القول الفصل في كل شيء، وكنتُ أعظ الآخرين وأقمعهم بتعالٍ. كان ذلك يكبت إخوتي وأخواتي ويضرهم. لم يكن إلا من خلال دينونة الله وتوبيخه وتهذيبه لي وتعامله معي أن بدأت أستوعب طبيعتي المتعجرفة وتمكنتُ من أن أتوب وأشمئز من نفسي. بعد ذلك، بدأتُ أحافظ على نكران الذات في تعاملاتي، وفي تنسيقي مع الآخرين لنقوم بواجباتنا. تعلمتُ أن أنشد الحق واعيةً، وأن آخذ في اعتباري اقتراحات الآخرين. حينئذٍ فقط تمكنت من أن أحيا قليلاً في صورة إنسان.
أتذكر أنه قد وقع علىَّ الاختيار في سنة 2015، لأقوم بدور قيادة للكنيسة. في ذلك الوقت، شعرتُ حقًا بالسعادة. فكرتُ في نفسي: "إن تصويت الكثيرين من الكنيسة لصالحي يظهر أنني الأفضل هنا. علىَّ أن أجتهد حتى أتمم واجبي على أتم وجه لعل الإخوة والأخوات يرون أنهم لم يختاروا الشخص الخطأ". بعد ذلك، أصبحتُ مشغولة دائمًا، ما إن أرى أحد الإخوة أو الأخوات في مشكلة ما، حتى أبادر إلى البحث عن بعض الفقرات المناسبة من كلام الله، ثم أقيم شركة معهم لحل المشكلة. مضى بعض الوقت، وتحسنت حياة كنيستنا كثيرًا. كان هناك الكثير من عمل الكنيسة ليُنجَز، لكنني تمكنتُ من تولي كل جزئية منه على أكمل وجه. عندما رأيتُ أن الحياة في كنيستنا أفضل قليلاً من الحياة في كنائس أخرى، سررتُ أيما سرور. لمست القيادات أن العمل في كنيستنا يسير على اكمل وجه، فجعلوا كنائس أخرى تقتبس من منهجنا. والأكثر من ذلك أنه كان للكنيسة بعض الأعمال المهمة التي أرادتني أن أشارك فيها. ففكرتُ: "حتى القيادات تقدرني، وتمتدح إمكاناتي. يبدو أن قدراتي ليست بهذا السوء، وقطعًا أفضل من الكثيرين!" قبل أن أفطن، أصبحتُ مختالة بنفسي. وشعرت وكأن بمقدوري أن أتولى الأمر برمته، وأنني أفهم كل شيء. فإذا أبدى أحد زملائي اقتراحًا، كنتُ بالكاد أعيره اهتمامًا. شعرت دائمًا وكأنني أعلى منهم، وبإمكاني أن أترأسهم. ولما لم يقوموا بما أردت، لم يكن في وسعي إلا أن أوجه لهم سهام النقد والوعظ. في إحدى المرات همَّت إحدى الأخوات التي كنت أنسق معها بالإجابة عن سؤال. بعدما واجهَتْ بعض الصعوبات، أرادت أن تناقش الأمر معي. لكنني فكرتُ في نفسي: "ما عساه يحتاج إلى مناقشة؟ ليس السؤال بالصعب؛ لهذا سمحتُ لكِ بالإجابة. لو لم يكن بوسعك حتى حل هذه المسألة الصغيرة، فأنت إذًا لستِ أهلاً للمهمة. لو كنتُ مكانك، لحللت المسألة بسهولة". وهكذا قلتُ بنبرة متعالية: "لا عليكِ. سأجاوب أنا". ونتيجة لهذا، كُبِتت هذه الأخت مني، ولم تجسر أن تسألني المساعدة كلما وقعت في مشكلات بعد ذلك. في مرة أخرى، رشَّحتُ الأخت (وانغ) لمهمة معينة. وكان رأي الأخت (تشين) أن هذه المهمة على درجة كبيرة من الأهمية؛ لذلك نحن في حاجة إلى صورة واضحة عن تصرف الأخت (وانغ) المعتاد قبل أن نطمئن. أغضبني ذلك قليلاً، وفكرت: "لقد توليتُ هذه النوعية من المهام من قبل، فهل تعتقدين أنني لا أفهم؟ هذا، فضلاً عن أنني على اتصال دائم بها، فكيف لكِ القول بأنني لا أفهمها؟ هل تريديني أن أسأل كل واحد عنها. أما يؤخر ذلك الأمور؟" قلتُ لها مقطبة: "كفاكِ إهدارًا للوقت. دعينا نتقدم". لم يكن من الأخت (تشين) بعد أن رأت تصميمي إلا أن لزمت الصمتَ. كنتُ أراها في ذلك الوقت مُقمَعَة بعض الشيء، لكنني لم أعبأ. منذ ذلك الوقت، كلما أبدى أخ أو أختٌ مقترحًا، كنتُ أشعر دائمًا بأنه ليس بالجيد أو الناضج بما يكفي؛ لذلك كنتُ أتذرع بشتى الذرائع لأرفض وجهات نظرهم، ثم أعبّر عما أراه أفكارًا ألمعية، وأحاول أن أحمل كل واحد على الانصياع لقولي. بمرور الوقت، أصبح الجميع مقموعين مني، ويميلون إلى الصمت أثناء مناقشة العمل. حتى أصبحتُ بعد ذلك لا أكاد أناقش معهم شيئًا على الإطلاق، شاعرةً أن ذلك لم يكن سوى إجراء شكلي، ومضيعة للوقت. وهكذا كنتُ أقوم بواجبي استنادًا إلى شخصيتي المتعجرفة، وازددتُ طيشًا واستبدادية.
وعندما رأيت ذات مرة قائد فريق لم يكن ناجحًا في عمله، ارتأيتُ أنه غير قادر على القيام بعملٍ حقيقي، ولا بد من إقصائه. كان من المعقول أن أناقش هذا الأمر مع زملائي، لكن كان لي رأي آخر: "دعك من هذا. حتى بعدما أناقش الأمر معهم، فسوف ينتهي بهم المطاف إلى موافقتي على أي حال". وهكذا ببساطة استبدلتُ هذا القائد مباشرة. ولكن بعد عودتي، أخبرتُ زملائي كيف تعاملتُ مع الأمر. فقالت الأخت "تشين" وقد هالها ذلك: "كانت ثمة مشكلات في عمل هذا القائد، لكنه شخص ينشد الحق. المشكلة فقط أنه لم يؤمن سوى من فترة قصيرة، لذلك كان فهمه للحق سطحيًا، وثمة القليل من القصور أو العجز في واجباته، لكنه عادي. ينبغي لنا أن نساعده من خلال المزيد من الشركة حول الحق. لكنَّ استبداله الآن على هذا النحو لا يتماشى مع المبادئ". فرددتُ غير مقتنعة حقًا: "لم أستبدله إلا لأنني رأيته غير قادر على القيام بأي عمل عمليِّ. لقد تعاملتُ مع هذه الأمور من قبل. أتقولين إنني غير فَطِنَة؟" لم تنبس الأخت (تشين) ببنت شفة، بعد أن رأت إصراري. قام زملائي بعد ذلك بتقييم الأمر واستيعابه، وقرروا أنني لم أتعامل مع الأمر طبقًا للمبادئ، فأعادوا ذلك القائد إلى مهامه، لكن عمل الفريق تعطل بسبب انتقال المهام ذهابًا وإيابًا، فشعرتُ ببعض الخجل لذلك. كان بوسعي أن أرى أنني كنتُ متعجرفة، ولم أراعِ المبادئ في تصرفي، لكنني لم أبحث عن الحق أو أشرع في فحصٍ لذاتي.
وبعد مرور شهر، كان لدى الكنيسة عمل مهم، وكان من المقرر أن يُختار له شخص مناسب من مجموعتنا. كنتُ في ذلك الوقت سعيدة جدًا؛ فقد كنتُ أشعر بالأفضلية عن الآخرين من حيث الإمكانات والخبرة في العمل، فتصورتُ أنهم سيصوتون لصالحي. لكنني دُهِشتُ عند إعلان النتيجة؛ إذ لم أحصد الأصوات المطلوبة، بل إنني لم أحصل ولا حتى على صوتٍ واحد. صُدِمتُ من المفاجأة، وشعرتُ فجأة وكأن عالمي قد انقلبَ رأسًا على عقب. كيف حدث هذا؟ لماذا لم يصوت أحدٌ لي؟ أهل فقدوا قدرتهم على التمييز؟ كنت أود من عمق القلب أن أعرف السبب، فطلبتُ منهم أن يخبروني عما قصرتُ فيه. عندما رأيتُ الأخت (زو) تريد أن تقول شيئًا لكنها مترددة، قلتُ لهم: "لو أنكم رأيتموني مقصرة في أمرٍ أخبروني. لنتصارح كلنا". حينئذٍ فقط جاءتها الشجاعة لتقول: "أراكِ متعجرفة وبارة في عيني ذاتك، ولا تتقبلي اقتراحات الآخرين. كذلك دائمًا ما تتسيدين علينا، وكلما أكون معك، فإنك ترهبينني وتكبتينني". وأطرقت أخت أخرى برأسها، وقالت: "أنت تكبتينني أنا أيضًا، وأشعر بأنك متعجرفة للغاية، وكأنك تحتقرين الجميع. وكأنك الوحيدة القادرة على القيام بأعمال الكنيسة، وكأنك قادرة على القيام بأي شيء، ولا ترين أحدًا ربما يكون قادرًا..." ثم أضافت الأخت (تشين): "أشعر بأنك مغرورة جدًا، ولا تنشدين الحق أو تراعين المبادئ في عملك. كذلك لا تقبلين أراء أحد غيرك، وتعتقدين أن لك القول الفصل في كل شيء، وتميلين إلى الاستبداد بالقرار، كله بمفردك..." واحدة تلو الأخرى، راحت الأخوات اللواتي عملتَ معهنَّ يقلن إنني متعجرفة، وإنهن كنَّ مقموعات مني. فكرتُ، تحدوني عدم رغبة في تقبل هذا: "قلتن جميعًا إنني متعجرفة، وإنني أقمعكن؛ حسنًا، فلماذا لا تعترفن بأنكن تتنصلن من المسؤولية عن واجبكن؟ حسنًا إذًا، من الآن فصاعدًا، لن أنبس ببنت شفة مهما حدث. اعملن ما يحلو لكن". في تلك الليلة رقدت في سريري أتقلب، غير قادرة على النوم. لطالما ظننتُ في نفسي إنني صاحبة مكانة مرموقة، وعاملة متمكنة؛ لذلك كان القليل من العجرفة أمر طبيعي. كان يجدر بإخوتي وأخواتي أن يعتقدوا أنني لم أكن بهذا السوء. لم أكن أتصور أن ذلك كان رأيهم فيَّ متعجرفة، وأفتقر إلى العقل كليةً. مَنْ كان يعتقد أنهم سيشعرون بذلك الكبت والجرح. كلما فكرت في ذلك، زاد انزعاجي. كم كان الإخوة والأخوات يكرهونني ويشمئزون مني، شعرتُ وكأني فأر الشوارع، ممقوت ومنبوذ من الآخرين. كان من المحال أن يخلّص الله شخصًا مثلي. أصبحتُ سلبية جدًا، وفي عمق ألمي، كنتُ أصلي إلى الله دون توقف. قلت: "يا الله، إنني أُعتصر ألمًا، ولا أدري كيف أجتازه. أرجوك، امنحني الاستنارة لعلي أفهم مشيئتك..."
في صباح اليوم التالي، قمتُ بتشغيل الكمبيوتر، واستمعتُ إلى قراءة من كلام الله: "إن الفشل والسقوط مرات عديدة ليس أمرًا سيئًا؛ وكذلك الانكشاف. وسواء تم التعامل معك أو تهذيبك أو كشفك، فيجب عليك أن تتذكر هذا في جميع الأوقات: الانكشاف لا يعني التعرّض للإدانة. الانكشاف هو أمر جيد؛ إنه أفضل فرصة بالنسبة لك لكي تتعرف على نفسك. بل يمكنه أن ينقل تجربة الحياة الخاصة بك إلى مستوى جديد. وبدون ذلك، لن تمتلك لا الفرصة ولا الظروف ولا السياق الملائم لتتمكن من الوصول إلى فهم حقيقة فسادك. إذا استطعت أن تتوصل إلى معرفة الأشياء التي في داخلك، فكل تلك الجوانب المخبأة في أعماقك، التي يصعب التعرف عليها والكشف عنها، فهذا أمر جيّد. أن تتمكن من معرفة نفسك حقًّا هو أفضل فرصة بالنسبة إليك لإصلاح سبلك والتحوّل إلى شخص جديد. إنها أفضل فرصة لك لاقتناء حياة جديدة. ما إن تتوصل إلى معرفة نفسك حقًّا، حتى تتمكّن من رؤية أنه متى أصبح الحقّ حياة المرء، فذلك شيء ثمين في الواقع، وستتعطش إلى الحقّ وتدخل في الواقع. وهذا أمر رائع فعلاً! إذا استطعت أن تغتنم هذه الفرصة لتتفكّر في نفسك باجتهاد وتكتسب معرفة حقيقية بنفسك كلما فشلت أو سقطت، فستتمكّن – في خضم السلبية والضعف – من النهوض والوقوف على رجليك مرة أخرى. وبمجرد أن تتجاوز هذه العتبة، ستكون قادراً على أن تخطو خطوة كبيرة إلى الأمام وتدخل في واقع الحقّ" (من "عليك أن تتعلم من الناس والأمور والأشياء التي حولك لكي تكسب الحق" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). تأثرتُ كثيرًا وأنا أتأمل كلام الله، وظلت دموعي تنساب. شعرتُ وكأنه من خلال تهيئة تلك البيئة التي كان إخوتي وأخواتي يهذبونني ويتعاملون معي فيها بقسوة، لم يكن الله يقصيني أو يتعمد أن يخزيني. لكن نظرًا لعجرفتي وعنادي الشديدين، فقد أراد الله أن يستخدم هذا كنوع من التذكية ليوقظني ويحملني على تأمل نفسي في الوقت المناسب، كي أتمكن من التوبة والتغيير. هكذا خلصني الله. بعد أن أدركتُ ذلك، شعرت بحرية حقيقية، ولم يعد ظني بالله يخيب. صليتُ إليه، تحدوني رغبة في انتهاز هذه الفرصة لأتأمل نفسي وأتعرف عليها.
أخذت بعد ذلك أبحث عن أقوالٍ لله يتحدث فيها عن شخصية الإنسان المتعجرفة. يقول الله، "إذا كنت تمتلك الحق بداخلك، فإن المسار الذي تسير فيه سيكون بطبيعة الحال المسار الصحيح. من دون الحق، من السهل أن تفعل الشر، وسوف تفعل ذلك رغمًا عنك. على سبيل المثال، إذا كان لديك تكبر وتعجرف داخلك، فسيكون من المستحيل عدم تحدّي الله، لا بل ستُرغم على تحدّيه. لن تفعل ذلك عمدًا، بل ستفعل ذلك تحت سيطرة طبيعتك المتكبرة والمتعجرفة. إن تكبرك وتعجرفك سيجعلانك تنظر بازدراء إلى الله وتعتبره بدون أهمية وتمجّد نفسك وتُظهر نفسك باستمرار، وفي النهاية، سيجعلانك تجلس مكان الله وتشهد لنفسك. وفي نهاية المطاف، سوف تحوِّل تفكيرك وتصوراتك ومفاهيمك الخاصة إلى حقائق للعبادة. أرأيت حجم الشر الذي يرتكبه الأشخاص الذين يقعون تحت سيطرة طبيعتهم المتكبرة والمتعجرفة!" (من "السعي وراء الحق وحده يمكنه إحداث تغيير في شخصيتك" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). "التعجرف أساس شخصية الإنسان الفاسدة. كلّما زاد تعجرف الناس، كلّما كانوا أكثر عُرضةً لمقاومة الله. كم مدى جدّية هذه المشكلة؟ لا ينظر أصحاب الشخصيات المتعجرفة إلى كل الآخرين بفوقية فحسب، بل أسوأ ما في الأمر هو أنّهم يتعالون حتّى على الله. مع أنّ بعض الناس قد يبدون ظاهريًا أنّهم يؤمنون بالله ويتبعونه، لكنّهم لا يعاملونه كالله على الإطلاق. يشعرون دائمًا بأنّهم يملكون الحق ويُبالغون بالإعجاب بأنفسهم. هذا جوهر الشخصية المتعجرفة وأساسها، وهي نابعة من الشيطان. بالتالي، يجب حل مشكلة التعجرف. شعور المرء بأنّه أفضل من الآخرين هو مسألة تافهة. المسألة الحاسمة هي أنّ شخصية المرء المتعجرفة تمنعه من الخضوع لله ولحُكمه وترتيباته؛ إذ يشعر شخص كهذا دائمًا بالميل إلى منافسة الله لامتلاك سلطة على الآخرين. هذا النوع من الأشخاص لا يتّقي الله بتاتًا، ناهيك عن محبته لله أو خضوعه له" (من "مشاركات الله" بتصرف). شعرتُ أثناء قراءتي لكلام الله بالكرب وعدم الارتياح الشديدين، مع قليلٍ من خوف. رأيتُ كيف كنتُ أعيش بشخصيتي المتعجرفة، غير مكتفية فقط بقمع الناس وإيذائهم، وعدم القدرة على التعامل معهم كما يليق، لكن الأهم من ذلك، أنه لم يكن ثمة مكان في قلبي لله، ولم أكن أتقيه. كنتُ أميل إلى فِعل الشر، ومقاومة الله في أي وقت. فكرت كيف أنني منذ اضطلاعي بمهامي كقائدة، ظننت أنني ذات إمكانات، وقادرة على إنجاز بعض الأعمال، ولذلك زاد إعجابي بنفسي جدًا. عندما كنتُ أعمل مع آخرين، كنتُ أظن دائمًا إنني أرفع منهم منزلة، فأتأمر عليهم وأقمعهم. عندما كان أي من الزملاء يبدي اقتراحًا مخالفًا، لا أبحث عن مبادئ الحق، بل كنت أظن فقط أن امتلاكي للخبرة والعين الفاحصة يجعلاني قادرة على إكراه الناس على فعل ما أقوله. كنتُ كمن يرى وجهة نظره هي الحق، أو المعيار، فينبغي على الجميع أن يطيعوني. كان قمعي للآخرين أكثر رعبًا لدرجة جعلتهم لا يجرؤون على التعبير عن آرائهم. لكنني لم أكن أدري بذلك مطلقًا، بل كنت أظن أن الآخرين يتفقون معي. لقد جعلني تقديري لذاتي وإمكاناتي أترفع بجهلٍ عن إخوتي وأخواتي، لدرجة أنني أقدمتُ على استبدال قائد فريق دون حتى مناقشة الأمر مع زملائي. عندما أثارت أختي هذا الأمر، فنّدته مجادلة إياها. رأيتُ أنني كنتُ متعجرفة حقًا، ولم يكن لديَّ أدنى تقوى لله أو خضوع له، ولا كنتُ أراعي ما إذا كان ذلك يفيد بيت الله أم لا. كنت فقط أتصرف منفردة وبطريقة مستبدة وفقًا لما تمليه طبيعتي المتعجرفة، فأعطل عمل بيت الله، وأُلحِق بإخوتي وأخواتي أضرارًا كثيرة. كيف كان هذا إنجازًا لواجبي؟ عندما أفكر في الأمر الآن، كنتُ أعتقد أنني أتولى المسؤولية في عملي، لكنني في الواقع كنتُ مجرد ديكتاتورًا متعجرفًا يحاول إشباع نهمه للسلطة. كنتُ أرتكب الشر وأقاوم الله! سألتُ نفسي لاحقًا مرارًا وتكرارًا: كيف قدرتَ على تلك العجرفة الغاشمة حتى إنني وضعت قدمي على طريق الشر ومقاومة الله؟ أثناء تأمل حالي فقط أدركتُ أن سمومًا شيطانية امتلكتني، مثل: "أنا ربي في السماء وعلى الأرض"، و"تزكية المرء لذاته وتشريفه لأسلافه"، إلى درجة أنني منذ أن كنت صغيرة، كنت أحب دائمًا أن أتسيد الآخرين، وفي كل ما فعلتُ، كنت أحاول دائمًا أن أجعل الآخرين يصغون إلىَّ، ويدورون في فلكي، ويركزون علىَّ. وكأن ذلك كان السبيل الوحيد لأظهِر أنني قادرة، وكانت تلك الوسيلة الوحيدة ذات المغزى والقيمة للحياة. لكنني اكتشفتُ الآن أخيرًا أنه بسبب حياتي دومًا بهذه السموم الشيطانية خرجت طبيعتي المتعجرفة عن السيطرة، وكنت أعيش دون أدنى قدر من الإنسانية. إنني لم أقمع الآخرين فحسب وأضرهم كثيرًا، لكنني عطلتُ عمل الكنيسة أيضًا. حينئذٍ فقط عرفتُ حقًا أن "أنا ربي في السماء وعلى الأرض"، و"تزكية المرء لذاته وتشريفه لأسلافه"، تلك السموم الشيطانية كانت مغالطات. إنها سخيفة وشريرة، ولا يمكن إلا أن تفسد الناس وتضرهم. اعتدتُ أن أرى في رفعة المنزلة ودوران الناس في فلكي أمرًا سارًا. لكنني رأيت في النهاية بوضوح أن الحياة بهذه السموم الشيطانية كانت مثل الحياة كشبح. فلم يكن أحد يرغب في الاقتراب مني. لقد أغضبتُ الآخرين، ورذلني الله أكثر. كانت تلك هي الثمار المرة للحياة بسموم الشيطان. فكرت كيف أن رئيس الملائكة في البدء كان متعجرفًا جدًا، وفي مسع منه ليجعل نفسه مساويًا لله، حاول أن يسيطر على كل شيء. لكنه في النهاية أغضب شخصية الله، فلعنه الله، وطرحه في الهواء. وهكذا كنتُ أقمع إخوتي وأخواتي بعجرفة، وأرى دائمًا أنه على الآخرين أن يستمعوا إلىَّ، ألم تكن شخصيتي تلك نفس شخصية رئيس الملائكة؟ عند هذا الفكر أدركتُ أخيرًا كم كان مروعًا أن أعيش بهذه الشخصية المتعجرفة. لو لم يهيئ الله هذه البيئة لي، لكنتُ حتى الآن قطعًا أقوم بواجبي انطلاقًا من عجرفتي، ولا أحد يعلم كم من الشرور كنتُ سأقترف، وصولاً إلى إغضاب شخصية الله والوقوع تحت طائلة العقاب في نهاية المطاف. بعد أن أدركت هذا، صليتُ إلى الله، وقلتُ: "يا الله، لا أريد أن أعيش بعد بشخصية متعجرفة مقاومة لك، بل أرغب في طلب الحق ليبدد عجرفتي، وأقدم لك توبة حقيقية".
وقرأتُ فقرة من كلام الله تقول: "تجعلك الطبيعة المتعجرفة عنيدًا. عندما يملك الناس هذه الشخصية العنيدة، أليسوا عُرضةً للتعنّت؟ إذًا، كيف تجد حلًّا لتعنّتك؟ عندما تخطر لك فكرة، تعبّر عنها وتقول رأيك في هذه المسألة ونظرتك إليها، ثمّ تتواصل مع الجميع حولها. أولًا، يمكنك أن تسلّط الضوء على رأيك وتسعى إلى الحق؛ فهذه هي الخطوة الأولى التي تجب ممارستها من أجل التغلب على شخصية التعنّت هذه. تأتي الخطوة الثانية عندما يعبّر آخرون عن آرائهم المعارضة – ماذا في وسعك أن تمارس لتحول دون تعنّتك؟ أولًا، يجب أن تتمتّع بسلوك متواضع، وتضعَ جانبًا ما تعتقد أنّه صحيح، وتسمح للجميع بالشركة. وحتّى إن كنت تعتقد أنّ طريقك صحيح، فيجب ألّا تستمرّ بالإصرار عليه. قبل كل شيء، ذلك نوع من التحسن؛ فهو يُظهر سلوكًا ينمُّ عن سعي إلى الحق، وإنكار لذاتك، وتلبية لمشيئة الله. عندما تتمتّع بهذا السلوك، بينما لا تتقيّد برأيك، ستصلّي في الوقت عينه. بما أنّك لا تعرف الصواب من الخطأ، فأنت تسمح لله بأن يكشف لك عن أفضل ما يمكنك فعله وعما هو أكثر ملاءمة لك وأن يقوله لك. بينما ينضمّ الجميع إلى الشركة، يجلب الروح القدس الاستنارة لكم كلّكم" (من "مشاركات الله" بتصرف). وجدتُ طريق الممارسة في كلام الله: مهما كان الموقف الذي أصادفه، لا بد أن أحافظ على تقواي لله وخضوعي أمامه. كان علىَّ أن أصلي أولاً إلى الله، وأن أطلب الحق، ثم أعرض أفكاري على الإخوة والأخوات كي نتباحث جميعًا، ثم نقيم الشركة معًا. حتى لو اعتقدتُ أنني على صواب، لا بد أن أنكر ذاتي وأهملها واعية، وأن أصغِ أكثر إلى آراء الإخوة والأخوات، وأرى منها الأكثر اتفاقًا مع الحق، والأنفع لعمل الكنيسة. في اجتماعٍ بعد هذا، صارحتُ الإخوة والأخوات بمكنونات نفسي، وكشفتُ فسادي، واعتذرتُ عن إيذائي وقمعي لهم. لم يتوقفوا عند الأمر كثيرًا، بل أصبحوا على سجيتهم وأقاموا الشركة معي، وشعرت بانزياح حمل جاثم على صدري. في مناقشات العمل التي تلت ذلك، كنت أطلب من الآخرين جديًا أن يعبروا عن آرائهم، وعندما كانت تُطرَح اقتراحات مختلفة، كنا نتباحث ونقيم الشركة معًا حتى نصل إلى إجماع. زال عن الإخوة والأخوات تدريجيًا الشعور بالقمع من جهتي، وأصبح جو التعاون بيننا أكثر انسجامًا.
ذات يوم، كنتُ أناقش أمور العمل مع أختٍ طُلبَ مني العمل معها، فقالت إنها كتبت خطابًا إلى القيادات بشأن بعض المشكلات في الكنيسة، تخبرهم فيه عن المصاعب التي نواجهها في أعمالنا، وكيف اختبرناها. وهنا أطلت شخصيتي المتعجرفة برأسها القبيح مرة أخرى. قلت لنفسي: "تكفي مناقشتنا لها في اجتماعاتنا الأخيرة. لا حاجة إلى كتابة خطاب بها". لما أوشكت على أن أهاجمها، تذكرت كم كنتُ متعجرفة جدًا في الماضي. كنت دائمًا أريد من الجميع الإصغاء لي في كل شيء، ولذلك شعر الإخوة والأخوات بقمعي لهم، ولم أكن أحيا صورة إنسان مطلقًا. لذلك، صليتُ في صمتٍ إلى الله، وأهملتُ ذاتي، راغبة ألا أعيش بعد بشخصيتي المتعجرفة. كان لا بد لي أن أمارس الحق. أدركتُ كم كانت مبادرة هذه الأخت بتولي مسؤولية التواصل مع القيادات بشأن العمل أمرًا رائعًا، لذلك، ينبغي لي ألا أعيقها، بل أساعدها في حسن كتابة ذلك الخطاب. بمجرد أن أدركتُ ذلك، رقَّت لهجتي، وتمكنتُ من التواصل بصبر معها بشأن مشكلات عملنا، وأن أصغي إلى آرائها أكثر. في بعض المواقف كنتُ أراها غير محقة، لكنني كنتُ أمتنع عن إصدار أي أحكام دون تبيُّن، وأدركتُ أنه ينبغي لي أن أتقصى أولاً قبل أن أتكلم. بعد ذلك اكتشفت أن بعضًا مما اقترحته لم يخطر على ذهني من قبل. شعرت ببعض الخزي، ورأيتُ كم كنتُ متعجرفة، أكبت الإخوة والأخوات دائمًا، فلا يضطلعون بدورهم في الواجبات المُسنَدَة إليهم. في الواقع، لكلٍّ منهم جوانب قوته. لو لم يكونوا يعملون معي، لما تمكنتُ مطلقًا من القيام بواجباتي بنفسي. بعد هذا، أعددنا ملخصًا بالمشكلات معًا، وأرسلنا الخطاب بعد تنقيحه. بعد ذلك، كلما ظهرت طبيعتي المتعجرفة مجددًا أثناء قيامنا بواجباتنا، كنت أصلي واعية إلى الله، وأنكر ذاتي، وأزيد من المناقشة والشركة مع الآخرين. فأصبح تعاوننا أفضل، وشعرت براحة وسكينة خاصة. لمستُ روعة هذا الأسلوب في قيامي بواجبي. كان القليل من التغيير في شخص متعجرف مثلي هو بحق ثمرة اختبار دينونة كلام الله وتوبيخه.
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.