هل الصديق الصالح يَغُضُّ الطَّرف؟

2023 فبراير 5

عرفت أنا والأخت باربرا بعضنا بعضًا لمدة عامين، ونشأت بيننا علاقة حميمة للغاية، وفي كل مرَّة تجاذبنا فيها أطراف الحديث، شعرنا أن بإمكاننا مواصلة الحديث إلى الأبد. وغالبًا ما كنا نتحدث عن كل اختبار من اختباراتنا وما ربحناه منه. كلما حدث لها شيء، كانت تأتي لتجدني، وكلما عانيتُ من مشكلة، كنتُ أرغب في الشركة معها. كانت دائمًا تقدم شركة معي بصبرٍ ولقد اعتززتُ بهذه العلاقة الوثيقة التي كانت بيننا. شعرت أنه من الرائع وجود أخت بجانبي يمكنها مساعدتي ودعمي.

في العام الماضي، سمعتُ باربرا دون قصدٍ تتحدث مع بعض الأخوات حول النتائج العظيمة التي كانت تحققها في عملها الإنجيليّ مؤخرًا، وأن العديد من أولئك الذين كانت تعظهم مُتَشبِّعين بالمفاهيم الدينية، ثم من خلال الصلاة والاتِّكال على الله والشركة معهم بصبرٍ وقراءة كلمة الله لهم، سرعان ما قبلوا عمل الله في الأيام الأخيرة. رأيت أن الأخوات ينظرن إليها نظرة إجلالٍ بعد سماعهن ذلك، وأحَطْنها بجميع أنواع الأسئلة وبحثن عن طُرُق جيدة للممارسة. شعرت بالقلق بعض الشيء وفكرت: "من الجيد أن عملها الإنجيليّ يسير على ما يرام، لكنها لم تتحدث إلا عن مدى روعة نتائجها، ولم تتحدث عن المسار المحدد الذي سلكته ولم تشهد كيف أرشدها الله في هذا الوقت. أليست تتباهى بمجرد الحديث هكذا؟" بعد بضعة أيام، قالت لي الأخت فاي: "إنّ باربرا موهوبة للغاية وأحرزت بالفعل نتائج مُبهرة في عملها الإنجيليّ. قالت إن أحد القادة طلب منها تقديم شركة عن اختباراتها في اجتماع". اهتزّ قلبي حين سمعت هذا: لماذا تقول باربرا هذه الأشياء؟ إنّ فاي تُجلِّها كثيرًا في الوقت الحاضر، لكنّ هذا ليس في مصلحتها. أدركتُ أن باربرا كانت دائمًا تتباهى بنتائجها الإيجابية التي حققتها من خلال أداء واجبها وانتابني شعور بعدم الارتياح بعض الشيء. لقد قدّم الله شركة أن التباهي وتمجيد المرء لنفسه هما استعلان عن شخصية شيطانية، لذلك سيكون من الخطورة المُضيّ قُدُمًا على هذا المنوال. لم أستطع ترك هذا يستمر. كان عليَّ أن أجد فرصة للَفْت انتباه باربرا إلى هذا. لكني كلما فكرت في لفت انتباهها إلى هذه المشكلة، كنتُ أتردد. تذكرتُ اختبارين من سنوات قليلة مضت. شريكتي، جاني، كانت غالبًا ما تسرد التعاليم بفصاحةٍ وتوبّخ الآخرين من منصبها الرفيع، لكنها لم تُحلِّل أو تعرف نفسها أبدًا. أشرت إليها بهذه المشكلة، ولم تكتفي بالرفض فحسب، بل بادرت إلى الردّ عليَّ بقوة باستحضار إخفاقاتي وتعديّاتي السابقة. بعد ذلك أحْجَمتْ حتى عن الاعتراف بي. وهذا ما جعل الأمور مُحرِجة ومؤلمة للغاية بالنسبة لي. وفي مناسبة أخرى، خرجت الأخت روكسانا عن صُلْب موضوع شركتها أثناء اجتماع ولفتُّ انتباهها إلى هذا. لاحقًا، فتحت قلبها لي وقالت إنها شعرت بالإحراج الشديد والمقاومة حين أشرتُ إلى مشكلتها وشَعُرَتْ أنني كنتُ أحاول عَمْدًا تصعيب الأمور عليها، إلى الحدّ أنها لم ترغب حتى في الشركة في الاجتماعات اللاحقة. ومع أنها واصلت السعي والتأمل والتعرّف على مشكلاتها، كان من الصعب عليَّ حقًا سماع هذا منها. بعد هذا، شعرتُ بالتحفُّظ الشديد من الإشارة إلى مشكلات الآخرين. فكرت في مدى روعة علاقتي بباربرا دائمًا وتساءلت عما إذا كنتُ لفتُّ انتباهها إلى مشكلتها، هل ستشعر بأنها حوصرت في وضع غير مريح؟ ماذا سأفعل إن لم تستمع إليَّ وتحيّزت ضدي، وإذا شَعُرَتْ أنني كنت أكشف عيوبها وأحاول تصعيب الأمور عليها، ومن ثَمَّ رفضت الاعتراف بي؟ كنا نلتقي كثيرًا كل يوم، لذلك ستكون الأمور غير مريحة للغاية. كما أنها لم تكن تتباهى دائمًا هكذا. لعلّها عندما تقرأ كلمة الله، ستتمكن من التأمل وتتوصل إلى هذا الإدراك بنفسها. لا بأس، سألتزم الصمت فحسب.

في أحد الأيام، أخبرتني باربرا أن بعض الإخوة والأخوات قدّموا لها بعض الاقتراحات. قالوا إنها مولعة بالتباهي وحمل الآخرين على إجلالها في شركتها. وهذا ما جعلها تشعر بعدم ارتياح تمامًا. كنتُ أتألم من الداخل حين سمعتها تقول هذا. والحقيقة أنني رأيتها أيضًا تتباهى مؤخرًا. لكن لأنني خِفتُ من الإضرار بعلاقتنا، غَضَضْتُ الطَّرف فحسب ولم أخبرها بشيء. ألم تكن هذه هي الفرصة المثالية؟ ألا يجب أن أجَهْر بالقول أيضًا عن المشكلات التي رأيتها؟ لكن بعد ذلك فكرتُ كيف كانت الأمور بالفعل صعبة عليها بما يكفي. تساءلت عما إذا لم تتمكن من تقبُّل الأمر وتصير سلبية إن صارحتها أيضًا. أدركت أيضًا أنه تحتَّم عليَّ أن أوضّح لها المشكلات التي رأيتها، لكني خشيت أن تعتقد أنني في غاية القسوة وتنأى بنفسها عني، لذا فكرّت في الأمر بتأنٍّ بشأن نَبْرة الصوت التي يجب أن أستخدمها وكيفية التعبير عن نفسي لأكون أكثر لباقة ولا أُشعِرها بالحَرج. لذا طرحتُ أمثلة عن كيف كنتُ أمجّد نفسي وأتباهى في الماضي ثم كيف تأملت في الأمر وكيف فهمته، وبشكل عابر في النهاية فقط تطرّقت بإيجاز إلى مشكلتها. كنتُ خائفة من إحراجها، لذا واسيتها ببعض الكلمات: "الجميع لديهم شخصيات فاسدة ومن الطبيعي تمامًا إظهارها. وأنا أفعل ذلك أيضًا. لطالما كنتُ مُتكبِّرة ومغرورة للغاية، وغالبًا ما كنتُ أتباهى. لا تدعي هذا يعوقكِ، يجب أن يكون لديكِ الموقف الصحيح تجاه نفسكِ". لم تقل شيئًا ردًّا على هذا. لكن بعد ذلك حدث شيء أشعرني بالقلق مجددًا.

في أحد الاجتماعات، كانت باربرا تعقد شركة حول فهمها لكلمة الله، ثم انتقلت للحديث عن اختبار حديث مرّت به أثناء نشر الإنجيل. تحدثت عن كيف أنها كانت تَعِظُ قِسًّا آمن بالرب لعقودٍ. كان الرجل مُتشَبِّعًا بالمفاهيم الدينية واستمع إلى الكثير من الشائعات. كان ما زال لا يقبل الإنجيل حتى بعد أن وعظَتْه به المرَّة تِلو الأخرى. لكنها ذهبت بعد ذلك للشركة والتَّناظر معه، ومن خلال إيجاد مقاطع كلمة الله ذات الصِّلة، دَحَضتْ مفاهيمه واحدًا تِلو الآخر. وأخيرًا تخلّى تدريجيًّا عن مفاهيمه وقَبِل عمل الله في الأيام الأخيرة. عندما انتهت من حديثها، استرعى اختبارها الإنجيليّ انتباه الجميع وابتعدوا عن كلمة الله. آنذاك، كنتُ على دراية بعض الشيء: أليس هذا يحيد عن الموضوع؟ ومع أنها كانت تعقد شركة حول اختبارها الإنجيليّ، عندما انتهت، بدأ الجميع يُجِلُّونها ويُعظِّمونها. أليس هذا تباهيها؟ أردت لفت انتباهها إلى هذا وحَمْلها على التوقف عن التحدث في هذا الموضوع، لكنني عجزت عن إخراج الكلمات: إن قاطعتها أمام مَرْأى هذا الجَمْع الكثير من الناس، ألن تشعر بالحرج الشديد؟ كان من الصحيح أن باربرا أحرزت بعض النتائج في عملها الإنجيليّ، لذلك إذا أخبرتها بهذا، هل سيعتقد الجميع أنني أغار وأُصعِّب الأمور عليها عَمْدًا؟ ربما تكون حَسَنة النوايا ولا تحاول التباهي؟ لذا لم أجهر بالقول، لكنني لم أتمكن من تهدئة نفسي بما يكفي للتأمل في كلمة الله وكانت شركتي غير مستنيرة لأنني تحدثتُ ببضع كلمات غير مُلهِمة فحسب، وهكذا انتهى الاجتماع.

أمضيت تلك الليلة أتقلّب في فراشي وجافاني النوم. لم يسعني إلا التفكير في الأشياء التي قالتها باربرا للتباهي بها في الاجتماع، وعن نظرات الإعجاب المُرتسِمة على وجوه الجميع. ما قدَّمته في شركتها لم يمنح الآخرين فهمًا أفضل لكلمة الله، بل استرعى انتباه الجميع إلى عملها الإنجيليّ ولذلك لم يحقق الاجتماع أي شيء إيجابيّ. لم أقل شيئًا خوفًا من إحراجها وفشلتُ في حماية الحياة الكنسية. ألم أكن مجرد شخص يُرضي الناس دون أي حِسّ بالعدالة؟ تذكّرتُ مقطعًا من كلمة الله: "يجب أن تفحص ذاتك بدقة لترى ما إذا كنتَ شخصًا مستقيمًا أم لا. هل أهدافك ومقاصدك التي أبرمتها معي حاضرة في ذهنك؟ هل قيل كلامك وتمت أفعالك في حضرتي؟ أنا أمحّص كل خواطرك وأفكارك. ألا تشعر بالذنب؟ ... هل تظن أنك ستتمكن في المرة القادمة من تعويض الأكل والشرب الذي سلبه الشيطان هذه المرة؟ إنك إذًا ترى الأمر بوضوح الآن، هل هذا شيء تستطيع أن تعوّضه؟ هل بوسعك أن تعوّض عن الوقت الضائع؟ ينبغي لكم أن تفحصوا أنفسكم بدقة لتروا لماذا لم يكن ثمة أكل وشرب في الاجتماعات القليلة الماضية، ومَنْ ذا الذي تسبب في هذه المتاعب. يجب أن تكون لكم شركة واحدًا فواحدًا حتى يتضح الأمر. إذا لم يُردَع ذلك الشخص بصرامة، فلن يفهم الإخوة والأخوات، ثم سيتكرر الأمر مرة أخرى. أعينكم الروحية مغلقة، وكثيرون منكم عميان! وعلاوة على ذلك فإن الذين يرون فعلًا لا يعبؤون بالأمر؛ فهم لا يقفون ويتكلمون بصراحة، وهم أيضًا عميان. فالذين يرون لكنهم لا يتكلمون بصراحة إنما هم بُكْم. والكثيرون هنا معاقون" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل الثالث عشر). لقد أحزنتني كلمة الله بشدة. فكَّرتُ كيف حادت باربرا عن الموضوع في شركتها، وأَهْدَرتْ وقت الجميع وأثّرت على إنتاجية الاجتماع، ومع ذلك اكتفيت بالنظر في صمتٍ. ظللتُ أفكر في قرارة نفسي: "من الواضح أنني كنتُ أعلم أن باربرا كانت تحيد عن الموضوع، فلِمَ لم أحمِ حياة الكنيسة؟ لِمَ اخترت التزام الصمت وإرضاء الناس؟" أولًا، لم أكن على يقين عمّا إذا كانت أفعال باربرا تمجيدًا لنفسها وتباهيًا. صحيح أنه كان لديها بعض الخبرة في نشر الإنجيل ويمكن أن تعود الشركة حول هذه الاختبارات بالنفع على الآخرين، إذن، أيمكن هكذا أن نعتبر شركتها تباهيًا؟ ثانيًا، كنتُ أخشى من أنني لم أكن أرى الأشياء بوضوح وأن الجَهْر برأيي سيعوقها وسيعتقد الآخرون أنني كنتُ أقول هذه الأشياء بدافع الغَيْرة.

في اجتماع اليوم التالي، أَثرْتُ مخاوفي وطلبت المساعدة من بعض الأخوات. قرأنا معًا مقطعًا من كلمة الله: "يرفعون أنفسهم ويشهدون لها، ويفتخرون بأنفسهم، ويحاولون أن يجعلوا الناس ينظرون إليهم بإكبار – الطبيعة البشرية الفاسدة قادرة على أمور كهذه. هكذا يتفاعل الناس بصورة فطرية عندما تسود عليهم طبائعهم الشيطانية، وهذا مألوف لجميع البشرية الفاسدة. كيف يرفع الناس أنفسهم ويشهدون لها عادةً؟ كيف يبلغون ذلك الهدف؟ يشهدون على مقدار ما فعلوا من عمل، وما كابدوا من معاناة، وما بذلوا من أنفسهم، وما دفعوا من ثمن. إنهم يستخدمون تلك الأمور بوصفها رأس المال الذي يرفعون به أنفسهم، والتي تمنحهم مكانة أسمى وأقوى وأكثر رسوخًا في عقول الناس، حتى يجلهم عددٌ أكبر من الناس ويعجبون بهم ويبجلوهم، بل ويكرمونهم ويعبدونهم ويتبعونهم. ولكي يحقق الناس هذا الهدف، يفعلون أشياء عدَّة للشهادة لله في الظاهر، أمّا في الجوهر فيمجدِّون أنفسهم ويشهدون لها. هل التصرُّف على هذا النحو عاقل؟ فهم خارج حدود العقلانية. إنهم لا يخجلون: إنهم يشهدون دون حياء لما قاموا به من أجل الله، وكم قاسوا في سبيله، بل يتباهون حتى بمواهبهم وملكاتهم وخبراتهم ومهاراتهم الخاصة، وأساليبهم الذكية في التصرف، والوسائل التي يستخدمونها كي يتلاعبوا بالناس، وغير ذلك. إن طريقتهم في رفعة ذاتهم والشهادة لها هي التباهي بذواتهم والتقليل من شأن الآخرين. كذلك فإنهم يراءون ويُموِّهون أنفسهم، فيخفون مواطن ضعفهم، وعيوبهم ونقائصهم عن الناس، بحيث لا يرون سوى ذكائهم. بل إنهم لا يجرؤون على أن يخبروا الناس الآخرين عندما يحدوهم شعور سلبي؛ فهم يفتقرون إلى الشجاعة للمصارحة والشركة معهم، وعندما يرتكبون خطأ، تجدهم يبذلون قصارى جهدهم لإخفائه والتستر عليه. كذلك لا يذكرون مطلقًأ الضرر الذي ألحقوه بعمل الكنيسة في معرض قيامهم بواجبهم. لكن عندما يقدمون مساهمة ضئيلة أو يحققون بعض النجاح الضئيل، يسرعون إلى التباهي به، ولا يسعهم الانتظار كي يعرّفوا العالم كله كَمْ أنهم قادرون، وكم هي عظيمة مقدرتهم، وكَمْ هم متميزون، وكَمْ هم أفضل من الناس العاديين. أليست هذه وسيلة لرفعة نفسك والشهادة لها؟" (الكلمة، ج. 4. كشف أضداد المسيح. البند الرابع). لقد فهمت من خلال إعلان كلمة الله أن إحدى علامات أضداد المسيح على تمجيد أنفسهم أنهم يتباهون بمواهبهم ومواطن قوتهم ومساهماتهم وإنجازاتهم أمام الآخرين حتى يظن الناس أنهم موهوبون وقادرون وينالون احترامهم وإجلالهم. إن نشر الإنجيل والشهادة لله أمران إيجابيان في جوهرهما. باستخدام مواطن قوتها كعاملة إنجيلية، إن كان بإمكان باربرا عقد شركة حول المصاعب التي واجهتها وكيف اتِّكلت على الله واختبرت عمله وما الذي ربحته وتعلّمته من هذا وطرق الممارسة الجيدة التي لخّصتها، لكانت هذه الشركة تنويرية. لكن باربرا تحدثت فحسب عن عدد الأشخاص الذين اهتدتهم وكم عانت وما الثمن الذي دفعته، لكن لم يربح أحد استمع إلى اختباراتها فهمًا أكبر لله أو أي وضوح بشأن كيفية الممارسة أو تناول مسائل مختلفة. بل عرفوا المزيد عنها فحسب وعرفوا أنها تتمتع بمواهب ومقدرة على نشر الإنجيل وكانت أشد حماسًا من الآخرين. لقد أثنى عليها الجميع وحسدوها وشعروا بالضَّآلة الشديدة. أدركت أن نتائج التباهي والتمجيد والشهادة لله لم تكن نفس الشيء. لقد أُكِّدَتْ آرائي السابقة من خلال الشركة وقررت أن معظم ما قالته باربرا لم يكن شهادة لله بل كان ما قيل لتَسمو وتتباهى بنفسها. كانت تكشف عن شخصية أحد أضداد المسيح مما يجلب مَقْت الله وبُغْضه. كما ذكَّرتني الأخوات أن باربرا قد لا تكون على دراية حتى الآن بالشخصية الفاسدة التي كانت تكشفها وأنه عند رؤية هذا، يجب أن نلفت انتباهها إلى هذا بمحبةٍ. لم نتمكن من إرضاء الناس لمجرد حماية علاقاتنا. ملأتني كلمات الأخوات بالخزي وعزمت على الشركة مع باربرا بأسرع ما يمكن.

بعد انتهاء الاجتماع، لم أتمكن من تهدئة نفسي. لقد رأيت مشكلات باربرا في السابق لكنني لم أجرؤ على لَفْت انتباهها إليها وحتى لو قلت شيئًا، كنتُ أتجاهل المشكلة فحسب دون إحراز أي شيء حقًا، مما يعني أن باربرا لم تتأمل قطّ أو تُدرك مشكلتها. ملأتني هذه الأفكار بالانزعاج والشعور بالذنب ولم يسعني إلا أن أسأل نفسي: "عادةً ما أكون في غاية المرح والحيوية مع باربرا وأبوح لها بكل شيء، إذن، لِمَ يَصعُب عليَّ الإشارة إلى مشكلاتها؟ لمَ أعجز عن إخراج الكلمات؟" في بحثي وتأملي، قرأت كلمة الله. "أنتم كلكم ذوو مستوى تعليم رفيع. تحرصون كلكم على الكلام برقيّ وتواضع، وعلى طريقة كلامكم أيضًا: أنتم لبقون وتعلّمتم ألا تؤذوا كرامة الآخرين وتجرحوا كبرياءهم. في كلامكم وأفعالكم، تتركون المجال للناس بحرية المناورة. تفعلون كل ما تقوون عليه لجعل الناس مرتاحين. لا تفضحون ندوبهم أو عيوبهم، وتحاولون ألا تجرحوهم أو تحرجوهم. هذا هو المبدأ الشخصي الذي يتصرّف على أساسه معظم الناس. فأي نوع من المبادئ هذا؟ (إنه السعي لإرضاء الناس، والمخادعة والمراوغة). إنّه متآمر ومخادع وماكر وغدّار. يختبئ خلف وجوه الناس المبتسمة الكثير من الأشياء الخبيثة والغدّارة والبغيضة" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. ستَّة مُؤشِّرات لنمو الحياة). "كل أولئك الذين يلتزمون بالحلول الوسط هم الأشدّ شرًا. فهم يحاولون ألّا يسيئوا إلى أي شخص، بل هم أشخاص يُرضون الناس، ويتماشون مع الأشياء، ولا يستطيع أحد أن يتبين حقيقتهم. شخص كهذا هو شيطان حي!" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. لا يتخلص المرء من أغلال الشخصية الفاسدة إلا بممارسة الحق). "يوجد مبدأ في فلسفات العيش مفاده "التزام الصمت تجاه أخطاء الأصدقاء الصالحين يجعل الصداقة طويلة وجيدة". وهذا يعني أنه للحفاظ على علاقة الصداقة، ينبغي على المرء التزام الصمت تجاه مشكلات صديقه حتى إن رآها بوضوح؛ أي أنه يجب عليه التمسك بمبادئ عدم الاعتداء على كرامة الطرف الآخر أو كشف نقائصه. عليهما أن يخدع أحدهما الآخر، ويتوارى أحدهما عن الآخر، وينخرط أحدهما في المكيدة ضد الآخر. وعلى الرغم من أن كليهما يعرف بوضوح شديد نوع الشخص الآخر، فإنه لا يقول ذلك صراحةً، بل يستخدم أساليب ماكرة للحفاظ على علاقة صداقتهما. لماذا قد يرغب المرء في الحفاظ على مثل هذه العلاقات؟ يرتبط الأمر بعدم الرغبة في تكوين عداوة في هذا المجتمع أو داخل المجموعة؛ مما يعني تعريض النفس أحيانًا لمواقف خطيرة. ونظرًا لأنك لا تعرف بأي طريقة سيؤذيك أحدهم بعد أن تكشف أخطاءه أو تؤذيه ويصبح عدوك، ولا ترغب في وضع نفسك في مثل هذا الموقف، فأنت تستخدم مبدأ في فلسفات العيش مفاده "لا تستهدف ضعف الناس ولا تعاير الآخرين بنقائصهم". وفي ضوء هذا، إذا كان يوجد شخصان في مثل هذه العلاقة، فهل يُعتبران صديقين حقيقيين؟ (لا). إنهما ليسا صديقين حقيقيين، فضلًا عن أن يكون أحدهما كاتمًا لأسرار الآخر. ما نوع هذه العلاقة إذًا بالضبط؟ أليست علاقة اجتماعية في الأساس؟ (إنها كذلك). في مثل هذه العلاقات الاجتماعية، لا يستطيع الناس التعبير عن مشاعرهم، ولا التواصل العميق، ولا قول أي شيء يحلو لهم، ولا التعبير بصوت عالٍ عما في قلوبهم، أو المشكلات التي يرونها في الآخر، أو الكلام الذي يمكنه أن ينفع الآخر. فبدلًا من ذلك، يختارون كلمات لطيفة لئلا يجرحوا الآخر. إنهم لا يرغبون في تكوين عداوات. والهدف من هذا هو منع الأشخاص المحيطين بهم من تشكيل تهديد عليهم. وعندما لا يهددهم أحد، ألا يعيشون في اطمئنان وسلام نسبيين؟ أليس هذا هو هدف الناس من ترويج عبارة "لا تستهدف ضعف الناس ولا تعاير الآخرين بنقائصهم". (إنه كذلك). من الواضح أن هذه طريقة ماكرة ومخادعة للوجود، إذ تنطوي على عنصر دفاعي، وهدفها الحفاظ على الذات. والناس الذين يعيشون على هذا النحو ليس لديهم أي كاتمي أسرار، ولا أصدقاء مقربين يمكنهم قول أي شيء معهم على الإطلاق. إنهم دفاعيون بعضهم تجاه البعض الآخر، وحريصون، وحذرون، فكل منهم يأخذ ما يحتاج إليه من العلاقة. أليس الأمر كذلك؟ إن الهدف من عبارة "لا تستهدف ضعف الناس ولا تعاير الآخرين بنقائصهم" في الأساس هو عدم الإساءة للآخرين وعدم تكوين عداوات، وحماية النفس من خلال عدم إلحاق الأذى بأحد. إنها تقنية وطريقة يستخدمهما المرء لحماية نفسه من الأذى. بالنظر إلى هذه الجوانب المتعددة للجوهر، هل المطلب من فضيلة الناس بأن "لا تستهدف ضعف الناس ولا تعاير الآخرين بنقائصهم" عقيدة نبيلة؟ هل هو إيجابي؟ (لا). ما الذي يُعلِّمه للناس إذًا؟ أنه ينبغي ألا تزعج أي شخص أو تؤذيه، وإلا فأنت الذي سينتهي بك الأمر إلى أن تصاب بالأذى؛ وأيضًا، أنه يجب ألا تثق بأحد. إن جرحت أيًا من أصدقائك الوثيقين، فسوف تبدأ الصداقة تتغير بهدوء؛ وسوف يتحول من كونه صديقك الوثيق الطيب إلى شخص غريب يمر في الشارع أو إلى عدوك. ... ما النتيجة النهائية إذًا لما تُعلِّمه هذه العبارة للناس؟ هل تجعل الناس أكثر صدقًا أم أكثر خداعًا؟ إنها تُفضي بالناس إلى أن يصبحوا أكثر خداعًا؛ فقلوب الناس تتباعد، والمسافة بينهم تتسع، والعلاقات بين الناس تصبح معقدة؛ وهذا يعادل تعقيد العلاقات الاجتماعية بين الناس. يبدأ الحوار بين الناس بالفتور، وهذا يؤدي إلى نشوء عقلية الاحتراز من الآخرين. هل يمكن أن تكون علاقات الناس طبيعية بهذه الطريقة؟ هل سيتحسن المناخ الاجتماعي؟ (لا). ولهذا السبب، فإن من الواضح أن تعبير "لا تستهدف ضعف الناس ولا تعاير الآخرين بنقائصهم" هو تعبير خاطئ. إن تعليم الناس بهذه الطريقة لا يمكن أن يجعلهم يعيشون بحسب الطبيعة البشرية السويّة. وبالإضافة إلى ذلك، لا يمكنه أن يجعل الناس صادقين أو مستقيمين أو صريحين، ولا يمكنه على الإطلاق تحقيق تأثير إيجابي" (الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ما معنى السعي وراء الحق (8)). بعد قراءة كلمة الله، أدركت أنني كنتُ أعتمد على فلسفات العيش الشيطانية في الطريقة التي تفاعلت بها مع باربرا، نَحْو "التزام الصمت تجاه أخطاء الأصدقاء الصالحين يجعل الصداقة طويلة وجيّدة"، "لا تضرب الآخرين تحت الحزام"، و "صديق آخر يعني مسارًا آخر". حتى هذه اللحظة، كنتُ أنظر إلى هذه الفلسفات على أنها مبادئ يجب أن أجتهد من خلالها للتفاعل مع الناس. اعتقدتُ أن التصرف هكذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على العلاقات الشخصية، وألّا أُسِيء إلى الآخرين ولا أتسبب في المتاعب لنفسي. لقد أدركت أخيرًا من خلال إعلان كلمة الله أن هذه الفلسفات هي أنماط حياة ماكرة ومخادعة وغادرة، لدرجة أنها جعلت الناس حذرين من بعضهم بعضًا وحالت دون التفاعل الصادق، ناهيك عن أنها تُجيز حب بعضهم بعضًا. ومع أن التفاعل بهذه الطريقة يُجنّبك الإساءة أو التسبب في المتاعب لنفسك، إلّا أنه قد يمنعك من تكوين صداقات حقيقية ولا يسمح للناس إلا بأن يصبحوا أكثر كذبًا وخداعًا. كما فهمتُ أنه يجب على المرء أن يكون صادقًا وصريحًا في تفاعله مع الآخرين وأنه حين ترى أن أحدهم يعاني من مشكلة، يجب عليك الاعتماد على التعاطف لمساعدته قَدْر طاقتك. حتى لو لم يتمكنوا من قبولها في هذه اللحظة وأساءوا فهمك، لا يزال يتعيّن عليك الالتزام بهذه المبادئ وتحديد النوايا الحَسَنة عند تناولها. أمّا أولئك الذين يقبلون الحقّ بصدقٍ، عندما يُتعامل معهم، رغم أنهم قد يشعرون بالحرج وعدم التقبُّل بشكل مؤقت، إلّا أنهم سيتمكَّنون لاحقًا من تقصّي الحقّ والتأمل في أنفسهم. لن يحسدوا الآخرين فحسب، بل سيشعرون بالامتنان لمَن صَحَّحهم. عاودت التفكير في تفاعلاتي مع باربرا. رأيتها تتباهى بوضوح في مناسبات عديدة أمام الآخرين وأن الآخرين كانوا يقدُّرونها كثيرًا، لكني كنتُ أخشى من جرح أَنَاها بالإشارة إلى مشكلتها وأنها ستتجاهلني في المستقبل. لذا، للإبقاء على علاقة طيبة معها، اكتفيت بالنظر دون أن أخبرها بشيء أو أساعدها عندما كشفت عن فسادها، مما يعني أنها لم تكن تتأمل ولم تعرف مشكلتها وعادت لاحقًا إلى طُرُقها القديمة. أدركت أن العيش وفقًا لهذه الفلسفات الشيطانية، هو أنني أردت فقط حماية علاقتنا، أمّا بالنسبة لباربرا، كنتُ شخصًا متفهمًا ومتعاطفًا. لم أفكر في دخولها إلى الحياة. إذا لفتُّ انتباهها فقط إلى المشكلات التي رأيتها باكرًا، لربما حَظيَتْ بشيء من الفهم عن شخصيتها الفاسدة ولما تفوّهت بمثل هذه الأشياء غير المنطقية أثناء الاجتماعات. لقد أصبحت أُرْضي الناس لحماية علاقتنا! كان هذا سلوكًا ضارًّا بحقّ! ثم فكّرت في أخت أخرى كنتُ قد تفاعلت معها. رأيت أنها غالبًا ما كانت تؤدي واجبها بلا مبالاةٍ وأنه حين لَفَت الآخرون انتباهها إلى مشكلاتها، كانت تجادلهم ولا تستطيع تقبُّل الأمر. أردت الشركة معها لمساعدتها على التأمل في نفسها، لكني شعرت أنها متقدّمة في السِّن وإن أشرت إلى مشكلتها، فسوف أجرح أَنَاها وستعتقد أنني في غاية القسوة. لذا غَضَضْتُ الطَّرف فحسب عن مشكلتها وبقيت مَرحة في الظاهر ومُتحدِّثة وودودة معها. ندمتُ فقط على عدم مساعدتها في وقت مبكر بعد أن أُعفِيَتْ بسبب لا مبالاتها في أداء واجبها. لم أعقد شركة حول مشكلاتها التي رأيتها معها إلا بعد مغادرتها فقط. ومع أنها جاءت لتتعرّف على مشكلتها، إلّا أنها عاتبتني لعدم إشارتي إلى مشكلتها مبكرًا وقالت إنها إذا تمكّنت من إصلاح أفعالها مبكرًا، فربما لم تكن لتُعْفَى. مع هذا الفكر أدركت أخيرًا أن العيش وفقًا لهذه الفلسفات وإرضاء الناس ليس هو نفسه كونك شخصًا صالحًا حقًا على الإطلاق. إنها لا تُظهِر الصدق أو التعاطف تجاه الآخرين إطلاقًا، بل هي فلسفات أنانية ومخادعة. كنتُ أعيش بشخصية شيطانية وأمقتُ الله. لطالما كانت باربرا صادقة للغاية معي، لكني اعتمدت فحسب على هذه الفلسفات وأنا أتفاعل معها ولم أمارس الحقّ. لم أفكر إلا في كيفية عدم الإساءة إليها وكيفية الحفاظ على الصورة الحَسَنة التي كوَّنتها عني، وحين رأيتها تكشف عن فسادها؛ تجاهلت الأمر فحسب. أيمكنني أن أدعو نفسي بالصديقة الصالحة وأنا أتصرف هكذا؟ أدركت أن: "التزام الصمت تجاه أخطاء الأصدقاء الصالحين يجعل الصداقة طويلة وجيدة" كانت حقًا كذبة من الشيطان ولم أعد أرغب في العيش وفقًا لها بعد اليوم.

في تأملي، أدركت أن هناك سببًا آخر لم أجرؤ بسببه على الإشارة إلى مشكلة باربرا: كنتُ أتبنَّى وجهة نظر خاطئة. لطالما اعتقدت أن الإشارة إلى مشكلة شخص آخر كانت تكشف عيبه وستجرح أنَاه وربما تُسيء إليه وأن هذا تصرُّف يَنُمّ عن الجحود. هكذا الحال مع باربرا، كنتُ دائمًا أخشى أنها ستشعر بالإهانة إن أشرت إلى مشكلتها وأن ذلك من شأنه إفساد علاقتنا، مما جعل ممارسة الحقّ أمرًا في غاية الصعوبة. لذلك دعوت الله، طالبة منه أن يرشدني لحل مشكلتي.

في بحثي، قرأت كلام الله هذا. "يطلب الله من الناس أن يُخبروا بالحق، وأن يُفصحوا عما يفكرون فيه، وألّا يحتالوا على الناس الآخرين، ولا يسخروا منهم، ولا يضللوهم، ولا يتهكموا عليهم، ولا يسيئوا إليهم، ولا يؤذوهم، ولا يكشفوا مواطن ضعفهم، ولا يستهزئوا بهم. أليست هذه هي مبادئ الحديث؟ ما معنى القول بأنه يجب ألا يكشف المرء نقاط ضعف الناس؟ يعني ألا يسعى للحصول على معلومات مهينة عن الآخرين. لا تتمسك بأخطائهم أو عيوبهم الماضية لإدانتهم أو شجبهم. هذا أقل ما يجب عليك فعله. ومن الجانب الاستباقي، كيف يُعبَّر عن الكلام الهادف؟ إنه بشكل أساسي كلام التشجيع والتوجيه والإرشاد والنصح والفهم والتعزية. وأيضًا، من الضروريّ أحيانًا الإشارة إلى أوجه القصور والنقائص والعيوب لدى الآخرين وانتقادها مباشرةً؛ فهذا مفيدٌ جدًّا للناس، ويُمثِّل مساعدةً حقيقيَّة لهم، وهو بنّاء بالنسبة إليهم، أليس كذلك؟ ... وما هو، باختصار، المبدأ الكامن وراء الكلام؟ إنه قول ما في قلبك والتحدُّث عن اختباراتك الحقيقيَّة وما تعتقده حقًّا. هذا الكلام هو الأكثر فائدةً للناس، فهو يرعى الناس ويساعدهم، وهو كلامٌ إيجابيّ. ارفض قول ذلك الكلام الزائف، ذلك الكلام الذي لا يفيد الناس ولا يبنيهم؛ فهذا سوف يتفادى إلحاق الأذى بهم، والتسبُّب في عثرتهم، وإغراقهم في السلبيَّة، وتكوُّن تأثيرٍ سلبيّ لديهم. ينبغي أن تقول أشياء إيجابيَّة. ينبغي أن تسعى جاهدًا لمساعدة الناس بقدر الإمكان لكي تنفعهم وترعاهم وتنتج فيهم إيمانًا حقيقيًّا بالله؛ وينبغي أن تسمح للناس بالحصول على المساعدة، وربح الكثير من اختباراتك لكلام الله والطريقة التي تحلّ بها المشكلات، وأن يتمكنوا من فهم مسار اختبار عمل الله والدخول إلى واقع الحقّ، ممَّا يسمح لهم بالدخول إلى الحياة وإنماء حياتهم. وهذا كلّه هو تأثير كلامك عندما تكون له مبادئ وعندما يعمل على بنيان الناس" (الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ما معنى السعي وراء الحق (3)). "إذا كانت لديك علاقةٌ جيِّدة مع أخٍ أو أختٍ، وطلب أحدهما منك إيضاح عيوبه، فكيف يجب أن تفعل ذلك؟ يرتبط هذا بالنهج الذي تتبعه في هذه المسألة. ... كيف تتعامل مع هذا الأمر إذًا وفقًا لمبدأ الحق؟ ما العمل الذي يتوافق مع الحق؟ كم عدد المبادئ ذات الصلة؟ أولًا، لا تتسبب على الأقل في تعثر الآخرين. يجب عليك أولًا أن تراعي نقاط ضعف الآخر وما طريقة التحدث معه التي لن تتسبب في تعثره. هذا هو أقل ما يجب مراعاته. وبعد ذلك، إذا كنت تعرف أنه شخص يؤمن حقًا بالله ويمكنه قبول الحق، فينبغي أن تبادر إلى مساعدته بعد ذلك عندما تلاحظ أن لديه مشكلة. فإذا لم تفعل شيئًا وسخرت منه، فهذا يعني إيذاءه والإساءة إليه. والشخص الذي يفعل ذلك ليس لديه ضمير أو حس أو محبة للآخرين. وأولئك الذين لديهم قدر ضئيل من الضمير والحس لا يمكنهم مجرد النظر إلى إخوتهم وأخواتهم على أنهم أضحوكة. ينبغي أن يفكروا في طرق مختلفة لمساعدتهم على حل مشكلتهم. ينبغي أن يجعلوا الشخص يفهم ما حدث ومكمن خطئه. وما إذا كان يمكنه التوبة فهذا شأنه؛ وسنكون قد أوفينا بمسؤوليتنا. وحتى لو لم يتب الآن، فعاجلًا أم آجلًا سيأتي يوم يعود فيه إلى رشده ولن يلومك أو يتهمك. على الأقل، يجب ألا تكون الطريقة التي تعامل بها إخوتك وأخواتك دون معايير الضمير والعقل. لا تجعل نفسك مدينًا للآخرين، بل ساعدهم إلى أقصى حد ممكن. فهذا هو ما ينبغي أن يفعله الناس. إن الذين يستطيعون معاملة إخوتهم وأخواتهم بالمحبة ووفقًا لمبادئ الحق هم خيرة الناس، وهم أيضًا أصحاب أطيب القلوب. الإخوة والأخوات الصادقون هم بالطبع أولئك الذين يمكنهم قبول الحق وممارسته. إن كان شخص ما يؤمن بالله لمجرد أن يأكل إلى حد الشبع من الخبز أو ينال البركات لكنه لا يقبل الحق، فهو ليس أخًا أو أختًا. ينبغي أن تعامل الإخوة والأخوات الصادقين وفقًا لمبادئ الحق. ومهما يكن مدى إيمانهم بالله أو الطريق الذي يسلكونه، فينبغي أن تساعدهم بروح المحبة. ما الحد الأدنى من التأثير الذي يجب أن يحققه المرء؟ أولًا: عدم إعثارهم وعدم التسبب في سلبيتهم. وثانيًا، مساعدتهم وإرجاعهم عن الطريق الخطأ. وثالثًا، مساعدتهم على فهم الحق واختيار الطريق الصحيح. لا يمكن تحقيق هذه الأنواع الثلاثة من التأثير إلا من خلال مساعدتهم بروح المحبة. إن لم تتمتع بالمحبة الصادقة، فلن تتمكن من تحقيق هذه الأنواع الثلاثة من التأثير، ولا يمكنك تحقيق سوى نوع أو اثنين في أحسن الأحوال. هذه الأنواع الثلاثة من التأثير هي أيضًا المبادئ الثلاثة لمساعدة الآخرين. أنت تعرف هذه المبادئ الثلاثة وتتعامل معها، ولكن كيف يجري تفعيلها بالفعل؟ هل تفهم صعوبة الآخر حقًا؟ أليست هذه مشكلة أخرى؟ يجب أن تقول لنفسك أيضًا: "ما أصل مشكلته؟ هل يمكنني مساعدته؟ إذا كانت قامتي ضئيلة جدًا ولا يمكنني حل مشكلته وكنت أتحدث بلا مبالاة، فقد أُوجِّهه إلى الطريق الخطأ. بالإضافة إلى ذلك، ما مدى قدرة هذا الشخص على فهم الحق وما مقدرته؟ هل هو عنيد؟ هل يفهم الأمور الروحية؟ هل يمكنه قبول الحق؟ هل يطلب الحق؟ إذا رأى أنني أكثر مقدرة منه وأقمت معه شركة، فهل ستنشأ فيه الغيرة أو السلبية؟" يجب النظر في جميع هذه الأسئلة. وبعد التفكير في هذه الأسئلة واستيضاحها من قِبلك، أَقِم شركة مع ذلك الشخص، واقرأ عدة مقاطع من كلام الله تنطبق على مشكلته، وساعده على فهم الحق في كلام الله وإيجاد طريق للممارسة. وبعد ذلك، سوف تُحل المشكلة وسوف يخرج من المشقة. هل هذه مسألة بسيطة؟ هذه ليست مسألة بسيطة. إذا كنت لا تفهم الحق، فلن تكون لما تقوله أي فائدة مهما كان. وإذا فهمت الحق، فيمكن لذلك الشخص أن يستنير ويستفيد بعبارات قليلة" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. لا يستطيع المرء التعامل مع مفاهيمه وسوء فهمه لله إلّا باتباع الحق). فهمت من كلمة الله أنه إذا كشفت عيوب إنسان لاستغلال ضعفه في الحكم عليه وإدانته وإذا كانت نواياك هي السخرية والاستهزاء به وإدانته، فهذا شيء يمقته الله. لكن إن أشرتَ إلى مشكلات الشخص وعيوبه بقصد مساعدته، فهذا شيء تنويريّ وتعبير عن التعاطف مع الآخرين وشعور بالمسؤولية عن حياتهم. إذا سعى المرء إلى الحقّ، فعندئذٍ بمساعدة الآخرين، سيتمكن من التأمل في نفسه ويتقصّى الحقّ لحل مشكلاته وسيُحرز تقدُّمًا في دخوله إلى الحياة. لكن البعض يقاومون ويكرهون التعامل معهم والإشارة إلى مشكلاتهم. هذا يُبَرْهن على أنهم لا يقبلون الحقّ وأن شخصيتهم تسأم الحقّ. رأيت ذلك قبل أن أعتقد أن الإشارة إلى مشكلات شخص آخر هي نفسها الكشف عن عيوبه وأنها مُهِمَّة بغيضة. كان هذا الرأي خاطئًا تمامًا. كما فهمت أن هناك مبادئ للإشارة إلى مشكلات الآخرين. لا يتعلق الأمر فحسب بالنوايا الحَسَنة والحماس، أو الإشارة إلى مشكلات الناس مباشرة، بصرف النظر عن هُويَّتهم. ستحتاج أحيانًا إلى استخدام الحكمة واتِّباع مبادئ الحقّ. والأمر الأكثر أهمية أن تنظر في الحقائق ذات الصِّلة، وأن تساعد الآخرين على فهم الحقّ ومشيئة الله من خلال لَفْت انتباههم إلى الأمور، وأن تقدم لهم طريقًا للممارسة. فقط حين تفعل هذا، فأنت تساعد الناس بصدقٍ. وعند هذه النقطة أدركت أخيرًا أنني لم أحصل على نتائج إيجابية عندما كنتُ أشير إلى مشكلات الآخرين في السابق لأنني لم أكن أتقصّى مبادئ الحقّ. تمامًا كما هو الحال مع روكسانا التي كانت مُتكبِّرة وتشعر بالقلق على سُمْعتها والتي لم يُتعامل معها في السابق. عندما وجدتُ أنها كانت تحيد عن موضوع شركتها، ما كان يجب أن ألفِتَ انتباهها إلى مشكلتها فحسب، بل كان يجب أيضًا أن أشاركها المبادئ على شركة كلمة الله لمساعدتها على إيجاد طريق للممارسة. كان هذا من شأنه أن يُجنِّبها التقييد ويُمكِّنها من الشركة بحسب المبادئ في الاجتماعات اللاحقة. عندما فهمت هذا المبدأ، لم أعد أخشى من الإشارة إلى مشكلات باربرا بعد اليوم، وكنتُ أعلم أنه يجب عليَّ مساعدتها بحسب المبادئ وبتعاطف حتى أحول دون أن تسلك الطريق الخطأ. دعوت وصلَّيت إلى الله في صميم قلبي: "كيف يمكنني الشركة مع باربرا بفعاليّة، ولا أقيِّدها، وفي نفس الوقت أمكِّنُها أيضًا من فهم هذا الجانب من جوانب الحقّ والتعرّف على مشكلتها؟"

كلما أُتيح لي الوقت، تفكّرت في هذه المشكلة، أبحث وأفكر في كلام الله الذي يكشف مَنْ يتباهون ويُمجِّدون أنفسهم. بحثت عن وقت للانفتاح على باربرا في الشركة ولأتحدث معها بشأن مشكلتها التي لاحظتها خلال هذه الفترة وأيضًا الشركة معها حول طبيعة وعواقب التباهي والموقف الذي يتعامل به الله مع هذا النوع من السلوك. بعد أن عقدتُ شركة معها، أدركت باربرا أخيرًا خطورة مشكلتها، وأدرَكَتْ أن هَوَس المكانة كان يسيطر عليها وأنها أحبّت أن يكون لها مكانًا في قلوب الناس وحَمْلهم على إجلالها وأن هذا النوع من المساعي يمتقه الله. لاحقًا، وفي أحد الاجتماعات، مَضَتْ في تحليل هذا السلوك والانفتاح عليه، مما ساعد الجميع على التعرّف عليه. رؤية باربرا قادرة على التأمل والتعرّف على مشكلتها وكراهية نفسها، أشعرتني بالسعادة. لكن في الوقت نفسه، شعرت بالذنب. ندمت على أن الأمر استغرق مني حتى اللحظة للشركة ولَفْت انتباهها إلى هذا. لم تتحيّز ضدي لأنني أشرت وكشفت مشكلتها، ولم تنهار علاقتنا، بل صِرنا أقرب من ذي قبل. لقد أدركتُ فقط أن العيش وفقًا لكلمة الله والتفاعل مع الناس بحسب المبادئ يمنح المرء شعورًا بالسلام.

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

تأملات حول كتابة تقييم

في إبريل الماضي، كنت مسؤولة عن العمل النَّصي في الكنيسة. وذات يوم جاءني خطاب من قائدة أعلى تسألني أن أكتب تقييمًا عن قائدة، ليو لي، وأرسله...

سبب عدم قبولي الإشراف

كنت أروي الوافدين الجدد في الكنيسة منذ أكثر من عام. في سياق واجبي، أتقنت تدريجيًا بعض المبادئ، كما تحسنت سقايتي للوافدين الجدد. شعرت أن لدي...

اترك رد