كيف على المرء أن ينظر إلى واجبه
بعد أن أصبحت مؤمنًا بوقت قصير، لاحظت أنّ الإخوة والأخوات القادة كثيرًا ما كانوا يعقدون اجتماعات ويقومون بشركات عن الحق، وكان لبعضهم واجبات تتطلّب مهارات، مثل صنع فيديوهات والإنشاد والرقص. قدّرتهم فعلًا واعتبرت أنّ عملهم يثير الإعجاب. أمّا بالنسبة إلى الذين يهتمّون بالضيافة أو شؤون الكنيسة، فلم تكن واجباتهم مهمةً ولم تتطلّب مهارات، فما كان أصحابها سيلقون الاحترام أبدًا. فكّرت في أنّني أريد واجبًا يمكن أن يُعلي من شأني في المستقبل. بعد سنتين، أوكِلَ لي واجب التأليف. كنت سعيدًا جدًا، خصوصًا أنّني كلما ذهبت إلى الكنيسة لتقديم الإرشاد حول عمل التأليف، كان كل الإخوة والأخوات يعاملونني بمودة وينظرون إليّ بإعجاب. كنت مسرورًا فعلًا، وشعرت بأنّ واجبي حظي بإعجابٍ أكثر من واجبات أخرى. عام 2018، أُرسِلت إلى بقعة أخرى لتأدية واجبي. بينما كنت هناك، عندما اكتشف أحد الإخوة ذات مرة ما كان واجبي، بدأ يتحدّث معي عنه. أسعدتني جدًا رؤية تقديره لي، وشعرت بأنّ تأدية ذلك الواجب كان شرفًا فعلًا.
كنت في حالة متواصلة من الغرور والإعجاب بالذات خلال تلك الفترة. كنت أتنافس من أجل الشهرة والربح في واجبي ولا آخذه على محمل الجد. صُرفت من منصبي بعد شهرين لأنّني لم أحقّق شيئًا. أشعرني ذلك باستياء كبير وبالقليل من السلبية، فقام القائد بشركة عن مشيئة الله معي وقال: "يحتاج بيت الله إلى عمّال مسرح لأفلامنا. يمكنك القيام بذلك. مهما كان واجبك، عليك أن تسعى إلى الحق وتبذل قصارى جهدك للقيام بواجبك جيدًا". لم أعرف فعلًا ما ينطوي عليه ذلك الواجب، لكن توقّعت أنّه عليّ الخضوع ليس إلا، لأنّ هذا ما دبّره القائد. بعد أن كنت عامل مسرح لبعض الوقت، أدركت أنّ معظم العمل كان عملًا جسديًا شاقًا يقضي بنقل كل أنواع الدعائم. لم يشمل أي مهارات، بل الكثير من العمل التحضيري والأعمال الصغيرة المختلفة ليس إلا. ففكّرت: "سابقًا، تطلّب واجب التأليف أن أستعمل عقلي. كان واجبًا محترَمًا ومقدَّرًا. نقل كل قطع الديكور هذه هو عمل جسدي. إنّه قذر ومتعب. هل سينظر إليّ الإخوة والأخوات نظرة استصغار؟" أذابت هذه الفكرة قلبي وشعرت ببعض المقاومة للقيام بواجبي. مذّاك، عملت بفتور وتهرّبت من العمل عندما استطعت. أحيانًا، عندما كانت تنقصنا دعامة واضطررنا إلى استعارتها من أخ أو أخت، كنت أطلب من شخص غيري أن يطلبها، خشية أنّني لو كنت أنا من قام بالعمل، فسيكتشف الإخوة والأخوات الذين كانوا يعرفونني أنّني نُقلت من واجبي السابق، وأنّني أقوم الآن بعمل مسرحي وضيع. فماذا سيكون رأيهم بي آنذاك؟ لم أرِد العمل على المهارات ذات الصلة أيضًا، خشية أن أقوم بهذا الواجب إلى الأبد إن تعلّمت أكثر، وألّا يحلّ أبدًا اليوم الذي أبرز فيه. أحيانًا، خلال التصوير، كان المخرج يطلب منّي أن أضع دعامات بطرق معينة. أشعرني هذا دائمًا بإزعاج شديد، وكأنّه إحراج لي. فكّرت في كيف أنّه في السابق، في واجب التأليف، احترمني الآخرون واتبعوا إرشادي، لكن الآن، أنا من يتلقّى الأوامر. كان هذا فعلًا تخفيض رتبة. ذات مرة، طلب منّي أخ أن أخرج لإحضار قشّ أرزّ للديكور، لكنّني لم أرِد القيام بهذا فعلًا. ففكّرت: "الخروج لفعل هذا محرج جدًا. إن رأى الإخوة والأخوات ذلك، فسيظنّون حتمًا أنّه ليست لي فرصة بالنجاح بما أنّني أقوم بهذا النوع من العمل في هذه السن المبكرة". لكن بما أنّه كان ضروريًا لواجبي، انتظرت إلى أن لم يكن هناك أحد في الخارج وحضّرت نفسي للقيام بالعمل. رأيت أخًا يقترب بينما كنت أجمع قش الأرزّ. كان ينتعل حذاءً جلديًا وجوربين أبيضين – بدا نظيفًا جدًا. بينما أنا، فكنت قذرًا من رأسي إلى أخمص قدميّ. شعرت فجأةً بالأسى والاستياء وفكّرت: "نحن في السن عينها، لكنّه يقوم بواجب جميل ونظيف، بينما أنا لا أقدر سوى على القيام بالعمل القذر كجمع قشّ الأرزّ. يا له من فارق هائل! كم هذا محرج! سأعود وأقول للقائد إنّني لم أعُد أريد القيام بهذا الواجب، وأطلب منه أن يوكِلني بشيء آخر".
بعد عودتي، شعرت بارتباك كبير، وتساءلت عمّا إن كان يجب أن أقول شيئًا للقائد. إن لم أقُل شيئًا، فيجب أن أتابع القيام بهذا الواجب، لكن إن عبّرت عن رأيي وقلت إنّني لا أريد القيام بواجبي، فسيكون هذا بمثابة التخلي عن واجبي. عند هذه الفكرة، كبتُّ مشاعري ولم أقُل شيئًا. بعد مرور فترة وجيزة على هذا، دبّر القائد حضور عمّال المسرح والمؤدّين للاجتماعات معًا. لم يسعدني هذا بتاتًا. هم يستطيعون أن يَلقوا الاحترام وينعموا بالأضواء، بينما أنا كنت أقوم بعمل وضيع. لم نكن على المستوى عينه ببساطة. ألن يُبرز التجمع معًا دونيّتي؟ شارك الجميع بشركات في الاجتماعات بنشاط، لكنّني لم أرِد مشاركة أي شيء. في الاجتماعات مع المؤدين، شعرت بأنّ غايتي لم تكن سوى جعلهم يبدون أكثر تفوّقًا. كان هذا محبطًا. مع مرور الوقت، ازدادت الكآبة في روحي، ولم أعُد حتى أريد الذهاب إلى الاجتماعات. كثيرًا ما استذكرت الوقت الذي قمت فيه بواجب التأليف، عندما كان الإخوة والأخوات يحيّونني بحماس وكان القائد يقدّرني. منذ أن صُرفت من ذلك الواجب، لم أكن أقوم سوى بأعمال صغيرة مختلفة، ولم يعُد أحد مُعجبًا بي. كنت حزينًا وبائسًا، وشعرت بدونية ومعاداة للمجتمع أكثر فأكثر. كنت كئيبًا باستمرار، وبالكاد شعرت براحة نفسية. فقدت الكثير من الوزن بسرعة كبيرة. ذات مساء، بينما كنت أتنزّه بمفردي، لم أعُد أستطيع كبت البؤس الذي كان في داخلي. فصلّيت لله باكيًا: "يا الله! في الماضي، كنت مصممًا على السعي إلى الحق والقيام بواجبي لإرضائك، لكن الآن، بما أنّني لا أملك فرصة التباهي في واجبي، أشعر دائمًا بدونية للآخرين. أنا سلبي وضعيف جدًا، وأشعر بأنّني على وشك خيانتك في أي لحظة. يا الله، لا أريد الاستمرار بهذه السلبية الشديدة، لكن لا أعرف ما عليّ فعله. أرجوك أن ترشدني وتخرجني من هذه الحالة".
بعد ذلك، قرأت هذا المقطع من كلام الله: "كيف يأتي الواجب إلى الوجود؟ من وجهة النظر العامة، يأتي الواجب إلى الوجود نتيجة عمل تدبير الله لمنح الخلاص للبشر. ومن وجهة نظر محددة، فيما يتكشف عمل تدبير الله بين البشر تنشأ مهامٌ مختلفة يجب عملها وتتطلَّب من الناس التعاون وإكمالها. وقد أدَّى هذا لظهور مسؤوليَّاتٍ ومهام يتعيَّن على الناس إتمامها، وهذه المسؤوليَّات والمهام هي الواجبات التي يمنحها الله للبشر" (من "تسجيلات لأحاديث المسيح"). "مهما كان واجبك، لا تُميِّز بين الأعلى والأدنى. لنفترض أنك تقول: "على الرغم من أن هذه المُهمَّة تكليفٌ من الله وعمل بيت الله، قد ينظر الناس لي باحتقارٍ إذا فعلتها. يُؤدِّي آخرون عملًا يجعلهم يتميزون. فكيف يمكن لهذه المُهمَّة التي لا تدعني أتميز بل تجعلني أُجهد نفسي خلف الكواليس أن تُسمَّى واجبًا؟ هذا واجبٌ لا يمكنني قبوله؛ فهذا ليس واجبي. يجب أن يكون واجبي من النوع الذي يجعلني أتميز أمام الآخرين ويسمح لي بأن أصبح مشهورًا – وحتَّى إذا لم أصبح مشهورًا أو إذا لم أتميز، فما زال يتعيَّن أن أستفيد من ذلك وأشعر بالراحة الجسدية". هل هذا موقفٌ مقبول؟ كثرة التدقيق تعني عدم قبول ما يأتي من الله، أي اتّخاذ الخيارات وفقًا لتفضيلاتك الخاصَّة. وهذا يعتبر عدم قبول لواجبك بل هو رفضٌ له. بمُجرَّد أن تحاول الانتقاء والاختيار، لن تعود قادرًا على القبول الحقيقيّ. فكثرة التدقيق هذه مشوبةٌ بتفضيلاتك وبرغباتك الفرديَّة. وعندما تُفكِّر في مصلحتك الشخصيَّة وسُمعتك وما إلى ذلك، فإن موقفك تجاه واجبك لا يعتبر خضوعًا. إليك الموقف من الواجب: أوَّلًا، لا يمكنك تحليله أو التفكير فيمن كلفك به. وبدلًا من ذلك، يجب أن تقبله من الله باعتباره واجبك وما يجب عليك عمله. وثانيًا، لا تُميِّز بين الأعلى والأدنى ولا تشغل نفسك بطبيعته سواء تم فعله أمام الناس أو بعيدًا عن أنظارهم، وسواء سمح لك بالظهور أم لا. لا تُفكِّر في هذه الأشياء. هاتان هما السمتان اللتان يجب أن يتعامل بهما الناس مع واجبهم" (من "تسجيلات لأحاديث المسيح"). أرتني قراءة هذا المقطع أنّ لديّ المنظور والسلوك الخاطئين حيال واجبي. يتطلّب الله منّا أن نؤدّي واجبنا، ومن الصحيح والملائم أن نقوم به. لا يُفترض بنا أن نحظى بخيار في المسألة. لكنّني سمحت لتفضيلاتي بأن تعترض طريقي، ولم أرِد سوى واجب مقدَّر ومحترَم. كنت أعارض أي شيء في الكواليس أو أي شيء غير لافت وأرفضه. لم أخضع لحكم الله وترتيباته. حتى إنّني كنت مقصّرًا وسلبيًا ورفضت العمل، وكنت أعارض الله. تذكّرت عندما كان إيماني حديثًا. حسدت القادة والإخوة والأخوات الذين كانوا يؤدّون. ظننت أنّ تلك الواجبات رفيعة الشأن ويقدّرها الآخرون، وأنّ الأشخاص الذين يقومون بعمل جسدي أقل بروزًا لم يملكوا مهارات فعليةً تُذكر. اعتقدت أنّ هذا النوع من الواجبات كان وضيعًا وأنّ الناس نظروا إليه بفوقيّة. بما أنّ تفكيري كان مضلَلًا، كنت قد صنّفت الواجبات في درجات مختلفة، فعندما بدأت كعامل مسرح، ظننت أنّني كنت أقوم بمجرد أعمال صغيرة وضيعة وأنّها ستشوّه سمعتي واعتباري. كنت مقاومًا فعلًا لواجبي، ولم أرِد الخضوع. لم أتحمّل مسؤولية واجبي ولم أرِد تعلم المهارات التي كان يجدر بي تعلّمها. حتى أنّني فكّرت في الاستسلام وخيانة الله. رأيت أنّني لم أكترث سوى لتفضيلاتي الشخصية في واجبي، وأنّني لم أفكّر سوى في غروري وهيبتي ومصالحي الخاصة. كنت أفتقر فعلًا إلى الطاعة الحقيقية، ناهيكم عن أن أراعي مشيئة الله أو أؤدّي واجبي جيدًا. كان سلوكي مقرفًا وبغيضًا جدًا بنظر الله! أدركت أنّ هذا مزعج، فألقيت اللوم على نفسي.
لاحقًا، قرأت كلام الله هذا: "البشر كائناتٌ مخلوقة. فماهي وظائف الكائنات المخلوقة؟ هذا يخصّ ممارسات الناس وواجباتهم. أنت كائنٌ مخلوق؛ فقد منحك الله عطيَّة الترتيل. وعندما يستخدمك للترتيل، ماذا يجب أن تفعل؟ يجب أن تقبل هذه المُهمَّة التي أوكلها الله لك وأن تُرتِّل ترتيلًا جيِّدًا. عندما يستخدمك الله لنشر الإنجيل، ماذا تصبح ككائنٍ مخلوق؟ تصبح مُبشِّرًا. وعندما يريدك أن تقود، يجب أن تتولَّى هذا التكليف. إذا تمكَّنت من أداء هذا الواجب وفقًا لمبادئ الحقّ، فسوف تكون هذه وظيفة أخرى تخدمها. بعض الناس لا يفهمون الحقّ ولا يتبعونه وبالكاد يمكنهم بذل الجهد. فما وظيفة أولئك المخلوقات إذًا؟ وظيفتهم بذل الجهد وتقديم الخدمة" (من "فقط من خلال تقصي الحق يمكنك معرفة أعمال الله" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). من كلام الله، تعلّمت أنّه مهما كان الواجب الذي يقوم به المرء في بيت الله، ما إن بدا لافتًا أم لا، ثمة أسماء ووظائف مختلفة للواجبات ليس إلا، لكنّ مسؤولية المرء الشخصية تبقى ذاتها. لا تتغيّر هوية الشخص وجوهره المتأصلان، سيبقى دائمًا كائنًا مخلوقًا. كنت كائنًا مخلوقًا في واجبي كمؤلف، وبقيت كائنًا مخلوقًا في واجبي كعامل مسرح. ما من هرمية في الواجبات ضمن بيت الله، وكل شيء مدبّر بالاستناد إلى ما نحتاج إليه، وبحسب قامة كل فرد ومقدرته ونقاط قوّته. مهما كان الواجب، تقضي مشيئة الله بأن نبذل قصارى جهودنا بصدق في واجباتنا، وأن نكون ثابتين في مسعانا إلى الحق، ونجد حلًّا لشخصياتنا الفاسدة ونقوم بواجباتنا جيدًا. كما هو مذكور في كلام الله، "الوظائف ليست نفسها. هناك جسد واحد؛ حيث يقوم كل واحد بواجبه، وكل في مكانه ويبذل قصارى جهده – لكل شرارة وميض نور واحد – ويسعى إلى النضج في الحياة. هكذا سوف أكون راضيًا" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أقوال المسيح في البدء، الفصل الحادي والعشرون). دبّر لي قائد الكنيسة أن أقوم بواجب عامل مسرح لأنّ هذا ما كان يحتاج إليه العمل ، ولا يجب أن أكون انتقائيًا أو صعب الإرضاء بالارتكاز على تفضيلاتي، بل يجب أن أخضع لحكم الله وترتيباته. يجب أن أضع الدعائم كما يلزم للبرامج وأقوم بعملي لكل إنتاج مقدِّمًا الشهادة لله. كانت هذه وظيفتي. تغيّر منظوري قليلًا بعد فهم مشيئة الله، وتخلّيت عمّا كان يثقل كاهلي لوقت طويل. تمكّنت أيضًا من مقاربة واجبي بشكل صحيح. مذّاك، بحثت بجدٍّ عن مواد ومعلومات مرجعية للعمل على المهارات، وفي الاجتماعات مع المؤدين، ما عدت أقارن بين واجباتنا، بل فتحت قلبي بشأن تمرّدي وفسادي. قمت بشركات عن كل الفهم الذي كسبته. في واجبي بعد ذلك، ظهر أحيانًا خوفي من أن يُنظر إليّ بفوقيّة، وأدركت أنّني عدت إلى تصنيف الواجبات إلى مراتب، فكنت أصلّي لله بسرعة وأهمل تفكيري الخاطئ، وأركّز على واجبي، وأضع إرضاء الله كأولوية. شعرت باسترخاء وراحة كبيرين بعد الممارسة بهذه الطريقة لبعض الوقت. لم أعُد أشعر بأنّ العمل على المسرح ونقل الدعائم هو واجب وضيع. بل شعرت بأنّ الله قد عهد إليّ بمسؤوليةً. كنت مشرَّفًا وفخورًا بأن أتمكّن من القيام بهذا الواجب، وأن أؤدّي دوري للإنتاجات السينمائية في بيت الله.
ظننت أنّني ربحت بعض القامة بعد أن كُشفت بتلك الطريقة، وأنّني سأتمكّن من الخضوع لترتيبات الله في واجبي، وأنّني لن أكون سلبيًا ومتمردًا بعد ذلك لأنّ واجبي لم يكن مميزًا. لكنّ في المرة التالية التي واجهت فيها وضعًا لم يعجبني، عادت تلك المشكلة القديمة إلى الظهور.
بعد شهرين، عندما كان موسم المزارعين ناشطًا، كان بعض الإخوة والأخوات غائبين لنشر الإنجيل ولم يستطيعوا العودة في موعد الحصاد. فسألني القائد إن كان بوسعي أن أساعدهم في عمل الزراعة. ففكّرت: "قد يطمئن هذا بال هؤلاء الإخوة والأخوات كي يركّزوا على عمل الإنجيل، وسيكون مفيدًا لعمل بيت الله، فيجب أن أتولّى العمل". لكن عندما ذهبت إلى الحقول، رأيت أنّ الإخوة الآخرين هناك كانوا في أربعيناتهم وخمسيناتهم. لم يكن هناك أي شخص في عشريناته مثلي. لم أكن مسرورًا جدًا. آنذاك، اقترب منّي أخ وسألني متفاجئًا: "يا أخي، كيف لديك الوقت لتأتي وتعمل في الحقول؟ ألا تقوم بواجب التأليف؟" فشعرت بإحراج فورًا وأجبت بسرعة: "أنا آتٍ للمساعدة بشكل مؤقّت ليس إلا". بعد أن ابتعد، فكّرت: "ماذا سيكون رأيه بي؟ هل سيعتقد أنّ قدومي للقيام بهذا النوع من العمل في سنّي يعني أنّني لا أملك مقدرةً أو موهبةً حقيقيةً، وأنّني هنا لمجرد عدم قدرتي على استلام واجب مهم؟ هذا انحدار فعليّ!" اشتدّ غضبي أكثر فأكثر. مع أنّني كنت أقوم بالعمل جسديًا، لكنّ عقلي كان مليئًا بأفكار عن رأي الإخوة هناك بي، وما إن كانوا سينظرون إليّ نظرة فوقية. تدبّرت أمري في العمل. عندما وصلت إلى البيت، رأيت بعض الإخوة الآخرين أمام حواسيب يقومون بواجباتهم، وشعرت فجأةً كأنّني أدنى درجةً. ففكّرت: "واجبات الآخرين أفضل من واجباتي. لماذا عليّ أن أذهب وأكدح في الحقول؟ مهما كان الوضع، لقد ارتدتُ الجامعة على الأقل، وعملت بجد في دراستي. ألم يكن هذا للهرب من قدر المزارع بالعمل في الحقول طوال اليوم؟ لن أذهب غدًا". عرفت أنّه ما كان يجدر بي التفكير بتلك الطريقة، لكنّني شعرت بأنّني مغبون جدًا، واعتقدت أنّ جعلي أعمل في الحقول كان هدرًا لموهبتي وعارًا لي. أصبحت أكثر اضطرابًا كلّما فكّرت في الأمر، فصلّيت لله: "يا الله، أشعر بأنّ الكدح والتعرق في العمل الزراعي واجب متدنٍ سينظر إليه الآخرون بفوقية. لم أعُد أريد القيام به. أعرف أنّ تفكيري هذا خاطئ، لكن ليس بيدي حيلة. أنا بائس فعلًا. أرجوك أن تنيرني وترشدني كي أفهم مشيئتك وأطيعك". بعد صلاتي، قرأت كلام الله هذا: "ما هو الخضوع الحقيقي؟ كلّما فعل الله شيئًا يتماشى مع طريقتك، وشعرتَ أن كل شيء مرضٍ وملائم، وسُمح لك بالتميّز، فإنك تشعر أن ذلك أمر عظيم تمامًا؛ ومن ثم تقول "شكرًا لله"، وتتمكَّن من الخضوع لتنظيماته وترتيباته. لكن كلما تم تعيين مكان عاديّ لك لا تستطيع التميز فيه، ولا يعترف بك الآخرون مطلقًا، فإنك تتوقف عن الشعور بالسعادة، وتجد صعوبة في الخضوع. ... عادة ما يكون التسليم عندما تكون الظروف مواتية سهلًا. إذا استطعت أيضًا الخضوع في الظروف المعاكسة – عندما لا تسير الأمور مثلما تريد، وتتضرَّر مشاعرك، وتجعلك تلك الظروف ضعيفًا، وتجعلك تعاني جسديًا وتوجِّه ضربة لسمعتك، ولا يمكن أن ترضي غرورك وكبرياءك، ويجعلك ذلك تعاني نفسيًا، فعندئذٍ تكون حقًا قد ملكت قوامًا. أليس هذا هو الهدف الذي يجب أن تسعى إليه؟ إذا كان لديكم مثل هذا العزم، ومثل هذا الهدف، فهناك أمل" (من "مشاركات الله").
شعرت بالعار بينما فكّرت في كلام الله. فقد كشف عن حالتي بالكامل. عندما ظننت أنّ بوسعي التباهي خلال قيامي بواجب التأليف، كنت بغاية السعادة كي أقبل بهذا وأخضع، وأدّيت واجبي بحماسة. لكن عندما كنت أساعد في الحقول، وتأثّر غروري وصورتي، أصبحت مستاءً وغير مستعد للعمل. خصوصًا عندما رأيت إخوةً آخرين يعملون أمام حواسيبهم، فشعرت بأنّني لست بمقامهم. وفقدت توازني، وظننت أنّه بما أنّني متعلّم، يجب أن أقوم بواجب محترم يتطلّب مهارات. قاومت وتذمّرت، ولم أرِد إكمال العمل الزراعي. في واجبي، لم أفكّر فيمَ سيفيد بيت الله، ولم أراعِ مشيئته. بل فكّرت في غروري كل مرة. كنت أنانيًا وبغيضًا جدًا. لم أكن أرى نفسي كفرد من بيت الله بتاتًا. المؤمن الحقيقي الذي يراعي مشيئة الله يعتبر القيام بواجبه كمسؤوليته الخاصة، ويقدّم المساعدة حيثما احتيج إليه، حتى لو كان الواجب صعبًا ومتعبًا أو عرّض سمعته أو مصالحه للخطر. طالما الواجب يخدم عمل الكنيسة، يأخذ المؤمن المبادرة للقيام به جيدًا. هؤلاء الناس وحدهم يتمتّعون بإنسانية ويدعمون بيت الله. فكّرت في عملي الحديث في حصاد الخريف. احتاج بعض الإخوة والأخوات إلى المساعدة، واستطاع عدد آخر من الناس أيضًا أن يقدّموا المساعدة، إذًا لماذا أعطاني الله الفرصة بهذا الواجب؟ من المؤكد أنّني لم أضفِ قيمةً معيّنةً إلى ذلك العمل. لكنّ الله كان يكشف سلوكي تجاه واجبي عبر جعلي أقوم بعمل قذر ومتعب كي أدرك فسادي وعيوبي خلال قيامي بذلك الواجب، ثم أسعى إلى الحق لإيجاد حل لشخصيتي الفاسدة. لكنّني لم أفهم نوايا الله الحسنة. كنت لا أزال صعب الإرضاء في واجبي وكانت لي دائمًا تفضيلاتي ومطالبي. لم أستطع الخضوع لترتيبات الله وتدبيراته، بل تمرّدت على الله وقاومته. لقد آذيته فعلًا! فهمت أنّ مشيئة الله هدفت إلى الكشف عن شخصيتي الفاسدة وتطهيرها عبر ذلك الوضع، وإلى تصحيح سلوكي تجاه واجبي. كانت هذه محبة الله. لا يهم إن عُيّنتُ في عمل قذر ومتعب أو لا يثير الإعجاب. طالما هو يفيد عمل الكنيسة، يجب أن أقبل به بلا شروط وأخضع وأبذل قصارى جهدي للقيام به. هذا وحده هو الشخص الذي يتمتّع بضمير وعقل. بينما توصّلت إلى هذا الفهم، ربحت حسًا بالهدوء تدريجيًا.
لم يسعني ألا أتأمّل في نفسي: لماذا كنت مقاومًا ومستاءً جدًا عندما اضطررت إلى القيام بواجب غير لافت؟ لماذا لم أتمكّن من القبول به والخضوع فعلًا؟ في سعيي، قرأت هذا المقطع من كلام الله: "يفسد الشيطان الناس من خلال التعليم ونفوذ الحكومات الوطنية والمشاهير والعظماء؛ فقد أصبحت أكاذيبهم وتُرَّهاتُهم تمثّل حياة الإنسان وطبيعته. "اللهمّ أسألك نفسي، فليخلّص كل واحد نفسه" مقولة شيطانيَّة معروفة غُرست في نفس كل إنسان وأصبح ذلك حياة الإنسان. ثَمَّة كلمات أخرى عن فلسفات العيش تشبه تلك العبارة. يستخدم الشيطان الثقافة التقليدية الراقية لكل أمة ليُعلِّم الناس، فيدفع بالبشرية نحو السقوط في هوة هلاك لا قرار لها تبتلعهم، حتى يفنيهم الله في النهاية لأنهم يخدمون الشيطان ويقاومون الله. ... ما زالت توجد سموم شيطانية كثيرة في حياة الناس، وفي سلوكهم وتصرفاتهم؛ فهم يكادون لا يملكون أي حقٍّ على الإطلاق. على سبيل المثال، تمتلئ فلسفاتهم للعيش، وطرقهم في عمل الأشياء، ومسلَّماتهم، بسموم التنين العظيم الأحمر، وتأتي جميعها من الشيطان. وهكذا فإن جميع الأشياء التي تسري داخل عظام الناس ودمهم كلها أشياء من الشيطان" (من "كيفية معرفة طبيعة الإنسان" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). ساعدني كلام الله على فهم أنّ كوني عاصيًا وانتقائيًّا في واجبي يعود سببه إلى أنّ سموم الشيطان قد لقّنتني وأفسدتني، مثل "اللهم نفسي، وليبحث كل مرء عن مصلحته فقط"، و"أصحاب العقول يحكمون أصحاب العضلات"، و"الأكثر حكمةً أو الأكثر حماقةً وحدهما من لا يتغيّران أبدًا"، ولأنّني كنت أسعى إلى البروز والتفوق على الآخرين. تذكّرت أيام المدرسة. لطالما قال لي أساتذتي ووالداي أن أعمل بجهد كي أرتاد جامعةً جيدةً وأهرب من عمل الزراعة، وأنّ هذا هو الطريق الوحيد للتقدم. لذا درست بجد منذ أن كنت طفلًا، على أمل أن أنال شهادةً مميزةً وأجد وظيفةً محترمةً كمشرف أو مدير، وظيفة مثيرة للإعجاب يقدّرها الآخرون. بعد أن أصبحت مؤمنًا، استمررت بتقييم الواجبات في بيت الله من منظور الكافر، وصنّفت واجباتي بحسب مراتب. ظننت أنّ منصب القائد أو القيام بشيء يرتكز على المهارات هو أمر محترم، وأنّ الإخوة والأخوات سيقدّرون واجبات كهذه، أمّا الواجبات الجسدية الصعبة في الكواليس، فهي وضيعة ويُنظر إليها بفوقية. رأيت أنّ هذه السموم الشيطانية قد أصبحت طبيعتي الخاصة وهيمنت على أفكاري، وجعلتني أسعى بعناد إلى الشهرة والمكانة، وأرغب دائمًا في أن أكون مميزًا. عندما هدّد شيء ما هيبتي ومكانتي، كنت سلبيًا ومقاومًا. لم أستطع ببساطة القبول بمكاني والقيام بواجبي ككائن مخلوق. افتقرت إلى كل الضمير والعقل. عرفت أنّني إذا تابعت العيش بحسب هذه السموم الشيطانية، ولم أسعَ إلى الحق ولم أقُم بواجبي كما يتطلّب الله، فلن أعجز عن ربح الحق والحياة فحسب، بل سأقزّز الله وأُقصى. بعد إدراك كل هذا، عزمت على إهمال جسدي وإرضاء الله. لم أعُد أريد العيش بحسب سموم الشيطان. ذهبت للعمل في الحقول من جديد في اليوم التالي.
لاحقًا، قرأت بعض الكلام من الله. "إنني لا أحدد مصير كل شخص على أساس العمر والأقدمية وحجم المعاناة وأقل من ذلك مدى استدرارهم للشفقة، وإنما وفقًا لما إذا كانوا يملكون الحق. لا يوجد خيار آخر غير هذا" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أَعْدِدْ ما يكفي من الأعمال الصالحة من أجل غايتك). "وفي النهاية، لا تعتمد إمكانيَّة نيل الناس للخلاص من عدمه على الواجب الذي يُتمِّمونه بل على ما إذا كانوا قد فهموا الحقّ واكتسبوه، وعلى ما إذا كان بإمكانهم الخضوع لترتيبات الله وأن يكونوا كائنات حقيقيَّة مخلوقة. الله بارٌّ، وهذا هو المبدأ الذي يقيس به جميع البشر. فهذا المبدأ غير قابلٍ للتغيير، وينبغي أن تتذكَّره. لا تُفكِّر في إيجاد طريقٍ آخر، ولا السعي وراء أمر غير واقعي. والمعايير التي يطلبها الله من جميع الذين ينالون الخلاص لا تتغيَّر أبدًا، بل تظلّ كما هي بغضّ النظر عن هويَّتك" (من "تسجيلات لأحاديث المسيح"). استطعت رؤية شخصية الله البارّة في كلامه. لا يحدّد الله آخرة شخص وغايته بالاستناد إلى الواجب الذي يقوم به، أو كمية العمل الذي قام به، أو مدى إسهامه. ينظر الله إلى ما إن كان الشخص يستطيع الخضوع لحكمه وترتيباته ويقوم بواجب كائن مخلوق، وما إن كان قادرًا في النهاية على ربح الحق وتغيير شخصيته الحياتية. من دون السعي إلى الحق في إيماني، إذًا مهما قد يبدو واجبي للآخرين مذهلًا ومثيرًا للإعجاب، فلن أتمكّن أبدًا من ربح الحق، ناهيكم عن ربح رضا الله وخلاصه الكامل. فكّرت في مسيح دجّال قد طردته كنيستنا. كانت قد أدّت بعض الواجبات المهمة وعملت كقائدة، وقدّرها بعض أفراد الكنيسة الجُدد. لكنّها لم تسعَ إلى الحق أو إلى تغيير شخصيتها في واجبها، بل تنافسَت على الشهرة والمكانة وتمسّكَت بطريق المسيح الدجّال. اقترفَت كل أنواع الشر وعرقلَت عمل بيت الله. لذا طُردت في النهاية. رأيت أيضًا أنّ بعض الإخوة والأخوات كانوا يقومون بواجبات عادية، ولم تبدُ كواجبات مميزة، لكنّهم قاموا بها بصمت ودون تذمر. عندما واجهوا مشاكل، كانوا يسعون إلى الحق ومشيئة الله. امتلكوا استنارة الروح القدس وإرشاده في واجباتهم، فتحسّن عملهم أكثر فأكثر. عاشوا شبه الإنسان الحقيقي أكثر فأكثر. أراني هذا أنّه في الإيمان، لا علاقة لربح الحق بواجب المرء. بغضّ النظر عن الواجب الذي يقوم به المرء، فالسعي إلى الحق وتغيير الشخصية أمران أساسيان. هذا هو الطريق الصحيح الوحيد الذي يجب أن نسلكه. الآن، ما إن طلب منّي القائد أن أعمل كعامل مسرح أو مزارع، فكل هذا حكم الله وترتيباته، وهو ما أحتاج إليه كي أدخل الحياة. فيجب أن أعتنقه دائمًا وأخضع له. في واجبي، يجب أن أسعى إلى الحق وأمارس كلام الله وأتصرّف بحسب مبادئ الحق. هذا وحده ينسجم مع مشيئة الله. أعطاني إدراك كل هذا حسًا بالحرية. لاحقًا، عيّنني القائد في واجبات عادية أكثر، وقد قبلت بها بهدوء. حتى أنّني عرضت المساعدة على الإخوة والأخوات في عمل البيت في وقت فراغي. عندما مارست بتلك الطريقة، وجدت أنّني ما إن كنت أساعد في التنظيف أو زرع أشجار أو حفر خندق، فثمة درس أتعلّمه دائمًا. لم يكن الله متحاملًا عليّ لأنّني كنت أقوم بعمل جسدي. طالما عملت بصدق وسعيت إلى الحق ومارست كلام الله، استطعت تحقيق نتائج في أي شيء.
بعد اختبار هذا، أدركت فعلًا أنّه بغضّ النظر عن واجبي، كان هذا ما دبّره الله، وكان ما احتجت إليه لدخول الحياة. يجب أن أقبل به دائمًا وأطيع وأتمّ واجبي ومسؤولياتي، وأسعى إلى الحق وتغيير شخصيتي خلال هذه العملية. مع أنّني لطالما صنّفت واجبات مختلفةً، وقاومت عندما واجهت واجبًا لم يعجبني، وامتلأت تمردًا ومعارضةً لله، لكنّه لم يعاملني بالاستناد إلى تعدّياتي. بل أرشدني خطوةً تلو الأخرى بكلامه، وسمح لي بفهم الحق ومعرفة مسؤولية الكائن المخلوق ومهمته. لقد بدّل منظوراتي المضلَّلة كي أقارب واجبي بشكل ملائم وأبدأ بإطاعته. كانت هذه محبة الله. الشكر لله!
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.