ماذا يكمن وراء التساهل مع الآخرين
قبل بضعة أشهر، كلف أحد القادة أنا والأخ كونور بمسؤولية أعمال السقاية. سرعان ما لاحظت أنه لم يتحمل الكثير من العبء في عمله. لم يكن يشارك ولا يساعد الناس في حل مشاكلهم بسرعة، ولم ينخرط في مناقشات العمل. قال لي القائد إن كونور كان متراخيًا وغير مسؤول، وعليَّ أن أشارك معه. ففكرت: ربما كان مشغولًا، ولذا نحَّى بعض العمل جانبًا. اعتقدت أن الأمر لم يكن وكأنه لم يعمل إطلاقًا. لا ينبغي أن أتوقع منه الكثير، ويمكنني التعامل مع المشاكل التي لم يعقد شركة حولها. لذا، لم أحقق في مشاكل عمله. بعد فترة، وقبل اجتماع بعض الإخوة والأخوات، ذكَّرت كونور بأن يعرف أولًا مشاكلهم وصعوباتهم قبل الموعد، ليجد كلمات الله المناسبة للشركة، وليجعل الاجتماع أكثر فعالية. لاحقًا، سألت بعض الإخوة والأخوات إذا سأل كونور عن حالاتهم وصعوباتهم، وقالوا جميعًا إنه لم يفعل. شعرت أنه كان غير مسؤول حقًا. واجه الآخرون الكثير من الصعوبات والعيوب في واجباتهم. واحتاجوا المزيد من المساعدة والشركة، لكنه لم يأخذ الأمر بجدية. كان هذا إهمال منه حقًا! اعتقدت هذه المرة أنني يجب أن أثير مشكلته حقًا. لكن بعد ذلك فكرت، أنه ما لم يقبل، وقال إنني أتوقع الكثير، وتحيَّز ضدي، ألا يجعلني ذلك أبدو صارمًا جدًا، وعديم الشعور تجاه الآخرين؟ وكذلك، كان كونور شابًا، فكان من المرجح أن يركِّز على راحة الجسد. أحيانًا كنت أتراخى وأركِّز على الراحة أيضًا، لذا لا ينبغي أن أكون متطلبًا جدًا. يمكنني التعامل مع الأمر بنفسي. كن قاسيًا على نفسك، وسهلًا مع الآخرين. سأنشغل فحسب، وأقلل من راحتي. لذا، لم أشارك مع كونور وألفت انتباهه إلى مشكلته. لقد تصرفت بهذه الطريقة مع أعمال أخرى أيضًا. عندما كنت أرى شخصًا لا يبلي حسنًا، لم أتطلع لمعرفة السبب أو ما يجب فعله، بل كنت متسامحًا وصبورًا فحسب. كنت أشعر أحيانًا بالانزعاج الشديد أو الغضب من سلوك أحدهم، لكنني أكظم غيظي. وكنت أفكر: "انس الأمر. دعهم يفعلون ما بوسعهم، وسأعتني بالباقي". بعد فترة، أراد الإخوة والأخوات طلب المساعدة مني لحل مشاكلهم. لم أكن أشعر بالضيق أو الانزعاج عندما رأيت أنهم جميعًا يقدرونني. طوال الوقت، شعرت أن كوني صارمًا مع نفسي ومتسامحًا مع الآخرين في تعاملاتنا كان يعني أنني أتمتع بإنسانية جيدة، ولست مثل البعض، الذين هم دائمي الانتقاد ولا يمكنهم العمل مع أي شخص.
ثم ذات يوم قرأت شيئًا في كلام الله عن "الصرامة مع نفسك والتسامح مع الآخرين"، ورأيت نفسي بمنظور مختلف. يقول الله القدير، "كن صارمًا مع نفسك ومتساهلًا مع الآخرين" – ماذا يعني هذا القول؟ يعني أنه ينبغي عليك أن تطالب نفسك بمطالب صارمة وتتساهل مع الآخرين، حتى يتمكنوا من رؤية مدى كرمك وشهامتك. لماذا ينبغي أن يفعل الناس هذا إذًا؟ وما المراد أن يحققه؟ هل هو ممكن؟ وهل هو تعبير طبيعي حقًّا عن إنسانية الناس؟ إلى أي مدى يجب أن تقدم تنازلات لفعل هذا؟ يجب أن تتحرر من الرغبات والمطالب، وأن تطالب نفسك بالشعور بقدر أقل من الفرح، وأن تعاني أكثر قليلًا، وأن تدفع ثمنًا أكبر، وأن تعمل أكثر حتى لا يضطر الآخرون إلى إرهاق أنفسهم. وإذا كان الآخرون يتذمرون أو يشتكون أو يؤدون أداءً سيئًا، فيجب ألا تطلب منهم الكثير – فالكثير كالقليل لا بأس به. يعتقد الناس أن هذه علامة على الفضيلة النبيلة – ولكن لماذا تبدو زائفة لي؟ أليست زائفة؟ (بلى). في ظل الظروف العادية، يكون التعبير الطبيعي عن الطبيعة البشرية للشخص العادي بأن يكون متساهلًا مع نفسه وصارمًا مع الآخرين. تلك حقيقة. يمكن للناس إدراك مشكلات أي شخص آخر – إذ سيقول أحدهم: "هذا الشخص مغرور! وذاك الشخص سيئ! وهذا أناني! وذاك مهمل وغير مبالٍ في أداء واجبه! هذا الشخص كسول جدًّا!" بينما يقول لنفسه: "إذا كنت كسولًا بعض الشيء، فلا بأس بذلك. فمقدرتي جيدة. وعلى الرغم من أنني كسول، فإنني أؤدي عملًا أفضل من الآخرين". إنه ينتقد عمل الآخرين ويحب تصيُّد الأخطاء، لكنه متساهل ومتوافق مع نفسه قدر الإمكان. أليس هذا تعبيرًا طبيعيًّا عن طبيعته البشرية؟ (إنه كذلك). إن كان من المتوقع أن يلتزم الناس بفكرة أن يكونوا "صارمين مع أنفسهم ومتساهلين مع الآخرين"، فما المعاناة التي يجب أن يضعوا أنفسهم فيها؟ هل يمكنهم تحمُّلها حقًّا؟ كم عدد الناس الذين يمكنهم عمل ذلك؟ (لا أحد). ولِمَ ذلك؟ (الناس أنانيون بطبيعتهم. إنهم يتصرفون وفقًا لمبدأ "اللهم نفسي، وليبحث كل إنسان عن مصلحته فقط"). في الواقع، الإنسان أناني بطبعه ومخلوق أناني، وهو ملتزم بشدة بتلك الفلسفة الشيطانية: "اللهم نفسي، وليبحث كل إنسان عن مصلحته فقط". يعتقد الناس أنه سيكون كارثيًّا ومنافيًا للطبيعة بالنسبة إليهم ألا يكونوا أنانيين ويهتموا بأنفسهم عندما تحل بهم الأمور. هذا هو اعتقاد الناس وطريقة تصرفهم. إن كان من المتوقع من الناس ألا يكونوا أنانيين، وأن يطالبوا أنفسهم بمطالب صارمة، وأن يخسروا عن طيب خاطر بدلًا من استغلال الآخرين، فهل ذلك توقع واقعي؟ إن كان من المتوقع أن يقول الناس بسعادة عندما يستغلهم شخص ما: "أنت تستغل، ولكنني لا أثير ضجة حول ذلك. أنا شخص متسامح، ولن أشتمك أو أحاول الانتقام منك، وإن لم تكن قد استغللتني بما يكفي بعد، فلا تتردد في مواصلة ذلك" – فهل ذلك توقع واقعي؟ كم عدد الناس الذين يمكنهم عمل ذلك؟ هل هذه هي الطريقة التي يتصرف بها البشر الفاسدون عادةً؟ (لا). من الواضح أن حدوث هذا أمر شاذ. لِمَ ذلك؟ لأن الأشخاص ذوي الشخصيات الفاسدة، ولا سيما الأنانيين والأدنياء، يصارعون من أجل مصالحهم الخاصة، ولا يرضون تمامًا بالقتال من أجل مصالح الآخرين. ولذلك، فإن هذه الظاهرة عند حدوثها تعدّ حالة شاذة. "كن صارمًا مع نفسك ومتساهلًا مع الآخرين" هذا الزعم حول الفضيلة، الذي يعكس فهمًا أخلاقيًّا اجتماعيًّا ناقصًا للطبيعة البشرية، يطالب الناس بمطلب من الواضح أنه لا يتوافق سواء مع الحقائق أو الطبيعة البشرية. إنه مثل أمر الفأر بعدم الحفر أو القط بعدم اصطياد الفئران. هل من الصواب تقديم مثل هذا الطلب؟ (لا؛ فهو ينافي قوانين الطبيعة البشرية). إنه مطلب عقيم، ومن الواضح أنه لا يتوافق مع الواقع" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ما معنى السعي وراء الحق (6)]. لم أفهم تمامًا هذه الكلمات من الله عندما قرأتها للمرة الأولى، لأنني كنت أعتقد دائمًا أن "كن صارمًا مع نفسك ومتسامحًا مع الآخرين" كان شيئًا جيدًا. لطالما أعجبت بأشخاص مثل هؤلاء وكنت أطمح لأكون كذلك. لكن بالتفكير بعناية في كلام الله، شعرت أنها دقيقة تمامًا. كنت مقتنعًا كليَّةً. خاصة عندما قرأت هذا: "الأشخاص ذوي الشخصيات الفاسدة، ولا سيما الأنانيين والأدنياء، يصارعون من أجل مصالحهم الخاصة، ولا يرضون تمامًا بالقتال من أجل مصالح الآخرين. ولذلك، فإن هذه الظاهرة عند حدوثها تعدّ حالة شاذة. "كن صارمًا مع نفسك ومتساهلًا مع الآخرين" هذا الزعم حول الفضيلة، الذي يعكس فهمًا أخلاقيًّا اجتماعيًّا ناقصًا للطبيعة البشرية، يطالب الناس بمطلب من الواضح أنه لا يتوافق سواء مع الحقائق أو الطبيعة البشرية. إنه مثل أمر الفأر بعدم الحفر أو القط بعدم اصطياد الفئران"، لقد فوجئت حقًا. اتضح أن هذه الفكرة التي كنت أؤيدها كانت غير عملية، وضد الإنسانية، وكانت شيئًا لا يمكن للناس تحقيقه. لا يمكنها أن تصير معيارًا لاتباعه. بالنظر إلى سلوكي، كان الأمر حقًا كما كشفه الله. عندما كنت صارمًا مع نفسي، ومتسامحًا مع الآخرين، شعرت بالظلم والضيق، وحتى عندما نجحت، لم أكن أرغب حقًا في ذلك، ولم أكن سعيدًا بفعله. كما هو الحال مع كونور، كنت أدرك جيدًا أنه كان يتخبط في أداء واجبه، لأنه كسول وغير مسؤول. كنت غاضبًا وأردت كشف مشاكله، ليتمكن من تغيير الأمور بسرعة ويكون شريكًا جيدًا لي. ولكن بعد ذلك فكرت كيف يجب ألا أكون صارمًا جدًا، وأنني يجب أن أقسو على نفسي، وأتساهل مع الآخرين، ثم تخلَّيت عن فكرة التحدث معه عن مشاكله. شعرت أنني قد أعاني أكثر من ذلك بقليل، وأدفع ثمنًا أكثر قليلًا، ولا أطلب منه الكثير، حتى لا أبدو متهورًا جدًا أو شديد الحساسية. كنت مسؤولًا عن عمل بعض المجموعات، لذلك كان لدي بالفعل عبء عمل ثقيل. وكان عليَّ أيضًا مساعدته في معالجة مشاكل عمله مما أشعرني بالظلم، وكانت لدي الكثير من الشكاوى، ولكن لأكون صارمًا مع نفسي ومتسامحًا مع الآخرين، وليظن الآخرون بي حسنًا، التزمت الصمت فحسب وتسامحت. كانت تلك حالتي الفعلية، وما اعتقدته حقًا. كما يقول الله: "الإنسان أناني بطبعه ومخلوق أناني، وهو ملتزم بشدة بتلك الفلسفة الشيطانية: "اللهم نفسي، وليبحث كل إنسان عن مصلحته فقط". يعتقد الناس أنه سيكون كارثيًّا ومنافيًا للطبيعة بالنسبة إليهم ألا يكونوا أنانيين ويهتموا بأنفسهم عندما تحل بهم الأمور. هذا هو اعتقاد الناس وطريقة تصرفهم". نحن جميعًا أنانيون بطبيعتنا، ولست استثناءً. عندما أفعل المزيد، أشعر بالاستياء من العمل الشاق والإرهاق. أشعر حيال ذلك بالظلم والضيق والحزن. لكنني ظللت أعارض قلبي، وأكون صارمًا مع نفسي ومتساهلًا مع الآخرين. ما الشخصية الفاسدة المستترة حقًا وراء هذا السلوك المتمثل في "الصرامة مع نفسك والتسامح مع الآخرين"؟ وما عواقب أن تكون هكذا؟
مَثُلت أمام الله في الصلاة لأسعى بهذا السؤال، ثم قرأتُ مقطعًا من كلامه. "كن صارمًا مع نفسك ومتساهلًا مع الآخرين"، كما هو الحال مع الأقوال حول إعادة الأموال التي وجدتها والشعور بالفرح عند مساعدة الآخرين، هو أحد تلك المطالب التي تفرضها الثقافة التقليدية على الناس للتصرف وفقًا للفضيلة. وفوق ذلك، بصرف النظر عما إذا كان بإمكان شخص ما بلوغ مثل هذه الفضيلة أو ممارستها، فإنها لا تزال غير المعيار أو القاعدة لقياس إنسانيته. قد تتمكن حقًّا من أن تكون صارمًا مع نفسك وأن تلتزم بمعايير عالية بشكل خاص. قد تكون طاهرًا بالفعل وتفكر بالآخرين دائمًا دون أن تكون أنانيًّا ودون أن تسعى وراء اهتماماتك الخاصة. قد تبدو شهمًا وغير أناني على وجه الخصوص، ولديك حس قوي بالمسؤولية الاجتماعية والصالح العام. قد تظهر شخصيتك وسماتك النبيلة أمام المقربين منك وأولئك الذين تقابلهم وتتفاعل معهم. قد لا يمنح سلوكك الآخرين أبدًا أي سبب للومك أو انتقادك، مما يؤدي بدلًا من ذلك إلى الثناء المفرط بل والإعجاب. قد يعتبرك الناس شخصًا صارمًا حقًّا مع نفسه ومتساهلًا مع الآخرين، لكن هذه ما هي إلا سلوكيات خارجية. هل الأفكار والرغبات العميقة في قلبك متوافقة مع هذه السلوكيات الخارجية ومع هذه الأفعال التي تعيش وفقًا لها ظاهريًّا؟ الإجابة لا، ليست كذلك. والسبب في قدرتك على التصرف بهذه الطريقة هو أن هناك دافعًا وراء ذلك. ما هو ذلك الدافع بالضبط؟ شيء واحد على الأقل يمكن أن يقال عنه: إنه شيء لا يصح ذكره، شيء مظلم وشرير. ... يمكن القول على وجه اليقين إن معظم أولئك الذين يطالبون أنفسهم بأن يعيشوا وفقًا لفضيلة "الصرامة مع أنفسهم والتساهل مع الآخرين" مهووسون بالمكانة. إنهم مدفوعون بشخصياتهم الفاسدة، ولا يهمهم إلا السعي وراء الهيبة والشهرة الاجتماعية والمكانة في نظر الآخرين. جميع هذه الأشياء مرتبطة برغبتهم في الحصول على المكانة، ويتم السعي وراءها تحت غطاء السلوك الفاضل الجيد. وكيف تتحقق هذه الأشياء التي يسعون وراءها؟ إنها تأتي وتُقاد بالكامل من الشخصيات الفاسدة. ولذلك، بصرف النظر عما إذا كان شخص ما يعيش وفقًا لفضيلة "الصرامة مع نفسه والتساهل مع الآخرين" وما إذا كان يفعل ذلك إلى حد الكمال، فإنه لا يمكن أن يغير جوهر إنسانيته. وهذا يعني ضمنيًّا أنه لا يمكنه بأي شكل من الأشكال تغيير نظرته أو قيمه أو توجيه مواقفه ووجهات نظره حول جميع أنواع الناس والأحداث والأشياء. أليس هذا هو الحال؟ (إنه كذلك). كلما تمكَّن شخص من أن يكون أكثر صرامة مع نفسه وتساهلًا مع الآخرين، كان أفضل في التظاهر وفي خداع الآخرين بالسلوك الجيد والكلمات المعسولة، وزاد خداعه وشره. وكلما زاد اتصافه بصفات هذا النوع من الأشخاص، ازداد حبه للمكانة والسلطة وسعيه وراءهما. ومهما كان استعراضه للفضيلة مثيرًا للإعجاب، ومهما كان ذلك ممتعًا للنظر، قد ينكشف السعي غير المعلن في أعماق قلبه، وقد تنكشف طبيعته وجوهره بل وطموحاته في أي وقت. ولذلك، مهما كان سلوكه فاضلًا، فإن ذلك لا يمكن أن يخفي جوهر إنسانيته أو طموحاته ورغباته، ولا يمكنه أن يخفي طبيعته وجوهره البشعين اللذين لا يحبان الأشياء الإيجابية، ويشعران بالسأم من الحق ويحتقرانه. فيما تظهر هذه الحقائق، فإن القول "كن صارمًا مع نفسك ومتساهلًا مع الآخرين" يتعدى كونه مجرد قول عبثي – فهو يكشف أولئك الطموحين الذين يستخدمون مثل هذه الأقوال والسلوكيات للتغطية على الطموحات والرغبات التي لا يمكنهم البوح بها" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ما معنى السعي وراء الحق (6)]. رأيت مما أعلنه كلام الله أن كونك "صارمًا مع نفسك ومتسامحًا مع الآخرين" يبدو أنه تفهُّم وتسامُح مع الآخرين، وأنه انفتاح ونُبل، لكن في العمق، يربض دافع شرير ومُظلم، لا يوصف. إنه التباهي بنفسك من خلال السلوك الحسن ظاهريًا، فقط لربح الإعجاب، والتمتع بمكانة وسمعة أعلى من بين آخرين. هذا النوع من الأشخاص يبدو ظاهريًا جديرًا بالثناء، لكنهم في الحقيقة منافقون، يتظاهرون بأنهم صالحون فكرت في الطريقة التي تصرَّفت بها وما كشفته مع كونور. مهما كان متراخيًا وغير مسؤول في العمل، لم أشِر إلى ذلك، بل لم أشارك أو أتعامل معه، لكنني واصلت التفهُّم والتكيُّف. مهما كان انشغالي، ومهما كان ضيق الوقت المتاح لي، كنت أفعل ما لم يفعله كونور. حتى لو كان الأمر صعبًا أو متعبًا، كنت أمضي قُدمًا. في الواقع، لم يكن ذلك لكوني شَهْمًا. كانت لدي دوافع خفية. كنت أخشى جرح كبريائه والإساءة إليه إذا أشرت إليه بشكل مباشر، وبمَ سيفكُّر بي؟ أردت أن أرسِّخ موضعي وأترك للآخرين انطباعًا جيدًا. لم أكن على استعداد تام؛ فقط أجبرت نفسي على القيام بذلك كل مرة، لأُظهِر للجميع مدى سخائي، لأربح إعجابهم. ونتيجة لذلك ازددتُ مراوغة ومكرًا. بدوت كشخص متفهِّم، لكن دوافعي الخاطئة كانت وراء ذلك. كنت أعطي الناس انطباعًا خاطئًا، وأخدعهم، وأغشهم. كيف لتلك أن تكون إنسانية طبيعية؟ هنا، ربحتُ بعض التمييز عن جوهر كونك "صارمًا مع نفسك ومتسامحًا مع الآخرين". شعرت أن الدوافع الحقيرة المستترة في قلبي مقززة. كنت أيضًا ممتنًا حقًا لله. دون أن يكشف حقيقة ذلك الجزء من الثقافة التقليدية، لكنت ظللت جاهلًا، فكرة أن كونك "صارمًا مع نفسك ومتسامحًا مع الآخرين" هو أن تكون شخصًا يتمتع بإنسانية جيدة. أدركت أخيرًا أن هذه مغالطة يستخدمها الشيطان لتضليل الناس وإفسادهم. إنها ليست الحق إطلاقًا، ولا معيارًا لاستخدامه في تقييم إنسانية شخص. لاحقًا، قرأت مقطعًا آخر من كلام الله. "مهما توحَّدت متطلبات الإنسانية وشعاراتها بخصوص الشخصية الأخلاقية، ومهما توافقت أذواق الجموع ومنظوراتهم وأمنياتهم وحتى مصالحهم، فهي ليست الحق. هذا شيء ينبغي عليك أن تفهمه، وعليك أن تسرع بإنكارها والتخلي عنها لأنها ليست الحق. عليك أيضًا أن تشرّح جوهرها، وأيضًا النتائج المترتبة على العيش بحسبها. هل يمكنها أن تنتج فيك توبة حقيقية؟ هل يمكنها أن تساعدك في معرفة نفسك؟ هل يمكنها أن تجعلك تعيش فعليًا بحسب الشبه الإنساني؟ لا يمكنها أن تفعل أي من هذه الأشياء، بل ستجعلك مرائيًا وبارًا في عينيِّ ذاتك فحسب. ستجعلك أكثر دهاءً وأكثر شرًا. البعض يقولون: "في الماضي، عندما كنا نتمسك بهذه الأجزاء من الثقافة التقليدية، كنا نشعر بأننا أناس صالحون. وعندما رأى الآخرون كيف كنا نسلُك، ظنوا كذلك أننا كنا صالحين. ولكن في واقع الأمر، نعرف في قرارة أنفسنا على أي نوع من الشرور نقدِر. القيام ببعض الأعمال الطيبة هو مجرد تقنُّع. ولكن إن كنا سنتخلى عن السلوك الحسن الذي تتطلبه منا الثقافة التقليدية، فماذا نفعل بدلًا من ذلك؟ ما السلوكيات والأفعال التي تكرم الله؟" ما رأيك في هذا السؤال؟ ألا زالوا لا يعرفون ما الحق الذي يجب أن يمارسه المؤمنون بالله؟ لقد نطق الله بالكثير من الحقائق، وهناك الكثير الذي ينبغي للناس أن يمارسوه. فلماذا ترفض ممارسة الحق وتصر على أن تكون شخصًا يفعل أعمالًا صالحة زائفة ومرائيًا؟ لماذا تتظاهر؟ ... باختصار، الهدف من طرح هذه الشعارات الأخلاقية ليس فقط لجعلكم تعرفون أنها مفاهيم وتصورات الناس، وأنها تأتي من الشيطان، بل الهدف منها هو جعلكم تفهمون أن جوهر هذه الأشياء زائف ومقنَّع ومخادِع. حتى إن سلك الناس سلوكًا حسنًا، هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنهم يعيشون إنسانية طبيعية. وبدلًا من ذلك يستخدمون سلوكًا زائفًا لستر نواياهم وأهدافهم وحجب شخصياتهم الفاسدة وطبيعتهم وجوهرهم الفاسدَين. ونتيجة لذلك، تبْرع البشرية أكثر وأكثر في التظاهر وخداع الآخرين، وجعلهم أكثر شرًا وفسادًا. لا تتفق القواعد الأخلاقية الخاصة بالثقافة التقليدية التي تتمسك بها البشرية الفاسدة على الإطلاق مع الحق الذي ينطق الله به، ولا تتماشى مع أي شيء يعلِّمه الله للناس. ليس بين الاثنين أية صلة على الإطلاق. إن كنت لا تزال متمسكًا بالثقافة التقليدية، فقد خُدعت وسُممت تمامًا. إذا كنت تتمسك بالثقافة التقليدية وتلتزم بمبادئها ووجهات نظرها في أي موضوع، فأنت تنتهك الحق، وتتمرَّد على الله وتقاومه في هذا الأمر. إذا كنت تتمسك بأي من هذه المبادئ الأخلاقية وتلتزم بها، وتعاملها كمعيار أو نقطة مرجعية يمكنك النظر من خلالها إلى الأشخاص أو الظروف، فقد أخطأت. إذا حكمتَ على الناس أو آذيتهم إلى درجة معينة بواسطتها، فقد ارتكبت خطية. إذا كنت تتشبث دائمًا بقياس الجميع وفقًا للمعايير الأخلاقية للثقافة التقليدية، فسيظل عدد الأشخاص الذين أدنتهم وأخطأت في حقهم يتضاعف وستدين الله وتقاومه بالتأكيد. وعندئذ ستكون آثمًا كبيرًا" [الكلمة، ج. 6. حول السعي إلى الحق. ما معنى السعي وراء الحق (5)]. لقد أتاح لي التأمل في كلام الله مزيدًا من الوضوح. عندما نلاحظ أن شخصًا ما لا مباليًا أو ماكرًا أو غير مسؤول في العمل، يجب أن نلفت انتباهه أو نهذبه ونتعامل معه، ليتمكن من رؤية طبيعة الإهمال وعواقبه، وتعديل الأمور في الوقت المناسب. هذا ما يجب أن يفعله أي شخص يتمتع بإنسانية جيدة. ولكن للحفاظ على صورتي ومكانتي، كنت متساهلًا ومتسامحًا، وسكتُّ عن المشاكل التي رأيتها. لذلك، لم يكن كونور على علم بشخصيته الفاسدة واستمر مهملًا وغير مسؤول في أداء واجبه. هذا يضر بدخول حياة الناس، ويُعدُّ تعدٍ. لم أكن مراعيًا ولا متفهمًا له بأي شكل، بل كنت أؤذيه. رأيت أنني لست شخصًا صالحًا حقًا إطلاقًا. لم أكن أؤذي الإخوة والأخوات فحسب، بل كنت أؤخر عمل الكنيسة وأؤثر فيه. أنا شخصيًا اختبرت أن "كن صارمًا مع نفسك ومتسامحًا مع الآخرين" ليس الحق، فهذه ليست كلمات جيدة للعيش بها، لكنها مغالطة يستخدمها الشيطان لتضليل الناس وإفسادهم. لم أستطع السماح للشيطان بالتلاعب بي؛ أن أفعل ما يطلبه الله، وهو استخدام كلام الله كأساس لي، والحق كمعيارٍ لرؤية الأشياء وفعلها. بعد ذلك، عندما لاحظت مشاكل مع كونور، لم أعد أسايره. لفتَّ انتباهه إليها، ليتمكن من رؤيتها والتغيير.
سرعان ما كُلِّفت بالمسؤولية عن مشروع آخر. أثناء التحقُّق من ذلك، لاحظت أن الأخ لم يكن جادًا في واجبه وكان مراوغًا في كل ما يفعله. لم أرغب سوى التعامل مع الأمور والانتهاء من ذلك، لتجنب لفت انتباهه إليها وإحراجه. ثم خَطَرَ لي أن لدي هذه الأفكار لحماية مصالحي، لترسيخ صورة جيدة مع الآخرين. لم أرغب في لفت انتباهه إلى مشكلته، خشية الإساءة إليه. هذا دافع خسيس! تذكرت شيئًا قاله الله: "في الوقت نفسه الذي تؤدي فيه واجبك بشكل صحيح، عليك أيضًا التأكد من عدم القيام بأي شيء لا يفيد دخول الحياة لمختاري الله، وعدم قول أي شيء غير نافِع للإخوة والأخوات. على الأقل، يجب ألا تفعل شيئًا يتعارض مع ضميرك ويجب ألا تفعل أي شيء شائن على الإطلاق. إنما التمرُّد ضد الله أو مقاومته، على وجه الخصوص، يجب ألا تفعلهما مطلقًا، ويجب ألا تفعل أي شيء يزعِج عمل الكنيسة أو حياتها. بل كن نزيهًا ومستقيمًا في كل ما تفعله وتأكَّد من أن كل فعل تقوم به حاضر أمام الله" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كيف هي علاقتك مع الله؟). أظهر لي كلام الله مبدأً للعمل به. أيا كان ما أفعله، يجب أن ينفع دخول حياة الإخوة والأخوات وأن يكون بَنَّاءً. عليّ أيضًا أن أقبل تمحيص الله علانيةً تمامًا. عندما رأيت ذلك الأخ يتراخى في أداء واجبه، عليَّ الإشارة إلى ذلك، ليرى مشكلته ويتغيَّر بسرعة. كان ذلك نافعًا لدخوله حياته وعمل الكنيسة. إذا لم أقل شيئًا، بل ساعدته على فعل الأشياء بهدوء، لن يتمكن من رؤية مشاكله ولن يتقدَّم في واجبه. عند هذه الفكرة، تحدثت عن المشاكل التي رأيتها في عمله. بعد أن سمعني، أراد التغيير. شعرت حقًا بالراحة والسلام بعد أن مارست ذلك، وحصدنا نتائجَ أفضل من ذي قبل في واجبنا. الشكر لله القدير!
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.