فيمَ كانت كل تلك المعاناة؟
بعد أن صِرتُ مؤمنة، رأيتُ أن الكثير من القادة يمكنهم تحمُّل الكثير من المشقة. سيواصلون العمل، ويؤدون واجبهم خلال الرياح أو المطر، وتطلَّع إليهم الإخوة والأخوات. لقد أُعْجِبتُ بهم حقًا وأمِلْتُ أن أصبح شخصًا يمكنه المعاناة ويدفع الثمن مثلهم، وينال إعجاب الآخرين. لذا، ملأني الحماس الشديد في سعيي. وانْتُخِبْتُ لاحقًا قائدة كنيسة. كنتُ مشغولة للغاية بواجبي يوميًّا، وأثنى عليَّ الآخرون في تعاملي مع المشقة عندما كنتُ صغيرة السِّن، وقالوا إنني شخص سعى للحقّ. شعرتُ بسعادةٍ غامرةٍ في كل مرة سمعت فيها شيئًا كهذا، وشعرتُ أن الأمر يستحق كل هذا العَناء. لاحقًا، نما نطاق مسؤولياتي واستمر عبء عملي في الازدياد. رأيتُ أن بعض الأخوات اللواتي عملتُ معهنَّ يمكن أن يعانين حقًا ويدفعن الثمن. وكانوا دائمًا يَأوين إلى الفراش في وقت متأخر جدًا وأحيانًا يَذهبن إلى الاجتماعات بمعدةٍ خاوية، دون أن يتُاح لهُنّ وقت لتناول الطعام. وأشاد بهم مضيفوهم لتحمُّلهم عِبئًا وقدرتهم على احتمال المشقة. شعرتُ أنه إذا كان الإخوة والأخوات يحبون مثل أولئك الناس، فإنّ الله أحبهم بالتأكيد أيضًا، لذا شرعتُ في أداء واجبي في وقتٍ متأخرٍ من الليل. لكن بعد فترة لم يعد جسدي يتحمُّل المزيد من ذلك وسأبدأ في الشعور بالنُّعاس بمجرد تجاوز منتصف الليل. لكن عند رؤية الأخوات الأخريات يعملن هناك، شعرتُ بالإحراج من الذهاب إلى فراشي، خشية أن يقولوا إنني كنتُ أركز على ملذات الجسد، ولم أتحمّل عبئًا في واجبي. لذا أرغمتُ نفسي على الاستمرار، لكن لم أستطع الهروب من النُّعاس المستمر، ولم أكن أنجز الكثير. ورُغْم ذلك، مازلتُ لم آوِ إلى فراشي. حثثتُ نفسي بهدوءٍ، معتقدة أنه لا يمكنني التركيز على الجسد وأن ينظر إليَّ الآخرون نظرة احتقار. أحيانًا بعد السَّهر حتى ساعة متأخرة كان عليَّ الاستيقاظ مبكرًا لحضور اجتماع، وسأكون ناعِسة وأنا أركب دراجتي الهوائية لذلك الغرض، ثم أشعر بالنُّعاس في الاجتماع. أردتُ أن أحظى بقيْلولة بعد الظهيرة، لكنني كنتُ أخشى أن يقول الآخرون إنني كنتُ أدلِّل نفسي جسديًّا. كل يوم، أرغمتُ نفسي على السَّهر حتى وقت متأخر، وضغطتُ على نفسي في ذلك. ذات يومٍ، وأنا أركب دراجتي الهوائية إلى اجتماع، شعرت بنُعَاسٍ شديدٍ، وأصابني دُوَار طوال الطريق وانتهي بي الأمر إلى السقوط في حُفرةٍ، مما أفزعني وجعلني أستيقظ على الفور. وأنا أسير بدراجتي الهوائية على طول الطريق، تساءلتُ عمّا حدث لي. في تأملي لذاتي، أدركتُ أنه منذ انْتُخِبْتُ لمنصب القائدة، كان كل ما فكرت به هو نَيْل الإعجاب من خلال قدرتي على المعاناة، خشية أن يقول الناس إنني كنتُ أركز على ملذات الجسد وأتعطّشُ للراحة. هذا يعني أنني افتقرتُ إلى الروتين في حياتي، ولم أسترح حتى كما يجب.
ذات يوم قرأتُ بعضًا من كلام الله الذي يكشف الفريسيين، وقارنت نفسي بذلك: تقول كلمات الله، "هل تعرف من هم الفريسيون بالفعل؟ هل من حولك فريسيون؟ لماذا يُسمى هؤلاء الناس بـ"الفريسيين"؟ كيف يوصف الفريسيون؟ إنهم أناس مراؤون ومزيَّفون تمامًا ويتظاهرون في كل ما يفعلونه. بأي شيء يتظاهرون؟ إنهم يتظاهرون بأنهم طيبون ولطيفون وإيجابيون. هل هذا ما هم عليه في الواقع؟ بالطبع لا. باعتبارهم مرائين، فكُلّ ما يظهر وينكشف فيهم زيفٌ وادّعاء وليس وجههم الحقيقيّ. أين يخفون وجههم الحقيقي؟ إنه مخفي في أعماق قلوبهم، ولن يراه الآخرون أبدًا. كل شيء في الظاهر ادعاء، كله زيف، لكن لا يمكنهم إلا خداع الناس، ولا يقدرون أن يخدعوا الله. إذا كان الناس لا يسعون وراء الحق، وإذا لم يمارسوا كلام الله ويختبروه، فلن يتمكنوا من فهم الحق حقًا، ومهما بدت كلماتهم رائعة، فإن هذه الكلمات ليست واقع الحق، بل هي كلمات تعاليم. لا يركز بعض الناس إلا على ترديد كلام التعاليم كالببغاوات، فهم يقلدون بحماقة من يعظ أسمى العظات، ونتيجة لذلك، في غضون سنوات قليلة فقط، تنمو تلاوتهم للتعاليم أكثر من أي وقت مضى، ويحظون بإعجاب العديد من الناس وتكريمهم، وبعد ذلك يبدأون في تمويه أنفسهم، ويولون اهتمامًا كبيرًا لما يقولون ويفعلون، ويُظهرون أنفسهم على أنهم متدينون وروحانيون بشكل خاص. إنهم يستخدمون هذه النظريات الروحية المزعومة لتمويه أنفسهم. هذا كل ما يتحدثون عنه أينما ذهبوا، أشياء خاصة تتناسب مع مفاهيم الناس، لكنها تفتقر إلى أي من واقع الحق. ومن خلال الوعظ بهذه الأشياء ‒ الأشياء التي تتماشى مع مفاهيم الناس وأذواقهم ‒ يخدعون الكثير من الناس. بالنسبة للآخرين، يبدو مثل هؤلاء الأشخاص متدينين ومتواضعين للغاية، لكن هذا في واقع الأمر مزيَّف، إذ يبدون متسامحين وصبورين ومُحبين، لكن هذا في الواقع تظاهر؛ يقولون إنهم يحبون الله، لكنه في الواقع ادعاء. يعتقد الآخرون أن مثل هؤلاء الأشخاص قديسون، لكن هذا في الواقع مزيَّف. أين يمكن العثور على شخص قدِّيس حقًا؟ القداسة البشرية مزيفة تمامًا. إنها تظاهر، ادعاء. من الخارج، يبدون مخلصين لله، لكنهم في الواقع لا يؤدون إلا ليراهم الآخرون. عندما لا يراهم أحد، لا يكون لديهم أدنى ولاء، وكل ما يفعلونه هو الأمور الروتينية. ظاهريًا، يبذلون أنفسهم في سبيل الله وقد تخلوا عن عائلاتهم ومهنهم. لكن ماذا يفعلون في الخفاء؟ إنهم يديرون مشروعهم الخاص ويديرون عملياتهم الخاصة في الكنيسة، ويستفيدون من الكنيسة ويسرقون التقدمات سرًا تحت ستار العمل من أجل الله...هؤلاء الناس هم الفريسيون المراؤون المعاصرون" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. ستَّة مُؤشِّرات لنمو الحياة). ما يكشفه كلام الله كان مؤثرًا حقًا، وكان صعبًا للغاية بالنسبة لي. كنتُ أتصرّف تمامًا كما تصرّف الفريسيّون. لقد أحبّوا التصنُّع بسلوكياتهم الظاهرية، وكانوا يُصّلون عَمْدًا في زوايا الطُّرقات ويَعِظون بكلام الله حتى يحسبهم الناس أتقياء للغاية وأنهم يحبون الله. لكن بمَنْأى عن الأنظار لم يمارسوا كلام الله إطلاقًا. لم تكن هذه الأمور التي فعلوها إلا لمجرد التظاهر، لينالوا الإعجاب. لقد كنتُ كذلك. كنتُ أركز على سلوكي الظاهريّ الطيب تحديدًا ليُحْسِن الإخوة والأخوات الظنّ بي. وعند رؤية البعض الآخر قادرًا على المعاناة ودفع ثمن في واجبهم ويُثني عليه الجميع، فقد سعيتُ جاهدة لأكون ذلك النوع من الأشخاص. حينما اخْتِرْتُ لأكون القائدة، وعند رؤية الأخوات الأخريات يعملن حتى ساعة متأخرة من الليل، أرغمتُ نفسي على السَّهر حتى ساعة متأخرة حتى لا أتخلّف عنهم. كنتُ أمشي مُجْهدة مهما كنتُ أشعر بالنُّعاس. لم أجرؤ حتى على أخذ قيلولة عادية في منتصف النهار في جهودي الرامية لتقديم نفسي على أنني شخص بإمكانه تحمُّل المشقة. كنتُ أخفي نفسي عند كل مُنْعَطفٍ، أحاول أن أنال إعجاب الإخوة والأخوات بالظهور وأفعل الأمور الجيدة. كانت المعاناة وبَذْل نفسي بهذه الطريقة زائفة، وكلها خادعة. كنتُ أسلك دَرْب الفريسيين، فكيف لا يشمئز الله؟ بعدئذ، بذلت جهدًا لتعديل أوقات عملي وراحتي، وكنتُ آوي إلى الفراش كالمعتاد عندما انتهيتُ من العمل في ذلك اليوم. شعرتُ بمزيد من الاسترخاء عندما فعلتُ ذلك.
عُدتُ من الخارج بعد عام. رأيتُ أن بعض الأخوات اللواتي عشتُ معهنّ بإمكانهن تحمُّل المشقة حقًا في واجباتهنّ وكانوا يعْملن حتى وقت متأخر كل ليلةٍ. أحيانًا أردتُ أن آوي إلى فراشي مبكرًا عندما أنهي عملي، لكنني كنتُ أخشى أن يظنوا أنني كنتُ أركز على الراحة. أيضًا، كنتُ قائدة، لذا ماذا سيظنون بي إذا آويت إلى الفراش مبكرًا قبل الآخرين؟ لعلَّهم يقولون إنه ليس بمقدوري تحمُّل المعاناة ولم يكن لدي عبء لواجبي. عند التفكير بهذه الطريقة، لا يسعني سوى البدء في التظاهر مجددًا والسَّهر معهم حتى وقت متأخر. لكنني سأبدأ في الشعور بالنُّعاس ويغلبني النوم بعد الساعة الواحدة صباحًا. لقد أخبروني أنه يجب أن آوي إلى الفراش مبكرًا، لكني سأرْغِم نفسي وأنتعشُ وأقول: "إني بخيرٍ، يمكنني تولّي الأمر. سآوي إلى الفراش بعد قليلٍ". لكن عندئذ لا يسعني إلا أن ينتهي بي الأمر بدُوَار مجددًا. أحيانًا لم أتمكّن من تحمُّل نُعاسي، لذا أضع رأسي على المكتب وأغفو قليلاً، لكنني لم أشعر بالسلام مع ذلك. كنتُ قلِقة بشأن ما سيقوله الآخرون عني، لذا أسرعت بالعودة إلى العمل. ولأبدو وكأنني حملتُ عِبئًا، أحيانًا أرسل رسالة جماعية عن قصدٍ عندما كان الوقت متأخرًا للغاية حتى يعرف الجميع كم بقيتُ ساهرة إلى هذا الوقت المتأخر، وأنني كنتُ أؤدي واجبي في الليل. أردتُ شراء بعض المُكمِّلات الغذائية بسبب بعض المشاكل الصحية، لكن اعتراني القلق بشأن ما سيقوله الآخرون. هل سيحسبون أنني أقدِّر الجسد بشكل مُبالغ فيه؟ لذا، لم أشتريهم. وذات يوم في اجتماع، اكتشفتُ أن أختًا لم تكن في حالة جيدة، وكانت بحاجة إلى بعض الشركة والدعم. لكن حيث أنها كانت في دولة في نطاق زمني مختلف وكان بالفعل منتصف الليل بالنسبة لي، اعتقدتُ مسبقًا أنني سأقدّم شركة معها في اليوم التالي. لكن عندئذ فكّرتُ أن الشركة معها في الليل لربما تجعلني أبدو وكأنني حملتُ عبئًا لدخول حياة الإخوة والأخوات. لذا هاتفتُ تلك الأخت ولم أنتهِ من الشركة حتى حوالي الساعة الثانية صباحًا. أخبرتني: "لقد تأخر الوقت بالنسبة لكِ، يجب أن تأوي إلى الفراش. أن تسهري دائمًا حتى ساعة متأخرة أمر ضارّ بصحتكِ". لقد سررتُ حقًا لسماعها تقول ذلك. كان الوضع غير مريح جسديًّا، لكنه لم يذهب أدْرَاج الرياح لأنه جعلها تظن أن لدي عبئًا وشعور بالمسؤولية. وبدأت أعاني من جميع أنواع المشاكل الصحية البسيطة بعدئذ، وأخبرني طبيب أن الأمر يتعلق بالحِرْمان من النوم على المدى الطويل. تجاهلتُ ذلك وواصلتُ القيام بالشيء نفسه. كانت القائدة العُليا تُذكِّرني دائمًا بألا يجب أن أسهر حتى ساعة متأخرة، وأن ذلك العمل لن يتعطل إنْ آوي إلى فراشي مبكرًا، وأنهض مبكرًا. قلتُ لنفسي إذا آويت إلى الفراش مبكرًا، سيظن الآخرون أنني، كقائدة، ليس بمقدوري تحمُّل المشقة مثل الآخرين، لذا هل سيتطلَّعون إليَّ؟ لم آخذ كلمات القائدة على مَحْمل الجَدّ. رأت أخت أنني كنتُ مُتوَعِّكة وقالت: "لابد أن لديكِ الكثير من الأمور التي تشغل ذهنكِ. إنّ وجود الكثير من المشكلات التي يجب حلها وكل هذا التوتر يؤثر على صحتكِ. وبصفتنا قادة، فإنّ لديكِ الكثير من المخاوف". شعرتُ بسعادةٍ لا تُوصف مع نفسي عندما قالت ذلك. وشعرتُ أن الثمن الذي دفعته، والمعاناة التي تحمّلتها كانت تستحق في سبيل موافقة الآخرين. لاحقًا، قرأتُ مقطعًا من كلام الله: والذي منحني بعض الفهم عن الطريق الخطأ الذي كنتُ أسلكه. تقول كلمات الله، "لا يتصرف أضداد المسيح أبدًا وفقًا لمبادئ الحق، ولا يمارسون الحق أبدًا – وهذا هو المظهر الأفظع من مظاهر ضد المسيح. بصرف النظر عن المكانة والهيبة، والبركة والمكافأة، فإن الشيء الوحيد الذي يسعون إليه هو التمتع براحة الجسد ومظاهر المكانة؛ وفي هذه الحالة، من الطبيعي أنهم يُسببون إزعاجات. تُبين هذه الحقائق أن الله لا يحب ما يسعون إليه، وسلوكهم، وما يتجلّى فيهم. وهذه ليست طرق التصرف وسلوكيات أناس يطلبون الحق على الإطلاق. مثال ذلك، بعض أضداد المسيح مثل بولس لديهم العزم على المعاناة عندما يؤدون واجبهم، ويمكنهم السهر طوال الليل وعدم تناول الطعام أثناء أداء عملهم، ويمكنهم إخضاع أجسادهم، والتحكم في المرض والتعب. وما هدفهم من فعل هذا كله؟ أن يُظهروا للجميع أنهم قادرون على تنحية أنفسهم جانبًا – أي نكران الذات – عندما يرتبط الأمر بإرسالية الله؛ وأنه لا يوجد شيء لديهم إلا الواجب. إنهم يكشفون هذا كله أمام الآخرين، ويستعرضونه تمامًا، ولا يستريحون عندما يجب عليهم ذلك، بل ويطيلون ساعات عملهم عمدًا، ويستيقظون باكرًا، ويخلدون إلى النوم في وقت متأخر. ولكن ماذا عن كفاءة العمل وفعالية واجبهم عندما يكدح أضداد المسيح هكذا من الصباح إلى الليل؟ هذه الأشياء خارج نطاق اعتباراتهم. إنهم يحاولون أداء هذا كله أمام الآخرين، حتى يتمكن الآخرون من رؤيتهم وهم يعانون، وحتى يروا كيف يبذلون أنفسهم لله دون أي تفكير في أنفسهم. أما بخصوص ما إذا كان الواجب الذي يؤدونه والعمل الذي يفعلونه يجري وفقًا لمبادئ الحق، فإنهم لا يفكرون في ذلك على الإطلاق. فكل ما يفكرون به هو ما إذا كان سلوكهم الجيد الخارجي قد شاهده الجميع، وما إذا كان الجميع على علم به، وما إذا كانوا قد تركوا انطباعًا لدى الجميع، وما إذا كان هذا الانطباع سيثير إعجاب الآخرين واستحسانهم، وما إذا كان هؤلاء الناس سيؤيدونهم عند رحيلهم ويمدحونهم قائلين: "يمكنهم حقًا تحمُّل المصاعب، فروح تحمُّلهم ومثابرتهم الاستثنائية تتجاوزنا جميعًا. هذا شخص يطلب الحق، ويمكنه احتمال عبء ثقيل وتحمُّله، وهو أحد أعمدة الكنيسة". يشعر أضداد المسيح بالرضا عند سماع هذا، ويفكرون في قلوبهم: "لقد كنت ذكيًّا للغاية لأتظاهر هكذا، وكنت بارعًا جدًا لعمل هذا! كنت أعلم أن الجميع سينظرون إلى الظاهر فقط، وأنهم يحبون هذه السلوكيات الجيدة. كنت أعلم أنني إذا تصرفت هكذا، فسوف ينال هذا استحسان الناس، وسوف يجعلهم يؤيدونني، وسوف يجعلهم يُعجبون بي في أعماق قلوبهم، وسوف يجعلهم ينظرون إليَّ نظرة تقدير، ولن ينظر لي أحد نظرة ازدراء مرَّةً أخرى. وإذا جاء يوم وجد فيه الأعلى أنني لم أكن أؤدِي عملًا فعليًا واستبدل بي غيري، فسوف يوجد بلا شك أناس كثيرون يدافعون عني، ويبكون عليّ، ويحثونني على البقاء، ويتحدثون لصالحي". إنهم فخورون سرًا بسلوكهم الكاذب – ألا تكشف هذه الكبرياء أيضًا عن طبيعة ضد المسيح وجوهره؟ وأي جوهر هذا؟ (الشر). هذا صحيح – فهذا هو جوهر الشر" (الكلمة، ج. 4. كشف أضداد المسيح. البند التاسع: لا يُؤدُّون واجبهم سوى لتمييز أنفسهم ولإرضاء مصالحهم وطموحاتهم؛ فهم لا يراعون أبدًا مصالح بيت الله، بل يبيعون حتَّى تلك المصالح مقابل المجد الشخصيّ (الجزء العاشر)). يكشف كلام الله عن جوهر ضد المسيح على أنه شر رهيب. سيلجؤون إلى أي أساليب للتصنُّع، ولوضع واجهة زائفة ولتحقيق هدفهم المُروِّع في السيطرة على الآخرين ونَيْل الإعجاب. على سبيل المثال، يماطلون عَمْدًا في واجباتهم، يسهرون حتى ساعة متأخرة ويستيقظون مبكرًا حتى يبدو الأمر وكأنهم قد كرَّسوا أنفسهم لله. إنهم يكدحون لزمنٍ طويلٍ ويتخطّون الطعام والنوم، ويُهملون احتياجاتهم الجسدية في الواجبات، حتى يُعجب بهم الناس ويعشقونهم. وينتهي بهم الأمر إلى تقديم الناس قبل أنفسهم. يكره الله ويُدين هذا النوع من السلوك. تملّكني شعور بالفزع، وعدم الارتياح عندما منعتُ نفسي عن كلام الله. كنتُ أتصرّف فحسب مثل ضد المسيح. أردتُ أن يرى الآخرون أن بوسعي تحمُّل المشقة، وأنني لم أُدلِّل نفسي وكان لدي عبء على عملي، وأردتهم أن يُعجبوا بي لكوني قائدة بارعة، لذا فقد بذلتُ جهودًا مُضْنية للتظاهر في أوقاتي للعمل، والراحة، والوجبات. لم أخْلُد إلى الراحة عندما كان يجب أن أستريح، وسهرتُ عَمْدًا حتى ساعة متأخرة عندما لم يكن ذلك ضروريًّا لواجبي. واصلت القيام بذلك حتى أصبتُ ببعض المشكلات الصحية. كنتُ أخشى أن يقول الآخرون إنني أهتم بملذات الجسد بشكل مُبالغ فيه ويتوّلد لديهم انطباع سيئ عني، لذا لم أعبأ بالاحتياجات الجسدية العادية أو أشتري المُكمِّلات التي أحتاجها. كنتُ أُرسِّخ لنفسي بمكرٍ من خلال التصرف بلطفٍ، والمعاناة ودفع الثمن، حتى يظن الآخرون أنني سعيتُ للحقّ، وأنني كنتُ قائدة دَؤوبة وبارعة وكرَّسْتُ نفسي لواجبي، ثم سيحترمونني أكثر. كانت جهودي كلها مُلطّخة بالتزييف، والخداع. كنتُ أجعل نفسي أبدو بمظهر جيد، وأضلِّل الآخرين بصورة زائفة. ما كانت بي رغبة في مواصلة القيام بالأمور بهذه الطريقة، لذا صلّيُتُ إلى الله، وأنا على استعدادٍ للتوبة والتغيير.
لاحقًا كنتُ أتفكّر، لماذا كنتُ أركز بشدّة على الظهور بأنني أتحمّل المشقة؟ أدركتُ من خلال التفكّر أنني كنتُ أُضْمِر منظورًا خاطئًا. لطالما ظننتُ أن كوني قادرة على المعاناة ودفع الثمن، والظهور بفعل أشياء جيدة، هو ممارسة للحقّ وإرضاء لله، وأن الله سيوافق على ذلك. لكنني رأيتُ من خلال تحليل كلام الله أن ذلك المنظور ليس صائبًا. تقول كلمات الله، "ماذا تمثل الأعمال الحسنة السطحية التي يقوم بها الإنسان؟ إنها تمثّل الجسد، وحتى أفضل الممارسات الخارجية لا تمثّل الحياة، بل لا يمكن أن تُبرزَ سوى مزاجك الشخصي. إن ممارسات الإنسان الخارجية لا يمكن أن تحقّق رغبة الله. ... إذا كانت أفعالك موجودة في الظاهر فحسب، فهذا إذًا يعني أنك مغرور إلى أقصى حد. أيّ نوع من البشر أولئك الذين لا يقومون إلّا بأعمال حسنة سطحية وخالية من الواقعية؟ هؤلاء الناس هم مجرد فريسيين مرائين وأشخاص متدينين! إن لم تنزعوا عنكم ممارساتكم الخارجية وكنتم عاجزين عن إجراء تغييرات، فسوف تنمو عناصر الرياء فيكم أكثر فأكثر. وكلما ازداد نمو هذه العناصر فيكم، ازدادت المقاومة لله، وفي النهاية، سوف يُستبعد أمثال هؤلاء الناس بالتأكيد!" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. يجب أن يركّز المرء في الإيمان على الحقيقة؛ فالانشغال بالطقوس الدينية ليس إيمانًا). "يوجد اليوم بعض الناس الذين عند أداء واجبهم يعملون من الفجر إلى الغسق، أو يسهرون طوال الليل ويظلون دون طعام. يمكنهم إخضاع الجسد وتجاهل المشقة الجسدية، بل والعمل عندما يمرضون. ولكن على الرغم من أنهم يتمتعون بهذه المزايا، ومن أنهم أناس أخيار وأناس مناسبون، لا تزال توجد أشياء في قلوبهم لا يستطيعون تنحيتها جانبًا: المكانة والهيبة والغرور. إذا لم يضعوا هذه الأشياء جانبًا أبدًا، فهل هم أناس يطلبون الحق؟ الجواب بديهي. لا يوجد ما هو أصعب من إجراء تغييرات في الشخصية عندما تؤمن بالله. قد يبقى الناس بلا زواج طوال حياتهم، وقد لا يأكلون أبدًا طعامًا دسمًا أو يرتدون ملابس أنيقة، بل وقد يقولون: "لا يهم ما إذا كنت أعاني طوال حياتي، أو إذا كنت وحيدًا طوال حياتي، سوف أتحمَّل هذا – فهذه الأشياء لا تعني شيئًا عند الله". من السهل عليهم التغلب على آلام الجسد ومشقاته وحلها. ما الذي يصعب عليهم التغلب عليه؟ شخصياتهم الفاسدة. لا يمكن حل الشخصيات الفاسدة بمجرد كبح جماحها. يستطيع الناس تحمُّل آلام الجسد لأداء واجبهم أداءً صحيحًا، وإرضاء مشيئة الله، والدخول إلى الملكوت، ولكن هل القدرة على المعاناة ودفع الثمن تعني حدوث تغيير في شخصياتهم؟ لا تعني ذلك. عند قياس ما إذا كان يوجد تغيير في شخصية المرء، لا تنظر إلى مقدار المعاناة التي يتحملها ومدى حُسن تصرفه في الظاهر؛ وبدلًا من ذلك، ينبغي أن تنظر إلى المنطلق، والدوافع، والمقاصد من وراء أفعاله، والمبادئ الكامنة وراء سلوكه، وموقفه تجاه الحق. لا يصح إلا القياس وفقًا لهذه الجوانب" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. لا يدل السلوك الحسن على تغير الشخصية). إنّ كلام الله واضح تمامًا. أيًّا كان حُسْن سلوك الشخص، فهذا لا يعني أنه يمارس الحقّ، ولا يعني حقًا أنه قد طرأ عليه تغيير في شخصيته وربح موافقة الله. في عصر النِّعمة، كان بولس قادرًا على تحمُّل المشقة. لقد ذهب إلى السِّجن ولم يَخُن الرب في جهوده الرامية لنشر الإنجيل. بدا سلوكه جديرًا بالثناء حقًّا. لكن كل معاناته، والثمن الذي دفعه كان لإجراء صفقة مع الله. أراد مقايضة معاناته بتاجٍ وبركة ملكوت الله. لم تَعْنِ أعماله الصالحة أنه حقق تغييرًا في شخصيته، لكن بدلاً من ذلك، صار مُتَعَجْرِفًا بشكل متزايدٍ، ويتباهى دائمًا ويشهد لنفسه. حتى أنه شهد بأنه المسيح الحيّ، وانتهى به الأمر بأن أدانه الله وعاقبه. عند التفكير في نفسي، فكرتُ في الظهور وكأنني أحْسِن السلوك ليتطلَّع إليَ الناس فحسب، لكنني لم أحاول ممارسة كلام الله أو التخلص من شخصيتي الفاسدة. ومن ثَمَّ، أصبحتُ أكثر نفاقًا ولم أغيِّر شخصيتي الحياتية إطلاقًا. إذا واصلتُ في هذا السعي، لم أكن لأربح الحقّ إطلاقًا. كان سينتهي بي الأمر مُسْتَبْعَدة مثل بولس! وعند التفكّر في هذا، أردتُ أن أغيّر مساعيي ووجهات نظري الخاطئة على الفور.
لاحقًا، قرأتُ هذا المقطع من كلام الله: "وهب الله الإنسان جسمه، وسوف تبقى قدرات الجسم سليمة في حدود معينة؛ ومع ذلك، فإن تجاوز هذه الحدود أو انتهاك قوانين معينة سيسبب حدوث أشياء؛ إذْ سيُصاب الناس بالمرض. لا تنتهك النواميس التي وضعها الله للإنسان. إن فعلت ذلك، فهذا يعني أنك لا تحترم الله وأنك أحمق وجاهل. إن انتهكت هذه النواميس – أي إن خرجت عن "المسار" – فلن يحميك الله ولن يتحمل أي مسؤولية تجاهك؛ فالله يمقت مثل هذا السلوك. ... عند أداء واجبك، من الأفضل أن تجد توازنًا طبيعيًا بين العمل والراحة. وعندما تنشغل بواجبك، يجب أن يتحمَّل جسمك القليل من المعاناة، ويجب أن تضع جانبًا احتياجاتك الجسدية، ولكن ينبغي ألا يستمر هذا لفترة طويلة؛ فإن حدث ذلك، فستصاب بالإنهاك بسهولة، وقد يؤثر ذلك في فعاليتك في أداء واجبك. ينبغي أن ترتاح في مثل هذه الأوقات. ما الهدف من الراحة؟ إنه الاعتناء بجسمك لتتمكن من أداء واجبك أداءً أفضل. أمّا إذا لم تكن مُتعبًا جسديًا ولكنك تبحث دائمًا عن فرصة للتراخي بصرف النظر عما إذا كنت منشغلًا في واجبك أم لا، فأنت تفتقر إلى التكريس. وبالإضافة إلى تكريسك، وأداء الواجب الذي ائتمنك الله عليه بشكل لائق، ينبغي عليك أيضًا ألا تتعب جسمك. ينبغي أن تستوعب هذا المبدأ. عندما لا تكون منشغلًا بواجبك، خذ فترات راحة مجدولة. وعندما تستيقظ في الصباح، مارس العبادات الروحية، وصلِّ، واقرأ كلام الله، وشارك حول حقيقة كلام الله مع الآخرين أو تعلم التراتيل كالمعتاد؛ وعندما تنشغل بواجبك، ركز على أداء واجبك، ومارس كلام الله واختبره، وادمج كلام الله في حياتك العملية؛ فهذا سيجعل من السهل أداء واجبك وفقًا لمبادئ الحق. وبهذه الطريقة وحدها سوف تختبر عمل الله حقًا. هذه هي أنواع التعديلات التي يجب عليك إجراؤها" (الكلمة، ج. 3. أحاديث مسيح الأيام الأخيرة. الجزء الثالث). كانت قراءة كلام الله منيرة للغاية بالنسبة لي. يجعلنا الله نعيش ضمن القواعد التي قدَّرها سَلَفًا، لنعمل ونستريح كما يجب، ونؤدي واجبنا على هذا الأساس. وحينما يتطلّب عملنا بعض المعاناة، لابد أن نتخلّى عن ملذات الجسد، ونَبْذل قصارى جهدنا لإنجازه. عندما لا نحتاج إلى السهر حتى ساعة متأخرة، علينا أن نعمل وننام بشكل سليم ونحافظ على الحالة الطبيعية. حينها بوسعنا أن نكون فعّالين في واجبنا. فكّرتُ في هذا من الكتاب المقدس: "تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هَذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلْأُولَى وَٱلْعُظْمَى" (متى 22: 37-38). يأمل الله أن يكون بوسعنا التفكير في مشيئته في واجبنا، وأن يكون لدينا عبء حقيقيّ، وأن نؤدي واجبنا من صميم قلوبنا. بهذا فقط نربح موافقة الله. وبالنظر إلى هذه الطرق التي منحنا الله إياها، رأيتُ كم كنتُ حمقاء. إنّ كلمات الله في غاية الوضوح، لكنني لم أضعهم موضع التنفيذ. كنتُ أتصرف بِناء على مفاهيمي وتصوراتي، وأعاني الكثير من الأمور التي بلا معنى. ثم أدركتُ أنه لا يمكنني مواصلة التركيز على التصرف بسلوك الحسن، لكن يجب أن أقبل تدقيق الله، وأفعل كل شيء أمام الله دون اعتبار لما يظنه البشر. تعيّن عليَّ بذل قصارى جهدي في واجبي، وهذا ما كان عليَّ فعله.
بعدئذ، في الاجتماعات، شرَّحتْ جوهر كيف ضللتُ الطريق والمشاكل التي تشوب تفكيري حتى يتمكّن الإخوة والأخوات من ربْح التمييز. عادةً، ركزتُ على ممارسة كلام الله، ولم أتظاهر بعد اليوم. مع مرور الوقت، توقفت عن القلق بشأن كيف رآني الآخرون، ولم أفكر في التظاهر. شعرتُ بإحساس كبير من التحرر. لقد تعلّمتُ من خلال الاختبار أن كلام الله وحده هو الاتجاه ومبدأ العمل في الحياة، وأن التصرف بكلام الله راحة عظيمة. لا حاجة للتظاهر دائمًا، والعيش بهذه الطريقة المتعبة والمؤلمة. شكرًا لله!
كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.