عملية تحوّل مؤمن مُتَغَطرِس

2019 أكتوبر 11

بقلم زهانج ييتاؤو – إقليم هينان

"يا الله! دينونتك حقيقية جدًا ومليئة بالبرّ والقداسة. استعلاناتك عن حقيقة فساد البشر جعلَتني مكشوفًا بالكامل. أفكّر في كيفية بذل نفسي وانشغال نفسي لسنوات لمجرد كسب بركتك. قلّدت بولس، فكدحت وعملت كي أبرز عن الآخرين. أراني كلام دينونتك كم كنتُ أنانيًا وبغيضًا. أسقط أرضًا شاعرًا بالعار والخجل، فلا أستحقّ بتاتًا النظر إلى وجهك. نظرتُ مرات كثيرة إلى الطريق الذي مشيتُ فيه. أنت الذي رعاني وحماني وقادني في كل خطوة من الطريق حتى الآن. أرى كم يكلّفك خلاصي، وكل هذا من محبتك. يا الله! عبر اختبار دينونتك، لقد تذوّقتُ محبتك الحقيقية. دينونتك هي التي تسمح لي بمعرفة نفسي وبالتوبة الفعلية. أنا فاسد للغاية لدرجة أنّني أحتاج حقًا إلى أن تدينني وتطهّرني. من دون دينونتك، سأتخبّط في الظلام ليس إلّا. كلامك هو الذي قادني إلى طريق النور في الحياة. أشعر بأنّ محبّتي لك وعيشي لك هما أكثر المساعي الهادفة. نظرتُ مرات كثيرة إلى الطريق الذي مشيتُ فيه. دينونتك وتوبيخك هما بركاتك ومحبتك الحقيقية. سأفهم الحق وأحقّق محبةً أنقى لك. أنا مستعد لذلك مهما عانيتُ" ("لقد أعطاني الله الكثير من المحبة" في "اتبعوا الحمل ورنموا ترنيمات جديدة"). في كل مرةٍ أترنّم فيها بهذه الترتيلة، أفكّر في خلاص الله لي خلال كل هذه الأعوام، ويملؤني شعور بالامتنان له. إنّ دينونة الله وتوبيخه هما اللذان غيّراني. لقد جعلاني – أنا الابن المُتغطرس، الطَموح، المتمرّد – أظهر في صورة أكثر إنسانية قليلًا من ذي قبل. ولذا فإنّي بكل إخلاص أقدّم الشكر لله من أجل خلاصه لي!

وُلِدت في الريف. ولأن أسرتي كانت فقيرة، وكان أبواي أمينين، غالبًا ما كان يغشّهما الآخرون. كانت الناس منذ حداثتي تنظر إليّ باحتقار، وقد أصبح ضربي و التنمّر ضدي أمرًا عاديًا. وكان هذا في أوقاتٍ كثيرة يُحزنّي حتى البكاء. ولذا رُحت أبذل كل ما كان بوسعي في مذاكرة دروسي، حتى لا أضطر إلى مواصلة تلك النوعية من الحياة، وحتى أستطيع في المستقبل أن أصبح مسؤولًا حكوميًا، أو شخصًا في موقع مسؤولية، فيكون شأني عاليًا في أعين الناس جميعًا. ولكن ما أن انتهيت من المرحلة الإعدادية، وكنت أستعد لامتحان دخول المدرسة الثانوية، إلاّ وبدأت الثورة الثقافية؛ فقد تمرّد الحرس الأحمر، وأضرَب العُمّال عن العمل، وخرج الطلبة في مسيراتٍ. كان اليومُ تلو الآخر ينقضي في الثورة. كان هَرج ومَرج، وكان الناسُ مرتعبين، وأُلغيَّ نظام امتحان القبول بالكليات. ونتيجةً لذلك فقدت فرصة امتحان القبول بالمدرسة الثانوية. كنت مُحطّمًا – كان شعورًا مخيفًا وكأن مرضًا عضالًا قد أصابني. وفكّرت بعد ذلك في نفسي: حتى إن لم أستطع أن أدخل امتحان القبول بالمدرسة أو أن أصبح مسؤولًا حكوميًا، سوف أعمل بجد لكسب المال، وطالما امتلكتُ المال سوف أكون محل احترام الناس. ومنذ ذلك الحين فصاعدًا رُحت أبحث في كل مكانٍ عن طرق لكسب المال. ولأن أسرتي كانت فقيرة، لم يكن لديّ أي أموال أستطيع بها أن أبدأ مشروعًا. استطعت بعد ذلك أن أقترض من بعض الأقرباء والأصدقاء خمسمائة يوان لأبدأ متجرًا لبيع لحم الخنزير المطهي. وكان سعر اللحم في ذلك الوقت فقط سبعين سنتًا للرطل، ولكن بعدما اشتريت المعدّات التي كانت تلزمني لم يتبقَ مبلغًا كافيًا من الخمسمائة يوان التي كانت معي. وكلّما تحصّلت على بعض الدخل كان يتم إنفاقه مباشرةً في تمويل المشروع، وحالما كسبت أية أموال كنت أُسدد بها دَّيني. تحمّلت صعوبات عديدة حتى أستطيع أن أعيش حياةً أفضل من الآخرين. لم يكن لديّ أي وقت فراغ من الصباح حتى وقت متأخر. وبعد عدة أعوام من العمل الجاد، أصبحت مهاراتي أكثر فأكثر صقلًا، وكان مشروعي يزدهر أكثر فأكثر. وهكذا سريعًا أصبحت أسرتي ميسورة الحال، وكان الكثيرون من الناس يحسدونني.

في ربيع عام 1990، تحدَّث إليَّ شخصٌ من قريتنا عن الإيمان بيسوع. استمعت إلى بعضٍ من العظات بدافع الفضول، ورأيت أنه عندما كان الأخ الذي يعظ يتكلَّم، كان الكثيرون ينظرون إليه باحترامٍ. كنت أشعر بحسدٍ يصل إلى درجةٍ لا تُصدَّق عندما رأيته مُحاطًا بجَمهَرَةٍ من الناس وكان محل إعجابهم. وفكّرت في نفسي: لو كنت أستطيع أن أصبح شخصًا كهذا، فإن الجميع سيهيمون بي؛ وليس هذا فقط، بل سأستطيع أيضًا أن أربح نعمة الرب، وسوف يكافئني. سيكون ذلك رائعًا جدًا! وبدافع هذه الأفكار، بدأت أؤمن بالرب يسوع المسيح، وانضممت إلى كنيسة منزلية. وبعد ذلك عملت بجدٍ في دراسة الكتاب المقدّس، و كنت أسعى على وجه الخصوص إلى معرفة الكتاب المقدَّس، ورحُت أُركِّز على حفظ بعض المقاطع منه؛ وبسرعة شديدة استطعت أن أحفظ عن ظهر قلب إصحاحات وآيات كثيرة مشهورة. وقرأت الآية السادسة والعشرون من الإصحاح السادس عشر من بشارة متى عندما قال الرب يسوع: "لِأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلْإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي ٱلْإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟" ثم قرأت أيضًا عن الرب يسوع أنّه دعا بطرس، فللوقت ترك شباك الصيد التي كانت له، وتبع يسوع. ففكّرت في نفسي: جيدٌ أن أربح المال الكافي للمعيشة؛ ولكن ماذا ينفعني عند وفاتي إذا ربحت المزيد من المال؟ إذا كنت أريد أن أكسب مديح الرب، فعليّ أن أتَّبع مثال بطرس. لذلك فقد قمت بإنهاء مشروعي، وبدأت أشغل نفسي في الكنيسة بدوام كامل. كنت مُتحمسًا جدًا في ذلك الوقت، ولم يمر وقت طويل حتى استطعت أن أربح للمسيح تسعة عشر شخصا ًمن أقربائي و أصدقائي، ثم زاد عددهم بعد ذلك ليصل إلى مائتين و ثلاثين شخصًا من خلال أولئك التسعة عشر. ثم قرأت كلمات الرب يسوع: "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. بَلِ ٱلَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ" (متى 7: 21). وقد زاد شعوري بالرضا عن نفسي. وبناءً على ما فهمته من المعنى الحرفي لكلمات الرب، اعتقدت أنني كنت بالفعل أسير على درب الرب، وكنت في طريق اتّباع إرادة الآب السماوي، و أنني في العصر الآتي، عندما يتحقق ملكوت الله، سوف أحكُم كمَلِك على الأرض. وتحت وطأة هذا النوع من الطموح، أصبح حماسي أكبر من ذي قبل. وعقدت العزم على أنني يتعين عليَّ أن اتّبع بالكلية كلمات يسوع التي توصيني قائلةً: "تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ" و"كن متسامحًا وصبورًا"، وقد أوصتني أيضًا أن أقود الآخرين بأن أكون نموذجًا لهم، وألا أخاف من تحمُّل المصاعب. وكنت أحيانًا، حينما أزور منازل الأخوة والأخوات، أساعدهم في حمل الماء، وإشعال النيران، والقيام بأعمال زراعية. وعندما لم يكن لديهم ما يكفيهم من المال، كنت أساعدهم من مدّخراتي؛ ورحت أساعد أي شخص يمر بمصاعب. سرعان ما كسبت مديح كل الأخوة والأخوات، كما كسبت ثقة كبار القادة في الكنيسة. مر بعد ذلك عامٌ ثم ترقّيت لأصبح قائدًا بالكنيسة، وراعيًا لثلاثين كنيسة. كنت أقود ما يقرب من أربعمائة مؤمنٍ. وما أن تولّيت هذا المنصب حتى شعرت بإحساس رائع. شعرت أن كل عملي الجاد وجهدي الشاق أخيرًا قد أثمرا، ولكنّي في نفس الوقت كوَّنت في قلبي هدفًا أكثر شموخًا: أن أسعى إلى منصبٍ أعلى، وأن أكسب مديح عدد أكبر من الناس وتوقيرهم. و بعد سنةٍ أخرى من العمل الجاد، أصبحت أحد القادة الأعلى للكنيسة، حيث كنت أقود زملاءَ في خمس مقاطعات، وأرعى أربعمائة وعشرين كنيسة. كنت بعد ذلك أكثر خوفًا من التراخي، ولذا أوليت اهتمامًا خاصًا بسلوكي الجيد في ظاهره، و بصورتي بين زملائي، وبين الأخوة والأخوات. وحتى أحظى بقبول زملائي وكذلك تقدير الأخوة والأخوات، اعترضت على الوجبات الباهظة بالكنيسة، ومنعت وجود أي اتصال بين الأعضاء المختلفين في النوع وكذلك الممارسات غير الصحية. وقد لاقت "الاستقامة و روح العدالة " التي لي تأييد واستحسان زملائي والأخوة والأخوات الآخرين؛ كذلك انتفخت طبيعتي المتعجرفة وأصبحَت أكثر خروجًا عن نطاق السيطرة. وعلاوةً على ذلك، فقد حفظت بعض المقاطع الأكثر شيوعًا بالكتاب المقدس جيئةً وذهابًا، وعندما كنت اجتمع مع بعض قادة الكنيسة من المستوى الأدنى والزملاء وأعظهم، كنت أستطيع تلاوة مقاطع بدون النظر في كتابي المقدس بناءً على رقم الإصحاح ورقم الآية فقط. كنت حقًا مَحَط إعجاب الأخوة والأخوات، ولذلك كان قولي دائمًا هو النافذ في الكنيسة. الجميع كانوا يصغون لي. كنت دائمًا أعتقد أنّ ما أقوله هو عين الصواب، وأن لي فهمًا عاليًا. وسواء كان الأمر يتعلَّق بإدارة الكنيسة، أو توزيع الكنائس، أو ترقية قادة الكنيسة والزملاء، لم أكن أبدًا أُناقش هذه الأمور مع الآخرين. كان قولي هو النافذ دائمًا؛ كنت بالحقيقة أملك الحُكم كمَلِك. في ذلك الحين كنت استمتع على وجه الخصوص بوقوفي على المنبر والتحدّث بفصاحة وطلاقة؛ وعندما كان الجميع يحدّقون إليّ بإعجابٍ، كان ذلك الشعور بوجودي على قمَّة العالم يسحرني ويجعلني أنسى كل شيء. وكان يمتلكني هذا الشعور خصوصًا عندما كنت أقرأ الآية 34 من الإصحاح الثالث من إنجيل يوحنا: "لِأَنَّ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ ٱللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ ٱللهِ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي ٱللهُ ٱلرُّوحَ". كنت في الواقع أستمتع بقراءة هذه الآيات، ورحت أعتقد بلا خجل أنني أُرسلت من قِبَل الله، و أن الله أسبغ عليّ الروح القدس، وأن مشيئة الله كان يُعبّر عنها من خلالي. واعتقدت أنه بما أنني كنت أستطيع تفسير نصوص الكتاب المقدس، فقد أصبحت قادرًا على إدراك "الألغاز" التي لا يستطيع الآخرون فهمها، وقادرًا كذلك على رؤية الدلالات التي لا يستطيع الآخرون رؤيتها. كنت فقط أهتم بانغماس نفسي في لذّتي بمنصبي، وقد نسيت تمامًا أنني مخلوق فحسب، وأنني مجرّد إناء لنعمة الرب.

وبينما واصلت الكنيسة نموها، نمى معها أيضًا صيتي، وأينما ذهبت كانت الشرطة تلاحقني بسبب المشاركة في أنشطة دينية غير مُصرَّح بها. وبسبب هذا الاضطهاد من جانب الحكومة لم أكن أجرؤ على العودة إلى بيتي. كنت أستطيع الاختباء لبعض الوقت، ولكن ليس للأبد، وقد أُلقت الشرطة القبض عليّ في إحدى المرات عندما عُدت إلى بيتي لأخذ بعض الملابس. حُكِمَ عليّ بثلاث سنوات من إعادة التأهيل مع الشغل. وخلال السنوات الثلاثة تعرَّضت لكل أنواع الاضطهاد والتعذيب الوحشية. كانت الأيام في الحقيقة تمر كأعوامٍ، وشعرت كأنّ طبقة من جلد قد تم تقشيرها من هامتي حتى أخمص قدميّ. ولكن بعد إطلاق سراحي استمررت في الوعظ بالإنجيل بكل ثقة، تمامًا كما كنت دائمًا في السابق، وقد تم إعادتي إلى منصبي الأصلي. وبعد ستة أشهر أخرى، تم اعتقالي مرةً أخرى من قِبَل الحكومة المحلية، وتم الحُكم عليّ بثلاث سنوات أخرى من إعادة التأهيل مع الشغل. وبعدما عذَّبوني بكل طريقة ممكنة، وضعوني في أحد مراكز الاعتقال لمدة سبعين يومًا. بعد ذلك وُضِعت في معسكر للأشغال حيث كنت أحمل الطوب. كان ذلك في الشهر القمري السابع وكان الطقس شديد الحرارة. كانت درجة الحرارة داخل الفرن حوالي 70 درجة مئوية وكان عليّ أن أصنع أكثر من عشرة آلاف طوبة يوميًا. وقد حل بجسدي ضعفٌ شديدٌ بسبب جوعي وأيضًا التعذيب الوحشي الذي تعرَّضت له في السابق. لم أكن أستطيع جسديًا أن أتحمَّل هذا النوع من الشغل في الحرارة، ولكن الحرّاس الأشرار لم يهمّهم أي من هذه الأمور. عندما كنت أعجز عن القيام بكل مهامي كانوا يقيّدون يدايّ خلف ظهري، ويجعلونني أركع على ركبتيّ، وكانوا يضعون زجاجات تحت آباطي وخلف ركبتيّ، ثم يضربونني بمناخس كهربائية حتى تنغرس القيود عميقًا في لحمي. كان ألمًا لا يمكن أن يتخيّله أحدٌ. وبعد أن أكملت سبعة أيام فقط من العمل، غبت عن وعيي داخل الفرن متأثرًا بما قد تعرّضت له من نوع التعذيب الوحشي هذا. ولم يتم إنقاذي إلا بعد ذلك باثنتين وخمسين ساعة، ولكن كان ذلك بعد أن أصبحت جثة هامدة، فلم أكن أستطيع أن أفعل شيئًا سوى أن أعي وأرى وأسمع. لم أستطع أن آكل أو أتكلَّم أو أمشي أو حتى أستخدم الحمَّام. وبعد أن بطَش بي الحزب الشيوعي بهذه الطريقة انكسرت طبيعتي المتعجرفة إلى حدٍ كبير. لقد تلاشت طاقة السلطة و الكبرياء تلك التي كانت لي في الكنيسة. لقد أصبحت مظلمًا و متشائمًا، كنت أعيش وسط معاناة وعجز لا حدود لهما. وفيما بعد توصّل الناس في مركز الاعتقال إلى فكرةٍ ملتوية ووجدوا طبيبًا قام بإجراء تقارير مزوّرة يقول فيها أنني كنت أعاني من "اضطراب وراثي". واتصلوا بزوجتي وجعلوها تأتي لتأخذني إلى البيت. لقد بِيِع كل شيء في بيتنا من أجل علاج حالتي؛ وعندما جاء أقاربي لرؤيتي كانوا يسخرون في وقاحة وتَهكُّم. تملَّكني شعورٌ بالإحباط بعد أن واجهت هذا الموقف، وأحسست أن العالم كان مظلمًا للغاية، وأنه لم يكن هناك ودٌ عائلي أو محبة بين الناس، وأنه لم يكن يوجد سوى الاضطهاد الوحشي والافتراء... . وعندما واجهت عذاب هذا المرض الأليم، لم يكن هناك أمل في حياتي، ولم أكن أعرف كيف يمكنني المواصلة.

وبينما كنت غارقا ًفي اليأس، مدَّ لي الله القدير يد الخلاص؛ فبعد أن عُدت إلى البيت بأكثر من شهر، جائني اثنين من الإخوة ليعظاني ببشارة الله عن الأيام الأخيرة، وأنه كان يعمل في مرحلة جديدة من العمل، وهو تجسُّده الثاني لإنقاذ البشرية. لم أصدِّق ساعتها ذلك على الإطلاق، ولكن لأنني لم أكن أستطيع الكلام أريتهما بعض المقاطع في الكتاب المقدَّس لأدحض بها كلامهما. فأجاباني برفقٍ: "يا أخي، عندما تؤمن بالله ينبغي أن يكون لك قلب يسعى نحوه في اتضاعٍ. إن عمل الله دائمًا جديد؛ وهو دائمًا يتحرَّك إلى الأمام، وحكمته لايمكن أن تدركها البشرية، لذلك لا يمكن أن نصير سجناء الماضي. إذا كنت تتشبَّث بعمل الله في عصر النعمة، فهل تستطيع أن تدخل إلى عصر الملكوت؟ ناهيك عن أن كل شيء قاله الرب يسوع في الكتاب المقدَّس له معناه وسياقه الخاص به. ثم فتحا لي كلمات الله القدير لأقرأها، وبعد ذلك استخرجا لي عددًا كبيرًا من النبوَّات في الكتاب المقدس لكي أقرأها، وكانت تخص عمل الله في الأيام الأخيرة. ومن خلال كلمات الله، والشركة مع أخواي، أصبحت أفهم معنى اسم الله، والحق الداخلي في مراحل عمله الثلاثة، وغايته في إدارته للبشرية، وأسرار تجسُّده، والحق الداخلي في الكتاب المقدَّس، وأكثر من ذلك. كانت هذه أمورٌ لم أسمع بها في حياتي، وكانت أيضًا أسرارًا وحقائق لم أكن أتقبَّلها عندما كنت أعمل بمنتهى الجد في دراسة الكتاب المقدس طيلة كل تلك السنوات. لقد استمعت إليها، وكنت أتلذذ بسماعها؛ كنت مقتنعًا بها تمامًا. بعد ذلك أعطاني أخواي كتابًا عن كلمات الله، وقالا لي: "بعد أن تتحسّن، تستطيع أن تعظ زملائك وأخوتك وأخواتك بالإنجيل. وقَبِلت كتاب كلمات الله بسعادةٍ بالغة. لم يكن بمقدوري أن أفعل شيئًا في ذلك الوقت سوى أن أستلقي في الفراش طوال اليوم وأقرأ كلمات الله. وشعرت بشوقٍ ومتعةٍ وكأنني سمكة تعود إلى المياه. كنت في غاية السعادة والرضا. ولم تمر فترةً طويلة حتى بدأت صحتي تتحسَّن تدريجيًا، وأصبح بإمكاني أن أترك فراشي وأتمشّى قليلًا، وأصبحت أكثر اعتمادًا على نفسي في حياتي. كنت أعيش بعد ذلك الحياة الكنسيَّة في البيت، وكنت أعقد اجتماعات مرتين كل أسبوع.

لم أكن أتخيل أنه في حياتي الكنسية المستقبلية سينكشف طبعي المتعجرف بشكل كامل. لقد استطاع الله – من خلال كلماته ومختلف الناس، والأمور والأشياء، وكذا من خلال دينونته وتوبيخه، وتعاملاته معي و تهذيبه لبعض الجوانب فيّ – أن يجعل قلبي المتعجرف المعاند يتضع رويدًا رويدًا. في إحدى المرات رتبت الكنيسة لفتاة تبلغ من العمر سبعة عشر أو ثمانية عشر عامًا لتأتي وتلتقي معي؛ كانت ابنة أخ من طائفتى الأصلية، وقبل ذلك الحين عندما كنت قائد الكنيسة كنت أتردد على منزلهم. فكَّرت في نفسي: ما الخطب في ترتيبات قائد الكنيسة؟ يأتون بطفلة لترشدني – هل تراهم يستهينون بي؟ وبحكم طبيعتي المتغطرسة، قلت باستخفاف: "لقد آمنت بالله لسنوات تتجاوز سنوات عمركِ. عندما كنت أتردد على منزلكم كان عمركِ فقط بضعة أعوام، كنت وقتها ألعب معك، وها أنتِ الآن تأتين لترشدينني... ". احمرَّ وجه أختي الصغيرة خجلًا لما قلته، ولم تجرؤ على الحضور مرةً أخرى. وفي الأسبوع التالي جاءت أخت صغيرة أخرى؛ كانت أيضا صغيرة جدًا، وكانت من القرية المجاورة. لم أقل أي شيء، لكنني فكّرت: إذا ما قارنّا من حيث عدد السنوات أو مؤهلات الإيمان بالله، أو معرفة الكتاب المقدس، أو الخبرة في إدارة الكنيسة، فأنا أفضل بكثير منكِ في كل هذه الجوانب! فمن خلال عُمرك، أستطيع أن أرى أنكِ أصبحتِ مؤمنة منذ ثلاثة أو أربعة أعوام على الأكثر. لقد مر على إيماني واحد وعشرون عامًا. كيف يمكن أن تكوني مؤهلة لتأتي وترشدينني؟ ... لكن مَن كان يعلم أن هذه الأخت الصغيرة كانت حقًا فصيحةً جدًا – فلقد تحَّدثت بصراحة ووضوح؛ وعندما التقينا فتحت لتوها أقوال الله وقرأت بصوتٍ عالٍ: "بعض الناس يؤلِّهون بولس على وجه الخصوص. إنهم يحبّون الخروج وإلقاء الخُطَب والقيام بالعمل، ويُحبّون حضور الاجتماعات والوعظ؛ ويُحبّون أن يستمع الناس إليهم، وأن يتعبّدوا لهم ويحيطوا بهم. إنَّهم يُحِبّون أن يحتلّوا مكانة في أذهان الآخرين، ويستحسنون تفخيم الآخرين للصورة التي يمثلونها. ... إذا تصرَّفوا حقًا على هذا النحو، فهذا يكفي لإظهار أنهم متكبّرون ومغرورون. إنهم لا يعبدون الله على الإطلاق؛ بل يسعون للحصول على مكانة أعلى، ويرغبون في أن يتسلَّطوا على الآخرين، وأن يمتلكونهم، وأن يحتلّوا مكانة في أذهانهم. هذه صورة كلاسيكية للشيطان. مظاهرطبيعتهم هي التكبر والغرور وعدم الرغبة في عبادة الله والرغبة في عبادة الآخرين لهم. يمكن لهذه السلوكيات أن تعطيك صورة واضحة للغاية عن طبيعتهم" ("كيفية معرفة طبيعة الإنسان" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). اخترقت كلمات الله قلبي مثل سيف ذي حدَّين، ووجَّهت لي ضربة مباشرة. لقد كان إعلانًا قاطعًا عن نواياي الدنيئة، وأدائي القبيح في تصرفاتي فيما يختص بالإيمان بالله، وكذلك الجوهر الحقيقي لطبيعتي. لقد ملأني الشعور بالخزي، ولم أكن أريد شيئًا سوى أن أختفي. وبخصوص ما تم الكشف عنه في كلمات الله، عندما تفكّرت فيما كشفَته، ساعتها فقط أدركت أن طبيعتي متعجرفة جدًا، وأنني في جوهري كنت معاديًا لله. كنت في الماضي أعكف على قراءة الكتاب المقدَّس وأفعل كل ما هو من شأنه أن يمدّني بمعرفة الكتاب المقدس، وكان ذلك من أجل أن أحظى بتقدير الناس و أنال إعجابهم، وحتى أكون شخصًا مسؤولًا عن الآخرين، وأن أكون في مستوى أعلى. ولذلك وصلت إلى مكانةٍ ولقبٍ ما كنت أصل إليهما إلّا في أحلامي، كما نلت تأييد الجميع. كنت أجد متعتي في إعجاب الآخرين، وكنت أعظ من أجل إرضاء كبريائي. ومن خلال احتكاري للسلطة، كشفت عن نفسي متباهيًا. كنت دائمًا أسعد بالاستمتاع بالشعور بأنني على قمة العالم عندما كنت أقف على المنبر، ووصل بي الحال إلى أنني كنت أستخدم – دون أي شعور بالخزي – مقاطع من الكتاب المقدَّس لأشهد لنفسي وأرفعها. واعتقدت أنني أُرسلت من قِبَل الله. كنت متغطرسًا ومتكبرًا. وفي ذلك اليوم، ازدريت بتلك الأخت الصغيرة، مستندًا إلى السنوات العديدة التي قضيتها في الوعظ. كنت أعتقد أنني أفضل من الجميع لأنني آمنت بالله لسنواتٍ أكثر ونظرًا لما كان لديّ من معرفة أكبر بالكتاب المقدَّس و خبرة أكبر في إدارة الكنيسة. لم أكن أفكر كثيرًا في أي شخصٍ آخر، وازدريت بهاتين الأختين وسخرت منهما. عندما كنت أتكلَّم كنت أجرح الآخرين، وكنت أبدد بكبريائي شعوري الإنساني الطبيعي؛ وعندئذ فقط أدركت أن مساعيَّ كانت مقاوِمة لله ومعارضة له. كنت أُصارع مع الله من أجل المكانة، وكان جوهر طبيعتي الصورة الكلاسيكية للشيطان. وفي مواجهتي مع كلمات الله، لم يكن بوسعي إلّا أن أقتنع. صلَّيت إلى الله قائلًا: "آه يا إلهي، إنني متكبرٌ للغاية. عندما كانت لي مكانة، كنت متعاليًا مُتجبّرًا؛ وعندما لم يكن لي مكانة ظللت لا أصغي لأحدٍ. استخدمت مؤهلاتي وسلطاتي السابقة للتسلّط على الناس وازدرائهم. يا لوقاحتي! اليوم قبلت خلاصك، وإنني على استعدادٍ لأن أقبل الإعلان و والدينونة التي في كلماتك".

بعد ذلك، فتحت الأخت كلمات الله مرةً أخرى لقراءة مقطعًا منها، وكانت الكلمات تقول: "...يمكنني أن أقول إن تفكير الإنسان قد فقد وظيفته الأصلية، وإن ضمير الإنسان، أيضاً، فقد وظيفته الأصلية. إن الإنسان الذي أنظر إليه هو وحش في زيّ إنسان، إنه ثعبان سام، ومهما حاول أن يظهر مستحقًا للشفقة أمام عيني، فلن أشعر بالرحمة تجاهه مطلقاً؛ لأن الإنسان لا يمتلك القدرة على إدراك الفرق بين الأسود والأبيض، أو الفرق بين الحقيقة وغير الحقيقة. إن تفكير الإنسان مخدّر للغاية، ومع ذلك فهو لا يزال يرغب في الحصول على البركات. إن إنسانيته حقيرة جداً، ومع ذلك فهو لا يزال يرغب في امتلاك سيادة مَلِك. من هم الذين يمكن أن يصبح ملكاً عليهم بتفكير كهذا؟ كيف يستطيع بإنسانية كهذه أن يجلس على العرش؟ حقا إن الإنسان لا يعرف الخجل! إنه بائس متعجرف! نصيحتي للراغبين منكم في الحصول على البركات هي أن تبحثوا أولاً عن مرآة، وتنظروا إلى صورتكم القبيحة: هل لديك ما يلزم لكي تصبح ملكًا؟ هل لديك وجه إنسان يمكن أن ينال البركات؟ لم يطرأ أدنى تغيير على شخصيتك، ولم تضع أياً من الحق موضع التنفيذ، ومع ذلك ما زلت تتمنى في أن تحظى بغد رائع. إنك تضلل نفسك!" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. أن تكون شخصيتك غير متغيرة يعني أنك في عداوة مع الله). وبعد أن سمعت كلمات الله، لم أستطع أن أمنع دموعي من أن تنهمر على وجهي. أحسست بكل جملة من كلمات الله تخطف قلبي، وتملّكني شعورٌ شديد بدينونته، واجتاحني على وجه الخصوص شعورٌ بالخزي. وبدت أمامي مشاهد سعيي المخزي للحُكم كملٍك في كنيستي السابقة، مشهدًا تلو الآخر: كنت متعاليًا متجبّرًا بين إخوتي وأخواتي، وكنت أُصدر أوامري للناس من حولي، وأردت السيطرة على كل شيء، ولم أكن فقط أُحضر إخوتي وأخواتي أمام الله وأُساعدهم على معرفته، ولكنّي أيضًا قدتهم إلى معاملتي كما لو كنت جليلًا وعظيمًا للغاية ... وكنت كُلَّما أفكّر أكثر في هذا الأمر، شعرت أن تصرفاتي قد أثارت اشمئزاز الله، وأنني كنت مُغثيًا، لا أستحق شيئًا، وأنني خزلت إخوتي وأخواتي؛ وقد تجاوز شعوري بالخزي، في ذلك الحين، كل الحدود. لقد عرفت أن الثمن الذي تكبّدته مقابل رغباتي الطموحة لم يكن يستحق أي شيء. كان سعيي المستميت إلى الحصول على مكانةٍ و أن أكون محط تقدير الآخرين، أمرًا سخيفًا. كنت في عجلة من أمري ليلًا ونهارًا؛ لقد تحمَّلت المصاعب، وعملت بجد، وذهبت إلى السجن. لقد اُضطُهِدتُ وعُذِّبتُ، وكنت بين ميت وحي، إلا أن ذلك لم يجعلني أفهم الله؛ بل على العكس، انتفخت طبيعتي المتغطرسة أكثر فأكثر، وأخذت رؤيتي لله تقل شيئًا فشيئًا حتى أنني توهّمت أنني أستطيع أن أحكُم كملِك عندما يأتي ملكوت الله. أدركت في ذات الوقت أيضًا أنه عندما تعرضت للاضطهاد من قِبَل الحزب الشيوعي في كنيستي السابقة، كان الله يستخدم ذلك ليجعلني أكثر قدرة على قبول عمله في الأيام الأخيرة. وخلافًا لذلك، نظرًا لوضعي ومكانتي في كنيستي السابقة، واستنادًا إلى حقيقة أنني لم أجعل الله نصب عينيّ ، وبسبب سلوكي المتكبّر المتعجرف، لم يكن بإمكاني على الإطلاق أن أتخلّى بسهولة عن منصبي وأقبل الله القدير. من المؤكد أنني كنت سأصبح خادمًا شريرًا يعوق رجوع الآخرين إلى الله، ويقاومه، وفي النهاية سيقاسي من عقابه! لم يسعني إلا أن أشكر الله من أعماق قلبي على خلاصه وصفحه العظيم عني. لذلك فقد أصبحت أكثر انضباطا بسبب ما كشفته كلمات الله، ولم أعد أجرؤ بعد الآن على أن أكون مُتطاولًا وعديم التعقُّل مع إخوتي وأخواتي.

تحسَّنت حالتي المرضية تدريجيًا بفضل رعاية الله وحمايته. وبالرغم من أنَّه لم يكن بإمكاني التحدّث بوضوح، إلا أنني كنت أستطيع ركوب الدراجة، والقيام بأعمال بسيطة في الشؤون العامة. ومع ذلك، ولأن طبيعتي المتغطرسة كانت قد أصَّلت جذورها في أعماقي، فقد رتَّب ليّ الله مرة أخرى أشخاصًا وأشياءً جُدد ليحكموا عليّ ويغيِّروني. وفي أحد الأيام، رتَّب ليّ قائد الكنيسة لأقوم بمهام الاستضافة. وبعدما سمعت هذا شعرت بعدم الرغبة على الإطلاق في القيام بذلك. كنت أعتقد أن العمل كمضيف كان إهدارًا لقدراتي، لكنني أيضًا لم أستطع الرفض، لذا وافقت على مضض. وبينما كنت أقوم بعمل الضيافة، كان بعض الإخوة والأخوات يجتمعون في منزلي، وجعلوني أُراقب الباب لحماية محيطنا. مرة أخرى ثارت أفكاري بداخلي: مضيفٌ فقط، أرقب بعيني الباب، ماذا سأجني من وراء هذا؟ ورحت أفكّر مرة أخرى في الماضي. يا لشموخي عندما كنت أعتلي المنبر، ولكني في مهامي اليوم لا مكانة لي ولا تقدير. كنت في منزلة مُتدنية للغاية! لذلك بعد فترة من الوقت، تعاظمت مقاومتي الداخلية أكثر فأكثر، وازداد شعوري بالظلم أكثر فاكثر، ولم أعد أرغب في القيام بتلك المهمة. وعندما مرَّت بي قائدة الكنيسة في وقت لاحق، لم يعد بإمكاني كتمان الأمر أكثر من ذلك؛ فقلت لها: "يجب أن تعطيني مهمّة أخرى لأقوم بها. جميعكم تعظون بالإنجيل وتعتنون بالكنيسة، بينما أنا في البيت أقوم بعمل الضيافة وأراقب الباب – ماذا سأجني مستقبلًا؟" ابتسمت الأخت وقالت: "أنت مخطئ. لا يوجد أمام الله، مهمَّة كبيرة أو صغيرة، ولا يوجد مكانة أعلى أو أدنى. وبغض النظر عن ماهية المهمة التي نقوم بها، فلكل منّا وظيفته. إن الكنيسة هي وحدة متكاملة، بها وظائف شتى، ولكنها جسدٌ واحدٌ. دعنا نقرأ مقطعًا من كلمات الله". ثم قرأَت لي هذا المقطع: "يحظى كل أولئك الذين يحبون الله حقًا بفرصة أن يكمّلهم الله في التيار الحالي. وسواء كانوا صغارًا أم كبارًا، فما داموا يحافظون على طاعة الله في قلوبهم ويتقونه، فيمكن أن يُكمِّلهم. يُكمِّل الله الناس وفقًا لوظائفهم المختلفة. ما دمتَ تبذل كل ما في وسعك وتخضع لعمل الله فسوف يكملك الله. ليس أحد منكم كاملًا في الوقت الحاضر. أحيانًا تكونون قادرين على أداء نوع واحد من الوظائف، وأحيانًا أخرى يمكنكم أداء نوعين؛ ما دمتم تبذلون أقصى ما في وسعكم كي تبذلوا أنفسكم لله، ففي نهاية المطاف سوف يُكمِّلكم الله" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. عن أداء كل شخص لوظيفته). وبعد الاستماع إلى كلمات الله هذه والشركة مع الأخت، هدأ قلبي واستنار. وفكّرت محدثًا نفسي: اتّضح أن الله يُكمِّل الناس بناءً على الوظيفة المختلفة لكل فرد؛ وهو لا ينظر إلى كون الناس يتمتعون بمكانةٍ أم لا، أو ماهية العمل الذي يؤدونه؛ فما يقوم الله بتكميله هو قلوب الناس وطاعتهم، وما ينظر إليه هو ما إذا كان سيحدث تغييرًا في طباعهم في نهاية الأمر. وبغض النظر عن ماهية المهمة التي يؤدونها، فطالما يبذلون فيها كل ما في وسعهم، وطالما أنهم في تقوى كاملة، وإذا ما ألقوا عن أنفسهم طبعهم الفاسد بينما يقومون بعملهم، فحينئذٍ يستطيع الله أن يكمّلهم. وعلى الرغم من أن الناس يؤدُّون وظائف مختلفة في الكنيسة، فإن الهدف هو دائمًا إرضاء الله. إنَّهم جميعًا يقومون بواجب المخلوق. إذا استطاع الناس الوقوف أمام الله والقيام بواجبهم بدون أغراض شخصية أو أدناس، فإنه حتى إذا احتقر الآخرون الواجب الذي يؤدونه واعتقدوا أنه ليس ذا قيمة، فإنه يكون عزيز وثمين في عيني الله. أما إذا كان الناس يؤدون واجبهم لتحقيق أغراضهم ورغباتهم، بغض النظر عن مدى عظمة عملهم و ماهية الواجب الذي يؤدونه، فإن هذا لن يرضي الله. وبعد ذلك قرأت كلمات الله هذه : "يجب على الإنسان ككائن مخلوق أن يقوم بواجبه، وأن يفعل ما يجب عليه فعله، وأن يفعل ما يستطيع فعله، بغض النظر عما إذا كان سيُلعَن أو سيُبَارَك. هذا هو الشرط الأساسي للإنسان الذي يبحث عن الله. يجب ألا تقوم بواجبك لتتبارك فحسب، وعليك ألا ترفض إتمامه خوفًا من أن تُلعَن" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. وجه الاختلاف بين خدمة الله المتجسِّد وواجب الإنسان). لقد فهمت من كلمات الله هذه أنني كمخلوق، فإن عبادة الله حقة وواجبة. لا ينبغي أن يكون لي اختياري الخاص، وبالتأكيد لا ينبغي أن أناقش شروطًا أو أُجري صفقات مع الله. إن كان إيماني بالله وقيامي بواجبي هو بهدف الحصول على بركات أو إكليل، فإن هذا النوع من الإيمان ليس من ضمير صالح أو عقل راجح، بل هو منظور غير لائق. لم أكن راغبًا في القيام "بعمل بسيط" وأداء "مهام صغيرة" – أوليس هذا يعني أنني كنت ما أزال خاضعًا لسيطرة الطموحات المتعجرفة في السعي وراء البركات وتقدير الآخرين؟ كنت أعتقد في ذهني أنه من خلال المكانة والسلطة، يمكنّي أن أعمل كقائد، وأنني كلما عملت أكثر كلما كان الله أكثر سرورًا، وكلما نلت مديح الله ومكافأته. كنت ما أزال لا أستطيع التخلي عن المكانة، وكنت دائمًا أسعى إلى القيام بعمل عظيم، ومباشرة مهام كبيرة حتى يمكنني في نهاية المطاف أن أنال إكليلًا عظيمًا.لقد أسأت أيضًا فهم مشيئة الله، وكنت غير راضٍ عن المهمة التي رتبتها لي الكنيسة، وشكوت من ذلك، حتى أنني اعتقدت أن القيام بمهمة المضيف كان إهدارًا لمهاراتي، وأن هذه كانت طريقة للاستهانة بي. كنت متغطرسًا وجاهلًا للغاية! وتحت حكم كلمات الله، شعرت بالخزي مرةً أخرى. وأيضًا بسبب الاستنارة التي نلتها من كلمات الله، أدركت مشيئته. كنت أعرف ما هو نوع الشخص الذي يحبه الله، وما هو نوع الشخص الذي يكمّله الله، وما هو نوع الشخص الذي يثير اشمئزازه. اكتسبت قلبًا مطيعًا لله، وبعد ذلك وضعت إرادتي أمام الله، وأردت أن أكون الشخص الأصغر والأكثر تواضعًا في الكنيسة، وأن أستمر في أداء واجبي كمضيف، وحراسة محيطنا، والسماح لأخوتي وأخواتي بالاجتماع بمنزلي في سلامٍ دون أن أضطرب. وأردت بذلك أن أريح قلب الله.

ومن خلال هذا الاختبار، أدركت مدى عظمة كلمات الله، وأنَّه قد أفصح عن الحق وعن كل مشيئته لخلاص البشرية. كل ما نحتاج إليه هو المواظبة على قراءة كلماته حتى ندرك الحق في كل شيء، ونفهم مشيئته، ونقرر مفاهيمنا ومعتقداتنا. ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، أصبحت أكثر تعطّشًا لكلماته، وبدأت أستيقظ في الرابعة أو الخامسة كل صباح لأقرأ كلماته. وبمرور بعض الوقت، استطعت أن أتذكر جزءًا من كلماته، واكتسبت يقظةً تجاه مشيئته، واستمتعت بذلك حقًا في قلبي. وفي وقت لاحق، كان هناك أخ مسؤول عن عمل البشارة، وقد مكث مرارًا في بيتي. وقد حدث عدة مرات أنه عندما كان يعظ بالإنجيل ويواجه صعوبات، كان يطلب مني أن أبحث عن كلمات الله لحلها. وقد رأى أنه بإمكاني أن أجدها بسرعة كبيرة، وبعد ذلك، كان عندما يواجه معضلات يطلب مني على الفور المساعدة في العثور على بعض كلمات الله. كان معجبًا بي حقًا. وبدون أن أقصد بدأت طبيعتي المتعجرفة تطل برأسها من جديد. وفكَّرت محدثًا نفسي: على الرغم من أنك مسؤول عن الوعظ بالإنجيل، فمازلت مضطرًا لمساعدتك في حل المعضلات.أنت لم تقرأ كلمة الله بقدر ما قرأتها أنا، ولا تفهم الكثير منها كما أفهم أنا. لقد اكتسبت الحق بالفعل. لو كنت مسؤولًا عن الوعظ بالإنجيل، لكنت بالتأكيد أقدر عليه منك. وعلى ذلك بدأت أستخف بأخي في قلبي، وبعد فترة وصل بي الحال إلى أنني بدأت أتجاهله. وفي وقت لاحق زارتني قائدة الكنيسة في منزلي وسألتني: "كيف كان حالك في الآونة الأخيرة؟" فأجبتها في ثقة كاملة، "على ما يُرام. أقرأ كلمات الله وأصلي كل يوم. وقد رأى ذلك الأخ أني أفهم قليلًا كلمة الله، لذا فإني أساعده دائمًا في العثور على كلمات الله لحل معضلات ...". أحسَّت قائدة الكنيسة بنبرة الغطرسة فيما قلت، وتناولت كتاب كلمات الله، وقالت: "دعنا نقرأ بضعة مقاطع من كلماته". يقول الله: "لأنه كلَّما علت مكانتهم، زاد طموحهم؛ وكلَّما فهموا التعاليم، أصبحت شخصيَّاتهم أكثر كبرياء. إذا كنت في إيمانك بالله لا تتبع الحقّ بل تتبع المكانة بدلاً من ذلك، فأنت في خطرٍ" ("يُكثر الناس من مطالبهم من الله" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). "بغضّ النظر عن أيّ جانبٍ من جوانب واقع الحقّ التي سمعتها، إذا قست نفسك عليها ونفَّذت هذه الكلمات في حياتك وأدمجتها في ممارستك، فسوف تكسب شيئًا بالتأكيد وسوف تتغيَّر بالتأكيد. أمَّا إذا حشوت هذه الكلمات في داخلك وحفظتها عن ظهر قلب في عقلك، فلن تتغيَّر أبدًا. ... ينبغي أن تضع أساسًا جيِّدًا. إذا وضعت في البداية أساسًا من الحروف والتعاليم، فسوف تكون في ورطةٍ. يبدو الأمر كما لو كان الناس يبنون منزلاً على الشاطئ: سوف يكون المنزل مُعرَّضًا لخطر الانهيار بغضّ النظر عن ارتفاعه، ولن يستمرّ بقاؤه لفترةٍ طويلة" ("أكثر ممارسة جوهرية يمارسها الشخص الأمين" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). وما أن سمعت كلمات الله هذه حتى شعرت بخزي تام. أدركت أن طبيعتي المتعجرفة كانت تطل برأسها من جديد. في إيماني بيسوع في الماضي، كنت أركز على اكتساب المعرفة العميقة وفهم النظريات في الكتاب المقدس، واستخدمت ذلك كأساس حتى أكون عظيمًا وذا شأن رفيع، وحتى يتعاظم كبريائي أكثر فأكثر. كنت ساعتها محظوظًا حيث أصبحت أستطيع قراءة الكثير من الحق في كلمات الله، غير أنني عدت إلى مسلكي القديم، وكنت أعتمد على فكري الخاص. كنت قد حفظت بعض الجمل من كلمات الله، واعتقدت أنني اكتسبت الحق. ومرةً أخرى أصبحت متغطرسًا ولم أكن أنصت إلى أي أحد. ورحت أتنازع وأتنافس مع الآخرين على المكانة. كان حقًا أمرًا مخزيًا للغاية! إن إدراك الناس للنظريات في الكلمات لا يمكن أن يصل بهم إلّا إلى الكبرياء؛ ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعرفون الحق الذي في كلمات الله سيستطيعون أن يغيروا طباعهم و يعيشوا كبشر. كان ذلك الأخ قد آمن بالله قبلي، وقد فهم أكثر مما فهمت، ولكنه استطاع أن يسعى للحصول على مساعدتي في تواضعٍ. وكان هذا في الحقيقة موطن قوة فيه، وكان ثمرةً من خبرته في عمل الله وكلمته. وبدلًا من أن أتعلَّم منه، وأُركّز على تنفيذ كلمة الله في حياتي، وأعيش الإنسانية بمعناها السليم، رحت أستهين به وأتجاهله. كم كنت متعجرفًا، وأعمى، وجاهلًا! كان قلبي في ذلك الوقت في ألمٍ عظيم، وشعرت أن هذه الطبيعة المتغطرسة كانت حقًا مُخزية وقبيحة. كان أمرًا مقززًا للغاية! وهذا النوع من الغطرسة، التي وصلت إلى حد الخلو من كل تعقّل، من السهل جدًا أن يسيء إلى شخص الله و يثير غضبه. فبدون أن أغيّر من نفسي، وبدون السعي الحقيقي نحو الحق، كنت حتمًا سأحطّم نفسي. عندما أدركت هذا كله، شعرت حقًا أن الدينونة والتوبيخ في كلمات الله كانا حبًا وخلاصًا منه لي. وقد جعلني هذا أشعر بالكراهية تجاه طبيعتي المتكبّرة، وفهمت أنني في إيماني بالله، يجب أن أسير في الطريق الصحيح طالبًا للحق، وساعيًا إلى تغيير شخصيتي.

بعد ذلك، بدأت أبحث في نفسي عن جذور كبريائي وعدم تعقّلي، وما هو الذي كان يوجّه تفكيري، وما الذي جعلني كثيرًا ما أكشف عن طبيعتي الشيطانية المتكبّرة. وذات يوم رأيت هذه الكلمات من الله: "وكل ما يقوم به الشيطان هو لنفسه. فهو يريد أن يتخطى الله ويتحرر منه ويمارس السلطة بنفسه ويملك كل ما خلقه الله. لذلك، فإن طبيعة الإنسان هي طبيعة الشيطان. ... تنطوي طبيعة الإنسان الشيطانية على قدرٍ كبير من الفلسفة المُتضمَّنة فيها. ففي بعض الأحيان لا تكون على درايةٍ بها أو غير مُتأكِّدٍ بشأنها، ولكنك تعيش على أساس ذلك في كلّ لحظةٍ. وتعتقد أنها صحيحةٌ ومعقولةٌ جدًّا وغير خاطئة. يكفي هذا لإيضاح أن فلسفة الشيطان قد أصبحت طبيعة الناس، ويعيش الناس في وفاقٍ تامّ معها ولا يتمردون عليها على الإطلاق. ولذلك، دائمًا ما يكشف الناس عن طبيعة شيطانية، ويعيشون دائمًا بفلسفة شيطانية في كافة الاعتبارات. فطبيعة الشيطان هي حياة الإنسان" ("كيف تسلك طريق بطرس؟" في "تسجيلات لأحاديث المسيح"). تأملت في كلمات الله هذه، فاستنار قلبي أكثر فأكثر. ورحت أفكّر: من الواضح أنه بعدما أفسد الشيطان البشرية، أصبحت طبيعتنا أيضًا مُتعالية، ومُتصلّبة، وتغربت عن عبادة الله تمامًا مثل الشيطان نفسه، نسعى إلى أن ننال تقدير الآخرين، ونتعبّد لذواتنا واضعين أنفسنا مكان الله. ومن خلال التأثير الاجتماعي والكلمات المعروفة من أُناسٍ مشهورين، غرس الشيطان تفكيره وفلسفته للحياة وقوانين البقاء الخاصة به في قلب الإنسان، فأصبحت شيئًا يستند إليه الناس في حياتهم؛ البشرية، وهي توجِّه تفكير البشرية، وتسيطر على تصرّفاتهم، وتجعلهم متكبرين وغير متعقلين أكثر فأكثر. تأمّلت في حقيقة أنني تعرَّضت في طفولتي للاستبداد وعدم المساواة، وبدأت أحسد أولئك الذين كانوا يتمتّعون بالسلطة والمكانة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قوانين البقاء الشيطانية، مثل: "يكافح الناس للصعود، ولكن الماء يتدفق إلى أسفل"، "سأنتصر كما على الأرض كذلك في السماء"، "الارتفاع فوق الآخرين"، "والمكانة الاجتماعية للعائلة" قد غُرِسَت وتأصّلت في قلبي منذ سن مبكرة، وهي تسيطر على حياتي. كنت أبذل قصارى جهدي من أجل المكانة والسمعة في العالم و في الكنيسة على حدٍ سواء؛ وكنت أسعى لكي يكون لي شأن أعلى من الآخرين، وحتى أكون مسؤولًا عن الآخرين. ولمَّا تسممت بهذه الأمور، صرت متكبراً أكثر فأكثر حتى أصبحت مختالًا فخورًا، فكنت دائمًا الآمر الناهي. كنت متغطرسًا لدرجة أنني آمنت بأنني مُرسلٌ من قِبَل الله، وكنت أعتقد أنني سأملك كمَلِك مع الله. وبسبب هذه السموم رأيت نفسي مرتفعًا جدًا؛ رأيت نفسي عظيمًا حقًا. كنت أضع دائمًا مؤهلاتي، وهي أنّي قَبِلت الإيمان منذ فترةً طويلة، في وجوه إخوتي وأخواتي، ورحت أُقارن بين نقاط قوتي ونقاط ضعف الآخرين. أنا لا أهتم وألقي نظرة على الآخرين. لم أستطع أن أعاملهم بإنصافٍ، ولم أُدرِك جوهر الشيطان وحقيقة فساده. لقد جعلني سم الشيطان في غاية الكبرياء حتى أنني فقدت عقلي كإنسان. فكنت مثل الشيطان تمامًا، أريد الاستيلاء على السلطة في كل الأمور. كنت أريد منصبًا عاليًا لأحكُم البشرية. لقد أضرَّت بي سموم الشيطان هذه أشد الضرر، أضرَّت بي بصورة عميقة للغاية، لدرجة أنّي كنت أعيش كشبيه كامل للشيطان! صلَّيت إلى الله قائلًا: "آه يا إلهي، لم أعد أرغب في العيش بحسب هذه الأمور. لقد عانيت بصورة شنيعة منها، لقد كنت أحيا في قُبحٍ لا يُطاق وجعلتك تشمئز منّي. آه يا إلهي، كم أرغب أن أبذل قصارى جهدي في السعي إلى الحق، وحتى أكون شخصًا لديه حقًا ضمير وعقل، ولكي أعيش كما يعيش الشخص الأمين، وحتى أُريح قلبك. اللهم إنني أرجوك ألاّ تنزع دينونتك وتوبيخك عني، أرجوك أن تدع عملك ينقيني. طالما أنه من الممكن أن أتغيَّر وأن أصبح شخصًا أمينًا، وأن أكون مِلكك حالًا، فأنا على استعداد لقبول دينونةٍ وتوبيخ أكثر شدةً من لدنك، وتزكية تأديبك".

قرأت ذات يوم كلمات الله، التي تقول: "ليس لدى الله أوجه بر ذاتي وأنانية، أو غرور وغطرسة؛ وليس لديه اعوجاج. فكل عصيان لله يأتي من الشيطان؛ فالشيطان هو مصدر كل قُبحٍ وشرٍ. السبب في أن الإنسان يتَّسِم بصفاتٍ مشابهة لتلك التي يتَّسِم بها الشيطان هو أن الشيطان قد أفسد الإنسان وحوّله. لكن الشيطان لم يُفسد المسيح، ومن ثمَّ فهو لا يمتلك سوى سمات الله، ولا يمتلك أيًا من سمات الشيطان" (الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. جوهر المسيح هو الطاعة لمشيئة الآب السماوي). تحرَّك قلبي مرةً أخرى. إن الله مهيب وعظيم للغاية، ومع ذلك فهو متواضع ومختفي. إنه لا يتفاخر أبدًا بنفسه، وهو لا يتّخذ أبدًا مكانة مرتفعة وقوية في عمله وسط البشرية. إنه دائمًا يقوم بكل الأعمال التي يحتاجها الإنسان في هدوء، ويتسامح مع التحقير والألم الشديدين دون أن يرى في ذلك مشقة. وعلى العكس، فإنَّه يعاني ويحزن بسبب الإنسانية التي تعيش في مجال الشيطان وتتقيد بفلسفته. إنه يبذل كل جهد ممكن فقط من أجل تخليص البشرية من نفوذ الشيطان، حتى يستطيع الناس أن يربحوا الحياة، وأن يعيشوا في حريةٍ وبدون قيود، ولكي يمكنهم أن يقبلوا بركاته. إنَّ الله عظيمٌ جدًا، وقدوس جدًا، وفي حياته لا توجد عناصر البر الذاتي وأهمية الذات، لأن المسيح نفسه هو الحق، والطريق، والحياة. هو العليّ، وهو كذلك المتّضع والجميل. عندما رأيت مَن يكون المسيح وما يملكه، زاد شعوري بأنني متعالي ووقح، واشتقت إلى أن أتبع مثال المسيح، لكي أسعى إلى العيش كما يليق بإنسانٍ سوى من أجل إرضاء الله. بعد ذلك، أصبح اتّباع مثال المسيح والعيش كما يليق بشخص أمين هو الهدف الذي سعيت إليه.

وفي وقت تالٍ قرأت في وقتٍ ما مقطعًا من كلمات الله، ولم أستطع فهمه. لم أكن أعرف ما الذي يعنيه، ولكن من أجل حفظ ماء الوجه، لم أرغب في أن أنحي ذاتي جانبًا وأطلب الشركة مع إخوتي وأخواتي. كنت أخشى أن يزدروني لأنّي اعتدت على تفسير المعضلات للآخرين، ولم يسبق لي أن طرحت أي من معضلاتي لأطلب مساعدة الآخرين. أدركت فيما بعد أن عدم رغبتي في الانفتاح على الشركة كانت ما تزال نتاج هيمنة طبيعتي المتعجرفة وعدم رغبتي في أن يستخف بي الآخرون. تمرَّدت على الجسد لأطلب شركة إخوتي وأخواتي. لم أتخيل أبدًا ما حدث، فهم لم يستهينوا بي، وليس ذلك فقط، بل تواصلوا معي في صبرٍ حول مشيئة الله، وتم تفسير معضلتي سريعًا جدًا. وفي وقتٍ آخر طلب مني أخٌ أن أقوم بتوصيل خطابًا يخص عمل الكنيسة. وبسبب كبريائي وأنني أتممت المهمة بحسب أفكاري الخاصة، لم يتم تسليمه في الوقت المناسب. وعندما رأى أن العمل سيتعطّل بسبب هذا الأمر، أصبح هذا الأخ قلقًا جدًا، فتعامل معي وكشفني. في ذلك الوقت انتابني قدرٌ كبير من عدم الارتياح وشعرت بالحرج، لكنني كنت أعلم أيضًا أن هذا كان ضمن تعاملات الله معي ليهذّب بعض جوانبي. إنه عمل الله الذي كان يختبر إن كان لديّ طاعة أم لا، وما إذا كنت أستطيع أن أضع الحق في حيز التنفيذ أم لا. صليت إلى الله: "آه يا الله، اليوم تعامل أحد أخوتي معي، وشعرت بعدم الارتياح. بل وأيضًا أردت أن أقاوم، ذلك لأنني كنت دائمًا في الماضي أشغل المنصب الأعلى، وكنت أوجّه التوبيخ للآخرين، ولم أخضع أبدًا للحق. كنت أعيش دائما على شبه الشيطان. أما الآن، فقد اختبرت قدرًا كبيرًا للغاية من عمل الله، وأدرك أن الشخص الذي يستطيع قبول التعامل معه وتهذيبه هو الأكثر تعقلًا. إنه شخصٌ يطيع الله ويخاف الله. إن هذا النوع من الأشخاص هو الذي يتمتع بالقدر الأوفر من الاستقامة و الأخلاق الإنسانية. إنّي الآن على استعداد أن أتخلّى عن جسدي بقلب تغمره محبة الله. إنّي أرغب أن تُحرِّك قلبي، وتكمّل عزمي". وقد شعرت بعد هذه الصلاة، بقدر كبير من السلام والهدوء في قلبي. لقد رأيت أن ما فعله الله كان عظيمًا، وأنَّه من خلال الناس والأحداث والأشياء، ساعدني أن أتعرُّف على حقيقة نفسي حتى أستطيع أن أتغيَّر بأسرع ما يمكن. إنّني أرغب من الآن فصاعدًا أن أطلب الله أكثر، وأن أعتمد على الله في أداء واجبي على أكمل وجه ممكن. لقد شعر أخي بعد ذلك بالقلق من أنني لن أكون على استعداد لقبول كل هذا، لذلك فقد تحدَّث معي عن مشيئة الله. وتحدثت عن إدراكي الذي اكتسبته من خلال اختباراتي الشخصية. ضحكنا على هذا معًا، وشكرت الله من قلبى لأجل خلاصه ولأجل أنه غيّرني. ليكن كل المجد لله!

وبذلك تغيّر طبعي المتعجرف تدريجيًا خلال الفترات المتعاقبة من دينونة الله القدير وتوبيخة؛ فأصبح بإمكاني أن أكون شخصًا بسيطًا، وأن أُصغي بصبرٍ عندما يتحدث الآخرون، وأن أهتم باقتراحات الآخرين، وأن أطلب آراء إخوتي وأخواتي فيما يخص بعض الأمور، وأن أتعاون في انسجام معهم؛ ومهما طرأ من أحداث لم يعُد يهمّني أن تكون لي الكلمة الأخيرة، ولم أعد متكبرًا للغاية، وأصبحت أرغب في الاستماع إلى الآخرين. لقد اكتسبت أخيرًا قدرًا يسيرًا من الإنسانية. ومنذ ذلك الحين شعرت أنني أصبحت شخصًا أبسط بكثير من ذي قبل، أعيش بسهولة كبيرة وبسعادة بالغة، شاكرًا الله القدير من أجل خلاصه لي. فبدون خلاصه، كنت ما أزال أٌصارع صراعًا مريرًا وسط الظلام والخطيئة دون أن أستطيع أبدًا أن أهرب من الفساد. فبدون خلاص الله، لما ازدادت طبيعتي إلَّا تكبرًا ،وحتى لو تعبَّد الناس لي كما يتعبَّدون لله، وحتى إن وصل بي الحال إلى الإساءة لشخصية الله والمعاناة من عقابه، لبقيت غافلًا عن كل ذلك. ومن خلال الفترات المتعاقبة من دينونة الله وتوبيخه، رأيت أن حبه حقيقي للغاية، وأنه كان دائمًا يستخدم حبه للتأثير عليّ، منتظرًا أن ألتفت إليه. وبغض النظر عن مدى تمرّدي، ومهما كانت صعوبة التعامل معي، وأيًّا كان عدد المرات التي تزمَّرت فيها على الله و أسأت فهمه، لم يكن أبدًا يوليها اهتمامًا. كان ما يزال يجهّز لي بكل عناية كل نوع من البيئة يمكنه من خلاله أن يدعو قلبي ويوقظ روحي وينقذني من تجربة الشيطان، ويدعني أحيا في نور الله، وأسير في الطريق الصحيح للحياة الإنسانية. لقد انتظر الله بطول أناة لأكثر من عشرين عامًا ودفع ثمنًا هائلًا من أجلي – وعندئذٍ فقط أيقظ روحي المتصلّبة المُخدَّره. رأيت أن محبة الله شاسعة حقًا، ولا نهاية لها! لقد أصبحت الآن دينونة الله وتوبيخه كَنزي، وهما أيضًا مصدر نفيس للغنى من خلال اختباراتي، وشيء لن أستطيع أبدًا نسيانه. كان لهذه المعاناة قيمة ومعنى. وبالرغم من أنني ما أزال بعيدًا جدًا عن متطلبات الله، فإنني أسعى بثقة نحو إحداث تغييرٍ في طباعي، وأرغب في أن يكون لي اختبار أعمق لدينونة الله وتوبيخه. إنّي أُؤمن أنه يستطيع بالتأكيد أن يحوِّلني إلى شخصٍ أمين يستطيع أن يتوافق مع مشيئته.

التالي: ولادة ثانية

كيف يمكن لنا نحن المسيحيون أن نتحرَّر من رباطات الخطية ونتطهَّر؟ لا تتردد في الاتصال بنا لتجد الطريق.

محتوى ذو صلة

عند مفترق الطرق

ولدتُ في الريف ونشأت في أسرة فقيرة. كان والداي مزارعين بسيطيّ التفكير، تعرضا للتنمر كثيرًا. عندما كنت طفلًا، أقسمت أنني عندما أكبر سيكون لي...

أرى حقيقة نفسي أخيرًا

يقول الله القدير، "بماذا يتحقق تكميل الله للإنسان؟ بواسطة شخصيته البارّة. تتكوَّن شخصية الله في المقام الأول من البر والنقمة والجلال...

عاقبة التقنُّع والتخفِّي

في أكتوبر 2018، قبلت عمل الله القدير في الأيام الأخيرة. بعد ستة أشهر، خدمتُ شمَّاسة في كنيستي. واجهت العديد من الصعوبات عندما بدأت هذا...

الكفاح للتحدث بصدق

قبلت عمل الله القدير في الأيام الأخيرة عام 2017. عادة ما كان الوقت الذي أمضيته في الشركة مع الإخوة والأخوات سعيدًا جدًا لي لأنني كنت أتعلم...